Jump to content
منتدى البحرين اليوم

تكملة مذكرات مخطوبه


mas

Recommended Posts

الفصل الواحد والعشرون

لم أكد أتنبه لأي مما يجري حولي .. و أنا تحت سيطرة أفكاري و خواطري .. إلا عندما توقفت بنا سيارة عصام .. أمام بوابة المطعم مباشرة ..

 

فتح عصام بابه .. و نزل من السيارة متوجها إلى البوابة مباشرة .. !!

 

إلا أنه استرجع و لله الحمد ذاكرته سريعا .. فعاد أدراجه ليصطحبني إلى داخل المطعم .. و قد وضع هذه المرة يده على ظهري ..

 

" الحمد لله أنه تذكرني .. و إلا لطلبت الانفصال منه في التو و اللحظة ..! "

 

في داخل المطعم ،

 

أخبرنا الموظف هناك أن المطعم سيغلق أبوابه بعد ساعة واحدة فقط !

 

" يا ألله .. بعد كل ما لقيناه من متاعب و تعطيل على الجسر .. أمامنا ساعة واحدة فقط لنرتاح و لنأكل ! "

 

لكني لم أعترض .. فقد كنت في أعماقي أريد لليوم أن يعدي على خير فقط ..

 

اخترنا زاوية رومانسية في أحد الأركان و التي تطل مباشرة على البحر ،

و هناك .. فقط بدأت أشعر و لمنظر البحر بشيء من الهدوء و الاتزان .. على الرغم من أحداث اليوم الساخنة ..

 

حدقت من النافذة .. أرقب أمواج البحر .. و هي تضطرب بعنف حين .. و تتمايل بوداعة حينا آخر .. شأنها في ذلك شأن النفس البشرية ..

 

آآآه .. يا سبحان الله ..

 

فقد امتصت أمواج البحر شيئا من العواصف القابعة باضطراب في أعماقي .. و بدأت أسترد اتزاني و هدوئي .. نتيجة التعب و عناء السفر ..

 

التقت نظراتي بنظرات عصام و قد كان يحدق فيّ بحرية و سعادة ..

كما أن ابتسامة ناعمة و هادئة .. كانت قد بدأت تزحف على شفتيه..

 

" كان يوما شاقا على كلينا عزيزتي .. أو ليس كذلك ؟! "

 

" اممم .. نعم قليلا.. "

 

و في أعماقي .. كنت أصرخ من شدة التعب ..

 

" بل كثيرا ..

 

يكفي أنك أدخلتني مع رجال خضر و ذوي نجوم مرعبين و مقرفين .. و جعلتني و للمرة الأولى في حياتي كلها أن أكون موقف شبهة ! "

 

" حسنا .. ماذا تريدين أن تأكلي عزيزتي ؟! "

 

" أي شيء سيكون مناسبا ! "

 

و قبل أن يتصرف عصام و يطلب ما يشاء من طعام .. قررت أن أطلب لي شيئا خفيفا يتوافق مع ما أريد ..

 

خوفا من أن يطلب لي هو ما يريد .. مثل عصير المانجو الذي لا أطيق !

 

كانت نظرات عصام كثيرا ما تحدق بي بجرأة و بشيء من العاطفة و الحنان .. و ربما الحب ..

لذا كنت و بالتالي كثيرا ما أتوقف عن عملية الأكل .. لأني أبداً لم أكن لأستطيع تناول أي شيء و هو يحدق بي .. بكل هذا الحب !!

 

وضعت الملعقة جانبا .. و اكتفيت بمراقبته و هو يلتهم طعامه بشراهة .. على الرغم من أني كنت أنا الأخرى سأموت جوعا ..

 

فهل ستشبعني نظرات عصام المحبة !!! و أنا التي أتضور جوعا !!

 

ثم أني تحينت الفرصة المناسبة .. لأن أفتح معه موضوع حفلة خطوبتنا المؤجلة إلى لا أمد معين !

 

تغيرت ألوان خطيبي المبجل .. بل و كاد أن ( يشرق ) بما في فمه من طعام .. في اللحظة التي وصلت فيها إلى موضوع الطقم و الدبلة ،

 

لكنه سرعان ما تدارك موقفه .. قائلا,,

 

" طبعا .. و متى ترغبين في أن نذهب لتختار و نشتري ! "

 

" في الواقع ..

 

كنت قد رأيت طقما أعجبني في الأسبوع المنصرم .. و حجزته.. لذا ما عليك إلا أن تذهب و تدفع.. فقط ! "

 

ثم كان أن ناولته ورقة الحجز و قد كانت مطوية ..

 

تنحنح عصام.. و هو يتناولها .. و قد وضع كأس العصير الذي كان يرشف منه جانبا .. ثم بدأ بفتح الورقة ببطء شديد ..

 

في حين أني كنت و من موقعي أرقب ملامح عصام.. و هي تتغير إلى أن وصلت و بالتدريج .. إلى ملامح الطفل المرعوب و الذي قفز أمامه شبحا على حين غرة !

 

لابد و أنه انصدم .. فالمبلغ المرصود في الورقة .. كان و لا بد أكبر بكثير مما كان يتوقعه عصام ..

 

لكنه سرعان ما سيطر على أعصابه و ملامحه .. هذه المرة أيضا.. ليجيئني صوته هادئا .. متزنا كما العادة ..

 

" حسنا ،، في الغد سأمر لأشتريه لك .. ! "

 

قلت بعد دقيقة صمت سيطرت علينا .. و بشيء من الدلال.. و في محاولة خلق جو عاطفي للحديث ..

 

" أعلم أنه غالي نوعا ما .. فإن أردت.. ذهبنا معا لتختار واحدا آخر .. أقل ثمنا! "

 

و مرت ثوان صمت قبل أن أدرك صوته ،

 

" لا.. لا بأس عزيزتي .. لا يغلى عليك أي شيء ! "

 

"أوووه ،، الحمد لله ؟؟ أشوه ما طلع بعلي بخيل بعد .. "

 

و قبل أن أتمكن من التعليق على جملته تلك ..

اندلق كأس العصير فجأة .. و على إثر ضربة عفوية جاءت بالخطأ من يد عصام..

لينسكب العصير و بأكمله على قميص عصام .. و ملابسه !! و لتكتمل أحداث اليوم الساخنة .. بعصير بارد مدلوق .. قد لطخ ثياب زوجي بأكملها و كذا الطاولة !

 

وقفت لأناول عصام .. ما كان عندي في الحقيبة من محارم .. ثم أني ناديت على النادل .. ليكمل عملية التنظيف ..

 

و إن لم نكن قد أكملنا تناول الطعام .. إلا أن عملية سكب العصير .. كانت سببا لأن ننسحب مجبورين .. عائدين إلى أرض الوطن و إلى البيت بالتحديد ..

 

خوفا من المزيد من الأحداث الساخنة !!

 

 

 

 

والبقية تاتي .....

 

 

 

 

 

االجزء الثاني والعشرون

قرر عمي بعد أن تماثل نوعا ما للشفاء بإقامة اجتماع عائلي ، يحضره الجميع .. و قد شملني بالجميع باعتباري قد بت فردا من أفراد العائلة ..

 

و لكم انقبضت عضلات صدري.. و أنا أرى من ضمن الحاضرين تلك العمة و ابنتها المغرورة و قد انزوتا في أحد أركان المجلس .. دون أن يحتكا بالآخرين ..

 

و على ما يبدو .. أن الجميع يكره التعامل معهما .. و لست وحدي من ينقبض صدري لتواجدهما ها هنا..

 

 

" يا رب عدي اليوم دون أي مشاكل .. "

 

ثم أنه بالفعل يا سبحان الله ..

فلكم هو من غرائب النفس البشرية أن تنقبض أو تنبسط.. جراء أناس معينين تقابلهم في حياتك .. و يبقى سبب الانقباض أو الانبساط مجهولا .. يجهل الإنسان كنهه .. و ربما يعود إلى الأبراج و عالم الذر .. كما يقول البعض ..

 

تنحنح عمي .. ثم بدأ حديثه معنا بنظرات عميقة .. و نبرة هادئة حانية .. تشبه إلى حد كبير .. نبرة عصام ..

حمد الله و أثنى عليه في البداية .. ثم أخبرنا كيف هي الدنيا قصيرة جدا .. و أن متاعها زائل و فان .. و أنها مجرد دار ممر لدار مستقر .. و أن خيرنا من عمل لآخرته ..

و أن لا إنسان على وجه الأرض يعلم ما هو مقدار عمره .. و لربما ساعة الرحيل قد اقتربت .. لذا فإنه يريد أن يوصينا بوصاياه العديدة .. و يبرأ ذمته قبل أن يوافيه الأجل ..

 

" أعطاك الله طولة العمر يا أبي .. و والاك الصحة و العافية "

هكذا نطق عصام الجالس إلى جواري ..

 

أما أنا فقد أيدته من كل أعماقي .. خوفا من مصيبة تحل بنا و بحفلتنا المرتقبة ..

و بالطبع .. لأني قد بدأت أحب عمي كثيرا .. و أخاف عليه ..

 

صوب عمي بعدها نظراته نحو أخته ، موجها إليه حديثه.. مخبرا إياها أنه سيكتب لها الأرض ، و إن لم يكن لها أي حق شرعي فيها .. فقط ليرضي ضميره ..

إلا أنه واصل و بنفس النبرة الهادئة قائلا ..

" لكني أبدا لا أرغب في رؤيتك بعد ذلك .. و قد اخترت دربك بنفسك منذ أزمان طويلة .. منذ أن تزوجتيه و رحلتي دون إرادة والدي - الله يرحمه -!"

 

قطعت عليه العمة حديثه بتمتمات غير مفهومة .. إلا أن سرعان ما أوقفها بإشارة من يده .. و لكأنه لا يرغب بسماع أي شيء منها ..

 

ثم و بابتسامة أبوية رائعة .. وجه أنظاره إلينا .. أنا و عصام .. ليعلن للجميع أن حفلة خطوبتنا ستكون في الأسبوع القادم .. في ليلة الجمعة على التحديد ..

 

" أيناسبك الموعد يا عروسنا الحلوة .. ؟؟!! "

 

و احمرت وجنتاي خجلا .. قبل أن أطأطأ رأسي بالإيجاب قائلة ..

" نعم عمي .. كثيرا .. ! "

 

و الحقيقة أنه و مع كون الموعد قريبا جدا .. و ليس أمامي سوى أسبوع واحد فقط للتجهيز للحفلة ..

إلا أني شعرت براحة نفسية نوعا ما .. و قد تقرر أخيرا موعد حفلتي المرتقبة..

 

و مع الفكرة .. ألم بي صداع عنيف ضرب رأسي و أنا أستحضر في خواطري مستلزمات الحفلة ..

 

" أوووه .. هناك الكثير و الكثير مما يتحتم علي فعله في هذا الأسبوع ..!! "

 

الباقة ، الفستان و بروفاته الأخيرة .. بطاقات الدعوة .. العشاء.. مواعيد الصالون و الكوافير .. حجز الصالة .. الملايّـة !! "

 

" اممم .. ما إلي إلا صفاء .. "

 

خاطر وديع راودني لحظتها .. بأنه يجب الاتصال بصفاء الليلة .. لترتيب هذه المشاوير معها .. إذ لا بد من تواجدها معي في هكذا أزمة ..!!

 

بل أني سأقترح معها المبيت معي في البيت .. فهذا سيسهل عملية المشاوير .. و سيوفر الوقت على كلينا ..

 

اممم.. و لكن لما لا أطلب من عصام أن يعيرني سيارته ..عوضا عن تكفيل صفاء مهمة ( الدريول ) .. فجميع المخطوبات اللاتي أعرفهن .. يستعرن سيارات أزواجهن !

 

غدا أفاتحه بالأمر ..

 

في هذه اللحظة بالذات .. انتبهت من خواطري على سعال عمي الحاد.. و الذي كان متواصلا بحيث أن أنفاسه كانت تتقطع .. بل و أنفاسنا نحن جميعا .. و قد احتقن وجهه بالدماء .. و تلّون بالأحمر ..!!

 

و أقسم أن الدموع كانت قد بدأت تنساب من عيني .. خوفا عليه .. و قد وضعت يدي على قلبي .. مخافة أن يحدث له أي شيء .. و قد بدا للي للوهلة أنه في نزاعه الأخير مع بقايا الحياة .. أو مع بداية الموت ..

 

و لولا أن عاجلته سلمى بكأس ماء بارد .. استرجع به أنفاسه و ارتوت به عروقه ..

لما ارتاح قلبي .. و لما تنهدت تلك التنهيدة العميقة النابعة من أعماق أعماقي .. و التي لفتت إلي الأنظار جميعها .. !

 

و لم يكن ليشفع لي موقفي المحرج أمامهم .. سوى أني لم أكن وحدي من أطلق تلك التنهيدة العميقة .. فقد كان عصام إلي جانبي .. يتنهد .. بل ويلهث مسترجعا أنفاسه المتلاحقة .. !!

 

لذا اعتلت وجوه الجميع ابتسامة رضا و محبة .. قبل أن يرتفع من الخلف .. و بالأحرى من ذاك الركن المنزوي .. صوتا غليظا قائلا..

 

" لم أكن أريد سوى أن أثبت و للجميع أني فردا من العائلة و لي حقوقي فيها .. فأنت تعلم جيدا أن الأرض حقي.. كما أن عصام هو حق ابنتي ..

 

 

إلا أن عمي قاطعها قبل أن تكمل حديثها بنبرة مرتفعة .. جعلتني أرتبك في مكاني .. من شدة القلق و الخوف ..

 

" إلى الخارج .. دعي ابني و عروسه في شأنهما.. و لا حق لك بيننا .. خذي الأرض و ارحلي .. !! "

 

وقفت العمة حالا.. و هي تلملم أطراف عبائتها و تجر ابنتها جرا من خلفها ..

و قبل أن يتسللا إلى الخارج.. احتوياني بنظرة ملؤها الحقد و الكراهية !!

بل أن صوتهما قد وصل إلى مسامعي .. و هي تقول لي مهددة إياي ..

 

" حفلة عصام لن تقوم.. إلا على جثماني .. و سترين يا خاطفة الرجال ! "

 

و قبل أن أبدي أي ردة فعل اتجاه تهجمهما علي ..كانت يد عصام هي الأسرع لاحتواء كفي في يده .. ليضغط عليها بكل حب .. ممتصا بهذا روعتي .. و ثورة غضبي .. !

 

" يا ربي استرها علي ّ .. و اهديهم .. و اكفني شرهم.. فلست ذا أريد المزيد من المشاكل ! "

 

ثم تناهى إلى أسماعنا جميعا.. صوت باب المجلس و هما تصفقانه و بقوة .. تاركة خلفهما أطيافهما المرعبة .. المشبعة حقدا و كراهية ..!

و سرعان ما التقت نظراتي بنظرات عصام.. و إن كانت نظراتي في تلك اللحظة مملوءة بالقلق و الخوف و الألم .. جرّاء تهديدهما و تصرفهما معي ..

 

فقد كانت كما العادة .. نظرات عصام .. عميقة و ثابتة .. تشعان بوميض حاني.. مكلل بالحب و الحنان ..

 

" آآآه .. الله يخلي اللي هالعيون .. و صاحب هالعيون .."

أو كما يقول راشد في أحد أغانيه ..

 

" هالعيون اشلون أملها .. سحر ذوبني غزلها .. !! "

 

الفصل الثالث و العشرون

في صباح اليوم التالي، فتحت عيني على صوت الهاتف المحمول و هو يتعالى ينبئني بورد مكالمة ما ،..

و لم أكن لأركز على رقم الهاتف الوارد ، و النعاس بسلطانه كان لا يزال عالقا على أهداب عيني .. فقط رفعت السماعة و همهمت بصوت ناعس

 

" نعم ؟؟!! "

" ... "

" من هناك؟! "

" ... "

" فلتنطقي! من معي ؟! "

 

و لكن دون جدوى.. فلا من مجيب سوى صمت مطبق، و صوت تنفس أحدهم أو إحداهن .. و هي تزفر بعمق .. و تتنهد بألم !

 

هي نفسها تلك التي كانت تتصل في.. و تتهمني بأني خاطفة الرجال بلا شك..

 

و مع هذا .. عاودت النوم مجددا..لا أنكر أن ذلك كان بصعوبة .. و قد أطارت تلك المجنونة النوم من عيني ..

و لكن لم تمر سوى ربع ساعة إلا و قد عاود الهاتف الصياح مرة أخرى !!

 

" نعم ؟؟.. من ؟؟ .. فلتتكلمي أيتها المجنونة !! من معي !! "

" ... "

و ما من مجيب هذه المرة أيضا !!

لذا أغلقت السماعة ، و قد ارتفع ضغط دمي لدرجة أني كنت أشعر بحرقة شديدة في أعماقي .. و ثوران غاضب في شراييني !

 

رميت برأسي على الوسادة مجددا .. و رفعت كذلك البطانية أغطي بها وجهي و كلي إصرار على مواصلة النوم .. فالساعة لا تزال عند التاسعة صباحا !!

 

بعدها بقليل.. رفعت السماعة للمرة الثالثة .. و قد ارتفع صياح ( موبايلي ) مجددا .. و قد أخذ مني الغضب مأخذه ..

لذا و دون أن ألمح من هو المتصل هذه المرة .. فقط رفعت السماعة لأجيب ، و كلي غضب و حقد على من سلبني النوم في هذا الصباح الباكر، و يحاول سلبني سعادتي في أحلى أيام عمري ..

 

" هييييي.. يا قليلين الأدب ! ردوا.. و إلا بيصير إليكم شي عمركم ما شفتونه!"

 

و لم أكن لأكمل سلسلة شتائمي المشبعة بالغضب .. و قد ارتفع صوت الطرف الآخر مذهولا ليقاطعني !

 

" صباح الورد يا أحلى مرام ! "

 

" ها؟!! هذا أنت يا عصام ! "

 

و لكم فقط أن تتخيلوا مقدار الحرج الشديد و اللون الأحمر الذي انطبع في وجنتاي في تلك اللحظة !

 

" عصام.. آسفة .. لم أكن أقصدك بالطبع ! "

 

" خير عزيزتي..

ما الأمر ؟! .. ماذا هناك ؟! "

 

" هو هاتف من مجهولة.. تكرر كذا مرة .. دون أن تتكلم ، فقط تسمعني صوت بكائها حينا .. أو تنهداتها و زفراتها حينا آخر .. ! "

 

و الصدمة الكبرى كانت هي حين أمليت الرقم على عصام ..

 

فقد كانت هي من أخشاها .. ابنة العمة المحترمة !!

 

" يا الهي ،،

ماذا تريد مني؟! لماذا لا تتركني وشأني ؟! لماذا هي مصرة على تحطيم حياتنا! "

 

" هوني الأمر عليك حبيبتي ،

لن تستطيع هي أو حتى غيرها أن يضروك .. و أنا معك !"

 

طمأنني عصام بنبرته الحانية ،

 

" أروع ما في خطيبي هي قدرته العجيبة في امتصاص ثورة غضبي مهما كانت ! "

 

و لم يكن عصام ليتركني قبل أن يسمع مني ضحكة قصيرة عقبت بها على نغزته المازحة و هو يقول ..

 

" حبيبتي .. أو لن تعزميني على غداء من صنع يديك اليوم ، فأنا أود حقا الاطمئنان على مستقبلي ! "

 

و قبل أن يغلق عصام الخط مودعا .. ذكرته بالعقد .. فخطيبي مصاب كغيره من أبناء هذا الجيل .. بداء النسيان ..

 

" عصام.. لا تنسى أن تمر في طريقك على العقد لتحضره .. "

 

" أووه.. كدت أنساه .. جيد أنك ذكرتني ! "

 

" أو لم أقل لكم !! .. إلا خوفتي يوم من الأيام ينساني ! "

 

سرعان ما تنشطت همتي ، و قد أنعشني صوت خطيبي المبجل و حديثه الرائع بنبرته الحانية !

لذا أسرعت اتجاه والدتي أطلب منها المساعدة في المطبخ ،

 

بل أقصد أن أخبرها أن عصام سيتناول معنا الغداء اليوم.. و أنا من يتحتم علي مساعدتها .. لا العكس ..

 

حضرنا ما حضرناه من أطباق و سلطات و عصائر و حلويات ..

 

" يا بختك يا عصام .. ما راح تطلع من بيتنا إلا زايد وزنك كم كيلو .. ! "

 

و في الواقع ، كان جل همي و أنا أساعد أمي أن أرى ردة فعل عصام و هو يضع اللقمة الأولى مما صنعته يدي ..

 

أووه أقصد والدتي .. و لكن تحت إرشاداتي .. و لكن لا تخبروه بذلك .. و ليكن هذا سر ٌ بيني و بينكم حتى حين ..

 

بعد أن تناولنا الغداء في ذلك اليوم ، و الذي نال بالطبع رضا خطيبي الكامل ..

و الدليل على ذلك أننا رفعنا جميع الأطباق من على المائدة .. فارغة تماما !

أصر خطيبي المبجل على رؤية صوري القديمة و التي ترجع إلى أيام الطفولة المنصرمة ..!!

 

" لا مستحيل .. وا فشيلتاه !!

 

في صور واجد اتخرع ، و صور مخيفة جدا .. و صور مرعبة جدا ! و صور ما إليها طعمة ! و من غير أي سالفة ! "

 

و لكن و لأن أخي محمد لم يدع لي أي فرصة للتهرب.. و قد قفز فجأة ملبيا طلب عصام !

لم يكن أمامي حينها سوى الإذعان.. و محاولة التستر على ما وراء الصور من حكايات .. و مشاغبات الطفولة البريئة و ذكريات و إن كانت قديمة .. فهي و بالتأكيد جميلة .. بل رائعة !

 

" آآه .. يا ليت الطفولة تعود يوما .. فقط لأخبرها بما فعل بي الشباب ! "

 

 

 

 

الفصل الرابع و العشرون

 

أمي كانت معنا و هي تقلب أمامنا الألبومات القديمة.. بما فيها من ذكريات جميلة و رائعة ..

و كنت أرى على عينيها و اللتان أغرورقتا بالدمع..مشاعر هي أعمق من أن أتمكن من ترجمتها مزدانة بالحب..الأمومة .. الحنان .. و بل ربما الفخر و الاعتزاز ..

 

فمن ذا الذي يصدق أن تلك الطفلة الصغيرة في الصور .. و التي نراها بشعرها المنفوش .. و دموعها المنسابة بسبب و دونما سبب..

قد أصبحت عروسا.. و عريسها ماثل أمامنا.. يشاركنا ضحكنا.. و تعليقاتنا على الصور القديمة ..

 

" يا سبحان الله ..

 

لكم هي الأيام تمر بسرعة.. أو لا تشعرون معي بمثل هذا الشعور ؟! "

 

اختار خطيبي واحدة من أحلى صوري .. و أصر على الاحتفاظ بها في محفظته .. مع أني حاولت إقناعه بأني سأصور لأجله صورة أخرى في (الاستيديو).. تكون رائعة بالفعل .. لكنه و كما كان يقول أنه يرى في هذه الصورة .. أن من فيها ملاك رائع..

 

" خلاص هذا أهم شي .. أن أكون في نظر خطيبي ملاك رائع ! "

 

و أنا أيضا أريد له صورة !! واحدة بواحدة ! و لم أكن لأنفك أطلبها منه و لو بطريقة غير مباشرة .. حتى وعدني بإحضار صورة شخصية له غدا ..

 

" أيوه كذا .. علشان أشعر بأني مخطوبة .. و أفوشر بصورة بعلي على ربعي ! و أقول إليهم .. شوفوا اشكثر عصامي وسيم و يجنن ! "

 

 

ثم أني سرعان ما انتهزت لحظة تعذرت أمي فيها بالذهاب إلى المطبخ.. لشرب الماء .. و إن كنت أعلم أن غسل عبراتها و تجفيف دموعها.. هو السبب الحقيقي في انصرافها عنا ..

 

انتهزت الفرصة لأحادث خطيبي المبجل و بشيء من الدلال.. في رغبتي باستعارة سيارته.. للقيام بمشاويري اللازمة لحفلة الخطوبة المرتقبة !

 

و كانت عبارتي تلك .. هي الشرارة لأن أبدأ حربا معه .. استمرت لأكثر من ربع ساعة ،

و هو يحاول فيها عبثا إقناعي بأنه سيقوم بإيصالي إلى المكان الذي أريد ..

 

فهو و كما يقول .. أبدا لا يحبذ سياقة المرأة .. إلا فقط للضرورة القصوى !

 

" بس انتوا طبعا تدرون شنو ردة فعلي و رايي في هالموضوع !

 

و الله هذا اللي ناقص ! ياخذني و يحبسني و يمنعني من السياقة بعد ! "

 

و عندما لم يجدي المنطق في إقناع عصام بوجهة نظري .. لجأت كما عادة المرأة .. إلى سلاح العاطفة .. ليرضخ عصام و قد استعملت معه كل ما لدي من طاقة و قدرة في تمثيل دور ( الزعلانين ) و أنا أهمهم له ..

 

" إن كنت خائف على سيارتك لهذه الدرجة .. فأنا خلاص لم أعد أرغب في أخذها ! "

 

فما كان أمام عصام سوى أن يطرق رأسه قليلا.. و قد شرد بنظراته لبضع ثوان.. قبل أن يجيئني صوته راضخا ..

 

" حسنا .. حسنا عزيزتي ..

 

و لكن انتبهي لنفسك جيدا ! "

 

ثم مد يديه إلى جيبه ليناولني مفاتيح السيارة ..

 

اعتلت وجهي ابتسامة واسعة و أنا أمد يدي لأختطفها من بين يده .. إلا أن أصابع عصام كانت لا تزال عالقة .. تأبى أن تترك لي المفاتيح ..

 

" ها ؟!! هل غيرت رأيك ؟ ألن تناولني إياها ؟! "

 

" ليس قبل أن تعيديني أنك ستنتبهين لنفسك جيدا .. و أنك لن تكوني لوحدك ..

اصطحبي معك صفاء.. أو محمد .. أو حتى أسماء ! "

 

" حاضر .. عزيزي حاضر ! "

 

و لم أكن لأنتبه ما تفوهت به من شدة الفرحة التي كانت تغمرني.. في تلك اللحظة ..

و لكن ردة فعل خطيبي و ابتسامته الواسعة .. جعلتني أدرك ما قلته له للتو ..

 

و قد كانت هذه هي المرة الأولى التي أناديها فيها بعزيزي .. مع أنها جاءت عفوية بالفعل.. دون أن أخطط لها مسبقا !

 

" أعيدي ما قلتيه لي للتو .. "

 

تجمدت في مكاني .. و قد أصبح وجهي بلون التوت الأحمر ..

إلا أني سرعان ما تداركت الموقف بأن قلت ..

 

" لم أقل شيئا سوى حاضر عصام حاضر ! "

" لا.. كانت هناك كلمة أخرى .. أعيديها أرجوك !"

 

و لأنه كان قابضا بقوة على معصمي .. و في عينيه رسالة ترجي صادقة ..

 

" لاحقا .. لاحقا..

لا تكن طماعا .. ع ز ي ز ي ! "

 

و انفرجت أساريره.. و اعتلت وجهه ابتسامة طفل وديع.. قبل أن يسمح لي بالانصراف إلى خارج البيت.. حيث أستطيع المرور على صفاء لاصطحابها معي إلى السوق كما خططت ..

 

" لكم هي مشاعرهم مرهفة و حساسة ! هؤلاء الرجال في بعض الأحيان .. كما الأطفال تماما !! "

 

 

في داخل السيارة .. و قبل أن نتحرك .... طالعتني صفاء و هي تتساءل ..

 

 

" ما هي خطتنا في المشاوير مرام ! "

 

" سنمر أولا على الفستان .. ثم الباقة .. و من ثم الصالة لنحجزها ! "

 

" ما شاء الله .. الله يعينا على كل هالمشاوير ! "

 

" ها .. إذا ما إليج خلق .. قولي من الحين قبل ما نتحرك ! "

 

" لا.. ليش كم مرام أنا عندي .. أنا ما قلت شي .. بس انتبهي للطريق قبل ما تودينا في داهية .. "

 

" أشووه .. حسبت بعد ! "

 

 

بعدها بقليل .. ارتفع صوتي مخاطبا ابنة خالتي ..

 

" ناوليني الهاتف .. سأتصل بعصام ! "

" و لماذا يا ست الحسن و الجمال ! "

" ليصف لي أين يقع محل الأزهار ؟!! "

" و لكني أعرف جيدا أين ذا يقع !! "

" أعلم بذلك .. و لكني أرغب في أن يصف لي هو .. لا أنت !! "

 

بعدها بقليل.. أعدت الكرة أيضا .. و لكن لأننا كنا بالفعل ضائعين !

 

و من شدة ارتباكي ..لم أنتبه إلا و صوت صفاء يصرخ مدويا ..

 

" مراااااام.. انتبهي .. انتبهي !!!"

 

و تداركت الأمر .. بأن حرفت السيارة قليلا.. لأتجاوز حادثا كان على وشك أن يقع !!

 

" مرام حاسبي أرجوك .. كدت تصطدمين بالسيارة التي أمامنا ! "

 

" هي من توقفت فجأة .. ليس ذنبي أن غيري لا يعرف كيف يسوق ! "

 

و لأن الارتباك كان قد أخذ مني مأخذه .. لذا سرعان ما أوقفت السيارة جانبا .. و شرعت في البكاء ..

 

و ما زاد الطين بلة .. هو أن الموقف الذي أوقفت فيه السيارة .. كان من الممنوع الوقوف فيه ..

 

و قد لمحنا رجل مرور في تلك اللحظة .. و بالطبع فإن رجال المرور متفانين في الخدمة .. و بالقيام بواجبهم على أتم وجه ..

 

لذا فإنه فقط أعطانا مخالفة بالوقوف في ما هو ممنوع الوقوف فيه .. و أخرى لعدم ارتدائي الحزام !

 

و لم يقتصر يومي على هذه المفاجآت فقط.. بل أعدت السيارة لعصام في نهاية النهار.. بخدش صغير..صغير جدا !

حدث حينما حاولت إيقاف السيارة في زقاق ضيق بالقرب من الخياط !

 

و في واقع الأمر أنه لم يكن صغيرا جدا .. و لكن هذه هي الطريقة المتبعة في تهوين الأمور الجسام !

 

و مع هذا ..

.فقد كانت ردة فعل عصام هي فقط أن رفع يده واضعا إياها على رأسه .. فاغرا فاه .. لبرهة من الزمن و هو يتأمل الخدش و الذي امتد على جانب السيارة .. من بدايتها .. إلى نهايتها !

 

و لأني كنت بالفعل أشعر بشيء من تأنيب الضمير .. أسرعت أهمهم له بشيء من كلمات الاعتذار الصادقة ..و أنا أناوله مفاتيح السيارة .. و قد ترقرق الدمع في عيني يرجو سماحه..

 

 

" آسفة عصام .. أنا حقا آسفة .. لم يكن قصدي .. "

 

عملية استيعاب الموقف .. أخذت من عصام بضع ثوان قبل أن يجيئني صوته هادئا ..

 

" خيرا إن شاء الله .. أهم شيء أنك لم تصابي بسوء ..

 

إنها فقط قطعة من الحديد.. لا تهتمي بذلك ! "

 

ابتسمت و أنا أكرر أسفي له .. و قد تذكرت لحظتها ما قالته لي صفاء حينما خدشت السيارة ..

 

" في الحديد .. و لا فيني ! أليس كذلك ؟!! أهم شي سلامتي !! "

 

و أما عن موضوع المخالفات.. سأخبره بها لاحقا..

 

فأنا أخاف على زوجي .. من كثرة الصدمات !!

 

 

الجزء الخامس والعشرون

 

مر الأسبوع بسرعة ..في خضم المشاوير الكثيرة التي كان يتحتم علي القيام بها .. لم أكن لأشعر بالوقت ..

 

و أحمد ربي كثيرا أنه قد أنعم علي بابنة خالة رائعة .. وقفت معي .. و إلى جانبي .. في أصعب لحظات عمري .. إلى أن حان موعد الحفلة المرتقبة أخيرا..

 

بعد أسبوع كامل من المعاناة .. ذكرتني مشاعري فيه بمشاعري أيام المقابلة .. حين التقيت بعصام لأول مرة .. و قد اعتلاني لحظتها مزيج من الخوف .. و القلق و الانبهار .. و بالطبع شيء من السعادة ..

 

في يوم المقابلة قبل شهرين تقريبا.. كنت لا أستطيع حتى رفع نظري إليه .. و كنت كلما سألني سؤالا .. أطرقت رأسي .. أبحث له عن إجابة قصيرة .. لا تكلفني الكثير من الجهد..

 

و حينما جاء دوري في الأسئلة .. بحثت له عن أسئلة عويصة .. تكلفه الكثير من الجهد للإجابة عليها..

 

فأنا كنت فقط أريده أن يتحدث و يتحدث .. لأرقب طريقته في الحديث.. أسلوبه في الطرح و النقاش .. تسلسل أفكاره ..

 

فهذا هو ما كان بالفعل يهمني في زوج المستقبل ..

 

و الحمد لله.. فقد ارتحت إليه كثيرا .. ليجيء بعد تلك المقابلة .. دور السهر و التفكير ..

إذ لم أكن أريد أن أتسرع في الارتباط بعصام .. خوفا من أن أندم فيما بعد ..

و كنت أعتبر قرار موافقتي بالارتباط به .. قرارا مصيريا .. أو فلنقل .. مسألة حياة أو موت ..

 

ما أسرع ما تتجدد الحوادث .. فها أنا في ذات الارتباك .. و ذات المشاعر..

 

حاولت إقناع عصام بإقامة بروفة للحفلة.. و لكنه تعذر قائلا ..

 

" بأنه لا داعي لمثل هذه البروفات .. فهي مجرد حفلة.. و ليس فيلم أو مسرحية ! و لا داعي لتهويل الأمور ! "

 

و لم يكن ليعلم أن حلم أي فتاة .. أن تكون حفلتها رائعتها .. تظل محور حديث الناس لبرهة من الزمن ..

 

 

و أخيرا.. حانت اللحظة المرتقبة ..

 

فها أنا ذا ..عروس بكامل زينتها و أناقتها .. و ثوبها البنفسجي الفاتح.. المزدان بالتطريز و الشك !

أدخل قاعة الحفلة .. يدي تتأبط ساعده .. بنشوة و فرح و سعادة لا نظير لهم .. أمشي معه جنبا إلى جنب .. و خطوة خطوة ..

 

" أي اشوه خطيبي صار يفهم أخيرا .. و يحليله خطوة خطوة ! "

 

في حين أن جميع الأنظار كانت قد تركزت علينا.. رقاب الجميع بلا استثناء مشرأبة ناحيتنا ..

كذلك كانت هناك بعض الإضاءات الملونة و المتتابعة و التي كانت لزوم التصوير .. قد تركزت علينا أيضا ..

 

إحداهن.. أطلقت عصفورين للحب صغيرين أمامنا .. ليحلقا قبل دخولنا مباشرة ..

و قد ارتفعت أنغام موسيقى شاعرية رائعة .. تسبق زفتنا .. قد اختارتها لي صفاء بعناية ..

و في الواقع لأول مرة أشعر أن ذوق صفاء رفيعا.. بل رائعا !

 

و سرعان ما ارتفع صوت الملاية و هي تدندن

 

الله يا زين اللي احضرت غطت على كل الحضور..

هلت علينا وأقبلت وماعقب هذا النور نور..

علمنا قول وش فيها زود ..ياناس ماهي من الوجود..

شبها يالله باختصار..ورده ولا كل الورود

..معذوره لو اتكبرت مغروره يابخت الغرور..

 

 

كل ما كان في الحفلة رائعا .. بل لكم هو شعور رائع بأن تشعر بأنك ملك الحفلة بلا أي منازع .. و أن هذه الحفلة الضخمة .. و أن حضور هؤلاء المعازيم .. ما هو إلا على شرفك ..

 

كادت بالفعل أن تكون حفلة أسطورية .. و لم يعكر صفوها أي شيء .. سوى و كما عادة الرجال..

أن عصام لم يحسن إلباسي العقد .. أو بالأحرى ( التركية ) !!

 

" آآآي .. أذوني .. أذوني يا عصام !! "

 

" قلت إليك يا عصام خلينا انسوي بروفة .. بس انت اللي ما طعتني !"

 

و تداركت سلمى الموقف .. و قد هبت لنجدتي .. و إنقاذ أذني من أصابع عصام..

 

"أووه .. لا بأس لا بأس .. لا داعي لأن تنحرج خطيبي العزيز ..

 

فهذا ما يحدث لجميع الرجال .. يعجزون عن إدخال تركية في أذن امرأة ! "

 

ثم جاء الموقف الآخر .. و هو قطع الكيك.. و قد كان يتحتم على عصام إطعامي قطعة من الكيك ..

فما كان منه إلا أن قطع قطعة ضخمة جدا .. يريد مني تناولها .. كلها مرة واحدة !!

 

" هيي عصام .. أصغر .. ! و إلا ناوي علي أغص و أموت في ليلة خطوبتي"

 

 

قطعها عصام إلى النصف.. و لكنها كانت لا تزال كبيرة .. !

 

فعاود قطعها .. إلى أن أصبح من الممكن تناولها ..

 

و مع ذلك .. كادت أن تكون الحفلة رائعة .. كنت أعيش فيها أحلى لحظات عمري .. سعادة خيالية .. بل حلم وردي رائع ..

 

إلا أن وصل إلى سمعي .. صوت إحداهن و هي تصرخ مولولة !! و بأعلى صوتها !! و قد لبست السواد و نشرت شعرها .. و عصبت جبينها !! ثم أخذت تولول صارخة باكية !

 

وقفت ببطء و أنا أرقب تلك المرأة السوداء .. و التي لم تكن بالطبع سوى ابنة العمة المحترمة !

 

ثم شرعت في البكاء .. و أنا أهذي ..على المسرح.. و قد أثارت حركتها تلك مشاعري .. و سخطي ..

 

"ماذا تفعل هذه هنا ..؟!!

 

ماذا تريد مني ؟!!

 

لما تصر على تعكير صفو حياتي .. و أحلى أيام عمري .. ! "

 

 

احتواني عصام بين ذراعيه .. و قد ضمني بقوة إلى صدره .. يهون الأمر علي ..

 

و قد وقف جميع من كان في الصالة .. يرقب تصرفات تلك المجنونة و التي كانت لا تزال تصرخ و بشدة .. !!

 

و الحمد لله أن تلك الكارثة انتهت سريعا .. و قد أخرجت أمي بمساعدة بعض النساء تلك المعتوهة إلى خارج القاعة ..ليستلمها مسئولي الأمن.. و يطردوها نهائيا من النادي .. !!

 

 

" يا ألله .. لكم أنا أشفق عليها .. مع أني لا أنكر أني أبغضها .. و أكرهها لما فعلته بي كثيرا ..!!

 

لكنها تثير شفقتي .. فمسكينة هي.. كانت ضحية لأم مستبدة ..! "

 

ما أعادني إلى الواقع.. إلا أصابع عصام .. و التي كانت في تلك اللحظة تمر على وجنتي ببطيء شديد..

تمسح عنهما الدموع !!

 

أووه.. يا خسارة المكياج!! راح تعب الكوافيرة و اتشوه منظري !!

 

 

" أوه عصام .. مو قدام الناس.. أستحي أني ! "

 

قلتها له.. و أنا أنتبه للتو أني كنت بين ذراعيه .. طيلة تلك المدة المنصرمة !!

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس و العشرون

 

استيقظت مرهقة تعبة بصداع عنيف .. في ظهر اليوم التالي، و قد كان صخب الحفلة وصداها لا يزال يثمل رأسي ،بل كنت لا أزال أشعر بصوت ( الملايّـة ) و كذا الطبول و الدفوف .. و لكأنها لا تزال تعزف و تغني ..

 

" لكل شيء ثمن في هذه الدنيا .. حتى الفرحة لا تأتي بسهولة ! "

 

هاتفتني سلمى في العصر، مباركة ً مهنئةً .. و لتخبرني بأنها و جميع أفراد عائلتها فرحون جدا لانضمامي إليهم، كما أنها تعتذر عما بدر من ابنة عمتها البارحة .. ثم أنها أخبرتني كيف أن ابنة عمتها بعد أن طـُردت من الصالة .. هامت على وجهها في الشوارع ..إلى أن أ ُصيبت بانهيار عصبي .. لينقلها فاعل خير إلى المستشفى .. و ها هي الآن ترقد في الجناح النفسي !

 

" يا إلهي !! صحيح أني لا أنكر أني كنت ساخطة أشد السخط على ابنة العمة .. إلا أني أبداً لم أكن لأتمنى لها يوما هذه النهاية المؤلمة .. ! "

 

في اللحظة التي أقفلت فيها الخط مع سلمى .. كان جرس الباب ينبئني بقدوم صفاء و عائلة خالتي.. ريما و نور كانت أيضا هنا..هل تذكرون نور ؟!!

 

نعم هذه هي .. حبيبة قلبي المفضلة .. أسرعت أختطفها من بين ذراعي والدتها ، و أنهال عليها لثما و تقبيلا .. لكن ساءني عدم تفاعلها معي.. فهل بت غريبة عنها .. لانشغالي بعض الشيء بعيدا عنها في الفترة الأخيرة !

 

لكن خالتي أخبرتني حالا أن نور تعاني من الحمى .. و أنها مريضة !

 

" عسى المرض فيني و لا فيش يا أحلى نور ! "

 

لكم يؤلمني منظر الأطفال المرضى .. أشعر بنياط قلبي تتقطع .. و أنا أرى نور بين ذراعي خالتي .. تأبى أن تتحرك .. و قد اختفت الضحكة البريئة من على وجهها .. سحبت صفاء بعد قليل إلى حيث يمكنني محادثتها بعيدا عن الضوضاء التي أثارتها ريما المشاغبة .. و التي كانت تصرخ و هي تطالب محمد بإحدى الألعاب الموجودة في غرفته .. أخبرت صفاء كيف أن ابنة عمة عصام قد أ ُصيبت بانهيار عصبي حاد .. و أنها ترقد حاليا في المستشفى النفسي !

 

" تستاهل ! "

 

 

" لا يا صفاء .. أرجوك لا تقولي هكذا .. إنها كانت ضحية لأم مستبدة.. تستحق الشفقة لا اللوم أو العتاب ! "

 

" أنت دوما هكذا ..طيبة القلب ..! ها ألن تخبريني أنك ستزورينها في المستشفى أيضا .. لفتح صفحة جديدة ؟! "

 

" و لكأنك تقرأين أفكاري يا صفاء .. كيف عرفتي بهذا ؟! "

 

أطرقت صفاء رأسها .. و قد مطت شفتاها .. و وضعت يدها على وجهها قائلة..

 

" لأنك هكذا تفكرين دوما ! و ستصحبيني معك بالطبع .. أليس كذلك ؟! "

 

" طبعا ! "

 

قلتها و أنا شبه واثقة بأن صفاء سيذعن لطلبي بالتأكيد .. و أننا سنكون بعد نصف ساعة على الأكثر في المستشفى .. نزور ابنة العمة المعتوهة ! عذرا أقصد المريضة نفسيا !

 

" و لما لا تذهبين مع عصام ؟! "

 

" عصام لن يأتي اليوم .. فهو معزوم في بيت صديقه.. ثم أنه لن يرضى.. فهو لا يرغب أن يحدث أي احتكاك بيني و بين عمته أو ابنتها ! خوفا من حدوث المزيد من المشاكل ! "

 

" إذن ستعصين أمر زوجك أيتها العاقلة ؟! "

 

 

" إنها مهمة انسانية يا صفاء.. ثم أن عصام لن يدري بالأمر ! "

 

" أها .. أنا سأخبره إذن يا صاحبة الإنسانية ! "

 

" لا لن تفعلي.. فأنت تعلمين جيدا أنك لا تستطيعي عمل ذلك لي .. لأني ابنة خالتك المقربة .. و التي تحبينها كثيرا كثيرا ! "

 

" حقا أيتها الماكرة ! هذه أنت دوما تستغلين حبي لك ! حسنا.. سأذهب معك و أمري إلى الله .. و لنرى إلى أين سنصل معك يا صاحبة الإنسانية ! "

 

أسرعت إليها أضمها و بقوة إلى صدري قائلة لها بشيء من الخبث و الدلال ..

 

" الله يخليج إلي يا أحلى بت خالة في الدنيا كلها.. و لا يحرمني منج ! "

 

بعدها بقليل .. كنا في المستشفى .. نذرع دهاليزه المتعرجة .. إلى أن وقفنا أمام الغرفة المفترض أنها ستكون فيها ..وقفت على باب غرفتها لثوان معدودة .. مترددة في الدخول .. أحمل في يدي باقة ورد بيضاء مفعمة بالأمل و السلام .. اشتريتها لها للتو .. و كلي أمل بتماثلها للشفاء .. و تقبلها وجودي .. لكي نفتح معا صفحة جديدة ..

 

" هل يا تراها ستتقبل وجودي؟!

هل رؤيتها لي ستساهم في التخفيف من حالتها النفسية ؟! أم أنها ستزيدها سوءا؟! "

 

و لم يطل ترددي كثيرا .. فقد أسرعت صفاء بطرق الباب و دفعي إلى الداخل أمامها ! لتنتشلني من حالة التردد انتشالا !

 

الغرفة كانت باردة.. استقبلني أثيرٌ بارد لفح وجهي..سرعان ما وطأت قدمي أرضية الغرفة !

 

الجدران كذلك كانت بيضاء ملساء.. مما زاد شعوري بالبرد.. أجلت ناظري في الغرفة ليستقر أخيرا على من كانت شبه نائمة على سرير بفراش أخضر يتوسط الغرفة .. بدت شاحبة جدا .. و قد نشرت شعرها الفاحم ، ليسترسل على كتفيها .. في حين أن نظرات عينيها بدت جامدة .. خالية من وميض الحياة !

 

ارتعدت ابنة العمة حال ما رأتني .. لتنتصب جالسة على السرير.. مسندة رأسها على الجدار .. و قد تكومت على نفسها بأن ضمت رجليها إلى صدرها!

 

تقدمت شاردة من نظراتها المتفرسة لأضع باقة الورد على طاولة صغيرة كانت هناك.. ثم اتجهت ناحيتها .. أريد تحيتها ، أو ربما مصافحتها .. أو حتى الحديث معها..في حين أن صفاء كانت لا تزال واقفة ترقب المشهد من بعد و أكاد أجزم أنها في أعماقها كانت ترميني بالجنون .. فما من أمريء عاقل .. يذهب برجليه إلى عدوه.. و الذي يحمل له في أعماقه الحقد و الكراهية !

 

" كيف حالك عزيزتي ؟! "

 

هكذا بادرتها بالسؤال.. راغبة في تمزيق الصمت المسيطر على الغرفة ، آملة أن يبعث صوتي شيئا من الدفء و الحياة على الموقف !

 

لكنها لم تجبني.. فقط تكومت على نفسها أكثر و أكثر .. و تراجعت زحفا باتجاه الجدار .. و قد زادت من حدة نظراتها المتركزة علي .. و التي جعلتني بأني أمام أسد.. يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض علي !

 

" جئت مسالمة صدقيني .. فقط لكي أتمنى لك الشفاء العاجل .. و آمل أن نفتح صفحة جديدة.. نكون فيها بمثال الصديقتين ! "

 

و لكن ما من مجيب أيضا .. فقد بدت أنها قد فقدت قدرتها كليا على الكلام أيضا .. في هذه اللحظة بالذات .. و قبل أن أسهب أكثر في التودد إليها .. ارتفع من الخلف صوتا مرعبا مزمجرا..أدرت رأسي باتجاه الصوت .. و أنا في أعماقي أتمتم ..

 

" لا.. !! ليس باستطاعتي مواجهة الوحوش يا رب ! "

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

مشكورة

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...