Jump to content
منتدى البحرين اليوم

2022-14- قافلة الاعدام للكاتب بهروز قمري


فهد مندي

Recommended Posts

f12133922.jpg

كتاب رقم: 14لسنة 2022

اسم الكتاب: قافلة الإعدام (مذكرات سجين في طهران)

الكاتب: بهروز قمري

ترجمة: ريم طويل

الناشر: دار الساقي

ISBN: 978-614-03-2139-7 

عدد الصفحات: 287

تاريخ الشراء:  09/10/2021

سعر الشراء: - 

مكان الشراء: مكتبة الوقت- شارع المعارض

الطبعة: (العربية) الاولى - 2020

تاريخ بداية القراءة: 05/09/2022

تاريخ الانتهاء من القراءة: 10/09/2022 

التقييم: 5/3

الملخص:

 

كتاب "قافلة الإعدام.. مذكرات سجين فى طهران" لـ بهروز قمرى، يتحدث عن المرحلة التي تلت الثورة الإيرانية عام 1979، عبرحكايات شخصيات تتشارك حجرة المحكومين بالإعدام المزدحمة في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، يبدأ الكتاب منذ قامت الثورة الإسلامية، ونقرأ معا مشهدا لحالة الفزع التي كانت منتشرة في بداية الثمانينيات.

يقول الكتاب تحت عنوان "المنزل الآمن"

فى أحد المساءات فى آخر الربيع، قبل بضعة أسابيع من بداية اعتقال الجماهير وتنفيذ أحكام الإعدام، وصلت إلى ذاك المنزل الآمن باكراً بعض الشىء.

 اتخذت اللجنة المركزية بعض القرارات المهمة وأردت أن أتأكد أن لدى الوقت الكافى لأوضح استراتيجياتنا الجديدة، حوالى منتصف الليل، دفع شابان الباب ودخلا.

 "نعرف ما تفعلونه"، همس أحدهما بصوت عالٍ، وقبل أن ينهى جملته، دسّ محمد كل الأوراق تحت الفراش. 

"من سمح لكما بالدخول هكذا؟"، نهض واقفاً ليحجب عنهما رؤيتنا، "لا تقلق"، وضع الشاب الثانى يده على كتف محمد، "لن نخبر عنكم".

 "اذهبا وأخبرا من تريدا وسنرى من سيصدقون بيننا"، رد محمد الذى لم يستطع إخفاء ذعره.

على كرسي التحقيق رأى “أكبر” نقشا لعبارة تقول “هذا أيضا سيمر”. أيا من نقشها فقد كان محقا.

Link to comment
Share on other sites

«قافلة الإعدام، مذكرات سجين في طهران»

إيران: الموت والشعر والموسيقى في ظل دكتاتورية الملالي
حكايات مدهشة تفيض ألماً وحباً للحياة، سجناء ينتظرون الإعدام، فيملأون فراغات الموت بالموسيقى الكلاسيكية والشعر والأحلام.يتحدّث الكتاب عن المرحلة التي تلت الثورة الإيرانية عام 1979، فينسج قصّة من حكايات الشخصيات التي تتشارك حجرة المحكومين بالإعدام المزدحمة في سجن إيفين السيئ السمعة في طهران. قصّة مؤثرة للغاية عن الصداقة الحميمة، والطرافة المؤلمة، والذاكرة المفعمة بالعاطفة.

في شتاء 2011 التقيت بهروز قمري، عالم الاجتماع الإيراني والأستاذ في جامعة الينوي في الولايات المتحدة.

كنت أقضي عامي الدراسي في معهد الدراسات المتقدمة في برلين، وأعمل على إنجاز رواية «سينالكول». كان بهروز زميلاً في المعهد، وكنا نشكّل مع مجموعة من الصديقات والأصدقاء الآتين من العالم الثالث حلقة عملت على تجاوز مناخ الرصانة الأكاديمية في المعهد، بحثاً عن شيء غامض اسمه التضامن وتقييم تجاربنا السياسية في عالم يتحوّل.

عشنا معاً التحولات الكبرى التي أطلقتها الثورة التونسية التي فتحت أفقاً جديداً ما لبث أن تحوّل إلى وعود الربيع العربي في ميدان التحرير في مصر وفي سوريا واليمن وليبيا.

كان هذا الرجل النحيل يعمل على أبحاثه السوسيولوجية، وكانت عناوين نقاشاتنا تمتد من استشراق إدوارد سعيد إلى فوكو والثورة الإسلامية الإيرانية.

في إحدى ليالي برلين المثلجة، وكنا نجلس في مطعم المعهد نشرب النبيذ الفرنسي ونتدفأ بالحكايات، روى لي بهروز حكايته عن أيام سجنه في طهران، حين قررت السلطة الخمينية تصفية اليسار الإيراني بشكل وحشي، عبر قوافل الإعدام التي ذهب ضحيتها آلاف المناضلات والمناضلين الثوريين. وأشار إلى إقامته في القواويش المخصصة للمحكومين بالإعدام في السجن.

معتقل ايفين في طهران

في العالم الصاخب الذي يلي الأحداث الكبيرة، يطلق الراوي «أكبر» سراح ذاكرته، فتروي الحياة التي اختبأت تحت عباءة المنتصر وتوارت خلف جدران الانكسار، الحياة التي تتكشّف على عتبة الموت. يتحدّث الكتاب عن المرحلة التي تلت الثورة الإيرانية عام 1979، فينسج قصّة من حكايات الشخصيات التي تتشارك حجرة المحكومين بالإعدام المزدحمة في سجن إيفين السيئ السمعة في طهران. يحكي «أكبر»، بصراحته المذهلة وطرافته اللاذعة، القصة التي تأخذ القارئ إلى ما وراء الصراعات السياسية المجرّدة، إلى تاريخ بديل مفعم بالحياة كتبه الخاسرون.

قال إنه عاش ثلاث سنوات في قافلة الإعدام، وروى كيف قاوم الموتى الموت باحتمالات الحياة، في انتظار أن يُفتح باب القاووش ليصرخ السجّان بأحد الأسماء، وكان هذا يعني المغادرة إلى النهاية.

«لكنك هنا»، قلت.

«هذه حكاية أخرى»، قال.

استمعت إلى حكايته وأنا مصاب بالذهول. لم يتحدث عن أرقام وأعداد، بل روى أسماء وحكايات رجال انبثقت فجأة من عتمة القبر لتروي. وقبل أن ينتهي من حكايته قلت له إن هذه الحكايات يجب أن تُكتب.
«لكنني لست كاتباً»، قال، وهو يخفي ابتسامته خلف شاربيه.

وفي صباح اليوم التالي جاءني حاملاً مخطوطة باللغة الإنكليزية بعنوان «نتذكّر أكبر». قال إنه حاول أن يتذكر الشاب الذي كانه، والذي تركه ميتاً في السجن، بسبب إصابته بالسرطان.

«أنت تكتب الأدب»، قلت. «سمه ما تشاء، هذا أنا، أتذكّر نفسي».

«هل أنت مصاب بالسرطان»؟ سألته.

قال إن السرطان أنقذ حياته، «تخيّل المفارقة، أخرجوني من السجن باعتباري ميتاً، وعبر مصادفة غريبة وصلت إلى الولايات المتحدة، حيث خضعت لعلاج كيميائي تجريبي شرس في هيوستن، انتشلني من الموت».
«وهذه حكاية يجب أن تُكتب أيضاً»، قلت.

قال إنه قرر أن يكتب مرة في السنة، فيوم 31 كانون الأول/ديسمبر، مخصص بنهاره وليله للعزلة والكتابة، فيه يستعيد إحدى حكايات تلك الأيام.

حكايات مدهشة تفيض ألماً وحباً للحياة، سجناء ينتظرون الإعدام، فيملأون فراغات الموت بالموسيقى الكلاسيكية والشعر والأحلام.

"في العالم الصاخب الذي يلي الأحداث الكبيرة، يطلق الراوي «أكبر» سراح ذاكرته، فتروي الحياة التي اختبأت تحت عباءة المنتصر وتوارت خلف جدران الانكسار، الحياة التي تتكشّف على عتبة الموت".

وكان على هذا الكتاب أن ينتظر خمس سنوات قبل أن يصدر بالإنكليزية، وأربع سنوات أخرى قبل أن يصدر بالعربية.

أعلم أن الرأي العام مشغول في هذه الأيام بحكاية إيرانية تملأ الشاشات والصحف هي اغتيال قاسم سليماني، لكنني مشغول بمسألة أخرى، هي مصير الانتفاضة الشعبية العراقية، التي تحاول قوى الإمبريالية والتسلط وضعها في زاوية الحروب والخيار بين المغول والبرابرة. كما أن قلبي ينبض على إيقاع الانتفاضة اللبنانية التي تعيد صوغ لبنان من ركام الانحطاط.

وكان كتاب بهروز قمري «قافلة الإعدام» رفيقي، عبر كلماته دخلت إلى طهران الأخرى التي لا يراها أحد، وفي نبضات الشعر وإيقاعات الموسيقى المرتجلة وأنين التعذيب وانتظارات الموت، اكتشفت أن الحياة تستطيع أن تنسج تفاصيلها في عتمة الخوف، وأن الكتابة ليست سوى صدى للموت الذي صار اسماً آخر لحياة صنعها أبطالها في لحظات ما بعد اليأس.

إنه كتاب لا يُنسى، مُلئ ببطولة لا أبطال فيها، وبحكايات صغيرة عن رجال قادهم العسف إلى موتهم وسط أحلامهم بالثورة، فجاء من سرق الحلم وحوّلهم إلى موتى ينتظرون الموت.

إنه كتاب عن الظلال، كيف يتحوّل الإنسان إلى ظلّ نفسه، يختفي الأصل ويبقى الظلّ الذي يعيش كابوس الانتظار.

وفي الانتظار تأتي الحكايات الصغيرة عن صانع أحذية هنا، وشاعر ينهمر شعره على الموت هناك. عن عامل ريفي فقير قاده الفقر إلى طهران، وعن موسيقي شاب يحلم بأن ترافق الموسيقى أحلام الموتى. عشت مع الكلمات صحبة علي وشاهين وغُلام وداوود ومنصور وإبراهيم وأصغر، وأسماء أخرى اكتظ بها الموت.

وأكلتُ الثوم المخلل وثملتُ من أشعار حافظ وانتشيت بالسيمفونية الخامسة لبيتهوفن، وقرأت «ما العمل» تحت مكبر مضاء استطاع أن يفك طلاسم حروفه الصغيرة، وذهبت مع طلاب جامعة طهران إلى المصانع حيث ثار العمال، ومشيت في الشوارع المكتظة «بفدائيي خلق» واليساريين والإسلاميين. ورآني الموت ظلاً مع السجناء، وعانيت مع الراوي السرطان والعلاج وحنو الأمهات الغائبات.

اختار بهروز قمري، عنوان «نتذكر أكبر» لكتابه، كما اختارت دار الساقي عنواناً فرعياً هو «مذكرات سجين في طهران». وعلى الرغم من أن الكتاب منسوج بالذاكرة، لكنه يأخذنا إلى مكان خفي لا يدخله سوى الأدب.

فالأدب وحده يستطيع أن يكتب ذاكرة الموت الذي لا ذاكرة له.

إلياس خوري 

حقوق النشر: إلياس خوري 2020

بهروز قمري: «قافلة الإعدام، مذكرات سجين في طهران»، دار الساقي، بيروت، 2020.

Behrooz Ghamari: “Remembering Akbar”, Or Books, New York. London. 2016

Link to comment
Share on other sites

162716-316461831.jpg?itok=KQ_I2fxJ

سجن إيفين الإيراني

 

 

بهروز قمري، الأستاذ في دراسات الشرق الأدنى ومدير الدراسات حول إيران والخليج، في جامعة برنستون، وهو من أصول إيرانية، يختار أن يصف الواقع السياسي في وطنه الأم، بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت الشاه عام 1979، وأحلّت مكانه الزعيم الديني الخميني الذي كان لا يزال منفياً في باريس. الرواية المترجمة إلى العربية (من الإنجليزية) والصادرة عن دار الساقي (2020)  بعنوان "قافلة الإعدام - مذكرات سجين في طهران"، تعيد إحياء مأساة طاولت المئات، بل الآلاف من المعارضين لنظام الشاه، ولا سيّما من اليسار بمختلف تلاوينه، والذين صدرت في حقهم أحكام بالإعدام، ونُفّذت فيهم بأوامر صادرة عن أسد الله لاجوردي، أحد المتطرّفين في الثورة الإيرانية، والمعارضين الأشدّاء لسياسة آية الله حسين علي منتظري المعتدلة نسبياً.

تجارب إنسانية

الرواية التي ترجمتها ريم الطويل، لا تنطوي على خطاب سياسي ظاهر، شأن الرواية المعاصرة في أوائل القرن الحادي والعشرين، وإنما كانت معرضاً لتجارب إنسانية مؤثّرة في صدقيّتها وصدقها، عاشتها مجموعة من الإيرانيين، يساريين وخارجين عن القانون، بعرف أسد الله لاجوردي وسلطة الحرس الثوري التي شنّت حملة اعتقالات في صفوف المعارضة اليسارية السابقة إثر تعرّض بعض قادتها لعمليات اغتيال. وقد وضع هؤلاء المعتقلون في سجن إيفين الشهير المثقل بأعمال التنكيل التي كانت ترتكب بحق كل المعارضين لنظام الشاه من كلّ أطياف المعارضة. وراح الروائي يتلبّس كلّ شخصية من المحكومين، وينقل بلسانه أهمّ الأحداث التي سبقت اعتقاله وسجنه، وضمّه إلى فئة المحكومين بالإعدام، واصفاً ذاته والآخر المقيم إلى جواره، في السجن، وسارداً، على لسان راو آخر جديد، خبر إعدامه أو موته.

qafelat al eedam.png

إذاً، تعرض الرواية لسلسلة طويلة من حكايات رجال محكومين بالإعدام، لجرم سياسي أو أخلاقي، من دون أن يتوانى، الكاتب بهروز قمري عن ابتكار الأجواء النقيضة، أو المعاكسة تماماً لرهاب الموت الأكيد، وضغط الأحكام القاتل للحواس والكرامة قبل القتل المادي، من خلال بثّ روح التخيّل واللعب وابتكارعوالم، واستحضار أنواع من الموسيقى (الكلاسيكية)، فيختار سيمفونية ماهلر الأولى لما تحدثه آلة الكلارينت من شعور بالحياة المتدفقة في السامع. طبعاً، لا تنطوي رواية "قافلة الإعدام" على مزاوجة ذكية بين الشعور الضاغط بالموت واستحضار مشاعر الحياة المستفادة من الموسيقى الكلاسيكية فحسب، وإنما يتّبع فيها الروائي ما بات يُدعى لدى علماء القراءة بإستراتيجية لفت الانتباه عبر العناوين غير المتوقّعة؛ ففي حين يتوقّع القارئ أن يتصدّر كلّ مشهد من المشاهد السبعة والعشرين اسم علَم لكل من هؤلاء السجناء في إيفين، والمزمع تنفيذ حكم الإعدام فيهم، يقع نظره على أربعة وعشرين عنواناً منها: هذا أيضاً سيمرّ، ما العمل؟، نظرية التطبيق، المنزل الآمن، فرهاد، الأشياء تتفكك، رحلة إلى شالوس، المحاكمة، عيد ميلاد السيد أمين صالحي الخمسون، الاعتراف، سيمفونية ماهلر، التروتسكي، السمّ، في حبّ التّرمس، بهرام، الثوم المخلّل، الشاعر، وغيرها من العناوين، طبعاً من دون العناوين الأربعة التي اختار الروائي أن تكون لأسماء المحكومين. فبعد أن يستهلّ الروائي عمله الأدبي "بالمقدّمة" (ص:9-13)، في مناورة أسلوبية توحي بأنّ الكتاب إن هو إلاّ بحث علميّ، يؤطّر فيها الأحداث التي ينوي سردها لاحقاً بين العام 1979 و1984، صباح 31 يناير (كانون الثاني)، يوم خروج الراوي من السجن، ناجياً من المقتلة بفعل مرضه بالسرطان، ووشك موته فيه، ويصف فيها انقلاب الثورة الإيرانية على أبنائها، بعيد الانتصار على الشاه: "باتت الأصوات الصّاخبة التي دعت في انسجام إلى إنهاء الملَكية تعلو اليومَ متنافرة. ادّعى كلّ من الشيوعيين، والاشتراكيين، والتحرّريين، والقوميين، والنّساء، والعمّال، وطلاّب الجامعات، والأقلّيات الدينية والإثنية، وأيضاً موظّفي الثورة والشّباب، ورجال الدّين الشديدي الحذَر، بثقة مطلقة، أنّهم يحملون المعنى الحقيقي للثورة ..." (ص:10)

معاناة ما قبل الإعدام

وبالعودة إلى هذه العناوين فهي استخلاص بالغ الإيجاز لحكاية محكوم بالإعدام، لنزواته الأخيرة، ولمشاعره وآلامه التي سبقت تنفيذ الإعدام فيه. ولربما كانت سرداً لحبكة تخلّص الشخصية من الإعدام الذي سيق إليه حالما يبلغ المحققين خبر انتحار أخته الملاحقة بتهمة الانتماء إلى جماعة الشيوعيين المتطرفين. وفي الحكاية الثانية، على التوالي، يبرز الروائي شخصية "أكبر" التي تتولّى سرد النهاية المأساوية لكلّ من الشخصيات التي تتسع لها الرواية؛ مثل الخال حسين الإسكافيّ الحرفيّ والسكّير الباحث عن الكحول، وقبله نصرالله المؤمن والناجي بنفسه من دون أخته الشيوعية. وفي المشاهد التالية أيضاً ("هذا أيضاً سيمرّ"، و"ما العمل؟"، و"نظرية التطبيق") عودة الراوي إلى لملمة أهمّ لحظات سيرته وهو فتى وشاب في سنواته الجامعية الأولى، وسعيه المحموم إلى قراءة كتابات لينين (ما العمل؟) التي كانت لا تزال محظورة ويعاقب الشيوعيون بسببها أشدّ العقاب، وكيف أنه (الراوي نفسه) كاد يضحّي بنجاحه في الموادّ الرئيسية التي تخوّله التخرّج مهندساً في النسيج، بسبب انشغاله المفرط بقراءة كتاب "ما العمل؟" ودأبه على فهم مقولاته والعمل على تطبيقها. ولا يلبث الروائي أن يعود إلى سرد حكايات نزلاء سجن إيفين، ومنهم فرهاد الكردي الذي كان يقول دوماً "يجب أن يبقى الإنسان إيجابياً" (ص:88) على الرغم من صدور القرار بإعدامه. وتلك أيضاً حكاية "أرجنغ" اليساري الثوريّ والماويّ فكراً وعقيدة ونقاشاً حاداً في داخل الزنزانة، والذي يموت بدوره تحت التعذيب. ومن ثمّ يعود الروائي إلى الراوي "أكبر" فيستأنف معه سرد اللحظات التي سبقت اعتقاله والتحقيق معه بتهمة التعامل مع "حفنة من معارضي الثورة" (ص:112)، ثم يعرض لمحاكمته في بناء "كوميته مشترك" أمام القاضي، فيردّ عنه تهمة الإطاحة بالحكم الثوري بالقول إنه كان إلى جانب المظلومين يدافع عنهم، إلا أنه أبدى ندماً على عدم امتلاكه "رؤية واضحة لكيفية خوضه هذا النضال". وهكذا إلى أن يحين وقت اللعب، وإنفاذ التخييل لملء شغور السجن والتخفيف من وطأته؛ إذ يعمد الراوي أو غيره إلى تولّي التسرية عن السجناء بأن يدفعهم إلى تخيّل سيمفونية ماهلر الأولى "(ص:169-179) بأن يصفّر "المقطع الذي يؤدّيه الناي من الحركة الثالثة من سيمفونية ماهلر الأولى"، ثمّ يدفع السامعين إلى تخيّل أدوار الكلارينت فيها، والتداول في ما تثيره الحركات المتناوبة بين الناي والكلارينت من إيحاءات بانبعاث الحياة من رميم العدم، وما تستدعيه الأخيرة من شعر يناسب هذه اللحظات، من مثل قصيدة الشاعر أحمد شاملو بعنوان "لحظة الإعدام":

"دارَ المفتاحُ في القفل.

ارتجفتِ الابتسامةُ على شفتيه،

مثل أمواج مائية ترقصُ على السّقف،

انعكاساً لأشعّة الشّمس".

وعلى هذا النحو، من الترجّح بين السّرد العادي لوقائع الحياة داخل السجن، والحبكة المزاجية التي يتحدّى بها مسار القدَر المحتوم، تتوالى مشاهد المحكومين، واحداً بعد آخر، حتى لحظة الإعدام نهاية الإطلالة وإسدال الستارة على حياة أصغر وداوود ومنصور وصلاح وغيرهم، مع توشيح هذا الحكي ببعض الكلام على موسيقى بيتهوفن والرومنطيقية في الفن والشعر الإيراني الحديث والتعليقات المتباينة حول كل هذا. قد لا تبدو هذه الرواية، على الرغم من خطاباتها الإيديولوجية المخبوءة في طوايا الشخصيات المحكومة والحاكمة على السواء والمتناقضة في توجهاتها (صراع منتظري مع أسد الله لاجوردي، على سبيل المثال)، شاملة في عرضها حيثيات الصراع الذي آل بهذه الشخصيات إلى الإعدام، إنّما حسبُها أنها سلّطت الضوء على تجارب إنسانية، في مواجهة مصيرها المحتوم، ولم تأنف عن مواكبة حيوات في مسارها الأخير إلى الموت، وجعلت تشنّف آذانهم بخير ما في الفنون، الموسيقى والشعر.

Link to comment
Share on other sites

بهروز قمري يتذكر نفسه في “قافلة الإعدام”

لأكثر من خمس وعشرين عاما وفي اليوم الأخير من كل سنة، اعتاد بهروز قمري على “الاختباء” من تفاصيل ونشاطات حياته اليومية، ليقوم برحلة شخصية تحتفي بذكرياته عن المعتقل الذي كانه في طهران قبل عشرات السنين، عن “أكبر” المحكوم بالإعدام بعد قيام الثورة الإيرانية، والذي ظل لثلاث سنوات في سجن النظام الذي تولى سلطة البلاد في العام 1979، بانتظار تنفيذ الحكم في أية لحظة، لكنه وجد نفسه فجأة وقد نجا من حياته المروعة تلك بإفراج لأسباب صحية بعد أن أنهك السرطان جسده!.

نجا “أكبر” في 31 ديسمبر من سنة 1984، اليوم الذي خصصه في ما بعد قمري لاستعادة حكايات المسجونين التي اشتبكت وامتزجت بحكايته. في اليوم الأخير من كل سنة يعزل نفسه عن حاضره ويغرق لاثنتي عشرة ساعة في ذلك العالم البعيد والرهيب لينسج منه حكاية جديدة، لا يقرؤها غيرعدد قليل من أهله وأصدقائه، حتى اعتادوا معه هذا الطقس، فباتوا يسألونه عنها إن تأخرت (1). هكذا سنة بعد أخرى تواصل سيل الحكايات حتى وجدت طريقها إلى صفحات كتابه هذا البديع والاستثنائي.

في المقدمة يقول قمري: “هكذا مت، بالخروج من عالم لا يمكن تصوره، ودخول عالم مربك من التفاهات. تركت نفسي السابقة في مكان يوجد فقط في شروط مستحيلة. حاولت لسنوات عدة، أن أفتح قناة مع العالم الذي تركته خلفي، مع لحظة الموت، مع المزاج الذي سبقها، والرعب الذي ميزها. حاولت أن أصف تلك اللحظة المبهمة… أستمر في الكتابة لإثنتي عشرة ساعة، وهو تماما عدد الساعات نفسه الذي قضيته أقرأ شعر حافظ في اليوم الأخير من حياتي السابقة. أكتب أحيانا خمس صفحات، أحيانا عشرين، وفي أوقات أخرى مجرد خمسة أسطر. لا أعرف أبدا ما الذي سينتج عندما أجلس لأكتب. أعرف فقط أنني يجب أن أترك جسدي يشعر ببرودة الأرض القاسية التي جلست عليها طوال تلك الساعات الإثنتي عشرة”.

..أعداء الثورة

الكتاب صدر في طبعته الأصلية بالإنجليزية في العام 2016 بعنوان رئيسي “تذكر أكبر” وعنوان فرعي “داخل الثورة الإيرانية”، وهو يقع في منطقة وسطى بين المذكرات والرواية. ليس توثيقا لإرهاصات الثورة الإيرانية وما بعدها، أو للفظائع التي ارتكبها نظام الخميني بحق ناشطي اليسار، والتي أفضت إلى إعدام الآلاف منهم، وليس سجلا ليوميات “أكبر”، الإسم الحركي لبهروز، في الاعتقال، لكنه مزيج من كل ذلك ومن عالم من الأفكار والتأملات، والهواجس والمواقف المعقدة لشخصيات حقيقية، وأخرى مركبة أدبيا.

هو شكل في الكتابة قال قمري، في أكثر من حوار منشور معه ( )، إنه وفر له حرية أكبر في التعبير، والتقاط  جوهر الحالة السياسية والإنسانية، التي عاشها وغيره من المعتقلين، في لحظة تحول تاريخية قد تكون تفاصيلها مجهولة للكثيرين داخل إيران وخارجها. فضلا عن ذلك فإن قمري، أستاذ علم الاجتماع والتاريخ في جامعة برينستون الأمريكية، لم يرد لكتابه أن يكون، فقط، عن الألم والعذاب الذي واجهه المعتقلون، وهي مواضيع فرضت نفسها بدون شك، ففكرة الحديث عن السجناء السياسيين من زاوية مأساوية وكمجرد ضحايا للعنف والعسف السياسي لم ترق له، ولم يجدها معبرة بشكل واقعي عن تجربته، لذلك فتح باب ذكرياته على التفاصيل الدقيقة والحميمية لعالم المسجونين، وأراد للقارئ أن يراهم كبشر عاديين، يتحدثون ويتصرفون كأي إنسان آخر تقوده شبكة معقدة من المعتقدات والخلفيات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية. إنهم يضحكون ويسخرون ويبكون ويغنون، يشتاقون لأحبتهم في الخارج وللحرية، ويضيؤون بذكرياتهم عتمة سجنهم. قد يكونوا خبثاء وقد يكونوا طيبي النوايا، مثقفين ومنخرطين في أنشطة سياسية، أو عمالا بسطاء لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يحدث حولهم، لكنهم جميعا في السجن باعتبارهم أعداء للثورة.

قادة هذه الثورة كانوا قد تعهدوا للشعب بتحويل سجن”إيفين”، الذي قضى فيه قمري ثلاث سنوات في زنزانة المحكومين بالإعدام، إلى متحف “يشهد على فظاعات الماضي.. صرحوا في ذلك المساء البارد من شباط / فبراير 1979 (أنه) لن يكون هناك المزيد من السجناء السياسيين”.

يقول قمري واصفا الحال التي كانت عليها البلاد بعد الإطاحة بالشاه: “باتت الأصوات الصاخبة التي دعت في انسجام لإنهاء الملكية تعلو اليوم متنافرة. ادعى كل من الشيوعيين، والاشتراكيين، والتحرريين، والقوميين، والنساء، والعمال، وطلاب الجامعات، والأقليات الدينية والإثنية، وأيضا موظفي الثورة الشباب، ورجال الدين الشديدي الحذر، بثقة مطلقة، أنهم يحملون المعنى الحقيقي للثورة. حوّل التعطش إلى السلطة الأصدقاء إلى أعداء، والثوار إلى موظفي أمن، والسجناء إلى محققين، وقادة المجتمع إلى جواسيس، وأفراد العصابات المدنيين إلى قتلة، والمعلمين إلى شرطة أخلاق، والطلاب إلى مخبرين، وكذلك المحادثات الودية إلى شجارات غير قابلة للحل؛ شهدنا بعيون مترقبة جدران السجن تعلو وتزداد خلفها فظاعة الأعمال الوحشية”.

..انعطافات مفاجئة

ستكشف حكايات “أكبر” عن عالم فج، تجرح القسوة والتعذيب فيه رحلات الخيال إلى الطبيعة الجميلة، وحوارات الشعر والموسيقى، وتكسر نداءات الحرس فيه الأمنيات الهشة بالعيش ليوم آخر جديد. عالم تسير فيه مشاعر الريبة والاطمئنان، الشفقة والتقزز، الهزيمة والانتصار جنبا إلى جنب، وتتصارع فيه الإرادات داخل السجن وخارجه، لا يعرف متى وكيف تتغلب إحداها على الآخرى، فثمة منعطف مفاجئ دائما في الحكاية، غالبا ما ينتهى بالموت.

تأخذنا الحكاية الأولى في الكتاب إلى تفاصيل رحلة يقوم بها “أكبر” مع عدد من أصدقائه (حسان، والسيد جيلاني، ومحسن، ونصرالله) بسيارته فجرا إلى ساحل بحر قزوين. أراد “أكبر” أن يبدأوا رحلتهم في هذا الوقت قبل شروق الشمس حتى يستمتعوا بمشاهدة “ضباب الصباح يخيم على صخور الجبال المغطاة بالطحالب”. سيطلب منهم أيضا أن ينزلوا النوافذ ليشموا رائحة التراب الرطب. وفي الطريق سيتوقفون عند أحد المقاهي البسيطة ويتناولوا عجة البيض بالجبن “المدهشة”، وبعد ثلاث ساعات أخرى على الطريق سيصلوا وجهتهم. على ذلك الشاطىء البعيد، “حيث لم تطأ قدم سائح أبدا” سيركن “أكبر” سيارته بالقرب من كوخ يعد صاحبه كباب سمك الحفش بطريقة لا مثيل لها. وقبل أن ينهوا طعامهم سينشب شجار سببه رفض نصرالله تناول الحفش التي حرمها الإمام، والفودكا. ستضعنا الحكاية عندما ندرك أنها كانت لعبة خيال يمارسها المسجونون في الزنزانة. سيقول أكبر: “حسنا، لم يكن هذا جزءا من الخطة. لقد خضنا رحلات عدة إلى كل أنحاء البلاد، ولم نختبر أبدا عراكا من أجل جرعة متخيلة من الفودكا”. نصرالله المؤيد للثورة والمتدين لن تنتهي حكايته بموته، لكنه لن يغادر السجن قبل أن يطلب منه التعرف إلى جثة أخته المشوهة، بعد أن فجرت نفسها لتتجنب الاعتقال.

..نوافذ الذاكرة

ستفتح لنا ذكريات “أكبر” نافذة على العالم الخارجي، بعيدا عن جدران السجن، تطل على بدايات نشاطه السياسي، وظروف الحركة الطلابية المعارضة، والخلافات العبثية بين الأحزاب اليسارية، والمحاولات المستميتة لضم العمال إلى صفوف الثورة ضد السياسات الرأسمالية للدولة. سيخبرنا عن كل ذلك بطريقة سينمائية؛ سيحملنا أنين سجين معذب ملقى في الممر أمام باب الزنزانة إلى قصة جرت أحداثها خارج السجن، عندما كان الشاب ذاته طالبا في كلية الحقوق وصاحب خطب حماسية ومحرضة للعمال. وستحملنا الكومة الكبيرة للكتب الملقاة في حمام السجن إلى قصة أخرى عن تحركات غاية في السرية والحذر لـ “أكبر” وصديق آخر له للاطلاع على ما اعتقد أنه نسخة من كتاب “ما العمل”. وستقودنا اللحظة التي يلتقي فيها “أكبر” من تحت عصبة عينيه بـ “سايروس” دون أن يكون قادرا على تبادل الحديث معه، إلى رحلته المرهقة لمدينة جالوس لإيصال منشورات سياسية.

لكن الذكريات أيضا ستفتح نافذة على العالم الداخلي لـ “أكبر”، على الصراعات النفسية التي عاشها خلال فترات التحقيق، ومشاعره المرتبكة تجاه كل ما يحيط به.

يقول: “تتطلب النجاة من التحقيق+ ما هو أكثرمن التغلب على مخاوفك بكثير، أو تجاوز ألم التعذيب الذي لا يحتمل. فهي كذلك لعبة شطرنج، ستخسر إن لعبت بإستراتيجية سيئة، وبإستراتيجية جيدة، ستظل خاسرا…. طالما تستطيع أن تبرر في عقلك ما فعلته أو ما قلته، أنت تربح. لكنك تخسر في اللحظة التي تصبح فيها أفعالك غير قابلة للتبرير أمام نفسك”. وعندما يواجهه المحقق بمعلومات عن دراسة كان قد وضعها بعنوان “النظرية والتطبيق” يدرك أن اسمه المستعار “أكبر” لم يكن الشيء الوحيد الذي عرفوه عنه، ويتساءل كيف يمكنه الآن أن يؤلف رواية منطقية للمحقق حول نشاطاته في الجامعة.

يقول: “فكرت في كل المشتبه فيهم المحتملين وكيف كانت علاقتي بهم. ما الذي عرفه كل واحد منهم عني وكيف يمكنني أن أبتكر قصة قابلة للتصديق في كل حالة، ليس لحماية نفسي فقط وإنما لانقاذهم أيضا”.

ويتابع حواره الداخلي في موضع آخر: “ليس هناك ما يمكن قوله. واجه الأمر، إما أن تعترف وإما تموت. ليس الأمر بذلك التعقيد. هل أنت خائف من الموت؟ لا، أنا لست خائفا من الموت. بصدق أنا لست خائفا من الموت. هل هو الألم ، إذا؟ لا، إنه ليس الألم، أنا لست خائفا من الألم. أنت خائف من الألم، سيكسرون عظامك، سيفتحون نعال قدميك بسياطهم. أعرف كل ذلك، لكن بصدق، ليس ذلك ما يرعبني”. إنه خائف من “عواقب” التعذيب. يقول: “الخيانة هي ما أخشاه، ذلك النوع من الألم. أنا خائف من العار، النوع الذي يمكن أن أجلبه إلى نفسي..”.

خرج بهروز قمري “أكبر” من سجن “إيفين” عشية رأس السنة عام 1984، أنزلوه عند الحديقة التي كان ينتظر فيها أهالي السجناء للمناداة عليهم لزيارة أبنائهم. عندها اقتربت منه إحدى الأمهات وسألته: “كيف الوضع في الداخل؟” فأجابها: “نحن بخير في الداخل” يقول: “فجأة أدركت أنني لم أعد أنتمي إلى تلك الـ نحن”.

على كرسي التحقيق رأى “أكبر” نقشا لعبارة تقول “هذا أيضا سيمر”. أيا من نقشها فقد كان محقا.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...