Jump to content
منتدى البحرين اليوم

Recommended Posts

خوخة القرية

قصة قصيرة للكاتب حمد الشهابي

أووف... يالله!! إنها فعلاً خوخة!!

هذا ما قاله أحد الشباب المراهقين وهو يخاطب صديقه عبر الهاتف المحمول في يده سأله المتحدث معه على الهاتف

- من هي خوخة؟

- أجابه وهو يحك تحت إبطه غارقا في النظر إليها تائهاً بفكره كمن أصابه عمى إلا عن منطقة تواجدها وموقع خطواتها:

- يسمونها الخوخة وليتك تراها حتى تفيق من وقع ما تراه في قبح الفتيات الأخريات لو وقفن بجوارها لأنك لو قارنت جمالها بجمال الأخريات لكن في عداد المشوهات بالنسبة لها.

ضحك صديقه قائلاً:

- قد أقع صريعا لو رأيتها... أهكذا تريد أن تقول يا صاحبي؟

ولكن صاحبه لايزال يرى خوخة وهي ماضية تتدحرج بشارع القرية غيث الجمال ونهايته توزع ابتسامتها للفتيات الأخريات اللاتي ينظرن إليها بعين حاقدة حاسدة بسبب جمالها الربيعي الأخاذ. حتى أن بعضهن لا يقتربن منها كي لا يقارن الشباب جمالها بجمالهن، وتلك كانت كارثة لكل فتيات القرية.

خوخة... سميت خوخة كناية عما وهبها الله من جمال رائع وحلاوة وجاذبية في شكلها علاوة على لونها الأبيض الناصع كالثلج وخديها اللذين يشبهان الحرير في نعومتهما ناهيك عن تحولهما الى اللون الأحمر الممزوج بالبرتقالي عندما يأتي الصيف وتلتهب حرارة الشمس فيه، فتحولهما الى أجمل من لون الخوخة!!

هي فتاة في السادسة عشرة من عمرها «مليانة» القوام جميلة الوجه رائعة المحيا عذبة المنظر بدرجة متفوقة، لها نهدا الفتاة اليانعة، مرتفعان، يلفتان نظر الشباب والكبار، وعندما تمشي مشي الهوينا يهتزان اهتزازا أحلى من حلاوة الدنيا، فيحس الناظر إليهما وكأنهما وعاءين مملوءين بالعسل، العسل الطيب الذي يشفي غليل الرجل كيفما كان سنه. وعندما كانت ماضية والشاب ينظر إليها ناسيا هاتفه النقال على سطح سيارته، كانت عباءتها التي غطت جسمها قد لفحها الهواء والتصقت بظهرها ورسمت حدود جسدها الفاكهي من الخلف الذي أصبح على شكل لوحة مرسومة حددت فيها ملامح صنع الخالق لها كأنثى يدفعها الهواء تاركا للناظر تخيلاته والحسرة والغيرة المؤلمة.

في زاوية بالقرية وقرب أحد البيوت العتيقة جرى احتفال صغير لمجموعة من الشباب بمناسبة خروج أحدهم من السجن وهو غازي الملقب بوتربيعة، وانتهى الاحتفال وانصرف الجميع إلا ثلاثة كان من بينهم بوتربيعة، وهو كان قد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات واليوم قد تم الافراج عنه فعمت الفرحة أهله وذويه وأصدقاءه، ومن بين ما تمت مناقشته من أمور القرية أن وصف له أحدهم ابنة الجمال الطيب أبورجب، هاله الوصف، وعض على أصابعه، ثم التفت اليهم قائلا:

- لقد دخلت السجن وكان عمرها ثلاث عشرة سنة فلم تلفت نظري آنذاك...

ومضت ايام على وجود بوتربيعة، لم يحاول أن يبحث عن وظيفة يعيش منها، بل بات يجلس معظم ساعات يومه عند زاوية إحدى البيوت بالقرية ويترقب مجيئها هذه الناحية، وكانت مفاجأة له غير عادية عندما لمح فتاة لا تمشي على الأرض بل وكأنها تطير مع الهواء من شدة سحرها وجاذبيتها... رفع رأسه وفتح عينيه كالذئب يرى فريسته، لم يصدق أن الفتاة التي تتقدم نحوه هي مخلوقة عادية على الأرض، زادت دقات قلبه كثيرا وتحركت عواطفه بسرعة جبارة وكاد أن يتحول الى حيوان لا عقل له، تقدمت خوخة أكثر تمشي باتجاهه وهو يكاد يغمى عليه من شدة ارتباكه، ردد في داخله اسم خوخة أكثر من عشرين مرة وهو شارد الذهن موجها نظراته إليها وكأنه قد تجمد سوى من عينيه اللتين كانتا تتحركان مع خطى خوخة، لم يحتمل مشاهدتها فركض لا يعرف الى أين يمضي أو أين يدخل ولم يهتم برجليه الى اين ستوصلانه بعد أن شاهد خوخة على الطبيعة تلك الفتاة التي وصفوها له ولم يصدق ما قيل عنها سوى أن عواطفه ومشاعره وأحاسيسه كلها تحولت الى صلد.

كان لهيب الشمس حارا وبوتربيعة ممدداً على الساحل نائما تحت أحد القوارب الخشبية المهملة، حضر إليه صديقاه وأيقظاه من نومه، كان مازال يحلم بجمال وحسن خوخة، ابتسم لصديقيه وقال وهو يهز رأسه:

- لقد رأيتها بعيني هاتين، وياليتني لم أرها!!

سأله أحدهما:

لماذا يابوتربيعة؟ إنها أجمل فتاة بالقرية.

تنهد تنهيدة طويلة لم يعتد مثلها حتى عندما كان في السجن وهو ينظر إليه ثم قال له:

 

- لقد أيقظت هذه الفتاة الحيوان الذي بداخلي ولا أعرف كيف أروضه، لأنني أصبحت أسيرا له وهو لا ولن يرحمني.

كان بوتربيعة يقول هذا وكومة من الزبد تخرج من فمه كالجمل...

تابع قائلا:

- خوخة مصيبة وأنا من سيحمل هذه المصيبة على عاتقي! راقب بوتربيعة بيت خوخة و لما عرف تحركات من فيه وعددهم شاءت الصدف أن يخرج الجميع من البيت ماعدا خوخة، كان يتنفس كالوحش وعيناه تشعان حيوانية واضحة، أصابعه لا تقف ولا تهدأ، دمه يغلي، انطلق الى بيت خوخة ودخل بسرعة البرق، وصفق الباب خلفه، وقف وسط الحوش وهو يلتفت يمنة ويسرة كالأسد الجائع، وكان صوت خوخة القادم من نافذة حمام الحجرة الوسطى ينادي ببراءة:

أمي!؟؟ أمي؟؟ أهذه أنت يا أمي؟؟

في هذه اللحظات كان الصمت يفرض نفسه بين الاثنين - وكانت قدما بوتربيعة جامدة في وسط الحوش ونظراته على نافذة الحمام الذي احتوى جسد خوخة الرطب، تقدم بوتربيعة ودخل الحجرة، وقد تحول الى حيوان ذكر يبحث عن أنثى لم تألفه بعد، كان صوت الماء الذي يرش جسد خوخة يصل الى مسامعه، تقدم أكثر من خطوة وامتدت يده الى مقبض الحمام وهي ترتعد ليس خوفا ولكن بسبب شهوة تحرقه من الداخل وحرك المقبض بهدوء نادت خوخة من الداخل:

- أمي؟؟ أحمد؟؟ من... من داخل الحجرة...

كانت خوخة تنتظر ردا ولكنها لم تسمع كلمة...

وبحركة عنيفة وقوية دفع بوتربيعة الباب الذي لم يكن محكم الإغلاق ففتح الباب على مصراعيه، صرخت خوخه وتراجعت ملتصقة بالجدار، وقد غطت ما استطاعت تغطيته من جسمها بيدها وهي ترتجف كالأرنب الذي حاصره ذئب ولم تتفوه بكلمة سوى أنها جمدت في موقعها وركزت عينيها في عيني بوتربيعة الذي وقف فارشا يديه ينظر إليها نظرة المتوحش الهاجم، كان ألما يتصبب على وجه خوخة وأنفاسها تسمع ودقات قلبها تفاوتت وتسابقت، وعم الهدوء بين الاثنين سوى صوت الماء المنهمر على جسدها مندفعا وكأنه يسعى جاهدا الى ملامسة جلدها المخملي، لم يصدق بوتربيعة أنه واقف أمام أجمل فتاة في القرية وهي عارية بلا ثياب، بلا ورقة التوت حتى، وهي جميلة مبهرة، نظراته ثابتة عليها، بدأت خوخة تنسل بهدوء الى الأسفل، وظهرها يحتك بالجدار خائفة مسلمة أمرها لهذه اللحظة المخيفة، اقترب بوتربيعة منها ونزل إليها بهدوء ينظر الى وجهها، وقال بصوت مسموع:

يا سبحان الله... هاتي يدك...

هزت خوخة رأسها خائفة...

أبقى يده اليمنى ينتظر أن تمد يدها إليه، وبعد مضي أكثر من دقيقة رفعت يدها رويدا رويدا ومدتها الى يده، كانت دقات قلبه تسمع، رفع يدها بيده وقبلها ثم تركها وتراجع الى الخلف وانطلق خارج الحمام مسرعا واختفى عن ناظرها، صرخت خوخة صرخة قوية وبكت بكاء الثكلى ومضت أيام أخرى... لم يتفوه بوتربيعة ولم يخبر أحدا بما حدث بل أصر على أن يكون هذا الحادث سرا يحتفظ به لنفسه، فصورة خوخة في خياله لا تفارقه، ذلك الجسد المشحون عواطف ورغبة وأنوثة صارخة، تلك كانت مشكلة بالنسبة إليه والأغرب من هذا كله أنها لم تجرؤ على إخبار أحد بما حصل تلك الأمسية، كان يراها تمر وهو واقف مع أصدقائه وهي تراه فيقول في نفسه:

- يا ترى أتشعر بما شعرت به في لحظة تبادلنا النظرات، انجذبت نحوها بدافع لا أعرف مصدره يا الله!! أكاد أنهار وأنا واقف بين أصدقائي.

وهي تخاطب نفسها أيضا...

- كان جريئاً بدرجة كبيرة، لقد أصبحت أخاف من كل شيء حولي، وهو واقف يرمقني بنظرات أعجز عن تفسيرها... يقولون إنه مجرم و قد كان معي في تلك اللحظات ألطف من شعر الأرنب.

كانا في كل مرة يلتقيان من بعيد يتخاطبان بالعيون ثم تزوجت خوخة، ومضت سنة وأنجبت ابنة لا تقل عنها جمالاً، واشتغل بوتربيعه واستقام وجمع له بعض المال وفرحت عائلته بسلوكه الجديد فقد بدأ يصلي ويجالس الفقهاء ويستمع الى نصائحهم و إرشاداتهم. كان بوتربيعه يسأل نفسه دائماً عما غيره في الفترة السابقة البسيطة، فمازال يتذكر حادثة خوخة ومازال يتذكر سيول الماء وهي تنزل من على خديها سالكة طريق رقبتها في خط ماء مندفع كنهر صغير يمر بين نهديها الرائعين الفاتنين، وتذكر أيضاً شفاهها المحمرة عندما عضت عليها في لحظة خوفها منه ونظراتها البريئة المستغربة التي لم تتوقع من خلالها أن يحشر إنسان نفسه معها في حمام وهي عارية تماماً، وبطنها الناصع المخملي الرطب، وما تحت بطنها من فتن وشهوة، لم ينسَ بوتربيعة كل هذا فقد أصبحت هذه المشاهد بمثابة جمر من النار تشعل رغبته القوية الجامحة فيها وقد انعكست عليه سلباً، فعندما رآها خارت جميع قواه حتى الجنسية منها، فكان جمالها سلاح فتك به في تلك اللحظة ونقله من عالم إلى آخر، عالم يمتزج فيه الحنان بالعطف والحب، هذا الجمال الذي أثناه عن رغبته المتوحشة تجاهها وجعل له هدف وهداه للطريق الصحيح الذي يعيشه الآن...

وحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد بلغه فجأة أن خوخة وزوجها وابنتاها قد أصيبوا في حادث مروري وعلى إثر هذا الحادث توفي الزوج، وأصيبت خوخة بإصابات بليغة، ولم تصب ابنتهما بسوء، فزع واختلط عليه الموضوع من جراء هذا الخبر الذي هز فيه مشاعر كثيرة. بعد مضي عشرة أيام كانت خوخة مازالت في المستشفى تعالج من جروح أصيبت بها، أسوأها جرح كبير امتد من منتصف رأسها الى أسفل خدها الأيمن ترك هذا الجرح أثراً كبيراً ضمد، وعولج، وعندما خرجت من المستشفى رآها في القرية قادمة الى بيتها، وتلاقت النظرات ثانية ودخلت بيتها مسرعة مع أخيها؛ تفادياً لكل مايسيء إليها كزوجة فيما بعد فترة الحداد على زوجها، بات بوتربيعة يحاسب نفسه ويعاتبها ويقسو عليها حتى كاد أن يعود مجرماً مرة ثانية لولا إيمانه بالله، وبعدها تجرأ وقرر أن يتقدم لخطبتها ولم تمانع خوخة من زواجها من بوتربيعة، وهذا مازاده فرحاً وجعله يطير حالماً بليلة زفافه من خوخة فتاة حلمه وعرابته في طريق حياته.

في ليلة زواجهما جلس ينظر إليها وهي منكسة رأسها، يلفها هدوء أشبه ما يكون بما قبل العاصفة، مد يده إليها وتوسطت المسافة بينه وبينها، رفعت رأسها تنظر إليه، وللحظة تذكر تلك اللحظات التي مرت عليهما في الحمام عندما كانت تستحم فرأى وكأن الماء مازال يتصبب على جسدها وتلك القطرات منه، التي كانت تسيل من على شعرها الأحمر الى كتفها الى أسفل، رأى عينيها الساحرتين، وشفتيها الورديتين، مدت إليه يدها، وقبلها كالقبلة التي طبعها عليها قبل سنتين ونصف، وحلق في فضاء لم يعرف بعده عن الأرض بل كانت روحه هائمة معها يبحثان عن معقل يسجنان فيه جسديهما، فكأنهما يريان بعضهما لأول مرة، وغطيا جسديهما باللحاف وهما يضحكان ويهمسان لبعض بكلمات عجزت عن التعبير عما بداخل قلبيهما وطارا في جنتيهما يقطفان ثمار عشقهما الصامت...

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...