Jump to content
منتدى البحرين اليوم

الصفاء

الاعضاء الفعالين
  • مشاركات

    76
  • انضم

  • الأيام التي فزت بها

    5

Everything posted by الصفاء

  1. جزااااااااك الله خيرررررررررررررررررررر
  2. بسم الله الرحمن الرحيم إذا زكت النفس ذاقت حلاوة الإيمان وحضرها الخشوع والحضور بين يدي الله عند طاعة الرحمن فتجد للعبادة لذة وأنساً وتجد لتلاوة كتاب الله طعماً لا يستطيع إنسان أن يصفه أو يُكيفه لأنه طعم إلهي يحتاج إلى نور رباني ليُدرك الإنسان به مأدبة القرآن التي يقول فيها النبي العدنان {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ }[1] فإن المؤمنين لهم سيما في أخلاقهم ليسوا كباقي البشر ولهم طباع اهتدوا فيها بنبيهم لا يتساوون بها مع سائر الناس لا يجهلون مع الجهلاء ولا يسبون أو يشتمون مع الأشقياء بل المؤمنون على هَدْى النبي الكريم في أخلاقه وفي خُلُقه لأنهم يريدوا أن يكونوا من الفائزين يوم القيامة ومن أراد ذلك يريد أن يُثقل ميزان حسناته عند الله وما الذي يُثقل الميزان؟ يقول في ذلك النبي صلي الله عليه وسلم {مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[2] إذا كان الخُلُق طيباً مع خلق الله إن كان في بيته أو كان في عمله أو كان في المسجد أو كان في الشارع أو كان في أي موضع من أرض الله يُعرف المؤمن دائماً بالهَدْى الكريم والخُلُق القويم الذي جاء به النبي الرءوف الرحيم والذي قال فيه: {إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ}[3] فكان صلي الله عليه وسلم يراقب ذلك مراقبة شديدة للنساء والصبيان والرجال فهذه زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها تجلس بالقرب منه وقد جاء نفر من اليهود ومن لؤمهم وغدرهم قالوا له: السَّامُ عَلَيْكُمْ فقَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم {مَهْلا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ }[4] فنهاها عن فحش الكلام لأن الله يبغض الفاحشين والمتفحشين حتى ولو كانوا هم البادئين لأن الله قال له {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف199 وهذا سيدنا أبو بكر الصديق أباها رضي الله عنه يخرج مع النبي متجهين إلى مكة عام الحديبية ويجعل طعامه وطعام النبي على ظهر جمل ويأمر غلاماً من غلمانه أن يمسك بالجمل ويصحبه وليس له شأن إلا أمر هذا الجمل وبعد هنيهة سأل عن الغلام فأخبره أن الجمل قد ضاع منه فلعنه وإذا به يرى أمامه النبي صلي الله عليه وسلم يقول له {يَا أَبَا بَكْرٍ أَصِدِّيقِينَ وَلَعَّانِينَ؟ كَلا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ }[5] من أراد أن يكون من الصديقين فلا يلعن أي شيء في عالم رب العالمين لأنه مُجمَّل بأخلاق سيد الأولين والآخرين صلي الله عليه وسلم وهذه امرأة من نساءه تركب جملاً فيتشامس ويمشي مسرعاً وتحاول أن تُهدئه فلا يهدأ فلعنته تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ابْتَعْتُ بَعِيرًا فَلَعَنْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم {إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَكُونُ لَعَّانًا، وَلا فَحَّاشًا، وَلا كَذَّابًا }[6] ويُنبه أصحابه على الأخلاق العظيمة تقول السيدة عائشة ذات يوم وهو يمدح السيدة صفية ويقول: إنها من ذرية موسى وهارون عليهما السلام فتقول {قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ }[7] مع أنها كانت قصيرة لكن النبي صلي الله عليه وسلم أصلح ألسنتهم وقَوَّم أخلاقهم بعد أن كانوا أهل جفاء وأهل جاهلية وصاروا القدوة والمثل الأعظم بين جميع البشرية في الأخلاق الطيبة والنقية وعلَّى هممهم فمن أراد أن يكون رفيقاً للمصطفى يوم الدين وأن يكون بجواره في الموقف العظيم، وأن يكون ساكناً بجواره في جنة النعيم ماذا يصنع لينال ذلك؟ قال صلوات ربي وتسليماته عليه {إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ }[8] [1] الحاكم في المستدرك وسنن البيهقي عن عبد الله بن مسعود [2] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد عن عويمر بن مالك [3] الحاكم في المستدرك وسنن البيهقي ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة [4] الصحيحين البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد [5] شعب الإيمان للبيهقي والدعاء للطبراني عن عائشة رضي الله عنها [6] معجم أسامي شيوخ أبي بكر [7] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد وصححه الألباني والأرنؤوط [8] سنن الطبراني والبيهقي عن جابر بن عبد الله وصححه الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%C3%D4%DD%ED%C9%20%C7%E1%E4%C8%E6%ED%C9%20%E1%E1%DA%D5%D1_%C7%E1%CE%D8%C8%20%C5%E1%C5%E1%E5%C7%E3%ED%C9%20%C7%E1%DA%D5%D1%ED%C9_%CC1&id=94&cat=15 منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]
  3. بسم الله الرحمن الرحيم إذا مرض القلب وأصيب بداء الحقد أو أصيب بميكروب الحسد وبدأ يتغيّر إذا أتى لأخيه خيراً ويتمنى من نفسه أن يزول هذا الخير فليعلم علم اليقين أنه مريض والمرض في قلبه ويحتاج إلى علاج ناجع من طبيب رباني من رجلٍ قرآني تربَّى على نهج الحبيب يعالجه من هذا الداء وهذا الداء ليس له علاج في المستشفيات الحكومية أو الخاصة وليس له أدوية في الصيدليات التي نطرأها ولكن علاجه في كتاب الله وفى سُنَّة رسول الله والذي يقوم به هم أطباء القلوب الذين يقول فيهم الله {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف108 المؤمن لا يحسد كما حدَّد الطبيب الأعظم صلي الله عليه وسلم وفى أمرين قال فيهما صلي الله عليه وسلم {لا حَسَدَ إِلا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} والحسد هنا يعني الغبطة أي يتمنى أن يكون مثله لكن لا يتمنى زوال نعمته ولا إذهاب حالته أما الذي ينظر إلى ما في يد أخيه من مالٍ أو نعمة الزوجة أو نعمة الولد أو نعمة الأثاث أو نعمة المسكن أو نعمة الوظيفة أو أي نعمة من النعم الدنيوية ويتمنى زوالها هذا لا يوجد في مجتمع المؤمنين وإنما في مجتمع المنافقين وإذا وُجد هذا الداء فأنتم ترون نتيجته في كل الأنحاء من يرى في أخيه خيراً يسارع فيشتكيه ليزول عنه هذا الخير أو يسارع ليؤجج من حوله حتى يحاربوه على هذا الخير يحاول بكل كيفية وبكل وسيلة أن يمنع هذا الخير من الدوام معه والاستمرار عنده هذا ليس من أحوال المؤمنين ولا حتى من أحوال عوام المسلمين فإن المؤمنين قال الله فيهم في الأولين والمعاصرين والآخرين {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر9 وكذلك البغضاء لماذا يبغض المؤمن أخاه؟ إن المؤمن لا يبغض أخاه أبداً لأن أخاه مؤمناً وهو يحب له الخير كل الخير والبغضاء والشحناء والكراهية لا تأتي إلا إذا أصيب القلب بداء الأثرة والأنانية فيتمنى الخير لنفسه فقط ولا يتمناه لغيره حتى وصل بنا الأمر في هذا الزمان وذاك من أعاجيب هذا العصر أن أصبح الأخ الشقيق من أبٍ واحدٍ وأمٍ واحدة لا يتمنى الخير لأخيه ويحزن إذا سمع أن أخاه أتاه خير أو فُتح له بابٌ من أبواب البر ويسعى بكل ما في وسعه لتشويه صورته أو للقضاء على نعمته أو لمحاربته إذا أحبه الخلق فيفتنهم به ويتحدَّث بسوء عن سيرته مع أنه أخيه الشقيق وهو أعلم به وأعرف به وهذا ليس من أحوال المؤمنين وإنما من أحوال المنافقين التي حذَّرنا منها نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم فما أحوال المؤمنين التي يُحبها الله؟ اقرءوا معي كتاب الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47 [1] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...1&id=94&cat=15 منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]
  4. جزااااااااااااااااك الله خيررررررررررر
  5. بسم الله الرحمن الرحيم قدوتنا في كل شئوننا وفى كل أحوالنا هو سيدنا رسول الله الذي أمرنا بأن نقتدي به الله نحن نحاول أن نتابعه في ظاهر الصلاة ونحاول أن نتابعه في ظاهر الصيام ونحاول أن نتابعه في أعمال الحج والزكاة الظاهرة لكن معظمنا أسقط الجانب الإنساني الذي كان عليه النبي ولم يتابعه في ذلك الجانب الإنساني هو الأساس في إصلاح المجتمعات وهو الذي يقول الله له ولنا في شأنه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران159 كيف كان حاله مع الخلق ومع أهله ومع أزواجه ومع أولاده ومع جيرانه ومع المسلمين أجمعين صغيراً كبيراً نساءً ورجالاً؟ كيف كان يتعامل مع هؤلاء؟ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها في ذلك {لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَلا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ}[1] ويقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه {لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم سَبابا وَلا فَحَّاشًا وَلا لَعَّانًا}[2] لم يكن يعامل أحداً قط بالشدّة وإنما بالرحمة وباللين وبالمودة فأين نحن من ذلك ولم يكن لسانه يتحدّث إلا بالكلم الطيب لا يخرج منه سبٌ ولاشتمٌ ولا لعنٌ ولا فُحشٌ ولا غيبةٌ ولا نميمةٌ ولا وقيعةٌ ولا كلمة سيئة لأحدٍ من المسلمين بمن نقتدي جماعة المسلمين في حياتنا؟ بمن نتأسى في كلامنا ومعاملاتنا مع أهلينا وأزواجنا وجيراننا وإخواننا؟ هل نحن نعمل بقول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}الأحزاب21 أم نسينا ذلك وتناسينا عن ذلك وكلٌ يمشي على هواه وأصبحت الألسن التي تقول (لا إله إلا الله) والتي تقرأ كتاب الله والتي تصلّي بين يدي الله بمجرد أن يخرج من الصلاة يسُب هذا ويشتم هذا ويلعن هذا ويكذب على هذا ويغتاب هذا مع أن هذا ليس هدى النبي ولا أصحابه الكرماء ولا أتباعه الحكماء الذين أسعدهم الله بالدنيا في إتباعهم في الجانب الإنساني لخير النبيين وإمام المرسلين صلّوات ربى وتسليماته عليه نحن نحتاج أجمعين إلى أن ننظر إلى قول رب العالمين الذي أمر النبي أن يخاطبنا به في كتابه المبين {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }الكهف110 يعني اتبعوني في البشرية اتبعوني في المشي اتبعوني في طريقة الكلام اتبعوني في التعامل مع الأنام اتبعوني في كل الأمور البشرية حتى في الأكل والشرب والمنام فإنَّ إتباعه صلي الله عليه وسلم يستوجب محبة الملك العلام {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} آل عمران31 الذي يتبع حبيب الله في كل ما ذكرناه يحبه الله والذي يحبه مولاه يا هناه يستجيب له الدعاء ويحقق له الرجاء ويكشف عنه كل بلاء ويجعله دوماً في الدنيا في خير ورخاء ويجعله في الآخرة مع السعداء يوم العرض والجزاء بمصاحبة سيد الرسل والأنبياء ويتفضّل عليه بعد ذلك بأن يكون جاره في جنة النعيم لأنه تابع النبي الرءوف الرحيم صلي الله عليه وسلم ولذلك قال الله لنا {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}النور54 إذا أطعناه في ذلك اهتدينا لأصلح الطرق للعيش في الدنيا واهتدينا إلى أصّح الأسباب التي تُفتح بها كل كنوز الخير من الكريم الوهاب واهتدينا لأصّح الأمور التي نعيش بها في الدنيا في سرور وحبور وإذا خالفنا هذا الهدى النبوي الكريم - مع أننا نصلي ونصوم ونقوم لله بالطاعات - فقد قيل: يا رسول الله إِنَّ فُلانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ {لا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ}[3] وحذَّرنا الله من مخالفة هذا النبي فلا يخالفه إلا شقي فقال الله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63 كل الفتن التي نحن فيها الآن وكل العذابات من عذاب الأمراض وعذاب الغلاء وعذاب البلاء وعذاب الشقاق وعذاب النفاق وعذاب الخلافات بين الناس سببها الأساسي هو مخالفة النبي وعدم الإتباع للنبي وعدم العمل بكتاب الله العلي على نهج النبي تحدَّث النبي صلي الله عليه وسلم عما نحن فيه الآن فقال {أَلا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[4] [1]سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان [2] صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد والبيهقي [3] أخرجه الحاكم في مستدركه والإمام احمد في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان وإسحاق بن راهويه في سنده والبخاري في الأدب المفرد [4] سنن الترمذي والدرامي ومسند الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%C3%D4%DD%ED%C9%20%C7%E1%E4%C8%E6%ED%C9%20%E1%E1%DA%D5%D1_%C7%E1%CE%D8%C8%20%C5%E1%C5%E1%E5%C7%E3%ED%C9%20%C7%E1%DA%D5%D1%ED%C9_%CC1&id=94&cat=15 منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر] اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً
  6. في فترة السبع سنوات الأولى من حياة الطفل يكون الطفل في فترة الملاعبة نتركه يلعب ولا نشدد عليه في الجد وترك اللعب لكن ليس معنى ذلك أن نترك له الفرصة في أن يصنع ما يشاء بل علينا أن نلاحظ في هذه الفترة بأنه لا ينطق إلا بالكلمات الطيبات لأنه في المعتاد في هذا الزمان أن خلال هذه المرحلة يعتاد على الألفاظ البذيئة ونحن مع الأسف نسعد ونفرح به بل والأكثر من ذلك نزيد الأمر سوءاً بان نأمره أن يشتم أبيه أو يشتم أمه أو جده أو جدته لا يصح مثل ذلك فلا بد أن نعود الطفل من البداية على الأدب في التعامل وعلى النطق بالألفاظ التي لا تجرح المشاعر ولكي ينجح هذا التأديب فلابد أن نعطى له القدوة فلا نستخدم معهم الألفاظ البذيئة في النداء ولا نشتمهم ولا نسبهم والمؤمنون قال الله في حقهم {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}ربنا جعل لسانهم دائماً يخرج الكلمات الطيبة فقد رأيت سيدات فضليات تنادى على ابنها وبعد ذلك تشتمه تعال يا ابن كذا لا ينبغي أن نفعل ذلك بل نقول له: تعال يا ابن الذين آمنوا وهكذا بطريقة لطيفة أو تعال يا ابن المسلمين أو يا ابن المؤمنين بدل ما تقوله الكلمة الثانية أو الثالثة التي فيها شتيمة وساعات الشتيمة تكون في الرجل تعال يا ابن ... وتحدث مشكلة وتقول له أنا لم أقصدك أنا غصب عني لماذا؟الإنسان لابد أن يكون حريص على الكلمات التي تخرج من لسانه الكلمات تطلع على طول لطيفه وظريفة حتى الأسماء التي تنادى بها الأولاد ربنا كرم بني آدم لا يصح بعدما كرمه الله أن أقول له تعال يا حمار هل هو حمار؟هذه ممنوعة في شرع الله ربنا عمله إنسان وكرمه وأنت تجعليه حمار لا يجوز أو أقول له: تعال يا جحش أو أي لفظ من هذه الألفاظ تعال يا كلب كيف يكون ذلك؟ وتقول للبنت: تعالى يا بقرة هل هي بقرة؟ إنها إنسانة وربنا كرمها لماذا تقولي لها هذا اللفظ؟حتى الأسماء التي نقولها دلع لأولادنا إذا كانت هذه الأسماء أسماء حيوانات أو طيور فهذا مكروه في الإسلام وقد تعودنا أنه من كانت اسمها فاطمة نقول لها: تعالى يا بطة كيف تكون بطة؟هي فاطمة مكرمة وفاطمة هذه بنت النبي كيف نعملها بطة ونقول لها: تعالى يا بطة هذا لا يجوز سيدنا رسول الله كان يدلعها ويقول لها تعال يا فاطم ، ولكن هذه كلها أفكار يهودية تسربت إلينا من أجل أن يسيئوا لآل بيت النبي عندما أحضروا الشباشب الجديدة من جهة الصين أسموها زنوبة وخدوجة لماذا زينب وخديجة؟ لأنهم آل بيت النبي ليجعلونا نستهزئ بهم ونحن لا ندري والمسلمين نائمون السيدة زينب بنت السيدة فاطمة بنت علي ابن أبى طالب والسيدة خديجة أعظم أمهات المؤمنين زوجة النبي فلا نقول لبناتنا وزة ولا بطة لابد من الاسم الذي له معنى جميل وطيب لكن على وجه العموم فإن هذه الفترة فترة لعب فلا نشدد عليه أكثر من اللازم في الجد كأن نلزمه بحفظ جزئين من القرآن مثلاً وإذا لم يحفظ نضربه فإذا استطاع أن يحفظ في هذه الفترة فبها ونعمت وإذا لم يستطع فسيحفظ بعد ذلك فيما يستقبل من الأيام وأساس التعليم ألا تربيهم على الكذب: جاءت عند النبي امرأة ومعها ابنها الصغير ومثلما نقول للأولاد أحضر هذا الطلب ولك جنيه أو أكثر ويحضر الطلب وبعدما يرجع تقول له: ما أنت أخذت جنيه بالأمس فماذا نعلمه بذلك؟ فالنبي قال: لا طالما قلتي له كلمة لا بد أن تلتزمي بها قالت له: تعال وأعطيك تمرة و لما جاء أعطته التمرة فعرفها وعرفنا وقال{أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[1] وبالطبع ولحاسبك الله عليها يوم القيامة نعم ربنا يحاسبك عليها يوم القيامة لأننا نريد أن نربي الطفل على الصدق والآن أحياناً يطرق الباب ويسأل الطارق:أمك موجودة؟فتقول له:قل لها غير موجودة تعطيه درساً عملياً في الكذب ونعتقد أن هذا أمر عادي ولا يهتز شيء في قلوبنا ولا الإيمان في صدورنا لأننا لم نعمل شيئاً يغضب الله هذه المصيبة الموجودة الآن: أن الناس لا تحاسب أنفسها على ذلك ويكون الناس كل أيامهم في الغيبة والنميمة وهذا أمر عادي خالص ثم أبدأ مع الطفل لتعليمه آداب الطعام فأعلمه كيف يأكل و يشرب ونقول الأدعية بصوت مسموع فيقلدوننا والرسول كان يعلم الأطفال ويقول{يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ}[2] كما يجب أن نأكل كلنا جماعة ولو مرة في اليوم ليتعلم معنا الآداب فيُصَغِِّر اللقمة ويمسكها بالثلاث أصابع وليس باليد كلها وكان النبي كذلك وألا نتتخمه بالطعام ويتعلم استخدام أدوات المائدة المعتادة في وسطهم والأكل باليد اليمنى ولا يجعل فمه في الطعام لئلا ينزل بعضه من فمه في الإناء فيمتنع الآخرون عن الأكل وعدم التنفس في الإناء ثم يأكل مما أمامه ما عدا الفاكهة يختار منها ما يشاء ولكن لا يضع النوى أو البذر في نفس طبق الفاكهة لماذا؟ لأنه من الجائز أن يكون الإنسان مريضاً فتحدث عدوى لبقية من يأكل وإذا كان الطعام ساخناً لا يجوز أن أنفخ فيه لكي أبرده وكذلك لا يأكله وهو ساخن لكي لا يؤذيه وبعد أن يفرغ من الطعام يقول: الحمد لله ويغسل اليدين والفم قبل الطعام وبعد الطعام وكذلك نعلمه كيف يلبس، فيلبس باليمين وكذلك الجميع الكم اليمين أولاً والرِجْل اليمين أولاً في البنطلون والشراب اليمين أولاً وإذا خلع يخلع الشمال أولاً وإذا لبس جلباب جديد نعلمه أن يقول [الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي كَسَاني مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي] [3] ونعلمهم آداب السلام وأن تحية الإسلام هي السلام عليكم ورحمة الله فتعلمي أختي المسلمة أبنك أو ابنتك عندما يخرجون للمدرسة يجب أن يقولوا: السلام عليك يا أمي أو السلام عليكم للجميع وعندما تعود من الخارج تقول أيضاً السلام عليكم وذلك لأنه تدريب عملي أمرنا به رسول الله وإذا خرجت وعادت في اليوم عشر مرات ما المشكلة في أن تقول: السلام عليكم؟ونعلمهم ثواب ذلك و أن بذلك سيكتب لهم عشر حسنات ومن سيرد سيكتب له عشر حسنات فلماذا نحرم أنفسنا من هذه الحسنات ونعلمه مثل هذه الفضائل فنعلمه كيف يتكلم وينطق بالألفاظ المهذبة ونعلمه القرآن الكريم في الكتاب فقد ورد في الأثر {إذا ذهب الطفل ليحفظ القرآن (إلى الكتَّاب) وقال: بسم الله الرحمن الرحيم غفر الله لأربعة للطفل وأبيه وأمه ومعلمه} [1] عن عبدِ الله بنِ عامر سنن البيهقى الكبرى[2] عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ ، (مسند الإمام احمد)[3] عن عبد الرحمٰن بن أبي ليلى ( مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي ) قال: قال رسول الله إِذَا لَبِسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا فَلْيَقُلْ الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي كَسَاني مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ في النَّاسِ». منقول من كتاب [المؤمنات القانتات] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%E3%C4%E3%E4%C7%CA%20%C7%E1%DE%C7%E4%CA%C7%CA&id=12&cat=2
  7. ما المنهج الذي وضعه الإسلام لكل أب ولكل أم لتربية الأبناء؟المنهج الإسلامي موجود في القرآن الكريم وموجود في سنة النبي فآيات القرآن الكريم التي تشتمل على منهج تربية الأبناء موجودة في سورة لقمان {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} إلى آخر الآيات وهي آيات طويلة أود أن ألفت نظركم إليها والواجب على كل مسلم ومسلمة أن يقرأ هذه الآيات ويقرأ تفسيرها أو يسمعه لكي نعرف كيفية تربية الأبناء في الإسلام كما أمر الله والرسول سهل الأمر وبسطه وقال لنا {أَدبُوا أَوْلاَدَكُمْ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: حُب نَبِيكُمْ، وَحُب أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ }[1] ( وأود هنا الإشارة إلى كتاب " تربية القرآن لجيل الإيمان"وهو كتاب جيد في بابه)والسؤال الآن متى يكون هذا التأديب؟وما هو الأدب المناسب والطريقة المناسبة لكل مرحلة؟الرسول وضع منهجاً عملياً تنفيذيا لتربية الأولاد والبنات وقسم هذا المنهج الرشيد إلى ثلاثة مراحل، وقد قال الإمام على في ذلك المنهج وفى وصف مراحله {لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً }[2] فهناك آداب التي عند الولادة نعم من لحظة ولادة الطفل فعندما يولد الولد نؤذن في أذنه اليمين ونقيم الصلاة في أذنه اليسري فقد أخبر رسول في ذلك أنها تحفظه من الشيطان بعد ذلك نساعده بأن نختار له أو لها اسماً إسلامياً فلا نسميه مثلاً لورين أو مادونا أو جوني لماذا لمَ هذه الأسماء؟نريد الأسماء الإسلامية التي يفتخر بها يوم القيامة «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبائِكُمْ، فَحَسِّنُوا أسماءَكُمْ»[3] وكان حضرة النبي يختار الاسم الجميل ومن المشهور والمعروف في السنة أنه عندما رزق سيدنا الإمام علي بولد من السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما قال له رسول الله:ماذا نسميه؟قال: أسميه حرب قال: لا سمِّه الحسن وجاء له ولد آخر وقال له:ماذا نسميه؟قال له: أسميه حرب قال له: لا سمِّه الحسين وبعد ذلك يأتي السبوع وتقاليد السبوع؟ فواجب الزوجة يومها ألا تحمل زوجها فيه ما لا يطيق والسبوع السنَّة فيه ما هي؟إذا كان الرجل معه مال يذبح ذبيحة سواء رزق بنت أو ولد يسمونها العقيقة يعنى الفدية تفدى هذا الولد من الأمراض ومن الخطر ومن الشر ونأكل نحن والأهل من هذه الذبيحة ولا نحرم الفقراء وإذا لم يكن معه مال فلا شيء عليه أما إذا توافرت معه الأموال بعد سنة أو أكثر أو أقل فليصنع العقيقة – أما ما يعمله الناس حاليا من السبوع من حلويات وفشار وخلافه فهي لا تحل محل العقيقة ولا تغنى عنها ولو تكلفت أكثر منها ولكن من أرادت أن تعمل هذا السبوع فلا مانع ويعتبر صدقة للمولود والعيال تفرح بذلك والرسول يقول«للجنة باب يقال له: الفرح، لا يدخل منه إلاَّ مفرح الصبيان»[4] وكذلك نتصدق يوم السبوع بشيء لله والرسول قص شعر الحسن والحسين ووزنهم بالذهب وتصدق به ومعظم المواليد هذه الأيام قد لا يكون شعر لهم الآن فنخرج مبلغاً للفقراء والمساكين صدقة على هذا المولود والواجب علي الأم بعد ذلك في تربية الأولاد الرضاعة الطبيعية فالموظفات عندما تحمل إحداهن ينصحنها زميلاتها بأن لا ترضع تقول:لماذا؟يقولون: صدرك سينزل ويتشوه من الذي قال ذلك؟ الطب؟ كلا بل إن اللبن الذي ينزل لهذا الطفل: أولاً ينزل في الصيف بارد وفي الشتاء دافئ وكذلك ينزل مناسباً للسن فالطفل وعمره شهر ينزل اللبن بقيمة غذائية عالية للعظام وكلما كبر ينزل اللبن بغذاء مناسب لسنه إلى أن يكتمل في سنتين هجريتين وقالوا أيضاً أن هذا اللبن من فضل الله علينا ينزل معقماً ضد الجراثيم والميكروبات فعندما يرضع الطفل اللبن الطبيعي لا يصاب بالأمراض المعدية أو النزلات المعوية والناحية الأخرى عندما ترضع الأم ولدها تنظر له فينزل من عينيها الحنان والرحمة والشفقة والود ولا يجد مثل ذلك الطفل الذي يرضع الرضاعة الصناعية ولذلك من يرضع اللبن الصناعي يكون عصبي المزاج وقالوا أيضاً:أن الولد عندما يتناول الثدي ويمتصه فإن ذلك يعمل على رجوع الرحم إلى حالته الطبيعية بسرعة وقالوا أيضاً: أن الرضاعة الطبيعية هي السبب الرئيسي للوقاية من سرطان الثدي الذي انتشر بين النساء الآن فمن ترضع وليدها رضاعة طبيعية من ثديها لا يأتيها هذا المرض لكن الأخرى ولأنها رفضت أن تقوم بالمهمة التي كلفها بها الله يعاقبها الله بالسرطان وبأن تستأصل الثديين نهائياً وكذلك فإن الحمل نفسه والولادة سبب أساسي من أسباب سلامة الرحم عند المرأة وصحته لأنه يقوم بالوظيفة التي أعده الله لها وخلقه من أجلها .[1] أَبُو نَصْرٍ عبد الكريم الشيرازي في فَوَائِدِهِ والديلمي في مسند الفردوس وابنُ النَّجَّارِ عن عَلِيٍّ [2] ورد في الأثر عن علي بن أبي طالب . [3] عن أبي الدَّرْدَاءِ، مسند الإمام أحمد وسنن الدارمي وأبي داوود[4] عمدة القارئ ،في (الفردوس) عن ابن عباس يرفعه منقول من كتاب [المؤمنات القانتات] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%E3%C4%E3%E4%C7%CA%20%C7%E1%DE%C7%E4%CA%C7%CA&id=12&cat=2
  8. لماذا فرض الله علينا وسنّ لنا رسولنا هذا الاحتفال العظيم بالعيد السعيد؟ شكراً لله للأجر الكريم والثواب العظيم الذي تفضل علينا به في شهر رمضان وقد زاد في تكريمنا وجعل هذا الحفل لتشريفنا وأمر ملائكة السموات أجمعين أن يقفوا متأهبين وأن ينظروا مترقبين إلى جموع المسلمين وهي تستبق إلى ساحة البر والخير بين يدي الله رب العالمين ويقول لهم كما ورد في الحديث الشريف عن الحبيب {يا ملائكتي أنظروا إلى عبادي صاموا من أجلي وقاموا ابتغاء وجهي أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم} فيسمعنا في هذا الموقف العظيم ويسمع الملائكة أجمعين في مختلف عوالم الملكوت صافين أقدامهم مقبلين عليكم بوجوههم ليشهدوا لنا بالمغفرة من الغفار ويقول الله{يَا مَلاَئِكَتي مَا جِزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟فَيَقُولُونَ:جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ فَيَقُولُ: فَإِني أُشْهِدُكُمْ أَني جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَائي وَمَغْفِرَتي}[1] هذا الشهر الكريم لو علم رجل منا ما حصل فيه من الخيرات والفضائل والمبرات لسجد على وجهه شاكراً لله إلى أن يأتيه أمر الله شاكراً للنعم العظيمة التي أولاه بها الله في هذا الشهر الكريم ولذا يقول النبي{لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ}[2] وقد ورد في هذا المعنى أن رجلين تآخيا في عهد رسول الله وكانا يعملان معاً ويمشيان معاً ويعينان بعض على طاعة الله فمات أحدهما شهيداً في ميدان القتال ومات الآخر بعده بعام جاءه أجله على فراشه ومات موتة طبيعية فرأى سيدنا عبد الرحمن بن عوف الرجلين في الجنة غير أن الذي مات آخراً وموتته طبيعية أعلى منزلة في الجنة من الذي مات شهيداً في سبيل الله فقام من نومه متعجباً لأنه يعلم كما علمه الحبيب أن أعلى درجة في الجنة هي درجة الشهداء والتي يقول فيها النبي {إِنَّ فِـي الـجنةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّهَا للـمـجاهدينَ فـي سبـيلهِ ما بـينَ كُلِّ دَرَجَتَـيْنِ كَمَا بـينَ السماءِ والأرضِ}[3] فذهب إلى صلاة الفجر وهو يزيد عجبه من هذا الأمر وبعد انتهاء الصلاة وكان من عادة رسول الله مع أصحابه الكرام إذا انتهوا من صلاة الفجر أن يجلس معهم لحظات ويسألهم عما حصلوه في نومهم من عجائب ملكوت الله ومن عوالم فضل الله وكرم الله فقد كانوا تنام أبدانهم وتستيقظ أرواحهم لتذهب إلى ملكوت الله وتأتي بطرائف الحكمة وغرائب العلم وكثير من فضل الله الذي يشهدكم الله إياه في المنام فإذا صلوا الفجر قال لهم {من منكم رأى الليلة رؤيا؟} فيقصون عليه رؤياهم فيؤولها لهم ويفسرها لهم فلما قصّ عليه سيدنا عبد الرحمن بن عوف رؤياه قال { مِنْ أَىِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَاداً ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ الله أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً قَالُوا بَلَى قَالَ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ في السَّنَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ رَسُولُ الله فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}[4] وكأن الفضائل التي يعطيها الله لنا في شهر رمضان لا يعادلها حتى الجهاد في سبيل الله ولا إراقة الدماء بين الصفوف في القتال للأجر العظيم والثواب الكريم الذي كتبه لنا المولى العظيم في هذا الشهر فمنا من يكرمه الله ويكتبه في كشوف العتق من النيران وهي كشوف تظهر في اللوح المحفوظ في كل ليلة وفي كل ليلة كشف فيه مائة ألف بأسمائهم وأسماء آباءهم ومقابل كل واحد منهم مكتوب بقلم القدرة الربانية (هذا عتيق الله من النار وفي ليلة الجمعة يظهر كشف فيه عدد بعدد ما أعتق الله في سائر الأسبوع وفي الليلة الأخيرة يظهر كشف كبير فيه عدد كعدد من أعتق الله في سائر الشهر كلهم عتقاء الله من النار ومن لم يصبه الدور في هذا العام قد يكون أصابه في عام سابق أو يكون قد ادخره الله له في عام لاحق المهم أنه لا يخرج مؤمن من الدنيا إلا وقد فاز بالعتق من النيران إلا من كان غاضباً عليه الرحمن كيف يسجل اسم الرجل منا في هذا الكشف وما العمل الذي يستوجب به العتق من النيران؟عمل يسير وأجر كبير يقول فيه البشير النذير {مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ لَهِ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ}[5] من فطّر في هذا الشهر صائماً لله كتب اسمه في الحال في كشوف العتق من النيران عند الله قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه قال:يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو على مزقة لبن فالمؤمن الذي لا يفطر صائماً في عمره كله ولو على شربة ماء هو وحده المحروم من هذا المدد النازل من السماء لعباد الله المؤمنين والعقلاء وهذا ما كان يفعله السلف الصالح فقد كانوا يتنافسون في إطعام الطعام وفي صلاة القيام في شهر رمضان رغبة في هذا الأجر الكبير ونحن والحمد لله قد كثرت أقواتنا ودرّت السماء بأرزاقنا وأصبحنا نُغْدق على أنفسنا وأولادنا الكثير والكثير ولكن الشيطان والنفس تحرمنا من هذا الأجر الكبير فيبخل الرجل منا على نفسه أن يطعم رجلاً لوجه الله تعالى في رمضان ليكون من عتقاء الله من النار فالمؤمن الذي يرجو العتق من النيران يطعم في كل رمضان ولو يوماً واحداً ولو مرة واحدة رجلاً من طعامه مما يسر الله له من الأرزاق ولو على تمرات ولو على شربة ماء حتى يكون من الذين يتفضل الله عليهم ويرزقهم العتق من النيران ومنا يا إخواني من تدركه في هذا الشهر عناية الله فلا تستطيع الملائكة الكرام أن تسجل أقلامهم أعماله الصالحة فتكل أيديهم من الكتابة وتعجز صحفهم عن حمل هذه الحسنات ويتساءلون لله قد انتهت الصحف التي بأيدينا وعجزت الأقلام التي بأيدينا عن تسجيل هذا الأجر فيقول الله لهم: اكتبوا عمل عبدي كما هو وضعوه لي وأنا أضع أجره{كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللّهُ:إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}[6] أي أنا الذي أضع أجره وأنا الذي أصنّف ثوابه وأنا الذي أحدد نعيمه وأنا الذي أرفع شأنه لأنه صام ابتغاء وجه الله بترك الطعام والشراب من أجل الله ومثل هؤلاء لا يطلع على ثواب أعمالهم ملائكة السموات ولا شياطين الأرض وكل عملهم مدخر لهم عند الله يبرز لهم عن خزائنه خزائن القدرة يوم يلقون الله فيحسدهم النبيون والمرسلون بل والخلائق أجمعون على العمل الكبير والأجر العظيم الذي خصهم به الله في هذا الشهر المبارك الميمون ومنا من يكرمه الله في هذا الشهر فيوفقه لأن يفتح كتاب الله ويتلو منه ما تيسر له كما قال الله {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}فإذا كان في آخر الشهر خرج له كتاب من الله صدق عليه كتاب الله بأن هذا يشفع له كتاب الله يوم يلقى الله قال النبي{الصِّيامُ والقُرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ يومَ القِيامَةِ يقولُ الصِّيامُ: أيْ رَبِّ مَنَعتُه الطَّعَامَ والشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ويقولُ القرآنُ:مَنَعْتُه النومَ باللَّيلِ فشفِّعْنِي فيه قال:فَيَشْفَعانِ له} [7] أعمال كثيرة وأجور كبيرة حتى أن الكرام الكاتبين يعجزون عن تسجيل حتى الفرائض المعروفة التي يؤديها المسلمين في شهر رمضان لأن الفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه والنافلة فيه بفريضة فيما سواه شهر رمضان شهر كريم يكتب الله لنا فيه النوم عبادة ويكتب لنا فيه الصمت تسبيح ويكتب لنا فيه الطعام أجر وثواب ويجعل حركاتنا وسكناتنا كلها فيه بأجر كبير عند الله فنحتفل بهذا التكريم وبهذا التعظيم ويبشر بعضنا بعضاً فيه بفضل الله وقد كانت هذه هي الحكمة في قول الله {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} فنكبر الله لأنه هدانا لأفعال الخير ولعمل البر في شهر رمضان ونصلي العيد لنرجو من الله أن يعيد علينا أعمال الخير وأعمال البر بعد رمضان كما كنا نعملها في رمضان لأن الله حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وخزائن عطائه وفضله مفتوحة بعد رمضان كما كانت مفتوحة في رمضان فلا يغلق منها شئ بعده ولا يمنع الله أجراً بعدها ولا يلغي الله ثواباً بعده للعاملين بطاعته والراغبين في جنته لكن عنده الأجر العظيم والثواب الكريم قال النبي {إن الله يتجلى لعباده فيغفر لهم مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه مما يرى من كثرة مغفرة الله}[8] وقال { إن الله يباهي بعباده ويقول لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى عبادي الصائمين إني فتحت لهم أبواب الجنة وأغلقت أمامهم أبواب الجحيم وأشهدكم يا ملائكتي إني قد غفرت لهم} [1] رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن أبي هريرة[2] رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري[3] رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة[4] عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمن عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، المسند الجامع، وفى رواية أبى هريرة فى مجمع الزوائد: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، وكَذا وكَذا رَكْعَةٍ صَلاةُ سَنَةٍ؟}[5] رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وابن حبان في الثواب عن سلمان[6] رواه الدارمي في سننه وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة.[7] رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو[8] رواه الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان عن حذيفة بن اليمان. منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  9. لماذا كانت عناية الله بشهر الصيام؟ لأنه شهر تربية الأمة المحمدية فإن الله جعل الصيام هو سر سعادتنا فيه فلو أننا وصلنا إلى الحكمة التي من أجلها فرض الله علينا الصيام لسعدنا في دنيانا وفزنا في أخرانا فرض الله علينا الصيام ليدربنا على أهم أساس فيه لله وهو مراقبة الله في السر والعلانية في الظاهر وفي الباطن فإن المؤمن يصوم عن الطعام والشراب ولا يراه ولا يطلع عليه إلا رب الأرباب يستطيع أن يفطر بينه وبين نفسه ولكنه في هذا الوقت وإن كان لا يراه أحد من الخلق فإنه يكون غاش لنفسه عند الخالق فإذا تدرب المؤمن طوال شهر كامل على مراقبة الله في كل حركاته وفي كل سكناته وفي كل أعماله يصبح بعد هذا الشهر وقد رقى إلى مقام {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} وهذه هي علامة قبول الصيام فالعلامة التي يعرف بها المرء أن الله قد تقبل صيامه أن يخرج من هذا الشهر وقد وجد في داخل قلبه مؤذناً أو منبهاً ينبهه عند الوقوع في أي ذنب فعندما تريد يده أن تمتد إلى حرام أو تريد عينه أن تنظر على آثام يجد في قلبه منبهاً من قبل الملك العلام ينبهه إلى هذا الأمر {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} إن التاجر الذي تقبل الله صيامه إذا أراد أن يغش في البيع أو يغش في الميزان أو يغش في الثمن يجد منادي من الله في قلبه ويجد منبه الله في ضميره يجذبه من هذا الأمر وينهاه عن هذا الفعل لأنه تفضل عليه الله فتقبل صيامه وعلامة القبول أن الله رزقه نفساً لوامة أقسم بها الله فقال{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}والمعنى هنا يقسم بالتأكيد بالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها عند الشر وتزجره عند المعصية وتنهاه عند الاقتراب من الخطيئة لأن هذا علامة حفظ الله لهذا العبد أما العبد الذي غضب عليه مولاه وجعل والعياذ بالله جهنم مثواه فهو الذي طبع الله على قلبه وأخمد الله نور نفسه فجعله لا يتحرك عند المعصية متألماً بل جعله يسر عند المعصية ويعتقد أنه فعل شيئاً عظيماً فعندما يغش مسلماً لينال من وراءه بضع جنيهات يفرح ويباهي بذلك وكأنه عمل عملاً عظيماً لم يفعله سواه يتباهى بذكاءه ويتباهى بذنبه ويتباهى بحيله وهو لا يعلم أنه داخل في قول الله {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} اعلموا علم اليقين أن من غش الأمة حرم من الدخول في صفوفها يوم الدين فقد قال النبي {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[1] فإذا أراد أن ينضم إلى صفوفهم يوم القيامة أخذت الملائكة بيده وأبعدته عنهم ويقول يا محمد يا محمد فيقول رسول الله يا ربَّ أصحابي فيقول الله {إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: سُحْقاً فعنكن كنت أدافع}[2] فمن غش نفساً مسلمة واحدة فكأنما غش المسلمين أجمعين من غش مسلماً في بيع بأن خلط اللبن بالماء أو أخفق الميزان عند الوزن أو أعطاه سلعة على أنها جيدة ووجد أنها خبيثة أو أعطاه فاكهة ووجد في أعلاها الطيب وفي أسفلها الخبيث أو غشها بأي فن من الفنون كل هذا يا إخواني دليل على غضب الله ودليل على مقت الله ودليل على أن هذا يمكر به الله ليلقيه في جهنم وبئس المصير فكان شهر رمضان تطهيراً للقلوب التي مالت بالشهوات وللنفوس التي غفلت عن مراقبة خالق الأرض والسماوات فيحيي الله النفوس ويحيي الله القلوب فيخرج المسلمون بعد ذلك وهم يراقبون الله في السر والعلن لو خلا المرء منهم ولم ير أحداً إلا الله يقول لنفسه إذا حدثته بمعصية: إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تقلْ خلوتُ ولكن قل عَلَيَّ رقيبُ فلا تَحسَبَنَّ اللـه يَغفَلُ ساعةً ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما بقَرضِك تُجْزَي والقُروضُ ضروبُ فلا تَكُ مَغروراً تَعَلّلُ بالمُنَى وقُل إنما أُدْعَى غداً فأُجِيبُ أَ لم تَرّ أَنَّ اليومَ أسرعُ ذاهب وأَنَّ غداً للنّاظرين قريبُ وإذا كان الذي ظلمته لم يعلم بظلمك الآن ولم يستطيع أن يثبت الظلم لأنك أحبكت التبرير وأخفيت كل علامة للجريمة فهناك يوم يقتص فيه الله فيه للمظلوم من الظالم يوم لا تخفى عليه فيه خافية ينظر المرء فيه إلى ما قدمت يداه ويعجب من عجيب صنع الله وكيف أنه سجل عليه حتى خلجات نفسه وخواطر فؤاده وحتى الأفكار التي كان يدبرها بعقله ليدبر بها المكر للمؤمنين والشر للمسلمين لأن الله يتولى بنفسه أخذ الحقوق للمسلمين والمؤمنين قال النبي عندما مر على كبشين ينتطحان يا أبا ذر تعلم فيم ينتطحان؟ قال: لا وكان أحدهما له قرون والآخر ليس له قرون يعني أحدهما قوي يستغل قوته والآخر ضعيف لا يستطيع أن يدفع عن نفسه قال {إِنَّ الْجَمَّاءَ [التي ليس لها قرون] لَتُقَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[3] وكان هذا مثل ضربه لأصحابه فإن الله يأخذ للمستضعفين الذين ليس لهم نصير إلا الله ولا ملجأ إلا الله ولا عون إلا من الله من الذين يغترون بقوتهم أو بقوة أولادهم أو بجاههم أو بأموالهم يوم يجردهم الله من كل هذه الأشياء ويدخلون في قول الله {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يحاول كل منهم أن يلصق التهمة بأخيه ويلصق التهمة بأبيه ويقول هو الذي أمرني وهو الذي دفعني وهو الذي حضني فيقول تعالى {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} لأنكم أطعتم الهوى والشيطان ولم تنفذوا أحكام الرحمن لن تسعد هذه الأمة إلا بما سعد به أولها وقد سعد أولها بمراقبة الله وبطاعة الله فكان الرجل منهم يأخذ الكلمة من أخيه قانون سماوي لا يبدل ولا يغير حتى ولو كان بعيداً من القوم فقد مرَّ عروة بن الزبير بعبد الله بن عمر وهو في الطواف وقال: يا عبد الله زوجني ابنتك فلانة فنظر إليه ولم يجبه فلما ذهب إلى المدينة وحانت منيته قال: يا بني أئتوني بعروة بن الزبير لأنه طلب مني الزواج من فلانة وقد وعدته بالإجابة وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق فأحشر يوم القيامة مع المنافقين فجيء إليه بعروة فقال له إنك لم تعدني قال: قد سكت والسكوت علامة الرضا ولم أكلمك في هذا الموقف لأننا كنا نتراءى ربنا في الطواف ونادي يا فلان "لكبير أولاده" زوجه فلانة فإني أخاف أن ألقى الله وقد أخلفت مؤمناً موعداً فما بالنا ونحن نخلف في كل يوم آلاف المواعيد لإخواننا المؤمنين والطامة الكبرى إننا لا نلقي لهذا الأمر بالاً ولا نحس أن هذا ذنباً أو معصية سيحاسبنا الله عليها لكي يصلح الله حالنا نحن بحاجة إلى صحوة النفوس في مراقبة الملك القدوس فنراقب الله في أعمالنا ونراقب الله في أقوالنا ونراقب الله في حركاتنا فإذا تكلم الرجل منا بكلمة يعلم أن الله يسمع ما يتفوه به بلسانه فلا يقول إلا ما يرضي الله وإذا امتدت يده إلى عمل يعلم أن الله يطلع عليه وهو الذي سيحاسبه عليه فلا يعمل إلا ما يرضي الله إذا وصلنا إلى هذا الأمر نظر الله إلينا فبدل حالنا وغير أوضاعنا لأنه يقول في كتابه {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [1] رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة [2]رواه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس [3]عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ, أخرجه عَبْد الله بن أحمد المسند الجامع منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  10. لو تتبعنا سنة الحبيب التي نعرفها في العيد ونستسهلها وربما لا يلقى بعضنا لها بالاً لوجدنا لنا فيها جميعاً أمر رشيد فإنه يأمرنا ليلة العيد أن نغتسل ثم نلبس أحسن ما عندنا ثم نخرج في الصباح مهللين مكبرين إلى بيت ربنا ثم نصلي العيد ونستمع الوعظ الرشيد ثم نرجع من طريق غير الذي عدنا منه فلماذا هذه السنن النبوية؟ إنه يشير لنا جميعاً معشر الأمة المحمدية إلى نعم الله الجلية لنا في يوم العيد وليلة العيد إن الرجل منا إذا ولد فإن أول خطاب يأتيه من الله فبمجرد نزوله من بطن الأم يستهل صارخاً وإذا بالملائكة يحولون التحويلة الإلهية على أذنه ويقولون له أصغي جيداً هذا ربك يخاطبك فيقول الله له كما ورد في الأثر عن بعض الصالحين {إن لله تعالى إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبـيل الإلهام: أحدهما: إذا خرج من بطن أمه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة وانظر إليَّ كيف تلقاني والثاني: عند خروج روحه يقول: عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب}[1] خلقتك طاهراً نظيفاً ليس من الأوساخ والقاذورات ولكن طاهراً من النفاق وطاهراً من الكذب وطاهراً من الغش وطاهراً من الخيانة وطاهراً من كل هذه الأمراض الباطلة (الباطنة) التي حذرنا الله منها ونهانا الرسول عنها فإذا مشى الإنسان في دنياه كان لابساً على فؤاده ثياب تقوى الله {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}هذا اللباس الذي يلبسه المؤمنون لباس التقوى ورداء التقوى هو الذي يجعل الإنسان منا يستحي أن يعصي الله ويحس بالندم وبوخز الضمير وبالتأنيب والتعنيف إذا وقع في جريمة في حق نفسه أو إخوانه أو في حق الله هذا اللباس الطيب الذي تفضل الله به على المؤمنين ولم يعطه للكافرين ولو دفع الإنسان منهم ملء الأرض جميعاً ما كان لهم خيطاً واحداً من هذا الثوب ثوب التقى والهدى والغنى والعفاف الذي زينكم به الله وهذا هو الذي يقول فيه {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي خذوا زينتكم التي زينكم بها الله في السر والعلانية وإلا لو لبس رجل منا أحسن ما عنده من الثياب ووضع فوق جسمه قارورة من العطر الطيب ودخل وقلبه مملوء بالأحقاد أو الأحساد أو الغل أو الحرص أو الغيظ على عباد الله المؤمنين فإنه لن يدخل بالثوب الذي ارتضاه وزينه به رب العالمين أولى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم الزيارة في الثوب الذي خلعَ خلع: خلعه عليك أي ألبسك إياه فأولى الملابس أن نلقى بها الله في بيت الله الثوب الذي ألبسه لك الله وهو ثوب الإسلام والإيمان والتقى ومراقبة الديان فالإنسان يسير في دنياه فيتسخ الثوب واتساخه من الذنوب ومن العيوب ومن مخالفة علام الغيوب وقد قال في ذلك النبي {إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُه وَإنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو قَلْبَهُ وهُوَ الرَّانُ الذَّي ذَكَرَ الله [يعني الغطاء] ثم تلا قول الله {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[2] هذه الذنوب هي التي تباعد المرء عن طاعة علام الغيوب فتجعله لا يميل إلى استماع كلام الله ولا يحب أن يسمع كلمات الوعظ من العلماء بالله وتجعله يتهافت على المعاصي ويميل إلى الشرور والآثام لأن الذنوب تجعل على قلبه حاجزاً بينه وبين الملك العلام وهذه الذنوب صنفان ذنوب صغيرة وهذه تزول بسرعة بالصلوات المكتوبات كما قال الله {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي بالصلاة {وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} يوم لقاء الله وقد قال النبي{أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ: فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا }[3] فالصلوات الخمس تجدد ثوب القلب وتغسله من المعاصي والذنوب والخطايا الصغيرة أما الذنوب الكبيرة وأما الخطايا العظيمة فتحتاج إلى غسيل خاص وإلى مسحوق للغسيل خاص وإلى نظام خاص فجعل الله لها هذا الشهر الكريم فهذا شهر يتفضل فيه الملك الكريم فيأخذ ثيابنا الداخلية ثيابنا القلبية ويطهرها من الذنوب والآثام ما صغر منها وما كبر ما ظهر منها وما بطن ما عظم منها وما قل وإذا كانت ليلة العيد ألبسك ثوباً تقياً نقياً طاهراً كالثوب الذي كنت تلبسه عند خروجك إلى دار الدنيا عند مولدك ولذا أمرك النبي الكريم أن تغتسل إشارة لك أنك اغتسلت من الذنوب كلها باطناً فاغسل نفسك ظاهراً لكي تكون ظاهراً وباطناً طاهراً نظيفاً للقاء الله فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وأمرك سبحانه أن تلبس الثوب الجديد ثوب التقى ثوب النقا ثوب الهدى ثوب الإيمان ثوب مراقبة الديان وتقلع عما كنت فيه قبل رمضان من الغي ومن القبيح ومن النوايا السيئة ومن القصود الفاسدة ومن الأهواء المهلكة ومن الشهوات المردية واعقد العزم مع الله على أنك لن تعود إليها أبداً بعدما طهرك الله ونظفك الله ونقاك الله وجعلك من عباده المتطهرين فإذا جئت إلى بيت الله فأنت تكبر الله كأنك لا ترى شيئاً في عينيك ولا في فؤادك ولا في قلبك أكبر من الله فقد كنت قبل رمضان يغلب عليك أشياء في الدنيا تسيطر عليك وتغلب عليك وهي أحب إليك من طاعة الله أحياناً فإذا ناداك الله تكاسلت في الذهاب إلى الصلاة لانشغالك بمباراة أو لمشاهدتك لمسلسل يغضب الله أو لحديث في القيل والقال لا يرضي الله كل هذه وغيرها تمنعك من المسارعة لنداء الله وهو يقول لك حي على الصلاة حي على الفلاح يعني أقبل على الفلاح فإذا كنت في عمل فيقول لك {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}فإذا دخلت في الصلاة وقلت الله أكبر أمر الله الملائكة أن تنظر في قلبك فربما وجدت قلبك يغلب عليه حب الدنيا فتقول لك كذبت الدنيا في قلبك أكبر وربما وجدت قلبك ينظر إلى فاتنة أو غانية فتقول لك كذبت النساء في قلبك أكبر وربما وجدت قلبك كل همه في الحصول على المال والحصول على المادة التي كتبها الله وقدرها الله ولن يموت واحد منكم إلا ويقبض بيده ما صرفه له الصراف الأكبر وهو الرزاق الكريم فتقول لك الملائكة كذبت المال في قلبك أكبر لابد عندما تقول في الصلاة الله أكبر أن تخلع من قلبك كل الأنداد وكل الشركاء فلا يكن في قلبك حب يساوي حب الله حتى لنفسك وحتى لزوجك وحتى لولدك فهؤلاء في المرتبة الثانية أو الثالثة بعد حب الله ورسوله قال النبي {لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكُونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِهِ وَوالِدِهِ ونفسه والناسِ أَجْمَعِين}[4] وهذا قول الله محذراً لنا {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ} إذا كان واحد من هذه الأصناف أحب إليك من الله ورسوله فتربص بنفسك السوء واخش على نفسك المقت من الله والغضب من الله لأنك عظمت ما حقَّر الله ولم تعظم ما عظم الله أما المؤمن فهو الذي يعظِّم الله في وقت الصلاة فقد كان النبي كما تقول السيدة عائشة {كان رسول الله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه }[5] وعن الأَسْودِ بنِ يَزِيدَ قَالَ {قُلْتُ يَا عَائِشَةُ أَيُّ شَيْءِ كَانَ النبيُّ يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ قَامَ فَصَلَّى} لماذا؟ لانشغاله بالله عن كل شئ سواه فإذا تم للعبد المؤمن هذه الفرحة كان الله في قلبه أكبر من كل شئ فعندما يقف بين يدي الله وقد ترك تجارته أو ترك عمله أو ترك حديثه أو ترك مشاهداته ويقول الله أكبر تقول له الملائكة صدقت الله أكبر في قلبك من كل شئ، فنكبر الله لأننا نعلن بذلك لله ونعلن بذلك لملائكة الله ونعلن بذلك لأرض الله فإن الأرض ستشهد لنا عند الله قال النبي{إنه لا يَسْمَعُ مدى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ }[6] فأنت إذا كبرت فأنت تؤذن لله فكل من يسمعك سيشهد لك عند الله يوم القيامة بأنك كبرت الله وأعليت شأن شريعة الله وصارت في المحل الأعلى من قلبك وصرت من عباد الله الصالحين فإذا دخلت إلى الصلاة يأمرك رسول الله أن تصحب معك أهلك حتى زوجتك حتى ولو كانت حائضاً لأنه أمرهم أن يصحبوا الحيض ولا يمنعونهن من حضور الخير في ذلك اليوم فكنَّ الحيض يجلسن على جانب المصلى ليشهدن الخير لماذا؟ لأن الله يدعوك ليكرمك وليجزيك ليجزل لك الأجر العظيم وأنت إذا دعاك رجل في الدنيا كريم لتكريمك تصحب من استطعت وتدعو من عرفت ليشهدوا تكريمك وليروا تنصيبك وتعظيمك وفى الحقيقة فإنهن يحضرن تكريمهن أيضا في هذا اليوم فقد صمن كما صام أزواجهن ويتسلمن أوسمتهم كما يتسلم أزواجهن فما بالنا وأكرم الأكرمين يكرمنا جميعاً في هذا اليوم العظيم وقد أمرنا رسولنا الكريم أن نرجع من طريق غير الذي جئنا منه يعني أننا إذا كنا جئنا إلى بيت الله وفي قلوبنا ولو بعض الذنوب ولو بعض العيوب ولو بعض الإحن والضغائن أن نرجع من طريق يقول فيه الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} إذا كنا عندنا بعض النوايا بالشرور نجعلها نوايا في طاعة العزيز الغفور إذا كان عندنا تكاسل عن الطاعات والقربات نجعل عندنا عزيمة على عمل الصالحات ونحن في طريق عودتنا بجب أن نكون أفضل منا عند ذهابنا وتكوم عزيمتنا أقوى على الاستمرار وعلى أن نكون أهلاً دائما لهذه الأوسمة والنياشين التي عدنا بها إذا خرجنا جميعاً من صلاتنا بعد صيامنا بهذه الكيفية فإن ذلك يحل كل المشكلات الاجتماعية فإن الصيام جعله الله علاجاً لمشكلاتنا فإن مشكلاتنا التي تؤرقنا مشكلة القوت ومشكلة الغش ومشكلة الكذب ومشكلة الخيانة وكلها مشكلات جعلناها على الهامش من ديننا أي أن الرجل في زعمه أنه إذا أدى الصلاة وكذب فلا شئ عليه وإذا أدى الصلاة وخان فلا شئ عليه وإذا صام رمضان وغش فلا شئ عليه وكذب وكذبه الله وكذبه رسول الله فإن ديننا لا يفرق بين ترك الصلاة والكذب ولا يفرق بين ترك الصلاة والغش ولا يفرق بين ترك الصلاة والخديعة ولا يفرق بين ترك الصلاة وترك الأمانة ولا يفرق بين ترك الصلاة والتهاون بكل هذه الفضائل فقد قيل له ذات مرة {إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّار}[7] مع صلاتها ومع صيامها لا خير فيها لأنها فرقت بين العبادات وبين الأخلاق والمعاملات التي جاء بها فلم يعد الواحد منا يأمن أخاه ولا يثق في كلام أخيه حتى ولو حلف له بالله لا يصدقه بل إنه أحياناً لأنه يعلم ضعف إيمانه لا يرضى له الحلف بربه ويحلفه بزوجه وكأن زوجه أغلى عليه من ربه ويقول له لا أرضى حتى تحلف بالطلاق والذي يحلف بالطلاق معناه أن زوجته عنده أغلى من الله يا قوم ما هذا الذي نحن فيه؟وما هذا الذي وصلنا إليه؟إن هذا لأن قوماً زعموا أنهم إذا أدوا الصلاة وحافظوا على الصيام ووقعوا في هذه الذنوب العظام فلا عليهم شئ وهذا يقول فيه الله {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [1] إحياء علوم الدين ، وتفسير نظم الدر للبقاع [2] رواه الترمذي عن أبي هريرة[3] رواه مسلم والإمام مالك في الموطأ وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله[4] رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه والنسائي في سننه عن أنس[5] ورد فى طبقات الشافعيه الكبرى أنه رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق مرسلا، كما جاء فى الأزدى فى الضعفاء[6] صحيح البخارى عن أبي سعيد[7] رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  11. أكرمنا الكريم جميعاً في شهر الصوم فغفر لنا ذنوبنا وستر عيوبنا ونقّانا من كل قبيح وجملنا بكل خير ومليح فأصبحنا والحمد لله كملائكة الله أتقياء أصفياء أوفياء {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}إن من حكمة الصوم العظمى وحكمه لا تُعد ولا تحصى أن كل واحد منا إذا دخل هذا الشهر الكريم يأخذ نفسه ويضعها بين يدي مولاه والنفس هي المخزن الذي يخزن الإنسان فيه طوال العام ما يسيئ وما يضر يخزّن فيها حقده على فلان ويخزّن فيها حسده على فلان ويخزّن فيها طمعه في فلان ويخزّن فيها ظلمه لفلان ما أشبهها بصندوق القمامة أو بسلة المهملات التي يضع فيها الإنسان أقبح شئ عنده أما القلب فهو صندوق نوراني وخزينة محكمة يضع الإنسان فيها أثمن شئ عنده يضع فيها ذكر الله ويضع فيها التسبيح لله ويضع فيها الصلاة على رسول الله ويضع فيها النصح لعباد الله ويضع فيها الرحمة بجميع خلق الله فالنفس مصدر كل شر وقبيح والقلب مصدر كل خير ومليح ومن حكم الصوم العظمى أن الله يأتي على هذه السلّة ويفرغها فيفرغها من الشرور والآثام ويفرغها من الحقد والحسد ويفرغها من الكراهية والبغضاء ويفرغها من الشحناء ويفرغها من الغل ويفرغها من جميع الصفات الخبيثة وفي نفس الوقت يعمِّر الصندوق النوراني بنور الله فيهيج صاحبه بذكر الله ويفرح في السرور لعباد الله ويشفق ويرحم جميع خلق الله ولذلك تجدون جميعكم والحمد لله في هذا اليوم الكريم تجدون أنفسكم منشرحين الصدور كل واحد منكم يقابل أخاه بوجه هاش باش يريد أن يعتنقه ويريد أن يقبله ويريد أن يصافحه ويريد أن يعبر له عن فرحته بكل ما يستطيع لماذا؟لأنه يصدر من قلب نوراني عمّره الله بأنواره وملأه الله بإحسانه، وملأه الله بطاعته فإذا كان هذا اليوم العظيم فاعلموا أن طاعتكم في هذا اليوم لله وشكركم في هذا اليوم لله أن تكونوا كما ورد في الأثر { إن الله يحبُّ من خَلقه من كان على خُلُقه } يحب أن نكون اليوم ولو اليوم فقط على أخلاقه هو عفو ويريد أن تكون أنت اليوم عفو عمن أساء إليك وعفو عمن ارتكب في حقك معصية وعفو عمن ارتكب في ناحيتك شرٌ وانظر إلى الله كيف يعامل الكفار؟ماذا يصنعون في هذه الأرض؟ولكن العفو لا يعاملهم ببعض ذنوبهم ولا ببعض شرورهم{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ}لو يؤاخذهم ببعض ذنوبهم لأهلكهم جميعاً ولكنه عندما تهم البحار كل صباح وتقول دعنا نغرقهم وتقول الأرض دعني انشق فأبتلعهم وتقول السماء دعني أهوى عليهم فأحرقهم فيقول الله لهم وهو الشفوق الرحيم العطوف أنتم خلقتموهم يقولون لا أنتم ترزقونهم؟يقولون لا فيقول أنا خالقهم وأنا رازقهم وأنا أولى بهم منكم لا شأن لكم بهم هذا هو العفو عمن أساء إليه يعفو عمن ارتكب القبائح على أرضه مع أنه يأكل من خيره ويعيش من بره ويتحرك بفضله ولكنه ذو عفوٌ ويريد أن تتحلى كل يوم بصفة العفو وتكون كما قال الله لرسوله {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} نريد أن نأخذ العفو اليوم بقلوبنا ويظهر على جوارحنا فنعفو عمن أساء إلينا ونصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا فنكون في رضاء ربنا إن عبادة هذا اليوم هي المصافحة وهي المعانقة لعباد الله المؤمنين ولعلكم تستصغرون أجر هذه العبادة ولكن اسمعوا إلى نبيكم يبين لكم قدرها فيقول {إنَّ المُسْلِمَ إذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا [يعني نزلت ذنوبهما] كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ}[1] أي كما ينزل ورق الشجر أي كلما سلمت على مسلم نزلت جميع ذنوبك وجميع ذنوبه ربما تقول لي إن ذنوبي تنزل مع أول مسلم أسلم عليه فماذا يحدث مع الباقين؟ يكتب لك حسنات قدر الذنوب التي نزلت عنك في أول مرة سلمت فيها على أول فرد من المسلمين هذا للمصافحة فما بالك بالنظرة إذا نظرت في وجه أخيك المؤمن ببشاشة وابتسامة وبسرور ماذا يحدث؟اسمع إلى رسولك وهو يقول {نظرة في وجه أخ في الله على شوق خير من اعتكاف في مسجدي هذا عاماً}[2] أفضل من الاعتكاف في مسجد رسول الله سنةَ وما أجر الاعتكاف؟إن الاعتكاف يقول فيه رسول الله {من اعتكف قدر فواق- والفواق هو الوقت بين حلبتين للناقة وهو وقت يسير- كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل}[3] والأجر في مسجد رسول الله يضاعف عشرة آلاف مرة عن هذه البقاع التي نحن فيها فإذا عبد الإنسان الله واعتكف في مسجد رسول الله عاماً فله من الأجر ومن الثواب ما يعجز عنه حتى الكرام الكاتبين هذا الأجر كله نأخذه بنظرة في وجه أخيك ولكنها نظرة بمحبة ونظرة بحنو ونظرة بشفقة ونظرة بعطف ونظرة بقبول وإقبال وليست نظرة بحقد ولا حسد وليست نظرة بكراهية وبغضاء فانظر كم يحرم نفسه الحاقد في هذا اليوم من الأجر والثواب ماذا يتعب الإنسان في النظرة التي يحصل منها وبها على هذا الأجر الكبير؟ لا يتعب كل ما في الأمر أن يملأ قلبه بالمحبة لعباد الله في هذا اليوم لكي تكون نظرته نظرة محبة وعطف وشفقة لجميع عباد الله ولو أن مسلماً كان مسيئاً إليك فسامحه اليوم إن لم يكن إكراماً لذاته فإكراماً لرسول الله فإنك إذا كان لك أبناء وتخاصم بعضهم مع بعض وجاء يوم العيد ماذا تريد منهم؟ وماذا تحب منهم؟هل تحب أن يظلا متخاصمين ذلك اليوم؟أبداً لكنك تريد منهم أن يكونوا في هذا اليوم على بساط المودة والصفاء وكذا رسولكم الكريم نحن جميعاً أبنائه بنص قول الله {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فأبوكم المصطفى يريد منكم أيها الأخوة بنص كلام الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أن تصفحوا الصفح الجميل وأن تكونوا في هذا اليوم إخوة متآلفين متحابين متعاونين إكراماً لسيد المرسلين وإكراماً لرب العالمين من قال في كلامه المتين {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}هذه عبادتنا في ذلك اليوم المصافحة والمعانقة وصلة الأرحام وما أدراك ما صلة الأرحام إن هذا اليوم الكريم هو يوم صلة الأرحام يوم صلة الأقارب ويوم بر الوالدين وبالذات بر الوالدين وبر صديقهما وبر الناس الذين لا يبرون إلا عن طريقهما فقد كان رسول الله في هذا اليوم الكريم يبر أصدقاء السيدة خديجة بعد وفاتها إكراماً لها ويرسل إليهم الهدايا ويقولون له يا رسول الله لم ترسل إلى فلانة؟فيقول {إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإيمَانِ}[4] أي كانت تصلها فأحب أن أصلها بعد موتها فمن تمام بر الوالدين أن تبر صديقهما الذي كان يصادقهما في حياتهما وأن تبر أهل ودهما وأن تبر ذوي رحمهما كل ذلك كما جاء بالحديث ومن عمل هذا اليوم أيضاً الإنفاق على الفقراء والمساكين والتصدق على ذوي الحاجات لأن هذا اليوم يوم الكرم الإلهي والعمل فيه يضاعف أضعافاً كثيرة ومن تمام هذا اليوم أن نقوم بإدخال البهجة والسرور على أولادنا فقد قال النبي {للجنة باب يقال له: الفرح لا يدخل منه إلاَّ مفرح الصبيان}[5] باب خاص جعله الله ليدخل منه من يدخل الفرح على قلوب الأطفال من البنين والبنات ولمن يفرحهم بلعبة أو يفرحهم بنقود أو يفرحهم بفاكهة أو يفرحهم بحلوى ولكن علينا في هذا الأمر أن ننظر إلى ما يجب أن نكون عليه وهو أنني إذا أعطيت إلى أولاد أخي أو إلى أولاد أقاربي شيئاً لا أنتظر الرد ولا أذهب إلى أولادي وأقول لهم كم أعطاكم عمكم فلان وأقول لزوجتي أكتبي ورقة بالذي يعطيهم فلان وفلان واذهب إلى البيت وأرد لهم ما أعطوه فإن هذا ليس من عمل الإسلام ولكنه من عمل الجاهلية إنما أنا أعطيهم لله لآخذ الأجر من الله فإذا أعطيت أخي فإنه من باب قول الله {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فهو أيضاً يرجو العمل ويرجو الثواب من الله وأيضاً يكون هذا الأمر في زيارة منازل وبيوت إخواننا فإذا ذهبت إلى أخيك لزيارته في بيته فلا تنتظر الرد حتى يكون أجرك تاماً من الله فقد قال رسول الله: {لَيْسَ الْوَاصِلُ بالمُكَافِىءِ}[6] فالذي يذهب لزيارة أخيه ولا ينتظر الرد إذا ذهب أخاه لزيارته فبها ونعمت وإذا لم يذهب لم تتغير نفسه ولا يتغير قلبه لأنه عمل العمل لله ويريد الثواب من الله ويريد الأجر من الله وما دام يرجو بعمله وجه الله ويريد بثوابه الله لم يحزن من خلق الله؟ولم يتغير من عباد الله؟فعلينا في هذا اليوم أن نفعل ما يأتي أن نصافح بعضنا وأن ننظر في وجوه بعضنا بالمحبة والرضا ونطلق الألسنة بالكلمة الطيبة فالكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجه أخيك صدقة ثم نصل ذوي رحمنا ونعطف على فقرائنا ونشيع البهجة في صغارنا وأولادنا أما ما يفعله بعضنا من إشاعة الحزن في ذلك اليوم بالجلوس في المنازل لأن لهم قريب توفى من شهرين أو أكثر أو أقل وهذا أول عيد يمر عليه ما للميت وما للعيد؟العيد للأحياء هل الأموات في المقابر لهم ليل ونهار مثلنا؟أو لهم صيام وفطر مثلنا؟إنه إما في جنة عرضها السموات والأرض وإما في نار أعدت للعصاة والمذنبين والكافرين والجنة والنار ليس فيها ليل أو نهار ولا شهر ولا يوم ولا سنة إنهم مقبورون بأعمالهم وبثوابهم فإذا ذهبنا إلى المقابر لقراءة الفاتحة لهم فيها فبها ونعمت وإذا لم نذهب فليس علينا شئ أما الجلوس في البيوت لتجديد الحزن في هذا اليوم فلا يجوز فهذا اليوم يوم بهجة ويوم سرور فإذا ذهبنا لأهل الميت فلأجل أن تشيع بينهم البهجة وتغير ما عندهم من الحزن وتقلب حالهم إلى حال الفرح هذه هي سنة الإسلام يا جماعة المسلمين فنريد إذاً أن نبطل هذه العادة الجاهلية وهي عادة الجلوس في البيوت ويمر الناس على البيوت فيقولون نأخذ خاطر فلان وخاطر فلان فالعزاء في الإسلام بعد الثلاثة أيام لا يجب على مسلم هذه هي أعمالنا التي نقوم بها في يوم العيد ومع القيام بهذه الأعمال يجب أن لا تفوتنا الفرائض في جماعة فقد عهدنا في السنوات الأخيرة أن الناس في يوم العيد يسهون عن صلاة الجماعة ويؤدونها بعدها إن هذا اليوم يوم شكر لله والشكر لله يقتضي أن نحافظ على فرائضه في وقتها ثم نسرع بعدها لنؤدي ما كلفنا به الله [1] رواه ابن ماجة في سننه وأحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب [2] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر[3] روح البيان وتفسير نور الأذهان لإسماعيل البروسوى[4] أخرجه الحاكم في المستدرك والدارمي عن عائشة[5] الفردوس عن ابن عباس عمدة القاري[6] رواه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمر. منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  12. أبشروا في هذا اليوم الكريم بمغفرة من الله ورضوان ونعمة من الله وإحسان فإنه هو الحنان المنان وهو الرءوف الكريم وهو العطوف الشفوق وعدنا جميعاً في هذا اليوم الكريم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الفضل والإحسان إن هذا الوقت الذي نحن فيه الآن يحتفل فيه مثلنا جميع مخلوقات الله الكل قد اجتمعوا في أماكنهم الجن في أماكنهم والإنس في مساجدهم والملائكة يحفونهم بأجنحتهم من الأرض إلى السموات العلا وجميع مخلوقات الله الأخرى من الحيتان في البحار والحيوانات والدواب في القفار والحشرات والهوام في الفضاء الكل يجتمعون والكل يستمعون والكل يحضرون لهذا اللقاء الكريم الذي ليس له مثيل في دنيا الناس لأنه يقوم به رب الناس لما قام الصائمون بأمر الله وبتوفيق الله بالعمل على طاعة الله طوال شهر كامل حبسوا فيه أنفسهم عن الحرام والحلال حبسوا أنفسهم عن المفطرات ما ظهر منها وما بطن وأقبلوا على الله بالطاعات والقربات أراد ربهم أن يكافئهم وأن يهنئهم وأن يجازيهم وأن يحسن إليهم فجعل هذا اليوم وهذه الليلة هذه الليلة سماها ليلة الجائزة لأن الملائكة تبيت فيها تجهز لكل منكم جائزته التي قدرها له الله يبيتون في هذه الليلة ومعهم الصحف والأقلام واللوح المحفوظ قد ظهر فيه مراتب العباد وأجور الزهاد ولكل منكم قدر معلوم وأجر مقسوم حدَّده الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم فيجتمعون على اللوح المحفوظ ومعهم الأعمال يثبتونها لأصحابها ويحررون الكشوف فإذا كانت صبيحة العيد وهو اليوم السعيد الذي نجتمع فيه للشكر على ما أولانا الله وبالعمل بما أكرمنا الله فما جعلت هذه الليلة والصلاة إلا شكراً لله على أن وفقنا للصيام وعلى أن وفقنا للقيام وعلى أن آتانا بالمغفرة وعلى أن من علينا بالتوبة وعلى أن أعتق رقابنا من النار وعلى أن أعطانا أجر ليلة القدر جعلت هذه الصلاة شكراً لله على هذه النعم وغيرها التي قدرها الله على عباد الله المؤمنين الصائمين والصائمات فإذا اجتمع المسلمون لصلاة العيد ليؤدوا الشكر للحميد المجيد فإن هذه الصلاة ما أشبهها بحفل إلهي لتكريم الصائمين وحفل رباني لتكريم الطائعين وحفل ملكوتي لتكريم عباد الله المؤمنين والمؤمنات ولذلك يأمر الله الملائكة الكرام أن يقفوا على أبواب الطرق ينادون على المؤمنين ويقولون { يَا أُمَّةَ أَحْمَدَ اخْرُجُوا إِلى رَبَ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَغْفِرُ الْعَظِيمَ }[1] فتسمعهم جميع الكائنات إلا الثقلين أي الإنس والجن فيدعون المؤمنين إلى الخروج لهذا الحفل الكريم لأخذ الجائزة من الرب العظيم هذه طائفة وطائفة أخرى منهم يجلسون على أبواب المساجد ومعهم سجلات نورانية هي سجلات التشريفات الإلهية وكأن هذا المكان وكل مكان يماثله في الأرض إنما هو قصر جمهوري لاستقبال الزائرين لزيارة ربِّ العالمين كما قال النبي {الْمَسَاجِدُ بُيُوتِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ زُوَّارُ اللَّهِ وَحَقٌّ عَلَى الَمْزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ}[2] فيجلسون على أبواب بيوت الله يسجلون في كتاب الأحوال الإلهية وبأقلام الرحمة الربانية أسماء المسلمين الذين جاءوا لزيارة رب العالمين ولأخذ الجائزة من أكرم الأكرمين وأجود الأجودين فإذا دخل الإمام المسجد طويت الصحف وجلست الملائكة معكم الآن يسمعون ويسجلون ويباركون ويهنئون لجميع المسلمين ثم يتجلى الكريم اليوم بأسماء كرمه كلها وبأسماء إحسانه جميعها يتجلى باسمه الكريم ويتجلى باسمه الوهاب ويتجلى باسمه المحسن ويتجلى باسمه المعطي ويتجلى باسمه الرزاق ويتجلى بجميع صفاته الحسنى ويفتح خزائن كرمه بغير حساب وكأنه في هذا اليوم يفتح الكنوز للمؤمنين والمؤمنات ولا تظنوها كنوزاً حسية وإنما هي كنوز معنوية وكنوز روحانية ملكوتية توضع في صحيفة كل منكم وفي رصيد كل واحد منكم من المغفرة ومن الأجر ومن الثواب ومن العمل الصالح ما لا يستطيع أن يحسبه الحاسبون ولا يستطيع أن يعدّه العادون ولا يستطيع أن يعلم كنهه جميع المخلوقين مهما أوتوا من سعة العلم ومن قوة التحمل ومن قدرة الفكر لكنهم جميعاً عاجزين عن الأمر الكبير الذي سجله الحق في صحف الكرام الصائمين القائمين في هذا الشهر الكريم توفية لهم من الرب إن ما يعطيه الله لكم وما يصبُّه في صحفكم لو سمعتموه ولو ذقتموه لسجدتم في مكانكم إلى أن تخرج أرواحكم من أجسادكم شكراً لله على ما أولاكم وحمداً له على ما أعطاكم ولكنه سبحانه من شدة رحمته بنا وهو يعلم أن قلوبنا ضعيفة وعقولنا قاصرة لا تتحمل هذا الثواب ولا هذا القدر من الأجر الذي أخفاه لنا في هذه الحياة الدنيا حتى إذا جاء اليوم المعلوم وأعطيت قوة من قوة الله وقدرة من قدرة الله ونوراً من نور الله وبصراً من بصر الله وسمعاً من سمع الله أطلعت على ما أعطاك الله طرت من الفرح يوم لقاء الله وحملت كتابك بأكفك وصرت في وسط أهل الموقف تهلل وتقول{هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ}تقول الملائكة مهنئة{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ثم ينادي الجليل{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}فإذا سمعتم أن هذا اليوم يوم الجائزة لا تظن الجائزة شئ حسي تأخذه في يدك لأن الجائزة الحسية إنما نعطيها لصبياننا جماعة المسلمين أما رجال المؤمنين الذين أعد لهم ربُّ العالمين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الأجر والثواب والنور والنعيم المقيم والهناء السرمدي فهؤلاء جائزتهم محفورة بالنور الرباني منقوشة في الكتاب الصمداني مصورة وموضوع صورة منها عند رب العالمين وصورة منها في اللوح المحفوظ وصورة منها في سجلات كنوز الأعمال تحت عرش رب العالمين وصورة في السجلات التي يكتبها الكرام الكاتبون صور شتى من الأجر والثواب والنعيم المقيم الذي يعده لك ويجهزه لك الوهاب وتعالوا بنا جماعة الصائمين نستعرض بعض الأوسمة والنياشين التي يخلعها ربُّ العالمين على عباده المقربين في هذا اليوم الكريم فإنه ينعم وهو المنعم على هذه الأصناف التي قال فيها {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} ينعم على بعضهم بالنياشين الإلهية وعلى صدور بعضهم بالأوسمة الربانية فمنا من ينعم الله عليه في هذا اليوم بوسام السعادة الأبدية وهنيئاً لمن نال هذا الوسام فإنه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً تعرفون كم عدد المُنعم عليهم بهذا الوسام؟احسبوا إن كنتم من الحاسبين في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم يُكتب كشف بمائة ألف من هذه الأمة ينعم عليهم الكريم بوسام السعادة الأبدية فإذا كانت ليلة الجمعة أنعم فيها على مثل ما أنعم في سائر الأسبوع فإذا كانت ليلة العيد أنعم فيها على مثل ما أنعم في سائر الشهر فهنيئاً للصائمين الذين فازوا بوسام السعادة الأبدية من رب العالمين والذين يقول فيهم ولهم ومكتوب في وسامهم {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}فبشرى لأهل هذا الوسام وسام السعادة الأبدية من رب البرية ومنا من يُنعم عليه الله بوسام الاستقامة وما أدراك ما وسام الاستقامة إن صاحب هذا الوسام يأخذ هذا الوسام من الكريم ومكتوب فيه {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} أهل وسام الاستقامة لا خوف عليهم في الحياة الدنيا ولا حزن عليهم يوم لقاء الله لا خوف عليهم من غضب الله ولا خوف عليهم من مقت الله ولا خوف عليهم من خروج الروح فإنهم آمنون في تلك الساعة وتخرج أرواحهم كما يريدون وكما يطلبون لأنهم منحوا وسام {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ومن المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم بوسام الصدق ومكتوب فيه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} هؤلاء الرجال الذين صدقوا مع الله فصلوا لله وصاموا لله وعملوا الطاعات لله ربِّ العالمين {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}ومن المؤمنين ومنا جماعة المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم الكريم بوسام المغفرة ولا يُحرم منه صغير أو كبير فكلنا بفضل الله وكلنا بتوفيق الله وكلنا بكرم الله نحصل على الأقل على وسام المغفرة كل مسلم منا صام هذا الشهر وكل مسلم قام هذا الشهر يحصل على وسام المغفرة الذي يقول فيه رسولكم الكريم {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ}[3] فيبدل الله له الذنب فيخرج من هذا الشهر تقياً نقياً طاهراً لله ولذلك يقول رب العالمين وأكرم الأكرمين لكم جميعاً واسمعوا إليه وهو يخاطبكم فيقول { يَا عِبَادِي سَلُوني فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لاخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ، وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ، وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ }[4] [1] البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس[2] رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود[3] رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه وأبو داود في سننه عن أبي هريرة[4] رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس. منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  13. ونحن في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وقد صحبناه كل هذه الأيام ماذا وجدنا في صحبته؟ وماذا وجدنا في جواره؟وماذا وجدنا في ظله؟لم نجد إلا كل خير وبر نجد أنفسنا وقد أقبلت على الطاعات بعد طول جفاء وأجسامنا وقد صحت من الأمراض والأسقام بإتباع تعاليم الإسلام وأحكام الصيام ونجد الجوارح وقد بعدت فيه عن الآثام ونجد الوقت كله فيه في طاعة الملك العلام فإذا نمت في رمضان فنومك عبادة وإذا سكت فيه فسكوتك تسبيح وإذا دعوت فيه فدعاؤك مستجاب وإذا عملت فيه عملاً من أعمال البر والخير فعملك مضاعف الأجر والثواب وإذا وفدت فيه على أهلك وأنفقت عليهم من الخيرات وأنواع المطعومات والمشروبات فإن المال الذي تنفقه عليهم له من الأجر كأجر المال الذي ينفق في سبيل الله كما قال رسول الله {نفقة الصائم على أهله كالنفقة في سبيل الله الدرهم بمائة ألف درهم }[1] وورد أَنَّ عُمَرَ قَالَ {إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ عَلَيْكَ وَعَلى مَنْ تَعُولُ كَالنَّفَقَةِ في سَبِيل اللَّهِ تَعَالى، يَعْنِي الدرْهَمَ بِسَبْعِمَائَةٍ }[2] إن الإنسان منا لو صاحب رجلاً ولو في مدة سفر ووجد منه حلاوة العشرة وطيب الصحبة وخيرة الرفقة يحزن على فراقه بل ربما يبكي على فصاله لأنه وجد شخصاً عزيزاً اجتمعت فيه خصال الخير وجرى له على يديه منه أبواب البر فيحزن عليه لأن الزمان لا يجود بالخيرين إلا بالقليل وأقل من القليل فما بالكم وهذا الذي صحبناه شهراً كاملاً لم نجد منه إلا الخير ولم نر منه إلا البر جمعنا حتى على موائد الطعام بعد تفرقة فبعد أن كان هذا يأكل في الصباح وآخر في المساء وواحد في الظهيرة جمع الجميع بل جمع جميع المسلمين شرقاً وغرباً وجعلهم جميعاً يمتنعون عن الطعام في وقت واحد ويأكلون جميعاً في وقت واحد إطاعة للواحد وكأنه يقول لهم كما جمعتكم على الطعام فاجتمعوا على طاعة الملك العلام كما جمعتكم على مائدة الخير والبركات فاجمعوا أنفسكم على مأدبة الله في أرضه وهي كلام الله وتنزيل الله وكتاب الله بدَّل النوايا فجعل الإنسان منا يخرج الأضغان والأحقاد والأحساد من قلبه ويملأ فؤاده ولبه بالحب لجميع المسلمين والرغبة الأكيدة في سعادة جميع المؤمنين يريد أن يصنع الخير ويريد أن يعمل المعروف ويريد أن يقوم بالبر لأنه في شهر البر والبر ثوابه الجنة زهَّد النفوس في المعاصي وأمسك منها بالنواصي وجعلها لا تتحرك إلا في طاعة رب العالمين وأرحم الراحمين حتى لو أرادت النفس أن تخرج عن سجيتها وفطرتها وتتجاوز حدودها في التعامل مع الآخرين بأن تصل إلى درجة الإيذاء أو السبِّ أو الشتم أو اللعن يسرع بتذكيرها بقول نبيها {إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ}[3] فتح شهية المؤمنين على البر والخير الذي كانوا عنه معرضين فتجد الإنسان في غير رمضان لا يحن لسماع كتاب الله ولا يفكر في المداومة على تلاوته بل ويعلق المصحف في بيته أو في سيارته أو في محلة عمله للزينة والبركة فقط ويهجر تلاوته مع أن الرسول أخبرنا فيما أنزل عليه الله أن هذا القرآن يشكو الهاجرين له يوم لقاء الله {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}فإذا جاء شهركم الكريم انشرحت الصدور لتلاوة هذه السطور المكتوبة بأحرف النور لتنال في النهاية مغفرة الغفور وتبدلت النفوس بدلاً من أن تحن إلى الغي والقبيح تجدها ترغب في فعل كل شئ جميل ومليح فتريد أن تصل أرحامها وأن تخرج زكاة مالها وزرعها وأن تبر فقراءها وأن تحسن إلى جيرانها وأن تراقب ربها في كل أمر صغير أو كبير جليل أو حقير وكل هذا ببركة شهركم هذا الكريم فما أعظمه من شهر وما أحسنه من صاحب يبكي لفراقه المؤمنين ويحزن لانصرامه الموحدين ويحن إليه المحسنون ويتمنى الموقنون أن يكون في العام كله كما قال النبي {لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ} [4] ثم هذا الصاحب الذي لا نستطيع أن نعدَّ فضائله ولا أن نحصي مزاياه لا يتركنا يوم لقاء الله فإذا جاء الموقف الأليم وخرجنا من القبور إلى ساحة النشور وجدناه في انتظارنا يضع المسك على أفواهنا فنمشي في أرض القيامة وقد علت رءوسنا وفاحت رائحة المسك من أفواهنا حتى تعم أهل الموقف جميعاً فيتساءلون يتساءل الملائكة الكروبيون ويتساءل النبيون والمرسلون ما هذه الرائحة العطرة؟ فيقول الله: هذه رائحة أفواه عبادي الصائمين لشهر رمضان من أمة حبيبي محمد فإذا صرنا إلى أرض الموقف وأخذنا فيه مواقعنا والموقف يطول ويطول {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }يوم واحد ولكن طوله قدر خمسين ألف سنة مما نعد وفي هذا اليوم لا توجد بحار ولا أنهار ولا تنزل السماء أمطار لأن السماء قد كورت وذهب الليل والنهار ولا يوجد نور لأن الشمس انمحقت والقمر قد استدار وألقيا بهما في النار يبحث الإنسان عن شربة واحدة فلا يجدها ويبحث عن مكان يأوي إليه من حر ها اليوم وحرارته فلا يجده لا أشجار ولا أسقف ولا منازل بل الساحة واسعة أرضها من فضة وسماءها صحو مكشوفة وليس فيها ظل إلا مكان واحد ظليل هو ظل عرش الرحمن ماذا يفعل عندها رمضان لأحبابه؟وكيف يكشف الضر عن أصحابه؟يسقي الصائمين من حوض الكوثر الذي جهزه الله لسيد الأولين والآخرين وقال فيه {حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ زَوَايَاهُ سَوَاءٌ أَكْوَازُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَىٰ مِنَ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً}[5] من الذي يشرب منه؟ الذي حجز له في شهر رمضان كوزاً من حوض النبي العدنان وسجل عليه اسمه ووكل به ملكاً يحفظه إلى يوم القيامة يوم الوقت المعلوم فإذا قامت الأرواح تلبية لنداء الحي القيوم ونفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون جاء الملك الموكل بك ومعه الكوز أو الكوب المكتوب عليه اسمك وهنأك بسلامة الوصول وسقاك هذا الماء الذي هو علامة القبول فشربت شربة لا تظمأ بعدها ولا تعطش مع طول الموقف العظيم إكراماً من شهر الخير وشهر الصبر والصبر ثوابه الجنة فالذين لا يعطشون ولا يظمئون هم أنتم وحدكم جماعة الصائمين أما المفطرون والجاحدون والمنكرون والمشركون والكافرون كما ورد في الأثر إن ألسنتهم تلهث من شدة العطش كما يلهث الكلب حتى يبلغ طول اللسان من شدة اللهث أن يصل إلى الأرض ويطأه صاحبه بقدمه ولا مغيث ولا مجير لأنه لم يستجب في دنياه للعلي القدير ثم بعد ذلك لا يتركك الصيام ولا شهر رمضان عند هذا الحد بل يأخذ بيدك ويذهب إلى حضرة الله ويقول {أيْ رَبِّ مَنَعتُه الطَّعَامَ والشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ}[6] يطلب أن يشفع فيك من الله ويجيبه الله ويأذن له في الشفاعة فإذا شفع فيك الصيام أخذ بيدك من الموقف وأجلسك تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله فتجلس على الأرائك كما يقول الله {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} تجلس على الأرائك أي على المقاعد اللينة الوثيرة والملائكة يطوفون عليك بالروح والريحان وقد فتحوا لك باباً من الجنان يأتي إليك منه الروح والريحان فلا تحس بطول الموقف ولا تحس بعناء الموقف بل يمر عليك كما قال النبي {يمر يوم القيامة على المؤمن كصلاة ركعتين خفيفتين}[7] ما أعظم بركة هذا الشهر ما أعظم بركة الصيام وهذا الذي جعل سلفنا الصالح يقضون الأيام الباقية منه في الحنين والأنين والتوحش على انتهاء الشهر الكريم شهر تتفتح فيه بركات الأرض وتنزل فيه خيرات السماء تنزل فيه الملائكة من السماء إلى الأرض معهم الخيرات ومعهم البركات ومعهم المنشورات بسعادة المؤمنين وتوفيق الموحدين شهر ينظر الله فيه إلى عباده فيرحم ضعفهم ويشفي أمراضهم ويعتق معظمهم من النيران ويبدل حالهم إلى أحسن حال شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وحتى لا يفوتنا بركة هذا الشهر ونحن لا يسلم حالنا من الذنوب والعيوب أوصانا النبي أن نفعل شيئاً يسيراً يطهر الله به صيامنا من العيوب ويجعل عملنا مقبولاً عند حضرة علام الغيوب ما هذا الشئ الذي يمحو عيوب الصائمين؟ويمسح أثقال الصائمين وينقي صومهم كأنه غربال يغربل الأعمال فيخرج منه الغث ولا يبقى إلا الخير لأن الله لا يقبل إلا الخير { إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً }[8] هو زكاة الفطر تخرج الزكاة فتطهر صومنا من اللغو ومن الرفث ومن الذنوب والعيوب وتهيئ العمل وتزين العمل وتسد ما فيه من خلل وتجعله مملوءاً بالخشوع والانكسار لله والوجل حتى يباهي الله بهذا العمل ملائكته {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى لِلْمَلاَئِكَةِ: يَا مَلاَئِكَتي مَا جِزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ فَيَقُولُونَ: جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ فَيَقُولُ: فَإِني أُشْهِدُكُمْ أَني جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَائي وَمَغْفِرَتي}[9] ما أسهل هذا العمل وهي زكاة الفطر في مقابل هذا الجزاء العظيم من الرب العظيم الكريم وتخرج عن الجميع حتى الذي يولد ليلة الفطر تخرج عنه هذه الزكاة وميعاد هذه الزكاة يمتد من وقتنا هذا إلى صلاة العيد ولابد أن تخرجها قبل صلاة العيد لقول الحميد المجيد {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} والصلاة هنا هي صلاة العيد فالسماء تستعد لليلة الجائزة ويستعد ملائكة السماء وهم الآن في شغل شاغل يجهزون الأوسمة والنياشين وشهادات التقدير للعلماء العاملين والأولياء والصالحين والمقربين والطائعين من أمة الحبيب فإذا كان حفل توزيع الجوائز على المتفوقين يأمر رب العالمين جميع المؤمنين أن يحضروا هذا الحفل حتى النساء وحتى الأطفال ليشهدوا فرح الله بعبيده وفرح عبيد الله بنعم وعطايا إلههم وفرح ملائكة الله بطاعة المؤمنين لربهم وفرح الأرض بطاعة المؤمنين على ظهرها وفرح السموات بالأعمال الصالحات التي ترفع إلى أبوابها وفرح الجنان بالأعمال الصالحات التي وصلت إلى قصورها وحورها الكل يفرح بك يا أيها المؤمن في يوم الفرح العظيم يوم العيد والذي يذهب للقاء الحميد المجيد يغسل ويغتسل ويلبس أبهى ما عنده من الثياب ويضع الطيب والعطر لأنه ذاهب لمقابلة الكريم الوهاب ويصلح شأنه قبل ذلك يأخذ من شعره ويأخذ من أظافره حتى يظهر في أبهى زينة يحبها الكريم فإذا أصبح يوم العيد تقف ملائكة الرحمة على أبواب الطرق تنادي عليكم ويقولون { يَا أُمَّةَ أَحْمَدَ اخْرُجُوا إِلى رَبَ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَغْفِرُ الْعَظِيمَ}[10] ويجلس جماعة آخرين من الملائكة على أبواب المساجد معهم أقلام من ذهب وصحف من فضة يسجلون الآتين للقاء رب العالمين يسجلون الداخلين إلى حرم الله وإلى بيت الله زوار الله {إن بيوتي في الأرض المساجد وزواري فيها عمارها} يسجلون الزائرين الأول فالأول فإذا دخل الإمام طووا صحفهم وصلوا مع المؤمنين وجلسوا يستمعون الخطبة مع المصلين فإذا انتهى الخطيب أصغى كل مقرب وحبيب إلى حضرة الرقيب وهو يقول{يَا عِبَادِي سَلُوني فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لاخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ}[11] فيخرجون وقد نالوا المغفرة من الغفار فيهنئون بعضهم بالمغفرة ويصافحون بعضهم مهنئين بغفران الذنوب وبستر العيوب وقبول الأعمال من الله ولذا دخل بعض المؤمنين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في يوم العيد فوجده يأكل خبز الشعير الجاف فقال يا أمير المؤمنين حتى في يوم العيد تأكل خبز الشعير قال وما العيد؟اليوم عيد من تقبل صومه وشكر سعيه وغفر ذنبه اليوم لنا عيد وغداً لنا عيد وبعد غد لنا عيد وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد هذا هو عيد المؤمنين عيد المغفرة وعيد العتق من النيران وعيد الجود والكرم من الحنان المنان وعيد استجابة الدعاء من خالق الأرض والسماء يهنئون بعضهم بهذا العيد ويطلبون المزيد تلو المزيد من كرم الحميد المجيد ويسألون الله أن يعيد عليهم أيام رمضان بخيرها وبرها وفتحها ونصرها وطاعاتها وقرباتها لأنها أيام فلاح ونجاح لجميع المؤمنين ودعوا شهركم بالطاعة ولا تغفلوا عن تلك البضاعة فإنما الأعمال بخواتيمها لا تودعوها باللهو والغفلة فتختموا ملفكم بعمل غير مقبول بل أغلقوا دوسيه رمضان وملف الصيام بعمل مقبول حتى يتنزل الله لكم بالقبول التام والنور العام والجزاء الذي لا يعرف مداه إلا الله فإنه يطلع بنفسه على ملفات الصائمين ويحدد الأجر بنفسه على حسب تقوى المؤمنين ويقول سبحانه{كُلٌ عَمَلِ ابنِ آدَم لَهُ إلاَّ الصيامَ فَإنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}[12]هو الذي يضع لكل صائم جزاءه وهو الذي يحدد له مكافآته وهو الذي يتحفه بوسام من الأوسمة الإلهية على حسب تقواه وطاعته لله في شهر رمضان [1] رواه ابن سعد وذكره في الفتح الكبير عن حمزة[2] عن ثور بن يزيد سليم الرازي في عَوَالِيه[3] رواه ابن حبان عن أبي هريرة[4] رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري[5] الطبراني عن ابن عبَّاسٍ[6] رواه البيهقي في شعب الإيمان وأحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر[7] رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي في كتاب البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري[8] رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه ومسلم في صحيحه عن أبي هريرة[9] رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن أبي هريرة[10] رواه ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقي عن ابن عباس[11] البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس[12] متفق عليه. منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_المناسبات_ج5_رمضان%20وعيد%20الفطر&id=39&cat=3
  14. كيف تعرف أن صيامك مقبول حقيقة الصوم المقبول وعلاماته كيفية استجماع النوايا قبل الصيام صيام الجسم والجوارح والفرق بينهما قصة سيدنا سليمان وخضرة اللحم
  15. مراتب الصائمين المرتبة الأولي: صوم العوام وصوم العوام عن مقتضيات شهوة الجنس والشراب والطعام لا يعرفون غير ذلك بل ربما يمنون علي الله بذلك ويروا أنهم فعلوا فعلاً يستوجب من الله كذا وكذا من المطالب التي يطلبونها من حضرة الله مع أن صومهم على التحقيق ربما يكون داخلاً في قول رسوله { رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }[1] المرتبة الثانية: صوم العلماء وهم الذين صاموا بالجوارح والجوارح سبعة وإذا انضم إليهم القلب صاروا ثمانية العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن والقلب وهؤلاء القوم صائمون طوال العام وإن أفطروا في غير رمضان وهؤلاء يقول فيهم النبي{ إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ }]2] فكما تُفَتَّح أبواب الجنان العالية تُفَتَّح أبواب الجنان في الإنسان وهي الجوارح إذا اشتغلت بطاعة الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه فالعين إذا اشتغلت بالنظر في كتاب الله وفي ملكوت الله وفي ملك الله كانت باباً إلى الجنة والأذن إذا استمعت إلى علم العلماء وكلام الحكماء وآيات الله العصماء كانت باباً إلى الجنة واللسان إذا اشتغل بذكر الله أو بتلاوة كتاب الله أو النصيحة لعباد الله أو الصلح بين المتخاصمين من خلق الله صار باباً إلي الجنة واليد إذا امتدت إلي الفقراء والمساكين أو دفعت الظلم عن المظلومين كانت باباً إلي الجنة والرجل إذا حملت الإنسان إلي بيت الله أو إلي صلة رحم أو إلي مكان يسعي فيه لعيادة مريض أو لتشييع جنازة مؤمن كانت باباً إلي الجنة وكذلك بقية الجوارح إذا ملك القلب هذه الجوارح وتصرف فيها صارت الجوارح السبعة ومعها القلب ثمانية ففُتحت أبواب الجنة في الإنسان فيكون الإنسان صائماً صيام الجوارح وهذا صيام العلماء فلو حتى أفطر الإنسان في غير رمضان بشهوة الطعام والشراب والجماع فإنه أفطر بجارحتين وصام إلي الله بست فكان صائماً طول العام وإن كان في نظر غيره مفطراً لأنه نفَّذ سُنة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. المرتبة الثالثة: صيام العارفين العارفون هم الذين عرفوا حقائق نفوسهم وأقبلوا علي الله يسعون لرضاه ويتجهون للعمل الذي يحبه ويرضاه وصيامهم بعمارة أنفاسهم كلها في طاعة الله يحرصون علي ألا يُضيعوا نَفَساً إلا في طاعة الله ولذلك أساس الوصول إلى هذا المقام العمل بحديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }[3] ليس عندهم وقت للمقت فيشغلون أنفسهم بالخلق وأخبارهم وأسرارهم وأحوالهم لأن هذه أمور تجعل السالك في طريق الله يُحجب بالكلية عن النور ولكنهم مشغولون بإنفاق الوقت في طاعة الله إن كان في اليقظة أو في النوم ولذلك تجدهم في اليقظة في ذكر الله أو في طاعة لله أو في متابعة لحبيبه ومصطفاه أو في عمل صالح يحبه الله ويرضاه فإذا نامت جوارحهم وأجسامهم قامت قلوبهم وأرواحهم إلي عالم الملكوت تقتطف لهم أزهار الحكمة من العوالم النورانية والعوارف من الملائكة المقربين ويقومون من النوم وقد استفادوا حكماً ربانية وعلوماً إلهية حصَّلوها وهم في المنام فهم في اليقظة يقضون الأنفاس في طاعة الله وإذا ناموا ساحت قلوبهم وأرواحهم في رضاه لأنهم لم يشغلوا الوقت إلا بما يحبه الله ويرضاه. المرتبة الرابعة: صيام المقربين قلنا أن صوم العارفين هو شغل الأنفاس بطاعة الله أما المقربين فشغل أنفاسهم بالحضور مع الله جل في علاه فهناك فرق بين من يشغل النَفَس في طاعة الله وبين من يشغل النَفَس في حالة الحضور مع حضرة الله فهو في مقام المكاشفة التي يجعله فيها الله سر قوله {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وفيهم يقول أحد الصالحين : والعارف الفرد محبوب لخالقه فات المقامات تحقيقاً وتيقيناً في كل نَفَسٍ له نور يواجهه من حضرة الحق ترويحاً وتيقيناً في كل نَفَس له نور وله مواجهات وله مشاهدات وله مؤانسات في عالم الأنوار لأن صيامه ألا يضيع نَفَس منه إلا في مواصلة حبيبه وهؤلاء يقول قائلهم: وإن خطرت لي في سواك إرادة علي خاطري نَفَسَاً قضيت بردتي والردة هنا أي الرجوع إلي الخلف في مقامات السلوك لأن كل أوقاته في حضور مع المذكور شُغِلوا بالمعروف عن المعرفة وشُغِلوا بالمعلوم عن العلم وشُغلوا بالله عما سواه فلا أُنس لهم ولا حضور لهم ولا همَّ لهم إلا بمواجهة الله جل في علاه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} المرتبة الخامسة: صيام المحبوبين وهو ألا ينشغلوا ظاهراً أو باطناً نَفَساً عن رب العالمين : وما صام إلا عن سوي ما يحبه كذلك عبد الذات في القرب طامع لا يخطر غير الله نَفَساً علي قلوبهم وإذا خطر غيره نَفَساً علي قلوبهم فقد أفطروا ويعلمون أنهم أفطروا لأنهم خرجوا عن سور الحدود التي حددها لهم المعبود صيامهم أن يكون الله على بالهم في كل أوقاتهم تقول في ذلك السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها: ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للخليل مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي ويقول أحدهم في هذا المقام: والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا جلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي ولا نظرت إلى الماء من ظمأ إلا رأيت خيالاً منك في الكأس فالله شغله بالكلية عما سواه شغل أهل الجفا بدنيا دنية وشغل أهل الوفا بذات علية وهذا صيام المحبوبين الذين قال فيهم الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وفوق ذلك صيام الوارثين وصيام الصديقين وغيره من أنواع الصيام التي يترقي فيها الصالحون صياماً بعد صيام لا يستطيع الإنسان وصفها أو الحديث عن شأنها وإنما تُدار راحها لأهلها إذا وصلوا إلي كنهها. [1] ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [2] صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [3] مسند الإمام أحمد عن حسين بن عليّ رضي الله عنهما منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
  16. شرح مفصل لزكاة الفطر ووقتها وقدرها ختم القران للخواص والعوام فضل الصدقة في رمضان احذر الأكل بعد أذان المغرب مباشرة كيف تتجنب أمراض المعدة في رمضان كيف تعالج جسمك في رمضان بدون طبيب كيف تتخلص من جميع أمراض القولون في رمضان
  17. تعالوا نتمعن في كتاب الله الذي أرسله إلينا أجمعين ليُعلمنا فيه بأنه فرض علينا الصيام ماذا قال لنا؟{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} هو خطاب في الكتاب لكن لكل مؤمن فيه زاد خاص به من العلم والنور من العلي الوهاب بل إن المؤمن كلما قرأه بصفاء قلب ونورانية وشفافية ورَدت علي قلبه معاني علوية وأنوار ربانية لا يدرى لها كيفية وإنما من باب قول رب البرية {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} وهذا من إعجاز كتاب الله لا يُرسل الله خطاباً إلى فرد ولكن يُرسل الله خطاباً إلى جماعة فيه معنى عام تتفق عليه الجماعة وفيه ما لا يُحصى من المعاني الخاصة لكل فرد في هذه الجماعة الخطاب واحد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} للمؤمنين في عصر رسول الله والمؤمنين من بعده إلي يوم الدين خطاب عام لكل من انتسب إلى دائرة الإيمان وفي ثناياه معاني خاصة لكل مؤمن تمعن في آيات كتاب الله وتدبر في خطاب الله وأراد بقلبه وروحه أن يصل إلى شئ من فحواه فكل واحد له فيه معاني ليست لغيره من السابقين ولا المعاصرين ولا اللاحقين لكن نقف الآن عند المعني العام الذي يُخاطب الله به جميع المؤمنين إلى يوم الزحام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }وكُتِب أي فرض فهو فريضة والصيام معناه لغة الترك صام عن الأكل أي ترك الأكل وصام عن الشرب أي ترك الشرب وصام عن الكلام في قوله {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} أي ترك الكلام إذاً الصيام معناه الترك ترك أي أمر من الأمور يُسمى صيام ولكن الصيام الذي خاطبنا به الله وأمرنا أن نتدبر في معناه ونتذوق في فحواه ونقوم به عاملين متابعين لحبيب الله ومصطفاه ذكر الأئمة الكرام له معاني لا تُعد ولا تُحصى ومن جملة هذه المعاني - التي تجمع ما يناسب هذه الحقيقة العبادية من الحضرة الربانية وهي الصيام -قول أحد الصالحين في تعريف الصيام ( الصِيامُ جِهادٌ للجِسمِ ومُخَالَفةٌ للنَفسِ وسِياحَةٌ للعَقلِ ومُشاهَدةٌ للرُوحِ فمَنْ صَامَ بِهذه الحَقائِق نَفذَ مِن أَقطارِ السَمواتِ والأَرضِ ومَنْ لَم يَصُم بِهذه الحَقائِق كَان صِيامُه صِيام عَادة عَن الطَعامِ والشَراب ولَم يَنفُذ بِحقَائِقه مِن أَقْطارِ السَمَواتِ والأَرْض) الصيام في نظر العارفين والصادقين والمـُخلصين والمـُقربين له معاني علوية جهاد للجسم ومخالفة للنفس وسياحة للعقل ومشاهدة للروح فالصيام هنا بأربعة حقائق صيام فيه نصيب للجسم وفيه نصيب للنفس وفيه نصيب للعقل وفيه نصيب للروح وهذا هو صيام الموقنين والمقربين الذين مدحهم الله في آية المقامات بقوله {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} يُقصد في هذه الآية صيام أهل العناية وصيام أهل الولاية الذي نتحدث عنه في هذه البداية إن شاء الله فالصيام جهاد للجسم لأن الجسم يترك ما أحله الله فإذا ترك الحلال فمن باب أولي ينبغي أن يترك الحرام وهذه حكمة لا بد أن يتدبرها كل صائم وإلا فإن صيامه يكون معني بقول الحبيب{رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ}[1] الأكل حلال ومنعه الله والشرب حلال ومنعه الله وإتيان الرجل أهله حلال ومنعه الله فإذا كان الله منع الحلال لنعلم علم اليقين أن حرمة الحرام أشد وقعاً في رمضان فينبغي أن نتجنب جميع المحرمات التي نهانا الله عنها في كتابه وبيَّنها الحبيب في سنته ومن هنا يجب علي الجسم أن يجاهد لأن الصيام جهاد للجسم لا يجاهد في ترك الطعام والشراب لأن من أمر بذلك يعين ولولا عونه ما استطعنا أن نصبر علي ترك الطعام والشراب لحظة أو أقل لكن إعانة الله هي التي توفقنا إلى تنفيذ أمر الله لكن جهاد الجسم في سد المنافذ والحواس التي جعلها الله هي التي تنقل للجسم ما يحس به الإنسان وما يراه وما يسمعه وما يشعر به فيمنع عن العين كل النظرات التي حرمها الله في كتابه وبيَّنها النبي في سنته ويكون صيام العين بقول الله {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والأذن يسدها عن سماع الكذب والغيبة والنميمة فيترك كل سماع حرَّمه الله وأنَّب الله على من فعله وقال في فاعليه وهم اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} إذاً لا بد أن تصوم الأذن عن سماع الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وأقوال الخنا والفجور وهذا مقتضى جهاد الجسم أما اللسان فيصوم عن اللغو ويصوم عن المحرمات من السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة وقول الزور لقول الحبيب في الأمر الجامع لسوءات اللسان {مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه}[2] ووضع الروشتة الإلهية للصائمين المـُخلصين الصادقين فقال{إذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَصْخَبْ فإنْ سابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قاتَلَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنّي امْرُؤٌ صائِمٌ}[3] الرفث هو الكلام عن الجماع أو عن النساء أو ما شابه ذلك ولا يصخب أي لا يرفع صوته بأي كلام يُغضب الله وهذا صوم الصادقين الذين يجاهدون في صوم اللسان كما قال سيدنا رسول الله في حديثه المبارك وصوم الأيدي عن الشكايات الكيدية والبلاغات الظالمة فضلاً عن السرقة وإعانة الظالمين ومد اليد للمساعدة مع البعيدين عن الله الذين يسعون لظلم العباد وإفساد البلاد وصوم الرِّجل عن الحركة إلى أي مكان حرَّمه الله فجهاد الجسم بصيام الحقائق التي جعلها الله نوافذ للجسم وهذا صيام العلماء والحكماء الذين قيل في شأنهم: إذا ما المرء صام عن الخطايا -- فكل شهوره شهر الصيام وقول الحبيب في روشتته الجامعة ) إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاء}[4] ليس البطن والفرج فقط ولكن السمع والبصر واللسان أما النفس فهي كما قال الله في شأنها {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ} ولم يقل {آمرة} ولكن قال {أمَّارة} بصيغة المبالغة أي لا تكف عن تكرار الأمر للإنسان الذي فيه مخالفة لحضرة الرحمن ولذلك اقتضى الصيام أن يخالف الإنسان كل ما تهمس وتوسوس به النفس إلي الإنسان: وخالف النفس والشيطان واعصهما -- وإن هما محضاك النصح فاتهما لا بد من مخالفة النفس وفي خلافها الوصول إلى رضاء الله لأنها كما قال الله في شأنها لا تأمر إلا بالسوء والله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم والصيام يعين الإنسان علي جهاد النفس ولذلك قال النبي{يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ }[5] وقال لجميع الأمة{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ والعطش}[6] فأعلمنا أن الجوع هو الباب الأول الذي يخوضه المجاهد في طلب الوصول إلي مولاه لأنه هو الذي يهذب النفس ويجعلها تكف عن المطالب الشهوانية والرغبات الدنية فيَقْوى القلب وتسطع الروح ويطالبان بالمطالب الروحانية والعلية التي توصل المرء إلى المراتب الهنية. والنفس شهوة مطعم أو مشرب أو ملبس أو منكحٍ فاحذر بها الــداء الدفـين كيف السبيل إلي علاجها والتغلب عليها؟ : جع إضعفنها وحـاذرن من غــيها واحذر قوى الشيطان في القلب كمين وغيِّها أي الوسوسة الداخلية لك التي ربما لا تشعر بها إذاً السلاح الذي أنبأنا به الله وبيَّنه ووضَّحه رسول الله وزاده ايضاحاً العارفين بالله لجهاد النفس هو سلاح الجوع فمن لم يستطع أن يخوض هذه المهمة وأن يقوم بهذه الملمة ويجاهد نفسه علي الجوع فإنه لا يستطيع أن يتغلب علي نفسه قالت السيدة عائشة {أوَّل بدعة حدثت بعد رسول الله الشبع إنّ القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا}[7] وقال ذو النون { ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية }[8] فالإنسان عندما يشبع وتمتلئ العروق بالدم تثور غرائز الشهوة في نفسه لكن أثناء الجوع لا يستطيع الإنسان أن يواصل حتى في شهوة الكلام لضعف جسمه فما بالكم بشهوة النساء؟ وما بالكم بشهوة أصناف وألوان الطعام؟وشهوة الزى وشهوة حب الظهور وغيرها من الشهوات فالذي يُضعف الشهوات النفسية هو الجوع ولذلك كان سلاح الصالحين والعارفين أبد الآبدين هو قول النبي{صُومُوا تَصِحُّوا}[9] تصحوا ظاهراً وباطناً قلباً وقالباً جسماً وروحاً والكلام في هذا المجال لا نستطيع إيفاءه في هذا الحديث مع صغر كلماته لدقة معانيه التي جعلها الحبيب فيه فجهاد النفس يكون بترك شهواتها ومحاولة إيقافها في رغباتها وتحويلها من رغبات دنية إلى رغبات أخروية أو رغبات فيها فوز برضاء الله ولذلك كان السلف الصالح يقولون{من حدَّث نفسه بالنهار علي ماذا يفطر فقد أخطأ طريق الصالحين} وكان أصحاب رسول الله يصومون ولا يفكرون علي ماذا يفطرون ولا علي ماذا يتسحرون وإنما يتركون الأمر لمن يقول للشئ كن فيكون ورد أن السيدة عائشة أرسل لها ابن أختها عبد الله بن الزبير مائة وسبعون ألف درهم وكان ذلك ساعة العصر فأخذت في توزيعها حتى لم يبق منها إلا درهم واحد فقالت لها خادمتها: أنسيت أنك صائمة؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت اشترِ لنا بهذا الدرهم إفطاراً فاشترت بالدرهم إفطاراً علي قدره وبعد شراءه جاء سائل فقالت: أعطه له قالت: وعلي ماذا نفطر؟ قالت: كوني بما في يد الله أوثق منه بما في يدك وقبل المغرب مباشرة إذا بآت يأتي ومعه شاة مشوية وقدمها هدية للسيدة عائشة فقالت السيدة عائشة لخادمتها: هذا خير لي ولك أم ما كنت تريدين أن ننشغل به ونفكر فيه فأعطتها درساً عملياً فيما كان عليه الحبيب المصطفى وأحبابه وأصحابه الكرام ولذا رُوي عنهم أنهم كانوا إذا أرادوا السحور كان بعضهم يجرع جرعة ماء وبعضهم كان يسف سفَّات من الشعير وبعضهم كان يأكل لقمة هينة بسيطة لأنهم كانوا لا يفكرون إلا في إرضاء الله ويحاولون نزع نوازع النفس في الصيام ليكون صيامهم أكمل عند الله ولكي يتم الصيام ويكون الإنسان من أهل مقام الصائمين أو كما قال الله{السَّائِحُونَ} فالسائحون في الحقيقة هم الذين صامت أجسامهم ونفوسهم، فساحت قلوبهم وأرواحهم في ملكوت الله العلي ينبغي أن يصوم الإنسان بفكره عن كل فكر دنيوي دني لا يفكر إلا في الأمور العلية أما الأمور الدنية من الكيد ومن الخداع ومن اللؤم ومن النفاق لا بد أن يصوم عنها بالكلية ويتجمَّل بجمال يقول فيه الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} يُعلي الفكر بدلاً من أن يُفكر في الهموم والغموم والأمور الدنية فإن من أكبر حِكَم الصيام عند العارفين أن الصوم يُخلص الإنسان من الهموم والغموم والأمور الدنية والدنيوية لانشغاله بالكلية بالقرب من رب البرية فإذا صام الفكر عن الهم والغم والأمور الدنية انشغل بالفكر في الآخرة وبالتمعن في الآيات القرآنية وبالفكر في آيات الله الكونية وبالفكر في إبداع صنع الله في كل مصنوعاته الظاهرة والخفية فيدخل في قول الله { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فيصبح من أولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض لأن فكره علا عن الحجاب وأصبح له باب من الوهاب يفد إليه فيه عوارف وآداب يُجَمل بها بما كان عليه جمال الأصحاب والنبي الأواب فالصوم في هذا المجال سياحة عقلية في النفس وفي الآفاق إذا صام الإنسان عن الفكر الدَّني تسامي الفكر وانشغل بالفكر في أمر عَلِي أو في تجلي إلهي أو في باب معنوي فتحه الله له من لطفه أو غيبه الخفي وهذه سياحة العقل للصائمين إذا ساح العقل في آيات الله النفسية أو الكونية الظاهرة أو الخفية أو آيات الله القرآنية تنبلج في القلب أذكار يذكر بها رب البرية ولا يغيب عن حضرته بالكلية فتظهر عليه الفتوح ويلوح عليه جمال الروح ويفتح الله باباً له لتعرج منه روحه إلي ملكوت الله العلي أو جبروته السني أو قدسه الإلهي وتتمتع الروح بالتجليات التي يُكاشف الله بها أهل العنايات وقال في شأنها في محكم الآيات {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}وقال فيها النبي{ لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات }[10] [1] سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [2] صحيح البخاري عن أبي هُريرة [3] مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة[4] رواه البيهقي في فضائل الأوقات عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [5] الصحيحين البخاري ومسلم عن عبد الله[6] رواه مسلم في الصحيح عن أنس [7] ذكر في احياء علوم الدين[8] سبل السلام وإحياء علوم الدين[9]ابن السني وأَبو نعيم في الطب عن أَبي هُرَيْرَةَ[10] أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
  18. الصوم وأحكامه الشرعية الصوم لغةً: الإمساك .. وشرعاً: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنيَّة خالصة لله تبارك وتعالى وفُرض في المدينة المنورة لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة المباركة وذلك في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}وهنا بشَّر رسول الله أصحابه بفرضية الصيام منوِّهاً بفضائل رمضان حيث قال { أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللَّهُ فِيهِ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَتُحَطُّ الْخَطَايَا وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ فَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ }[1] لذلك نصَّ العلماء على استحباب التهنئة بالنعم الدينية إذا تجددت قال الحافظ العراقي الشافعي { تستحب المبادرة لتبشير من تجدَّدت له نعمة ظاهرةأو اندفعت عنه بلية ظاهرة}وقال ابن حجر الهيثمي { إنها مشروعة } ثم قال { ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة توبته لمـَّا تخلَّف عن غزوة تبوك أنه لما بُشِّر بقبول توبته ومضى إلى النبي قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنَّــأه} وكذلك نقل القليوبي عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مندوبة ويثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال ولو برؤية الشخص الواحد له عند جمهور العلماء فإن تعذرت الرؤية أكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوماً وأما هلال شهر شوال فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد – عند جمهور العلماء – بل لا بد من أن يشهد على رؤيته اثنان معروفان بأمانتهما وبعدلهما والاعتماد على الرؤية البصرية هو الأساس مع الاستئناس بالحساب الفلكي لإفادته القطع واليقين في مثل تلك الأمور المحسوسة فقد أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله قال {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِين} وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول للشافعية إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان فإذا ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد لزم الصوم جميع المسلمين في جميع البلاد لقول النبي في الحديث المذكور {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ} ويرى الشافعية في الأصح اعتبار اختلاف المطالع أي أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم ما داموا بعيدين عنهم ومن أدلتهم ما رواه مسلم والترمذي وأحمد عن كُرَيب مولى ابن عباس :{أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشَّامِ قال : فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجتَها واستُهِل عَليَّ هِلاَلُ رَمَضَانَ وأنا بالشَّامِ فرأَيْنَا الهِلاَلَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ ثمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخرِ الشهْرِ فَسَأَلَنِي ابنُ عبَّاسٍ ثُمَّ ذكَرَ الهِلاَلَ فقالَ متَى رأَيْتُمْ الهِلاَلَ؟ فقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فقال: أنْتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ؟ فَقُلْتُ: رَآهُ النَّاسُ فَصَامُوا وصَام مُعَاويِةُ فقَالَ: لكنْ رأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فلا نَزَالُ نَصُوُمُ حتى نُكْمِلَ ثلاثينَ يَوْماً أو نَرَاهُ فَقُلْتُ ألا تَكْتَفِي بِرُؤيَةِ مُعَاوِيَةَ وصِيَامِهِ؟ قال:لا هكَذَا أَمَرَنا رسولُ الله} وورد في فضل الصوم وثوابه كثير من الأحاديث النبوية،و من ذلك ما ورد في بيان حصول الفرح والسعادة للإنسان في الدنيا والآخرة وذلك بقول النبي{لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ}[2] وورد أن الصوم يبعد عن النار بكل يوم سبعين سنة قال النبي{ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا }[3] وورد أن الصوم يشرف الإنسان في الآخرة بدخول الجنة من باب يسمى الريان وهو باب خاص بالصائمين قال الحبيب{ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ}[4] وورد أن الصوم يُرضي الله تعالى عن الصائم وعن رائحة فمه- رغم كراهة الناس لها – قال النبي{وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ}[5] وورد أن الصوم له ثواب ومزية على سائر الأعمال قال النبي{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي}[6] ومعنى قوله {إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي} أي: خالص لي لا يقصد به غيري لأنه عبادة لا يقع عليها حواس العباد فلا يعلمه إلا الله والصائم فصار الصوم عبادة بين العبد والرب فلذلك أضافه إلى نفسه وجعل ثوابه بغير حساب لأنه لا يتأدى إلا بالصبر وقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}فلما كان في الصوم هذه المعاني خصه الله تعالى بذاته ولم يكله إلى الملائكة بل تولى جزاءه بنفسه فأعطى الصائم أجراً من عنده ليس له حد ولا عدد فقال: {وَأَنَا أَجْزِي بِهِ} يعني: أكون له عن صومه على كرم الربوبية لا على استحقاق العبودية و:معنى قوله {وَأَنَا أَجْزِي بِهِ } أي {كل طاعة ثوابها الجنة والصوم جزاءه لقائي أنظر إليه وينظر إلىَّ ويُكلمني وأكلمه بلا رسول ولا ترجمان}[7] [1] رواه ابن النجار عن ابن عمر والطبراني وابن النجار عن عبادة بن الصامت [2] أخرجه البخاري ومسلم [3] أخرجه مسلم والنسائي [4] أخرجه البخاري ومسلم [5] أخرجه البخاري ومسلم [6] أخرجه البخاري ومسلم [7] مرشد العوام في أحكام الصيام ص 17 http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
×
×
  • Create New...