Jump to content
منتدى البحرين اليوم

السرقات الشعرية ..


Recommended Posts

 

قبل قليل جمعني لقاء مع أخي الفاضل الشاعر عبدالمحسن الطليحي وقد تناولنا موضوعا جميلا وهو عن أحد أوجه السرقات الشعرية , وهو سرقة الفكرة والمضمون في النصوص الشعرية .. وكان الحديث شيقا لأمرين الأول هو أن الحديث مع الأخ عبدالمحسن بحد ذاته أمر ممتع وشيق لما يتمتع به هذا الشاب من خصال جميلة وثقافة ممتازة .. والأمر الآخر أن المادة التي طرحها علي الأخ عبدالمحسن كانت مادة دسمة وغنية ومتشعبة الى حد كبير .. حيث أخذني بعد مهاتفته الى سياحة عبر ضفاف بعض الكتب المختصة في مكتبتي لأراجع بعض ما تناولناه وعلى ذلك أتيت بهذا الموضوع .. وقد اتفقنا أن نضع موضوعا هنا نتواصل معه ومع بقية الإخوة فأهلا بالجميع في هذه الساحة الحوارية .

 

لقد اهتم النقاد قديما وحديثا بمسألة السرقات الشعرية وجدوا واجتهدوا في البحث .. فهذا الموضوع يحتاج جهدا كبيرا ولا يمكن أن يهتدي له ما لم يكن ملما إلماما كبيرا بالأدب وفنونه ومطلعا اطلاعا واسعا على التراث الأدبي قديمه وحديثه وكذلك حفظ قدر كبير من أدب المشهورين والمغمورين حتى يسهل بعد ذلك ارجاع الفروع للأصول ومعرفة السارق من المسروق . فهذه العملية تطلب جهدا كبيرا وهي ليست بالسهلة اليسيرة لمن أراد التبحر في هذه الأمور . وكثير من الأدباء والنقاد اهتموا اهتماما شديدا بالسرقات الشعرية وعرضوا نتاج المتأخرين على نتاج من سبقهم ووازنوا فيما بين النتاجين واستخرجوا الشيء الكثير من ذلك وردوه الى أصوله الأولى .

 

ولا نستغرب إن قلنا بأن السرقات الأدبية عند السابقين أكثر من المتأخرين وذلك لنقطة جدا مهمة وهي ضعف التوثيق للنتاج الأدبي عند الأقدمين وخمول البعض منهم في حفظ نتاجه وكذلك ضياع شعر طائفة من الشعراء الأوائل مما يتيح للآخرين سرقة الأبيات والقصائد ونسبها لأنفسهم دون رادع يردعهم .. ويذكر بأن الجاحظ كان من المهتمين بالسرقات الشعرية وجمع ما تشابه من معنيين لشاعرين مختلفين .. كما ويذكر أن طرفة بن العبد هو أول من ذم ذلك في قوله :

 

ولا أغير على الأشعار أسرقها

عنها غنيت وشر الناس من سرقا

 

وممن تعرض أيضا لذلك هو حسان بن ثابت حين قال :

 

لا أسرق الشعراء ما نطقوا

بل لا يوافق شعرهم شعري

 

والسرقة هي أخذ الإنسان ما ليس له .. وقد ورد في كتاب النقد بين النظرية والتطبيق للدكتور عبدالرسول الغفاري مسميات للسرقات الشعرية تداولتها العرب سابقا وهي : الانتحال – النقل – المسخ – الإغارة – الاحتذاء – الاجتلاب – التضمين والاقتباس وغير ذلك .. كما وإن ابن رشيق اقيرواني ذكر في كتابه ( العمدة ) ستة عشر اسما للسرقة .

 

واستنادا للمصادر التي أملكها فإن العصر العباسي هو أكثر العصور شهرة من حيث السرقات الأدبية وقد يستغرب البعض من ذكر طائفة من الشعراء الكبار والمعروفين والمعدين من فحول الشعر من ضمن قائمة من أمثال ابو نواس وابوتمام والبحتري والمتنبي !

 

كما وإن العصر الأموي أيضا تورط حتى الفحول في قضايا السرقات الأدبية .. ومنهم جرير الذي يعد من الطبقة الأولى ومن فحول الشعراء حيث أخذ كما يذكر النقاد من حاتم الطائي والسعدي وطفيل الغنوي !

 

وأما الفرزدق فقد قيل انه اذا ما استحسن شعرا صرخ قائلا ( أنا أحق بهذا البيت منك ) .. وقد ورد أنه أخذ من النابغة الذبياني والمخبل والعبدي وجميل وذي الرمة !!

 

وربما لاحقا نأتي لذكر بعض التفاصيل مع نماذج من السرقات والآن سنطرح نقاط مهمة ونختم ..

 

يمكن تصنيف السرقات الأدبية عدة أصناف سنذكرها تباعا :

 

- البعض ذهب الى أن السرقات تتحدد في نوعين هما سرقة المعنى وسرقة اللفظ . وذهب الى ذلك ابن قتيبه في كتابه طبقات الشعراء .

 

- وهناك من حدد السرقات بثلاث أنواع .. وهي :

 

1- سرقة اللفظ .

2- سرقة المعنى .

3- سرقة اللفظ والمعنى .

 

وقد ذهب الى ذلك الصولي في كتابه ( أخبار أبي تمام ) .

 

- ويوجد فئة تؤمن بنظرية توارد الخواطر وهذا ماتم الإتفاق عليه بيني وبين الأخ الصديق عبدالمحسن الطليحي .. وهو أن تتفق الأفكار عند السابق واللاحق فتكون متقاربة جدا .. وذهب الى ذلك ابوهلال العسكري في كتابه ( الصناعتين ) فيقول : قد يقع للمتأخر معنى سبقه له المتقدم من غير أن يلم به .. ولكن كما وقع للأول وقع للثاني ) .. ويذكر هنا أبو هلال موقفا حدث له شخصيا فيقول : علمت شيئا من صفات النساء ( سفرن بدروا وانتقبن أهلة ) وظننت أني سبقت الى جمع هذين التشبيهين في نصف بيت الى أن وجدت ذلك عند بعض البغداديين قبلي فكثر تعجبي وعزمت بعد ذلك أن لا أحكم على المتأخر بالسرقة من المتقدم حكما حتما .

 

وقد قسم بعد ذلك السرقة الى ثلاث أقسام

 

1 – الأخذ من الغير أخذا كاملا . أي كقول الصولي ( سرقة اللفظ والمعنى ) .

2- الأخذ ببعض الألفاظ . ويسميه السلخ .

3- أخذ المعنى وصياغته بلفظ جديد وأجمل مما سبق .

 

وعن نفسي أوافق بشكل كبير هذا الرأي وقد حدث لي شخصيا أن كتبت نصا بعنوان وجدت شبيها له عند أحد الشعراء الكبار دون أن أطلع عليه وسأذكر النصين في مداخلة لاحقة ..

 

 

يتبع ...

Link to comment
Share on other sites

 

- ذهب أيضا بعض النقاد الى أن السرقات الشعرية هي أيضا ماهو في البديع المخترع الذي يختص به الشاعر لا في المعاني المشتركة .

 

- هناك من قسم المعاني بخصوص السرقات الأدبية الى قسمين :

 

1- العقلي الصحيح .. وهو ما يتفق العقلاء على الأخذ به والحكم بموجبه في كل جيل وأمة .. ويوجد له اصل في كل لسان ولغة . وهذا هو المعنى العام المشترك بين الناس .

 

2 - المعنى التخيلي .. وهو المعنى الذي يكون على درجات مختلفة بين الناس ولا يمكن الإحاطة به .. وهذا هو المعنى الخاص ..

 

وللأمانه فإن هذين الرأيين من مبتكرات عبدالقاهر الجرجاني وقد فصل الحديث فيها في كتابه ( أسرار البلاغة ) .

 

وأدعو الأخ عبدالمحسن التدقيق في هاتين النقطتين .. ففيهما الكثير مما كان يستفسر عنه من خلف لسانه وهو يجدثني .. فالنقطة الثانية هنا هي الأصدق في احتمالية سرقتها من النقطة الأولى ..

 

فالمعنى العقلي الصحيح هو ما يستطيع أي انسان ادراكه وبلورته في الشعر وصياغته صياغة أدبية .. أي ان الفطرة العقلية هي من ترشدنا لذلك .. كتشبيه الحبيب مثلا بأي شيء جميل .. فإن كان المتنبي أو عمرُ أو نزار قد وصفوا الحبيب بكل ماهو جميل فهذا ليس لميزة فيهم تجعلنا لا نستخدم تلكم التشبيهات لأن أي منا يستطيع أن يدرك ذلك . فهذه الأفكار وذاك الخيال ليس حكرا فقط عليهم . فتشبيه القوي بالأسد أو الجميل بالقمر لو لم يدركه السابقون فإن اللاحقون لن يغفلوا عنه ..

 

وأما النقطة الثانية فهي التي تعني الإبداع حسب ما فهمت .. فالإبداع ميزة وليس فطرة .. فلميزة الإبداع في امرؤ القيس مثلا لا يستطيع من لحقوه أن يأتوا بمثل ما أتى به لو لم يأتي هو به .. ولذلك ورد في الكتب المختصة بالسرقات الأدبية أن امرؤ القيس سرق منه الكثير من الشعراء الكبار كالكميت وطرفة بن العبد الذي ورد بأنه أول من ذم السرقات شعرا !!

 

وكمثال على هذه النقطة نطرح هذا :

 

قال امرؤ القيس :

 

كأني لم أركب جوادا للذة ... ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال

ولم أسبأ الزرق الدري ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال

 

وأخذ هذا المعنى وبلفظه عبد يغوث بن وقاص الحارثي فقال :

 

كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كري نفسي عن رجاليا

ولم اسبأ الزرق الدري ولم أقل ... لأيسار صدق عظموا ضوء ناريا

 

فهذا البيت المسروق هنا لا يعتبر معنى عقلي صريح يستطيع أي انسان أن يدركه بفطرته .. ولا يأتي بهذا إلا لمن يملك الإبداع والخصائص المؤثرة في شعره .

 

فالإبداع الذي نعنيه هنا تتطلبه مؤثرات خاصة تعكس اثرها على الأديب أو الشاعر فتميز شعره وافكاره ومعانيه عمن سواه .. ومن تلك المؤثرات مثلا البيئة التي تربى فيها والمحيط الإجتماعي والثقافي الذي ترعرع فيه وكذلك الاتجاهات الفكرية والميولات النفسية وغير ذلك مما تجعل الفرد متميز عمن سواه .

 

 

 

يتبع ...

Link to comment
Share on other sites

 

- قسم آخر من النقاد كإبن الأثير يحصر أنواع السرقات في خمس أقسام وهي :

 

1- أخذ اللفظ والمعنى برمته وقد أسماه بالنسخ .

2- أخذ بعض العمنى وقد أسماه بالسلخ .

3- إحالة المعنى الى ما دونه وقد اسماه بالمسخ .

4- أخذ المعنى مع الزيادة عليه.

5- عكس المعنى الى ضده.

 

وأرى بأن رقم ( 2-4) يحملان نفس المفهوم .. ونستطيع فياس ذلك عبر القياس بالنقطة الخامسة ..

 

اضربوه ببعضه ph34r.gif

 

- هناك سرقة أخرى تكمن في الأغراض والمقاصد دون اللفظ والتشبيه وقد اشار الى هذا النوع ابوالحسن الرجاني في كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه .. ويخالف هذا الراي الآمدي حيث لا يعتبر ذلك سرقة .

 

- هناك من ينفي السرقات عن المعاني المستعملة والجارية مجرى الأمثال .. وهذا صرح به الآمدي في كتابه ( الموازنة ) .. ولو لاحظنا فإن أخانا العزيز الطليحي يستخدم كثيرا الأمثلة والأقوال الماثورة في قصائدة .. فلو خرج عليه أحدهم متحججا واتهمه بأنه يأخذ الأفكار عن الأمثال فإنه يستطيع أن يحجة بكتاب الآمدي ( الموازنة ) صفحة 314 ........

 

 

والخلاصة في هذا القول أنه من الصعب جدا اتهام شاعر بالسرقة كما ذهب ابوهلال العسكري .. فالسرقة في الشعر اباب ادبي دقيقة يحتاج الى ما بدانا موضوعنا بذكره من نقاط تتطلب وجودها في الباحث والناقد .. فالناقد النبه والمطلع على نتاج الآخرين بعمق هو القادر على ادراك ذلك عن سواه .. وعليه فليس كل من تعرض لموضوع السرقات قد أدرك قعره واستقصى موارده .. ولا كل من كتب فيه استوفى الحديث عنه .. فلا يجوز اتهام شاعر بالسرقة فقط لمجرد تشابه أفكار أو توافق الخواطر وتقارب التشبيهات وغير ذلك ....

 

 

------------------------------

 

 

تم الموضوع والحمد لله بفضل ثلاثة ... أولهم عبدالمحسن الطليحي الذي حرضني على الكتابة .. والثاني مكتبتي الخاصة التي أمدتني بالمعلومات والأفكار وخاصة كتاب النقد بين النظرية والتطبيق .. والثالث هو من ضرب بموعدنا اليوم الحائط فأجلسني في المنزل ...................... ومصائب قوم ٍ عند قوم ٍ فوائدُ sleep.gif

 

 

أتمنى الفائدة لمن يريدها ..

 

تحياتي ,

 

أبوحسين ,

Link to comment
Share on other sites

ابن البحرين

 

 

يعطيك العافيه ..

 

موضوع جميل ..

 

الشكر موصول .. للأخ عبدالمحسن الطليحي .. وللمكتبه .. الثريه التي تمتلكها .. وأيضا للمخلف بالوعود ..

 

 

فلولا اخلافه بالوعد لما كان هذا الموضوع الغني بين أيدينا ..

 

 

لا عدمنا مشاركاتك المفيده ..

 

مع الشكر

 

رباب الجودر

Link to comment
Share on other sites

 

رباب الجودر

 

من حسن حظي دائما أنكِ تمرين على مشاركاتي ..

 

رباب ...... الحمد لله انك قلتي ( وعود ) ولم تقولي ( وعد ) لأنها فعلا وعوووووود biggrin.gif ..

 

أضحك الله سرك .. اضحكتني بمداخلتك اللطيفة ..

 

كم نحتاج للإبتسامة من بعد الجهد والتعب .. فشكرا على الإبتسامة التي خلفها حضورك ..

 

تحياتي واحرتامي لكِ أختي ,,

 

أبوحسين ,

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...