Jump to content
منتدى البحرين اليوم

almalik68

الاعضاء الفعالين
  • مشاركات

    193
  • انضم

  • آخر زيارة

Everything posted by almalik68

  1. عن ابن شُمَاسَةَ المهَرِيِّ قال حضرنا عمرو ابن العاص فذكر لنا حديثاً طويلاً فيه: "وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيقُ أن أملأ عيني منهُ إجلالاً له، ولو سئلتُ أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن املأ عيني منه ". وروى الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحدُ منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمرُ، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويبتسمان إليه ، ويبتسمُ لهما. ولما أذنت قريش لعثمان في الطواف بالبيت حين وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في القضية أبى وقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه و سلم. وروى أسامة بن شريك قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير ". وفي رواية أخرى: " إذا تكلم أطرق جلساؤه وكأنما على رؤوسهم الطير". وقال عروة بن مسعود حين وَجَّهَتْهُ قريش عام القضية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوئه، وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدَّونَ إليه النظر تعظيماً له، فلما رجع إلى قريش قال: " يا معشر قريش ، إني جئتُ كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، وقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً ". غض الصوت وقت مخاطبته صلى الله عليه وسلم : من المعلوم أنَ الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الوحيد الذي يتلقى عنه المسلمون تعاليم الله سبحانه وتعالى سواء كان قرآنا أو سنة أو حديثاً قدسياً، لذلك يجب عليهم أن يتأدبوا معه صلى الله عليه وسلم أثناء كلامه معهم أو كلامهم معه، وذلك بخفض الصوت وترك الجهر العالي كما يكون بين الإنسان وصديقه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءامنوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولاَ تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذا أدب ثان أدّب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته". والأدب هنا يحصل بمجانبة أمرين أثنين : أولاهما: رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم أخذا من النهي الوارد في قوله: {لاَ تَرْفَعُوا أّصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتَ النَّبيِّ ..}. ثانيهما: الجهر بالقول له صلى الله عليه وسلم كالجهر بعضكم بعضاً أخذا من النهي الوارد في قوله تعالى: {.... ولاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ .....}. وقد فرق المفسرون بين النهيين الواردين في الآية حيث قالوا: إن الأول يتعلق برفع الصوت فوق صوته - صلى الله عليه وسلم - أثناء كلامه معهم، وأما الثاني فيتعلق بالجهر له صلى الله عليه وسلم وقت صمته. ومنهم من يقول: إن النهي الأول يتعلق وقت خطابه معهم أو خاطبهم معه أو صمته، وأنّ الثاني يتعلق بندائه صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد أو بكنيته ، مثل يا محمد أو يا أبا القاسم. وقد أجمل النيسابوري رحمه الله تعالى في ما ورد في التفريق بين هذين النهيين قائلاً: " والجمهور على أن بين النهيين فرقاً ثم اختلفوا فقيل: الأول: فيما إذا نطق ونطقتم أو أنصت ونطقوا في أثناء كلامه فنهوا أن يكون جهرهم باهر الجهر. والثاني: فيما إذا سكت ونطقوا ونهوا عن جهر مقيد بما اعتادوه بما بينهم وهو الخالي عن مراعاة أبهة النبوة. وقيل: النهي الأول أعم مما إذا نطق ونطقوا أو أنصت ونطقوا والمراد بالنهي الثاني أن لا ينادى وقت الخطاب باسمه أو كنيته كنداء بعضكم لبعض فلا يقال : يا أحمد يا محمد يا أبا القاسم، ولكن يا نبي الله يا رسول الله. والأدب الثاني هو أدبهم مع نبيهم في الحديث والخطاب وتوقيرهم له في قلوبهم توقيراً ينعكس على نبراتهم وأصواتهم، ويميز شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ويمييز مجلسه فيهم، والله يدعوهم إلى ذلك النداء الحبيب ويحذرهم من مخالفة ذلك التحذير الرهيب. والتحذير الرهيب هو إحباط العمل الصالح بدون شعور صاحبه أخذاً من قوله تعالى: {.. أّنْ تَحْبَطَ أَعْمِالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}. وأحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ما ذكره ابن المنير- رحمه الله حيث يقول: " والقاعدة المختارة أنّ إيذاءه - عليه الصلاة والسلام -يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق، فورد النهي عما هو مظنّة لأذى النبي- صلى الله عليه وسلم - سواء وجد هذا المعنى أو لا، حمايةً للذريعة وحسماً للمادة. وهذا على غرار قوله تعالى في قضية الإفك:{... وَتَحْسَبُونَهُ هَيَّناً وَهوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ}. وقوله صلى الله عليه وسلم" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم"، صحيح البخاري. وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهده كما ورد في الآثار: منها قول أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل "، أورده الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. هكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب، وذلك التحذير الرهيب، وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون وتداركوا أمرهم ولكنّ هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم فخافوه واتقوه: {إنَّ الذينَ يَغُضُّونَ أَصوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِيْنَ امتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُمْ للِتَّقْوَى لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3]. هكذا كان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم وأمَا بعد مماته فكذلك يجب على المسلم أن يتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يرفع صوته عند سماع أحاديثه صلى الله عليه وسلم لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً سواءً بسواء وأن أحاديثه تقوم مقامه. يقول ابن العربي رحمه الله تعالى: " حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً كحرمته حياً وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قُرِيء كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به، وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: {وإذا قُرِىءَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا ...} [الأعراف: 204]. وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وله الحرمة مثلما القرآن إلا معاني مستثناة بيانها في كتب الفقه، والله أعلم. ويُراعى هذا الأدب - وهو عدم رفع الصوت - أيضا في مسجده صلى الله عليه وسلم، لما أخرجه البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال: " كنتُ قائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتِني بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، صحيح البخاري. كما أن هذا الأدب المستفاد من الآية يكون مع العلماء لأنهم ورثة الأنبياء وكذلك مع الأبوين وغيرهما لمن له فضل على الإنسان المسلم ، فلا شك أنّ هؤلاء الأشخاص يأخذون هذا الحكم وينبغي التأدب معهم وتوقيرهم بالشكل اللائق بهم مع مراعاة الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنَ مقامه أرفع من هؤلاء جميعاً وهو صلى الله عليه وسلم المعنيُّ بالآية أصلاً وهؤلاء تبعاً وليس الفرع كالأصل وإن اشتركا في أمور، والله تعالى يقول: {النَّبيُّ أَوْلَى بالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...} [الأحزاب: 6] بل ينبغي أن يحترم العبد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سيده. وفي مجال التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم جاء التنبيه في القرآن الكريم على ضرورة عدم مناداته بطريقة جافة ومزعجة بل لا بد من مراعاة مقامه وقدره وبالأخص عندما يكون في بيته مع نسائه وأولاده. يقول تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهم لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 4] . عن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد أخرج إلينا، فلم يجبه ، فقال: يا محمد إن حمدي زين وانّ ذمي شين"، فقال الله تعالى: {إنَّ الَّذِيْنَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}. وقد تضمنت الآية أمرين : أولهما: عدم إزعاج الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت خلوته في بيته مع نسائه بالنداء غير اللائق به. وثانيهما: الإرشاد إلى ما ينبغي أن يفعل في هذه الحالة وهو الانتظار إلى أن يحين وقت خروجه. و في ذلك قال الله عز وجل: {وّلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} أي: لكان في ذلك الخير والمصلحة في الدنيا والآخرة. وهذا لا يعني أنه لا يجوز مناداته صلى الله عليه وسلم بتاتاً ، وإنما المحظور مناداته في وقت خلوته مع نسائه في بيته كما في هذه الحالة، وكذلك مناداته بصوت مرتفع خالٍ من الاحترام والتقدير بل ينبغي أن ينادى بصوت منخفض وبصيغة معينة تتناسب مع قدره وعظمته ووقاره مثل: يا رسول الله، يا نبي الله ، لا مجرد اسمه مثل: يا محمد، ويا أحمد، ويا أبا القاسم . كما ينادي الناس بعضهم بعضاً. وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ...} [النور: 63]. ومما تدل عليه هذه الآية أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم. يجب على المسلم أن يدع هذه النداءات السوقية في لفظها وكيفيتها مثل: يا محمد، ويا أحمد، أو كنيته مثل: يا أبا القاسم كما كانوا يفعلونه من قبل، وأن يناديه صلى الله عليه وسلم نداءً يتناسب مع مقامه ومكانته مثل: يا رسول الله ويا نبيالله ، اقتداءً بما في القرآن من نداء الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم بحيث لم يناد رسوله في القرآن بمجرد اسمه ولو مرة واحدة وإنما ناداه بصفة النبوة والرسالة وغيرها من الصفات الثابتة له في القرآن الكريم. كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأزْوَجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا...} [الأحزاب: 28] و {يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً.. } و {يَا أّيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ }. مع أنه سبحانه قد قال: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ..} [البقرة: 35]. { يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ...} [هود: 46]. { يَا إبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ...} [هود: 76]. { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيْفَةً فِي الأَرْضِ ..} [ص: 26]. لزوم محبته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. [ التوبة: 24] . فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحُجَّة على إلزام محبته، ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرَّع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوَعَّدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}. [التوبة: 24]. ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضَلّ ولم يهده الله سبحانه وتعالى. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثَلاثٌ مّنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهمُا، وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبهُ إلا لله، وأن يَكرَهَ أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار "، رواه مسلم ونسائي. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين "، أخرجه البخاري ومسلم.
  2. في الكثير من الأحيان قد نسمع عن هذه المفردة، أعني التسامح. فهي كلمة ربما تخرج من أفواه العديد من الناس، كما أن البعض قد يستعذب نطقها! إلاّ أن السؤال المحير الذي أود طرحه في هذه المقالة، هو التالي: هل إننا جميعاً نعمل وفق هذه المفردة؟ بمعنى آخر، هل نحن كمسلمين نعمل بهذه الفضيلة الأخلاقية والقيمة الإنسانية التي دعت إليها فطرة الإنسان وعقله، كما دعا إليها الدين الإسلامي في الكثير من نصوصه وآثاره، وجميع الرسل الذين أُرسلوا بالحق؟ للإجابة على هذا السؤال نحتاج لاستقراء ردود فعل الناس والمجتمعات من حولنا، قديماً وحديثاً. فنحن قد نقرأ الآيات القرآنية التي تحدثت عن ابني آدم بالحق { إذ قرّبا قُرباناً فُتُقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } (المائدة:27-28). فما كان من قابيل إلاّ أن قتل أخاه، ليصبح بعمله هذا مرتكب لأول جريمة قتل في التاريخ. وأثناء قراءتنا لهذه الآيات نشيد بموقف هابيل المتسامح ونشجب موقف قابيل الدموي العنيف. ولكن، ماذا لو كنا نحن في موقفٍ كهذا؟ هل سنُجيب كما أجاب هابيل أم سنُشمر عن أيدينا للقتال كما فعل قابيل؟ أعتقد بأننا سنُشمر عن أيدينا للقتال، خاصة إذا كنا في موقف قوة، بالرغم من أن القرآن أنزل للتطبيق وحكى لنا القصة لنتمثل دور هابيل لا دور قابيل ! نعم، قد يحفظ الكثير منا عن ظهر قلب مواقف رسولنا الكريم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - مع أعدائه والتي تجلت فيها أسمى صور التسامح، فمن منا ينسى موقفه المتسامح مع ( وحشي ) قاتل عمه حمزة؟ ومن منا ينسى موقفه مع مشركي مكة عندما فتحها؟ لكن السؤال هنا: هل نتمثل نحن مواقفه الشريفة ونحاول الإقتداء به؟ بعد عرضنا الموجز لموقفٍ من القرآن الكريم يحكي حالة العنف واللاعنف، وآخر من السنة الشريفة، واستطراداً في الحديث، أقول: قد نقرأ أيضاً للشاعر مقولته الرائعة التي يقول فيها: وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى وفارق ولكــن بالتي هي أحسن وقد يتغنى بعضنا بهذه المقولة، إلاّ أنه عندما يجد من يعتدي عليه، سواءٌ كان ذلك الاعتداء باللسان أو باليد أو.. فلا يتردد المعُتدى عليه بالرد بالتي هي أشد وأقسى ! وعندما يفارق من هم كانوا بالنسبة إليه أشرف الناس يغادرهم وهو يتحدث عنهم كنصابين ودجالين ! كما أنه قد يقرأ المرء أبيات ( الشافعي ) التي يقول فيها: يخاطبني السفيه بكل قبحٍ وأكره أن أكون له مُجيبا يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيبا لكن، ما الذي يحدث للواحد منا عندما يسمع كلمة نابية من شخصٍ ما؟ ما الذي يحدث عندما يرد عليه أحد السفهاء بقبحٍ؟ هل هو في مثل هذه الحالة يكره أن يكون مجيباً للسفيه، أم أنه سيرد عليه بأقبح مما سمع؟ وفي حالة ازدياد سفاهة السفيه، هل سيزداد الحليم حُلماً، أم ماذا؟ وقد يردد شخص ثالث، ما قاله (الشافعي) أيضاً حول الصديق، عندما أنشد: سامح صديقك إن زلت به قدمُ فليس يسلمُ إنسـان من الزللِ والمشكلة التي يقع فيها البعض أنه وبمجرد أن تزل قدم صديقه، كأن يتفوه بكلمة جارحة في حقه وربما بدون قصدٍ تراه مزمجراً غضباناً بعد أن كان قطاً وديعاً ! وربما سمع قارئي العزيز عن أشخاصٍ استخدموا سلاح القطيعة والجفاء لأصدقاء أعزاء عليهم ولسنين طوالٍ بسبب سوء فهم بينهم أو بسبب زلة لسان عفوية خرجت من أحدهم. فالكثير من الناس في حالة الغضب يتناسى هذه المفردة ( التسامح ) بالرغم من ترديده لها طوال الأوقات الهادئة التي يمر بها خصوصاً إذا كان في موضع الواعظ ! كأن يكون مدرساً في فصلٍ دراسي، أو خطيباً في مسجد، أو كاتباً في صحيفة، أو … الخ. فهده حقيقة موجودة عند الكثير من المجتمعات، فهم يتحدثون عن التسامح ليلاً ليمارسوا العنف صباحاً يؤمنون بالتسامح نظرياً ويكفرون به عملياً، تراهم يقولون مالا يفعلون ! - فلماذا يحدث ذلك؟ - لماذا نعيش - نحن المسلمين - بهذه الكيفية؟ - متى سنعمل وفق ما نقول؟ - أين نحن عن قوله – تعالى -: { خذ العفو وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } (الأعراف:199) أو { وأن تعفوا أقرب للتقوى } (البقرة:237) وغير ذلك من آيات قرآنية. وللإجابة عن بعض ما طرح، أقول - وعلى الله التسديد - إننا أصبحنا لا نمتلك لروح التسامح، لسببٍ أساس وهو: غياب القدوات، ولعدم استخدامنا لمبدأ التسامح كطريقة في التربية والتوجيه. فأين هي القدوات التي تمثل التسامح في مجتمعاتنا حالياً.. أين؟ فالمدير الذي يترأس مجموعة من الموظفين، هل يتعامل معهم بمبدأ التسامح في حالة حدوث الخطأ من بعضهم، أم ماذا؟ والمدرس الذي يفترض أن يكون قدوة لطلابه، هل هو يتعامل معهم وفق هذا المبدأ عندما يخطئون في حقه، أم يلجأ للعصا؟ وعلماء الدين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوات للناس من حولهم، هل يتسامحون ويعذر كل منهم الآخر في حالة الاختلاف، أم يلجأ كل واحد منهم لسلاح التشهير والإسقاط؟. فلأننا نفتقد للقدوات التي تمتلك لهذه الروح في مجتمعاتنا أصبحنا غير متسامحين، ومن المسلمات أن النتيجة تتبع أخس المقدمات ! وأنك لا تجني من الشوك العنب ! فكيف نطلب من الطالب أن يكون متسامحاً وهو يرى بأم عينه، أباه متعصباً؟ كيف نريد منه أن يكون متسامحاً وهو يرى مدرسيه وقد أصبحوا أعداءً؟ فلكي نعيش هذه المفردة الجملية في حياتنا نحتاج إلى ممارستها عملياً طوال الأوقات، في البيت، في المدرسة، في المتجر، في المصنع، في… الخ، وليجعل كل شخصٍ منا من نفسه قدوة في التسامح، مع زوجته، مع أولاده، مع أصدقائه، مع معارفه، مع جيرانه، مع طلابه، مع مخدوميه، مع محاوريه… الخ. ينبغي أن نؤمن بالتسامح كقيمة داخل ذواتنا لا أن نحمله كشعار أجوف فوق صدورنا، وبهذه الكيفية ربما نتفيأ من ظلال هذه الشجرة الباسقة الوارفة الظلال. نعم، قد نكون قاب قوسين أو أدنى من أولئك الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، بقوله: {والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين} (آل عمران:134).
  3. الحمد الله وكفى والصلاة والسلام على الرسول المصطفى وبعد.... هذا الأدب الجليل ِشعار أهل الإسلام وتحيتهم التي ميّز الله بها المسلمين الموحدين عن سائر الملل . هذه التحية التي سنّها الله لآدم عليه السلام بعدما خلقه وجعلها تحيته وتحية ذريته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لمّا خلق الله آدم صلى الله عليه وسلم قال : اذهب فسلم على أولئك – نفر من الملائكة جلوس – فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم ، فقالوا السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله) متفق عليه . والسلام اسم من أسماء الله الحسنى ، فقولك لأخيك السلام عليك أي معناه أنّ الله يراقبك وهو مطّلع عليك لا تخفى عنه خافيه فهي تذكير له وموعظة وهو دعاء أيضاً تدعو به لإخوانك عندما تلقاهم أن يخلّصهم وينجّيهم من الشر والعيوب . لذلك فمن الطبيعي أن يكون هذا الأدب العظيم سبيل إلى المحبة والإخاء بين المسلمين ، ( أولا أدلّكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشو السلام بينكم ) رواه مسلم . وإفشاء السلام زاد المتقين لنيل الحسنات والفوز بالجنات ، من قال ( السلام عليكم ) كُتبت له عشر حسنات ، ومن قال ( السلام عليكم ورحمه الله ) كُتبت له عشرون حسنة ، ومن قال : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) كُتبت له ثلاثون حسنة ( صححه الألباني ) .( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي وهو حديث صحيح . وبذل السلام ليس مقتصراً على من عرفت بل هو على من عرفت ومن لا تعرف ، ( أي الإسلام خير قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) متفق عليه . ولا شك أنّ لكل قاعدة شواذ ، فلا تستغرب إذا سلمت على أحد المارة يوماً وقال لك متعجباً ( ومتى المعرفة ) ، بل قد تجد من هؤلاء الشواذ وهم قله لا كثرهم الله من يتضايق من كثرة السلام فإذا قمت من مكان هو فيه لحاجه ثم عدت وسلّمت تقطّب جبينه وكأنك قد شتمته وأحياناً يصرّح ويقول بأنّ العهد مازال قريباً فلماذا السلام . ألم يعلم هذا ومن على شاكلته أنّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال ( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ) رواه أبو داود . بل إنّ الرد في حقه واجب إذ كيف يدعو لك مسلم بهذا السلام ويعطيك الأمان والسلامة ويكون هذا حالك ، ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) وللسلام آداب منها : ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يسلم الراكب على الماشي والماشي علي القاعد والقليل على الكثير ) متفق عليه ، وفي رواية البخاري ( والصغير على الكبير ) بل حتى مفارقة المجلس يُسن فيها السلام أيضاً ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم فإذا أراد أن يقوم فليسلّم فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وليس للمنتديات أيها الأحبة حكم خاص بل هي داخلة في عموم ما قيل ، وعلى هذا فمن كتب موضوعاً وبدأنا بالسلام تعيّن على من أراد التعقيب أن يرد السلام أولاً ثمّ يُعقّب بما شاء وكيفما شاء ، يقول ابن عباس ( من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا ذلك بأن الله يقول فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، فإذا كان رد السلام على الكافر واجباً في حالة وضوح سلامه فالمسلم من باب أولى . معاشر الأخوة والأخوات ،، الحديث في هذا الأدب ذو شجون والكلام يطول ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعُنُق . تم الكلام وربنـا محمـود***وله المكارم والعُلا والجُود وعلى النبي محمد صلواته*** ما ناح قُمْري وأورق عُود
  4. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: تأملت واقع كثير من الفتيات فرأيت أن كل واحدة منهن تريد أن تكون متميزة عن غيرها. فهذه تريد أن تكون متميزة في ملابسها بحيث لا يشبهها في ذلك أحد.. وهذه تريد أن تكون متميزة في ماكياجها بحيث تلفت نظر كل من تقع عيناه عليها.. وثالثة تريد أن تكون متميزة في طريقتها في التعامل مع الآخرين، وحتى في طريقة كلامها ومشيتها وأخذها وعطائها وطريقتها في الرد على الهاتف وغير ذلك من الأمور.. هل هذا هو التميز المطلوب الذي ينفع الفتاة في دينها ودنياها؟ هل هذا هو التميز الذي يبعث على العفاف والفضيلة، ويدعو إلى الحياء والخلق الرفيع؟ هل هذا هو التميز الذي ينهض بالأمة ويعيد لها أمجادها من جديد؟ هل هذا هو التميز الذي يجعل المرأة عنصرا فاعلا في المجتمع، ويحقق لها مشاركتها الفعالة في بناء الحضارة المدنية؟ إن التميز- يا أختاه- في شخصية الإنسان.. في فكره الوقاد، أهدافه السامية، وغاياته النبيلة.. إن التميز يا أختاه في التزام مكارم الأخلاق والبعد عن مساوئها.. إن التميز يا أختاه في الاهتمام بمعالي الأمور والبعد عن سفاسفها .. إن التميز في المحافظة على الأوامر الشرعية والصبر على ذلك والانتصار على وساوس الشيطان وحيلة الماكرة.. التميز: أن لا ترضي أن يسبقك، أحد في عبادة الله وطاعته والتقرب إليه بأنواع القربات.. قال أحد السلف: إذا رأيت المرء ينافسك في الدنيا، فنافسه أنت في الآخرة.. وما أجملها من منافسة، وما أحسنه من سباق.. إنه سباق. الجنان.. سباق نحو الفوز بالجنة والنجاة من النار.. سباق نحو تطهير وحزازات الصدور.. التميز: في الحرص على الطاعة والبعد عن المعصية والإضاعة.. التميز: في الانقياد لأمر الله والتسليم لرسوله .. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ الأحزاب: 36]. إننا- يا أختاه- أمة التميز والفضل والعدل والخيرية، ولكن ذلك مشروط بقيامنا بمهمتنا التي خلقنا الله لأجلها، وهي الإيمان به سبحانه وتعالى، وعبادته وحده لا شريك له، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوم تفرط الأمة- رجالا ونساء- في هذا الواجب تذبل وتضمحل، وتصبح أمة لا كيان لها ولا شأن، قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ آل عمران: 110] التميز في العبودية نحن عبيد لله عز وجل شئنا أم أبينا، بل إن عزتنا وفخرنا وكرامتنا ونهضتنا هي في تلك العبودية لله عز وجل والبراءة من عبادة ما سواه.. قال الشاعر: مما زادني شرفا وفخرا وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا ومن تكبر عن عبادة الله عز وجل.. ابتلي بعبادة ما سواه من البشر أو الأحجار أو الأشجار، أو الأفكار المنحرفة والأيدلوجيات الباطلة، والاتجاهات الخاسرة، فأي الفريقين أهدى سبيلا؟! هل تعلمين أن هناك من تعبد فستانها وحذاءها وماكياجها؟ أليست العبادة هي غاية الحب مع غاية الذل؟ وهي قد صرفت حبتها وانقيادها لهذه الأمور من دون الله تعالى.. فأي تميز لمن كان هذا حالها.. قال النبي : "تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم تعط لم يرض " [رواه البخاري]. فاحذري أختاه من أن يشغلك عن ربك شاغل، بل اقطعي كل لشواغل التي تعترض طريق استقامتك على منهج الله عز وجل.. التميز في الإيمان إن المؤمنة المتميزة هي التي ترك الإيمان في نفسها وجوارحها آثاره الجميلة، استقامة على شريعة الإسلام، وعملا بالكتاب والسنة، ورغبة في إصلاح النفس والخلق، وشعورا بالرضا والسكينة والطمأنينة، ورفضا لكل مظاهر التغريب والتخريب، وتمسكا بالطهارة والفضيلة والعفاف وإن سخر منها الساخرون واستهزأ بها المستهزئون. التميز: أن تكوني على الحق وإن كنت وحدك التميز في أداء العبادات فالفتاة المتميزة تؤدي عباداتها على وجهها المشروع ولا تنقص منها شيئا أو تزيد عليها شيئا، لأنها تعلم أن الإحداث والابتداع مرفوض في دين الإسلام، قال النبي "من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد" [رواه مسلم] 1- التميز في إقامة الصلاة: والتميز في الصلاة يكون بالعلم بأحكامها، أركانها، وواجباتها، وسننها، ومكروهاتها، ومبطلاتها، والإتيان بها في مواقيتها، وتعظيم شأنها، لأنها عماد الدين، وأول ما يحاسب الإنسان عليه يوم القيامة.. وإذا نظرنا في حال المسلمات اليوم مع الصلاة، وجدنا تفريطا عظيما وجهلا كبيرا بأحكام الصلاة، والنبي جعل حافظة المرأة على الصلاة من أسباب دخولها الجنة فقال عليه : "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة، من أبواب الجنة شئت " [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني]. التميز في اداء الزكاة : كثير من الفتيات تغفل عن هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ألا وهو "أداء الزكاة" أما الفتاة المتميزة فإنها تؤدي زكاة لها إذا كان لها مال أو حلي بلغ نصابا وحال عليه الحول، وهي تتهاون في ذلك أبدا، ولا تتهرب من أداء هذا الواجب الإسلامي العظيم، بل تجعل لها موعدا محددا كل عام تخرج فيه زكاة مالها، طيبة بذلك نفسها. والفتاة المتميزة تكثر كذلك من الصدقات والنفقات في أوجه البر تبتغي بذلك وجه الله، وترجو بإنفاقها الدرجات العلا في الجنة. 3- التميز في صيام رمضان: أغلب نساء المسلمين يصمن رمضان، ولكن المتميزات منهن قليل، فرمضان تحول في واقع أكثر المسلمات إلى شهر للطعام والشراب، وإضاعة الأوقات في النوم والسهر وإعداد ألوان الأطعمة والمشروبات، ومشاهدة البرامج والمسلسلات والفوازير والمسابقات وغير ذلك. أما الفتاة المتميزة، فهي التي تصوم الشهر كما أرد الله عز وجل، فتحفظ الرأس وما وعي، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، تقضي الساعات الطوال في قراءة القرآن، وتتخلق بأخلاق الصائمات من صدق وأمانة وصبر وحياء وكرم، وتحفظ لسانها من كل زور وبهتان وسمت، وغيبة ونميمة، وسخرية واستهزاء.. ولا تنسى الفتاة المتميزة قيام كل ليلة من ليالي رمضان، وتهتم كذلك بالعشر الأواخر من رمضان، وتكثر فيها من العبادة والذكر والصلاة، وتتحرى فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فمن حرم من خيرها فهو المحروم حقا. 4- التميز في حج بيت الله الحرام: كثير من فتيات المسلمين يفرطن في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام تفريطا عجيبا، مع أنه يجب على الفور في أصخ أقوال أهل العلم، فإذا بلغت الفتاة، وتيسر لها تكاليف الحج، ووجدت المحرم، وجب عليها المبادرة إلى أداء فريضة الحج.. أما اليوم فإن الفتاة قد تبلغ العشرين من عمرها ولما تحج بيت الله بعد، بل إن هناك من بلغن الثلاثين ولم يحججن دون أي سبب شرعي.. فما هذا الجفاء يا أختاه؟! ألا تشتاقين إلى رؤية الكعبة المشرفة- عروس المحبين-؟ ألا تتوقين إلى الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار؟ إن الفتاة المتميزة هي التي تسارع بأداء فريضة الحج لأنها تعلم أن الحج هو جهاد المرأة، فعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" [رواه البخاري]. تميزك في طاعتك لوالديك بعض الفتيات وبخاصة فتيات الجامعة، ترى نفسها أفضل من غيرها، حتى من والديها اللذين لم يأخذا حظهما من التعليم كما أتيح لها، فهذه الفتاة تجد صعوبة في الاستفادة من تجارب والديها في الحياة، وتنظر إليهما على أنهما يمثلان نمطا قديما قد تجاوزه الزمن، ولذلك فإنها لا تلقي لهما بالا، ولا تعطيهما حقهما من التقدير والاحترام، وهذا من أعظم الجحود والعقوق والكبر، وإذا كان ذلك هو تعامل تلك الفتاة مع والديها، فكيف بتعاملها مع الآخرين؟ إن هذه الفتاة لابد أن تتعلم أنها مهما بلغت في العلم والمعرفة والمكانة الرفيعة، فإن ذلك بفضل الله أولا ثم بفضل والديها، اللذين قاما على صيانتها ورعايتها وتعليمها والإنفاق عليها، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. قال النبي : " لا يدخل الجنة عاق " [رواه النسائي وصححه الألباني]. أما الفتاة المتميزة، فإنها تطيع والديها في المعروف، وتحترمهما غاية الاحترام، وتقدرهما غاية التقدير، وتخفض لهما الجناح، وتجعل رضاهما غايتها في هذه الحياة، لأن رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما.. تميزك في أنوثتك وبعض الفتيات- هداهن الله- تحتقر إحداهن أنوثتها، فتشعر دائما بالنقص والدونية، ولذلك فهي تلجأ إلى تقليد الجنس الآخر من الشباب، فتلبس ملابسهم، من بناطيل وأحذية وقمصان وغيرها، وتقص شعرها مثلهم، وهناك قصة محرمة تسمى "قصة الولد" تستعملها بعض المترجلات، وهناك من الفتيات من تمشي مشية الرجال، بل وتتكلم على طريقتهم وتتعمد تخشين صوتها مثلهم.. وقد تفعل الفتاة ذلك في أول الأمر تقليدا لغيرها من غير وعي أو فهم، ولكنها بمرور الوقت تتعود ذلك ويصبح عندها ميل إلى الذكورية. إن الفتاة التي تميل إلى التشبه بالرجال تحط من مكانتها كفتاة مؤدبة، ويجعلها ذلك مسايرة لركب الأعداء الذين فقدوا الأخلاق والفضائل، وفوق ذلك فإنها ترتكب إثما عظيما لقول رسول الله "لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء " [رواه البخاري]. ويذكر بعض العلماء أن تشبه المرأة بالرجل في اللباس العادات وغيرها، من شأنه أن يعمل على زيادة هرمونات الذكورة عند المرأة، ويصبح عندها نوع من النفور من الرجال وتميل إلى الشذوذ، وهذا ما حدث بالفعل في بلاد الغرب. تميزك في أهدافك إن هدف كل إنسان هو الذي يبين عقله ويفصح عن آماله وأحلامه في هذه الحياة. والله تعالى يقول: إن سعيكم لشتى [ الليل: 92].. فهذه هدفها في الحياة أن تدخل الجامعة وتصبح فتاة جامعية!! وهذه هدفها أن تصبح طبيبة.. وهذه هدفها أن تصبح مدرسة.. وهذه هدفها أن تتزوج.. وهذه هدفها أن تكمل دراستها.. وهذه هدفها أن تصبح امرأة مشهورة تتحدث عنها وسائل الإعلام.. وهكذا.. ولكن ماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد أن تكوني طبيبة أو مدرسة أو مديرة أو زوجة أو مشهورة؟! هل هذا هو غاية أمانيك؟ هل هذا هو سبب وجودك في الحياة.. وهنا يظهر التميز.. فالفتاة المتميزة لها هدف أساسي وأهداف أخرى مساعدة، فهدفها الأساسي: رضا الله عز وجل. الفوز بالجنة. النجاة من النار. والأهداف الأخرى الفرعية هي التي تساعدها على الوصول إلى غايتها، مثل الزواج إذا كان بنية التهاون بن الزوجين على طاعة الله، وإقامة حياة إسلامية نظيفة، وإنجاب ذرية يتعاونا على تنشئتها تنشئة إسلامية صالحة. ومثل ذلك أن تكون الفتاة طبيبة لخدمة نساء المسلمين، أو معلمة لتعليم بنات المسلمين، وهكذا فإن الحياة كلها ينبغي أن تكون مرتبطة بالهدف الرئيس والغاية العظمى وهي: رضا الله- الفوز بالجنة- النجاة من النار، قال تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام: 162- 163]. تميزك في أخلاقك وآدابك بينما فرط كثير من فتيات المسلمين في أخلاق الإسلام وآدابه السامية، وتمسكن بأخلاق وعادات الغرب وتقاليده، نجد أن الفتاة المتميزة لا زالت تحتفظ بأخلاقها الإسلامية وآدابها القرآنية، لا تفرط في ذلك أبدأ، لأنها لا ترى مانعا من أن تكون فتاة عصرية متمدنة، ومع ذلك تكون محافظة على أخلاقها وآدابها الشريفة، فهل من لوازم التمدن والعصرنة أن تقول الفتاة عند التحية" ها لو" أو "هاي " بدلا من: "السلام عليكم ورحمة الله "؟ وهل من مقتضيات التمدن أن تتخلى الفتاة عن حيائها وعفتها وبعدها عن أماكن الفتن ومواطن الشبهات؟ وهل من دواعي المدنية أن تجيد الفتاة فنون الرقص والغناء ويكون لها سجل حافل بالعلاقات المشبوهة بدعوى الحب البريء والتقدير المتبادل بين الجنسين؟ لا.. لا أيتها الأخت الفاضلة.. لقد جربت أوربا كل أنواع الاختلاط والإباحية، فما زادها ذلك إلا سعارا جنسيا، وشبقا محموما، فأين هذا ممن يقولون إن الاختلاط والإباحية يمكن أن يؤديا إلى ضبط الغرائز ولجم الشهوات!! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [ الكهف: 5]. فالله الله- أختي المسلمة- في التمسك بمكارم الأخلاق، وأبشرك بقول النبي : "بدأ الإسلام غريبة وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء " [رواه مسلم]. تميزك في علاقاتك بالآخرين الفتاة المتميزة تتسم بالإيجابية وبخاصة في تعاملها مع الآخرين، فهي اجتماعية، بشوشة، متواضعة، غير معقدة، تحترم وجهات نظر الآخرين، وتقدر آراءهم وإن كانت مخالفة لما تراه هي.. وسيلتها في الإقناع الحوار الهادئ والمجادلة بالحسنى مع التزام الرفق واللين وإشعار المخاطب بمحبته والحرص عليه.. والفتاة المتميزة شعلة من النشاط والحيوية في تقديم المساعدة للغير، ورسم البسمة فوق شفاه طالما حرمت منها. وأخيرا نقول لك: تميزك في إحساسك بالآخرين. اعداد القسم العلمي بدار الوطن منقووووووووووووووووووووووووووووووووووول
  5. الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم خير الصلاة والتسليم اخوتي في الله احببت ان اطرح لكم موضوع مهم وهو عن صلاة الصبح خاصاً لما نغفل ويغل عنها ابنائنا بالنوم وقد تم طرح الموضوع بكتاب رياض الصالحين فضل صلاة الصبح والعصر بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سئيات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له . عن أبي موسى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى البردين دخل الجنة " متفق عليه. " البردان ": الصبح والعصر. وعن أبي زهير عمارة بن رويبة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " يعني الفجر والعصر. رواه مسلم. وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم، لا يطلبنك الله من ذمته بشيء " رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي اله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون " متفق عليه. وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي اله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم : فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا " متفق عليه. وفي رواية: - " فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة ". وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " رواه البخاري. المرجع : كتاب رياض الصالحين ( باب فضل صلاة الصبح والعصر )
  6. مشكورين وجزاكم الله خير على المرور و التشجيع مع تحيات الملك68
  7. جزاكم الله خير على المرور و يعطيكم العافية على المشاركة و تقبلوا تحيات الملك68
  8. جزاك الله خير أختي على الموضوع الشيق و اسأل اله سبحانه و تعالى ان يجعله في ميزان حسناتك مع تحيات الملك68
  9. الله يعافيكم اخواني واخواتي و جزاكم الله خير على الكلمات المشجعة و ان شاء الله اكون عند حسن ظنكم مع تحيات الملك68
  10. جزاكم الله خير على المرور و قرأت الموضوع و اسأل الله سبحانه و تعالى ان يثيب الجميع و تقبلوا تحيات الملك68
  11. الابتسامــــــــة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... تُعدّ الابتسامة إحدى لغات الجسد التي منحها الله لبني الإنسان ، وهي وسيلة من وسائل الاتصال غير اللفظي لدى الكائن البشري ، تعتبر الابتسامة من أقل الضحك وأحسنه وهي عبارة عن إنفراج الشفتين وبروز الأسنان مع إنبساط الأسارير نعم .. الابتسامة طريق مختصر لكسب القلوب ومفتاح لهداية الكثيرين وباب يوصل إلى النفوس ، وهي وسيلة حية للتعبير عما يجول في خاطر الإنسان تجاه أخيه المسلم ، الابتسامة سلاح قوي يُستخدم منذ الطفولة للاقتراب وحسن التوجيه والتودد للآخرين ، وهي تعبير صادق ورونقُ جمال وإشراقة أمل تَميّز بها الإنسان عن باقي الكائنات الحية لتضفي على وجهه قمة الراحة وذروة الانشراح ونهاية الانبساط .. أخي الكريم .. أختي الكريمة .. لا شك أن المسلم في حياته تعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم ، مما يحتاج حقيقة إلى من يجلوا حلكتها ، ويخترق ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة والضحكة المتزنة والدعابة المرموقة ، والجدّية سمة بارزة في حياة المسلم ، وهي مطلب ملح وأمر مهم ، فإذا كانت صارمة فإنها لا تزرع الابتسامة على الوجه ، ولا تدخل السرور على النفس .. إن البلسم الناجع والدواء النافع في ترويح النفس وطرد الآلام وتخفيف الأحزان عن المسلم ، رسم الابتسامة على شفتيه بضحكة متزنة ودعابة بريئة وابتسامة مشرقة .. أحاديث في البسمة والابتسامة : 1. عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يقول " ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي " [ رواه البخاري ] 2. يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم " .... كان لا يضحك إلا تبسما ..." [ رواه الحاكم ] 3. عن عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه الترمذي ] 4. عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم " [ رواه مسلم ] 5. عن ‏عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال :‏ ‏ما كان ضحك رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏إلا تبسما [ رواه الترمذي] 6. " كان النبي صلى الله عليه وسلم كالرجل من رجالكم ، إلا أنه كان أكرم الناس ، وألين الناس ضحّاكا بسّاما " [ مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص 397 ] 7. " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة " [ رواه الترمذي ] 8. " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " [ رواه مسلم ] الابتسامة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد كان رسول الهدى ونبي التقى محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه من أشرح الناس صدرا وأعظمهم قدرا ، وأعلاهم شرفا وأبهاهم وجها ، وأكثرهم تبسما صلى الله عليه وسلم ، وما كان يتكلف الضحك ، ولا يختلق الابتسامة ، بل كان يمتلك نفوس أصحابه رضي الله عنهم بابتسامته المشرقة ، وضحكته البريئة ، الهادئة اللطيفة ، ليكسب قلوبهم ويفوز بودهم ، ليقبلوا على هديه ، ويرتضوا نهجه ، ويجيبوا دعوته ، وانظر إلى هذه الابتسامة التي ملكت لبّ هذا الصحابي وأسرت فؤاده ، يقول فضالة بن عمير الليثي : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يطوف بالكعبة ، وكنت أريد قتله ، فلما اقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي : أفضالة ؟ قلت : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : ماذا كنت تحدث نفسك ؟ قلت : لا شيء ، كنت أذكر الله ، قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدري ، فوالله ما رفعها حتى ما من خلق الله شيء أحب إليّ منه " [ الإصابة في معرفة الصحابة لابن رجب 8 / 6998 ] لقد مات المعصوم صلى الله عليه وسلم وما فتنة ولا مصيبة إلا نزلت به ، فما كدرت حياته ، وما مسحت السرور من تقاسيم وجهه ، لأن البسمة وربي لا تفارق محيّاه ، فهو يبتسم في الشدة والرخاء صلى الإله ومن يحفّ بعرشه والطيبون على المبارك أحمد وللابتسامة أنواع:1. ابتسامة المُغضب : يقول كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه وما كان من شأنه في غزوة تبوك : فجئته ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلما سلمت عليه تبسم تبسُّم المغضب " [ رواه البخاري ] . 2. ابتسامة المُتعجِّب : كما في قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام إذ يقول الله " فتبسم ضاحكاً من قولها " [ النمل ] 3. ابتسامة السخرية والاستهزاء والشماتة بالمسلمين ، وقد يصاحب البسمة صوت أو ضحك وقهقهة كما حكى الله عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام في معرض استهزائهم بآيات الله " فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون " [ الزخرف ] 4. ابتسامة الملاطفة والترحيب والمضاحكة عند تسلية الناس ولقاؤهم : يقول جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال : " ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي " [ رواه البخاري ] 5. ابتسامة التفاؤل والأمل والبشارة : عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم استيقظ يتبسم فقلت : ما أضحكك ، قال : أناسٌ من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة قالت : فادعوا الله أن يجعلني منهم فدعا لها ... الحديث " [ البخاري ] 6. ابتسامة النفاق والعياذ بالله : وهي أكثر ما يروج بين كثير من الناس اليوم إلا ما رحم ربي فيبتسم هذا لهذا والقلوب في الغالب مليئة بنوع من البغضاء والشحناء والكراهية . مواقف باسمة :1. 1- ‏عن ‏ ‏أنس رضي الله عنه ‏ ‏قال : ‏أصاب أهل ‏ ‏المدينة ‏ ‏قحط على عهد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك ‏ ‏الكراع ‏ ‏هلك الشاء فادع الله أن يسقينا ‏ ‏فمد يديه ودعا ، قال ‏‏أنس : ‏وإن السماء لمثل الزجاجة فهاجت ريح ثم أنشأت سحابة ثم اجتمعت ثم أرسلت السماء ‏عزاليها ‏ ‏فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل ‏ ‏أو غيره ‏فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه فتبسم رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ثم قال حوالينا ولا علينا ، فنظرت إلى السحاب ‏يتصدع ‏حول ‏المدينة ‏كأنه ‏إكليل [ رواه أبو داود ] 2. ‏عن صهيب رضي الله عنه ‏قال :‏ ‏قدمت على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏وبين يديه خبز وتمر فقال النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ادن فكل ، فأخذت آكل من التمر فقال النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏تأكل تمرا وبك رمد قال : فقلت إني أمضغ من ناحية أخرى فتبسم رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم " [ رواه ابن ماجة ] 3. عن ‏أنس بن مالك رضي الله عنه ‏‏، قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي ‏فجذبه جذبة شديدة ، قال أنس : فنظرت إلى ‏صفحة ‏عاتق النبي ‏صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ، ثم قال :‏ مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت فضحك ثم أمر له بعطاء " [ رواه البخاري 4. عن ‏أنس بن مالك ‏رضي الله عنه : ‏أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم ‏‏الاثنين ‏وأبو بكر‏ ‏يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏قد‏ ‏كشف ستر حجرة ‏عائشة ‏فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك " [ رواه‏ البخاري ] 5. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين ـ في غزوة أحد ـ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم " أرم فداك أبي وأمي ، قال : فنزعت له بسهم له نصل ، فأصبت جنبه فسقط وانكشفت عورته ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم [ رواه الطبراني في الكبير ] . فوائد الابتسامة :1 1. أنها باب من أبواب الخير والصدقة " وتبسمك في وجه أخيك لك صدقة " [ رواه الترمذي ] 2. أنها سبب في كسب مودة الناس ومحبتهم وزرع الابتسامة على وجوههم " لن تسعوا الناس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه " [ رواه الحاكم ] . 3. فيها ترويح للنفس وإجمام للروح ودواء للهموم وذهاب للغموم " وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة " [ رواه الطبراني في الكبير ] . 4. تبعث على الاطمئنان بين المسلمين ، وتصفي القلوب من الغل والحسد وتجدد في النفس النشاط ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه " إن هذه القلوب تمل كمل تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرف الحكمة " . 5. أنها مظهر من مظاهر حسن الخلق التي يدعوا إليها الإسلام " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " [ رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان ] 6. فيها تأس بسيد الخلق وأعظمهم خُلُقا وأكثرهم ابتسامة صلى الله عليه وسلم . وأخيرا .. ينبغي لمن كان عبوسا منقبض الوجه أن يتبسم ويحسّن خلقه ، ويمقت نفسه على رداءة خلقه ، فكل انحراف عن الاعتدال مذموم ، ولا بدّ للنفس من مجاهدة وتأديب .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمين
  12. إن موضوع هذا السؤال هو من المشكلات التّربوية الكبيرة في هذا العصر، وهناك عدد من الحلول الإسلامية والعوامل الشرعية لتنمية الرّجولة في شخصية الطّفل، ومن ذلك ما يلي : التكنية: أي مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرةِ بأمّ فلان، فهذا ينمّي الإحساس بالمسئولية، ويُشعر الطّفل بأنّه أكبر من سنّه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحسّ بمشابهته للكبار، وقد كان النبي يكنّي الصّغار؛فعَنْ أَنَسٍ قَال :"كَانَ النَّبِيُّ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ : أَحسبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ : ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟))! وهو طائر صغير كان يلعب به. رواه البخاري.* وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قالت : أُتِيَ النَّبِيُّ بثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ( الخميصة ثوب من حرير ) فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ : ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ . فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ( وفيه إشارة إلى صغر سنّها ) فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي)، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ : (يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاه)، وَسَنَاه بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ [ رواه البخاري. ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل:أخذه للمجامع العامة وإجلاسُه مع الكبار ؛وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي ومن القصص في ذلك : ما جاء عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ .. الحديث" رواه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائز. ومما ينمي الرجولة في شخصية الأطفال: تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين ؛ لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير ، وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير "أنه كان مع أبيه يوم اليرموك , فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم" وقوله: " يُجهز " أي يُكمل قتل من وجده مجروحاً, وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره . ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تعليمه الأدب مع الكبار ،ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ قَالَ:يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِير، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِيرِ"رواه البخاري. ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس،* ومما يوضّح ذلك الحديث التالي : عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيّ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ : يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَال: ((مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ)) رواه البخاري. ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تعليمهم الرياضات الرجولية؛كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ . [ رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب ] . ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث؛ * فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب ونحو ذلك مما يخص النساء. ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين وعدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة إعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته، وذلك يكون بأمور مثل : إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِم. رواه مسلم. ومثل استشارته وأخذ رأيه، ,أيضاً توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته وكذلك استكتامه الأسرار ،* ويصلح مثالاً لذلك حديث أَنَسٍ قَالَ : أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ : فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه لِحَاجَةٍ . قَالَتْ : مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ : إِنَّهَا سِرٌّ . قَالَتْ : لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ أَحَدًا ". رواه مسلم.* وفي رواية عن أَنَس قال : انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا غُلامٌ فِي الْغِلْمَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَار- أَوْ قَالَ إِلَى جِدَار - حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ". رواه أبو داود . * وعن ابْن عَبَّاسٍ قال : كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الْغِلْمَانِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِنَبِيِّ اللَّه خَلْفِي مُقْبِلاً فَقُلْتُ : مَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ إِلا إِلَيَّ، قَالَ : فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَار، قَالَ : فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي فَأَخَذَ بِقَفَايَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ( ضربه بكفّه ضربة ملاطفة ومداعبة ) فَقَالَ : اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ : وَكَانَ كَاتِبَهُ فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ : أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ" رواه الإمام أحمد في مسند بني هاشم . وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها : · تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة . · الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء . ·إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة،وقد قال عمر : (اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم). ·تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ . * هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال،ذكرها فضيلة الشيخ محمد المنجد حفظه الله . منقوووووووووووووووووووول
  13. الله يعافيك يالخدمونية و مشكورة على التشجيع . مع تحيات الملك68
  14. مشكورين وجزاكم الله خير على المرور و التشجيع . مع تحيات الملك68
  15. لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم شديد التعلق بربه جل وعلا، شديد التعلق بكتابه العزيز.. يتلوه آناء الليل وأطراف النهار..يقف عند معانيه ويتدبرها.. يردد الآية ويتفكر فيها طويلاً، وربما كان ذلك على مرأى ومسمع من صحابته الكرام، ومن ذلك ما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها والآية: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) المائدة: 118. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل يتعبد ربه بتلاوة القرآن , متدبراً ,كما ورد عن حذيفة بن اليمان, وهو أحد أفاضل الصحابة أنه قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ... ). رواه مسلم (772). وفي رواية عنه: ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استجار ) رواه النسائي (1009). لقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن يقوم على تدبر الآيات، والتفكّر في معانيها، والعمل بمقتضاها، وكان من نتاج هذا المنهج أنه صلى الله عليه وسلم صار قراناً يمشي بين الناس، ولذا لمَّا سُئلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلقه بيَّنت أنه القرآن، فعن سعد بن هشام بن عامر قال: أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين؛ أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن، قول الله عز وجل: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم: 4 رواه أحمد (24080). والمراد من قول عائشة ،أنه كان يتدبره ويقف عند حدوده فيُحل حلاله ويحرم حرامه، ويتأدب بآدابه، ويعتبر بأمثاله وقصصه. وكما كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تلاوة كتاب ربه وتدبره، فقد كان حريصاً أيضاً على أن يربي أصحابه على ذلك، فعن طلحة بن مصرف اليامي قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قلت: فكيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ فقال: أوصى بكتاب الله ) رواه البخاري (2740). قال ابن حجر رحمه الله :{أي بالتمسك والعمل بمقتضاه ولعله أشار إلى قوله صلى الله وعليه وسلم (تركت فيكم مأ إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله)} رواه الترمذي (3786).أ.هـ (الفتح5/361). وقال رحمه الله تعالى{والمراد بالوصية بكتاب الله، حفظه حساً ومعنىً، فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدو، ويُتَّبع ما فيه، فيعمل بأوامره، ويـجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلمه وتعليمه} (الفتح 9/67). وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتربيته لهم على العناية بجانب القرآن، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله؛ أوصني، قال: ( عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: يا رسول الله؛ زدني، قال: عليك بتلاوة القران فإنه نور لك في الأرض وذخرلك في السماء ) رواه ابن حبان (362). وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول، يا رب؛ حَلِه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب؛ زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب؛ ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة ) رواه الترمذي (2915) وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حَسُنَت تلاوته للقران ولم يتعتع، وذكر أن له مكانة عالية مع الملائكة – كما أنه لم ينس الضعيف الذي بذل جهده في تحسين تلاوته ولا يزال يجاهد نفسه في إجادته للتلاوة فأخبر أن له أجران، أجر لتلاوته، وآخر على ما يصيبه من المشقة والعنت عند تلاوته. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ) البخاري (4937) ومسلم (798) واللفظ له. ومما رغب به صلى الله عليه وسلم أنه بيَّن ما يجده القارئ يوم القيامة، أحوج ما يكون العبد للشفاعة ،قال صلى الله عليه وسلم ( اقرأوا القران فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)رواه مسلم (804). ومعنى ذلك أنه يشفع للعاصي حتى لا يدخل النار ويشفع للمطيع ليرفع مكانته في الجنة. ومما ينبغي التنبيه عليه تلك النكتة اللطيفة التي ذكرها ابن حجر رحمه الله في (الفتح (9/67) وهي أن هذا التمثيل وقع بالذي يقرأ القران ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي، لا مطلق التلاوة... إلى أن قال: المقصود بتلاوة القران العمل بمادل عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
  16. ايزاك الله خير اخوي راعي البلم مع تحيات الملك68
  17. اشكر الأخت الشرطة النسائية على المشاركة و ارجوا من الأخوة و الأخوات التفاعل و ابداء رأيهم في الموضوع . مع تحيات الملك68
  18. الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويرضى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أمَّا بعدُ: أيها الأحبة: إنَّ التبرج والسُّفور من مظاهر الجاهلية التي حاربها الإسلامُ، وقد نهى اللهُ- تعالى-عن ذلك، ودعى المسلمات إلى العفاف والستر والحجاب، قال-تعالى-:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(1). وأصل التبرج هنا هو البروز والظهور ، ومنه( البُرج)؛ لظهوره وبروزه وانكشافه للعيون، وتبرج المرأة هو إظهارها زينتها وتصنُّعها بها، وذلك بأن تظهر المرأة محاسن ذاتها وثيابها وحليها بمرأى الرجال.وتبرج الجاهلية-هنا- يدخل في معناه كل العبارات التي ذكرها السَّلَفُ؛حيث يشملُ خروجَ المرأة تمشي بين يدي الرجال، وتكسُّرَها في مشيتها وتبخترها فيها، كما يشمل ترك التستر؛حيث تظهر نحرها أو شعرها أو غير ذلك، مما هي مطالبة بستره عن أعين الرجال الأجانب، وكُلُّ ذلك يُنافي العفافَ الذي نادى به الإسلامُ.وقد ذكرَ اللهُ-تعالى-أنَّ ذلك كُلَّهُ مِنْ خصائصِ أهلِ الجاهليةِ، فقد دلت الآيةُ الكريمةُ على أن التبرج عمل جاهلي، وعليه فإنَّ المرأة المتبرجة فيها خصلة من خصال الجاهلية بقدر تبرجها.وبهذا- أيضاً - يتبين أن السفور والتبرج ومخالطة الرجال وتكسر المرأة في مشيتها أمامهم، وغير ذلك مما يدخل في معنى التبرج، ذلك كله ليس من التمدُّن في شيء، بل هو تخلف ورجوع إلى عادات العهود المظلمة التي جاء الإسلامُ فأبطلها من أصلها. قالت عائشة–رضي الله عنها-: (يرحم اللهُ نساءَ المهاجراتِ الأول، لما أنزل اللهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }(2) شققن مُرُوطَهُنَّ، فاختمرنَ بها)(3) . فيا فـتاة الإسلام : كوني مثل تلك المؤمنات الصادقات، فإنهن امتثلن أمر ربهن، وسارعن إلى لباس العفاف والطهر، لباس الحشمة، بمجرد سماعهن للدليل الواضح في دلالته الذي لا يحتمل أيَّ تأويل.كوني مثل أمهاتك وأخواتك المؤمنات فإنهن على الحق، فانهجي نهجهن، والزمي طريقهن، فإنهن-والله-سلكن خيرَ طريقٍ، ونهجن خيرَ نهجٍ. فعليك أيتها المؤمنة:الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه اللهُ من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً للهِ-تعالى-، وطاعةً لرسولِهِ-صلى الله عليه وسلم-، قالَ اللهُ-عَزَّ شأنُهُ-:{وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمراً أن يُّـكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّـعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالاً مبيناً}(4). كيف لا؟ومن وراء افتراضه حِكَمٌ وأسرارٌ عظيمةٌ، وفضائل محمودة، وغاياتٌ ومصالحُ كبيرةٌ، منها: 1 – حِفْظُ العِرْضِ: الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبةِ والفتنةِ والفسادِ. 2 – طهارة القلوب: الحجاب يدعو إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصَدَق الله-سبحانه-:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }(5) 3 – مكارم الأخلاق: الحجاب يدعو إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجْب لمساويها من الـتَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والفساد. 4 – علامة على العفيفات: الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك:{ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}(6) ، وصلاح الظاهر يدل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء. 5 – قطع الأطماع والخواطر الشيطانية : الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش. أيتها المسلمة : احرصي على الحجاب الشرعي الذي يحقق العفاف بشروطه وضوابطه التالية: · أن يستر جمع البدن. · أن لا يكون زينة في نفسه. · أن يكون سميكاً غير شفاف. · أن يكون واسعاً غير ضيق. · أن لا يكون فيه مشابهة للباس الرجال أو الكفار. · أن لا يكون مُعطَّراً. · أن لا يكون لباس شهرة. اللهم ارزق نساء المسلمين الستر والعفاف، يا أرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين
  19. جزاك الله خير على الموضوع مع تحيات الملك68
  20. إن مما ابتلي به المصلون اليوم وأشغلهم عن صلاتهم وأفسد عليهم خشوعهم هي تلك الأنغام الموسيقية التي أصبحت أمرا اعتياديا في كل صلاة ولا حول ولا قوة إلا بالله . بل إن بعض أئمة المساجد شدد على هذا الأمر وحذر مرارا وتكرارا دون أن يكون هناك تجاوبا ملموسا من فئة ليست بالقليلة من المصلين، ولأجل هذا الأمر آثرنا أن نطرح هذه القضية كأول قضية في ملف قضايا الحوار إن ما يجعل هذا الأمر محل اهتمام وبحث ، هو ما وصل إليه الأمر من السوء بمكان حين أصبحنا نسمع مقطوعات موسيقية وليست مجرد نغمات وإن كانت هي تلك الأخرى ليست بمنأى عن الحديث. فماهي الأسباب والدوافع من وجهة نظرك التي جعلت الأمر يتفاقم حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن ؟ وما هي الرسالة التي توجهها إلى هؤلاء ؟ وما هي الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة ؟ ....شاركنا برأيك
  21. د/ رضا محمد صفي الدين السنوسي الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية كلية الآداب - جامعة الملك عبد العزيز ملخص البحث يركز البحث على بيان مفهوم هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - فهم الطليعة المؤمنة التي حملت عبء الرسالة ، وقامت بالدعوة ، وجاهدت في سبيل نشر هذا الدين ، والبحث يبين تعريف الصحابي ، ومكانة الصحابة - رضوان الله عليهم - مع بيان المصادر العلمية التي نستقي منها هديهم - رضوان الله عليهم - وقد ذكر في هذا البحث بعض النماذج لهديهم حتى يحصل الاقتداء والتأسي بهم ، والبحث يبين كيف استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يحافظوا على هذا الدين وعلى سنة النبي r وقد أبرز هذا البحث الجهود العظيمة لأصحاب النبي r في الحب والتوقير لرسول الله r والجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال وحرصهم على طلب العلم وغيره من الجهود المباركة . المقدمة : الحمد لله الذي جعل أصحاب محمد r مصابيح الدجى ، وقدوة لمن أتى ، وجعل محبتهم واجبة على من أتى بعدهم ، وجعلهم الأسوة والقدوة بعد النبي r ، أحمد ربي وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، أرسله رحمة للعالمين اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد : إن صحابة رسول الله r هم الطليعة المؤمنة التي حملت عبء الرسالة ، بهم قامت الدعوة ، وبهم أظهر الله الإسلام ، وأعلى كلمة الحق ، فهم الذين بذلوا الأموال والأنفس رخيصة في سبيل الله ، نصروا الدين ، وكسروا الأصنام ، وأعلوا كلمة لا إله إلا الله في كل مكان ، لقد ضربوا أروع الأمثلة في الصبر على البلاء ، والتضحية والفداء ، وصلابة العقيدة ، ورسوخ اليقين ، فكانوا مثالاً لكل مسلم يحمل بين جوانبه حقيقة الإيمان ، وسمو الهدف ، فواجب على الأمة أن تحبهم وأن تتولاهم وأن تتأسى بهم فيما فعلوه ، نصرة للدين وحباً لرسول رب العالمين r . إن للصحابة - رضوان الله عليهم - صفات مميزة ، وسمات بارزة ، يعرفون بها ، وفي هذا البحث سوف نعرض لهذا الموضوع الهام وسيكون هذا البحث من مقدمة أبين فيها أهمية هذا البحث وفصلين وخاتمة . الفصل الأول : هدي الصحابة ومصادره ، وفيه أربعة مباحث : المبحث الأول : تعريف الهدي لغة . المبحث الثاني : تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً . المبحث الثالث : تعريف هدي الصحابة وبيان المقصود منه . المبحث الرابع : المصادر التي نستقى منها هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - الفصل الثاني : نماذج من هديهم رضوان الله عليهم، وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول : حبهم لرسول الله r . المبحث الثاني : توقيرهم لرسول الله r . المبحث الثالث : جهادهم في سبيل الله بالأموال والأنفس . المبحث الرابع : زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف . المبحث الخامس : حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه . المبحث السادس : خطبهم ومواعظهم . المبحث السابع : أخلاقهم التي اتصفوا بها . المبحث الثامن : فقههم وآراؤهم الاجتهادية . الخاتمة : وأذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ، ثم أتبع ذلك بفهارس عامة، فهرس للمصادر والمراجع ، وفهرس آخر للموضوعات . وفي الختام أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، أن يجعل عملي هذا في الأعمال المقبولة ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وحسن الختام عند انتهاء الأجل ، وأن ينفع بهذا البحث الكاتب والقارئ إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الفصل الأول : هدي الصحابة ومصادره قبل الشروع في الحديث عن هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - ينبغي أن نعرف كلمة هدي ونعرف الصحابة - رضوان الله عليهم - حتى نستطيع أن نتعرف على معنى هذا التركيب ( هدي الصحابة ) . المبحث الأول : تعريف الهدي لغة : تعريف الهدي لغة : الهدي والهدية ويكسر الطريقة والسيرة يقال فلان يهدي فلان أي يفعل مثل فعله ويسير سيرته ، ومنه قولهم : ما أحسن هديه أي سمته وسكونه وهو حسن الهدي والهدية أي الطريقة والسيرة وما أحسن هديته . وقال زياد بن زيد العدوي : ويخبرني عن غائِب المرءِ هديُه كفى الهديُ عما غيبَ المرءَ مخبراً([1]) والهدي : ما أهدي إلى مكة من النعم ومنه قوله تعالى : { حتى يبلغ الهدي محله }([2]) . ومنه قول الفرزدق : حلفت برب مكةَ والمصلّى وأعناقِ الهدِىِّ مقلَّداتِ([3]) والهدي إذا أطلق انصرف إلى الطريقة والسيرة يبين هذا ما جاء عن النبي r . 1 - أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله r إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ، يقول صبحكم ومساكم . ويقول : بُعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى . ويقول : (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور مُحدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) ثم يقول : (( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي )) ([4]) . قال النووي : خير الهدي هدي محمد ، أي أحسن الطرق طريق محمد r يقال : فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب([5]) . 2 - أخرج الإمام أحمد في مسنده بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : (( بينما نحن عند رسول الله r قال : إني لست أدري قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي يشير إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما واهدوا هدي عمار وعهد ابن أم عبد رضي الله عنهما )) ([6]) . قال الزبيدي : واهدوا بهدي عمار ، أي سيروا بسيرته وتهيئوا بهيئته([7]) . المبحث الثاني : تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً : تعريف الصحابي في اللغة مشتق من الصحبة وهي في اللغة بمعنى الملازمة والانقياد وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه قال الزبيدي : صحبه ، يصحبه صحابة ، بالفتح ويكسر وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان والصاحب المعاشر ، واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه ، وكل ما لازم شيئاً فقد استصحبه([8]) . وقال الأصفهاني : الصاحب الملازم إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن ، وهو الأصل والأكثر ، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته . ويقال للمالك الشيء : هو صاحبه وكذلك لمن يملك التصرف فيه قال تعالى : { إذ يقول لصاحبه لا تحزن }([9]) . والإصحاب للشيء : الانقياد له وأصله أن يصير له صاحباً([10]) . تعريف الصحابي في اصطلاح العلماء : لقد تباينت أقوال العلماء في تعريف الصحابي([11]) والذي يعنينا في هذا المقام هو تعريف علماء الحديث وعلماء الفقه والأصول لهم . أ - تعريف الصحابي عند المحدثين : هو من لقي النبي r يقظة ، مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ومات على الإيمان([12]) . وهذا التعريف هو الذي مال إليه أكثر أهل الحديث . يقول الإمام أحمد بن حنبل : بعد أن ذكر أهل بدر فقال ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله r القرن الذي بعث فيهم كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه([13]) . وقال الإمام علي بن المديني : من صحب النبي r أو رآه ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي r([14]) . وقال الإمام البخاري : من صحب النبي r أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه([15]) . ب - تعريف الصحابي عند الفقهاء والأصوليين : هو من لقي النبي r يقظة ، مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ، وطالت صحبته ، وكثر لقاؤه به ، على سبيل التبع له ، والأخذ عنه ، وإن لم يرو عنه شيئاً ، ومات على الإيمان([16]) . قال الدكتور عياده الكبيسي : والراجح في تعريف الصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين وذلك لشرف منزلة النبي r وعلو قدره وأن لصحبته r مزية تختلف عن صحبة غيره([17]) . وبعد أن عرفنا معنى كلمة هدي وأتبعناها بشرح معنى الصحابي وتعريف العلماء له نستطيع الآن أن نعرف ما نحن بصدده وهو هدي الصحابة . المبحث الثالث : تعريف هدي الصحابة : هو السيرة التي سلكوها ، والنهج الإيماني الذي ساروا عليه وأثر فيهم وذلك باتباعهم للنبي r واقتدائهم به ، واقتداء غيرهم بهم - رضوان الله عليهم - والمقصود بهذا هو دراسة تحليلية لحياة الصحابة - رضوان الله عليهم - واستخلاص العبر والعظات من حياتهم ، وأخذ الأسوة والقدوة منهم ، والوقوف على السمات البارزة ، باعتبارهم خير هذه الأمة بعد نبيهم محمد r. 1 - أخرج الإمام أحمد في مسنده بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد r خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ([18]) . 2 - أخرج أبو نعيم بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : من كان مستناً فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد r كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه r ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد r ، كانوا على الهدي المستقيم والله رب الكعبة([19]) . المبحث الرابع : المصادر التي نستقي منها هدي الصحابة رضوان الله عليهم: إن المصادر التي نرجع إليها للوقوف على هدي الصحابة - رضوان الله عليهم - كثيرة من أهمها : أولاً - القرآن الكريم : إن القرآن الكريم هو المصدر الأول لاستنباط سيرة هذا الجيل الذي تربى على القرآن في مدرسة النبوة على يدي رسول الله r والقرآن الكريم لم يذكر أسماء الصحابة بالتعيين إلا في موضع واحد هو قوله تعالى : { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها }([20]) لكن الآيات الكثيرة التي نزلت فيهم - رضوان الله عليهم - يمكننا أن نرجع إلى أسباب نزولها فنقف على الصحابي الذي نزلت فيه هذه الآيات ، وإلى كتب التفسير التي تفسر الآية وتبين المعاني العظيمة التي ذكرت فيها . وسأذكر بعض الآيات وأترك للقارئ الكريم الرجوع إلى كتب التفسير وأسباب النزول للوقوف على أسماء الصحابة الذين أشير إليهم . 1 - قال تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }([21]) . 2 - قال تعالى : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب }([22]) . 3 - قال تعالى : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً }([23]) . 4 - قال تعالى : { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }([24]) . ثانياً : كتب السنة النبوية المطهرة : لقد جاءت كتب السنة تتحدث عن صحابة النبي r وتذكر مالهم من الفضل والمكانة التي نالوها بما قدموا من تضحيات عظيمة في سبيل الله ، وما بذلوه من الأنفس والأموال إيماناً بالله وطاعة لرسوله r والأحاديث في هذا كثيرة جداً ، فلو رجعنا إلى كتب السنة في أبواب متفرقة مثل كتاب المناقب ، كتاب فضائل أصحاب النبي r ، كتاب مناقب الأنصار ، كتاب المغازي وغيرها . ولو جمعنا الأحاديث التي رويت في هذه الأبواب من صحيح البخاري ، لبلغت قرابة ألف حديث هذا في كتاب البخاري في هذه الأبواب الأربعة ، فكيف لو درسنا الكتاب كله واستخرجنا هذه الأحاديث ، لبلغت أكثر من ذلك هذا كله يدل على مدى العناية العظيمة بما يتعلق بأصحاب رسول الله r ، وأنهم محل الأسوة والقدوة لمن جاء بعدهم . ثالثاً : كتب السيرة النبوية : تعد هذه الكتب مصدراً هاماً في معرفة أخبار الصحابة - رضوان الله عليهم - وذكر وقائعهم وسيرهم ، وجهادهم مع النبي r ، فكل حدث من أحداث السيرة له ارتباط بالصحابة - رضوان الله عليهم - ، في الهجرة ، في الغزوات ، في الصلح ، في بناء الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة فكل أحداث السيرة تدور حول النبي r وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم - رابعاً : كتب التاريخ : وهذه الكتب قد احتوت على مادة غزيرة تحكي تفصيلات واسعة عن صحابة رسول الله r فمن هذه الكتب التي تتحدث عن تاريخ الإسلام : أ - تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 هـ . ب - الكامل في التاريخ للإمام محمد بن محمد بن عبــد الكريم الشيبــاني المعروف بابن الأثــير الجزري المتوفى سنة 630 هـ . جـ - تاريخ الإسلام للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ . د - البداية والنهاية للإمام عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى سنة 774 هـ . وغيرها من الكتب إلا أن هناك كتباً قد تخصصت في تراجم الصحابة وذكر سيرهم ومآثرهم وبعض أقوالهم التي تروى عنهم ومن هذه الكتب : خامساً : كتب التراجم والطبقات : 1 - الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد البصري المتوفى سنة 230 هـ . 2 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي المتوفى سنة 463 هـ . وقد ضَمَّن كتابه هذا جملة من تراجم الصحابة إلا أنه لم يستوعبهم وفاته من أسمائهم الكثير وقد ترجم لقرابة 3650 صحابياً . 3 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين بن الأثير الجزري المتوفى سنة 630 هـ . وقد اعتمد في كتابه هذا على ابن مندة وأبي نعيم والاستيعاب وجملة من ترجم لهم 7702 . 4 - تجريد أسماء الصحابة للحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ وجملة من ترجم لهم 4190 صحابياً . 5 - الإصابة في تمييز الصحابة للإمام أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ وكتابه هذا أجمع كتاب في ذكر أسماء الصحابة حيث يشتمل على تراجم 12304 من أصحاب رسول الله r وكتابه هذا أصل في أسماء الصحابة وقد عول عليه كثير من العلماء ولم يؤلف مثله في فنه إلى غير ذلك من الكتب التي ألفت في هذا الباب . 6 - حياة الصحابة رضي الله عنهم للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي . الفصل الثاني : نماذج من هدي الصحابة رضوان الله عليهم إن النماذج لهدي الصحابة كثيرة جداً وسوف نقتصر في هذا البحث على بعض النماذج ونشرع في تعريفها والحديث عنها مع ضرب الأمثلة لذلك وهذه النماذج هي : المبحث الأول : حبهم لرسول الله r . المبحث الثاني : توقيرهم لرسول الله r . المبحث الثالث : جهادهم في سبيل الله بالأموال والأنفس . المبحث الرابع : زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف . المبحث الخامس : حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه . المبحث السادس : خطبهم ومواعظهم . المبحث السابع : أخلاقهم التي اتصفوا بها . المبحث الثامن : فقههم وآراؤهم الاجتهادية . المبحث الأول : حبهم لرسول الله r : إن الإيمان بالله عز وجل هو أسمى المطالب التي يسعى الموفقون من عباد الله لتحصيله ، لأن الإيمان بالله حقاً وصدقاً هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة ، ولهذا الإيمان المنشود دعامة لابد منها ، وهذه الدعامة هي الحب الحقيقي للرحمة المهداة r ، فمحبة رسول الله r هي الوسيلة الموصلة إلى محبة الله عز وجل ، ومحبة الله ورسوله هي الدين كله ، وعليها مدار الهداية والتقوى والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }([25]) . إن محبة رسول الله r ركن ركين في حقيقة الإيمان فلا يتم إيمان عبد إلا بمحبته لرسول الله r أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي r : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) ([26]) . وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : (( فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ))([27]) . وحقيقة المحبة لرسول الله r تقتضي المتابعة له r وموافقته في حب المحبوبات ، وبغض المكروهات ، ونصرة دينه بالقول والفعل ، والتخلق بأخلاقه r ، والاقتداء بما جاء به من شرائع وسنن وتقديم أمره r على كل شيء ، إذ الحب الحقيقي هو الذي يكون فيه المحب تابعاً لمحبوبه r في أقواله وأفعاله وأخلاقه ، متأسياً به في كل شأن من شؤون حياته ، إن المؤمن لا يزكو ولا يصلح قلبه إلا إذا سكنت محبة النبي r في قلبه ، والحديث عن محبة النبي r حديث الإيمان الصادق ، والطريق الحق ، وهو حديث ذو شجون يحبه المؤمن ، ويحن إليه دائماً لأنه به يعلم حقيقة الإيمان الذي استقر في قلبه . وعندما نتحدث عن محبة النبي r تبرز لنا القمم الشامخة من أصحاب رسول الله r الذين ضربوا أروع الأمثلة في ذلك الحب العظيم لرسول الله r، لقد قطعوا مراتب المحبة وأقسامها حتى وصلوا إلى أعلى مراتبها بالغين الكمال في ذلك ، لقد امتزجت محبة النبي r في أجسامهم وأرواحهم والأمثلة على ذلك كثيرة . الأمثلة : 1 - أخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال : (( لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي r وأبو طلحة بين يدي النبي r مُجوب عليه بحجَفهٍ له . وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً ، وكان الرجل يمرُ معه بجعْبهٍ من النبل فيقول : انثُرها لأبي طلحة ، قال : ويُشرفُ النبيُ r ينظرُ إلى القوم فيقوُل أبو طلحة : بأبي أنت وأمي ، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك ... الحديث )) ([28]) . 2 - أخرج أبو داود بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله الرجل يُحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم ، قال : (( أنت يا أبا ذر مع من أحببت ، قال : فإني أحب الله ورسوله ، قال : فإنك مع من أحببت ، قال : فأعادها أبو ذر ، فأعادها رسول الله r))([29]) . 3 - أخرج الطبراني في الأوسط بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء رجل إلى النبي r فقال : (( يا رســول الله ، والله إنك لأحب إلي من نفسي ، وإنك لأحب إلي من أهلي ، وأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك ، فأنظر إليك ، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا آراك ، فلم يرد عليه النبي r حتى نزل جبريل بهذه الآية : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين }([30]) الآية([31]) . قال الهيثمي رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة([32]) . 4 - أخرج الحاكم بإسناده عن محمد بن سيرين قال ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما قال : فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله r لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه ، وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله r فقال : (( يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ )) فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فقال : (( يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ )) قال نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمه إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار ، قال أبو بكر مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال انزل يا رسول الله فنزل فقال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه ولم يخرجاه . قال الذهبي : صحيح مرسل([33]) . 5 - ذكر القاضي عياض أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل كيف كان حبكم لرسول الله r ؟ قال كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ([34]) . المبحث الثاني : توقيرهم للنبي r : قال ابن كثير - رحمه الله - : التوقير هو الاحترام والإجلال والإعظام([35]). إن تعظيم النبي r وإجلاله وتوقيره في حياته وبعد وفاته شعبة من شعب الإيمان . قال البيهقي : باب في تعظيم النبي r وإجلاله وتوقيره r قال : وهذه منزلة فوق المحبة لأنه ليس كل محب معظماً إلا أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه . قال : وقد بسط الحليمي - رحمه الله - الكلام في ذلك فقال : معلوم أن حقوق رسول الله r أجل وأعظم وأكرم وألزم وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم ، والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ، فهدانا به لما أطعناه وآوانا إلى جنات النعيم فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منه تداني هذه المنن ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته ، ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة ، وأي درجة تساوي في العمل هذه الدرجة ، فحق علينا إذاً أن نحبه ونجله ونعظمه ونهيبه أكثر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده([36]) . وقد أمرنا مولانا سبحانه في كتابه العزيز بتوقير نبيه r قال تعالى : { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه }([37]) وفي القرآن الكريم آيات كثيرة جاءت لتؤكد وجوب توقيره r منها قوله تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً }([38]) وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }([39]) ومنها قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }([40]) . وغير ذلك من الآيات التي توجب توقيره وتعظيمه ، وتبين للأمة مكانة هذا النبي الكريم r . ولقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - أعرف الأمة بالنبي r ولذلك فقد كانوا أعرف وأعلم بقدره ومنزلته r من غيرهم . ولهذا كان تعظيمهم وتوقيرهم لرسول الله أشد وأكبر من غيرهم والأمثلة على ذلك كثيرة جداً . الأمثلة : 1 - أخرج البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية في حديث طويل وفيه ، ثم إن عروة - بن مسعود - جعل يرمُقُ أصحاب النبي r بعينه قال فوالله ما تنَخَم رسول الله r نُخامة إلا وقعت في كف رجُل منهم فدلكَ بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهُم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادُوا يقتتَلون على وضُوئه ، وإذا تكلموا خَفضَوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ... الحديث([41]) . 2 - أخرج مسلم بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث إسلامه وفيه - وما كان أحد أحب إلي من رسول الله r ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولوسئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ... الحديث([42]) . 3 - أخرج مسلم بسنده عن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي r نزل عليه ، فنزل النبي r في السفل وأبو أيوب في العلو وقال فانتبه أبو أيوب ليلة فقال : نمشي فوق رأس رسول الله r فتنحوا فباتوا في جانب ثم قال للنبي r فقال النبي r السفل أرفق ، فقال لا أعلو سقيفة أنت تحتها ، فتحول النبي r في العلو وأبو أيوب في السفل فكان يصنع للنبي r طعاماً فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه ، فيتتبع موضع أصابعه ، فصنع له طعاماً فيه ثوم فلما رُد إليه سأل عن موضع أصابع النبي r فقيل له : لم يأكل ، ففزع وصعد إليه ، فقال : أحرام هو ؟ فقال النبي r : لا ، ولكني أكرهه ، فقال فإني أكره ما تكره أو ما كرهت([43]) . 4 - أخرج ابن حبان بسنده عن أسامة بن شريك قال كُنا عند النبي r كأن على رؤوسنا الرخم ما يتكلم منا مُتكلم ، إذ جاءه ناس من الأعراب فقالوا : يا رسول الله ، أفتنا في كذا ، أفتنا في كذا ، فقال (( أيها الناس إن الله قد وضع عنكم الحرج إلا امرءاً اقترض من عرض أخيه فذاك الذي حرج وهلك )) . قالوا : أفنتداوى يا رسول الله ؟ قال : (( نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد . قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : الهرم . قالوا : فأي الناس أحب إلى الله يا رسول الله ؟ قال : أحــب النــاس إلى الله أحسنــهم خلقاً ))([44]) 5 - ذكر القاضي عياض عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنـه قـال : كـان أصحـــاب رسول الله r يقــرعون بابه بالأظافر([45]) . المبحث الثالث : جهادهم في سبيل الله بالأنفس والأموال : جاء النبي محمدٌ r رحمه لأمته ، جمع الله به القلوب ، ووحد به الكلمة ، وأنار به السبيل وقطع به عن العرب حروب الثأر والعار ، وحدد اتجاه السيف من أداة عدوان وإنتقام ، إلى أداة دفاع وردع ودعوة للإيمان ، وجهاد في سبيل الرحمن لإعلاء كلمة لا إله إلا الله . إن الجهاد في الإسلام هو بذل الجهد في مقاتلة الكفار لقد شرع الله الجهاد وجعله فريضة من أعظم الفرائض وركناً من أقوم الأركان وواجباً من أجل الواجبات قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين }([46]) . ولما كان أمر الجهاد عظيماً فإن ثواب المجاهدين عظيم كذلك فدرجة المجاهدين عند الله أعظم الدرجات وثوابهم أجزل الثواب يبين هذا نبي الملحمة r . أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي r : (( من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها . فقالوا : يا رسول الله أفلا نبشر الناس ؟ قال : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ))([47]) . وقد شرع الله الجهاد لحكم عظيمة ومنافع كبيرة فالجهاد يحفظ للأمة بقاءها ويشد بنيانها ويثبت سلطانها ويعلي كلمتها ، ويحقق أهدافها في نشر هذا الدين ، وبه يرهب الأعداء وهو علاج لكل فساد وطغيان . ولهذا فإن الله سبحانه قد فرض الجهاد على الأنبياء وأتباعهم وكان سيد المجاهدين نبينا محمد r قد جاهد الأعداء في غزوات كثيرة . أخرج مسلم بسنده عن بريدة رضي الله عنه قال غزا رسول الله r تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منها([48]) ولمكانة الجهاد في نفسه r فإنه r كان يتمنى ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله . أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي r يقول : (( والذي نفسي بيده ، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله ، والذي نفسي بيده لوددت أني اقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم اقتل ثم أحيا ، ثم اقتل ثم أحيا ، ثم اقتل )) ([49]) . وقد أدرك أصحابه - رضوان الله عليهم - فضل الجهاد وعظيم منزلته عند الله فتسابقوا - رضوان الله عليهم - في بذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله سبحانه وضربوا أروع الأمثلة في جهاد أعداء الله فباعوا أنفسهم لمولاهم الله سبحانه فعوضهم بها الجنة قال تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }([50]) . ولقد كانوا - رضوان الله عليهم - فرسان السيف والسنان وضربوا لمن جاء بعدهم أروع الأمثلة في بذل النفس والمال في سبيل الله تعالى . والأمثلة على ذلك كثيرة جداً - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة : 1 - أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث طويل وفيه فقال رسول الله r : (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال : يقول عُمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : نعم ، قال بخ بخ . فقال رسول الله r : ما يحملك على قولك بخ بخ . قال : لا ، والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها ، قال فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ))([51]) . 2 - أخرج مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه قال عمي الذي سُميت به - يعني أنس بن النضر - لم يشهد مع رسول الله r بدراً ، قال فشق عليه ، قال : أول مشهد شهده رسول الله r غُيبت عنه ، وإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله r ليراني الله ما أصنع . قال : فهاب أن يقول غيرها . قال فشهد مع رسول الله r يوم أحد . قال : فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس : يا أبا عمرو أين ؟ فقال : واها لريح الجنة أجده دون أحد . قال فقاتلهم حتى قتل قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الرُبيع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا ببنانه . ونزلت هذه الآية : { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } [ 23 / الأحزاب ] قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه([52]) . 3 - أخرج الحاكم بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي r بألف دينار حين جهز جيش العسرة ففرغها عثمان في حجر النبي r قال (( فجعل النبي r يقلبها ويقول ماضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم قالها مراراً )) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبي : صحيح([53]) . 4 - أخرج أبو داود بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول : أمرنا رسول الله r أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً . فجئت بنصف مالي . فقال رسول الله r : (( ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . قال : وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده ، فقال له رسول الله r : ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً ))([54]) . 5 - أخرج الحاكم بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله r يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال (( لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله كيف تجدك ؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت له : يا سعد إن رسول الله r يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرني كيف تجدك ؟ قال على رسول الله السلام وعليك السلام قل له يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله r وفيكم شفر يطرف قال وفاضت نفسه رحمه الله )) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . قال الذهبي : صحيح([55]) . المبحث الرابع : زهدهم في الدنيا وبعدهم عن الترف في غمار الشهوات الطاغية على الناس ، وفي سُعار التكالب على هذه الحياة الدنيا ، والحرص على شهواتها ولذاتها الفانية ، وفي الطوفان الجارف للناس ، نحو الخلود إلى الدنيا والاستزادة منها ، ينبغي على المؤمن التقي أن لا يركن إلى هذه الدنيا الفانية ، بل يجعلها وسيلة يتوسل بها إلى بلوغ الآخرة الباقية لأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر ، لهذا كان عليه أن يزهد في الدنيا لبلوغ الآخرة والزهد هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة . وقد عُني القرآن عناية واضحة بهذا فراح يحث أتباعه على إيثار الآخرة على الفانية قال تعالى : { بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى }([56]) وقال تعالى : { وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع }([57]) وجاء الرحمة المهداة r فضرب لنا المثل الأعلى في الزهد والإعراض عن ملذات الحياة أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( اللهم ارزق آل محمد قوتاً ))([58]) ومن زهده r أنه خرج من الدنيا ولم يشبع ثلاثة أيامٍ تباعاً من خبز البر بل إنه r كان يكتفي بالقليل من الزاد وكان r ينام على الحصير وكان فراشه r من أدم وحشوه ليف ولما أراد الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يجعلوا له فراشاً ليناً أعرض r عن ذلك يبين هذا ما أخرجه الترمذي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نام رسول الله r على حصير فقام وقد أثر في جنبه ، فقلنا : يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء . فقال: مالي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها([59]) ولقد فهم أصحاب رسول الله r حقيقة هذه الدنيا فجعلوها مطية يتوصلون بها إلى الآخرة فكانوا من أزهد الناس في هذه الحياة قال بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- تابعنا الأعمال كلها فلم نر في أمر الآخرة أبلغ من زهد في الدنيا ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الزهاده في الدنيا راحة القلب والجسد([60]) . ولقد أدرك أصحاب رسول الله r حقيقة هذه الدنيا فجعلوها وسيلة لبلوغ الآخرة وضربوا أروع الأمثلة في الزهد فيها وعدم اشغال القلب بها والأمثلة على ذلك كثيرة . الأمثلة : 1 - أخرج الترمذي بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال حدثني من سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : خرجت في يوم شات من بيت رسول الله r ، وقد أخذت إهاباً معطوباً فحولت وسطه فأدخلته عُنقي وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل ، وإني لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله r طعام لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئاً ، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقى ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال مالك يا أعرابي ؟ هل لك في كل دلو بتمرة ؟ قلت : نعم فافتح الباب حتى أدخل . ففتح فدخلت فأعطاني دلوه . فكلما نزعت دلواً أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت حسبي فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله r فيه . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب([61]) . 2 - أخرج ابن شبه بسنده عن حفص بن أبي العاص قال : كان عمر رضي الله عنه يغدينا بالخبز والزيت والخل . والخبز واللبن ، والخبز والقديد . وأول ذلك اللحم الغريض . يأكل وكنا نُعذر ، وكان يقول : لا تنخلوا الدقيق فكله طعام . وكان يقول : مالكم لا تأكلون ؟ فقلت يا أمير المؤمنين : إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك . قال : يا ابن أبي العاص أما تراني عالماً أن ارجع إلى دقيق ينخل في خرقة فيخرج كأنه كذا وكذا ؟ أما تراني عالماً أن اعمد إلى عناق سمينة فنلقى عنها شعرها فتخرج كأنها كذا وكذا ، أما تراني عالماً أن اعمد إلى صاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء فيصبح كأنه دم الغزال ؟ قال قلت : أحسن ما يبعث العيش يا أمير المؤمنين . قال أجل والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم ولكن سمعت الله ذكر قوماً فقال : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا }([62])([63]) . 3 - أخرج أبو داود بسنده عن حميد بن هلال قال : أوخي بين سلمان وأبي الدرداء . فسكن أبو الدرداء الشام وسكن سلمان الكوفة . فكتب أبو الدرداء إلى سلمان : سلام عليك أما بعد : فإن الله قد رزقني بعدك مالاً وولداً وأنزلت الأرض المقدسة . قال : فكتب سلمان إليه : سلام عليك أما بعد فإنك كتبت إلي أن الله رزقك بعدي مالاً وولداً . وإن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يعظم حلمك . وأن ينفعك علمك . وكتبت إلي أنك نزلت الأرض المقدسة . وأن الأرض لا تعمل لأحد . فاعمل كأنك تُرى واعدد نفسك في الموتى([64]) . 4 - أخرج أبو داود بسنده عن ابن سيرين قال : لما بعث عمر حذيفة إلى المدائن ركبوا إليه ليتلقوه . فتلقوه على بغل تحته إكاف ، وهو معترض عليه رجليه من جانب واحد ، فلم يعرفوه ، فأجازوه فلقيهم الناس ، فقالوا : أين الأمير ؟ قالوا هو الذي لقيتم ، فركضوا في أثره . فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عِرق وهو يأكل ، فسلموا عليه . قال : فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف قال فلما غفل حذيفة ألقاه أو قال أعطاه خادمه([65]) . 5 - أخرج أبو داود بسنده عن نافع قال : إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألف درهم ، ثم يأتي عليه الشهر ما يأكل مزعة لحم . قال: قلت فهل كان ياكل اللحم شهراً ؟ قال : إذا صام أو سافر فإنه كان أكثر طعامه([66]) . المبحث الخامس : حرصهم على العلم ومسارعتهم إليه الإسلام دين العلم والمعرفة . ولقد حثّ أمته على طلب العلم وإعمال الفكر والعقل والبحث والتفكير في كل ميدان من ميادين العلم ، وكل مجال من مجالات الحياة . وما ذلك إلا لأن العلم روح الحياة ، وأساس النهضات وعماد الحضارات ، ووسيلة التقدم والرقي للأفراد والجماعات ، والإسلام دين الحياة الصالح لكل زمان ومكان هو دين ودنيا ، عبادة وحياة ، دين جامع يربط الإنسان بالعبادة والقيم والأخلاق ، دين يتغلغل في صميم الحياة ويضع الأسس والقواعد التي تكفل السعادة للبشر على ظهر هذه الأرض والشريعة الإسلامية قائمة على العلم والدعوة إليه ومعجزة الرحمة المهداة r كانت كتاباً يتلألأ بالعلم الصحيح والمعرفة الحقة . وأول آية نزلت من هذا الكتاب المبارك نزلت تدعو للعلم وتعظم شأن المعرفة قال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم }([67]) . ولما كان العلم يسمو بالإنسان ويرفع قدره فقد أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود لآدم لما فضله به عليهم من العلم . ورسولنا r كان قدوة الداعين إلى العلم بأقواله وأفعاله وطلب من أمته طلب العلم والسعي لبلوغ ذلك ، وبين لهم الجزاء المنتظر لمن طلب العلم وسعى إليه . أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ))([68]) ولقد كان لعناية المعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه الأثر الكبير في صحابته - رضوان الله عليهم - وسعيهم لطلب العلم وحرصهم عليه مع العمل بما قد تعلموا ، وعظم أمر العلم عندهم وارتفعت درجة العلماء بين صحابة النبي r وأصبح العلم هو المجال الرحب الذي يتنافسون فيه ويبادرون إليه فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول اغدو عالماً أو متعلماً ولا تغدوا إمعة بين ذلك([69]) . ولقد رحل الصحابة - رضوان الله عليهم - في طلب العلم ونشره وخرجوا إلى الشام ومصر والكوفة والبصرة يعلمون الناس فهم - رضوان الله عليهم - حفظة القرآن الذين نقلوه إلينا غضّاً طرياً كما أنزل وهم أوعية السنة النبوية المباركة فقد حفظوها ونقلُولها للناس كما سمعوها من الرحمة المهداة صلوات الله وسلامه عليه . ولقد كانوا يطبقون ما يتعلمون من العلم في واقع حياتهم اليومية فتعلموا العلم والعمل معاً ، وكانوا أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم، ولقد ضربوا لمن جاء بعدهم أروع الأمثلة في الحرص على العلم والسعي إليه والعمل به - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة : 1 - أخرج أحمد في مسنده بسنده عن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله r فاشتريت بعيراً ثُم شددت عليه رحلي . فسرت إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس . فقلت للبواب : قل له جابر على الباب . فقال : ابن عبد الله ؟ قلت : نعم . فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت : حديثاً بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله r في القصاص . فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن اسمعه . قال سمعت رسول الله r يقول : (( يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عُراةً غُرلاً بهماً . قال : قلنا : وما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء . ثم يناديهم بصوت يسمعه من بُعد كما يسمعُه من قرب أنا الملك . أنا الديان . لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حتى أُقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصّه منه . حتى اللطمة . قال : قلنا : كيف وإنا نأتي الله عز وجل عُراة غُرلاً بهماً ؟ قال : بالحسنات والسيئات ))([70]) . 2 - أخرج البخاري بسنده عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد أتستطيع أن تُريني كيف كان رسول الله r يتوضأ ؟ فقال عبد الله بن زيد : نعم . فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين . ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه . ثم غسل رجليه([71]) . قلت : وفي هذا إشارة إلى حرصهم على العلم والتعليم والتعلم . 3 - أخرج أحمد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه إذا لقي الرجل من أصحابه يقول : تعال نؤمن بربنا ساعة ، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل ، فجاء إلى النبي r فقال : يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة . فقال النبي r : (( يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تباهي بها الملائكة عليهم السلام ))([72]) . 4 - أخرج البخاري بسنده عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الناس يقولون : أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً . ثم يتلو { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات - إلى قوله - الرحيم }([73]) إن اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق . وإن اخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أحوالهم . وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله r بشبع بطنه . ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون([74]) . 5 - أخرج أبو يعلى بسنده عن حميد قال : سئل أنس عن كسب الحجام فلم يقل فيه حلالاً ولا حراماً . وقال : قد احتجم رسول الله r حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام وكلم رسول الله r - يعني أهله - فخففوا من غلته ، أو من ضريبته ، وقال خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز([75]) . المبحث السادس : خطبهم ومواعظهم لقد بلغ العرب من الفصاحة والبلاغة والبيان ما لم تبلغه أمة من الأمم قبلهم وكان الشعراء والبلغاء هم فخر القبيلة وعزها ومجدها ، إذا قالوا فالقول قولهم ، وإذا تكلموا فالكلمة كلمتهم كلامهم يرفع ويخفض ، يرفع أناساً ويضع آخرين ، بلغ من عز الكلمة وشرفها ومكانتها عند العرب أن كانت تعلق في جوف الكعبة ، أقدس مكان عندهم وأشرفه وأعز بنيان لديهم . وعندما بعث رسول الله r إلى الناس جاءهم بمعجزة لم يأت بها نبي ألا وهي كتاب الله الذي كان يتلى ويقرأ بينهم كتاب فاق كلامه كلام البشر ، وعلا قدره على الإنسن والجن . وكان رسول الله r أفصح الناس وأبلغهم وأخطبهم . وقد أعطاه مولاه جوامع الكلم يبين هذا ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله r يقول : بعثت بجوامع الكلم([76]) . إن فصاحته r في ذروة الكمال ، بُعد عن التكلف في القول ، جزالة في اللفظ وضوح في الدلالة ، دقة في الوصف والتعبير ، ابداع في التشبيه والتصوير، إيجاز في القول ، مطابقة لمقتضى الحال ، وكان لحركته وإشارته أثر كبير في إثارة الانتباه وتنبيه الغافل ، وهي تعين على الحفظ فمن ذلك أنه ذكر القلب ، فأشار إلى صدره الشريف وقال : التقوى هاهنا . وذكر فضل كافل اليتيم . فقرن بين السبابة والوسطى وفرق بينهما ، إن خطبه r تلامس شغاف القلب وتؤثر فيه تأثيراً عظيماً . ومنه r تعلم الصحابة - رضوان الله عليهم - فنون الخطابة ولقد بلغت الخطابة زمن الخلفاء الراشدين المكانة المرموقة ، فكان الخلفاء خطباء يخطبون الناس في الجمع والأعياد ويخطبون في الجيوش ويوجهون القادة وكانت خطبهم اقتباساً من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة فاكتسبت بذلك قوة التأثير، ووصلت إلى شغاف القلوب ، وكانت تقوم على الحقائق الملموسة والمسائل الواقعية ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها . الأمثلة : 1 - أخرج أبو داود بسنده عن قيس : خطبنا أبو بكر رضي الله عنه قال: وُلّيتُ أمركم ولست بخيركم . فإن أنا أحسنت فأعينوني . وإن أنا أسأت فسددوني وإن لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا اوثر في أجسادكم ولا أبشاركم([77]) . 2 - أخرج أبو داود بسنده عن قبيعة بن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ، ومن كتم سره كانت الخيرة في يديه ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وعليك بصالح الاخوان ، أكثر اكتسابهم . فإنهم زين في الرخاء ، وعدة عند البلاء ، ولا تسأل عما لم يكن حتى يكون . فإن في ما كان منعه عن ما لم يكن ، ولا تهاون بالحلف بالله فيهينك الله ، وذل عند الطاعة . واستغفر عند المعصية . ولا تستعن على حاجتك إلا من يحب نجاحها . ولا تستشر إلا الذين يخافون الله . ولا تصحب الفاجر فتعلم من فجوره وتخشع عند القبور([78]) . 3 - أخرج أبو داود بسنده عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال : ألا انبئكم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ولم يؤمنهم مكر الله . ولم يترك القرآن إلى غيره . ألا لا خير في عبادة ليس فيها الفقه . ولا خير في فقه ليس فيه تفهم . ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر([79]) . 4 - أخرج أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - ثلاث حقاً على الله أن يفعلهن بالعبد ، يأتيه عبد لا يشرك به شيئاً فيكله إلى غيره ، ولا يجعل من لهم سهم في الإسلام كمن لا سهم له . ولا يحب رجل قوماً إلا حشره الله معهم يوم القيامة ، والرابعة أرجو أن يكون نفعاً لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره في الآخرة([80]). 5 - أخرج أبو داود بسنده عن علي بن حوشب عن أبيه أنه سمع أبا الدرداء رضي الله عنه على المنبر يخطب الناس وهو يقول : إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول : يا عويمر . فأقول : لبيك رب لبيك . فيقول : أما علمت ؟ فأقول : نعم . فيقال : كيف عملت فيما علمت ؟ فتأتيني كل آية من كتاب الله زاجرة أو آمرة فتسألني فريضتها فتشهد علي الآمرة بأني لم أفعل . وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته . أو اترك ؟ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع ، ومن عقل لا ينفع ، ومن صوت لا يسمع . وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب([81]) . المبحث السابع : أخلاقهم التي اتصفوا بها إن أجمل شيء يتجمل به الإنسان في هذه الحياة تقوى الله وحسن الخلق . فالتقوى تجعله من عباد الله المكرمين ، قال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً }([82]) وحسن الخلق يدخله في عباد الله الصالحين الذين سبقت له من الله سبحانه الحسنى وزيادة . وقد فازوا بعز الدنيا ونعيم الآخرة . أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله r عن أكثر ما يدخل الناس الجنة . قال : تقوى الله وحسن الخلق . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار . قال : الفم والفرج([83]) . إن الدين الإسلامي هو دين الأخلاق والسجايا الحميدة ، إن مكارم الأخلاق أساس هذا الدين ، فالإسلام يربط دائماً بين الإيمان والأخلاق ، فكمال الأخلاق يدل على قوة الإيمان ، وضعف الأخلاق يدل على ضعف الإيمان ، فالأخلاق الفاضلة هي المنارات الزاهرة التي تضيء الدنيا ، وتشع على الوجود بالأمان والاطمئنان والاستقرار ، وربُنا سبحانه وتعالى لم يرسل رسله المكرمين إلا ليكونوا هداة الأمة إلى الحق وإلى مكارم الأخلاق . ونبينا محمد r هو الموصوف بالخلق العظيم وصفه مولانا سبحانه في محكم التنزيل قال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم }([84]) وقد بين لنا r بأقواله وأفعاله مكانه الأخلاق والدرجة العالية التي يصل إليها أهل الأخلاق الحسنة . أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً خياركم خياركم لنسائه خلقاً ))([85]) . ويرتقي صاحب الخلق الحسن إلى درجة القرب من مجلس الحبيب r ليحظى بالشرف العظيم بمصاحبة الحبيب r في يوم القيامة . أخرج الترمذي بسنده عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : (( إن من أحبــكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلـي وأبعدكـم مـني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ، قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون ))([86]) . ولقد طبق الصحابة - رضوان الله عليهم - ما سمعوه من حبيبهم r من حث على الأخلاق الحسنة وتمسك بها وعمل بها وما شاهدوه منه r من كمال أخلاقه r فكانوا نماذج عظيمة لمن جاء بعدهم في التمسك بالأخلاق الفاضلة ، والعمل بها مع أهلهم وإخوانهم بل حتى مع أعدائهم والأمثلة على ذلك كثيرة جداً . الأمثلة : 1 - الصبر عند المصيبة : أخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان ابن لأبي طلحة يشتكي ، فخرج أبو طلحة ، فقبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو اسكن ما كان ، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : وار الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله r فأخبره فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم . قال : اللهم بارك لهما في ليلتهما . فولدت غلاماً . قال لي أبو طلحة : احفظه حتى نأتي به النبي r ، فأتى به النبي r وأرسلت معه بتمرات ، فأخذه النبي r فقال : أمعه شيء ؟ قالوا : نعم ، تمرات فأخذها النبي r فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي فحنكه بها وسماه عبد الله([87]) . 2 - الوفاء بالعهد : أخرج مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل قال : فأخذنا كفار قريش قالوا : انكم تريدُون محمداً ؟ قلنا ما نريدهُ ، ما نُريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله r فأخبرناه الخبر فقــال : انصــرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم([88]) . 3 - الحياء : أخرج أحمد في مسنده عن الحسن وذكر عثمان بن عفان رضي الله عنه وشدة حيائه . فقال : إن كان ليكون في البيت والباب عليه مُغلق ، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يُقم صُلبه([89]) . 4 - التواضع : أخرج الحاكم بسنده عن طارق بن شهاب قال : خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فأتوا على مخاضه وعمر على ناقة له فنزل عنها . وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة ، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك ، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ، فقال عمر : أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد r ، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله([90]) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . ووافقه الذهبي . 5 - الخشية من الله : أخرج البخاري بسنده عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - قال أبو شهاب بيده فوق أنفه([91]) - . المبحث الثامن : فقههم وآراؤهم الاجتهادية لقد حرص النبي r على تعليم أصحابه - رضوان الله عليهم - ومن بعدهم الاجتهاد في الأحكام وعد ذلك العمل مما يثاب عليه المجتهد . أخرج البخاري بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله r يقول : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))([92]) . وهذا التوجيه النبوي الكريم طبقه الصحابة - رضوان الله عليهم - فكانوا يجتهدون في حياته r وهو r يقرهم على ذلك إذا أصابوا ويُبين لهم الأولى إذا خالفوا الصواب . أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي r لنا لما رجع من الأحزاب : (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي r فلم يعنف واحداً منهم ))([93]) ولهذا لما انقضى عصر النبي r الذي تم فيه التشريع الإلهي في الكتاب والسنة وتم الأصلان العظيمان اللذان يرجع إليهما وبدأ عصر الصحابة رضوان الله عليهم وبدأ الفقه بالنمو والاتساع فقد واجه الصحابة وقائع وأحداثاً ما كان لهم بها عهد في أيام النبي r فكان لابد من معرفة حكم الله فيها كما أن الفتوحات الإسلامية وما ترتب عليها من ظهور قضايا ومسائل جديدة استلزمت معرفة حكم الشرع فيها لهذا قام الصحابة بمهمة التعرف على أحكام هذه المسائل والوقائع الجديدة فاجتهدوا واستعملوا آراءَ هم على ضوء قواعد الشريعة ومبادئها العامة ومعرفتهم بمقاصد الشريعة وهكذا استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يواكبوا تلك الأحداث والوقائع وأن يستنبطوا لها الأحكام وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه r فإن لم يجدوا فيهما الحكم تحولوا إلى الاجتهاد واعملوا ما أداهم إليه اجتهادهم . وهذا المنهج يظهر في تطبيقات الصديق والفاروق وابن مسعود وغيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى فإن وجد فيه ما يقضي به قضى ، وإذا لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله r فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به فإن أعياه ذلك سأل الناس : هل علمتم أن رسول الله r قضى فيه بقضاء ؟ فربما قام إليه القوم فيقولون ، قضى فيه بكذا وكذا فإن لم يجد سنة سنها النبي r جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به([94]) . وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك([95]) . واجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم في المسائل والأحداث كان يتبعه اختلاف أو اتفاق فالاختلاف في الرأي نتيجة حتمية للاجتهاد واختلاف الصحابة - رضوان الله عليهم - في الاجتهاد يرجع إلى أسباب وهذه الأسباب قد أشار إليها الدكتور عبد الكريم زيدان فقال : (( يرجع اختلاف الفقهاء في هذا العصر إلى جملة أسباب نذكر منها ما يلي : أولاً : اختلافهم بسبب علم البعض بالسنة وعدم علم البعض الآخر . ثانياً : اختلافهم بسبب عدم وثوقهم بالسنة فقد يجهل أحدهم السنة فإذا رويت له ربما لا يطمئن بروايتها ولا يثق براويها لأي سبب كان فلا يأخذ بها فمن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يثق بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حيث قالت إن النبي r لم يفرض لها نفقة ولا سكنى لما طلقها زوجها بائناً . ثالثاً : اختلافهم بسبب اختلافهم في فهم النصوص فمن ذلك اختلافهم في العدة هل هي ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات ومرد اختلافهم إلى المقصود بكلمة القرء . رابعاً : اختلافهم بسبب الاجتهاد فيما لا نص فيه ))([96]) . واجتهادهم في ذلك العصر كان يقوم على أساس واقعي فقد اقتصر اجتهادهم على الحوادث التي وقعت فعلاً فلا اجتهاد عندهم على الوقائع الافتراضية . وبهذا استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يسايروا ذلك العصر الذي كانوا فيه وأن يجتهدوا في الوقائع التي وقعت لهم وأن يستنبطوا لها الأحكام فكان فعلهم هذا إثراء للفقه الإسلامي وسنذكر بعض الأمثلة على فقههم وآرائهم الاجتهادية - رضوان الله عليهم أجمعين - الأمثلة : 1 - أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الطلاق على عهد رسول الله r وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليه([97]) . فهذا الذي فعله عمر رضي الله عنه إنما أراد به زجر الناس عن هذا فإن الناس في زمانه كثر منهم إيقاعهم الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد وهذا خلاف المشروع فأراد عمر زجرهم عن هذا فإن الناس في زمن النبي r وأبي بكر ما كانوا يكثرون من إيقاع الطلاق على هذا النحو بل كان ذلك نادراً عندهم أما في زمن عمر فقد كثر ذلك فأوقع عمر عليهم ما أرادوا فجعل الثلاث ثلاثاً. 2 - أخرج البخـاري بسنده عن زيد بن خـالد الجهني رضـي الله عنه قال : جاء أعرابي النبي r فسأله عما يلتقطه فقال : (( عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها . فإن جاء أحد يخبرك بها إلا فاستنفقها . قال : يا رسول الله فضالة الغنم ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب . قال ضالة الإبل ؟ فتمعر وجه النبي r فقال : مالك ولها ؟ معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء وتأكل الشجر ))([98]) . فهذا الحديث صريح في النهي عن التقاط ضالة الإبل وهذا الحكم هو الذي عليه العمل في عهد النبي r وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكن لما جاء عثمان رضي الله عنه رأى من المصلحة أن تباع الإبل ثم إذا جاء صاحبها أعطي ثمنها وإنما فعل عثمان رضي الله عنه هذا خوفاً من أن تمتد يد غير أمينة إلى هذه الإبل فتأخذها وذلك لتغير الناس عما كانوا عليه في عهد النبي r وعهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما فكان فعله هذا من باب المصلحة لحفظ أموال الناس . أخرج مالك بسنده عن ابن شهاب قال كانت ضوال الإبل في زمان عمر ابن الخطاب إبلاً مؤبله تناتج لا يمسها أحد حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها([99]) . 3 - أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاماً قُتل غيلة فقال عمر لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم([100]) . وقد جاءت رواية البيهقي مبينة العدد الذي قتله عمر رضي الله عنه بالغلام. أخرج البيهقي بسنده عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً([101]) وهذا الذي ثبت عن عمر رضي الله عنه ثبت أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قتل جماعة قتلوا رجلاً واحداً . أخرج البيهقي بسنده عن سعيد بن وهب قال خرج قوم وصحبهم رجل فقدموا وليس معهم فاتهمهم أهله فقال شريح شهودكم أنهم قتلوا صاحبكم وإلا حلفوا بالله ما قتلوه ، فأتوا بهم علياً رضي الله عنه قال سعيد وأنا عنده ففرق بينهم فاعترفوا ، قال فسمعت علياً رضي الله عنه يقول : أنا أبو حسن القرم فأمر بهم علي رضي الله عنه فقتلوا([102]) . وهذا الذي ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أن الجماعة تقتل بالواحد . أمر لم يخالفهم فيه أحد . ولذا ثبت الحكم عند العلماء أن الجماعة تقتل بالواحد إذا اشتركوا في قتله . 4 - حد السارق أن تقطع يده وقد جاء هذا مذكوراً في الكتاب الكريم قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم }([103]) . فإذا سرق السارق قطعت يده إذا توافرت الشروط الموجبة للقطع . وفي عام المجاعة سنة 18 هـ في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب الناس شدة عظيمة حتى إن الناس قد اضطروا للسرقة للحفاظ على حياتهم لهذا رأى عمر رضي الله عنه أن يوقف تطبيق الحد عليهم وذلك لأن عمر رضي الله عنه أدرك علة إقامة الحد وعرف أن الاعتداء على مال الغير فيه القطع إذا تحققت الشروط الموجبة للقطع لكن الناس في عام المجاعة كانوا في ضيق شديد جداً مما دفعهم إلى سرقة الطعام الذي يقيم حياتهم إنها الضرورة التي دفعتهم لذلك لذا أوقف عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليهم . ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - عن عمر رضي الله عنه قال لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة قال السعدي فسألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : العذق النخله . وعام سنة : المجاعة . فقلت لأحمد : تقول به ؟ فقال : أي لعمري . قلت : إن سرق في مجاعة لا تقطعه ؟ فقال : لا . إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة([104]) . والذي فعله عمر رضي الله عنه هو اعمال للقاعدة الفقهية (( الضرورات تبيح المحظورات )) . 5 - اختلف الصحابة - رضوان الله عليهم - في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً وهو مريض هل ترثه ؟ ذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه أنها ترثه إذا مات وهي في العدة أو بعد انقضاء العدة . أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن عثمان رضي الله عنه قال : ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف حين طلقها في مرضه بعد انقضاء العدة([105]) . وأخرج البيهقي بسنده عن ابن أبي مليكة قال سألت عبد الله بن الزبير عن رجل طلق امرأته في مرضه فبتها قال أما عثمان رضي الله عنه فورثها وأما أنا فلا أرى أن أورثها ببينونته إياها([106]) . أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه ذهب إلى أنها ترثه إذا توفي في عدتها وهو لا يرثها إن ماتت في العدة . أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن شريح قال أتاني عروة البارقي من عند عمر في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً في مرضه : إنها ترثه ما دامت في العدة ولا يرثها وهذا الذي ذهب إليه عمر رضي الله عنه مروي أيضاً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المطلقة ثلاثاً وهو مريض قالت : ترثه ما دامت في العدة([107]) . وهذا أبي بن كعب رضي الله عنه كان يرى أنها ترثه ما لم تتزوج أو يبرأ زوجها من مرضه أخرج البيهقي بسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في الذي يطلق وهو مريض لا نزال نورثها حتى يبرأ أو تتزوج وإن مكث سنة([108]) . الخاتمة : وأذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث وهي : 1 - إن صحابة رسول الله r هم نجوم الهداية وحلية الأيام فدراسة سيرهم وهديهم من أهم الدراسات فهم الأسوة والقدوة لهذه الأمة بعد نبيها r. 2 - إن شرف الصحبة عظيم جداً وأن الصحابة قد أدركوا هذا الشرف فقاموا بما يجب عليهم نحو هذا التشريف العظيم من الدعوة والعمل والتطبيق لهذا الدين . 3 - إن المصادر التي نستقي منها هدي الصحابة كثيرة وأهمها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكتب التراجم والتاريخ فعلينا الاهتمام بهذه المصادر واستنباط المواضيع منها . 4 - إن الصحابة - رضوان الله عليهم - ضربوا لهذه الأمة المثل الأعلى في حبهم لرسول الله r وتوقيرهم له . 5 - إن التربية النبوية الكريمة لهؤلاء الأصحاب أثرت فيهم تأثيراً عظيماً فقد بذلوا الأموال والأنفس في سبيل الدفاع عن هذا الدين ونبيه r وكانوا قدوة لمن جاء بعدهم - رضوان الله عليهم - 6 - لقد حرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على إعمار الآخرة واعتبروا الدنيا طريقاً موصلاً للجنة فأحسنوا فيها العمل لما ينفعهم في الآخرة . 7 - إن الدراسات حول هدي الصحابة قليلة فإن هذا الجانب المهم لم يحض بالعناية الكافية التي يستحقها . 8 - ينبغي إعادة دراسة تراجم الصحابة والاهتمام بذلك ومحاولة وضع الموسوعات العلمية عن سيرهم وحياتهم ومآثرهم . 9 - محاولة وضع المناهج العلمية عن هدي الصحابة وتدريسها للطلاب ليسهل عليهم الاقتداء والتأسي بهؤلاء الأفاضل فهم خير الأمة بعد نبيها r . 10 - لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم التشريع على أكمل الوجوه فطبقوه وأحسنوا الاجتهاد والاستنباط واستطاعوا أن يسايروا العصر الذي كانوا فيه وأن يضعوا الأحكام لما استجد عندهم من الأحكام . الهوامش والتعليقات -------------------------------------------------------------------------------- ([1]) تاج العروس ، فصل الهاء ، باب الواو والياء 10 / 407 . ([2]) سورة [ البقرة ، آية 196 ] . ([3]) تاج العروس ، فصل الهاء ، باب الواو والياء 10 / 408 . ([4]) صحيح مسلم ح 867 ، 2 / 592 . ([5]) صحيح مسلم بشرح النووي 6 / 154 . ([6]) مسند الإمام أحمد 5 / 399 والحديث حسن . ([7]) تاج العروس 10 / 407 . ([8]) تاج العروس فصل الصاد من باب الباء 1 / 332 . ([9]) سورة [ التوبة ، آية 40 ] . ([10]) مفردات ألفاظ القرآن ص 475 . ([11]) وقد جمع زميلنا الدكتور / عياده أيوب الكبيسي هذه الأقوال في كتابه صحابة رسول الله r في الكتاب والسنة . ([12]) صحابة رسول الله r في الكتاب والسنة ص 39 . ([13]) الكفاية في علم الرواية ص 99 . ([14]) فتح المغيث 3 / 93 . ([15]) المصدر السابق 3 / 93 . ([16]) صحابة رسول الله r في الكتاب والسنة ص 62 . ([17]) المصدر السابق ص 71 - 74 . ([18]) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط ح 3600 ( 6 / 84 ) والحديث حسن . ([19]) حلية الأولياء 1 / 305 . ([20]) سورة [ الأحزاب ، آية 37 ] . ([21]) سورة [ آل عمران ، آية 173 ] . ([22]) سورة [ النور ، آية 37 - 38 ] . ([23]) سورة [ الأحزاب ، آية 23 - 24 ] . ([24]) سورة [ الحشر ، آية 9 ] . ([25]) سورة [ آل عمران ، آية 31 ] . ([26]) صحيح البخاري ح 15 ( فتح الباري 1 / 80 ) ، صحيح مسلم ح 44 ( 1 / 67 ) . ([27]) صحيح البخاري ح 14 ( فتح الباري 1 / 80 ) . ([28]) صحيح البخاري ح 4064 ( فتح الباري 7 / 458 ) مجوب عليه بحجفه ، أي مترس بترس . ([29]) سنن أبي داود ح 5126 ( 5 / 344 ) قال الألباني صحيح الإسناد صحيح سنن أبي داود 3 / 965 . ([30]) سورة [ النساء ، آية 69 ] . ([31]) المعجم الأوسط ح 480 ( 1 / 296 ) . ([32]) معجم الزوائد ومنبع الفوائد ( 7 / 7 ) . ([33]) المستدرك للحاكم 3 / 6 . ([34]) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2 / 22 . ([35]) تفسير ابن كثير 4 / 185 . ([36]) شعب الإيمان 2 / 193 . ([37]) سورة [ الفتح ، آية 9 ] . ([38]) سورة [ النور ، آية 63 ] . ([39]) سورة [ الحجرات ، آية 1 ] . ([40]) سورة [ الحجرات ، آية 2 ] . ([41]) صحيح البخاري ح 2731 ( فتح الباري 5 / 414 ) . ([42]) صحيح مسلم ح 192 ( 1 / 112 ) . ([43]) صحيح مسلم ح 2053 ( 3 / 1623 ) . ([44]) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ح 486 ( 2 / 236 ) والحديث إسناده صحيح . قوله اقترض من عرض أخيه ، معناه نال منه وعابه وقطعه بالغيبة . ([45]) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2 / 40 . ([46]) سورة [ الصف ، آية 10 - 13 ] . ([47]) صحيح البخاري ح 2790 ( فتح الباري 6 / 13 ) . ([48]) صحيح مسلم ح 1814 ( 3 / 1448 ) . ([49]) صحيح البخاري ح 2797 ( فتح الباري 6 / 19 ) . ([50]) سورة [ التوبة ، آية 111 ] . ([51]) صحيح مسلم ح 1901 ( 3 / 1510 ) بخ بخ : كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيـمه . قرنه : أي جعبه النشاب . مسلم ( 3 / 1510 ) . ([52]) صحيح مسلم ح 1903 ( 3 / 1512 ) . ([53]) المستدرك للحاكم 3 / 102 . ([54]) سنن أبي داود ح 1678 ( 2 / 312 ) قال الألباني حسن ، صحيح سنن أبي داود 1 / 315 . ([55]) المستدرك للحاكم 3 / 201 . ([56]) سورة [ الأعلى ، آية 16 - 17 ] . ([57]) سورة [ الرعد ، آية 26 ] . ([58]) صحيح البخاري ح 6460 ( فتح الباري 11/340 ) قوتاً أي كفايتهم من غير إسراف . ([59]) سنن الترمذي ح 2377 ( 4 / 588 ) قال الألباني صحيح ، صحيح سنن الترمذي 2 / 280 . ([60]) إحياء علوم الدين للغزالي ( 4 / 224 ) . ([61]) سنن الترمذي ح 2473 ( 4 / 645 ) . ([62]) سورة [ الأحقاف ، آية 20 ] . ([63]) تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبه 2 / 695 . قلت وإسناده حسن . ([64]) الزهد لأبي داود السجستاني ح 266 ص 256 قال المحقق رجاله ثقات . ([65]) المصدر السابق ح 283 ص 269 قال المحقق إسناده صحيح . ([66]) المصدر السابق ح 307 ص 287 قال المحقق إسناده حسن . ([67]) سورة [ العلق ، آية 1 - 5 ] . ([68]) سنن الترمذي ح 2646 ( 5 / 33 ) قال الترمذي حسن . ([69]) جامع بيان العلم وفضله ( 1 / 140 ) . ([70]) مسند الإمام أحمد ( 3 / 495 ) والحديث إسناده حسن . ([71]) صحيح البخاري ح 185 ( فتح الباري 1 / 383 ) . ([72]) مسند الإمام أحمد ( 3 / 265 ) والحديث إسناده حسن . ([73]) سورة [ البقرة ، آية 159 - 160 ] . ([74]) صحيح البخاري ح 118 ( فتح الباري 1 / 285 ) . ([75]) مسند أبي يعلى ح 3758 ( 6 / 403 ، 404 ) قال محققه إسناده صحيح . القسط البحري : عود معروف طيب الريح مدر نافع تبخر به النساء والأطفال . النهاية في غريب الحديث 4 / 60 . ([76]) صحيح البخاري ح 7013 ( فتح الباري 12 / 496 ) . ([77]) الزهد لأبي داود السجستاني رقم 31 ص 54 قال محققه إسناده حسن . ([78]) المصدر السابق رقم 89 ص 108 قال محققه إسناده حسن . ([79]) المصدر السابق 111 ص 126 قال محققه إسناده حسن . ([80]) المصدر السابق 135 ص 148 قال محققه إسناده صحيح . ([81]) الزهد لأبي داود السجستاني رقم 226 ص 226 قال محققه إسناده لا بأس به . ([82]) سورة [ الطلاق ، آية 5 ] . ([83]) سنن الترمذي ح 2004 ( 4 / 363 ) قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب . ([84]) سورة [ القلم ، آية 4 ] . ([85]) سنن الترمذي ح 1162 ( 3 / 466 ) . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ([86]) سنن الترمذي ح 2018 ( 4 / 370 ) قال الترمذي - حسن - قال الألباني : صحيح ، صحيح سنن الترمذي 2 / 196 . ([87]) صحيح البخاري ح 5470 ( فتح الباري 9 / 733 ) . ([88]) صحيح مسلم ح 1787 ( 3 / 1414 ) . ([89]) مسند الإمام أحمد ح 543 ( 1 / 554 ) قال الشيخ شعيب ، رجاله ثقات . ([90]) المستدرك 1 / 62 . ([91]) صحيح البخاري ح 6308 ( فتح الباري 11 / 123 ) . ([92]) صحيح البخاري ح 7352 ( فتح الباري 13 / 393 ) . ([93]) صحيح البخاري ح 946 ( فتح الباري 2 / 555 ) . ([94]) إعلام الموقعين عن رب العالمين 1 / 62 . ([95]) نفس المصدر 1 / 62 . ([96]) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية د/ عبد الكريم زيدان ص 107 - 108 . ([97]) صحيح مسلم ح 1472 ( 2 / 1099 ) . ([98]) والبخاري ح 2427 ( فتح الباري 5 / 100 ) . حذاؤها : أي خفها . سقاؤها : أي جوفها والمراد استغنائها عن الحفظ بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب فلا تحتاج إلى ملتقط ( فتح الباري 5 / 104 ) . ([99]) الموطأ ح 1445 ص 416 . مؤبله : أي مقتناه في عدم تعرض أحد إليها . تناتج : أي تنتاج بعضها بعضاً . ( شرح الزرقاني على الموطأ 4 / 55 ) . ([100]) صحيح البخاري ح 6896 ( فتح الباري 12 / 280 ) . غيله : أي سراً ( فتح الباري 12 / 281 ) . ([101]) السنن الكبرى للبيهقي ( 8 / 41 ) . ([102]) المصدر السابق ( 8 / 41 ) . ([103]) سورة [ المائدة ، آية 38 ] . ([104]) اعلام الموقعين ( 3 / 10 ) . ([105]) مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 217 ) . ([106]) السنن الكبرى للبيهقي ( 7 / 362 ) . ([107]) مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 219 ) . ([108]) السنن الكبرى للبيهقي ( 7 / 363 ) .
  22. جزاك الله خير على الموضوع . مع تحيات الملك68
  23. جزاك الله خير على الموضوع . مع تحيات الملك68
  24. جزاكم الله خير على المرور و المشاركة في الموضوع . مع تحيات الملك68
  25. جزاكم الله خير على المرور و بارك الله فيكم على المشاركة . مع تحيات الملك68
×
×
  • Create New...