Jump to content
منتدى البحرين اليوم

في حياة زوجها مائدة خضراء


Recommended Posts

في حياة زوجها مائدة خضراء

 

لم تكن معاناتها واضحة على ملامح وجهها الطيب فحسب، بل كانت محفورة في قلبها، طالعة من كلماتها الهامسة المختنقة بالعبرات، معكوسة على بؤبؤي عينيها الواسعتين الخضراوين. إنها معاناة امرأة تأكل نفسها يومًا بعد يوم، وتستغيث ولا ترى يدٍا تمتد لإنقاذها

 

قالت لي: لو كان رياض يحب امرأة غيري لفهمت الأمر، لو كان يخونني لتغاضيت وصفحت، لم كان يدمن المخدّرات لوقفت إلى جانبه وأخذته إلى مصحات العلاج. لو كان مصابًا بالسرطان، لما فارقت سريره وكافحت معه في سبيل قهر المرض الخبيث. لكنّ مصابه أكبر من كل ما سبق

 

رياض، زوجها، مُقامر أدمن صالات اللعب، حتى استنفرت كل تفكيره واستنفدت كل ما في جيبه من نقود. إنه يستدين على المرتب من قبل أن يقبضه. وحدث له، عدة مرات، أن باع ساعته، ورهن بيت الزوجية، بل وسطا على مصوغات زوجته وأساورها الذهبية، جريًا وراء نداء الطاولة الخضراء

 

حين تزوجته، كانت تلاحظ أن له ولعًا بأوراق اليانصيب. كان يشتريها بالجملة، ويتابع نتائج السحب وكأنها أهم الأخبار في العالم. وعندما ذهبا إلى لندن لقضاء شهر العسل، اكتشفت أنه يراهن على الخيول أيضًا، ويغيب ساعات الليل، بحجة أنه متخم ويحتاج إلى أن يتمشى قبل النوم

 

منذ السنة الأولى، أدركت زوجة رياض، أن هناك آفة تقاسمها زوجها. إنه يعيش يومه في انتظار أن يحصل على ما يسمح له بالمقامرة. ولمّا فاتحته في الموضوع ضحك وقال إنها مجرد تسلية، بل راح يأخذ رأيها في أرقام الحظ ويطلب منها أن تشاركه ملء أوراق اليانصيب

 

في البداية حاولت أن تقنع نفسها بأن القضية لا تستحق القلق. إن زوجها يحبها ولا يرفض لها طلبًا، ولابد أنه سيعود إلى رشده عندما تتحدث معه، ذات يوم بحزم وشدّة

 

ولمّا جاءت ساعة الحزم، أقسم لها أنه لن يقرب القمار ثانية. ومنذ ذلك القسم اعتادت على أكاذيبه وعلى مناوراته وعلى الحيل، التي يبتدعها خياله الواسع في سبيل أن يهرب منها إلى أوّل حلقة من حلقات المقامرين. والغريب أنه، أحيانًا، كان يتألم مثلها، بل كانت الدموع تلمع في عينيه أسفًا. وككل المدمنين يروح يندب ضعفه ويقول لها إنها امرأة رائعة، وهو لا يستاهلها، ويذهب به الأمر إلى حد التلميح إلى وضع نهاية لحياته، لكي يريحها و يرتاح من نفسه

 

وكانت تهلع عليه، وكانت تهرع وتحيطه بذراعيها وتتمتم بعبارات طرد الشر والأدعية بطول العمر. وكانت تعده بأن حياتهما ستكون عسلًا إذا استمع إليها وترك صحبة السوء. ثم إنها سارعت وأنجت ولدًا، ثم ولدين عسى أن يعود إلى ثوابه ويشعر بمسؤولية رب الأسرة عن أبنائه. لكن كل أمانيها كانت أوهامًا

 

كان مرتبه ومرتبها يسمحان له بالتمادي في الآفة التي أطبقت عليه، لكن مجيء الطفلين زاد من أعباء الأسرة، ما عاد مرتبها يكفي للإنفاق على البيت، خاصة وأن مرتبه كان يذهب، في الغالب، إلى موائد القمار. وصل به الأمر إلى أنه ما عاد يشعر بلذة حين يكسب، على الرغم من أن الكسب نادر، بل صارت لذته هي أن يندفع في مزيد من اللعب إلى أن يخسر كل ما كسب. إنه إنسان فقد السيطرة على نفسه، وبلغ حافة الهاوية، وراح يشد أسرته معه إلى الحضيض

 

ولمّا قال لها طبيب نفسي: (( إن زوجك مريض يا سيدتي. إن القمار نوع من أنواع الإدمان))، عادت للبيت وحزمت حقائبها وأخذت الولدين وعادت لبيت والدتها. إنها تخاف عليهما من العدوى ومن الديون، ومن العنف الذي يتبع النقاش الحاد بين الأب والأم.. كلما عاد الأول خالي الوفاض، يائسًا، مكسورًا، يجرجر عاره، دون ان يرعوي، بل يخطط لسهرة الغد، التي سيستعيد فيها ما فقد

 

منقول

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...