Jump to content
منتدى البحرين اليوم

مقال المستشار الثقافي لجلالة الملك نخب تجمدت في كراسيها ....كيف تحقق الاصلاح ؟


b52

Recommended Posts

نُخب تجمدت في كراسيها.. كيف تحقق الإصلاح؟

بقلم: د. محمد جابر الأنصاري

لا جدال أن بعض القيادات العربية - علي اختلاف مواقعها ومناهجها - مخلصة في مسألة الاصلاح، وعازمة عليه، ومدركة أنه ضروري لسلامة أوطانها وسلامة أنظمتها ذاتها قبل كل شيء.. فما أكثر الأنظمة الحاكمة التي أسقطتها حركة التاريخ في الشرق والغرب لأنها تعامت عن ضرورة الاصلاح وتمسكت بغريزتها العمياء القائلة: إما كل شيء.. أو لا شيء، ودفعتها بطانة السوء الي الهاوية، فانتهت بها حركة التاريخ الي ما هو أسوأ من اللا شيء.. والعياذ بالله.. وأمامنا - كمثال أخير فحسب - مخلفات تماثيل دكتاتور العراق ونفايات صوره، وما جلبه علي شعبه من عبء الاحتلال وقلق المصير والمستقبل، بعد عذاب القهر والترويع والتقتيل.. هذا علي أن لا ننسي ما حدث لطغيان شاه ايران وفساد عائلته وبطانته علي الجانب الآخر من الخليج.. وكذلك ما ابتلي به العرب من انقلابات عسكرية أعطاها مبررها فساد فاروق بمصر وفساد عبدالإله في العراق علي ما غرسه النظامان الدستوريان في البلدين من بذور التطور التي مازلنا بحاجة الي إحيائها.. (وفي ذلك درس تاريخي بليغ للأنظمة المشابهة في العالم العربي، ان أرادت الاتعاظ بدروس التاريخ قبل فوات الأوان).

وما يدعو الي التفاؤل ان ثمة قيادات عربية أقدمت بجرأة علي فتح طريق الاصلاح من أبوابه الواسعة، وبما يرقي الي مستوي تاريخي. لكن النوايا الطيبة مهما كانت نبيلة وحدها لا تصنع الاصلاح في نهاية المطاف. فلا بد من اختراق فساد الأجهزة واستبدال الوجوه المستهلكة وتطويع الادارات التنفيذية بعناصر جديدة حازمة، ودماء جديدة صافية وأنظمة وقوانين لا تغطي عورات التسلط والفساد الحكومي والمؤسسي، وكهنته غير المقدسين.. هذا مع أمانة المصارحة مع أولياء أمورنا وفقهم الله أنه ما من نظام عربي إلا وداخلته رواسب (صدامية) استبدادية عائدة الي عبء تاريخنا السياسي المشترك وعصبياته وتخلفه، ولا بد من معالجتها بروح العصر، ان أردنا بقاءً في هذا العصر.. وعلينا كعرب الاعتراف بتخلفنا السياسي - أنظمة ومعارضة وثقافة وجماهير - والعمل علي تطويره حيث لا تقتصر المسألة علي تخلف علمي أو حضاري فحسب كما شاع لدينا في بدء (النهضة).

ومن أخطر أعراض هذا التخلف السياسي العملي الذي يهدد مشروعات الاصلاح في العالم العربي أنه طوال الثلاثين سنة الماضية سيطرت علي مراكز ومفاصل التحكم التنفيذي والمالي والثقافي والاجتماعي نخب أن قدّم بعضها شيئاً في البداية فهو مستهلك اليوم وعديم الفائدة ان لم يكن بالغ الضرر لتطور بلده كأكثرية زملائه الفاسدين أو العاجزين من ديناصورات الحقب المنقرضة.. المتشبثين بكراسيهم والمصادرين لحق الأجيال التالية لهم في حمل المسئولية، اضافة الي أرث الفساد المستحكم الذي غرسوه وعملوا ومازالوا يعملون علي حمايته، حسب منطق مقلوب مازال ساريا بحيث يتيح للمتسلط الفاسد مد يده للمال العام بلا مساءلة، أما من يعمل علي إصلاح ذلك من المخلصين فهو الملام والمحاسب والمخطئ.. ولا يستطيع الباحث عن حقيقة الأشياء ان يغفل هنا كيف ان العناصر المحلية في الادارة والحكومة - أي (الوطنية)!

- أثبتت أنها أسوأ في الذمة والأمانة من الحكام الأجانب في عصر الاستعمار.. وأمامنا ملفات لا تشرف هؤلاء الذين جاءوا باسم الوطنية والوطنية منهم براء ولا بد أن يساءلوا عنها يوما ما..وقديما ينسب لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قوله: (اللهم إني أشكو إليك عجز الأمين وقوة الخائن!).

وينسب للامام الحسن بن علي رضي الله عنه: (أن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، ولا غرو فأبوه الامام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه هو القائل: (القرآن لا ينطق وإنما تنطق به الرجال).

فاذا انطبق ذلك بالنسبة للنص القرآني المنزل، فكيف بنصوص القوانين والأنظمة التي يشرعها ويطبقها بشر.. خاصة اذا كانوا بشراً من نوع النخب العربية المتجمدة - وأكاد أقول المتعفنة - في كراسيها منذ عشرات السنين.. وبعضها يجب القول أنه متعفن لا محالة وينطبق عليه ما وضعه شكسبير علي لسان أحد أبطاله في مسرحية (مكبث) من أن عطور العربية السعيدة لن تطهر يديه من دماء الجريمة التي ارتكبها.. (وليت شعري هل بقيت في عالمنا العربي عطور قادرة علي التطهير اليوم؟!!).

.... فما أكثر الجرائم المالية والادارية التي ارتكبتها وترتكبها هذه النخب المتجمدة والفاسدة.. حتي باسم الاصلاح وتظاهرا بتأييده ودعمه، والحديث عن هذا (التمثيل الاصلاحي) الانبطاحي يطول اذا فتحنا ملفاته، ولا نريد فتحها في هذا المجال لأنها تزكم الأنوف!

وهؤلاء - باختصار - ينطبق عليهم قول الله عز وجل: (واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلي شياطينهم، قالوا انا معكم، إنما نحن مستهزئون. الله يستهزئ بهم ويردهم في طغيانهم يعمهون) صدق الله العظيم.

واللافت ان دعاة المثالية السياسية في واقعنا الاسلامي يحتفون كثيرا بظاهرة الخليفة الزاهد المصلح عمر بن عبدالعزيز الذي حكم في منتصف عمر الدولة الأموية، وهي ظاهرة جديرة بالتأمل حقا ليس لكونها استثناء اصلاحيا مخلصا ومتجردا في عمر هذه الدولة فحسب، ولكن بالأهمية ذاتها للاتعاظ والاعتبار، فذلك الاستثناء الاصلاحي متمثلا في خلافة عمر بن عبدالعزيز، قد انتهي وهو في عمر الزهور.. فلم تتجاوز خلافته عامين، وتوفي الرجل وفاة غامضة وعمره 39 سنة!

هذا ما يجب أن يجيبنا عنه هؤلاء الدعاة اذا أرادوا التعامل مع وقائع التاريخ بلا مواعظ أو ضبابية ويحضرني في هذا السياق ديوان صغير لغازي القصيبي صدر مؤخرا بعنوان (الأشج) وهي صفة لعمر بن عبدالعزيز، لشج قديم في جبينه، والديوان يلامس اشكالية ظهور المصلح الفرد في دولة فساد باسلوب يلتقي فيه الشعر بالتاريخ بمنطقة الاشتباك بينهما.. نعم ماذا حدث حقا لهذا الحاكم الصالح؟ ولماذا انتهت هذه الظاهرة الاصلاحية بهذه السرعة، وعاد التسلط الأموي الي طبيعته.. الي ان اقتربت النهاية التاريخية الحتمية بعد عقود قليلة، فبذل آخر خلفاء الأمويين مروان بن محمد ... كل ما في وسعه.. ولكن بعد فوات الأوان.. ويبقي السؤال التاريخي الكبير - عندما نعيد كتابة تاريخنا - ما الذي حدث لمشروع عمر بن عبدالعزيز في الاصلاح؟ لا جدال ان الرجل عدل وأصلح.. ولكن المؤسسة الأموية ورجالها وكوادرها لم تكن في مستوي صلاحه واصلاحه فكان ما كان.. علينا ان نفهم ذلك في السياق التاريخي الواقعي، بلا مثاليات وأدلجة، لنستفيد من التاريخ، ولكن لنفهم أيضا الفارق بينه وبين عصرنا حيث لن تسمح روح العصر، ووعي الشعوب، وثورة المعلومات، بأية ردة مضادة يفكر فيها الحرس المهترئ القديم.

وسيقف الناس مع قادة الاصلاح بلا مواربة، وبما يتجاوز فكر الحرس القديم في المعارضة أيضا التي تلتقي - موضوعيا - شاءت أم أبت مع مراكز الفساد في السلطة هذه المراكز التي لا تتورع عن اللعب بورقتها من وراء ظهرها..!

هكذا.. فمع ضرورة الاصلاح علي مستوي القيادات في عالمنا العربي، وابقاء للأمل في النفوس لا بد من الشروع فورا في اصلاح الأجهزة، والادارات والهيئات التي تندرج في هرم السلطة في بلادنا والتي تتحكم فيها نخب تنفيذية وتشريعية وثقافية تجمدت في كراسيها منذ عقود، وبعضها تعفن.. فكرا وسلوكا -ونقولها لهم بلا مجاملة- وهذا من أسباب اختلال أداء الأنظمة العربية، علي اختلاف تسمياتها من ملكية وجمهورية، سواء في تسيير الحكم قبل الاصلاح أو بعد بدايته.

هذا ما يجب أن نقوله بالفم الملآن في كل بلد عربي، لنصلح من أوضاعنا بأيدينا لا بيد عمرو (وهو ليس عمرو موسي!)، أما الانشغال بجدل القضايا المسرحية الكبري المتكررة، والتي سنبقي فيها متفرجين أو مهرجين، فلن يجعل منا مواطنين وحكاما صالحين ومصلحين وما كان الله بمهلك القري وأهلها مصلحون.. أهلها.. وليس حكامها فحسب!

 

( نقلا عن جريدة الايام )

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...