Jump to content
منتدى البحرين اليوم

مذكرات مخطوبه الجزء الثاني


mas

Recommended Posts

  • Replies 33
  • Created
  • Last Reply

Top Posters In This Topic

الفصل العشرون..

 

 

ما أن قمنا بإيصال عمي إلى المنزل في تلك الليلة ، و أطمأنا عليه.. و بأنه سيأوي حالا ً إلى الفراش ليرتاح ..

 

حتى غمز لي عصام بطرف عينه ، بما معناه أن يريدني في حديث خاص ..

 

لذا تسللنا إلى خارج المجلس .. ليسألني إن كنت أرغب في تناول العشاء خارجا ..

 

" الآن ؟! و في مثل هذا الوقت المتأخر ؟!! "

 

" و لما لا .. فأنا أتضور جوعا عزيزتي .. "

 

" اممم .. حسنا.. و لكن فليكن مطعما قريبا .. "

 

و للمرة الأولى في حياتي أشعر بأني أنا و المعروفة بالعناد منذ صغري .. أذعن لطلب أحدهم حالا دون إبداء أي نوع من المعارضة ..

 

فهل يا ترى يكمن السر في سحر عصام علي! .. أم أنها أسطورة سي السيد مجددا ؟!

 

لم يكتفي عصام بإجباري للاذعان برغبته في تناول العشاء في المطعم فقط ..إلا أنه أيضا لم يدع لي الفرصة لاختيار المطعم الذي أرغب في الذهاب إليه معه ..

إذ أنه قد قرر مسبقا أنه مطعم ( جسر الملك فهد).. لا غيره !!

 

" عصام .. مطعم الجسر بعيد .. سيكون المشوار طويلا .. و نحن في غاية التعب و الإرهاق ..

 

أي مطعم آخر سيكون مناسبا .. ماذا عن (الأبراج ) مثلا ! "

 

و لم يكن يبدو على عصام أنه قد سمع مني شيئا مما قلته للتو ..

إذ سرعان ما توقف أمام بوابة منزلي .. ليحضر لي جواز سفري و يبلغ أمي خبر سفرنا القصير لتناول العشاء . .

 

و لنكون بعد دقائق قليلة فقط .. على الخط السريع إلى المملكة العربية السعودية ، في طريقنا إلى مطعم الجسر .. !!!

 

كادت إجراءات الجسر تمر على خير ما يرام .. ما عدا المحطة ما قبل الأخيرة ، أي عند جوازات المملكة العربية السعودية ..

 

إذ طلب منا الموظف الوقوف جانبا بالسيارة .. و قد بدت من نظراته أن هناك ثمة خطأ كبير أو مشكلة عويصة في هويّـاتنا ..تتطلب منا الوقوف جانبا لفترة من الزمن ..بانتظار التعليمات الجديدة التي ستأتي ممن هو فوق هذا الموظف ،

 

أركن عصام سيارته جانبا .. ثم نزل منها يستقصي الأمر .. تاركا إياي فيها لوحدي ، .. أتمتم بكل الآيات القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب ،

آملة من كل أعماقي أن الأمر ليس بذا أهمية .. و أنه مجرد اشتباه أو سوء فهم .. و أنهم سرعان ما سيفرجون عنا ..

 

دار بين عصام و الموظف حديثا غامض .. لم تكن كلماته بالطبع لتصل إلى أذني .. لبعد المسافة ..

إلا أنه و من خلال التغير الكبير الذي طرأ على هيئة عصام و ملامح وجهه بالتحديد .. أدركت أن الأمر أكبر بكثير مما كنت آمل ..

 

و أنه بالفعل ..

 

" يا ربي سترك " ،

 

أطل عليّ عصام بعد دقائق طويلة من الانتظار .. ليخبرني بنظرات غائرة أن موظف الأمن يطلب منا الذهاب معا إلى داخل ذاك المبنى .. الذي يقبع في تلك الناحية ،

 

" ها! .. و لماذا ؟!! .. ما الذي يجري ؟! "

 

و لم يكن عصام ليجيبني بأي كلمة .. لأنه هو الآخر ما كان ليستوعب بعد أيا مما يحدث لنا .. فقط اكتفى خطيبي بهز رأسه بالنفي ، و بأنه ليس يدري !

 

إلا أني استنتجت أن المشكلة تتمحور حول صورة عصام في جوازه .. فهي له عندما كان صغيرا على ما يبدو .. و هم كثيرا ما يمنعون أصحاب مثل هذه الصور من العبور إلى داخل المملكة ..

 

في داخل المبنى ..

استقبلنا رجل ضخم الجثة .. كث الشعر .. بلحية تكاد تصل إلى نحره ، يعتلي كتفه عدد كبير من النجوم ..

كما يعتلي وجهه قناع بلا أي ملامح.. سوى الصرامة و الشرر الذي يتطاير من عينه بتلقائية ..

 

بدأ قلبي بالارتجاف الفعلي في تلك اللحظة .. كما أن أنفاسي كانت قد بدأت تتسارع أيضا ..

فهذه هي المرة الأولى في حياتي كلها .. و التي أتعرض فيها لموقف أضطر فيه لمقابلة مثل هذا الإنسان المرعب ،

تواريت خلف عصام .. و قد استندت على الجدار في أحد الأركان .. في طلب شيء من الحماية أو الآمان ..

 

و لم يطل انتظارنا كثيرا .. إذ سرعان ما تفوه ذاك الضخم الأخضر .. بصوت مأساوي و نبرة صوت حادة .. خيل إلي منها أنه يصرخ .. لا فقط يتكلم بصوته العادي ..

طلب من عصام جواز سفر كل منا .. لذا ناوله ما طلب بحركة آلية .. ليتمعن الضابط فيهم مليا .. و لدقيقة كاملة ..محدقا في صورة عصام مليا .. ناقلا نظراته بين الجواز و بين عصام و لكأنه يتأكد من أن الماثل بين يديه هو بالفعل صاحب هذا الجواز..و بعد أنتأكد أن لا مشكلة في صورته ..

 

أراد و على ما يبدو فقط أن يمارس هوايته في تعذيب و اختلاق المشاكل للناس .. لذا خاطبني قائلا ..

 

" ما هي صلة القرابة بينك و بين ال هذا .! "

 

و أشار بطرف العصا الغليظة التي كانت في يده إلى عصام .. فهو على ما يبدو المقصود بهذا !

 

" إنه خطيبي .. "

 

لكزني عصام بكوعه.. و لكأنه يريد مني استدراك ما قلت .. و لكأنني قد تفوهت للتو بخطأ جسيم..

 

" إنها تقصد أنني زوجها "

 

" زوجتك أو خطيبتك .. أين العقد الشرعي الذي يثبت ذلك ؟! "

 

" هيي .. ما الأمر سعادة الضابط .. ما الذي يحدث هنا؟! "

 

هل يتحتم علينا حمل وثيقة عقدنا في أي مكان نذهب إليه !! و إلا ماذا ! "

 

دارت الدنيا بي و أنا أرى نفسي في هكذا موقف .. و هؤلاء الخضران يرفضون تصديق أن هذا العصام هو زوجي بالفعل و على سنة الله و رسوله ..

بل أني في حياتي لم أكن لأتخيل أني سأكون موضوع شبهة يوما ما !!

 

و ما زاد الأمر سوءا هو أني ما زلت في بطاقتي و في نظر القانون .. عازبة ، إذ لم يمتلك خطيبي المبجل الوقت مؤخرا .. لينقل أوراقي لاسمه .. و ليُـحملني لقبه ..

 

بعد تعطيل ساعة أو أكثر ، في مبنى قديم و متهالك .. لا يمتلك من محتوياته سوى بضع مقاعد من الخشب العفن القديم .. و مكتبين متواضعين لكبار الضباط .. و ردهة استقبال متواضعة .. !

 

توصل عصام معهم أخيرا إلى أن يقوموا بالاتصال إلى أهلي .. ليتأكدوا منهم شخصيا بأنه بالفعل زوجي!

 

و هكذا كان ..

إذ جاءهم صوت أمي مقرا بزواجنا .. ليتم الإفراج عنا أخيرا ..و لنتحرر من تحقيقاتهم و أسئلتهم و نظراتهم المريبة ،

 

كانت الساعة عالقة على الحادية عشر و الثلث .. حين كنا قد تحررنا من الإجراءات الطويلة على الجسر ..

 

 

" آآه يا عصام ..

 

لو بس سامع كلامي و مخلينه نتعشى في الأبراج .. مو أحسن إلينا من كل هالبهدلة ! "

 

رمقني عصام بنظرات عميقة حادة ، جعلتني أبتلع ريقي سريعا و في الحال .. و أصمت ..

بل و أشرد بنظراتي بعيدا عنه و عن عالمه

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

مشكورة الغالية على القصة وننطر البارت بفارغ الصبر

 

Link to comment
Share on other sites

االجزء الثاني والعشرون

قرر عمي بعد أن تماثل نوعا ما للشفاء بإقامة اجتماع عائلي ، يحضره الجميع .. و قد شملني بالجميع باعتباري قد بت فردا من أفراد العائلة ..

 

و لكم انقبضت عضلات صدري.. و أنا أرى من ضمن الحاضرين تلك العمة و ابنتها المغرورة و قد انزوتا في أحد أركان المجلس .. دون أن يحتكا بالآخرين ..

 

و على ما يبدو .. أن الجميع يكره التعامل معهما .. و لست وحدي من ينقبض صدري لتواجدهما ها هنا..

 

 

" يا رب عدي اليوم دون أي مشاكل .. "

 

ثم أنه بالفعل يا سبحان الله ..

فلكم هو من غرائب النفس البشرية أن تنقبض أو تنبسط.. جراء أناس معينين تقابلهم في حياتك .. و يبقى سبب الانقباض أو الانبساط مجهولا .. يجهل الإنسان كنهه .. و ربما يعود إلى الأبراج و عالم الذر .. كما يقول البعض ..

 

تنحنح عمي .. ثم بدأ حديثه معنا بنظرات عميقة .. و نبرة هادئة حانية .. تشبه إلى حد كبير .. نبرة عصام ..

حمد الله و أثنى عليه في البداية .. ثم أخبرنا كيف هي الدنيا قصيرة جدا .. و أن متاعها زائل و فان .. و أنها مجرد دار ممر لدار مستقر .. و أن خيرنا من عمل لآخرته ..

و أن لا إنسان على وجه الأرض يعلم ما هو مقدار عمره .. و لربما ساعة الرحيل قد اقتربت .. لذا فإنه يريد أن يوصينا بوصاياه العديدة .. و يبرأ ذمته قبل أن يوافيه الأجل ..

 

" أعطاك الله طولة العمر يا أبي .. و والاك الصحة و العافية "

هكذا نطق عصام الجالس إلى جواري ..

 

أما أنا فقد أيدته من كل أعماقي .. خوفا من مصيبة تحل بنا و بحفلتنا المرتقبة ..

و بالطبع .. لأني قد بدأت أحب عمي كثيرا .. و أخاف عليه ..

 

صوب عمي بعدها نظراته نحو أخته ، موجها إليه حديثه.. مخبرا إياها أنه سيكتب لها الأرض ، و إن لم يكن لها أي حق شرعي فيها .. فقط ليرضي ضميره ..

إلا أنه واصل و بنفس النبرة الهادئة قائلا ..

" لكني أبدا لا أرغب في رؤيتك بعد ذلك .. و قد اخترت دربك بنفسك منذ أزمان طويلة .. منذ أن تزوجتيه و رحلتي دون إرادة والدي - الله يرحمه -!"

 

قطعت عليه العمة حديثه بتمتمات غير مفهومة .. إلا أن سرعان ما أوقفها بإشارة من يده .. و لكأنه لا يرغب بسماع أي شيء منها ..

 

ثم و بابتسامة أبوية رائعة .. وجه أنظاره إلينا .. أنا و عصام .. ليعلن للجميع أن حفلة خطوبتنا ستكون في الأسبوع القادم .. في ليلة الجمعة على التحديد ..

 

" أيناسبك الموعد يا عروسنا الحلوة .. ؟؟!! "

 

و احمرت وجنتاي خجلا .. قبل أن أطأطأ رأسي بالإيجاب قائلة ..

 

" نعم عمي .. كثيرا .. ! "

 

و الحقيقة أنه و مع كون الموعد قريبا جدا .. و ليس أمامي سوى أسبوع واحد فقط للتجهيز للحفلة ..

إلا أني شعرت براحة نفسية نوعا ما .. و قد تقرر أخيرا موعد حفلتي المرتقبة..

 

و مع الفكرة .. ألم بي صداع عنيف ضرب رأسي و أنا أستحضر في خواطري مستلزمات الحفلة ..

 

" أوووه .. هناك الكثير و الكثير مما يتحتم علي فعله في هذا الأسبوع ..!! "

 

الباقة ، الفستان و بروفاته الأخيرة .. بطاقات الدعوة .. العشاء.. مواعيد الصالون و الكوافير .. حجز الصالة .. الملايّـة !! "

 

" اممم .. ما إلي إلا صفاء .. "

 

خاطر وديع راودني لحظتها .. بأنه يجب الاتصال بصفاء الليلة .. لترتيب هذه المشاوير معها .. إذ لا بد من تواجدها معي في هكذا أزمة ..!!

 

بل أني سأقترح معها المبيت معي في البيت .. فهذا سيسهل عملية المشاوير .. و سيوفر الوقت على كلينا ..

 

اممم.. و لكن لما لا أطلب من عصام أن يعيرني سيارته ..عوضا عن تكفيل صفاء مهمة ( الدريول ) .. فجميع المخطوبات اللاتي أعرفهن .. يستعرن سيارات أزواجهن !

 

غدا أفاتحه بالأمر ..

 

في هذه اللحظة بالذات .. انتبهت من خواطري على سعال عمي الحاد.. و الذي كان متواصلا بحيث أن أنفاسه كانت تتقطع .. بل و أنفاسنا نحن جميعا .. و قد احتقن وجهه بالدماء .. و تلّون بالأحمر ..!!

 

و أقسم أن الدموع كانت قد بدأت تنساب من عيني .. خوفا عليه .. و قد وضعت يدي على قلبي .. مخافة أن يحدث له أي شيء .. و قد بدا للي للوهلة أنه في نزاعه الأخير مع بقايا الحياة .. أو مع بداية الموت ..

 

و لولا أن عاجلته سلمى بكأس ماء بارد .. استرجع به أنفاسه و ارتوت به عروقه ..

لما ارتاح قلبي .. و لما تنهدت تلك التنهيدة العميقة النابعة من أعماق أعماقي .. و التي لفتت إلي الأنظار جميعها .. !

 

و لم يكن ليشفع لي موقفي المحرج أمامهم .. سوى أني لم أكن وحدي من أطلق تلك التنهيدة العميقة .. فقد كان عصام إلي جانبي .. يتنهد .. بل ويلهث مسترجعا أنفاسه المتلاحقة .. !!

 

لذا اعتلت وجوه الجميع ابتسامة رضا و محبة .. قبل أن يرتفع من الخلف .. و بالأحرى من ذاك الركن المنزوي .. صوتا غليظا قائلا..

 

" لم أكن أريد سوى أن أثبت و للجميع أني فردا من العائلة و لي حقوقي فيها .. فأنت تعلم جيدا أن الأرض حقي.. كما أن عصام هو حق ابنتي ..

 

 

إلا أن عمي قاطعها قبل أن تكمل حديثها بنبرة مرتفعة .. جعلتني أرتبك في مكاني .. من شدة القلق و الخوف ..

 

" إلى الخارج .. دعي ابني و عروسه في شأنهما.. و لا حق لك بيننا .. خذي الأرض و ارحلي .. !! "

 

وقفت العمة حالا.. و هي تلملم أطراف عبائتها و تجر ابنتها جرا من خلفها ..

و قبل أن يتسللا إلى الخارج.. احتوياني بنظرة ملؤها الحقد و الكراهية !!

بل أن صوتهما قد وصل إلى مسامعي .. و هي تقول لي مهددة إياي ..

 

" حفلة عصام لن تقوم.. إلا على جثماني .. و سترين يا خاطفة الرجال ! "

 

و قبل أن أبدي أي ردة فعل اتجاه تهجمهما علي ..كانت يد عصام هي الأسرع لاحتواء كفي في يده .. ليضغط عليها بكل حب .. ممتصا بهذا روعتي .. و ثورة غضبي .. !

 

" يا ربي استرها علي ّ .. و اهديهم .. و اكفني شرهم.. فلست ذا أريد المزيد من المشاكل ! "

 

ثم تناهى إلى أسماعنا جميعا.. صوت باب المجلس و هما تصفقانه و بقوة .. تاركة خلفهما أطيافهما المرعبة .. المشبعة حقدا و كراهية ..!

و سرعان ما التقت نظراتي بنظرات عصام.. و إن كانت نظراتي في تلك اللحظة مملوءة بالقلق و الخوف و الألم .. جرّاء تهديدهما و تصرفهما معي ..

 

فقد كانت كما العادة .. نظرات عصام .. عميقة و ثابتة .. تشعان بوميض حاني.. مكلل بالحب و الحنان ..

 

" آآآه .. الله يخلي اللي هالعيون .. و صاحب هالعيون .."

أو كما يقول راشد في أح

د أغانيه ..

" هالعيون اشلون أملها .. سحر ذوبني غزلها .. !!

Link to comment
Share on other sites

الفصل الثالث و العشرون

في صباح اليوم التالي، فتحت عيني على صوت الهاتف المحمول و هو يتعالى ينبئني بورد مكالمة ما ،..

و لم أكن لأركز على رقم الهاتف الوارد ، و النعاس بسلطانه كان لا يزال عالقا على أهداب عيني .. فقط رفعت السماعة و همهمت بصوت ناعس

 

" نعم ؟؟!! "

" ... "

" من هناك؟! "

" ... "

" فلتنطقي! من معي ؟! "

 

و لكن دون جدوى.. فلا من مجيب سوى صمت مطبق، و صوت تنفس أحدهم أو إحداهن .. و هي تزفر بعمق .. و تتنهد بألم !

 

هي نفسها تلك التي كانت تتصل في.. و تتهمني بأني خاطفة الرجال بلا شك..

 

و مع هذا .. عاودت النوم مجددا..لا أنكر أن ذلك كان بصعوبة .. و قد أطارت تلك المجنونة النوم من عيني ..

و لكن لم تمر سوى ربع ساعة إلا و قد عاود الهاتف الصياح مرة أخرى !!

 

" نعم ؟؟.. من ؟؟ .. فلتتكلمي أيتها المجنونة !! من معي !! "

" ... "

و ما من مجيب هذه المرة أيضا !!

لذا أغلقت السماعة ، و قد ارتفع ضغط دمي لدرجة أني كنت أشعر بحرقة شديدة في أعماقي .. و ثوران غاضب في شراييني !

 

رميت برأسي على الوسادة مجددا .. و رفعت كذلك البطانية أغطي بها وجهي و كلي إصرار على مواصلة النوم .. فالساعة لا تزال عند التاسعة صباحا !!

 

بعدها بقليل.. رفعت السماعة للمرة الثالثة .. و قد ارتفع صياح ( موبايلي ) مجددا .. و قد أخذ مني الغضب مأخذه ..

لذا و دون أن ألمح من هو المتصل هذه المرة .. فقط رفعت السماعة لأجيب ، و كلي غضب و حقد على من سلبني النوم في هذا الصباح الباكر، و يحاول سلبني سعادتي في أحلى أيام عمري ..

 

" هييييي.. يا قليلين الأدب ! ردوا.. و إلا بيصير إليكم شي عمركم ما شفتونه!"

 

و لم أكن لأكمل سلسلة شتائمي المشبعة بالغضب .. و قد ارتفع صوت الطرف الآخر مذهولا ليقاطعني !

 

" صباح الورد يا أحلى مرام ! "

 

" ها؟!! هذا أنت يا عصام ! "

 

و لكم فقط أن تتخيلوا مقدار الحرج الشديد و اللون الأحمر الذي انطبع في وجنتاي في تلك اللحظة !

 

" عصام.. آسفة .. لم أكن أقصدك بالطبع ! "

 

" خير عزيزتي..

ما الأمر ؟! .. ماذا هناك ؟! "

 

" هو هاتف من مجهولة.. تكرر كذا مرة .. دون أن تتكلم ، فقط تسمعني صوت بكائها حينا .. أو تنهداتها و زفراتها حينا آخر .. ! "

 

و الصدمة الكبرى كانت هي حين أمليت الرقم على عصام ..

 

فقد كانت هي من أخشاها .. ابنة العمة المحترمة !!

 

" يا الهي ،،

ماذا تريد مني؟! لماذا لا تتركني وشأني ؟! لماذا هي مصرة على تحطيم حياتنا! "

 

" هوني الأمر عليك حبيبتي ،

لن تستطيع هي أو حتى غيرها أن يضروك .. و أنا معك !"

 

طمأنني عصام بنبرته الحانية ،

 

" أروع ما في خطيبي هي قدرته العجيبة في امتصاص ثورة غضبي مهما كانت ! "

 

و لم يكن عصام ليتركني قبل أن يسمع مني ضحكة قصيرة عقبت بها على نغزته المازحة و هو يقول ..

 

" حبيبتي .. أو لن تعزميني على غداء من صنع يديك اليوم ، فأنا أود حقا الاطمئنان على مستقبلي ! "

 

و قبل أن يغلق عصام الخط مودعا .. ذكرته بالعقد .. فخطيبي مصاب كغيره من أبناء هذا الجيل .. بداء النسيان ..

 

" عصام.. لا تنسى أن تمر في طريقك على العقد لتحضره .. "

 

" أووه.. كدت أنساه .. جيد أنك ذكرتني ! "

 

" أو لم أقل لكم !! .. إلا خوفتي يوم من الأيام ينساني ! "

 

سرعان ما تنشطت همتي ، و قد أنعشني صوت خطيبي المبجل و حديثه الرائع بنبرته الحانية !

لذا أسرعت اتجاه والدتي أطلب منها المساعدة في المطبخ ،

 

بل أقصد أن أخبرها أن عصام سيتناول معنا الغداء اليوم.. و أنا من يتحتم علي مساعدتها .. لا العكس ..

 

حضرنا ما حضرناه من أطباق و سلطات و عصائر و حلويات ..

 

" يا بختك يا عصام .. ما راح تطلع من بيتنا إلا زايد وزنك كم كيلو .. ! "

 

و في الواقع ، كان جل همي و أنا أساعد أمي أن أرى ردة فعل عصام و هو يضع اللقمة الأولى مما صنعته يدي ..

 

أووه أقصد والدتي .. و لكن تحت إرشاداتي .. و لكن لا تخبروه بذلك .. و ليكن هذا سر ٌ بيني و بينكم حتى حين ..

 

بعد أن تناولنا الغداء في ذلك اليوم ، و الذي نال بالطبع رضا خطيبي الكامل ..

و الدليل على ذلك أننا رفعنا جميع الأطباق من على المائدة .. فارغة تماما !

أصر خطيبي المبجل على رؤية صوري القديمة و التي ترجع إلى أيام الطفولة المنصرمة ..!!

 

" لا مستحيل .. وا فشيلتاه !!

 

في صور واجد اتخرع ، و صور مخيفة جدا .. و صور مرعبة جدا ! و صور ما إليها طعمة ! و من غير أي سالفة ! "

 

و لكن و لأن أخي محمد لم يدع لي أي فرصة للتهرب.. و قد قفز فجأة ملبيا طلب عصام !

لم يكن أمامي حينها سوى الإذعان.. و محاولة التستر على ما وراء الصور من حكايات .. و مشاغبات الطفولة البريئة و ذكريات و إن كانت قديمة .. فهي و بالتأكيد جميلة .. بل رائعة !

 

" آآه .. يا ليت الطفولة تعود يوما .. فقط لأخبرها بما فعل بي الشباب ! "

 

 

 

 

 

الفصل الرابع و العشرون

 

أمي كانت معنا و هي تقلب أمامنا الألبومات القديمة.. بما فيها من ذكريات جميلة و رائعة ..

و كنت أرى على عينيها و اللتان أغرورقتا بالدمع..مشاعر هي أعمق من أن أتمكن من ترجمتها مزدانة بالحب..الأمومة .. الحنان .. و بل ربما الفخر و الاعتزاز ..

 

فمن ذا الذي يصدق أن تلك الطفلة الصغيرة في الصور .. و التي نراها بشعرها المنفوش .. و دموعها المنسابة بسبب و دونما سبب..

قد أصبحت عروسا.. و عريسها ماثل أمامنا.. يشاركنا ضحكنا.. و تعليقاتنا على الصور القديمة ..

 

" يا سبحان الله ..

 

لكم هي الأيام تمر بسرعة.. أو لا تشعرون معي بمثل هذا الشعور ؟! "

 

اختار خطيبي واحدة من أحلى صوري .. و أصر على الاحتفاظ بها في محفظته .. مع أني حاولت إقناعه بأني سأصور لأجله صورة أخرى في (الاستيديو).. تكون رائعة بالفعل .. لكنه و كما كان يقول أنه يرى في هذه الصورة .. أن من فيها ملاك رائع..

 

" خلاص هذا أهم شي .. أن أكون في نظر خطيبي ملاك رائع ! "

 

و أنا أيضا أريد له صورة !! واحدة بواحدة ! و لم أكن لأنفك أطلبها منه و لو بطريقة غير مباشرة .. حتى وعدني بإحضار صورة شخصية له غدا ..

 

" أيوه كذا .. علشان أشعر بأني مخطوبة .. و أفوشر بصورة بعلي على ربعي ! و أقول إليهم .. شوفوا اشكثر عصامي وسيم و يجنن ! "

 

 

ثم أني سرعان ما انتهزت لحظة تعذرت أمي فيها بالذهاب إلى المطبخ.. لشرب الماء .. و إن كنت أعلم أن غسل عبراتها و تجفيف دموعها.. هو السبب الحقيقي في انصرافها عنا ..

 

انتهزت الفرصة لأحادث خطيبي المبجل و بشيء من الدلال.. في رغبتي باستعارة سيارته.. للقيام بمشاويري اللازمة لحفلة الخطوبة المرتقبة !

 

و كانت عبارتي تلك .. هي الشرارة لأن أبدأ حربا معه .. استمرت لأكثر من ربع ساعة ،

و هو يحاول فيها عبثا إقناعي بأنه سيقوم بإيصالي إلى المكان الذي أريد ..

 

فهو و كما يقول .. أبدا لا يحبذ سياقة المرأة .. إلا فقط للضرورة القصوى !

 

" بس انتوا طبعا تدرون شنو ردة فعلي و رايي في هالموضوع !

 

و الله هذا اللي ناقص ! ياخذني و يحبسني و يمنعني من السياقة بعد ! "

 

و عندما لم يجدي المنطق في إقناع عصام بوجهة نظري .. لجأت كما عادة المرأة .. إلى سلاح العاطفة .. ليرضخ عصام و قد استعملت معه كل ما لدي من طاقة و قدرة في تمثيل دور ( الزعلانين ) و أنا أهمهم له ..

 

" إن كنت خائف على سيارتك لهذه الدرجة .. فأنا خلاص لم أعد أرغب في أخذها ! "

 

فما كان أمام عصام سوى أن يطرق رأسه قليلا.. و قد شرد بنظراته لبضع ثوان.. قبل أن يجيئني صوته راضخا ..

 

" حسنا .. حسنا عزيزتي ..

 

و لكن انتبهي لنفسك جيدا ! "

 

ثم مد يديه إلى جيبه ليناولني مفاتيح السيارة ..

 

اعتلت وجهي ابتسامة واسعة و أنا أمد يدي لأختطفها من بين يده .. إلا أن أصابع عصام كانت لا تزال عالقة .. تأبى أن تترك لي المفاتيح ..

 

" ها ؟!! هل غيرت رأيك ؟ ألن تناولني إياها ؟! "

 

" ليس قبل أن تعيديني أنك ستنتبهين لنفسك جيدا .. و أنك لن تكوني لوحدك ..

اصطحبي معك صفاء.. أو محمد .. أو حتى أسماء ! "

 

" حاضر .. عزيزي حاضر ! "

 

و لم أكن لأنتبه ما تفوهت به من شدة الفرحة التي كانت تغمرني.. في تلك اللحظة ..

و لكن ردة فعل خطيبي و ابتسامته الواسعة .. جعلتني أدرك ما قلته له للتو ..

 

و قد كانت هذه هي المرة الأولى التي أناديها فيها بعزيزي .. مع أنها جاءت عفوية بالفعل.. دون أن أخطط لها مسبقا !

 

" أعيدي ما قلتيه لي للتو .. "

 

تجمدت في مكاني .. و قد أصبح وجهي بلون التوت الأحمر ..

إلا أني سرعان ما تداركت الموقف بأن قلت ..

 

" لم أقل شيئا سوى حاضر عصام حاضر ! "

" لا.. كانت هناك كلمة أخرى .. أعيديها أرجوك !"

 

و لأنه كان قابضا بقوة على معصمي .. و في عينيه رسالة ترجي صادقة ..

 

" لاحقا .. لاحقا..

لا تكن طماعا .. ع ز ي ز ي ! "

 

و انفرجت أساريره.. و اعتلت وجهه ابتسامة طفل وديع.. قبل أن يسمح لي بالانصراف إلى خارج البيت.. حيث أستطيع المرور على صفاء لاصطحابها معي إلى السوق كما خططت ..

 

" لكم هي مشاعرهم مرهفة و حساسة ! هؤلاء الرجال في بعض الأحيان .. كما الأطفال تماما !! "

 

 

في داخل السيارة .. و قبل أن نتحرك .... طالعتني صفاء و هي تتساءل ..

 

 

" ما هي خطتنا في المشاوير مرام ! "

 

" سنمر أولا على الفستان .. ثم الباقة .. و من ثم الصالة لنحجزها ! "

 

" ما شاء الله .. الله يعينا على كل هالمشاوير ! "

 

" ها .. إذا ما إليج خلق .. قولي من الحين قبل ما نتحرك ! "

 

" لا.. ليش كم مرام أنا عندي .. أنا ما قلت شي .. بس انتبهي للطريق قبل ما تودينا في داهية .. "

 

" أشووه .. حسبت بعد ! "

 

 

بعدها بقليل .. ارتفع صوتي مخاطبا ابنة خالتي ..

 

" ناوليني الهاتف .. سأتصل بعصام ! "

" و لماذا يا ست الحسن و الجمال ! "

" ليصف لي أين يقع محل الأزهار ؟!! "

" و لكني أعرف جيدا أين ذا يقع !! "

" أعلم بذلك .. و لكني أرغب في أن يصف لي هو .. لا أنت !! "

 

بعدها بقليل.. أعدت الكرة أيضا .. و لكن لأننا كنا بالفعل ضائعين !

 

و من شدة ارتباكي ..لم أنتبه إلا و صوت صفاء يصرخ مدويا ..

 

" مراااااام.. انتبهي .. انتبهي !!!"

 

و تداركت الأمر .. بأن حرفت السيارة قليلا.. لأتجاوز حادثا كان على وشك أن يقع !!

 

" مرام حاسبي أرجوك .. كدت تصطدمين بالسيارة التي أمامنا ! "

 

" هي من توقفت فجأة .. ليس ذنبي أن غيري لا يعرف كيف يسوق ! "

 

و لأن الارتباك كان قد أخذ مني مأخذه .. لذا سرعان ما أوقفت السيارة جانبا .. و شرعت في البكاء ..

 

و ما زاد الطين بلة .. هو أن الموقف الذي أوقفت فيه السيارة .. كان من الممنوع الوقوف فيه ..

 

و قد لمحنا رجل مرور في تلك اللحظة .. و بالطبع فإن رجال المرور متفانين في الخدمة .. و بالقيام بواجبهم على أتم وجه ..

 

لذا فإنه فقط أعطانا مخالفة بالوقوف في ما هو ممنوع الوقوف فيه .. و أخرى لعدم ارتدائي الحزام !

 

و لم يقتصر يومي على هذه المفاجآت فقط.. بل أعدت السيارة لعصام في نهاية النهار.. بخدش صغير..صغير جدا !

حدث حينما حاولت إيقاف السيارة في زقاق ضيق بالقرب من الخياط !

 

و في واقع الأمر أنه لم يكن صغيرا جدا .. و لكن هذه هي الطريقة المتبعة في تهوين الأمور الجسام !

 

و مع هذا ..

.فقد كانت ردة فعل عصام هي فقط أن رفع يده واضعا إياها على رأسه .. فاغرا فاه .. لبرهة من الزمن و هو يتأمل الخدش و الذي امتد على جانب السيارة .. من بدايتها .. إلى نهايتها !

 

و لأني كنت بالفعل أشعر بشيء من تأنيب الضمير .. أسرعت أهمهم له بشيء من كلمات الاعتذار الصادقة ..و أنا أناوله مفاتيح السيارة .. و قد ترقرق الدمع في عيني يرجو سماحه..

 

 

" آسفة عصام .. أنا حقا آسفة .. لم يكن قصدي .. "

 

عملية استيعاب الموقف .. أخذت من عصام بضع ثوان قبل أن يجيئني صوته هادئا ..

 

" خيرا إن شاء الله .. أهم شيء أنك لم تصابي بسوء ..

 

إنها فقط قطعة من الحديد.. لا تهتمي بذلك ! "

 

ابتسمت و أنا أكرر أسفي له .. و قد تذكرت لحظتها ما قالته لي صفاء حينما خدشت السيارة ..

 

" في الحديد .. و لا فيني ! أليس كذلك ؟!! أهم شي سلامتي !! "

 

و أما عن موضوع المخالفات.. سأخبره بها لاحقا..

 

فأنا أخاف على زوجي .. من كثرة الصدمات !!

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...

×
×
  • Create New...