Jump to content
منتدى البحرين اليوم

ممكن خدمه


Recommended Posts

هلا شلونكم شخباركم

من يقدر اساعدني ابغي موضوع عن

التنميه الاقتصاديه

أو التنميه البشريه

أو العمل

ضروري ابغي ولي يساعدني جزاه لله ألف خير

Link to comment
Share on other sites

user posted image

 

 

هذي بحث عن التنميه البشرية..؟..؟..؟..؟؟....؟؟؟....

 

التنمية البشرية

المؤتمر العربي الأول لمنتدى التنمية البشرية القاهرة 24-26 فبراير‏2003‏‏

مداخلة د. جورج قرم

 

 

التحديات التي تواجه التنمية البشرية في الوطن العربي: الوسائل التطبيقية نحو إدخال القطاع الخاص و المؤسسات التربوية و الجهات المحلية في المعادلة التنموية

 

المقدمة : ديناميكية السياسات الإجتماعية العربية لم يرافقها أداء اقتصادي وإنتاجي عالي

 

ان تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي يعطي معاينة متعددة الجوانب لحالات التأخر و العجز التي يعاني منها الوطن العربي.و انطلاقا من هذه المعاينة،علينا ان نرى ما هي أنجع السبل والآليات لمعالجة هذه الحالات بطريقة منطقية وواقعية في آن معا. و هذا ليس بالأمر السهل لان سياسات الدول، في كل البلدان،يصعب تغييرها بسرعة، ذلك ان وطأة التقاليد و الآليات المعمول بها منذ عقود طويلة تقف حاجزا منيعا أمام محاولات الإصلاح و التغيير.

و قد يكون من المفيد، قبل الدخول في تصور آليات جديدة في السياسات العامة تعالج مكامن الخلل، ان نصف باقتضاب ماهية السياسات الاقتصادية و الاجتماعية المعمول بها إجمالا في الأقطار العربية ، و ذلك كي نستخلص القصور في هذه السياسات نحدد و طرق استدراكها. و يمكن القول ان السياسات الاجتماعية العربية كانت في معظم الأقطار سياسات نشطة و ديناميكية (pro-active)، تهدف الى نشر التعليم و الخدمات الصحية وكذلك إيصال الكهرباء و المياه الى كل أنحاء الأراضي المسكونة. كان من النتائج الإيجابية لهذه السياسات وصول الكثير من الأقطار العربية الى حالة جيدة نسبيا من التنمية البشرية، حسب المعايير المُعتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية. صحيح ان النتائج تفاوتت بين قطر و آخر، نظرا للتفاوت القائم بين الأقطار في الموارد المالية المتوفرة و التي استثمرت لتوسيع قطاعات الصحة و التعليم و إقامة البنى التحتية في المدن و الأرياف التي توفر الخدمات الأساسية من نقل، مياه و كهرباء.

و لكن، تجدر الإشارة هنا الى ان الجهود الهامة التي بذلت في المجالات الاجتماعية المختلفة، لم تترافق مع جهود مماثلة في مجال تقوية و تطوير البنية الإنتاجية في الأقطار العربية. فالاقتصادات العربية إجمالا لم تنمُ بوتيرة كافية تواكب سرعة نمو السكان و انتشار العلم والحاجة الى مزيد من الخدمات وتعميمها؛ بل بقي الأداء الاقتصادي العربي بعيدا جدا عما حصل من تطورات إيجابية عملاقة في كثير من دول شرق آسيا( مثل ماليزيا و سنغافورة و تايوان و كوريا الجنوبية و تايلاند) او بعض دول أمريكا اللاتينية (مثل التشيلي و المكسيك و البرازيل)و كذلك كل من الصين و الهند.و بقيت الاقتصادات العربية في حالة تبعية كبيرة لتقلبات أسعار النفط و تحويلات المغتربين و القروض و المساعدات الأجنبية. فلم تستفد من حركة العولمة، وهي دخلت في حالات تقشف مختلفة، ناتجة عن تطبيق برامج اقتصادية و مالية إصلاحية تحت وطأة الازدياد المزدوج لكل من عجز الموازنة العامة و كذلك الحسابات الخارجية.

و لا حاجة هنا الى وصف مكونات هذه البرامج، المعروفة باسم "التعديل البنيوي"(Structural Adjustments) او التذكير بمفاعيلها الانكماشية.

و كانت نتيجة هذا الاختلاف بين سياسات اجتماعية نشطة و أداء اقتصادي متواضع رافقته سياسات تقشفية في كثير من الأقطار العربية ، تعاظم مشاكل البطالة لدى المتخرجين من المدارس التقنية و الجامعات و تطور الفجوة المعرفية و سلبيات اقتصادية و اجتماعية أخرى تم وصفها بإسهاب في التقرير حول التنمية الإنسانية في العالم العربي.هذا مع الإشارة الى ان الإصلاحات التقشفية لم تؤثر فقط على زيادة مستوى البطالة،بل أصابت أيضا الإنفاق الاجتماعي بجميع أشكاله، مما اثر بدوره على متابعة الجهود السابقة في نشر التعليم و الخدمات الصحية.

و لاستدراك التأثير السلبي الناتج عن الاختلاف بين ما أنتجته السياسات الاجتماعية الناشطة السابقة و بين قلة الأداء الاقتصادي العام المسؤول عن مشكلة البطالة المحلية و تهميش وزن الاقتصادات العربية في الاقتصاد العالمي، لا بد من سد الفجوة في الأقطار العربية بين المستوى العالي نسبيا من القدرات البشرية المتوفرة من جهة و الأداء الاقتصادي الضعيف و المتميز بتدني الإنتاجية العامة من جهة أخرى .و القيام بذلك ليس بالأمر السهل ،و هو في الحقيقة يتطلب جهداً جماعياً معقداً، و ليس بالمألوف في مجتمعاتنا العربية . فالعادة لدينا ان نضع كل المسؤولية في إخفاق التنمية او في تعرقلها على كاهل الدولة المركزية و أجهزتها الإدارية المختلفة.

و قليلا ما ننظر الى مواقع أخرى، غير تلك العائدة الى الدولة ،كشريك في مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية. فالنظرة الى آليات التنمية تشمل في معظم الاحيان، و بشكل شبه حصري، الدولة واجهزتها المركزية كمسؤول أول و نهائي عن سير الأمور في المجتمع، و كأن الدولة و أجهزتها لا تعكس حالة المجتمع برمته، بل كأنها جسم منفصل عنه يأتي ليقود دفة الأمور في كل الميادين عبر إداراته و أجهزته و تشريعاته و اتصالاته بالدول الكبرى و مؤسسات التمويل الدولية.

 

ليست الدولة الطرف الرئيسي الوحيد في تحريك العجلة التنموية

يجب ان نخرج من هذه النظرة التبسيطية الى العوامل التي تحرك النمو، لندخل في حيز التحليل و العمل الجاد الأطراف الأخرى في المجتمع، غير الجهاز المركزي للدولة، و التي لا تقل مسؤولياتها عن مسؤولية الدولة في النجاح او الإخفاق التنموي. ان لهذه الأطراف دورا مهما في دفع عجلة التنمية في جوانبها المختلفة، و يمكن تسميتها بـ" أركان التغيير" (Agents of change)، و هي المؤسسات التربوية(العامة و الخاصة) و مؤسسات القطاع الخاص، من شركات و منظمات جماعية وهيئات مهنية و نقابية، و الهيئات المحلية الإقليمية و البلديةlocal) bodies (، بالإضافة الى منظمات العمل الأهلي(NGOs) والنقابات العمالية والفلاحية. و أطراف التغيير هذه ان لم تلعب دورها في آليات التنمية بشكل نشط و مبادرPro-Active))، بما فيه دورها في التأثير على الأجهزة المركزية للدولة من اجل تغيير السياسات الاقتصادية و الاجتماعية الإجمالية (Macro-policies)، فان الإخفاق التنموي هو شبه حتمي، ذلك ان عملية التنمية،خاصة بمفهوم التنمية المتواصلة المستدامة، هي عملية معقدة، متعددة الأطراف و الجوانب، و هي مسؤولية جماعية تُحتم على جميع أركان التغيير ان يساهموا فيها على قدم المساواة في النشاط و العمل و المبادرة. و مهما كانت أهمية الدولة المركزية و تشريعاتها و قدرتها على الإنفاق في الميادين الاجتماعية المختلفة، فان نشاطات و مبادرات الأركان الاخرى للتغيير لا تقل أهمية في المعادلة التنموية.

و سنستعرض لاحقا بعض الأفكار و الآليات التي يمكن تبنيها من اجل العبور من المعاينة العامة في الإخفاق التنموي العربي النسبي الى المعالجة الفعّالة لهذا الإخفاق. و تجدر الإشارة هنا، الى ان الجزء الرئيسي من المعضلة التنموية العربية لا يكمن فقط في غياب المسؤولية الواجب إلقاؤها على عاتق أركان التغيير، بل يكمن أيضا في انعدام الترابط و التواصل بين هذه الأركان في أداء وظائفها المتخصصة من جهة،و بينها و بين الدولة المركزية من جهة أخرى. ان الإخفاق في الأداء الاقتصادي العام ينبع من وضع الاقتصادات العربية من حيث تفكك الأركان الرئيسية في عملية التغيير من اجل التنمية و عدم عملها فيما بينها و بين الدولة بشكل متناسق و متناغم بغية الوصول الى تعبئة تنموية شاملة تتناول كل الافرقاء المعنيين في الجهاز المركزي للدولة و في الهيئات المحلية و في المؤسسات التمثيلية لفروع القطاع الخاص المختلفة و في النقابات العمالية و المهنية و في المؤسسات التربوية و منظمات العمل الأهلي. و من العوامل الرئيسية التي تفسّر نجاح نمو شرق آسيا، هذا التواصل و الترابط بين جميع أركان التغيير، بما فيهم الدولة، التي عليها ان تلعب دورا مركزيا في دفع و استنفار عوامل التغيير.

 

حالات التبذير والفساد الاقتصادي ناتجة عن عدم تحديد مسؤولية كل طرف من أطراف التغيير في العملية التنموية وعدم ترابطها وتواصلها

أما حالة التفكك و عدم الترابط بين أركان التغيير و عدم وعيهم لمسؤولياتهم التنموية، يمكن ان تعتبر هي المسؤولة عن أوضاع التبذير و الهدر المالي و الاقتصادي و الفساد المتفشي الذي نعاني منه في المنطقة العربية. فبين التبذير و الفساد خيط رفيع جدا لا يفصل حقيقة و بشكل واضح بينهما. ذلك ان تعدد حالات التبذير الاقتصادي و المالي و تكرارها في الزمان و المكان، ليس بعيدا عن الفساد الصارخ، بل في كثير من الأحيان يعادله من حيث الخطورة و تأثيره المدمر على الاداء الاقتصادي العام و تدني مستوى الإنتاجية. و في كثير من الاحيان نجد ان أطرافا عديدة في القطاع الخاص لها مصلحة في إبقاء حالات التبذير و الهدر دون معالجتها ذلك لأنها تكوّن مصدر ربح سهل و مضمون على حساب موارد الدولة و الرفاهية العامة.

و تتحدث إحدى الدراسات الحديثة حول ماهية و آليات التنمية المستدامة بأن العمل بمبادئ التنمية المستدامة يتطلب إرساء دعائم "ثقافة التغيير"( (Culture of change للتغلب على قوة استمرار الآليات التنموية التقليدية التي تسيء الى البيئة و لا تستثمر القدرات البشرية استثمارا كاملا . كما ان الممارسة الفعّالة للاستنفار الجماعي من اجل التنمية يتطلب اللجوء الى صيغ تعاقدية جديدة و خلاّقة لأركان و أطراف التغيير فيما بينهم، خاصة على الصعيد المحلي.

و الحقيقة ان المجال الحيوي لتطبيق مبادئ التنمية الشاملة و المستدامة و انطلاقة حالة الاستنفار التنموي في المجتمع هو في المجال المحلي، اي حيز المحافظة او الإقليم و كذلك نطاق عمل البلديات. فعلى هذا النطاق يمكن التأكد الفوري عبر المشاهدة الميدانية بان اي عمل تنموي جديد مثل مكافحة البطالة او زيادة فعالية المؤسسات التربوية و الصحية ، يتفق حوله بعض الافرقاء لزيادة الفاعلية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة، له مفعول مباشر و محسوس. اما الإنفاق المقرر من الدولة المركزية و خارج إطار صيغة تعاقدية واضحة مع افرقاء التنمية ميدانيا ،و الذين يجب الاّ تقلّ مسؤولياتهم عن مسؤولية الجهات المركزية للدولة، فمن المرجح انه سيذهب جزء منه سدى، ضحية حالات التبذير العام الموصوفة أعلاه.

ومن السمات السلبية في مسار التنمية في العالم العربي فقدان آليات المحاسبة الفعالة لتحديد مواقع التبذير والفساد والقضاء عليها من خلال توضيح مستوليات كل طرف من الأطراف الهامة في العلاقات الشبكية الطابع التي عليها يبنى المسار التنموي وتوجهاته ومميزاته. وفي غياب تحديد مسؤولية كل طرف من أطراف الشبكة وإنشاء إطار واضح وشفاف لمحاسبة كل طرف على أداءه التنموي، يصعب تحقيق أي تقدم في معالجة الفجوات والهفوات التنموية في العالم العربي الذي تحدث عنه تقرير التنمية الإنسانية.

وتسعى هذه الورقة والرسوم البيانية المرفقة الى توضيح المسؤوليات الرئيسية لأطراف الشبكة التنموية والى تبيان آليات العمل المشترك بين أطراف التغيير التنموي المطلوب في الأقطار العربية.

 

1-القطاع الخاص والنقابات و صلاته مع الأركان الأخرى من المعادلة التنموية

كثيرا ما يُنظر الى القطاع الخاص على ان سوء او ضعف أدائه يعود الى المعرقلات العديدة التي تضعها الدولة و تشريعاتها في عمله الاستثماري الذي يحتاج الى حرية مطلقة و عدم تدخل الدولة. كما لا يعي معظم فعاليات القطاع الخاص مسؤولياتهم في إرساء دعائم التنمية المستدامة و العالية الإيقاع. و الحقيقة ان القطاع الخاص هو أهم عنصر في المعادلة التنموية و له نفوذ واسع لدى أجهزة الدولة من وزراء و نواب و مدراء و حتى أعضاء المجالس البلدية. إنما، في غياب النظرة الشاملة الى مشاكل التنمية لدى أجزاء واسعة من القطاع الخاص، لا يُستعمل هذا النفوذ في الاتجاه الصحيح، اي تطوير التصور المناسب للتصدي الفعّال لأسباب العجز التنموي و إقناع الدولة بتبني التصور او تعديله للعمل المشترك بين القطاع العام و القطاع الخاص؛ بل يوظف هذا النفوذ، في معظم الأحيان، للإبقاء على حالات التبذير الاقتصادي او الحفاظ على منافع اقتصادية لكبار المتنفذين في القطاع الخاص.

و عندما نتذمر في الأقطار العربية من تعدد حالات الفساد، نميل الى اتهام جهاز الدولة بشكل حصري، متناسين ان عمليات الفساد تشمل طرفين باستمرار، اي الفاسد و المفسد. و عندما يتعلق الأمر بحالات التبذير و الهدر و الفساد في صفقات الدولة و طرق و آليات الانفاق العام او منح الدولة حمايات ريعية و احتكارية لبعض المؤسسات الخاصة، فان القطاع الخاص هو المسؤول مسؤولية كاملة و شاملة عن تلك الحالات. و مما يسهل استمرار مثل هذه الحالات، التفاوت الشاسع في مستوى المداخيل الفردية بين دخل الوزراء و كبار المسؤولين الإداريين من جهة،و هي متدنية في معظم الأقطار، و بين دخل كبار رجال الأعمال و أرباح شركاتهم المتعددة.

و كما نعلم، فان القطاع الخاص العربي، رغم المنافع و الامتيازات الضريبية و الحمايات، و التشجيع، و تراجع دور و حصة الدولة في النشاط الاقتصادي، سواء من جراء تطبيق برامج التعديل البنيوي وعمليات الخصخصة او من جراء إجراءات تحرير النشاط الاقتصادي من القيود الإدارية المختلفة، لم يعوض بالشكل الكافي عن تدني استثمارات القطاع العام بسبب برامج الإصلاح البنيوي، وذلك عبر زيادة استثماراته و خلق العدد المناسب من فرص العمل السنوية الإضافية. والحقيقة هي ان القطاع الخاص العربي لم يع بعد مسؤولياته الجسام في تأمين دعائم التنمية المستدامة، خاصة في مجال الحفاظ على البيئة والعمل من اجل زيادة المستوى الانتاجي للقوى البشرية العربية واستثمار القدرات البشرية استثماراً أفضل. كما ان القطاع الخاص العربي ما يزال يسعى الى الحصول على مزيد من الامتيازات والحمايات من الدولة، حفاظاً على مواقع الربح، دون الإقدام على الجهد الإنتاجي المطلوب لزيادة قدرته التنافسية محلياً ودولياً. كما يطلب من الدولة الحصول على الموارد الطبيعية، من طاقة ومياه ورمال واحجار واخشاب بابخس الأثمان ودون مقيدات بيئية تقوية لربحيته.

والربحية السهلة ما تزال هي الهدف الأول للقطاع الخاص على حساب الأهداف والمسؤوليات الأخرى للنشاط الاقتصادي في المجال الاجتماعي والبيئي، وفي تأمين زيادة متواصلة لكفاءة اليد العاملة ومستواها الاجتماعي وتأمين الاستثمارات اللازمة في الابحاث والتطوير للتحكم بجودة الإنتاج وتحسينه باستمرار وانتاج السلع والخدمات الجديدة التي توسع القدرة التنافسية للاقتصاد ككل في خضم المنافسة الدولية المتعاظمة.

وتجدر الإشارة هنا الى ان الاتجاه العالمي في شأن الأنفاق على الأبحاث والتطوير يدّل على ان عبء هذا الإنفاق قد تحوّل الى حد كبير من الدولة الى القطاع الخاص وان البلدان التي تنجح في التنمية هي تلك التي تكرس موارد هامة للإنفاق على الأبحاث والتطوير وتشجيع القدرة الإبداعية في المجالات التكنولوجية. وكما هو معلوم، فإن مثل هذا الإنفاق في الأقطار العربية ما يزال متدنياً للغاية وهو ما يزال أيضا مركزاً لدى القطاع العام، ذلك ان القطاع الخاص العربي لم يع بعد أهمية هذا النوع من الإنفاق في السباق على الانتاجية وتحسين جودة السلع والخدمات المنتجة.

والقطاع الخاص العربي ما يزال يتميز بترّكز الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي لدى عدد قليل من المجموعات المالية الضخمة التي تعمل في أكثر من قطاع، وهي مجموعات عائلية الطابع لا تفتح رأسمال شركاتها بسهولة الى فئات واسعة من المساهمين أو الى الشركات الأجنبية او العربية الأخرى. وفي معظم الأقطار العربية لا تشمل التشريعات التجارية العامة الضوابط الأخلاقية والمالية والقانونية التي أدخلت في تشريعات الدول المتقدمة لمكافحة المواقع الاحتكارية أو لمنع سوء استعمال النفوذ او سوء استعمال الأموال والتسليفات التي يحصل عليها أصحاب المجموعات الكبيرة.

وتجدر الإشارة كذلك الى الديناميكية الناقصة لمنظمات أرباب العمل، أكانت الغرف التجارية والصناعية او النقابات المهنية والقطاعية، بما فيها النقابات الفلاحية، فهذه المنظمات تلعب دوراً ريادياً في اقتصادات الدول المتقدمة بطرحها تصورات مستقبلية لتطور القطاعات الإنتاجية المختلفة، وتحديد المشاكل والعقبات التي تقف في وجه سير التقدم، وهي تقوم بشكل متواصل بالتحاور مع النقابات العمالية و مع أجهزة الدولة المعنية بتطوير المجالات الإنتاجية المختلفة، وكذلك يقوم الاتصال بالجامعات ومراكز العلم والتدريب لتحديد الاحتياجات القطاعية من القوى البشرية ومن الأبحاث والتطوير التي يمكن ان تقوم بها هذه المؤسسات لصالح مؤسسات القطاع الخاص.

غير ان منظمات أرباب العمل في الأقطار العربية ليس لديها الإمكانيات المادية الكافية لتتوسع في نشاطاتها خارج الأعمال الروتينية مثل تصديق فواتير التصدير على سبيل المثال وإعطاء شهادات المنشأ او مثل الاتصال بالأجهزة الحكومية للدفاع عن الحمايات الجمركية القائمة او زيادتها او الدفاع عن الامتيازات الضريبية وزيادتها. ولا يصدر عن هذه المنظمات الدراسات القطاعية المعمّقة، الاّ نادراً، ذلك انه ينقصها البيانات والإحصاءات والإمكانيات المالية. والقطاع الخاص في الأقطار العربية لا يحبذ إطلاقا إعطاء البيانات عن نشاطاته، خشية من ان تقع في أيدي الدوائر الضريبية او أيدي المنافسين في قطاع معين من النشاط الإنتاجي. لذلك تكون الشفافية قليلة او شبه معدومة فيما يتعلق بحجم الأعمال الحقيقي ومستوى الأرباح وكتلة الأجور والرواتب الموزعة.

والكلام ذاته يمكن ان يقال عن النقابات العمالية او الفلاحية، اذ لا يتوفر لديها القدرة البحثية وقاعدة البيانات الإحصائية التي تمكنها من تكوين تصور تنموي أشمل يتعدى مجرد الدفاع عن المكاسب المادية وتتمكن بالتالي الدخول في حوار مثمر مع منظمات ارباب العمل والدولة والجامعات.

وإذا كان الحوار بين المنظمات الجماعية للقطاع الخاص والدولة محصوراً بقضايا محدودة، والحوار والعلاقات بينها وبين الجامعات ومراكز العلم والتدريب شبه معدومة، فإن الحوار بينها وبين النقابات العمالية معدوم أيضاً. أما الاتصال والحوار والعمل الجماعي على الصعيد المحلي، خاصة مع البلديات والمحافظات او الأقاليم، فهما غائبان تماماً في حين أن هذا الاتصال على الصعيد المحلي له في غير دول أهمية كبرى، خاصة من اجل تنشيط الحياة الاقتصادية خارج المدن الكبرى وجوارها المباشر.

ولا بدّ في نظرنا من ان تعمل منظمات أرباب العمل بشكل لا مركزي وان تطور فروعها في المناطق والأقاليم المختلفة داخل الأقطار العربية، لكي تحاور السلطات المحلية وفروع الاتحادات الفلاحية والعمالية، وكذلك مراكز البحث والجامعات القائمة خارج العاصمة، حول افضل السبل لتنشيط الوضع الاقتصادي المحلي والحفاظ على البيئة واستغلال الموارد الطبيعية استغلالاً عقلانياً غير عشوائي، وإيجاد فرص العمل محليا.ً أما البقاء في العاصمة او داخل المدن الكبرى دون الانتشار في المحافظات والأقاليم وإقامة علاقات تعاون متواصل مع الفاعلين محلياً لتحسين الأوضاع التنموية من جميع الجوانب، فمن شأنه ان يساهم في مزيد من آليات اقتصادية ممركزة بشكل شديد وجامدة وغير قابلة لإجراء التغيير المطلوب للوصول الى حالة تنمية متواصلة وفعالة. 2) الجامعات ومراكز العلم والتدريب التقني كركن مركزي في المعادلة التنموية

ان المؤسسات التربوية في العالم العربي هي بدورها، ورغم أهميتها القصوى في المعادلة التنموية، غائبة عن الساحة، تعمل في بيئة مقفلة، ولا ترتبط او تتواصل مع القطاع الخاص المحلي او الخارجي لكي تؤمن لطلابها مستقبلهم الاقتصادي وتجنبهم حالات البطالة الطويلة او الاغتراب بحثاً عن العمل اللائق. ولا تقوم المؤسسات التربوية، خاصة الجامعية منها، الا بشكل هامشي للغاية بالجهد المطلوب عادة من الجامعات ومراكز البحث لإنشاء المراكز البحثية والمختبرات التي يمكن ان تخدم كلاً من القطاع العام والقطاع الخاص في إطار الجهود الجماعية التي لا بد منها لإرساء دعائم التنمية.

والقطاع التربوي في الحقيقة هو قطاع محوري في المعادلة التنموية، وإذا بقي ساكناً، خاملاً، لا تتطور نفسه بشكل مستمر لكي يصبح أداة فعالة في المجتمع، فهو يصبح عبئاً مكلفاً على المجتمع لأن أعداداً واسعة ممن يتخرجون من المؤسسة التربوية لا يجدون عملاً لائقاً يسمح لهم ان يساهموا في بناء مجتمعهم وتطويره. والحقيقة انه لا بدّ من إعادة النظر في أدوار وأهداف القطاع التربوي، فهذا القطاع لا يمكن ان تكون مهمته محصورة في تأمين حسن القراءة والكتابة وتوزيع شهادات جامعية أو تقنية من اختصاصات مختلفة، بل يجب ان يصبح القطاع التربوي ركناً أساسياً ومركزياً في آليات إطلاق التنمية. وعليه بالتالي، عبر اتصالات مكثفة ومستمرة مع الأركان الأخرى من المعادلة التنموية، ان يبادر الى تكييف مناهجه التعليمية وتوجيه الطلاب نحو الاختصاصات المطلوبة من اجل تحريك عجلة التنمية، كما عليه ان ينشئ ويطور مراكز البحث والمختبرات العلمية والتكنولوجية، لكي يتسنى للطلاب ممارسة شتى أنواع العلوم والتقنيات التطبيقية قبل الدخول في سوق العمل.

وهذا العمل لا بد من القيام به بالتعاون مع كل من الدولة والقطاع الخاص ضمن تحديد سياسة مشتركة لكل من الدولة والقطاع الخاص لزيادة الموارد المكرسة الى الابحاث والتطوير والى التدريب المتواصل في كافة الميادين ومنها بشكل خاص ما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة البديلة الأخرى ، واستغلال التنوع البيولوجي في تطوير صناعة الأدوية الطبيعية، وتحسين أنواع الخضراوات والفواكه لتطوير الصناعات الغذائية، وكذلك أساليب لمّ ومعالجة النفايات الصلبة وتطهير المياه المبتذلة وإيجاد مواد بناء تناسب المناخ والطقس الخاص بالأقطار الغربية، الى آخره من كل هذه الميادين التي تخص بشكل مباشر مستوى رفاهية المواطن.

ولا بدّ من الإشارة هنا الى ان القطاع التربوي، سواء أكان القطاع العام او القطاع الخاص، لا يهتمّ بالشكل النشط والمبادر بمصير طلابه، وهو يقبل ظاهرتي البطالة والهجرة وكأنهما من الأمور الحتمية التي لا يمكن تجنبها، بينما يمكن ان تطرح قضية الفائدة الاجتماعية والاقتصادية للقطاع التربوي اذا لم يقم هذا القطاع بالدور الريادي في تأمين مستقبل القوى البشرية التي يعلّمها ويدرّبها. فالبطالة كما الهجرة هي نتيجة حالة تبذيرية ضخمة، اذ ان المجتمع لا يسترجع تكاليف هذا القطاع، أكانت هذه التكاليف مموّلة من القطاع العام او من القطاع الخاص. وفي حال هجرة الأدمغة، فيكون النظام التربوي العربي هو الذي يموّل تكوين القدرة البشرية التي ستستفيد منها الأقطار الأجنبية المستقبلة للأدمغة العربية.

ولتغيير هذه الحالة، لا بدّ من إلقاء مسؤولية أوسع على مؤسسات القطاع التربوي من قبل الدولة والمجتمع الأهلي، لكي تعمل هذه المؤسسات بشكل ديناميكي وتلقي الجسور مع مؤسسات القطاع الخاص المحلي ومنظماتها المهنية ومع الشركات المتعددة الجنسية لعرض ما يمكن ان يقدمه طلابها من قدرة حية في إقامة مراكز الأبحاث والمختبرات الصناعية والعلمية في خدمة تطور أعمال القطاع الخاص. وعلى الجسم التربوي بأكمله وبكل فروعه ان يعي دوره ومسؤولياته في المعادلة التنموية. فليس التعليم غاية بذاته، ثابتة وجامدة بل هو مهمة متحركة، ديناميكية هدفها الأساسي تمكين الإنسان من العمل والعطاء بشكل منتج في مجتمعه، بل في مدينته او في بلدته او في قريته الريفية.

 

وهنا يمكن اللجوء الى الصيغة التعاقدية بين المؤسسات التربوية والقطاع الخاص او القطاع العام للحصول على تمويل ضمن إطار متجدد يهدف بالدرجة الأولى الى تدريب وتعليم الإنسان لكي يكون ذا فائدة مباشرة للمجتمع فور تخرجه من سنوات تعليمه.

3) الجهات المحلية والأوقاف كقاعدة لا بدّ منها لإطلاق التنمية.

ان ميل الأقطار النامية، ومنها جميع الأقطار العربية، الى تطبيق مركزية شديدة الوطأة في رسم السياسات الاقتصادية والمالية ووضعها موضع التنفيذ لهو سمة سلبية للغاية تعرقل سير التنمية وانتشارها في كل أنحاء القطر.

وتدّل جميع التجارب بأن العمل باللامركزية وتفويض الصلاحيات الى الجهات المحلية هما من العوامل الهامة في إنجاح التنمية وتعميمها بشكل عادل على كل المناطق والأقاليم داخل القطر الواحد. صحيح ان تحقيق اللامركزية بشكل واسع يمكن ان يؤدي في المرحلة الأولى الى تحوّل الفساد من المستوى المركزي الى المستوى المحلي، غير ان هذه السمة السلبية المؤقتة لا بدّ من ان تزول اذا ما تم وضع أسس حياة ديمقراطية حقيقية على المستوى المناطقي والمحلي. فإذا كانت الانتخابات نزيهة على الصعيد المحلي واذا تمثلت في المجالس البلدية او مجالس المحافظات (إن وجدت) جميع القوى الفاعلة ميدانياً، فإن مراقبة الإنفاق سيكون افضل بكثير من الرقابة التي تجري على مستوى موازنة الدولة المركزية.

وفي هذا الخصوص ، فإن اللامركزية المالية (Fiscal Decentralization) هي الآلية المناسبة لنقل الكثير من المسؤوليات التنموية التي تقوم بها الدولة من المستوى المركزي، البعيد عن الهموم والمشاكل المحلية بتفاصيلها، الى المستوى المحلي حيث يمكن للمواطن بسهولة أكبر ان يكون على علم ببرامج الإنفاق المحلية في كافة المجالات وان يراقب كيفية الإنفاق عليها وكذلك كيفية استغلال الموارد الطبيعية من قبل القطاع الخاص، كما يمكن للمواطن عبر سهولة الاتصال بأعضاء المجالس البلدية او أعضاء المجالس المحلية الأخرى وكذلك سهولة الاتصال بالأجهزة الإدارية في الهيئات المحلية المختلفة ان يعبّر عن آرائه وأفكاره في أفضل طرق لمعالجة المعرقلات التنموية الخاصة بكل بلدية او جهة محلية.

وبنفس المنطق، يجب ان تخفف الدولة المركزية من الأعباء الضريبية المختلفة التي تفرضها على جميع المواطنين بغض النظر عن محل إقامتهم وحاجيات المنطقة التي يسكنون فيها وان تسمح للهيئات المحلية بفرض ضرائب خاصة بها يكون حجمها وعبؤها متناسقاً مع الحاجيات المحلية في الإنفاق التنموي من جهة ومع قدرة المكلفين على تحمّل مستوى معين من الاقتطاع الضريبي على الصعيد المحلي. وعلى الدولة المركزية ان تنقل موارد مالية من المستوى المركزي الى الجهات المحلية الفقيرة المحتاجة الى اموال إضافية للنهوض التنموي.

ويمكن للجهات المحلية ان تعمل بآلية التعاقد مع كل من مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التربوية المقيمة في الإطار البلدي او المحلي لتحقيق نهضة تنموية محلية انطلاقا من نظرة مشتركة الى معرقلات المسار التنموي المحلي. وفي هذا الخصوص لا بدّ لهيئات العمل المحلي المنتخبة وأجهزتها الإدارية، من أن تشرك كلاً من منظمات القطاع الخاص ومؤسساته الإنتاجية، وكذلك إدارات الأوقاف وادارة المؤسسات التربوية المحلية بكافة أنواعها، للوصول الى تكوين نظرة تنموية مستقبلية تراعي الظروف والمشاكل والإمكانيات المحلية وتحدد دور كل طرف من أطراف التغيير التنموي في تحريك الوضع وتحسينه.

و في الاطار المحلي أيضا يجب الا ننسى الدور الاقتصادي الكبير الذي تلعبه الاوقاف الاسلامية و المسيحية، فهي في كثير من الاحيان مسؤولة عن ادارة تربوية و اجتماعية و ادارة اراض زراعية شاسعة و في بعض الاحيان ادارة مشاغل و مؤسسات صناعية. لذلك، لا بدّ للأوقاف من ان تدخل في المعادلة التنموية المحلية، سواء في الوصول المشترك مع الاطراف الاخرى الى تصور تنموي لمعالجة الحالات السلبية على الصعيد المحلي، ام عند تطبيق التصور هذا بالتعاون مع سائر الفعاليات المحلية.

 

الخاتمة : نحو تغيير جذري في السياسات التنموية العربية

 

ان تحريك عملية التنمية لا يمكن ان يتم فقط عبر السياسات الاقتصادية والمالية الاجمالية المحددة من قبل الجهاز المركزي للدولة تحت ضغوط الظروف الدولية المختلفة التي لا يسيطر عليها (أسعار النفط، تقلبات أسعار العملات، المساعدات والتمويلات الخارجية). بل، إن القاعدة الحقيقية لانطلاقة التنمية المتواصلة التي تستغلّ قدرات المجتمع، المادية والبشرية، الاستغلال الأمثل، يجب ان تعتمد على القاعدة البلدية والمحلية وان تعمل لتحريك جميع اركان التغيير فيها وتستنفرهم استنفاراً شاملاً. وعلى الدولة المركزية ان تخفف من دورها شبه الاحتكاري في المسار التنموي وان تضع كل ركن من اركان التغيير أمام مسؤولياته التنموية الجسيمة التي لا يعيها في معظم الاحيان، وذلك لأننا ما نزال في الأقطار العربية أسيري نظرة ضيقة الى الآليات التنموية حيث نحمّل الدولة المركزية وأجهزتها كل الأعباء التنموية ونعفي الأطراف الأخرى الرئيسية من أية مسؤولية.

و نحن ننظر على سبيل المثال الى القطاع الخاص على ان هدفه الرئيسي والحصري هو الربح، بغض النظر عن كفاءته ومستوى أدائه في خدمة الاقتصاد وبغضّ النظر عن استهلاكه للموارد الطبيعية دون ضوابط او عن عدم استفادته من القدرات البشرية المتوفرة او عن إنتاجه سلعاً وخدمات لا تناسب كل فئات المجتمع، سواء من ناحية الكلفة او الجودة او أهميتها الاستراتيجية في إطلاق عملية التنمية.

اما المؤسسات التربوية، فننظر اليها كمجرد "آلات" لمنح الشهادات التعليمية على مستوياتها المختلفة (ثانوية، مهنية، جامعية)، ولا ننظر اليها كأهم ركن من أركان التغيير التنموي المطلوب. ونقبل بنظام تربوي يعمل بالانفراد و العزلة و الانغلاق، او في أحسن الحالات مع بعض الاتفاقات مع جامعات أجنبية، ولا يكون على اتصال مستمر بالقطاع الخاص المحلي والدولي او بالهيئات المحلية لكي يطور برامجه ومناهجه التعليمية ويكيفّها للحاجيات الفعلية للإقتصاد المحلي.

ويمكن ان نصف عمل المجالس البلدية والهيئات المحلية بنفس الوصف، فهي تهتم فقط بتوفير بعض الخدمات التقليدية (الإنارة، لمّ النفايات، الطرقات الفرعية) ولا تسعى الى وضع برامج تنموية محلية مدروسة بدقة وعناية بمشاركة الأطراف الأخرى في المعادلة التنموية. وخارج بعض المدن الكبيرة، فإن القدرات الفنية والمالية للهيئات المحلية محدودة للغاية وهي في حالة تبعية كبيرة بالنسبة الى الأجهزة الإدارية العائدة للدولة او الموارد المالية التي تحوّلها اليها الدولة.

ان معالجة الفجوات والمعرقلات التنموية التي وصفها التقرير حول التنمية الإنسانية في العالم العربي تتطلّب حقاً تغييراً ثورياً في النظرة الى التنمية، و تتطلب كذلك تحديد الأطراف الرئيسية فيها وطريقة إيقاظ الوعي التنموي لدى تلك الأطراف، وحثهم على الدخول في حوار متواصل لمعالجة القصور التنموي العربي. ويتوجب من أجل ذلك تطبيق آليات مشاركة كل طرف من أطراف التنمية في المعالجة للوصول الى نهضة اقتصادية واجتماعية وإنتاجية شاملة، تقضي على مواقع التبذير وسوء الأداء، وتحافظ على البيئة وتؤمن القدرة التنافسية للاقتصادات العربية في الاقتصاد الدولي وتستثمر الموارد الطبيعية والبشرية استثماراً عقلانياً مفيداً لكل شرائح المجتمع. و ربما يمكننا عبر هذا التغيير ان نسدّ الفجوة القائمة بين الانجازات المختلفة الماضية في الميدان الاجتماعي و الاخفاق في الاداء الاقتصادي العام و تردي مستوى الانتاجية. و هذه الحالة التناقضية هي المسؤولة عن تهميش دور الاقتصادات العربية في الاقتصاد الدولي، بالرغم من كثرة مواردها الطبيعية و البشرية.

 

 

 

user posted image

Link to comment
Share on other sites

user posted image

 

 

هذي بحث عن التنميه البشرية..؟..؟..؟..؟؟....؟؟؟....

 

التنمية البشرية

المؤتمر العربي الأول لمنتدى التنمية البشرية القاهرة 24-26 فبراير‏2003‏‏

مداخلة د. جورج قرم

 

 

التحديات التي تواجه التنمية البشرية في الوطن العربي: الوسائل التطبيقية نحو إدخال القطاع الخاص و المؤسسات التربوية و الجهات المحلية في المعادلة التنموية

 

المقدمة : ديناميكية السياسات الإجتماعية العربية لم يرافقها أداء اقتصادي وإنتاجي عالي

 

ان تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي يعطي معاينة متعددة الجوانب لحالات التأخر و العجز التي يعاني منها الوطن العربي.و انطلاقا من هذه المعاينة،علينا ان نرى ما هي أنجع السبل والآليات لمعالجة هذه الحالات بطريقة منطقية وواقعية في آن معا. و هذا ليس بالأمر السهل لان سياسات الدول، في كل البلدان،يصعب تغييرها بسرعة، ذلك ان وطأة التقاليد و الآليات المعمول بها منذ عقود طويلة تقف حاجزا منيعا أمام محاولات الإصلاح و التغيير.

و قد يكون من المفيد، قبل الدخول في تصور آليات جديدة في السياسات العامة تعالج مكامن الخلل، ان نصف باقتضاب ماهية السياسات الاقتصادية و الاجتماعية المعمول بها إجمالا في الأقطار العربية ، و ذلك كي نستخلص القصور في هذه السياسات نحدد و طرق استدراكها. و يمكن القول ان السياسات الاجتماعية العربية كانت في معظم الأقطار سياسات نشطة و ديناميكية (pro-active)، تهدف الى نشر التعليم و الخدمات الصحية وكذلك إيصال الكهرباء و المياه الى كل أنحاء الأراضي المسكونة. كان من النتائج الإيجابية لهذه السياسات وصول الكثير من الأقطار العربية الى حالة جيدة نسبيا من التنمية البشرية، حسب المعايير المُعتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية. صحيح ان النتائج تفاوتت بين قطر و آخر، نظرا للتفاوت القائم بين الأقطار في الموارد المالية المتوفرة و التي استثمرت لتوسيع قطاعات الصحة و التعليم و إقامة البنى التحتية في المدن و الأرياف التي توفر الخدمات الأساسية من نقل، مياه و كهرباء.

و لكن، تجدر الإشارة هنا الى ان الجهود الهامة التي بذلت في المجالات الاجتماعية المختلفة، لم تترافق مع جهود مماثلة في مجال تقوية و تطوير البنية الإنتاجية في الأقطار العربية. فالاقتصادات العربية إجمالا لم تنمُ بوتيرة كافية تواكب سرعة نمو السكان و انتشار العلم والحاجة الى مزيد من الخدمات وتعميمها؛ بل بقي الأداء الاقتصادي العربي بعيدا جدا عما حصل من تطورات إيجابية عملاقة في كثير من دول شرق آسيا( مثل ماليزيا و سنغافورة و تايوان و كوريا الجنوبية و تايلاند) او بعض دول أمريكا اللاتينية (مثل التشيلي و المكسيك و البرازيل)و كذلك كل من الصين و الهند.و بقيت الاقتصادات العربية في حالة تبعية كبيرة لتقلبات أسعار النفط و تحويلات المغتربين و القروض و المساعدات الأجنبية. فلم تستفد من حركة العولمة، وهي دخلت في حالات تقشف مختلفة، ناتجة عن تطبيق برامج اقتصادية و مالية إصلاحية تحت وطأة الازدياد المزدوج لكل من عجز الموازنة العامة و كذلك الحسابات الخارجية.

و لا حاجة هنا الى وصف مكونات هذه البرامج، المعروفة باسم "التعديل البنيوي"(Structural Adjustments) او التذكير بمفاعيلها الانكماشية.

و كانت نتيجة هذا الاختلاف بين سياسات اجتماعية نشطة و أداء اقتصادي متواضع رافقته سياسات تقشفية في كثير من الأقطار العربية ، تعاظم مشاكل البطالة لدى المتخرجين من المدارس التقنية و الجامعات و تطور الفجوة المعرفية و سلبيات اقتصادية و اجتماعية أخرى تم وصفها بإسهاب في التقرير حول التنمية الإنسانية في العالم العربي.هذا مع الإشارة الى ان الإصلاحات التقشفية لم تؤثر فقط على زيادة مستوى البطالة،بل أصابت أيضا الإنفاق الاجتماعي بجميع أشكاله، مما اثر بدوره على متابعة الجهود السابقة في نشر التعليم و الخدمات الصحية.

و لاستدراك التأثير السلبي الناتج عن الاختلاف بين ما أنتجته السياسات الاجتماعية الناشطة السابقة و بين قلة الأداء الاقتصادي العام المسؤول عن مشكلة البطالة المحلية و تهميش وزن الاقتصادات العربية في الاقتصاد العالمي، لا بد من سد الفجوة في الأقطار العربية بين المستوى العالي نسبيا من القدرات البشرية المتوفرة من جهة و الأداء الاقتصادي الضعيف و المتميز بتدني الإنتاجية العامة من جهة أخرى .و القيام بذلك ليس بالأمر السهل ،و هو في الحقيقة يتطلب جهداً جماعياً معقداً، و ليس بالمألوف في مجتمعاتنا العربية . فالعادة لدينا ان نضع كل المسؤولية في إخفاق التنمية او في تعرقلها على كاهل الدولة المركزية و أجهزتها الإدارية المختلفة.

و قليلا ما ننظر الى مواقع أخرى، غير تلك العائدة الى الدولة ،كشريك في مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية. فالنظرة الى آليات التنمية تشمل في معظم الاحيان، و بشكل شبه حصري، الدولة واجهزتها المركزية كمسؤول أول و نهائي عن سير الأمور في المجتمع، و كأن الدولة و أجهزتها لا تعكس حالة المجتمع برمته، بل كأنها جسم منفصل عنه يأتي ليقود دفة الأمور في كل الميادين عبر إداراته و أجهزته و تشريعاته و اتصالاته بالدول الكبرى و مؤسسات التمويل الدولية.

 

ليست الدولة الطرف الرئيسي الوحيد في تحريك العجلة التنموية

يجب ان نخرج من هذه النظرة التبسيطية الى العوامل التي تحرك النمو، لندخل في حيز التحليل و العمل الجاد الأطراف الأخرى في المجتمع، غير الجهاز المركزي للدولة، و التي لا تقل مسؤولياتها عن مسؤولية الدولة في النجاح او الإخفاق التنموي. ان لهذه الأطراف دورا مهما في دفع عجلة التنمية في جوانبها المختلفة، و يمكن تسميتها بـ" أركان التغيير" (Agents of change)، و هي المؤسسات التربوية(العامة و الخاصة) و مؤسسات القطاع الخاص، من شركات و منظمات جماعية وهيئات مهنية و نقابية، و الهيئات المحلية الإقليمية و البلديةlocal) bodies (، بالإضافة الى منظمات العمل الأهلي(NGOs) والنقابات العمالية والفلاحية. و أطراف التغيير هذه ان لم تلعب دورها في آليات التنمية بشكل نشط و مبادرPro-Active))، بما فيه دورها في التأثير على الأجهزة المركزية للدولة من اجل تغيير السياسات الاقتصادية و الاجتماعية الإجمالية (Macro-policies)، فان الإخفاق التنموي هو شبه حتمي، ذلك ان عملية التنمية،خاصة بمفهوم التنمية المتواصلة المستدامة، هي عملية معقدة، متعددة الأطراف و الجوانب، و هي مسؤولية جماعية تُحتم على جميع أركان التغيير ان يساهموا فيها على قدم المساواة في النشاط و العمل و المبادرة. و مهما كانت أهمية الدولة المركزية و تشريعاتها و قدرتها على الإنفاق في الميادين الاجتماعية المختلفة، فان نشاطات و مبادرات الأركان الاخرى للتغيير لا تقل أهمية في المعادلة التنموية.

و سنستعرض لاحقا بعض الأفكار و الآليات التي يمكن تبنيها من اجل العبور من المعاينة العامة في الإخفاق التنموي العربي النسبي الى المعالجة الفعّالة لهذا الإخفاق. و تجدر الإشارة هنا، الى ان الجزء الرئيسي من المعضلة التنموية العربية لا يكمن فقط في غياب المسؤولية الواجب إلقاؤها على عاتق أركان التغيير، بل يكمن أيضا في انعدام الترابط و التواصل بين هذه الأركان في أداء وظائفها المتخصصة من جهة،و بينها و بين الدولة المركزية من جهة أخرى. ان الإخفاق في الأداء الاقتصادي العام ينبع من وضع الاقتصادات العربية من حيث تفكك الأركان الرئيسية في عملية التغيير من اجل التنمية و عدم عملها فيما بينها و بين الدولة بشكل متناسق و متناغم بغية الوصول الى تعبئة تنموية شاملة تتناول كل الافرقاء المعنيين في الجهاز المركزي للدولة و في الهيئات المحلية و في المؤسسات التمثيلية لفروع القطاع الخاص المختلفة و في النقابات العمالية و المهنية و في المؤسسات التربوية و منظمات العمل الأهلي. و من العوامل الرئيسية التي تفسّر نجاح نمو شرق آسيا، هذا التواصل و الترابط بين جميع أركان التغيير، بما فيهم الدولة، التي عليها ان تلعب دورا مركزيا في دفع و استنفار عوامل التغيير.

 

حالات التبذير والفساد الاقتصادي ناتجة عن عدم تحديد مسؤولية كل طرف من أطراف التغيير في العملية التنموية وعدم ترابطها وتواصلها

أما حالة التفكك و عدم الترابط بين أركان التغيير و عدم وعيهم لمسؤولياتهم التنموية، يمكن ان تعتبر هي المسؤولة عن أوضاع التبذير و الهدر المالي و الاقتصادي و الفساد المتفشي الذي نعاني منه في المنطقة العربية. فبين التبذير و الفساد خيط رفيع جدا لا يفصل حقيقة و بشكل واضح بينهما. ذلك ان تعدد حالات التبذير الاقتصادي و المالي و تكرارها في الزمان و المكان، ليس بعيدا عن الفساد الصارخ، بل في كثير من الأحيان يعادله من حيث الخطورة و تأثيره المدمر على الاداء الاقتصادي العام و تدني مستوى الإنتاجية. و في كثير من الاحيان نجد ان أطرافا عديدة في القطاع الخاص لها مصلحة في إبقاء حالات التبذير و الهدر دون معالجتها ذلك لأنها تكوّن مصدر ربح سهل و مضمون على حساب موارد الدولة و الرفاهية العامة.

و تتحدث إحدى الدراسات الحديثة حول ماهية و آليات التنمية المستدامة بأن العمل بمبادئ التنمية المستدامة يتطلب إرساء دعائم "ثقافة التغيير"( (Culture of change للتغلب على قوة استمرار الآليات التنموية التقليدية التي تسيء الى البيئة و لا تستثمر القدرات البشرية استثمارا كاملا . كما ان الممارسة الفعّالة للاستنفار الجماعي من اجل التنمية يتطلب اللجوء الى صيغ تعاقدية جديدة و خلاّقة لأركان و أطراف التغيير فيما بينهم، خاصة على الصعيد المحلي.

و الحقيقة ان المجال الحيوي لتطبيق مبادئ التنمية الشاملة و المستدامة و انطلاقة حالة الاستنفار التنموي في المجتمع هو في المجال المحلي، اي حيز المحافظة او الإقليم و كذلك نطاق عمل البلديات. فعلى هذا النطاق يمكن التأكد الفوري عبر المشاهدة الميدانية بان اي عمل تنموي جديد مثل مكافحة البطالة او زيادة فعالية المؤسسات التربوية و الصحية ، يتفق حوله بعض الافرقاء لزيادة الفاعلية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة، له مفعول مباشر و محسوس. اما الإنفاق المقرر من الدولة المركزية و خارج إطار صيغة تعاقدية واضحة مع افرقاء التنمية ميدانيا ،و الذين يجب الاّ تقلّ مسؤولياتهم عن مسؤولية الجهات المركزية للدولة، فمن المرجح انه سيذهب جزء منه سدى، ضحية حالات التبذير العام الموصوفة أعلاه.

ومن السمات السلبية في مسار التنمية في العالم العربي فقدان آليات المحاسبة الفعالة لتحديد مواقع التبذير والفساد والقضاء عليها من خلال توضيح مستوليات كل طرف من الأطراف الهامة في العلاقات الشبكية الطابع التي عليها يبنى المسار التنموي وتوجهاته ومميزاته. وفي غياب تحديد مسؤولية كل طرف من أطراف الشبكة وإنشاء إطار واضح وشفاف لمحاسبة كل طرف على أداءه التنموي، يصعب تحقيق أي تقدم في معالجة الفجوات والهفوات التنموية في العالم العربي الذي تحدث عنه تقرير التنمية الإنسانية.

وتسعى هذه الورقة والرسوم البيانية المرفقة الى توضيح المسؤوليات الرئيسية لأطراف الشبكة التنموية والى تبيان آليات العمل المشترك بين أطراف التغيير التنموي المطلوب في الأقطار العربية.

 

1-القطاع الخاص والنقابات و صلاته مع الأركان الأخرى من المعادلة التنموية

كثيرا ما يُنظر الى القطاع الخاص على ان سوء او ضعف أدائه يعود الى المعرقلات العديدة التي تضعها الدولة و تشريعاتها في عمله الاستثماري الذي يحتاج الى حرية مطلقة و عدم تدخل الدولة. كما لا يعي معظم فعاليات القطاع الخاص مسؤولياتهم في إرساء دعائم التنمية المستدامة و العالية الإيقاع. و الحقيقة ان القطاع الخاص هو أهم عنصر في المعادلة التنموية و له نفوذ واسع لدى أجهزة الدولة من وزراء و نواب و مدراء و حتى أعضاء المجالس البلدية. إنما، في غياب النظرة الشاملة الى مشاكل التنمية لدى أجزاء واسعة من القطاع الخاص، لا يُستعمل هذا النفوذ في الاتجاه الصحيح، اي تطوير التصور المناسب للتصدي الفعّال لأسباب العجز التنموي و إقناع الدولة بتبني التصور او تعديله للعمل المشترك بين القطاع العام و القطاع الخاص؛ بل يوظف هذا النفوذ، في معظم الأحيان، للإبقاء على حالات التبذير الاقتصادي او الحفاظ على منافع اقتصادية لكبار المتنفذين في القطاع الخاص.

و عندما نتذمر في الأقطار العربية من تعدد حالات الفساد، نميل الى اتهام جهاز الدولة بشكل حصري، متناسين ان عمليات الفساد تشمل طرفين باستمرار، اي الفاسد و المفسد. و عندما يتعلق الأمر بحالات التبذير و الهدر و الفساد في صفقات الدولة و طرق و آليات الانفاق العام او منح الدولة حمايات ريعية و احتكارية لبعض المؤسسات الخاصة، فان القطاع الخاص هو المسؤول مسؤولية كاملة و شاملة عن تلك الحالات. و مما يسهل استمرار مثل هذه الحالات، التفاوت الشاسع في مستوى المداخيل الفردية بين دخل الوزراء و كبار المسؤولين الإداريين من جهة،و هي متدنية في معظم الأقطار، و بين دخل كبار رجال الأعمال و أرباح شركاتهم المتعددة.

و كما نعلم، فان القطاع الخاص العربي، رغم المنافع و الامتيازات الضريبية و الحمايات، و التشجيع، و تراجع دور و حصة الدولة في النشاط الاقتصادي، سواء من جراء تطبيق برامج التعديل البنيوي وعمليات الخصخصة او من جراء إجراءات تحرير النشاط الاقتصادي من القيود الإدارية المختلفة، لم يعوض بالشكل الكافي عن تدني استثمارات القطاع العام بسبب برامج الإصلاح البنيوي، وذلك عبر زيادة استثماراته و خلق العدد المناسب من فرص العمل السنوية الإضافية. والحقيقة هي ان القطاع الخاص العربي لم يع بعد مسؤولياته الجسام في تأمين دعائم التنمية المستدامة، خاصة في مجال الحفاظ على البيئة والعمل من اجل زيادة المستوى الانتاجي للقوى البشرية العربية واستثمار القدرات البشرية استثماراً أفضل. كما ان القطاع الخاص العربي ما يزال يسعى الى الحصول على مزيد من الامتيازات والحمايات من الدولة، حفاظاً على مواقع الربح، دون الإقدام على الجهد الإنتاجي المطلوب لزيادة قدرته التنافسية محلياً ودولياً. كما يطلب من الدولة الحصول على الموارد الطبيعية، من طاقة ومياه ورمال واحجار واخشاب بابخس الأثمان ودون مقيدات بيئية تقوية لربحيته.

والربحية السهلة ما تزال هي الهدف الأول للقطاع الخاص على حساب الأهداف والمسؤوليات الأخرى للنشاط الاقتصادي في المجال الاجتماعي والبيئي، وفي تأمين زيادة متواصلة لكفاءة اليد العاملة ومستواها الاجتماعي وتأمين الاستثمارات اللازمة في الابحاث والتطوير للتحكم بجودة الإنتاج وتحسينه باستمرار وانتاج السلع والخدمات الجديدة التي توسع القدرة التنافسية للاقتصاد ككل في خضم المنافسة الدولية المتعاظمة.

وتجدر الإشارة هنا الى ان الاتجاه العالمي في شأن الأنفاق على الأبحاث والتطوير يدّل على ان عبء هذا الإنفاق قد تحوّل الى حد كبير من الدولة الى القطاع الخاص وان البلدان التي تنجح في التنمية هي تلك التي تكرس موارد هامة للإنفاق على الأبحاث والتطوير وتشجيع القدرة الإبداعية في المجالات التكنولوجية. وكما هو معلوم، فإن مثل هذا الإنفاق في الأقطار العربية ما يزال متدنياً للغاية وهو ما يزال أيضا مركزاً لدى القطاع العام، ذلك ان القطاع الخاص العربي لم يع بعد أهمية هذا النوع من الإنفاق في السباق على الانتاجية وتحسين جودة السلع والخدمات المنتجة.

والقطاع الخاص العربي ما يزال يتميز بترّكز الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي لدى عدد قليل من المجموعات المالية الضخمة التي تعمل في أكثر من قطاع، وهي مجموعات عائلية الطابع لا تفتح رأسمال شركاتها بسهولة الى فئات واسعة من المساهمين أو الى الشركات الأجنبية او العربية الأخرى. وفي معظم الأقطار العربية لا تشمل التشريعات التجارية العامة الضوابط الأخلاقية والمالية والقانونية التي أدخلت في تشريعات الدول المتقدمة لمكافحة المواقع الاحتكارية أو لمنع سوء استعمال النفوذ او سوء استعمال الأموال والتسليفات التي يحصل عليها أصحاب المجموعات الكبيرة.

وتجدر الإشارة كذلك الى الديناميكية الناقصة لمنظمات أرباب العمل، أكانت الغرف التجارية والصناعية او النقابات المهنية والقطاعية، بما فيها النقابات الفلاحية، فهذه المنظمات تلعب دوراً ريادياً في اقتصادات الدول المتقدمة بطرحها تصورات مستقبلية لتطور القطاعات الإنتاجية المختلفة، وتحديد المشاكل والعقبات التي تقف في وجه سير التقدم، وهي تقوم بشكل متواصل بالتحاور مع النقابات العمالية و مع أجهزة الدولة المعنية بتطوير المجالات الإنتاجية المختلفة، وكذلك يقوم الاتصال بالجامعات ومراكز العلم والتدريب لتحديد الاحتياجات القطاعية من القوى البشرية ومن الأبحاث والتطوير التي يمكن ان تقوم بها هذه المؤسسات لصالح مؤسسات القطاع الخاص.

غير ان منظمات أرباب العمل في الأقطار العربية ليس لديها الإمكانيات المادية الكافية لتتوسع في نشاطاتها خارج الأعمال الروتينية مثل تصديق فواتير التصدير على سبيل المثال وإعطاء شهادات المنشأ او مثل الاتصال بالأجهزة الحكومية للدفاع عن الحمايات الجمركية القائمة او زيادتها او الدفاع عن الامتيازات الضريبية وزيادتها. ولا يصدر عن هذه المنظمات الدراسات القطاعية المعمّقة، الاّ نادراً، ذلك انه ينقصها البيانات والإحصاءات والإمكانيات المالية. والقطاع الخاص في الأقطار العربية لا يحبذ إطلاقا إعطاء البيانات عن نشاطاته، خشية من ان تقع في أيدي الدوائر الضريبية او أيدي المنافسين في قطاع معين من النشاط الإنتاجي. لذلك تكون الشفافية قليلة او شبه معدومة فيما يتعلق بحجم الأعمال الحقيقي ومستوى الأرباح وكتلة الأجور والرواتب الموزعة.

والكلام ذاته يمكن ان يقال عن النقابات العمالية او الفلاحية، اذ لا يتوفر لديها القدرة البحثية وقاعدة البيانات الإحصائية التي تمكنها من تكوين تصور تنموي أشمل يتعدى مجرد الدفاع عن المكاسب المادية وتتمكن بالتالي الدخول في حوار مثمر مع منظمات ارباب العمل والدولة والجامعات.

وإذا كان الحوار بين المنظمات الجماعية للقطاع الخاص والدولة محصوراً بقضايا محدودة، والحوار والعلاقات بينها وبين الجامعات ومراكز العلم والتدريب شبه معدومة، فإن الحوار بينها وبين النقابات العمالية معدوم أيضاً. أما الاتصال والحوار والعمل الجماعي على الصعيد المحلي، خاصة مع البلديات والمحافظات او الأقاليم، فهما غائبان تماماً في حين أن هذا الاتصال على الصعيد المحلي له في غير دول أهمية كبرى، خاصة من اجل تنشيط الحياة الاقتصادية خارج المدن الكبرى وجوارها المباشر.

ولا بدّ في نظرنا من ان تعمل منظمات أرباب العمل بشكل لا مركزي وان تطور فروعها في المناطق والأقاليم المختلفة داخل الأقطار العربية، لكي تحاور السلطات المحلية وفروع الاتحادات الفلاحية والعمالية، وكذلك مراكز البحث والجامعات القائمة خارج العاصمة، حول افضل السبل لتنشيط الوضع الاقتصادي المحلي والحفاظ على البيئة واستغلال الموارد الطبيعية استغلالاً عقلانياً غير عشوائي، وإيجاد فرص العمل محليا.ً أما البقاء في العاصمة او داخل المدن الكبرى دون الانتشار في المحافظات والأقاليم وإقامة علاقات تعاون متواصل مع الفاعلين محلياً لتحسين الأوضاع التنموية من جميع الجوانب، فمن شأنه ان يساهم في مزيد من آليات اقتصادية ممركزة بشكل شديد وجامدة وغير قابلة لإجراء التغيير المطلوب للوصول الى حالة تنمية متواصلة وفعالة. 2) الجامعات ومراكز العلم والتدريب التقني كركن مركزي في المعادلة التنموية

ان المؤسسات التربوية في العالم العربي هي بدورها، ورغم أهميتها القصوى في المعادلة التنموية، غائبة عن الساحة، تعمل في بيئة مقفلة، ولا ترتبط او تتواصل مع القطاع الخاص المحلي او الخارجي لكي تؤمن لطلابها مستقبلهم الاقتصادي وتجنبهم حالات البطالة الطويلة او الاغتراب بحثاً عن العمل اللائق. ولا تقوم المؤسسات التربوية، خاصة الجامعية منها، الا بشكل هامشي للغاية بالجهد المطلوب عادة من الجامعات ومراكز البحث لإنشاء المراكز البحثية والمختبرات التي يمكن ان تخدم كلاً من القطاع العام والقطاع الخاص في إطار الجهود الجماعية التي لا بد منها لإرساء دعائم التنمية.

والقطاع التربوي في الحقيقة هو قطاع محوري في المعادلة التنموية، وإذا بقي ساكناً، خاملاً، لا تتطور نفسه بشكل مستمر لكي يصبح أداة فعالة في المجتمع، فهو يصبح عبئاً مكلفاً على المجتمع لأن أعداداً واسعة ممن يتخرجون من المؤسسة التربوية لا يجدون عملاً لائقاً يسمح لهم ان يساهموا في بناء مجتمعهم وتطويره. والحقيقة انه لا بدّ من إعادة النظر في أدوار وأهداف القطاع التربوي، فهذا القطاع لا يمكن ان تكون مهمته محصورة في تأمين حسن القراءة والكتابة وتوزيع شهادات جامعية أو تقنية من اختصاصات مختلفة، بل يجب ان يصبح القطاع التربوي ركناً أساسياً ومركزياً في آليات إطلاق التنمية. وعليه بالتالي، عبر اتصالات مكثفة ومستمرة مع الأركان الأخرى من المعادلة التنموية، ان يبادر الى تكييف مناهجه التعليمية وتوجيه الطلاب نحو الاختصاصات المطلوبة من اجل تحريك عجلة التنمية، كما عليه ان ينشئ ويطور مراكز البحث والمختبرات العلمية والتكنولوجية، لكي يتسنى للطلاب ممارسة شتى أنواع العلوم والتقنيات التطبيقية قبل الدخول في سوق العمل.

وهذا العمل لا بد من القيام به بالتعاون مع كل من الدولة والقطاع الخاص ضمن تحديد سياسة مشتركة لكل من الدولة والقطاع الخاص لزيادة الموارد المكرسة الى الابحاث والتطوير والى التدريب المتواصل في كافة الميادين ومنها بشكل خاص ما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة البديلة الأخرى ، واستغلال التنوع البيولوجي في تطوير صناعة الأدوية الطبيعية، وتحسين أنواع الخضراوات والفواكه لتطوير الصناعات الغذائية، وكذلك أساليب لمّ ومعالجة النفايات الصلبة وتطهير المياه المبتذلة وإيجاد مواد بناء تناسب المناخ والطقس الخاص بالأقطار الغربية، الى آخره من كل هذه الميادين التي تخص بشكل مباشر مستوى رفاهية المواطن.

ولا بدّ من الإشارة هنا الى ان القطاع التربوي، سواء أكان القطاع العام او القطاع الخاص، لا يهتمّ بالشكل النشط والمبادر بمصير طلابه، وهو يقبل ظاهرتي البطالة والهجرة وكأنهما من الأمور الحتمية التي لا يمكن تجنبها، بينما يمكن ان تطرح قضية الفائدة الاجتماعية والاقتصادية للقطاع التربوي اذا لم يقم هذا القطاع بالدور الريادي في تأمين مستقبل القوى البشرية التي يعلّمها ويدرّبها. فالبطالة كما الهجرة هي نتيجة حالة تبذيرية ضخمة، اذ ان المجتمع لا يسترجع تكاليف هذا القطاع، أكانت هذه التكاليف مموّلة من القطاع العام او من القطاع الخاص. وفي حال هجرة الأدمغة، فيكون النظام التربوي العربي هو الذي يموّل تكوين القدرة البشرية التي ستستفيد منها الأقطار الأجنبية المستقبلة للأدمغة العربية.

ولتغيير هذه الحالة، لا بدّ من إلقاء مسؤولية أوسع على مؤسسات القطاع التربوي من قبل الدولة والمجتمع الأهلي، لكي تعمل هذه المؤسسات بشكل ديناميكي وتلقي الجسور مع مؤسسات القطاع الخاص المحلي ومنظماتها المهنية ومع الشركات المتعددة الجنسية لعرض ما يمكن ان يقدمه طلابها من قدرة حية في إقامة مراكز الأبحاث والمختبرات الصناعية والعلمية في خدمة تطور أعمال القطاع الخاص. وعلى الجسم التربوي بأكمله وبكل فروعه ان يعي دوره ومسؤولياته في المعادلة التنموية. فليس التعليم غاية بذاته، ثابتة وجامدة بل هو مهمة متحركة، ديناميكية هدفها الأساسي تمكين الإنسان من العمل والعطاء بشكل منتج في مجتمعه، بل في مدينته او في بلدته او في قريته الريفية.

 

وهنا يمكن اللجوء الى الصيغة التعاقدية بين المؤسسات التربوية والقطاع الخاص او القطاع العام للحصول على تمويل ضمن إطار متجدد يهدف بالدرجة الأولى الى تدريب وتعليم الإنسان لكي يكون ذا فائدة مباشرة للمجتمع فور تخرجه من سنوات تعليمه.

3) الجهات المحلية والأوقاف كقاعدة لا بدّ منها لإطلاق التنمية.

ان ميل الأقطار النامية، ومنها جميع الأقطار العربية، الى تطبيق مركزية شديدة الوطأة في رسم السياسات الاقتصادية والمالية ووضعها موضع التنفيذ لهو سمة سلبية للغاية تعرقل سير التنمية وانتشارها في كل أنحاء القطر.

وتدّل جميع التجارب بأن العمل باللامركزية وتفويض الصلاحيات الى الجهات المحلية هما من العوامل الهامة في إنجاح التنمية وتعميمها بشكل عادل على كل المناطق والأقاليم داخل القطر الواحد. صحيح ان تحقيق اللامركزية بشكل واسع يمكن ان يؤدي في المرحلة الأولى الى تحوّل الفساد من المستوى المركزي الى المستوى المحلي، غير ان هذه السمة السلبية المؤقتة لا بدّ من ان تزول اذا ما تم وضع أسس حياة ديمقراطية حقيقية على المستوى المناطقي والمحلي. فإذا كانت الانتخابات نزيهة على الصعيد المحلي واذا تمثلت في المجالس البلدية او مجالس المحافظات (إن وجدت) جميع القوى الفاعلة ميدانياً، فإن مراقبة الإنفاق سيكون افضل بكثير من الرقابة التي تجري على مستوى موازنة الدولة المركزية.

وفي هذا الخصوص ، فإن اللامركزية المالية (Fiscal Decentralization) هي الآلية المناسبة لنقل الكثير من المسؤوليات التنموية التي تقوم بها الدولة من المستوى المركزي، البعيد عن الهموم والمشاكل المحلية بتفاصيلها، الى المستوى المحلي حيث يمكن للمواطن بسهولة أكبر ان يكون على علم ببرامج الإنفاق المحلية في كافة المجالات وان يراقب كيفية الإنفاق عليها وكذلك كيفية استغلال الموارد الطبيعية من قبل القطاع الخاص، كما يمكن للمواطن عبر سهولة الاتصال بأعضاء المجالس البلدية او أعضاء المجالس المحلية الأخرى وكذلك سهولة الاتصال بالأجهزة الإدارية في الهيئات المحلية المختلفة ان يعبّر عن آرائه وأفكاره في أفضل طرق لمعالجة المعرقلات التنموية الخاصة بكل بلدية او جهة محلية.

وبنفس المنطق، يجب ان تخفف الدولة المركزية من الأعباء الضريبية المختلفة التي تفرضها على جميع المواطنين بغض النظر عن محل إقامتهم وحاجيات المنطقة التي يسكنون فيها وان تسمح للهيئات المحلية بفرض ضرائب خاصة بها يكون حجمها وعبؤها متناسقاً مع الحاجيات المحلية في الإنفاق التنموي من جهة ومع قدرة المكلفين على تحمّل مستوى معين من الاقتطاع الضريبي على الصعيد المحلي. وعلى الدولة المركزية ان تنقل موارد مالية من المستوى المركزي الى الجهات المحلية الفقيرة المحتاجة الى اموال إضافية للنهوض التنموي.

ويمكن للجهات المحلية ان تعمل بآلية التعاقد مع كل من مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التربوية المقيمة في الإطار البلدي او المحلي لتحقيق نهضة تنموية محلية انطلاقا من نظرة مشتركة الى معرقلات المسار التنموي المحلي. وفي هذا الخصوص لا بدّ لهيئات العمل المحلي المنتخبة وأجهزتها الإدارية، من أن تشرك كلاً من منظمات القطاع الخاص ومؤسساته الإنتاجية، وكذلك إدارات الأوقاف وادارة المؤسسات التربوية المحلية بكافة أنواعها، للوصول الى تكوين نظرة تنموية مستقبلية تراعي الظروف والمشاكل والإمكانيات المحلية وتحدد دور كل طرف من أطراف التغيير التنموي في تحريك الوضع وتحسينه.

و في الاطار المحلي أيضا يجب الا ننسى الدور الاقتصادي الكبير الذي تلعبه الاوقاف الاسلامية و المسيحية، فهي في كثير من الاحيان مسؤولة عن ادارة تربوية و اجتماعية و ادارة اراض زراعية شاسعة و في بعض الاحيان ادارة مشاغل و مؤسسات صناعية. لذلك، لا بدّ للأوقاف من ان تدخل في المعادلة التنموية المحلية، سواء في الوصول المشترك مع الاطراف الاخرى الى تصور تنموي لمعالجة الحالات السلبية على الصعيد المحلي، ام عند تطبيق التصور هذا بالتعاون مع سائر الفعاليات المحلية.

 

الخاتمة : نحو تغيير جذري في السياسات التنموية العربية

 

ان تحريك عملية التنمية لا يمكن ان يتم فقط عبر السياسات الاقتصادية والمالية الاجمالية المحددة من قبل الجهاز المركزي للدولة تحت ضغوط الظروف الدولية المختلفة التي لا يسيطر عليها (أسعار النفط، تقلبات أسعار العملات، المساعدات والتمويلات الخارجية). بل، إن القاعدة الحقيقية لانطلاقة التنمية المتواصلة التي تستغلّ قدرات المجتمع، المادية والبشرية، الاستغلال الأمثل، يجب ان تعتمد على القاعدة البلدية والمحلية وان تعمل لتحريك جميع اركان التغيير فيها وتستنفرهم استنفاراً شاملاً. وعلى الدولة المركزية ان تخفف من دورها شبه الاحتكاري في المسار التنموي وان تضع كل ركن من اركان التغيير أمام مسؤولياته التنموية الجسيمة التي لا يعيها في معظم الاحيان، وذلك لأننا ما نزال في الأقطار العربية أسيري نظرة ضيقة الى الآليات التنموية حيث نحمّل الدولة المركزية وأجهزتها كل الأعباء التنموية ونعفي الأطراف الأخرى الرئيسية من أية مسؤولية.

و نحن ننظر على سبيل المثال الى القطاع الخاص على ان هدفه الرئيسي والحصري هو الربح، بغض النظر عن كفاءته ومستوى أدائه في خدمة الاقتصاد وبغضّ النظر عن استهلاكه للموارد الطبيعية دون ضوابط او عن عدم استفادته من القدرات البشرية المتوفرة او عن إنتاجه سلعاً وخدمات لا تناسب كل فئات المجتمع، سواء من ناحية الكلفة او الجودة او أهميتها الاستراتيجية في إطلاق عملية التنمية.

اما المؤسسات التربوية، فننظر اليها كمجرد "آلات" لمنح الشهادات التعليمية على مستوياتها المختلفة (ثانوية، مهنية، جامعية)، ولا ننظر اليها كأهم ركن من أركان التغيير التنموي المطلوب. ونقبل بنظام تربوي يعمل بالانفراد و العزلة و الانغلاق، او في أحسن الحالات مع بعض الاتفاقات مع جامعات أجنبية، ولا يكون على اتصال مستمر بالقطاع الخاص المحلي والدولي او بالهيئات المحلية لكي يطور برامجه ومناهجه التعليمية ويكيفّها للحاجيات الفعلية للإقتصاد المحلي.

ويمكن ان نصف عمل المجالس البلدية والهيئات المحلية بنفس الوصف، فهي تهتم فقط بتوفير بعض الخدمات التقليدية (الإنارة، لمّ النفايات، الطرقات الفرعية) ولا تسعى الى وضع برامج تنموية محلية مدروسة بدقة وعناية بمشاركة الأطراف الأخرى في المعادلة التنموية. وخارج بعض المدن الكبيرة، فإن القدرات الفنية والمالية للهيئات المحلية محدودة للغاية وهي في حالة تبعية كبيرة بالنسبة الى الأجهزة الإدارية العائدة للدولة او الموارد المالية التي تحوّلها اليها الدولة.

ان معالجة الفجوات والمعرقلات التنموية التي وصفها التقرير حول التنمية الإنسانية في العالم العربي تتطلّب حقاً تغييراً ثورياً في النظرة الى التنمية، و تتطلب كذلك تحديد الأطراف الرئيسية فيها وطريقة إيقاظ الوعي التنموي لدى تلك الأطراف، وحثهم على الدخول في حوار متواصل لمعالجة القصور التنموي العربي. ويتوجب من أجل ذلك تطبيق آليات مشاركة كل طرف من أطراف التنمية في المعالجة للوصول الى نهضة اقتصادية واجتماعية وإنتاجية شاملة، تقضي على مواقع التبذير وسوء الأداء، وتحافظ على البيئة وتؤمن القدرة التنافسية للاقتصادات العربية في الاقتصاد الدولي وتستثمر الموارد الطبيعية والبشرية استثماراً عقلانياً مفيداً لكل شرائح المجتمع. و ربما يمكننا عبر هذا التغيير ان نسدّ الفجوة القائمة بين الانجازات المختلفة الماضية في الميدان الاجتماعي و الاخفاق في الاداء الاقتصادي العام و تردي مستوى الانتاجية. و هذه الحالة التناقضية هي المسؤولة عن تهميش دور الاقتصادات العربية في الاقتصاد الدولي، بالرغم من كثرة مواردها الطبيعية و البشرية.

 

 

 

user posted image

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...