Jump to content
منتدى البحرين اليوم

حطام المسافات البعيدة


Recommended Posts

حطام المسافات البعيدة

 

 

( 1 )

 

ريح لافحة , وأجساد نحيلة تخرج من المسجد , تتجه إلى أعمالها وبيوتها , هرباً من عنفوان الريح وقيظ الظهيرة , ومن الخارجين , ينسل من بينهم هيكل آدمي في عقده السادس , كفيف البصر , مقوس الظهر , يتوكأ في مشيه على عصا كتآكله , يضرب بها الأرض ، فإذا سمع صوتاً حاداً غير من مسار طريقه , ثم يعاود السير في نفس الطريق , الذي ظل يمشي فيه منذ صباه وفاء لوصية والده , آباه الذي ظل لآخر أيامه يأخذه معه إلى الصلاة , ولا يمنعه منها إلا إذا أقعده المرض أو الإبحار إلى صيد اللؤلؤ ,

وتبسم لما تذكر ماكان يسمعه من البحاره عن والده ، فمن أجل حباته كان والده لا يتردد عن السفر إليه في مختلف أوقات مواسمه ، حتى يوم أوكل إليه مهمة "النوحذة" ، ظلت نفسه تهفو إليه ، فيمكث أوقاتاً طويلة ينتزعه من أحشاء اليم , يكنزه في "الديين" ، بينما الذين في الخارج يدب الخوف في نفوسهم ، ولا يرتاح بالهم إلا إذا ظهر إليهم ، وفي الغالب يخرج من أعماق البحر مع إطلاقه صيحات عالية تصل الى عنان السماء ، فيسحب "السياب" "الأيده" ، يأخذ منه "الديين" ، يمد يده ليرفعه الى السفينة ، لكنه في بعض الأحيان يضحك ويعود ليغوص من جديد ، فيقف من على ظهر السفينة ومن في اليم مبهوتين ، يتبادلون النظرات والكلمات ، غير مصدقين مايرون فيه من جلد وإقدام و,, ، تنهد ، أخذ نفساً عميقاً وهو يتذكر شيئاً آخر ، يوم أخذه والده لأول مرة ليعمل "تباباً" على ظهر السفينة , وفي هذه المرة ، غاص والده كعادته لكنه لم يُر من بعدها ثانية ، ومع مضي الأيام سرت إشاعة بأن جنية البحر فُتنت به فاتخذته خليلاً ، وقال أحد الغاصة ، انه رآه في المنام ، يمعن النظر في محارة ضخمة ، ظل مشدوهاً بها ، هائماً فيها حتى أنسته نفسه ، وأجاب "عراف" لما سئل ، انه لا يزال حتى الآن يجمع المحار من قاع البحر ,

ذكره لأبيه قيأ الدمع من عينيه ,، أحس بثقل في قدميه ، فجلس في مكانه ، وتضاعف شجنه لما تذكر أمه وقسمها له ألا يقرب البحر ، فوافق على مضض ، واكتفى بالعمل عند أحد "الطواشين" ، وتذكر يوم طرد من الدكان عندما اتهم بالسرقة ، وسجنه ثلاث سنين ، فبقيت أمه وحدها تقاوم شظف الحياة والوحدة ، وظلت على هذا الحال حتى وافتها المنية ، وان دب الهمس ، أن جنية البحر ، من شدة هيامها ببعلها ، ومقتها من ترديده اسمها ، عزمت على الثأر منها بسحر أسود ليعجل في منيتها ، وحرمت وحيدها من نعمة البصر ,

 

( 2 )

 

مرقت سيارة صفراء ، مخلفة وراءها دخاناً كثيفاً ، وحصيات متطايرة ، أيقظته من ماضيه ، فأدار وجهه الى الوراء ، بينما قائدها واصل السير حتى أوقفها امام باب المنزل ، ترجل يحييه بصوت عال "هاي بابا" ، ودخل المنزل موصداً الباب من وراءه

 

 

النوخـذة: قائد السفينة

(2) الــديين: وعاء يشبه الشبكة وفيه يتم وضع المحار بعد أخذه من قاع

البحر ,

(3) السـياب : الشخص الذي يشرف على الغائص ,

(4) الأيــده : الحبل الذي يمسكه الغائص وينزل به ويظل ثابتاً بيد السياب

الموجود على ظهر السفينة ليسحبه به عند عودته ,

(5) التبــاب: الاسم الذي يطلق على الصبي الذي يقوم بآداء الخدمات الخفيفة

على ظهر السفينة ,

(6) الطـواش: تاجر اللؤلؤ

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...