Jump to content
منتدى البحرين اليوم

عيسى السادة

VIP
  • مشاركات

    810
  • انضم

  • آخر زيارة

Everything posted by عيسى السادة

  1. قال ‏‏ قال: ( إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، ‏فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن ) صححه الألباني . ‏ ‏ هذا الأثر يحوي المسائل التالية : ‏ ‏ ‏ المسألة الأولى: معنى اطلاع الله تعالى عباده ليلة النصف من ‏شعبان : أخبر الله تعالى في آيات كثيرة أنه مع عباده، مطلع على ‏أحوالهم ، صغيرها وكبيرها، فقال تعالى : { ألم تر أن الله يعلم ما ‏في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو ‏رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا ‏هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل ‏شيء عليم } . ‏ ‏ { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء ‏وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير } . ‏ ‏ { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } . ‏ ‏ وجاء في الأثر الصحيح أنه ينزل في كل ليلة إلى السماء ثم ‏ينادي : ( من يدعوني فأستجيب له؟، من يستغفرني فأغفر له؟، ‏من يسألني فأعطيه؟.. وذلك في الثلث الآخر منها ) . ‏ ‏ فاطلاع الله تعالى على أحوال عباده مبيّن في نصوص متعددة ‏، فأي جديد في حديث النصف من شعبان إذن؟ ‏ ‏ للإجابة نقول : بيان علم الله تعالى بأحوال العباد جاء في ‏النصوص بأوجه وصيغ متعددة : ‏ ‏ * فتارة بالإخبار بعلمه بكل ما في السموات والأرض، وبما ‏يجترحه العباد . ‏ ‏ * وتارة بالإخبار أنه يراهم ويسمعهم ويعلم ما في ضمائرهم. ‏ ‏ * وتارة بالإعلام أنه منهم قريب غير بعيد، وأنه معهم أينما ‏كانوا. ‏ ‏ * وتارة يخبرهم أنه مطلع عليهم . ‏ ‏ ‏ هذا التعدد في التعبير عن الإحاطة الإلهية الشاملة فيه التنبيه ‏والإشارة إلى الحذر من مواقعة ما حذر منه .‏ ‏ والجدّ فيما حث عليه ، فإذا الإنسان استشعر هذا القرب والمعية ‏والاطلاع والعلم الإلهي بأحوال الخلق فلعله يُحفَّز إلى الخير. ‏ ‏ وعندما تتنوع النصوص في هذا المعنى، وتأتي في كل مناسبة ‏بتعبير جديد، فذلك مما يلفت الانتباه ويجدد الهمة والعزيمة للخير. ‏ ‏ فطبع الإنسان الملل والنسيان، فإذا تجدد أسلوب الخطاب، ‏وتكرر من وقت لآخر، ومكان إلى آخر، أعان على طرد الملل، ‏واستعادة الذاكرة لما نسي من العلم. ‏ ‏ إذن ، فخبر اطلاع الله تعالى في ليلة النصف من شعبان هو ‏تذكير وتجديد للعلم بمعرفة الله تعالى بما يكون من الإنسان، فهي ‏موعظة توقظ الغافل، وتجدد الهمة .‏ ‏ المسألة الثانية: الحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الاطلاع ‏الإلهي ، والمغفرة الإلهية لجميع الخلق: في هذه الليلة فضيلتان : ‏ ‏ الأولى : تخصيصها بالاطلاع الإلهي على أحوال الخلق، ‏ولولا فضل الإنسان وكرامته لما خص بهذا الفعل. ‏ ‏ الثانية: تخصيصها بالمغفرة ابتداء كرما، دون سبب متقدم إلا ‏الإسلام ، فمن كان مسلما فله هذا الثواب. ‏ ‏ والحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الفضل : أنها ليلة من ‏شهر مبارك، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت ‏رسول الله ‏‏ في شهر أكثر منه صياما في شعبان ) متفق عليه . ‏ ‏ وعن أسامة بن زيد قال: ( قلت: يا رسول الله!، لم أرك تصوم ‏من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟، قال: ذاك شهر يغفل ‏الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ‏رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي. ‏ ‏ وشهر شعبان مقدم شهر رمضان المبارك ، تضاعف فيه ‏الأجور ، وتفتح فيه أبواب الرحمة، فكأنه أراد من عباده التحلل ‏من كل ظلم : ظلم النفس بالشرك، وظلم العباد بالتباغض. ‏ ‏ حتى لا يحرموا تحصيل الأجر الجزيل، كما جاء وصفه في ‏الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا ‏أجزي به ) . ‏ ‏ فلصيام رمضان أجر غير مقدر، تكفل الله تعالى به، ومن ‏رحمته بعباده أنه يريد لهم نيل هذا الثواب العظيم ، ولأجله حثهم ‏على التحلل من كل ما يكون سببا في حرمانهم الثواب ، فالشرك ‏أعظم الذنوب المحبطة للأعمال الصالحة، والشحناء يفسد الدين ، ‏ويضيع ثوابا كبيرا . ‏ ‏ المسألة الثالثة: سبب استثناء المشرك والمشاحن من المغفرة ‏‏: في هذا الحديث بيان عموم مغفرة الله تعالى لجميع الخلق إلا ‏من استثني، وهم صنفان: مشرك، ومشاحن. ‏ ‏ فأما المشرك فهو: الذي عبد غير الله تعالى ، بأي نوع من ‏أنواع العبادة : من دعاء ، أو نذر، أو ذبح، أو حج، وغير ذلك.. ‏ ‏ فمن فعل ذلك فقد أشرك، واستحق العقوبة وهي: عدم المغفرة، ‏والخلود في النار، كما قال تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم ‏الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}. ‏ ‏ وقال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن ‏يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } . ‏ ‏ وأما المشاحن فهو: المباغض، والمخاصم، والمقاطع، ‏والمدابر ، والحاقد، والحاسد . فكل هذه أوصاف للشحناء، وهي ‏مفسدة لذات البين، مقطعة للصلات والأرحام . ‏ ‏ فالوصف المشترك بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ‏ويفسده ، والفرق أن الشرك يبطل الدين فلا يبقي منه شيئا، ‏ ‏ وأما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله.. ‏ ‏ وذلك أن مبنى العبادات في الإسلام على الاجتماع ، فالصلاة ‏في جماعة واجبة، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر، واتهم ‏المتخلف بغير عذر بالنفاق، فهذا اجتماع اليوم من العبادة ، ثم ‏حضور الجمعة واجب، وهو اجتماع الأسبوع، ثم حضور صلاة ‏العيد سنة ، وهو اجتماع العام، ويجتمعون للصلاة في النوازل : ‏في الكسوف ، والخسوف، والاستسقاء . ‏ ‏ وفريضة الحج لا يكون إلا باجتماع ، ‏ والصيام الفرض في وقت واحد في شهر واحد للجميع . ‏ ‏ والزكاة فريضة اجتماعية.. ‏ ‏ والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد عمل ‏جماعي . ‏ ‏ كل الشعائر شرعت جماعية، لم يخص بها فرد دون آخر، ‏وكلها تؤدى جماعة بأوقات متحدة، وبأحكام واحدة، فلا بد إذن في ‏إيقاعها والقيام بها من اجتماع، وأساسه التآلف والمحبة، فإذا انتفى ‏التآلف تضررت تلك العبادات ، بعضها بالنقصان والخلل ، ‏وبعضها بالزوال والترك : ‏ ‏ فلا تجد المتباغضين يجتمعون للصلاة في صف واحد، جنبا ‏إلى جنب؟. ‏ ‏ ولا تجد المتباغضين يعطف بعضهم على بعض بصدقة أو ‏إحسان؟. ‏ ‏ ولا تجد المتباغضين يجتمعون على دعوة أو أمر بمعروف ‏ونهي عن منكر أو جهاد؟. ‏ ‏ فالشحناء مفسدة للدين، تحلقه، وما دخل الحسد والحقد في ‏القلوب إلا وكان سببا في ضعف الإيمان، وربما انتفائه كلية، كما ‏حصل لإبليس لما حسد وحقد على آدم ‏، ولذا بالغ الشارع في ‏التحذير من الشحناء، وسلكها في سياق التحذير من أعظم الذنوب، ‏وهو الشرك، عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي ‏‏ قال : ( إن الله ‏ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي ‏للكافرين ، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه ) صححه الألباني. ‏ ‏ فالشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه، والشحناء مفسدة لعلاقته ‏بإخوانه المؤمنين ، وإذا فسدت علاقته بربه وبإخوانه لم يبق له ‏من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟. ‏ ‏ وإذا فسدت علاقته بإخوانه هتك دينه وأضر به، لذا حرم فضل ‏تلك الليلة المباركة. ‏ ‏ المسألة الرابعة: كيف نعظم هذه الليلة مستنين لا مبتدعين؟ : ‏لم يثبت عن النبي ‏‏ تخصيصه هذه الليلة بعبادة، وكان عامة ما ‏ورد فيها إما موضوع أو ضعيف، ولم يثبت عن الصحابة ‏رضوان الله عليهم شيء في هذا، وإنما جاء عن بعض التابعين، ‏مع مخالفة الأكثر لهم، فلا وجه إذن لاتخاذ ليلة النصف شعبان ‏شعيرة للعبادة تضاهي أيام الجمعة والأعياد وصلاة التراويح، فما ‏صح غاية ما فيه الحث على الإقلاع عن كبيرتين من كبائر ‏الذنوب هما : الشرك، والشحناء . ‏ ‏ فمن كان حريصا على بلوغ أجر هذه الليلة فعليه العمل ‏بموجب ما ثبت من الأثر، وما جاء الحث عليه، أما اختراع عبادة ‏وطاعة لم تثبت، ولم يدل عليه حديث صحيح، فليس إلا بعد عن ‏السنة والعمل الصالح، وقد قال رسول الله ‏‏ : ( من أحدث في ‏أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري . ‏ ‏ ‏
  2. خطورة البدع : وليعلم أن من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه يقع في عدة محاذير ‏منها : ‏ ‏ المحذور الأول : أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: { الْيَوْمَ ‏أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، لأن هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول ‏الآية، فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته . ‏ ‏ المحذور الثاني: أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله ، حيث أدخل في ‏دين الله تعالى ما ليس منه . قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ‏ورسوله } ؛ والله سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ الحدود وحذَّر من تعديها، ولا ريب ‏أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم بين يدي الله ورسوله ، وتعدى حدود ‏الله، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون . ‏ ‏ المحذور الثالث: أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين ‏عباده، كما قال الله تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } " ‏‏[الشورى:21]. ‏ ‏ المحذور الرابع: أن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما : ‏ ‏ إما أن يكون النبي ‏‏ جاهلاً بكون هذا العمل من الدين .‏ ‏ وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه، وكلاهما قدح في النبي ‏‏ . أما الأول فقد ‏رماه بالجهل بأحكام الشريعة، وأما الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين الله ‏تعالى. ‏ ‏ المحذور الخامس: أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى، ‏وإدخالهم فيها ما ليس منها، في العقيدة والقول والعمل، وهذا من أعظم العدوان الذي ‏نهى الله عنه. ‏ ‏ المحذور السادس: أن ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو ‏طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور، أو التقصير ، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه ‏بقوله: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ ‏عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، وفيما حذر منه بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ ‏فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } الأنعام: 159 . ‏ ‏ المحذور السابع : أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع ، فإنه ما ‏ابتدع قوم بدعة إلا هدموا من الشرع ما يقابلها. ‏ ‏ وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى، أو صح عن رسوله ‏‏ من الشريعة لكفاية لمن ‏هداه الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ ‏مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ ‏وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } َ.‏ ‏ وقال الله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاي فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى } . ‏
  3. سيرة الإمام العلامة الوالد الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله رحمة واسعة . الاسم والنسب هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين من آل رشيد وهم فخذ من عطية بن زيد وبنو زيد قبيلة مشهورة بنجد كان أصل وطنهم مدينة شقراء ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك. أسرته هذه الأسرة منهم من له ذكر وأخبار على الألسن لكنها لم تدون في كتب التأريخ لقلة العناية بتلك الأخبار في زمنهم وقد اشتهر جده الرابع وهو حمد بن جبرين وكان في أواسط القرن الثالث عشر حيث آل إليه أمر القضاء والولاية والإمارة في مدينة القويعية وكان ذا منزلة ومكانة في قومه فهو خطيبهم وأميرهم وقاضيهم مع ما رزقه الله من السعة في العلم والمال وتملك الآبار وإحياء الموات كما تدل على ذلك وثائق الملكية التي تحمل اسمه وأسماء بنيه من بعده. وقد أورث علما جما حيث كان له كتاب وعمال ينسخون الكتب الجديدة بالأجرة ولا يزال الكثير منها موجودا موقوفا عند بعض أحفاده ثم اشتهر بعده ابن ابنه إبراهيم بن فهد فتعلم العلم وأدرك الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ والشيخ عبد الله أبا بطين والشيخ حمد بن معمر وقرأ ونسخ وحفظ علما جما وأورث بعده مخطوطات تحمل اسمه منها ما نسخه بيده ومنها ما تملكه وقد تولى الإمامة والخطابة والإفتاء والتدريس وتعليم القرآن والحديث وتوفى في آخر القرن الثالث عشر وقام بعده ابنه عبد الله الذي حفظ القرآن وقرأ على أبيه وبعض علماء بلده وغيرهم وتولى الإمامة والخطابة والتعليم في قرية مزعل التابعة للقويعية . وقد نسخ كتبا بيده أوقفها بعده ومات سنة 1344هـ وتولى الإمامة والخطابة بعده ابنه محمد بن عبد الله وكان قد قرأ على أبيه ورحل في طلب العلم وحفظ الكثير من المتون ونسخ بيده كتبا ومات سنة 1355هـ وأما والد المترجم له فهو أحد طلبة العلم وحفظة القرآن ولد سنة 1321هـ وتولى الإمامة بعد أخيه ثم انتقل إلى بلدة الرين لطلب العلم على قاضيها عبد العزيز الشثري المكنى بأبي حبيب وأقام هناك حتى ارتحل بعد وفاة الشيخ أبي حبيب إلى الرياض ومات سنة 1397هـ. نشأته ولد الشيخ عبد الله بن جبرين سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية ونشأ في بلدة الرين وابتدأ بالتعلم في عام 1359هـ وحيث لم يكن هناك مدارس مستمرة تأخر في إكمال الدراسة ولكنه أتقن القرآن وسنه اثنا عشر عاما وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367هـ وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم ففي النحو على أبيه قرأ أول الآجرومية وكذا متن الرحبية في الفرائض وفي الحديث الأربعين النووية حفظا وعمدة الأحكام بحفظ بعضها . وبعد أن أكمل حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب وكان جل القراءة عليه في كتب الحديث ابتداء بصحيح مسلم ثم بصحيح البخاري ثم مختصر سنن أبى داود وبعض سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي . وقرأ سبل السلام شرح بلوغ المرام كله وقرأ شرح ابن رجب على الأربعين المسمى جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم وقرأ بعض نيل الأوطار على منتقى الأخبار وقرأ تفسير ابن جرير وهو مليء بالأحاديث المسندة والآثار الموصولة وكذا تفسير ابن كثير وقرأ كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد وأتقن حفظ أحاديثه وآثاره وأدلته وقرأ بعض شروحه وقرأ في الفقه الحنبلي متن الزاد حفظا وقرا معظم شرحه . وكذا قرأ في كتب أخرى في الأدب والتأريخ والتراجم واستمر إلى أول عام أربع وسبعين حيث انتقل مع شيخه أبي حبيب إلى الرياض وانتظم طالبا في معهد إمام الدعوة العلمي فدرس فيه القسم الثانوي في أربع سنوات وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377هـ وكان ترتيبه الثاني بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم أربعة عشر طالبا ثم انتظم في القسم العالي في المعهد المذكور ومدته أربع سنوات ومنح الشهادة الجامعية عام 1381هـ وكان ترتيبه الأول بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم أحد عشر طالبا وعدلت هذه الشهادة بكلية الشريعة . وفي عام 1388هـ انتظم في معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات ومنح شهادة الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جدا وبعد عشر سنين سجل في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه وحصل على الشهادة في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وأثناء هذه المدة وقبلها كان يقرأ على أكابر العلماء ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشائخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه. الحالة الاجتماعية تزوج بابنة عمه الشقيق رحمها الله وذلك في آخر عام 1370هـ ومع قرابتها كانت ذات دين وصلاح ونصح وإخلاص بذلت جهدها في الخدمة والقيام بحقوق ربها وبعلها وتوفيت عام 1414هـ . وقد رزق منها اثني عشر مولودا من الذكور والإناث مات بعضهم في الصغر والموجود ثلاثة ذكور وست إناث وقد تزوج جميعهم وولد لأغلبهم أولاد من البنات والبنين ولا يزالون يغشون أباهم ويخدمونه ويقومون بالحقوق الشرعية والآداب الدينية، أما الوضع المنزلي فقد كان في أول الأمر تحت ولاية والده فكان يخدمه ويقوم بما قدر عليه من بره وأداء حقه في نفسه وماله ولا يستبد بكسب ولا يختص بمال. ولما انتقل إلى الرياض وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي وكان يدفع له مكافأة شهرية فكان يدفع ما فضل عن حاجته لوالده الذي ينفق على ولده وولد ولده وبعد ثلاث سنين اضطر إلى إحضار زوجته وأولاده واستئجار منزل صغير وتأثيثه والنفقة عليهم فكانت المكافأة تكفي لذلك رغم قلتها لكن مع الاقتصار على الحاجات الضرورية وبقي يستأجر منزلا بعد منزل لمدة ثماني سنين فبعدها أعانه الله على شراء بيت من الطين والخشب القوي فهناك استقر به النوى حيث قام فيه سبعة عشر عاما يعيش في وسط من الحال لا إسراف فيه ولا تقتير ولم يتوسع في الكماليات والمرفهات لقلة ذات اليد ثم في عام 1402هـ انتقل إلى منزله الحالي الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية وعاش فيه كما يعيش أمثاله في هذه الأزمنة. عقيدته أما العقيدة والمذهب فقد نشأ على معتقد سليم تلقاه عن الآباء والأجداد والمشايخ العلماء المخلصين فتعلم عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فقرأ وحفظ ما تيسر من كتب العقائد كالواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وتلقى شرحها من مشائخه الذين تعلم منهم العلوم الشرعية فكانوا يفسرون غريبها ويوضحون المعاني ويبينون الدلالات من النصوص. وقد نهج والحمد لله منهج مشايخنا في تدريس كتب العقيدة السلفية فقرأ عليه التلاميذ الكثير من كتب العقائد المختصرة والمبسوطة كشروح الواسطية للهراس ولابن سلمان ولابن رشيد وشرح الطحاوية ولمعة الاعتقاد وشروح كتاب التوحيد وكذا الكتب المبسوطة لشيخ الإسلام وابن القيم وحافظ الحكمي وغيرهم ممن كتب في العقيدة وناقش الأدلة وتوسع في سردها. وكان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة يدرس كتب العقيدة ويشرف على البحوث والرسائل التي تقدم للجامعة في هذا القسم ويشترك في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه ويرشد الطلاب إلى المراجع المفيدة في الموضوع ولا زال إلى الآن يشرف على كثير من الرسائل وعلى اتصال بالجامعة زيادة على الطلاب الراغبين في هذه الدراسة . أما المذهب في الفروع فإن مشايخه الذين درس عليهم الفقه كانوا متخصصين في مذهب أحمد بن حنبل، لا يخرجون عنه غالبا وقد اقتصر عليه وأكثر من قراءة كتب الحنابلة والتعليق عليها ومعلوم أن مذهب أحمد هو أوسع المذاهب لكثرة الروايات فيه التي توافق المذاهب الأخرى غالبا فمن قرأ هذا المذهب وتوغل فيه أحاط بأكثر المذاهب ما عدى الافتراضات ونوادر المسائل التي يفترض الفقهاء وجودها فلا أهمية لدراستها فمتى وقعت أمكن معرفة حكمها بإلحاقها بأقرب ما يشابهها. شيوخه أما الشيوخ والعلماء الذين تتلمذ عليهم فأولهم والده رحمه الله تعالى فقد بدأ بتعليمه القراءة والكتابة في عام 59 هـ وكان رحمه الله من طلبة العلم وأهل النصح والإخلاص والمحبة وقد أفاد كثيرا بحسن تربيته وتلقينه وحرصه على التلاميذ ليجمعوا بين العلم والعمل. وقد توفي سنة 1397هـ ومن أكبر المشايخ الذين تأثر بهم شيخه الكبير عبد العزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثر الأمهات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض وحفظ عليه الكثير من المتون وتلقى عنه شرحها والتعليق على الشروح. وكان بدء الدراسة عليه عام 1367هـ حتى توفي عام 1397هـ بالرياض رحمه الله تعالى ولكن قلت القراءة عليه بعد التخرج للانشغال والتدريس ونحوه. ومن العلماء الذين قرأ عليهم واستفاد من مجالستهم فضيلة الشيخ صالح بن مطلق الذي كان إماما وخطيبا في إحدى القرى بالرين ثم قاضيا في حفر الباطن ثم تقاعد وسكن الرياض ومات سنة 1381هـ وكان ضرير البصر ولكن وهبه الله الحفظ والفهم القوي فقل أن يجالسه كبير أو صغير إلا استفاد منه وقد قرأ عليه بعض الكتب في العقيدة والحديث وحضر مجالسه التي يتعدى فيها الأكابر والعلماء ويأتي بالعجائب والغرائب. وبالجملة فهو أعجوبة زمانه رحمه الله وأكرم مثواه، ومن أشهر المشايخ الذين قرأ عليهم وتابع دروسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وهو غني عن التعريف به وقد تلقى عليه مع التلاميذ دروسا نظامية عندما افتتح معهد إمام الدعوة في شهر صفر عام 1374هـ وتولى تدريس القسم الذي كان المترجم معهم في أغلب المواد الشرعية كالتوحيد والفقه والحديث والعقيدة فدرس في الحديث بلوغ المرام مرتين في القسم الثانوي والقسم العالي وفي الفقه متن زاد المستقنع وشرحه الروض المربع مرتين أيضا بتوسع غالبا في شرح كل جملة وهم يتابعون ويكتبون الفوائد المهمة. وفي التوحيد والعقيدة قرأ كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ومتن العقيدة الحموية والعقيدة الواسطية له أيضا وشرح الطحاوية لابن أبي العز وغيرها وقد استمر سماحته في التدريس لهم حتى أنهوا القسم العالي في آخر سنة 1381هـ حيث توقف عن التدريس الرسمي وانشغل بالإفتاء ورئاسة القضاء حتى توفي عام 1389هـ في رمضان رحمة الله تعالى عليه. وقرأ في الدراسة النظامية على جملة من العلماء كالشيخ إسماعيل الأنصاري في التفسير والحديث والنحو والصرف وأصول الفقه وذلك من عام 1375هـ حتى التخرج والشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد في الفرائض لمدة ثلاث سنوات ودرس عليه أيضا في مرحلة الماجستير مادة الفقه عام 1388هـ وكان رحمه الله من فقهاء البلد وله مؤلفات مشهورة منها عدة الباحث بأحكام التوارث ومنها التنبيهات السنية شرح العقيدة الواسطية وهو أول الشروح الوافية لهذه العقيدة. وقرأ أيضا على الشيخ حماد بن محمد الأنصاري والشيخ محمد البيحاني والشيخ عبد الحميد عمار الجزائري في علوم وفنون متعددة وفي مرحلة الماجستير قرأ على الكثير من كبار العلماء كسماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد المتوفى سنة 1402هـ في الفقه طرق القضاء وحضر مجالسه منذ أن قدم الرياض واستفاد منه كثيرا في الأحكام والقصص والعبر والتأريخ والنصائح كما هو مشهور بذلك وقرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - وهو مشهور ومن كبار العلماء . وقد تتلمذ عليه واستفاد منه جمع غفير في هذه البلاد من القضاة والمدرسين والدعاة وغيرهم وهو ممن فتح الله عليه وألهمه من العلوم ما فاق به الكثير من علماء هذا الزمان وقد توغل في التفسير والاستنباط من الآيات وكذا في الحديث ومعرفة الغريب منه وكذا في العلوم الجديدة وأهلها. وكذا الشيخ مناع خليل القطان - رحمه الله - الذي درسهم في تلك المرحلة في مادة التفسير بتوسع وإيضاح وقد استفادوا كثيرا من مجالسته ومحاضراته حيث يأتي بفوائد كثيرة مستنبطة من الآيات أو الأدلة وله مؤلفات عديدة في فنون متنوعة وكذا الشيخ عمر بن مترك رحمه الله تعالى وكان من أوائل حملة الدكتوراه من السعوديين وقد قرأ عليه في مادة الفقه والحديث والتفسير . وكان شديد العناية بالأدلة والتعليلات وله معرفة تامة بالمعاملات المتجددة ويتوسع في الكلام حولها وقد استفاد منه كثيرا، ومنهم الشيخ محمد عبد الوهاب البحيري - رحمه الله - مصري الجنسية تولى التدريس في الحديث وكان يتوسع في الشرح وذكر المسائل الخلافية ويحرص على الجمع والترجيح فأفاده في كثير من المواضع المهمة ومنهم محمد الجندي - رحمه الله - مصري أيضا ولم يقم إلا بعض سنة حتى مرض فرجع إلى مصر وتوفي هناك رحمه الله ومنهم محمد حجازي - رحمه الله - صاحب التفسير الواضح ومنهم طه الدسوقي العربي - رحمه الله - مصري أيضا وكان ذا معرفة واسعة واطلاع وحفظ مع فصاحة وبيان وآخرون سواهم. وقد استفاد أيضا من مشايخ آخرين دراسة غير نظامية وأشهرهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- الذي لازمه في أغلب الحلقات التي يقيمها في الجامع الكبير بالرياض بعد العصر وبعد الفجر والمغرب بحيث يحضره العدد الكثير ويدرس في فنون منوعة من المتون والشروح المؤلفات ويعلق على الجمل ويوضح المسائل وينبه على الأخطاء ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم المهيزع - رحمه الله - وهو من المدرسين والقضاة وكان يقيم دروسا في مسجده وفي منزله ويستفيد منه الكثير ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن هويمل أحد قضاة الرياض قرأ عليه في المسجد وغيره وإن كان قليل التعليق لكنه يفيد على الأخطاء ويوضح بعض المسائل الخفية وفي آخر حياته ثقل سمعه واشتد مرضه ثم توفي رحمه الله تعالى في عام 1415هـ وقد استفاد أيضا من الزملاء والجلساء الذين سعد بالاقتران بهم وقت الدراسة ووفق بالقراءة معهم والمذاكرة في أغلب الليالي وفي أيام الاختبارات ومنهم الشيخ فهد بن حمين الفهد والشيخ عبد الرحمن محمد المقرن رحمه الله والشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن فريان والشيخ محمد بن جابر - رحمه الله - وغيرهم ممن سبقوه بالقراءة على المشايخ وتعلموا كثيرا مما فاته فأدركه بواسطتهم فكان يقرأ عليهم الشرح ويتلقى إصلاح بعض الأخطاء اللغوية والبحث في المسائل الخلافية ومعرفة الكتب المفيدة في الموضوع وكيفية العثور على المسألة في الكتب المتقاربة في الفقه الحنبلي وكذا معرفة طرق الاستفادة من كتب اللغة واختصاص كل كتاب بنوع من المواضيع ونحو ذلك مما يفوت من يقرأ بمفرده فلذلك ينصح المبتدئ أن يقترن في المذاكرة والاستفادة بمن هم أقدم منه في الطلب ليضم ما عندهم إلى ما عنده. وقد ذكرنا أن أقدم هؤلاء المشايخ هو الشيخ عبد العزيز الشثري رحمه الله وقد بالغ في الثناء عليه ولما انتقل إلى الرياض عام 1374هـ استصحبه معه وذكر لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى بعض ما قرأ عليه وما وصل إليه مما جعل الشيخ يجعله مع أعلى التلاميذ عند تقسيمهم إلى سنوات في معهد إمام الدعوة العلمي وكان من آثار إعجابه أن طلبه ذلك العام لتولي القضاء ولكنه اعتذر بالدراسة والشوق إليها فعذره. الأعمال التي تقلدها أولها أن بعث مع هيئة الدعاة إلى الحدود الشمالية في أول عام 1380هـ بأمر الملك سعود وإشارة لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ورئاسة الشيخ عبد العزيز الشثري رحمهم الله تعالى مع بعض المشائخ ولمدة أربعة أشهر ابتداء من حدود الكويت على امتداد حدود العراق وحدود الأردن وحدود المملكة شمالا وغربا وكثير من مناطق المملكة وقاموا بالدعوة والتعليم وتوزيع النسخ المفيدة في العقيدة وأركان الإسلام حيث إن أغلب السكان من البوادي عاشوا في جهل عميق فهم لا يعرفون إلا اسم الإسلام والصلاة والصيام ونحو ذلك ويجهلون الواجبات وما تصح به الصلاة ويقعون في الكثير من وسائل الشرك وأنواعه وقد بذلت الهيئة جهدا في تعليمهم ونفع الله الكثير ممن أراد به خيرا . ثم تعين مدرسا في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381هـ إلى عام 1395هـ قام فيه بتدريس الكثير من المواد كالحديث والفقه والتوحيد والتفسير والمصطلح والنحو والتأريخ وكتب مذكرات على أحاديث عمدة الأحكام بذكر الموضوع والمعنى الإجمالي وشرح الغريب وذكر الفوائد وكذا مذكرات على مواد الفقه والتوحيد والمصطلح لا يزال الكثير منها محفوظا عند الطلاب أو في المعاهد العلمية ثم في عام 1395هـ انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض وتولى تدريس التوحيد للسنة الأولى وهو متن التدمرية وكتب عليه تعليقات كفهرس للمواضيع وعنوان للبحوث وكذا درس أول شرح الطحاوية. ثم في عام 1402هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء وتولى الفتاوى الشفهية والهاتفية والكتابة على بعض الفتاوى السريعة وقسمة المسائل الفرضية وبحث فتاوى اللجنة الدائمة التي يناسب نشرها وقراءة البحوث المقدمة للمجلة فيما يصلح للنشر وما لا يصلح ومازال هكذا حتى الآن وقد انتهت مدة خدمته في دار الإفتاء. أما الأعمال الأخرى فقد تعين إماما في مسجد آل حماد بالرياض في شهر شوال عام 1389هـ حتى هدم المسجد وهدم الحي كله في عام 1397هـ وبعد عامين عين خطيبا احتياطيا يتولى الخطبة عند الحاجة ومازال كذلك إلى الآن حيث يقوم بخطبة الجمعة وصلاتها في الكثير من الجوامع عند تخلف الخطيب أو قبل تعيينه وقد يستمر في أحد الجوامع أشهرا أو سنوات ويتولى صلاة العيد في بعض المناسبات. ويقوم أيضا متبرعا بالتدريس في المساجد ابتداء بدرس الفرائض في عام 1387هـ لعدد قليل ثم بتدريس التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية ونحوها لعدد كثير في مسجد آل حماد في آخر عام 1389هـ. وقد حصل إقبال شديد على تلك الحلقات وكان أغلب الطلاب من مدرسة تحفيظ القرآن الذين توافدوا من جنوب المملكة ومن اليمانيين الوافدين لأجل التعلم وقد أقام تلك الدروس بعد الفجر أكثر من ساعة أو ساعتين وبعد الظهر كذلك وبعد العصر غالبا وبعد المغرب إلى العشاء واستمر ذلك حتى هدم المسجد المذكور حيث نقلت الدروس إلى مسجد الحمادي حيث توافد إليه الطلاب كثرة في أغلب الأوقات للدراسة في العلوم الشرعية كالحديث والتوحيد والفقه وأصوله والمصطلح وغيرها. ثم في عام 1398هـ رغب إليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن يقوم في غيبته بالصلاة في الجامع الكبير كإمام للصلوات الخمس فقام بذلك وكان يتولى الصلاة بهم إماما كل وقت ماعدا خطبة الجمعة وصلاتها ومن ثم نقلت الدروس إلى مسجد الجامع الكبير والذي عرف بعد ذلك بجامع الإمام تركي بن عبد الله رحمه الله وفي حالة حضور سماحة الشيخ يقوم بصلاة العشائين هناك وإلقاء الدروس بينهما وبقية الأوقات ويلقي الدروس في مسجد الحمادي بعد العصر والمغرب وبعد الفجر غالبا . ثم في عام 1398هـ رغب إليه بعض الشباب في درس بعد العشاء في المنزل يتعلق بالعقيدة فلبى طلبهم وابتدأ بالعقيدة التي كتبها الشيخ ابن سعدي وطبعت في مقدمة كتابه القول السديد وقد كثر عدد الطلاب وتوافدوا من بعيد ولم يزالوا إلى الآن. وقد انتقل عام 1402هـ إلى منزله الحالي في السويدي فنقل الدرس هناك في ليلتين من كل أسبوع وقد قرأوا في هذه المدة نظم سلم الوصول وشرحه معارج القبول في مجلدين ورسالة الشفاعة للوادعي وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشرح ثلاثة الأصول له كما قرأوا في الفقه نظم الرحبية في المواريث ومنار السبيل شرح الدليل لابن ضويان حتى كمل والحمد لله. ولما ضاق المنزل نقلوا الدرس إلى المسجد المجاوره ويعرف بمسجد البرغش كما نقل فيه الدروس الأسبوعية بعد الفجر وبعد المغرب أي بعد هدم المسجد الكبير عام 1408هـ وقد قرأوا في هذه الأوقات كثيرا من الأمهات كالصحيحين وشرح الطحاوية وشرح الواسطية لابن سلمان ولابن رشيد وبعض زاد المعاد وجميع بلوغ المرام وزاد المستقنع وبعض سنن أبي داود والترمذي وموطأ مالك ورياض الصالحين وبعض نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وبعض سنن الدارمي وترتيب مسند الطيالسي وشرح كامل منتقى الأخبار لأبي البركات وكتاب الدين الخالص لصديق حسن خان وفي المصطلح متن نخبة الفكر ومتن البيقونية وفي النحو متن الآجرومية وبعض ألفية ابن مالك وفي أصول الفقه متن الورقات لإمام الحرمين وغير ذلك من المتون والشروح الكثيرة. وفي عام 1382هـ أسس بعض المحسنين مدرسة خيرية أسموها (دار العلم) فأقبل إليها العدد الكثير من الطلاب صغارا وكبارا وتولى المترجم له فيها التدريس في المواد الدينية كالحديث والتوحيد والفقه حسب مدارك الطلاب وأقام الشباب فيها ناديا أسبوعيا يستمر بعد العشاء ليلة كل جمعة لمدة ساعتين يحضره غالبا ويلقى فيه بعض الكلمات ويجيب على الأسئلة الدينية والاجتماعية. وفي عام 1398هـ قام فيها بدرس أسبوعي يحضره العدد الكثير واستمر حتى هذا العام حيث نقل إلى أقرب مسجد هناك حولها ولا يزال وقد أكملوا فيه قراءة الصحيحين وابتدأوا في سنن الترمذي وتولى القراءة عليه فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن غيث وشاركه في أول الأمر الشيخ الدكتور محمد بن ناصر السحيباني حتى انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة. ثم خلفه الشيخ الدكتور فهد السلمة حتى انشغل بالتدريس في كلية الملك فهد الأمنية والطريقة أن يقرأ الباب ثم يشرحه بإيضاح مقصد المؤلف وبيان ما تدل عليه الأحاديث وفي حدود عام 1403هـ رغب إليه بعض الشباب من سكان حي العليا أن يلقى عندهم درسا أسبوعيا في العقيدة ودرسا في الحديث فابتدأ الدرس في مسجد متوسط في الحي أشهرا ثم انتقلوا إلى مسجد الملوحي مدة طويلة ثم إلى مسجد السالم حيث استمر الدرس فيه سنوات ثم انتقل بهم إلى مسجد الملك عبد العزيز ثم إلى جامع الملك خالد وقد أكملوا في هذه المدة متن لمعة الاعتقاد والعقيدة الواسطية وكتاب التوحيد ومتن التدمرية وبعض بلوغ المرام وشرح عمدة الفقه قسم العبادات وبعض الروض المربع قراءة وشرحا . وفي عام 1409هـ رغب إليه بعض الأخوان أن يقرر درسا أسبوعيا في مسجد سليمان الراجحي بحي الربوة قراءة وشرحا وذلك أن المسجد مشهور ويحيط به أحياء واسعة مكتظة بالسكان المحبين للعلم فلبى طلبهم وابتدأ في شرح الطحاوية فأكمله وفي عمدة الأحكام في الحديث فأكملها وفي كتاب السنة للخلال ثم كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ولا يزال يقرأ فيه ويتولى القراءة غالبا إمام المسجد صالح بن سليمان الهبدان أو مؤذن المسجد ويختم الدرس قرب الإقامة بالإجابة على أسئلة مقدمة من الحاضرين ويتكاثر العدد في هذا الدرس فربما زادوا على الخمسمائة ولا يتوقف إلا في أيام الاختبارات ثم يستأنف بعدها . وفي عام 1409هـ رغب إليه سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن يلقي درسا في مسجد سوق الخضار بعتيقة لكثرة من يصلي فيه فلبى رغبته وأقام فيه درسا أسبوعيا لكن إنما يحضره القليل من الطلاب لانشغال أهل الأسواق بتجارتهم واستمر هذا الدرس في الفقه والتوحيد كما أنه في هذه السنين يقوم غالب الأسابيع بإلقاء محاضرات في مساجد الرياض النائية التي يكثر فيهاالمصلون ولا يلقى فيها دروس فيتواجد العدد الكثير غالبا في المحاضرة التي تتعلق بالعبادات والمعاملات وما يحتاج إليه الناس ويشترك أيضا في الندوات التي تقام أسبوعيا في المسجد الجامع الكبير المعروف بجامع الإمام تركي والتي ابتدأت من أكثر من عشرين عاما ويعلق عليها غالبا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- والآن يعلق عليها سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله. ولما أقيم مسجد عبد الله الراجحي في شبرا بالسويدي ناسب أن تجمع فيه الدروس التي كانت متفرقة في المساجد بعد الفجر وبعد المغرب وبعد العشاء أغلب الأيام وأقيم حوله سكن للطلاب المتغربين. وهناك أعمال أخرى قام بها منها التدريس في المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك في عام 1408هـ حيث أسند إليه درس الفقه للسنة الأولى ويسمى السياسة الشرعية وهو ما يتعلق بالمعاملات وأحكام التبادل بمعدل درسين في الأسبوع وفي نهاية العام وضع أسئلة الاختبار وصحح الأجوبة كالمعتاد . ثم في العام بعده قام بهذا الدرس ومعه درس آخر للسنة الثانية ويعرف بالأحوال الشخصية وله ثلاث حصص كل أسبوع وطريقة الإلقاء اختيار جمل من الكتاب المقرر وذكر ما فيها من الخلاف وسرد أدلة الأقوال مع الجمع والترجيح ووجه الاختيار . وفي السنة بعدها اقتصر على الدرس الأول وهو السياسة الشرعية ثم توقف بعدها عن هذا التدريس (ومنها) الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه التابعة للجامعة المذكورة وذلك طوال هذه السنين أي بعد الانتقال من الجامعة إلى رئاسة البحوث العلمية كما سبق لم يتخل عن أعمال الجامعة وذلك في كل عام يلتزم بالإشراف على ثلاث رسائل أو أربع يقوم بتوجيه الطالب وإرشاده إلى مراجع البحث في الأمهات حسب علمه ويقرأ ما يقدمه كل شهر من بحثه ويبين ما فيه من خطأ ونقص ويجتمع به غالبا كل أسبوع أو نحوه ويرفع عنه للجامعة تقريرا عن سيره وما يعوقه وفي النهاية يكتب عن رسالته ومدى صلاحيتها للتقديم ويحضر عند المناقشة وتقويم الرسالة . كما يقوم أيضا بمناقشة بعض الرسائل المقدمة للجامعة كعضو فيها ويبدى ما لديه من الملاحظات ويحضر تقويم الرسالة كالمعتاد (ومنها) القيام بالدعوة داخل المملكة بإلقاء محاضرات أو خطب أو إجابة على الأسئلة وذلك كل شهر أو شهرين حيث يزور البلاد القريبة من الرياض فيلقي محاضرة في معهد أو مركز صيفي وفي مسجد جامع ويجتمع بالأهالي ويبحث معهم في مشاكل البلاد وعلاجها وقد تستمر الرحلة أسبوعا أو أكثر للتجول في البلاد النائية وزيارة بعض الدوائر الحكومية للمناصحة والإرشاد فيلقى تقبلا وتشجيعا وترغيبا في الاستمرار وقد تكون الزيارة رسمية وتحدد المدة من مركز الدعوة أو إدارة الدعوة في الداخل (ومنها) الاشتراك في التوعية في الحج وذلك زمن أن كان تبع الجامعة حتى عام 1403 هـ وذكر منافع الحج والعمرة وإيضاح الأهداف من هذه الأعمال وتفقد آثارها بعد انقضائها والإجابة على الأسئلة التي تتعلق بالمقام وذلك لمدة شهر كامل. وقد تعذر عليه الاشتراك في هذا بعد الالتحاق بالرئاسة بسبب الإقامة في المكتب للحاجة الماسة إليه هناك وقام في السنوات الأخيرة بالحج مع بعض الحملات الداخلية التي تجمع حجاجا من الرياض وكان يتولى معهم الإجابة على الأسئلة وإلقاء كلمات توجيهية كل يوم مرة أو مرتين ويقوم بزيارة بعض الحملات الأخرى في الموسم فيفرحون بذلك العمل. مؤلفاته أولها البحث المقدم لنيل درجة الماجستير في عام 1390هـ (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) وقد حصل على درجة الامتياز رغم إنه كتبه في مدة قصيرة ولم تتوفر لديه المراجع المطلوبة وقد طبع عام 1408هـ في مطابع دار طيبة ثم أعيد طبعه مرة أخرى وهو موجود مشهور ولم يتيسر له التوسع فيه قبل طبعه لاحتياجه إلى مراجعة وتكملة . وقد حمله على الكتابة فيه محبة الحديث وفضله وما رآه في كتب المتكلمين والأصوليين من عدم الثقة بخبر الواحد سيما إذا كان متعلقا بعلم العقيدة وقد رجح قبوله في الأصول كالفروع. وفي عام 1398هـ كلف بكتابة تتعلق بالمسكرات والمخدرات لتقديمها للمؤتمر الذي عقدته الجامعة الإسلامية في ذلك العام فكتب بحثا بعنوان (التدخين مادته وحكمه في الإسلام) وهو بحث متوسط وفيه فوائد وأحكام زائدة على ما كتبه الآخرون وقد أعجب به المشايخ المشاركون في موضوع الدخان وقد طبعته مطابع دار طيبة عدة طبعات وهو مشهور متداول وإن كان مختصرا لكن حصل به فائدة لمن أراد الله به خيرا . وفي عام 1402هـ رفع إليه كلام لبعض علماء مصر ينكر فيه إثبات الصفات ويرد الأدلة ويتوهم إنها توقع في التشبيه وكذا يميل إلى الشرك بالقبور ويمدح الصوفية وقد لخص كلامه بعض الأخوان في أربع صفحات وأرسلها لمناقشتها فكتب عليه جوابا واضحا وتتبع شبهاته وبين ما وقع فيه من الأخطاء بعبارة واضحة ومناقشة هادئة وطبع ذلك البحث في مجلة البحوث الإسلامية العدد التاسع ثم أفرده بعض الشباب بالطبع في رسالة مستقلة بعنوان (الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق) وهو موجود متداول طبعته مؤسسة آسام للنشر وكتب أيضا مقالا يتعلق بمعنى الشهادتين وما تستلزمه كل منهما وطبع في مجلة البحوث العدد السابع عشر ثم أفرده بعض التلاميذ بالطبع بعنوان (الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما) وطبع في عام 1410هـ في مطابع دار طيبة في 90صفحة من القطع الصغير وقد التزم فيه وفي غيره العناية بالأحاديث للاستدلال بها وتخريجها مع ذكر درجتها باختصار. وفي عام 1391هـ قام بتدريس متن لمعة الاعتقاد لابن قدامة لطلاب معهد إمام الدعوة العلمي وكتب عليها أسئلة وأجوبة مختصرة تتلاءم مع مقدرة أولئك الطلاب في المرحلة المتوسطة ومع ذلك فإنها مفيدة لذلك رغب بعض الشباب القيام بطبعها فطبعت بعنوان (التعليقات على متن اللمعة) عام 1412هـ في مطبعة سفير والناشر دار الصميعي للنشر والتوزيع وقد وقع فيها أخطاء تبع فيها ظاهر المتن والأدلة وقد أعيد طبعها مع إصلاح بعض الأخطاء. وقد قام فيها بتخريج الأحاديث التي استشهد بها ابن قدامة تخريجا متوسطا حسب مدارك التلاميذ وفي عام 1399هـ سجل في كلية الشريعة لدرجة الدكتوراه واختار (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرقي) وهو أشهر شروحه التي تبلغ الثلاثمائة بعد المغني لابن قدامة واقتصر في الرسالة على أول الشرح إلى النكاح دراسة وتحقيقا ونوقشت الرسالة كما تقدم ثم كمل تحقيق الكتاب وطبع في مطابع شركة العبيكان للنشر والتوزيع في سبعة مجلدات كبار وتم توزيعه وبيعه في أغلب المكتبات الداخلية وهو موجود متداول والحمد لله. وقد اعتنى في هذا الشرح بتخريج الأحاديث والآثار الكثيرة التي يوردها الشارح وقام بترقيمها فبلغ عددها كما في آخر المجلد السابع 3936 وإن كان فيه بعض التكرار القليل وقد بذل جهدا في هذا التخريج بمراجعة الأمهات وكتب الأسانيد التي تيسرت له للرجوع إليها وهي أغلب المطبوعات وذكر رقم الحديث إن كان الكتاب مرقما أو الجزء والصفحة وذكر اختلاف لفظ الحديث إن كان مغايرا لما ذكر الشارح وذكر من صحح الحديث من المتقدمين أو ضعفه كالترمذي والحاكم والذهبي وابن حجر والهيثمي وإن كان في أحد الصحيحين لم يذكر ما قيل فيه للثقة بهما. وحيث إنه بدأ دراسته في الصغر بكتب الحديث كما تقدم فقد أورث ذلك له شوقا إلى كتابة الحديث فحرص على اقتناء الكتب القديمة التي يهتم مؤلفوها بالأحاديث النبوية ويوردونها بأسانيدها المتصلة كما أحب كل ما يتعلق بالحديث من كتب المصطلح وعلل الحديث وكتب الجرح والتعديل ونحوها وذلك أن هذا النوع هو الدليل الثاني للشريعة أي بعد كتاب الله تعالى ولأن علماء الأمة أولوه عناية تامة حتى قال بعضهم إن علم الحديث من العلوم التي طبخت حتى نضجت ولأن هناك من أدخل فيه ما ليس منه برواية أحاديث لا أصل لها من الصحة فقد قيض الله لها نقادها من العلماء الذين وهبهم الله من المعرفة بالصحيح والضعيف ما تميزوا به على غيرهم وقد عرفنا بذلك جهدهم وجلدهم وصبرهم على المشقة والسفر الطويل والتعب والنفقات الكثيرة مما حملهم عليه الحرص على حفظ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتنقيتها مما ليس منها. وقد يسر الله في زماننا هذا طبع هذه الكتب وفهرستها وتقريبها بحيث تخف المؤنة ويسهل تناول الكتاب ومعرفة مواضع البحوث بدون تكلفة والحمد لله، هذا وقد كان ألقى عدة محاضرات في مواضيع متعددة وتم تسجيلها في أشرطة ثم إن بعض التلاميذ اهتم بنسخها وإعدادها للطبع وقد تم طبع رسالتين الأولى بعنوان (الإسلام بين الإفراط والتفريط) في 59 صفحة والثانية بعنوان (طلب العلم وفضل العلماء) في 51 صفحة وكلاهما طبع عام 1313هـ في مطبعة سفير والناشر دار الصميعي للنشر والتوزيع وأما التسجيل فإن التلاميذ قد أولوه عناية شديدة وذلك بتتبع الدروس والمحاضرات وتسجيلها في أشرطة ثم الاحتفاظ بها ومن ثم نسخ ما تيسر منها للتداول وللطبع وقد سجل شرح زاد المستقنع وشرح بلوغ المرام وشرح الورقات في الأصول وشرح البيقونية في المصطلح وشرح منار السبيل في الفقه وشرح الترمذي وثلاثة الأصول ومتن التدمرية وغيرها كثير، ويباع كثير من الأشرطة في التسجيلات الإسلامية في الرياض وغيرها. وقد فرغ كثير منها وطبع بعناوين متعددة تتعلق بالصيام والحج والصلاة والزكاة وغيرها. أما الكتابات السريعة فكثيرة فإن هناك العديد من الطلاب يحرصون على تحصيل جواب مسألة أو فتوى في مشكلة ويرفعونها إليه وبعد كتابة الجواب وتوقيعه ينشرونه في المساجد والمكاتب والمدارس فيتداول ويحصل له تقبل وفائدة محسوسة لثقتهم بالكاتب كما أن الكثيرين من الشباب الذين أعطوا موهبة في العلم إذا كتب أحدهم رسالة أو كتيبا رغب إليه أن يكتب له مقدمة أو تقريظا فيصرح باسمه في عنوان الرسالة ويكون ذلك أدعى لروجانه والإقبال عليه والاستفادة وهناك من العلماء من يساهم في بث تلك النشرات التي لها مسيس ببعض الأوقات كالمخالفات في الصلاة وأحوال الاقتداء بالإمام والمخالفات في الصيام وفي الحج وأعمال عشر ذي الحجة والمقال في التيمم ومتى يرخص فيه ونحوها فتطبع في مواسمها ويوزع منها ألوف كثيرة رجاء الانتفاع بها. وهناك من العلماء من أخذ تلك النشرات وأودعها بعض مؤلفاته كالشيخ عبد الله بن جار الله -رحمه الله- وغيره ممن كتبوا في تلك المواضيع وضمنوها بعض ما كتبه المترجم له للاستفادة، وأما العلماء الأكابر فإن المناقشين لرسالة أخبار الآحاد بعد إقرارها كتبوا عنها تقريرا مفيدا يمكن الحصول عليه من المعهد المذكور حيث كتبوه عام 1390هـ وهكذا الذين ناقشوا كتاب شرح الزركشي وهم الشيخ صالح بن محمد اللحيدان والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مع المشرف الدكتور عبد الله بن علي الركبان فقد قرروا الكتاب الذي ناقشوه من أول الشرح إلى النكاح وكتبوا عنه صلاحيته للنشر وحرص الأكثر على الحصول عليه قبل طبعه وتقبله أكابر العلماء وأقروا العمل الذي قام به تجاهه ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وسائر هيئة كبار العلماء ويمكن مراجعتهم لتقييمها وما لوحظ عليها وما تميزت به ولم يعرف أحد أبدى انتقادا لما نهجه في هذه الكتب المتعلقة بالحديث والمصطلح. أما المنهج فقد سلك في تحقيق الزركشي الخطة التي رسمت في المخطط والموجود في المقدمة وقد حرص على البحث عن الأحاديث وأنها التي يستدل بها وقابلها على أصولها كما حرص على التعليق على ما يحتاج إلى تعليق من نقل أو مخالفة أو خلاف في مسألة وأما الشروح الأخرى كشرح اللمعة القديم والبيقونية والورقات والتوحيد والبلوغ والمنتقى...إلخ فإنه يرتجلها ارتجالا ويوضح العبارة التي في المتن بالأمثلة ويذكر الخلاف المشهور ويبين المختار عنده حتى لا يقع الطالب في حيرة ويتوسع أحيانا في الشرح بذكر ماله صلة بذلك الحديث أو تلك المسألة. وقد تميزت هذه الكتب والشروح بوضوح العبارة وبذكر الأدلة ومناقشتها وبالتعليل إن وجد والحكمة من شرعية هذا الحكم والتوسع في ذكر الأمثلة فلا جرم صار عليها إقبال شديد حيث نسخ كثير من الطلاب بعض تلك الأشرطة بشرح منار السبيل وقد بلغ ما نسخوه عدة مجلدات وحرص الكثير على تصويره واقتنائه حيث وجدوا فيه مسائل واقعية ومعالجة لبعض المشاكل المتمكنة في المجتمع وتحذير من بعض الحيل والمكائد التي يستغلها بعض الناس ونحو ذلك من المميزات الكثيرة . أما استقصاء المعلومات عند الكتابة فهذا يكون في الشرح الارتجالي كشرح أحاديث مسلم والترمذي ومنتقى الأخبار وأما الكتابة فالغالب الاقتصار على القدر المطلوب في السؤال دون استقصاء وتوسع في الجواب وكذا الإملاء إذا كان الجواب ارتجاليا كما وقع في الأسئلة التي طبعت بعنوان (حوار رمضاني) الذي طبعته مؤسسة آسام للنشر عام 1312هـ في 28 صفحة بقطع صغير وكذا في أسئلة متعلقة برمضان وقيامه والقراءة في القيام ودعاء الختم ونحوه حيث ألقى بعض الشباب 36 سؤالا وقد كتب عليها جوابا متوسطا ثم قام السائل وهو سعد بن عبد الله السعدان بتحقيقها وتخريج أحاديثها وطبعت بعنوان (الإجابات البهية في المسائل الرمضانية) نشر دار العاصمة مطابع الجمعة الإلكترونية عام 1413هـ 103 صفحة . وبكل حال فإنها تختلف الدوافع إلى الكتابة وحال المستفيد فأما الصعوبات فإن الرسالة الأولى وهي (أخبار الآحاد) كتبها في زمن قصير وكانت المراجع قليلة أو مفقودة عنده فلا جرم لقي مشقة في البحث عن مواضع المسائل واضطر إلى الاختصار رغم سؤال المشرف وغيره فأما شرح الزركشي فقد لقي أيضا فيه صعوبة لسعة الكتاب وكثرة نقوله وندرة الكتب التي نقل عنها وعدم بعض المراجع للأحاديث التي يستشهد بها معتمدا على كتب الفقهاء التي لا تعزو الأحاديث إلى مخرجها فيحتاج إلى صعوبة في البحث في كتب الفهارس والتخريج التي تذكر المشاهير من الأدلة دون النادر منها ولكن الله أعان على الكثير وحصل التوقف في البعض الذي لم يعثر على أصوله كأول سنن سعيد بن منصور وكسنن الأثرم ومسند إسحاق ونحو ذلك ولو وجد من ينقلها لكن مع قصور واختصار وأما علم المصطلح فإن مراجعه كثيرة وكتبه متوفرة والغالب إنها متوافقة فيه وإن وجد في بعضها زيادة خاصة فلذلك يمكن الاختصار فيها ويمكن التوسع بذكر الأمثلة ولم يكتب فيها سوى شرح البيقونية وهو الآن يحقق ويعد للطبع وهو مجرد إيضاح للتعاريف المذكورة في النظم وقد تم طبعه ونشره. وأما المشكلات التي تواجه من كتب في علم المصطلح فهي كثرة الكتب في الموضوع التي يلزم منها كثرة التعريف ووجود الفرق بينها حتى يحتار الكاتب في اختيار ما يناسب المقام ولكن الأجلاء من المحدثين قد ناقشوا التعريفات الاصطلاحية وذكروا ما يرد عليها والجواب عنه لكن قراءة ذلك كله تستدعي وقتا طويلا فالطالب إذا اقتصر على المختصرات التي كتبها أئمة هذا الفن كالنخبة والبيقونية وألفية العراقي والسيوطي رأى في ذلك كفاية ومقنعا . وحيث إن هذا النص قد أكثر فيه العلماء من الكتب فإن أشهر كتبه التي تحتوي على ما يوضحه ويجلى معانيه هي الكتب الواسعة مثل تدريب الراوي شرح تقريب النواوي للسيوطي ومثل توجيه النظر لبعض علماء الجزائر ومثل توضيح الأفكار للأمير الصنعاني وإن كان بعضها ينقل من بعض ومن المعاصرين الشيخ صبحي الصالح فقد كتب مؤلفا في علوم الحديث ومصطلحه وذكر أشياء زائدة على ما كتبه الأولون لوجود كثير من المراجع التي توفرت له والأدلة التي أمكنه أن يستدل بها وبكل حال فالباحث في الموضوع يحسن أن يلم بكتب المتقدمين الذين وضعوا هذا الاصطلاح ثم من بعدهم.
  4. النسيان جميل :‏ ‏ جميل: أن تنسى أحقادك وتبدأ صفحة جديدة مع كل من أساء إليك . ‏ ‏ وجميل أن تنسى أنك ابن القصور وابن الحسب والنسب لتتواضع وتجلس مع ‏الفقراء . ‏ ‏ وجميل أن تنسى أحزانك وهمومك، لتذكر فقط أن كل مصيبة عدا الدين تهون . ‏ ‏ وجميل أن تنسى سقطاتك وانتكاساتك لترفع هامتك عالياً وتعلن بداية الانطلاق من ‏جديد . ‏ ‏ وجميل أن تنسى‎ ‎جميلك وفضلك على الناس، وتذكر فقط تقصيرك في حق من ‏حولك . ‏ ‏ وجميل أن تنسى عيوب وزلات الآخرين لتذكر لهم فقط الشيء الجميل .‏ ‏ النسيان القبيح : وقبيحٌ : أن تنسى أنك عبدٌ فقير، لا حول لك ولا قوة إلا بالاستعانة واللجوء إلى ‏رب السموات والأرض. ‏ ‏ وقبيح أن تنسى مراقبة الله لك في‎ ‎السر والعلن لتتجرأ وتنتهك حرماته . ‏ ‏ وقبيح أن تنسى كرم الله ونعمه عليك. ‏ ‏ وقبيح أن تنسى فضل من أحسنوا إليك وسهروا على‎ ‎راحتك وأولهم وأعظمهم ‏فضل الوالدين . ‏ ‏ وقبيح أن تنسى إخوة لك في الله اجتمعتم على طاعة الله بمجرد أن باعدتْ بينكم ‏المسافات . ‏ ‏ وقبيح أن تنسى إخوة لك في الإسلام يفترشون التراب، ويبيتون خاوي البطون، ‏وتنتهك محارمهم بحجة أنك لا تملك لهم‎ ‎شيئاً ، وتنسى أن تجعل لهم نصيباً من دعائك ‏‏.‏
  5. ‏ ‏ جاء في السيرة النبوية : أن أبرهة ، حلف أن يسير إلى الكعبة فيهدمها ، حتى ‏إذا بلغ الطائف خرج إليه مسعود بن مُعَتَّب في رجال ثقيف فقال: أيها الملك نحن ‏عبيد لك ليس لك عندنا خلاف ، إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك من ‏يدلك عليه، فبعثوا معه مولى لهم يقال له أبو رُغال، فخرج معهم ، وفي الطريق ‏مات أبو رغال ، وأصبح قبره رمزًا للخيانة والعمالة، وصار ذاك الرجل مبغوضا ‏في قلوب الناس، وكلما مر أحد على قبره رجمه . ‏ ‏ إخواني خونة الأمة مخذولون : فهؤلاء العملاء الذين تعاونوا مع أبرهة ‏وصاروا عيوناً له وجواسيس وأرشدوه إلى بيت الله العتيق ليهدمه، لُعنوا في الدنيا ‏والآخرة، لعنهم الناس، ولعنهم الله سبحانه وتعالى، ‏ فليحذر كل من ينتمي لهذه الأمة أن يخون أمته ويكون عميلاً لجهة معينة مقابل ‏تحقيق مصالح شخصية لنفسه، مثل هذا الرجل يلعنه الناس في الدنيا، وأما في ‏الآخرة فحسابه عند ربه { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } . ولا يُعرف على مر ‏التاريخ أن خونة عاشوا وماتوا ولم يعرفوا ولم تكتشف خياناتهم.‏ ‏ فأبي رغال اسم يعرفه‎ ‎الجميع .. يقترن بالخيانة التي هي في سلم الممارسات ‏اللاأخلاقية‎ ‎أدنى الدرجات و أحطها .‏ ‏ أن تضع يدك‎ ‎في يد عدو أمتك.. أن تدله على المقتل الذي يذبحها..أن تعطيه ‏السكين التي يطعن بها‎ ‎إخوتك في العقيدة و الوجود والمصير فتلك‎ ‎هي السفالة ‏التي تخترق أبسط أعراف الحياة و بداهات الأمم و الشعوب و الجماعات‎ .‎ ‏ ومع ذلك‎ ‎فهنالك من يمارسها.. من يستمرئها وقد لا يرى فيها عيبا أو عار أو ‏خروجا على المألوف‎ ‎هنالك من لا يعتقد بان ثمة شيئا ما يطلق عليه في قواميس ‏الدنيا عنوان‎ ‎الخيانة‎.‎ ‏ أما الدوافع‎ ‎و الأسباب فكثيرة كثيرة..كثرة مفردات الشر و الضلال و الدناءة و ‏الخطيئة في هذا‎ ‎العالم‎.‎ ‏ لقد فعلها أبو رغال‎ ‎فدل‎ ‎أبرهة الحبشي على الطريق إلى مكة بعد أن تاه‎ ‎به‎ ‎‎ ‎وبجنده السبيل ..أوصلهم إلى البيت الحرام وقال‎ ‎لهم : ها هو ذا وقبض الثمن‎.‎ ‏ والثمن هو‎ ‎لعنة الأجيال منذ اللحظة التي فعل فيها فعلته تلك و إلى أن تقوم‎ ‎‎ ‎الحساب‎.‎ ‏ يكفيه عارا‎ ‎أن يقترن اسمه بالخيانة..أن يصبح وسيلة إيضاح شاخصة لأخس ‏ممارسة يمكن أن يفترفها‎ ‎إنسان‎…‎ ‏ ما أكثر ابو رغال يعيش بيننا .‏
  6. شكراً لكم جميعاً على هذا المرور الرائع ، وتسلم أياديكم
  7. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : أجب عن الأسئلة التالية : 1 - هل كانت لك أحلام تريد تحقيقها ؟ 2- هل كبرت بما فيه الكفاية لتحقق أحلامك ؟ 3- على من تلقي باللوم على عدم تحقق أحلامك ؟ 4- بماذا تنصح كل من كان لديه حلم ولم يتحقق ؟
  8. مشكور اخوي على هذه القصة الرائعة وتحية عطرة لهذه الأميرة على هذا الموقف الرائع والله إيديم عز حكام الخليج العربي في خدمة ديننا
  9. شكراً على المرور ، وربي يعطيك العافية
  10. أختي الغالية a7la banoOoOota جزاك الله خير الجزاء على المرور ، وكذلك التعليق وكنت أتمنى ألا أكرر ردي على تعليقك ولكن أجدني مظطراً أن أقول للمرة الثانية ، إن تعليق أكثر من رائع . وسؤالي - بعد أن أقول بارك الله فيك وفي قلمك - من أين تأتين بهذه التعليقات الجميلة ، والتي تتفردين بها . أخوك في الله عيسى
  11. أختي الغالية a7la banoOoOota شكراً على هذا التعليق الأكثر من رائع وجزاك الله خير
  12. شكراً أخي العزيز Faam00 على مرورك وكم يسعدني المرور والتعليق من شخصك الكريم
  13. أبنتي الغالية البندري شكراً علىى المرور مجدداً عزيزتي شيخه بنت الشيخ شكراً على مرورك وتعليقك الرائع صج إنك شيخة أو بنت شيخ
  14. الأخ العزيز صقر المقابيـل شكرا ً على المرور وتسلم يمناك . البنت الغالية البندري شكراً على مرورك . وأسأل الله العلي القدير أن يجزيك خير الجزاء على هذه الغيرة . وإن دلت على شيء إنما تدل على ما تنطوي عليه نفسك العفيفة ، التي يزعجها مثل هذا المنظر . والسلام .
  15. الأخ الكريم ريكو والأبن الغالي الوحش شكراً على مرورك ، والله يعطيك العافية . أخي الكريم إسمحي أن أعتب عليك ، على وضعك هذه الصور ، فلو استبدلتها بكلمات تنفعك في الدنيا والآخرة ، وأسال الله أن يوفقك يا حبيبي . أبنتي الغالية إمارات أشكرك على هذه الكلمات الرقيقة الصادقة ، وهذا الإعتذار ، علماً بأنني أعلم أنك بذلتي ما في وسعك ، { ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، لكن هكذا شأن المؤمنين لا يرون حسناتهم شيئاً ، بل دائما تقصيرهم ماثل أمام أعينهم . أبنتي الغالية أسأل الله العلي القدير أن يتقبل منك صالح أعمال ، وأن يجزيك خير الجزاء . بابا عيسى
  16. أبنائي وبناتي الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .. أشكركم على هذا المرور ، وهذه الإضافات الرائعة . بابا عيسى
  17. ذلك الصديق العزيز، الذي كنا ننعم ونأنس بسكناه بين أظهرنا ـ وقد عاش بيننا ـ فسار الكثير دون إدراك ولا تفكير. صدقوني.. الوضع خطير.. خطير.. يحتاج إلى أناس يؤججون نار الغيرة في قلوبهم لاستدراك ما فات وإصلاح ما سيأتي. هل ننتظر تدهوراً أكثر مما نحن فيه؟ هل نتوقع مستقبلاً أفضل مما نحن فيه؟ انظر.. يمينك.. شمالك.... أمامك.. خلفك...كل شيء يدفع للخوف من المستقبل القادم الذي نجهل حوادثه. الوضع سيئ.. انهيار أسر.. تفسخ أخلاق.. موت فضيلة.. انتشار رذيلة.. وانعدام مبادئ.. أين القدوة الصالحة..؟ أين الموجه..؟ لقد فُقدوا في زحمة الفتن..! ومـن عجـب أني أحـن إليهمو وأسأل عنهم مـن لقيت وهم معي وتبكيهم عيني وهـم في سـوادها ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي إن لم نحي جذوة الغيرة في قلوبنا.. فإننا سنحصد نتاج التفكك الأسري الذي نعيشه قريباً.. أقرب مما نتصور. الوضع في انحدار.. عشر سنوات أنتجت عندنا مجتمعاً متغيراً ملوثاً.. فكيف لو طال بنا الزمان؟! أين عقيدة الولاء للمسلمين؟ والبراءة من المشركين؟ أين هويتنا الإسلامية؟ أين العباءة الفضفاضة، والقفازات السوداء؟ أين الغطوة الساترة، أين السواد الذي يستر ما خلفه؟ واأسفاه.. لقد أصبح عند كثير من الناس ماضياً مشوهاً. أليست هذه فتنة..؟ أن يصبح الماضي الجميل الناصع.. ذكريات مشوهة؟؟ يجب أن يستيقظ من وضع رجله على بداية الطريق المظلم، وينتبه قبل فوات الأوان وضياع الفرصة، واندراس ما تبقى من المآثر، فيعيش الصراع الأبدي في داخله.. بين رغبته في العودة إلى الأصل، وبين ما أفلت زمامه فلا يستطيع السيطرة عليه، ولعله لا يكتشف تلك الحقيقة إلا بعد أن ينجلي غبار المعركة فيقوم ليبكي زماناً اغتر فيه عاضاً أصابع الندم بسبب تفريطه. يجب أن نستدرك ما بقي.. الأجيال في خطر.. نخشى أن يأتي الزمان الذي يبحث فيه الرجل عن زوجة تحتضن المبادىء السامية في قلبها وظاهرها فلا يجد!.. نخشى أن يأتينا الزمان الذي ترى فيه المرأة التي ليس لها صديق (معقدة!!). الرعب يخيم على قلوبنا.. نخاف أن يأتي الزمان الذي تنسلخ فيه البقية الباقية من أخلاقها فيسقط ذلك الفارس الغيور مضرجاً بدمائه، يضحك على فروسيته السابقة، ويراها تخلفاً وجهالات، ويكون هو أكثر من يصرخ في وجهك قائلاً: وماذا في الأمر حين يكون لابنتي صديق؟؟! الوضع خطير.. مخيف.. وكل ما ذكرته ليس ببعيد إن لم يتداركنا الله برحمة منه. فكم استبعدنا من الوقائع أن نراها بيننا، فما لبثت حتى صارت واقعاً لنا تصعب مخالفته. لقد تغير الكثيرون في مجتمعاتنا المسكينة التي لا تعرف ماذا يراد بها.. لا والذي حجت قريش بيته مستقلبين الركن من بطحائها ما أبصرت عيني خيام قبيلـة ألا بكـيت أحبـتي بفنائها أما الخيـام فإنها كخيـامهـم وأرى نساء الحي غير نسائهـا يجب أن نعترف أن في الساحة أجراء مستغربين، ولهم أتباع أجراء من سذجة الفساق، أتباع كل ناعق، يفوقون سهامهم لاستلاب الفضيلة من نساء المسلمين، وإنزال الرذيلة بهن. فهل يريد أجراء اليوم أن تصل الحال إلى ما وصلت إليه البلاد الأخرى من الحال الأخلاقية البائسة والواقع الأليم، نسأل الله أن يعود ذلك الصديق المفقود، لتحتضنه القلوب، وتحرسه الأعين، فكم اشتقنا لوجوده بيننا.. وحق لمثله أن يفتقد... منقول للفائدة
  18. قيم ومكاسب في حصار غزة حين تقع مثل هذه النازلة يلتفت المسلمون ـ وأكبادهم تتفطر ـ ماذا نصنع؟ وأي شيءٍ نُقدم؟ ويسارع آخرون فيقولون لانملك إلا الدعاءَ لإخواننا المظلومين! والحق إننا حين نتأمل بعمق ونتيحُ لأبصارنا وعقولنا أن تنظر إلى ما وراء الأحداث.. تجد أن مثل هذه الحروب الظالمة والمقاومة الشريفة تعود علينا بعدد من المكاسب وتذكرنا بعدد من القيم ومنها: 1ـ عزة المسلمين: أحيت هذه الأحداث العزة في الأمة من بعد سنواتٍ عجاف من الذل والإحباط والانكسار، وتذكر المسلمون وعدَ ربهم (ولله العزةَ ولرسوله وللمؤمنين) كيف لا وهم يشاهدون الفلسطيني الأعزل من كل سلاح إلا سلاحَ الإيمان والتوكل يقاوم المحتل اليهودي بكل عزة وشهامة، وترسم النساء قبل الرجال والأطفال قبل الكبار صوراً من الشهامة والعزة لا يملكون أن يغيب مشهدها عن العقل المسلم. 2ـ وبالقدر الذي أحيت هذه الأحداثُ ـ بفصولها المختلفة ـ معاني العزة في الأمة، فقد دفعت ورفعت الذلَ والهوان والخور والاستسلام، أن الأمة لا ينقصها الرقم العددي، ولكن وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم (بالغثائية)، (والوهن) هو الذي يعوق مسيرتَها ويُبطِّئ بنصرها، إن حبَّ الدنيا وكراهية الموت كما هي أدواءُ قاتلة في الأمة فقد ارتفع منها بالقدر الذي ضحى فيه الفلسطينيون الصادقين بكل ما يملكون في غزة.. وآن الأوان لكل مسلم أن يُعالج هذا الداء فما هذه الدنيا بدار قرار، والآخرةُ خير وأبقى، وأن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون. 3ـ الخشوع الغائب: لئن غاب الخشوعُ في الصلاة ـ عند نفر من المسلمين وهو لبُّ الصلاة وروحها ـ فقد غاب معه أو قبله الخشوعُ لله ولذكره عند نفرٍ آخرين، والله تعالى يُذكِّر المؤمنين ـ وغيرُهم من باب أولى ـ بهذا الخشوع ويقول (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق..) ولقد جاءت الأحداث الوحشية المعاصرة لتكون سبباً في دمع العين وانكسار القلب وارتعاش الجوارح.. وهذه وأمثالها أبواب للخشوع.. بل إن صلاة بعض الناس عاد لها طعم آخر، وهم يجدون أنفسهم أقرب ما يكونون إلى الله وهم ساجدون لينصروا إخوانهم بالدعاء والتضرع. 4ـ وحدة الأمة: ذلك الهدف العظيم والمعنى الكبير، والذي مزقته الأهوى وشتته الانتماءات، وعصفت به رياحُ الفرقةِ والتنازع.. كل هذه الأدواء باتت تنحصر دوائرها، وتتسع دوائرُ وحدة الأمة، فقضية فلسطين تشغلهم جميعاً والانتصار للمظلومين شعارهم جميعاً، والحديث عن وحدة الأمة لا يُصنع عبر محاضرات تلقى أو كتب تؤلف بل تساهم المصائب والرزايا النازلة بالأمة في صُنعه، بل أن تكالب الأعداء على الأمة ورميهم إياها عن قوس وحده كل ذلك يحسس المسلمين بحاجتهم للوحدة.. لقد بتَّ تسمع لهجةً واحدةً وخطاباً مشتركاً بين المسلمين وإن تباعدت أوطانهم واختلفت لغاتهم.. الأمة بكل فصائلها وشرائحها ومستوياتها الفكرية والإقصادية تتحدث عن قضية واحدة، تتفق فيها على تشخيص المشكلة وتتفق كذلك في حلولها.. هذه من الأهمية بمكان ـ فنحن في مرحلة تحضيرية تشكل هذه القضايا محاور لوحدتها ـ ولا نصر للأمة إلا بالوحدة فهو عنوانها (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) وحين تتنازع وتتفرق فذلك البلاءُ والفشل وذهاب الريح (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فهل تكون مثل هذه النازلة سبيلاً لوحدة الأمة على كلمة التوحيد. 5ـ وبقدر ما ساهم اليهود بعنجهيتهم وإفسادهم في تقارب الأمة ووحدة تفكيرها، فقد ساهموا غير مشكورين في ترسيخ عدوانهم وبغضهم ـ ليس على مستوى المسلمين الذين يجدون ذلك في كتاب ربهم (لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) بل على مستوى العالم الذي لم تُغيِّب الشاشةُ عنهم جرائم الحرب، ومشاهد الرعب ولم يعدموا عدداً من الصور التي ترسم شرخاً عميقاً في تاريخ اليهود. ومرةً أخرى كُتبت مؤلفاتٌ، ألقيت خُطبُ ومحاضرات، وعقدت مؤتمرات عن إفساد اليهود وجرائمهم وعنصريتهم.. لكن الصورة أبلغ، والمشاهد الناطقة في غزة أغنت عما سواها.و ويل لمن ظفر بعدوان العالم وبغضهم كما ظفرت يهود؟ 6ـ مفهوم القوة: خُيلَّ لنا فترةً من الزمن أن مفهوم القوة ينحصر في السلاح والعتاد الحربي. وهذا وإن كان مهماً والدعوة إليه ربانية (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فليس هو كلَّ معاني القوة، فالإيمان الصادق قوة، والثبات على المبدأ قوة وقوة العزيمة والإرادة قوة، واستحضار معيةَ الله ونصره قوة، والصبر على المحن وأنواع الحصار قوة.. تلك وأمثالها معانٍ نحسب أن أخوننا المجاهدين في غزة فازوا بها.. وضعفت على هذه المعاني الخضية للقوة قوةَ اليهود وحلفائهم الذين ما فتأوا يدعمونهم بأحدث الأسلحة وأعتاها.. إن حساب القوى ينبغي أن يعاد النظر فيه ـ لنا معاشر المسلمين.. لا يُغني ذلك عن إعدادنا للقوة لكن باختصار يذكرنا بقوى لا يملكها أعداؤنا ـ وهي من الأهمية بمكان في نتائج المعركة. 7ـ وأسباب النصر: ونحسب أن إخواننا في غزة المجاهدة ذكَّرونا بقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) وأحيوا في قلوبنا (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده)، تذكرنا في صبرهم وصمودهم (كم من فئةٍ قليلة غلبت فئةً كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، وذكرونا بأن المظلوم سينتصر له الله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير)، وعلى المسلمين كافة أن يلازموا ذكر الله، والثبات على الحق، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، والصبر ـ فتلك أسبابٌ مهمة للنصر كما جاء في سورة الأنفال وغيرها. 8ـ لفتت الحربُ القائمة في فلسطين ـ بين الحق والباطل ـ بتحليلاتها والتعليق عليها إلى أن ثمةَ عناصر تتحدث بألسنتنا وتستنشق هواءنا، وتتسمى بأسمائنا.. لكنها تفكر بغير تفكيرنا، وتتجه في عواطِفها ولحن قولها غير وجهتنا ـ إنهم من ابتُليت بهم الأمةُ في سالف تاريخها، ديدنُهم، الإرجافُ والسخرية، والتخذيل، والتشكيك بموعود الله، والهمز واللمز، هم من قال الله عنهم (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة)، وهم الذين قالوا (ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) وقالوا (لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) هذه الفئة المرجفة تمثل عبئاً على الأمة لابد أن تستبينها وتحذرها. (هم العدو) وظروفَ الأزمات والمحن والشدائد على الأمة أجواءٌ لكشفها، وحين يحاصر المسلمون ويُزلزل المؤمنون يسارعون في الذين كفروا يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. إن من مكاسب الأمة في هذه الأزمات كشف هؤلاء وفضحهم والحذر من مكرهم ومخططاتهم. 9ـ كما لفتت الحرب بويلاتها وخسائرها واستغاثة المستغيثين من أهلنا وإخوننا في فلسطين إلى نماذج للصدقة والمتصدقين، فكم من صادق تكلم بكلمة طيبة (والكلمة الطيبة صدقة)، وكم من يدٍ جادت بشيء مما تملك نصرةً للمستضعفين، ورب درهم سبق ألف درهم، وذهب أهل الدثور بالأجور، وكم من ضعيف جادت عينه بالدموع وهي نوعٌ من التعبير عن النصرة، فرفعت الأكفَّ بالضراعة والدعاء وهي باكية ـ وإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، وكم من مسلم أو مسلمة دافع عن أعراض إخوانه المسلمين فكانت هذه منه صدقه.. وهكذا تتعدد الصدقات ويكثر المتصدقون.. وفي المقابل ثمة من بخل (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء) تثاقل عن إنفاق القليل ونسي أن (من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وكانت الأحداث في وادٍ وهو في وادٍ آخر فلم يرفع بذلك رأساً، ولم يتصدق بكلمة ولا مجرد عاطفة، وما الحيلة في قسوة القلب، ومن لم تتحرك مشاعره وعواطفه في مثل هذه الظروف فمتى تتحرك؟ 10ـ وجاءت هذه الحرب الظالمة لتجهز على كل مشاريع السلام الهزلية، ولتؤكد أن اليهود عُشَّاق حرب ومصاصوا دماء، وسُعاة ُ للفساد (والله لا يحب المفسدين). لقد عاش بعض أبناء أمتنا على أوهام السلام، وانطلقوا يركضون إلى مدريد، وأوسلوا وغيرها من محطات السلام التي تذهب كل مرة أدراج الرياح.. ثم يُخيم النسيانُ ويعود المنهزمون ينشدون السلام، من ظن أن اليهود يفون بعهد أو يلتزمون بوعد، والله خالقهُم يقول عنهم (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) وإذا نقضوا وخانوا وحاربوا من بشرت كتُبهم به.. فغدرهم وجرئتهم لغيره باب أولى. 11ـ كما شاء الله أن يكون من أبرز مكاسب هذه الحرب إفشال مشاريع التطبيع في منطقتنا وعلى شعوبنا المسلمة: فالحرب حفرت خندقاً بين الأمة واليهود لن يقبلوا معه أيَّ بادرة للتطبيع فأخلاق اليهود وثقافتهم وصادراتهم كلَّها ليست محل قبول.. بل هي إلى مزبلة التاريخ وإلى غير رجعة. 12ـ ومن مكاسبنا في حصار غزة أنها أظهرت بين المسلمين عقيدة الولاء والبراء، ولاءً للمسلمين وبراءة من الكافرين، تلك العقيدة التي يمتلئ القرآن والسنة بنصوصها.. والتي حاول أعداءُ الأمة وأبناؤها المنهزمون تغيبها أو تشويهها.. وربما قال قائلهم.. إن عقيدة الولاء والبراء جاء بها الخوارجُ من قبل، ثم جاء أتباعهم المعاصرون ليحيوها من جديد (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً). 13ـ كما كان من المكاسب لهذه الحرب غير المتكافئة إعادةُ مفهوم الجهاد بأهدافه السامية، وراياته الناصعة.. لقد شمل هجوم الأعداء وأذنابهم على مفهوم الجهاد فأصبح قريناً للإرهاب والتطرف ولم يشأ أولئك أن يفرقوا بين صورٍ شوهت مفهوم الجهاد، وتشريع الجهاد الثابت والمنصوص عليه في كثيرٍ من آياتٍ القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بل أراد هؤلاء الاصطيادَ في الماء العكر، وربما راجت بعض هذه الأفكار التشويهية لمعاني وأهداف الجهاد عند (الرعاع) لكن جاءت هذه الأحداث الأخيرة لتوقض صيحة الجهاد ولتؤكد أن الجهاد طريقنا للعزة والكرامة وتحرير المقدسات ومصارعة الباطل ومدافعة المبطلين وصدق الله (ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) إنه الجهاد ذروة سنام الإسلام ولو كره المشركون والمنافقون. 14ـ ومن مكاسبنا في هذه الحرب أنها زادت في كشف عددٍ من القيم والدوائر والهيئات والمنظمات الغربية، فالتحيز واضح، والعدلُ، والمساواة، والحرية، وحقوق الإنسان كلها مصطلحات خادعة كاذبة، وإذا كُنا من قبل نعلم تهافت هذه القيم فإننا نأسى على نفرٍ من أبناءِ أمتِنا لا يزالون مخدوعين بهذه القيم، بل ومروجين لقيم الغرب، وكأنهم أدلاءُ طريق، وملكيون أكثر من الملكيين.. لقد آن الأوان لإنشاء هيئات مستقلة عادلة يكون لها من المصداقية والعدل ما نستغني به عن الركض لهذه المؤسسات والهيئات الغربية التي طالما أحبطتنا بقراراتها، وآن الأوان للمسلمين أن يُديروا ظهورهم لهذه المؤسسات.. ولديهم خيارات كثيرة وفاعلة.. 15ـ ومن مكاسبنا قيمٌ تربوية على مستوى الفرد والأسرة علمنا إياها الأخوة الفلسطينيون بسلوكهم أكثر من كلماتهم: لقد تعلم أطفالنا من أطفال الحجارة معاني في العزة والشجاعة لابد أن تخَّلف أثرها في سلوكياتهم مستقبلاً ـ كما تعلمت نساؤُنا من النساء الفلسطينيات شهامةَ المرأة وصبرها ومشاركتها الرجل في مدافعة الباطل.. وكم من طفل تجاوزت اهتماماته الوجبات السريعة، وإضاعة الأوقات في البالتوك.. وكم من امرأة تجاوزت الهرولة مع الموضة وحاسبت نفسها عن كماليات الحياة، وأحدثت الحرب لها نمطاً من التفكير والاهتمام ـ كان لهذه الحرب ودور المرأة فيها أثر واضح.. وإذا بلغ الأثر مبلغة على مستوى الطفل والمرأة ـ وهم عناصرُ مهمة في الأسرة ـ فلا تسأل عن أثرها على الشاب والفتاة والأم والأب.. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. 16ـ ومن مكاسبنا سقوط الوهم على مستوى القادة والشعوب: لقد حاولت إسرائيل إرهاب العالم بقوتها وردعها، وإن لديها من الأسلحة ما تدمر به كل شيء متى وأين شاءت، جاءت هذه الحرب ـ غير المتكافئة لتسقط هذه الوهم، وتُجرِئ المظلومين على إمكانيةِ المقاومة والقتال، لكن متى صدقت النوايا وتحررت الرايات. 17ـ كما أحيت هذه الحرب الخاسرة لليهود مبادئ الفأل بقرب نهاية اليهود ـ وانتصار المسلمين وليس بالضرورة أن تسقط إسرائيل غداً.. وليس من لوازمه أن تدمر فصائل المجاهدين في فلسطين كل سلاح وعتاد اليهود.. لكنها المرحلية.. وخطوة الألف ميل بدأت طريقها، وعلينا أن نستكمل ونستثمر هذا النصر. 18ـ ومصطلح الاستشهاد وموتُ الكرامة من مكاسبنا في المعركة: لئن الفلسطينيين قبل هذه الحرب كان يُرادُ لهم أن يموتوا ببطء، ويُقتلوا دون أن يشعر بهم الناس، أما اليوم فهم يصيرون على إحدى الحسنيين (النصر أو الشهادة) والناس الآن يشعرون بقتلهم وهذه المكاسب وإن كان للإخوة في غزة نصيبها الأكبر في معاني تترسخ في ذهنية أطفال وشباب ورجال ونساء المسلمين كلهم. 19ـ استحضار التاريخ واستلهام العبر مرَّت بالأمة المسلمة أزمات وحصارات وزلازل: وربما عفى النسيان على الكثير منها ولئن نسينا أو أُنسينا الكثير، فينبغي أن تضل أحداثُ السيرة النبوية حاضرة في أذهاننا لنستلهم منها الدرس والعبرة، ولنحقق الأسوة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومع اختلاف الظروف وتباعد الزمان إلا أن شيئاً مما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه في مكة والمدينة يتكرر مثله أو قربت منه في زماننا هذا في غزة.. ألم يحُاصر المسلمون بمكة في شعب أبي طالب حصاراً ظالماً، ويحاول كفار قريش عزلهم عن المجتمع فلا يطعمون ولا يناكحون ولا يباع لهم ولا يشترى منهم؟ ثم كيف كان الحال؟ خرج المسلمون وهم أشدُّ بلاء وقوة، بل كانوا يمارسون الدعوة وهم محصورون (*).. أما كفار قريش الذين خُيل لهم أنهم منتصرون فقد شكل حصارُ الشعب نقطة ضعفٍ كاد أن يتفرق ملؤهم، بل اختلف ولائهم على وثيقة الحصار الظالمة.. حتى نقضها بعضهم وإن احتج آخرون.. واستمر المسلمون يُفتنون في دينهم بعد هجرتهم للمدينة.. وإذا تجاوزنا (بدراً) يوم الفرقان، فقد كانت أحدٌ (وصاياً للمسلمين) (أولما أصابتكم مصيبة) ثم كانت فاجعة الرجيع وأعظم منها مصاب بئر معون التي استشهد فيها سبعون من المؤمنين ثم جاءت (الأحزاب) لتكون قمة الزلزلة والبلاء (هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) وفي الأحزاب اجتمع المشركون مع اليهود مع المنافقين على حرب المسلمين والإرجاف بهم وحين صدق المسلمون ربِّهم وقالوا (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما) نفس الله كربهم، وكفى اللهُ المؤمنين قتالهم.. وأنزل جنوداً لم يروها.. ـ والمسلمون اليوم في غزة حوصروا وظلموا من قبل.. وكان يُراد لهم أن يموتوا ببطىء.. ودون أن يشعر بهم أحد.. ثم هم الآن يواجهون حرباًً ظالمة تتشابه أطُرافها مع الأحزاب.. والدرس المهم والاقتداءُ النبوي ـ أن يصبر المسلمون اليوم كما صبر أسلافهم، وأن يوقنوا بالنصر من عند الله وحده كما أيقن من سبقهم.. وسوف تكون العاقبة للتقوى وللمتقين (ذلك وعدٌ غير مكذوب) وأن يكون الصدق شعارهم (من سلف منهم ومن بقي) (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) إننا نحسب إخواننا ـ في غزة ـ ولا نزكيهم على الله ـ من يدرك هذه المعاني وتمثلها. بل يمكن القول أنها كانت فترة لمزيد الأعداد والتربية للانطلاق في المرحلة القادمة ـ في وثيقة كتبت وعلقت في جوف الكعبة، وكان مشركوا قريش أشجع من مشركي زماننا هذا حيث مارس هؤلاء الحصار ولم يعترفوا به وتواطؤا عليه دون أن ينسبه أحد لنفسه. 20ـ صيد التجربة وصنع القادة أعتقد أن حربنا مع أعدائنا طويلة الأجل نحتاج فيها إلى تثمين كل تجربة، والاستعارة من كل رصيد.. ولاشك أن مثل هذه الحروب والنوازل صفحاتٌ مفتوحة وسجلات مقرؤه لأرصدة التجربة.. وإذا كان حصار غزة أخرج لنا من رحم المأساة قادة أشاوس صهرتهم المحنة.. فبكل تأكيد أن المعركة الشرسة اليوم على غزة.. سَتخرج لنا هي الأخرى قادةً مجربين.. وإن كان تجربتُهم صعبه. فهم يقابلون عدواً يملك سلاحاً تعاون اليهود والنصارى على صنعه وتصديره.. وهم كذلك يرمون من عدد من الجبهات ويحُاصرون من القريب والبعيد ـ كان الله في عونهم ونفسَّ كربهم أعتقد أن هذه الأجواء ـ هي المخاطبة لإخراج القادة.. فالكلام في الهواء الطلق كل يجيده.. لكن التعامل مع الأزمات.. والنجاح في أزمنة المحاصرات.. وهو المحك الذي لا يجيده إلا من صدق مع ربِّه.. وأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية الممكنة واعتقد أن هذه القادات الشابة سيكون لها أيامٌ أخرى مع الأعداء وستكون أكثر بلاءً ونضجاً ـ إضافة إلى ما هي عليه الآن ـ من بلاءٍ ونضح. وهذا مكسب يمكن أن يجير للإخوة في فلسطين بل هو لصالح الأمة والمقاومة والجهاد المشروع.. 21ـ تعميق الوعي: هذا مكسب عظيم من مكاسبنا في حرب غزة، فالمعركة القائمة (رمزية) بمعنى أنها لا تستهدف (حماس) أو فصائل المقاومة المجاهدة الأخرى في فلسطين.. بل تستهدف (رمز) المقاومة للمشروع الصهيوني الغربي أياً كان موقعه ومهما كان اسمه.. فلابد أن نعي هذه الحقيقة.. والحرب القائمة أكدتها بتعاون الحلفاء، وتبادل الأدوار، فالذي لا تستطيع القيام به أمريكا (علانية) يقوم به اليهود ـ وهناك ما يحتاج تعاون بين عدد من دول الغرب، كما وقع في (العراق) ومن قبل في الأفغان.. 22ـ إلى أين يكون الحزن؟ الحزن لذاته مذموم وليس من مقامات الأيمان، وهو من أدواء أهل الدنيا، ومنزوع عن أهل الجنة في الآخرة.. لكنه جبلي في الإنسان، وإنما يُحمد لسببه لا لذاته سيما إذا قاد للعمل المنتج والايجابية الفاعلة.. ولاشك أن من يشاهدون اليوم مآسي المسلمين في غزة يحزنون.. لكن هذا الحزن ينبغي ألا يقال فيه إلا ما يرضى الله أولاً، وثانياً ينبغي أن يدعو الحزن إلى تحرك فاعل بالنصرة والدعاء، وهنا يثاب المرء على الحزن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (وقد يقترن بالحزن ما يثاب عليه صاحبه ويحمد عليه كالحزن على مصيبة في دينه وعلى مصائب المسلمون عموماً فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبقص الشر.. لكن إن أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد، وجلب منفعة ودفع مضرة نُهي عنه) إلى آخر كلامه (الفتاوى 10/17). منقول للفائدة كتبه أ.د سلمان بن حمد العودة
  19. أخي الحبيب جزاك الله خير الجزاء ، وأسأل الله العلي القدير أن يجزل لك العطاء بكل حرف ألف حسنة ، والله يضاعف لمن يشاء . أخي الحبيب هذه الكلمات دفعتني لأنقل موضوع في غاية الأهمية حول غزة ، كتبه أ.د . سلمان بن حمد العودة . ستجده إن شاء الله في المنتدى الديني . والسلام .
  20. غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة المباركة حدث حدث عظيم، وقامت حرب دامية هي أعظم حرب يخوضها المسلمون في حياة النبي ، كانت مؤشر البدء لفتح بلدان النصارى، إنها أكبر لقاء مثخن يدخله عسكر المسلمين مذ قام الجهاد في سبيل الله. بعث النبي الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه بكتابه إلى عظيم بُصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ، وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل القيصر ، فأوثقه رباطًا، ثم قدمه، فضرب عنقه، وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، بل هو يزيد على إعلان العداء والحرب، فاشتد ذلك على رسول الله حين نقلت إليه الأخبار ، فجهز جيشًا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، كأكبر جيش إسلامي لم يجتمع من ذي قبل إلا ما كان من غزوة الأحزاب. إنها معركة مؤتة وهي قرية من قرى الشام بينها وبين بيت المقدس مرحلتان. أمرَّ رسول الله على هذا الجيش زيد بن حارثة، وقال: ( إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ) وعقد لهم لواءً أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم وقاتلوهم، وقال لهم : ( اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، ولا تغدروا، ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناءً ) . ولما تهيأ الجيش للخروج حضر الناس، وودعوا أمراء رسول الله ، وسلموا عليهم، وحينئذ بكى عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } [مريم: 71] فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ، فقال المسلمون: صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين. قال عبد الله بن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا ثم خرج القوم، وخرج رسول الله مشيعًا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم. وتحرك الجيش في اتجاه الشام حتى نزل بمعان من أرض الشام مما يلي الحجاز، عندها نقلت إليهم الأخبار بأن هرقل نازل بماب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي مائة ألف. حينها وقف المسلمون دهشين، لم يكن في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم الذي لقوه بغتة في أرض غريبة بعيدة ، وهل يهجم جيش صغير قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، على جيش كبير كالبحر الخضم قوامه مائتا ألف مقاتل، بعددهم وعتادهم، حار المسلمون وأقاموا في معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، ثم قالوا: نكتب إلى رسول الله فنخبره بعدد العدو، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي، وقال قولة حق ستبقى على مدى التأريخ درسًا بليغًا لأهل الحق الذين يحملون رايته، ويدافعون عن حياضه ، وستبقى ما بقي الدهر حجرًا في أفواه الجبناء أهل الخور والضعف والدعة من أحفاد أبي بن خلف، وأذنابه، قال ابن رواحة : يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون ، الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة . إلى المرابطين في الثغور، والمجاهدين في ساحات الوغى ، ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين ، إلى أهل الإسلام والحق الداعين إليه، المرابطين على ثغور الكلمة ونشر المبدأ، الساعين لإعادة الأمة إلى مجدها وعزها ، ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين . إلى الجبناء ، المنكسرين ، المنهزمين ، الذين يخترقون صف الأمة الواحد، يعيثون في الأرض فسادًا وينشرون الباطل والزيغ، يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين ، إنها كلمة عظيمة لابد أن تبقى شعارًا تتعاقبه أجيال الأمة جيل بعد جيل ينقله الأباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، يرضعه الوليد مع لبن أمه، ويلقنه الصغير، ويحى عليه الكبير لابد أن تبقى هذه الكلمات نبراسًا يضي للأمة طريقها في نشر دين الله، في جهادها ودعوتها وعلمها وعملها. وأخيرًا استقر الرأي على ما دعا إليه البطل ابن رواحة رضي الله عنه وأرضاه، وبعد أن قضى الجيش الإسلامي ليلتين في معان تحركوا إلى أرض العدو، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية مشارف من قرى البلقاء، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فعسكروا هناك، وتعبأ للقتال فجعلوا على ميمنتهم قطبة بن قتادة الغدري، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين. وفي مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل، إنها معركة عجيبة تشهدها دنيا النزال بالدهشة والحمية، في مقياس الماديات، ماذا يصنع ثلاثة آلاف في مواجهة مائتي ألف مدججين بالسلاح والعتاد وهل تقف النظرة عند هذا، كلا وربي، ولكن إذا هبت نسائم الإيمان جاءت بالعجائب. أخذ الراية زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله وجعل يقاتل بضراوة بالغة ، وبسالة لا تحق إلا لمثل زيد، فلم يزل يقاتل ويقاتل ويخترق الصفوف صفًا صفًا، والقوم أمامه بين صريع وقتيل ، إذ شاط في رماح العدو، حتى خرَّ صريعًا. وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال نزل عن فرسه الشقراء وعقرها ، ثم قاتل فقطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه رافعًا إياها حتى قتل بضربة روميّ قطعته نصفين، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة، فكان يسمى بعد ذلك جعفر الطيار. روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية كلها فيما أقبل من جسده" ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة وتقدم وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد حتى حاد حيدة وقال: أقسمت يا نفـس لتنزلنــه كارهـة أو لتطـاوعنـه إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعرق لحم، فقال: شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم ألقاه من يده وأخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل. عندها تقدم رجل من بني عجلان يقال له ثابت بن أرقم فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا : أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريرًا، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفحة يمانية. وقد قال رسول الله يوم مؤتة كما أخرج البخاري في صحيحه ، مخبرًا بالوحي، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال : ( أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم ) . الله أكبر ( وعيناه تذرفان ) عاش لأمته تفاعل مع قضاياها همًا وغمًا، ألمًا وأملاً، فرحًا وحزنًا فيا من تحمل في قلبك لا إله إلا الله، أنت يا من حملت على عاتقك هم دينك وأمتك سعيًا في إصلاحها وصلاحها، أين أنت من قضاياها في مشارق الأرض ومغاربها. كم نفرح للدنيا وملذاتها وشهواتها، ونحزن لفواتها وانقطاعها أو انتقالها، ولا نحرك ساكنًا بل ونبخل بالألم والدمعة ، فإلى الله المشتكى. ونجح خالدٌ رضي الله عنه في الصمود بجيشه أمام جيش الرومان طوال النهار، وكان لابدَّ من مكيدة حربية، تُلْقِى الرعب في قلوب الرومان، حتى ينجح في الانحياز بالمسلمين وينجو من مطاردة الرومان لجيشه، وقبل أن ينكشف المسلمون. ولما أصبح في اليوم الثاني ، غيَّر أوضاع الجيش ، وعبأه من جديد ، فجعل مقدمة الجيش ساقته وميمنته ميسرة ، والعكس ، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم. وقالوا: جاءهم مدد فرعبوا، وصار خالدٌ بعد أن ترآى الجيشان، وتناوشا ساعة يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، محافظًا على نظام الجيش فلم يتبعهم الرومان خوفًا من مكيدة يدبرها المسلمون فحافظ على جيشه وعاد الرومان إلى بلادهم خائبين . وهكذا عاد المسلمون لم يلقوا ضررًا، واستشهد منهم اثنا عشر رجلاً، ولا يعلم عدد قتلى الرومان لكثرتهم . ونستطيع أن نخرج من هذه الغزوة بنتائج مهمة منها : أولاً: أن النظرة المادية المجردة عند قياس معيار القوة والضعف بعيد كل البعد عن الواقعية والفهم العميق للحياة وسبر أغوار بواطن الأمور، إذ الوقائع تشهد، والأحداث على مر العصور تبرهن بأنه { كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فالأمر لله من قبل ومن بعد. ثانيًا : أن الإيمان في قلوب أهله، أقوى من قوى العالم وإن اجتمعت : فكم من مجاهد أعزل من السلاح يرفع إصبع السبابه يناجي ربه ، وكم من دعوة في جنح الظلام تفتح لها أبواب السماء ، تفعل الأفاعيل في الأعداء بل هي أشد عليهم من آلاف المقاتلين وقد قالوها، والحق ما شهدت به الأعداء. ثالثًا: أن على الأمة أن تربي أبناءها على حب دينهم واعتزازهم به : والشعور بالنصر والعلو والفخر ألا فلينقش على القلوب والصدور ولتردده الأفواه والسطور { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]. رابعًا : على الآباء والأمهات والمربين أيًّا كانوا وعلى الأمة جمعاء أن تعاود النظر في عرض القدوات للأجيال : فلابد من نشر سير أولئك الأفذاذ من صحابة رسول الله وأتباعهم، ليرتسم الأبناء سير الأجداد منهجًا للحياة ودستورًا للواقع. يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي خامسًا : وبعد هذه الغزوة، دهش العرب كلهم فقد كانت الروم أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض لا يستطيع أحدٌ الصمود أمامها : كيف وقد عاد جيش صغير بدون خسائر تذكر، فأحدث هذا سمعة للمسلمين بلغت المشرق والمغرب. وأضحت تلك الغزوة الخطوات الأولى لفتح بلاد الروم واحتلال المسلمين أقاصي الأرض.
  21. أبنائي وبناتي الأعزاء أشكركم على هذا الترحيب بعودتي ، واعتذر لكم على تأخر الرد ،،،، واعدكم بالجديد إن شاء الله تعالى .
  22. الأخ العزيز جدس الباس جزاك الله خير الجزاء على هذا المرور الرائع الأبناء الغاليين عبدالله 11 & بديع الزمان أشكركم على هذا المرور وربي يعطيكم العافية
  23. الأخوين الحبيبين ولد البحرين 86 & عبدالله 11 اشكركم على هذا المرور الرائع وجزاكم الله خير الجزاء أما الأخ العزيز الغالي جدس البأس فماذا عساي أن أكتب على هذا الإطراء الذي أعلم من نفسي أنني لست أهلاً له وعلى كل حال أقول أسأل الله العلي القدير أن أكون خيراً مما يظنون وكذلك أشكر الله تعالى ، وأردد مع الزاهد أبي العتاهية حينما قال : ألطف الله بنا أن الخطايا لا تفوح
  24. الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - هو القدوة في الدين ، ثم أصحابه من آل البيت وغيرهم – رضي الله عنهم أجمعين – لأن الله تعالى زكاهم ؛ ولأن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - رباهم ، وتوفي وهو عنهم راض ، وهم حملة الدين علماً وعملاً فقد نقلوا لنا القرآن وسنة النبي وعملوا بمقتضاهما ولم تظهر فيهم الأهواء والبدع والمحدثات في الدين . فإن الحق والهدى يدوران معهم حيث داروا ، ولم يجمعوا إلا على حق ، بخلاف غيرهم من الطوائف والمنتسبين للأشخاص والشعارات والفرق فإنهم قد يجتمعون على الضلالة . ثم السلف الصالح من : التابعين وتابعيهم ، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة ، هم القدوة بعد الصحابة ؛ لأنهم كانوا على منهاج النبوة وسبيل الصحابة لم يغيروا ولم يبدلوا . وعلى هذا المنهج سار أئمة الدين ، وأهل السنة إلى يومنا ، وإلى أن تقوم الساعة ، ملتزمون بما جاء في الكتاب والسنة ، ومقتفون لأثر النبي ، والسلف الصالح – والحمد لله - . وسبيل هؤلاء ( السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ) ، هو سبيل المؤمنين الذي توعد الله من يتبع غيره ، وجعل اتباع غيره مشاقَّة للرسول ومن موجبات النار ، نسأل الله العافية ، قال الله تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } . وبذلك يتقرر أن سب الصحابة والسلف الصالح والطعن فيهم ، طعن في الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - ، كما أنه خيانة للأمة وعامة المسلمين ؛ لأنه طعن في خيارها وقدوتها ؛ ولذلك عمد أهل الأهواء والبدع والافتراق إلى الطعن في الصحابة والتابعين والسلف الصالح أو بعضهم . نسأل الله العفو والعافية
×
×
  • Create New...