Jump to content
منتدى البحرين اليوم

سيف العرب

الاعضاء الفعالين
  • مشاركات

    1027
  • انضم

  • آخر زيارة

Everything posted by سيف العرب

  1. شهداء كربلاء من بني هاشم اختلف الرواية في عدة من استشهد في كربلاء - غير الحسين (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام). فهم عند المسعودي ثلاثة عشر رجلاً (مروج الذهب: ج3/ص71) وهو فيما اطلعنا عليه من الروايات أقل عدد روي أنه قتل منهم مع الحسين في كربلاء. واشتملت رواية أوردها الخوارزمي عن الليث بن سعد على أسماء أربعة عشر رجلاً منهم (مقتل الحسين: ج2/ص47). وذكر الخوارزمي في رواية أخرة نسبها إلى الحسين البصري، قال فيها: (قتل مع الحسين بن علي (عليه السلام) ستة عشر من أهل بيته، ما كان لهم على وجه الأرض شبيه) (مقتل الحسين:ج2/ص46- ص47). وتشتمل الزيارة المنسوبة إلى الناحية على أسماء سبعة عشر رجلاً منهم (غير الحسين بن علي) وهي، من حيث العدد، موافقة لرواية الشيخ المفيد (الإرشاد:ص 248- ص249) حيث قال: (إن عدة من قتل مع الحسين (عليه السلام) من أهل بيته بطف كربلاء هم سبعة عشر نفساً، الحسين بن علي (عليه السلام) ثامن عشر). وهاتان الروايتان موافقتان، من حيث العدد، لرواية الطبري (ج5/ص468- ص469)، فقد عدّ الشهداء تسعة عشر رجلاً منهم (مسلم بن عقيل) ومنهم: أبو بكر بن علي بن أبي طالب. وقال عنه: (شك في قتله) فيكون الباقي عند الطبري، وهم من ثبت عنده استشهادهم في كربلاء، سبعة عشر رجلاً، ويكون بذلك متفقاً مع الزيارة والشيخ المفيد. وهذه الروايات (الزيارة، المفيد، الطبري) موافقة لرواية أخرى أوردها الخوارزمي عن الحسين البصري، وفيها: قتل مع الحسين (عليه السلام) سبعة عشر رجلاً من أهل بيته (مقتل الحسين:ج 2/ص47). وقال أبو الفرج الأصفهاني (مقاتل الطالبين:ص 95) بعد أن عرض أسماء شهداء بني هاشم: (فجميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب - سوى من يختلف في أمره - إثنان وعشرون رجلاً). وقد عد في الشهداء الإمام الحسين ومسلم بن عقيل، وقد وهم فيه كما هو معلوم حيث أن مسلماً ليس ممن قتل يوم الطف، بل استشهد قبل ذلك في الكوفة فتكون عدة الشهداء، عند أبي الفرج الأصفهاني عشرون رجلاً. وأكبر عدد روي أنه استشهد من أهل البيت في كربلاء فيما أطلعنا عليه من الروايات هو خمسة وعشرون رجلاً، وهذا هو ما رواه الخوارزمي (ج2/ص47- ص48) حيث قال: (اختلف أهل النقل في عدد المقتول يومئذ ما تقدم من قتل مسلم من العتزة الطاهرة، والأكثرون على أنهم كانوا سبعة وعشرين..) وذكر أسماءهم بعد هذا، وفيهم إسما: (الحسين بن علي بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب). وذكر السيد محسن الأمين رحمة الله في أعيان الشيعة (الجزء الرابع/ القسم الأول/ ص 134) جدولاً بعنوان (أسماء من اتصلت بنا أسماؤهم من أنصار الحسين الذين قتلوا معه من بني هاشم) وذكر في الجدول ثلاثين إسماً. ولا نعرف مستند السيد رحمه الله في ذلك. أسماء شهدا كربلاء من بني هاشم 1- علي بن الحسين الأكبر: ورد ذكره في: (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، الخوارزمي، المسعودي). يكنى أبا الحسن. كان له من العمر سبع وعشرون سنة وردت رواية أنه كان متزوجاً من أم ولد. أمه: ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي. وهو أول من قتل من بني هاشم. قتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي. 2- عبد الله بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: أم البنين بنت حزام. كان عمره حين قتل خمساً وعشرين سنة. لا عقب له. قتله: هاني بن ثبيت الحضرمي. 3- جعفر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: أم البنين بنت حزام. كان عمره حين قتل تسع عشرة سنة. قتله هاني بن ثبيت الحضرمي، أو خوليّ بن يزيد الأصبحي. 4- عثمان بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: أم البنين بنت حزام. كان عمره حين قتل إحدى وعشرين سنة. رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم، فقتله وأخذ رأسه. 5- محمد (الأصغر) بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الطبري، الأصفهاني، المسعودي). أمه: أم ولد. وقيل إن أمه أسماء بنت عميس قتله رجل من تميم، من بني أبان بن دارم. 6- العباس بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: أم البنين. يكنى أبا الفضل. حمل لواء الحسين. هو أكبر إخوته، وآخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه. قتله: زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائي، (وفي الطبري السّنبي). 7- عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الإصفاني، الخوارزمي). أمه: الرباب بنت أمرئ القيس الكلبي. كان طفلاًً رضيعاً حين قتل في حجر أبيه الحسين. رماه عقبة بن بشر بسهم فذبحه، (في الطبري إن الذي رماه: هاني بن ثبيت الحضرمي) وفي الزيارة أن الذي رماه (حرملة بن كاهل الأسدي). 8- أبوبكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي). أمه: أم ولد. قتله عبد الله بن عقبة الغنوي، أو عقبة الغنوي. 9- القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). وهو أخو أبوبكر بن الحسن المقتول قبله لأمه وأبيه. قتله عمرو بن سعد بن نفيل الأودي. (وفي الطبري: سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي). 10- عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة. أمه: بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي، وقيل أن أمه. أم ولد (وكذلك قال الطبري) قتله: حرملة بن كاهل الأسدي، رماه بسهم فذبحه في حجر الحسين وهو صريع. وكان بحر بن كعب قد قطع يد الغلام حين أهوى ليضرب الحسين فاتقى الغلام الضربة بيده فأصابته. 11- عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: زينب العقلية بنت علي بن أبي طالب (في الطبري: أمه جمانة إبنة المسيب بن نجبة الفزاري). قتله: عبد الله بن قطنة التيهاني (في الطبري: قطبة). 12- محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، المسعودي، الخوارزمي). أمه: الخوصابنت حفصة بن ثقيف من بكر بن وائل. قتله عامر بن نهشل التميمي. (في الطبري: التيمي). 13- جعفر بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، الخوارزمي). أمه: أم الثغر بنت عامر بن الهصان العامري، من بني كلاب (في الطبري: أم البنين إبنة الشقر بن الهضاب..) قتله عروة بن عبد الله الخثعمي (في الطبري والزيارة: بشر بن حوط الهمداني). 14- عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، الخوارزمي). أمه أم ولد. قتله: عثمان بن خالد بن أسيد الجهني، وبشير بن حوط القايضي. في الزيارة (عمر بن خالد بن أسد الجهني). 15- عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، الخوارزمي). أمه: رقية بنت علي بن ابي طالب. قتله عمرو بن صبيح (في الطبري: المصدائي، وقيل قتله: أسد بن مالك الحضرمي). (في الزيارة: عامر بن صعصعة وقيل أسد بن مالك). 16- عبد الله بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني، الخوارزمي). الذي ورد ذكره في الزيارة هو (أبو عبد الله بن مسلم بن عقيل ورجحنا أن الإسم ورد في الزيارة بهذه الصورة خطأ، لانفراد الزيارة بهذا الإسم من بين المصادر، ولا تفاق الزيارة مع الطبري في أن القاتل هو (عمرو بن صبيح الصيداوي أو الصدائي). أمه: أم ولد. قتله في رواية الأصفهاني: عثمان بن خالد بن أسد الجهني، ورجل من همدان. 17- محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الأصفهاني). قتله: لقيط بن ياسر الجهني. في الزيارة (ناشر). *** هؤلاء السبعة عشرهم الذين ثبت عندنا أنهم استشهدوا في كربلاء من بني هاشم، لإجماع المصادر الأساسية على ذكرهم. أما من عداهم فسنعرض أسماءهم فيما يلي، مع شكنا في كونهم ممن رزق الشهادة مع الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كربلاء. ونقدّر أن بعضهم قد استشهد في مواقع أخرى متأخرة، واختلط أمره على أصحاب الأخبار والمؤرخين. مع احتمال أن يكون رأينا في عدد الشهداء السبعة عشر وأسمائهم خطأً أيضاً، وأن يكون العدد أكثر مما ذكرنا، أو أن تكون بعض الأسماء غير ما ذكرنا. 1- أبوبكر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في (الإرشاد، الخوارزمي، الأصفهاني). في الطبري قال: (شك في قتله). قال الأصفهاني: لم يعرف إسمه (في الخوارزمي: إسمه عبد الله). أمه: ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك... بن دارم. قال الأصفهاني: قتله رجل من همدان. وقيل: وجد في ساقية مقتولاً لا يدري من قتله. وهذا التعبير من الأصفهاني يدعونا أيضاً إلى الشك في شهادته في كربلاء. 2- عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في (الأصفهاني، الخوارزمي). أمه: الخرصا بنت حفصة. قال الأصفهاني (ذكر يحيى بن الحسن العلوي، فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه: (أنه قتل مع الحسين بالطف، رضوان الله وصلواته على الحسين وآله). ولم يذكره غير الأصفهاني. ولذا فنحن نشك في كونه من شهداء بني هاشم في كربلاء. 3- محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في (الأصفهاني والخوارزمي) ولم يذكره غيرها. أمه: أم ولد: قتله أبو مرهم الأزدي. ولقيط بن أياس الجهني. 4- عبد الله بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره عند المفيد في الإرشاد ولم يذكر غيره. وقال أن أمه وأم أبي بكر بن علي هي: ليلى بنت مسعود الثقفية = وينبغي أن يكون هذا غير عبد الله بن علي بن أبي طالب الذي أمه أم البنين بنت حزام، فذاك متفق على شهادته، وقد ذكرناه في عداد السبعة عشر. 5- عمر بن علي بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي (مقتل الحسين:ج2/ص28- ص29) في عداد من برز وقاتل ويظهر منه أن أمه (ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم بن جندل بن نهثل بن دارم التميمة) فيكون أخا أبي بكر بن علي الذي تقدم ذكره لأبيه وأمه. وذكره في تعداد الأسماء في الرواية التي اشتملت على خمسة وعشرين إسماً (ص 47 - ص 48). 6- غلام في أذنيه قرطان، قتله هاني بن بعيث. ذكره الخوارزمي (مقتل الحسين:ج2/ص31- ص32) آخر الشهداء من بني هاشم في ترتيب الخوارزمي لبروز الهاشميين. وذكر بعض أرباب المقاتل أن هذا الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل وأن قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي. 7- إبراهيم بن علي بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي (ص: 47). 8- عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي (ص: 48). 9- محمد بن عقيل بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي (ص: 48). 10- جعفر بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي (ص: 48). شيعته)(49). إن ذكر هذه الملاحظة (لا تتامّ إليه شيعته) سبباً للحيلولة بين الحسين وبين الماء تدل على أن قيادة الجيش الأموي كانت تتوقع قدوم نجدات موالية للحسين، وكانت تقوم على الشاطئ بحصار حقيقي يتجاوز الحيلولة دون الماء إلى الحيلولة دون عبور قوات موالية للحسين كانت فيما يبدو جاهزة للعبور، ولعلها كانت من الأسديين الذين فشلوا في الوصول إلى معسكر الحسين حين قادهم حبيب بن مظاهر. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  2. النبي وأصحابه التابعين له بإحسان أول من بكوا الحسين لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة على أن جبرائيل قد أوحى للنبي (صلى الله عليه وآله) بنبأ مقتل الإمام الشهيد الحسين (عليه السلام) ومكان استشهاده. و فيما يلي بعضَ هذه الروايات في ذلك. 1ـ قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة (30) من مصنفه: (إقناع اللائم على إقامة المآتم) ما نصه: (ذكر الشيخ أبو الحسن على بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (أعلام النبوة) صفحه 83 طبع مصر فقال: (ومن إنذاره (صلى الله عليه وآله) ما رواه عروة عن عائشة قال: دخل الحسين بن علي (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يوحي إليه، فبرك على ظهره وهو منكب ولعب على ظهره، فقال جبرائيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك ويقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك اسمها الطف. فلما ذهب جبرائيل خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه) انتهى. ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله: (أقول: ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرائيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرائيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة فكيف بهم معه. فهذا أول مأتم أقيم على الحسين (عليه السلام) يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمستمعون أصحابه) 2- جاء في الصفحة (31) من الكتاب نفسه: (وفى منتخب كنز العمال صفحه 112 الجزء الخامس للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال أخرج الطبراني في الكبير عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم سلمة قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله) جالسا ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي، فاطلعت فإذا الحسين في حجره أو إلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت: والله ما علمت به حتى دخل. قال النبي (صلى الله عليه وآله) أن جبرائيل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حب الدنيا نعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلا. فتناول من ترابها فأراه النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلا، قال: صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرض كرب وبلاء. .). أقول: وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها، كصاحب العقد الفريد في الجزء الثاني، وأحمد بن حنبل، وأبو يعلى، وابن سعد، والطبراني، وأنس بن مالك، وابن عساكر، وغيرهم كثيرون. ورواها أيضا من الشيعة كثيرون من علماءها، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الإمام الخامس محمد الباقر (عليه السلام) بهذه العبارة: (كان النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل علي أحد، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي (صلى الله عليه وآله)، فدخلت أم سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال، النبي (صلى الله عليه وآله): يا أم سلمة، إن هذا جبرائيل يخبرني إن ابني هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي...) انتهى قول العلامة العاملي. 3- ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه: (روى الأوزاعي عن عبد الله بن شداد عن أم الفضل بنت الحرث أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا رسول الله، رأيت الليلة حلماً منكراً. قال: وما هو؟ قالت إنه شديد قال: ما هو؟ قلت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين قالت: وكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخلت يوماً على النبي وأنا أحمل الحسين فوضعته في حجره، ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما بالك؟ قال: أتاني جبرائيل فأخبرني أن طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء...) الخ. وروى شماك عن ابن مخارق عن أم سلمة قالت: بينا رسول الله ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك تبكي؟ جعلت فداك. فقال: جاءني جبرائيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني إن طائفة من أمتي تقتله، لا أنالهم الله شفاعتي). وروى بإسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت: خرج رسول الله وهو أشعث أغبر ويده مضمونة، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال: أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء، فرأيت فيه مصرع الحسين أبني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دمائهم فهاهي في يدي وبسطها إلي فقال: خذيها واحتفظي بها، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان اليوم العاشر من محرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين أخرجتها في أول النهار وهي بحالها. ثم عدت إليها آخر النهار. فإذا هي دم عبيط، فضججت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعدائهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظاً للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه ما رأيت فتحقق..) 4ـ جاء في مستند أحمد بن حنبل صفحة (85) من الجزء الأول بسنده عن عبد الله بن نجي عن أبيه (إنه سار مع علي (عليه السلام) وكان صاحب مطهرته ( أي الإناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه) فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي (عليه السلام) أصبر أبا عبد الله، أصبر أبا عبد الله بشط الفرات قلت: وما ذاك؟ قال، دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت، يا نبي الله أغضبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرائيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال فقال: هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال: قلت نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا..) ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب (الصواعق المحرقة) لابن حجر، وكتاب (منتخب كنز العمال) والسبط ابن الجوزي الحنفي في (تذكرة الخواص) والبغوي في معجمه، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة. 5 ـ وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة بإضافة: (إن جبرائيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟). 6 ـ أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مستند ابن عباس، قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم فأحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك ـ اليوم. 7 ـ جاء في الصفحة (39) من كتاب (إقناع اللائم) المار ذكره ما نصه: (روى ابن شهر آشوب في المناقب عن جامع ـ الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني، أن أم سلمة قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام وعلى رأسه التراب. فقلت: مالك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال:شهدت قتل الحسين آنفاً..) أقول: ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي بسنده عن سلمة قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت مالك يا رسول الله مغبراً؟ قال شهدت قتل الحسين آنفاً..). وروى المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: أصبحت يوماً أم سلمة تبكي، فقيل لها: لم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ مضى إلا ليلة، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت: مالي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه. هذا وقد رويت أمثال هذه الأحاديث بإسنادها من ـ مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصى وأكثر مما مر منها أعلاه. 8 ـ وقد أشار ابن نباته في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ على منابر الإسلام في الجُمع، لا يزال يقرأ على المنابر إلى اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال: (وكان عليه الصلاة والسلام يعني الرسول (صلى الله عليه وآله) من حبه في الحسين يقبل شفتيه، ويحمله كثيراً على كتفه فكيف لو رآه ملقى على جنبيه، شديد العطش والماء بين يديه، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه، لصاح عليه الصلاة السلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد ـ الشهيد، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا الله حق تقواه...). 9 ـ أما أم سلمة فهي إحدى زوجات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد تقدم بها العمر إلى أواخر سنة 61 للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة (320) من كتابها (موسوعة آل النبي) الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه: (وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتى امتحنت كما امتحن الإسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت ـ الرسول هناك. وتقول رواية: إنها ماتت في آخر سنة 61 هجرية، بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي (عليه السلام) ـ إلى أن تقول بنت الشاطئ ـ : وأم سلمة آخر من مات من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وصلى عليها أبو هريرة الصحابي، ودفنت بالبقيع..) 10 ـ أقول: لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة 61 هـ. إلى المدينة المنورة، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرمة والمدينة لهذا الحادث الجليل والمصاب العظيم، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  3. ميثم التمار في سطور أبو مسلم ميثم بن يحيى التمار النهرواني، وكان يبيع التمر بالكوفة فلقب بالتمّار، مولى أمير المؤمنين (عليه السلام) وخاصته وحواريّه، ومستودع أسراره، ومَغرَس علومه. وكان ميثم مملوكاً لامرأة أسدية في الكوفة. فاشتراه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعتقه، وقرّبه وأدناه، حتى صار من أقرب الناس إليه، وأخذ ميثم العلم من أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى صار علماً من أعلامه. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يميز ميثماً بنفيس العلوم ويطلعه على الأسرار، حتى أنه كان يذكر له دوماً ما يصنعه به ابن زياد من فظيع الأعمال وهو يقول: (هذا في الله قليل). وكان يصحبه أحياناً عند المناجاة في الخلوات، وعند خروجه في الليل إلى الصحراء، فيستمع ميثم منه الأدعية والمناجاة وهذا يدل على مزيد الاختصاص والاطلاع على الأسرار، فإن ساعة الخلوة والمناجاة لا يصحب فيها أبو الحسن كل أحد، ولا يقوى على الوقوف على سرها وأطوار التعبد فيها والخضوع والخشوع، إلا قوي الإيمان قوي اليقين. عرف ميثم أمامه فأطاعه، فكان ميثم بعد تلك الولاية والطاعة. من أهل المعرفة والعلم. قبس من حياته في مساء ضاحك من ليالي الكوفة العامرة والناس تتحدث عن أيامها وحروبها، وفي مجلس لبني أسد، وقد احتشد القوم فيه يقضون عمر النهار، مرّ فارس وقور عليه طهارة الصالحين وسيماء الزعماء، فاستقبله زعيم بني أسد حبيب بن مظاهر، حتى التقت رؤوس خيولها، وتحدثا طويلاً، وكأن الفراق قد زادهما شوقاً للاجتماع. وتساءلت العيون عن القادم فقيل: إنه ميثم بن يحيى التمار صاحب أمير المؤمنين ومن مدرسته الخالدة (عليه السلام) وأمينه على أسراره، يلتقي بزميله في الولاء حبيب ابن مظاهر. فزحفت الأسماع لهما تسترق حديثهما، وكلها لهفة لمعرفة ما يدور بينهما. قال حبيب وابتسامة هادئة تتهادى على شفتيه: (لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن، يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صلب في حب أهل بيت نبيه، تبقر بطنه على الخشبة). وأشرق وجه ميثم، وهو يستمع إلى حديث صاحبه وقال: (وكأني برجل أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه، فيقتل ويجال برأسه بالكوفة). وافترق الفارسان كلٌّ إلى جهة. وحملق الجالسون، وزمّوا شفاههم، وحبسوها بسمة ساخرة كادت تنطلق لولا احترامهم للزعيم، وضيفه. وانطلقت البسمة الساخرة واضحة بعد أن غابا عن المجلس وتهامس القوم، وقالوا فيما قالوا: (ما رأينا أحداً أكذب من هذين الفارسين). وبينما هم يتحدثون بهذا ونحوه إذ أقبل عليهم شيخ وقور ذو هيبة وجلالة، فطلب صاحبيه ميثماً وحبيباً، فقيل له إنهما افترقا وأعادا عليه حديثهما بالتفصيل فضحك، وقال: (رحم الله ميثماً إنه نسي أن يقول: ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم). ثم ترك المجلس وذهب. وتعالت التمتمات، والابتسامات من جديد، وقال بعضهم: هذا والله أكذبهم.. وتساءل من يعرفه؟ فقيل له: إنه رشيد الهجري. وتفرق المجلس على حديث هؤلاء الثلاثة، والشك يخامر من يخامر منهم، وموجة من استهزاء تطفو على وجوه البعض من أولئك الذين لا يعرفون علاقة هذه الصفوة بالإمام، أو يعرفونها ولا يعرفون واقع الإمام، وتجسّد هذا اللغط حتى انقلب إلى سؤال واستفهام، قال أحدهم يخاطب صاحبه: أرأيتهم كيف أصبحوا يُخبرون بالمغيّبات؟ وكأني بهم عن قريب يدّعون النبوة. ودارت ضحكة ساخرة وسط القوم، وعلا صوت من زاوية المجلس ـ ينم عن حقد دفين ـ: هؤلاء هم أصحاب أبي تراب. ولكن جذور الإيمان لم تنعدم عند بعض الجالسين مهما انصهروا في دوامة الزمن، وهم ممن صحبوا الإمام، ونهلوا من بعض معارفه فقد ثقلت عليه هذه السخرية اللاذعة، وهذا الأسلوب النابي من أن تلاك به هذه الصفوة من حواريي الإمام. فالتفت إلى المتكلم، وفي نظراته سيل من عتاب وقال: على مهلك لقد ذهبتْ بك الظنون بعيداً بحق هؤلاء. أما كان الأجدر بك أن تفكر قليلاً ثم تحكم. إني لا أشك أن ما تحدث به ميثم، وحبيب، ورشيد هي أشياء سوف تحدث بعد، والإخبار بالمغيبات منحة إلهية منحها الله لأنبيائه، ورسله. والإمام علي أكثر الناس صلة بابن عمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكاتم سره وأمينه. وأي مانع لرسول الله أن يوقف علياً على أحوال صحابته ويكشف له عن هذه الأمور وأمثالها، وقد رأينا الكثير من الوقائع التي أشار إليها في كلامه قد تحققت بعد زمان، وعهدنا ليس ببعيد بقصة (ذي الثدية من يوم النهروان) وإخباره عن ابن عمه بأن (عماراً تقتله الفئة الباغية) وغير هذا كثير فلا تكن قاسياً على الصالحين من عباد الله.. وأشاح الرجل بوجهه عنه حياءً، ودُفنت الضحكة بين طيات وجهه المتجعدة. وانتشر الحديث فنسيه قوم، وحفظه آخرون، وتطلعوا إلى نتائجه يرقبون ما وراء الأحداث، وما يخبئه الغد المظلم لأمثال هؤلاء من صحابة علي، ومشايعيه. ومضى زمان، وأقبل زمان، ومرت أحداث، وتلتها أحداث وكان من أشقها أن يتولى إمارة الكوفة عبيد الله بن زياد، وكان من أهم ما تبناه هو القضاء على البقية الباقية من الصفوة المعارضة لسياستهم الأموية، بعد أن تولى أبوه مهمة القضاء على أكثرهم في الكوفة ـ في مهد الإسلام وعاصمة الإمام ـ وكان لسان البقية الباقية ميثم التمار. وما كان لميثم، وأصحاب ميثم أن يصبروا على أساليب القوم في الحكم، ويسكتوا على التلاعب بالأحكام الإسلامية، وبمقدرات الأمة، لذا فقد سار ميثم على رأس تظاهرة كبيرة من المؤمنين ليبلغوا الوالي مفارقات حكمه، وكان هو لسان القوم، وتحدث ما شاء له الحديث بصبر وصلابة. وقد أغاظ حديثه خصمه اللدود عمرو بن حريث، فأدنا رأسه من أميره ـ والحقد ينزّ من عينيه ـ ليهمس في أذنه: أصلح الله الأمير أتعرف هذا المتكلم؟ قال ابن زياد: لا. فقال ابن حريث: هذا ميثم التمار، الكذّاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب. دهش الأمير الأموي وشدّ على أسنانه، واستوى جالساً والتفت إلى ميثم قائلاً: ما يقول؟ وأشار إلى ابن حريث. قال ميثم: كذب هذا الرجل، بل أنا الصادق، مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقاً، فاحمرت عينا ابن زياد من الألم، وصاح بميثم قم واصعد المنبر، وتبرّأ من علي واذكر مساوئه، وإلا قطعت يديك، ورجليك، وصلبتك فانسابت دموع ميثم منهمرة على لحيته الطاهرة. وظنّ زياد أن هذه الدموع وليدة الخوف والجزع فالتفت إليه قائلاً: بكيت من القول دون الفعل؟ فقال: والله ما بكيت من القول، ولا من الفعل، ولكن بكيت من شك خامرني يوم أخبرني سيدي ومولاي. فافتعل ابن زياد ابتسامة وقال: وما قال لك صاحبك؟ قال ميثم: قال إمامي علي (عليه السلام): (والله ليقطعنّ يديك، ورجليك، ولسانك، ولتصلبنّ عاشر عشرة، أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وتُعلّق على باب عمرو بن حريث.) فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: (يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد). واستشاط ابن زياد غضباً، واحتقن وجهه، ونطّت عروقه وصرخ قائلاً: لنخالفه ونكذب صاحبك. قال ميثم: كيف تخالفه، والله ما أخبرني إلا عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ولقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه، وأني أول خلق الله أُلجم في الإسلام. فقال عبيد الله: والله لأقطعن يديك، ورجليك، ولأدعنّ لسانك حتى أكذبك، وأكذب مولاك. وزحف عبيد الله من على سريره، وهو يهدر من الغضب، وصاح بجلاديه: اقطعوا يديه ورجليه وأريحوني منه، وكان ما أراد. ثم أمر بإخراجه وصلبه على باب عمرو بن حريث، واحتشد الناس على ميثم، وهو يعالج جراحه، وطافت في نفسه أمنيات كما دارت برأسه أفكار، وأفكار، وتصارع في نفسه عاملان: حق وباطل، لقد لاقى كل هذا الضيم لأنه من شيعة علي.. وبولائه نال هذا الجزاء الصارم، والآن وقد وصل إلى هذا الحد والموت قد تجسّد له، وقد أنشب أنيابه فيه، وبينه وبين النهاية المظلمة كلمة تنير الدنيا في خضم الحياة الأموية السوداء، وإن كان قد فقد يديه، ورجليه، ولكن إيمان الرجل بعقيدته، وإخلاصه لإمامه، وصدقه في موقفه.. كل هذه العوامل كانت أقوى من وساوس لم تلقَ مكاناً في نفس هذا الإنسان المتفاني في حب آل البيت. ولمس في نفسه بقايا من عزم فصمم أن لا يدعها تذهب سدىً وقرّر أن يختمها بذكر فضائل الإمام علي (عليه السلام)، وهدر كالبركان يحدث الناس عن فضائل علي وعدله، ما وسعه البيان والناس تستمع وتودّعه بكل إكبار وتقدير. وسمع عمرو بن حريث هذا الموقف الصارخ ـ والذي بطبيعته يجلب انتباه المستمعين ـ فاضطرب، وهرول عائداً إلى مجلس أميره، وقد علت وجهه صفرة باهتة، ووقف قبالة ابن زياد يلهث من الإعياء، ودهش الطاغية لأمره، وما ارتسم عليه من خوف، واضطراب، وصاح به: ما لك يا بن حريث هل وقعت الواقعة؟ ماذا ورائك قل ولا تنتظر؟ وتدحرجت الكلمات من فم ابن حريث ساهمة واجمة: أصلح الله الأمير بادر إلى ميثم من يقطع لسانه، ويريح بني أمية منه، فإني لست آمن أن تتغير قلوب أهل الكوفة فينقلبوا عليك، لقد أخذ يتحدث عن فضائل علي، ويذكر الناس بعدله، وحكمه وقربه من رسول الله. وهال ابن زياد هذا الأمر، وجنّ جنونه، وأمر بسياف أن يبادر لقطع لسانه، وبعد لأي قصير وصل السياف إلى ميثم والناس تبتعد عنه رعباً، وعيونهم تهرع خلفه تطلعاً، ووقف قبالة ميثم، وغرق في تفكير، وتمتم في نفسه: ماذا يخيفك يا أمير من هذا الجريح الذي سيلفظ أنفاسه بعد قليل. ولم يطل التفكير بالجلاد، بل تقدم إليه، وألقى عليه أمر ابن زياد، فأشرق وجه ميثم، وتهلّلت أساريره، وأعجب الحاضرون منه فشعر الجريح بهذا المعنى، فقال: لا تعجبوا لقد زعم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله أن يكذبني، ويكذب مولاي، لقد خاب ظنه، وتاه فاله، هاك لساني يا سياف ونفّذ فيه أمر أميرك، وسيجزي الله الصابرين. ونفّذ ما أراد. ومرت على ميثم ساعة يعالج نفسه، ورغم آلامه لم يتغير في صلابته، ثم أسلم نفسه إلى ربه شاكياً ظلم الأمويين وجور طغاتهم. ونشر الليل أبراده حزينة كئيبة قد اتشحت أبراده بحمرة الدم، وتحدث القوم في مجالس الكوفة: لقد صدق زعيم بني أسد حبيب بن مظاهر بقوله: (لكأني بشيخ أصلع، ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صلب في حب أهل بيت نبيه، تبقر بطنه على الخشبة). وحسب القوم أن ميثماً مات، وانتهت أخباره، وخاب ظنهم فإن ذكرى ميثم باقية مع الشمس لا تبلى، لأن صاحبها ممن أخلص لعقيدته، وجاهد في سبيلها، ووقف في وجه الظالمين دون خشية ورهبة، آثر الآخرة على الدنيا، فقال كلمته بصدق ووفاء، وعزم.. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  4. مـحـمـد بن أبي بكر ولادته ونشأته| واقعة الجمل | ولايته لمصر ولادته ونشأته نشأ محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، في بيت النبوة والخلافة في بيت تربى فيه الحسن والحسين. وترعرع عندهم وهو يرتشف من منهل أخلاقهم ويسمو بعز فضائلهم، وشرف مكانتهم. رباه أمير المؤمنين كأحد أبنائه ينفق عليه كما ينفق عليهم ويعلمه كما يعلمهم، وقد قال: محمد ابني من ظهر أبي بكر. فشب وهو عارف بحقيقة أهل البيت، ومكانتهم من الله ورسوله، وفضلهم على بقية الناس، وخصائصهم التي خصهم الله تعالى بها، واحقيتهم في الخلافة والزعامة. روى ابن سعد في طبقاته(1)، أن أبا بكر تزوج أسماء بنت عميس بعد جعفر بن أبي طالب فولدت له محمداً، نفست به بذي الحليفة، وفي رواية في البيداء، وهم يريدون حجة الوداع. ثم توفي عنها أبو بكر، فتزوجها علي بن أبي طالب فأنجبت له يحيى كانت أمه أسماء بنت عميس، من الصحابيات الجليلات اللواتي أسلمن منذ بدء الدعوة النبوية في مكة. وهاجرت الهجرتين مع زوجها جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه. فقد هاجرت معه أولا إلى الحبشة. وأنجبت له هناك ثلاثة أولاد عبد الله، ومحمداً، وعوناً. ثم هاجرت معه إلى المدينة المنورة، فصادف يوم وصولهم وصول خبر فتح خيبر ففرح رسول الله بمقدمهم وقال: والله ما أدري بما أفرح، افرح بفتح خيبر أم أفرح برجوع جعفر. لازمت أسماء الولاء لأهل البيت، وصاحبت مولاتها فاطمة الزهراء. وظلت على موالاتها حتى عندما تزوجها أبو بكر. لقد رضع محمد بن أبي بكر الولاء والحب لأهل بيت النبوة من ثدي أمه. وتعلم الإسلام والإيمان من مربيه علي. واقعة الجمل شهد محمد بن أبي بكر واقعة الجمل، وقاتل بكل بسالة وشجاعة إلى جانب مولاه أمير المؤمنين. ولما استقر القتال واشتبكت الصفوف، نادى أمير المؤمنين بعقر الناقة. فكان محمد بن أبي بكر من بين المتقدمين في الصفوف لعقر الناقة، وبعد أن عقرت وفر أصحاب الجمل (قطع محمد بن أبي بكر البطان وأخرج الهودج فقالت عائشة من أنت؟)(2). فقال محمد: أبغض أهلك إليك. فقالت عائشة: ابن الخثعمية. فقال محمد: نعم، ولم تكن دون أمهاتك. فقالت عائشة: لعمري، بل هي شريفة، دع عنك هذا. الحمد لله الذي سلمك. فقال محمد: قد كان ذلك ما تكرهين. فقالت عائشة: يا أخي لو كرهته ما قلته. فقال محمد: كنت تحبين الظفر وأني قتلت؟ فقالت عائشة: قد كنت أحب ذلك. ولكنه لما صرنا إلى ما صرنا إليه. أحببت سلامتك لقرابتي منك، فاكفف ولا تعقب الأمور. وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولا عذلة، فإن أباك لم يكن لومة ولا عذلة. وجاء علي فقرع الهودج برمحه وقال: يا شقيراء بهذا أوصاك رسول الله؟ فقالت: يا ابن أبي طالب ملكت فاصفح وظفرت فاسجع. فقال أمير المؤمنين: والله ما أدري متى اشفي غيظي؟ أحين أقدر على الانتقام فيقال لي: لو عفوت. أم حين أعجز عن الانتقام فيقال لي: لو صبرت، اصبر فإن لكل شيء زكاة. وزكاة القدرة والمكنة العفو والصفح. ثم التفت إلى محمد بن أبي بكر وقال: شأنك باختك فلا يدنو منها أحد سواك. ولايته لمصر ولى أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر على مصر. بعد أن عزل عنها واليها قيس بن سعد وكان أمير المؤمنين قد ولاه مصر. بعد محمد بن أبي حذيفة. وكان سبب عزله أن قرية من قرى مصر أبت الدخول في طاعة أمير المؤمنين وكان رأي قيس بن سعد أن يهادنهم ويتألفهم حتى ينتهي أمير المؤمنين من قتال الخارجين عليه فيرى فيه رأيهم. فكتب بذلك كتاباً إلى أمير المؤمنين يخبره بالموقف في مصر (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فأني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن قبلي رجالاً معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فترى ويروا رأيهم فقد رأيت أن أكف عنهم وألا أتعجل حربهم وأن أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله عز وجل أن يقبل قلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إن شاء الله). فكتب إليه أمير المؤمنين (بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فإن دخلوا فيما دخل المسلمون وإلا فناجزهم إن شاء الله). ولم يتمالك قيس بن سعد أن كتب إلى أمير المؤمنين (أما بعد يا أمير المؤمنين فقد عجبت لأمرك أتأمرني بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لقتال عدوك وأنك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أمير المؤمنين وأكفف عنهم فإن الرأي تركهم والسلام). فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين أبعث محمد بن أبي بكر على مصر يكفيك أمرها وأعزل قيساً والله لقد بلغني أن قيساً يقول والله إن سلطاناً لا يتم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء والله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر وإني قتلت بن مخلد قال وكان عبد الله بن جعفر أخاً لمحمد بن أبي بكر لأمه فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر وعزل عنها قيس)(3). ولما وصل محمد بن أبي بكر إلى مصر قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر وأمره بتقوى الله في السر والعلانية وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد وباللين على المسلمين وبالغلظة على الفجار وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالاحسان ما استطاع والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم في ذلك من العافية وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينقص منه ولا يبتدع فيه ثم يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل وأن يلين لهم جناحه وأن يواسي بينهم في مجلسه وليكن القريب والبعيد في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق وأن يقوم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخف في الله عز وجل لومة لائم فإن الله جل ثناؤه مع من اتقى وأثر طاعته وأمره على ما سواه). ثم أن محمد بن أبي بكر قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي هدانا واياكم لما اختلف فيه من الحق وبصرنا واياكم كثيراً مما عمى عنه الجاهلون إلا أن أمير المؤمنين ولاني أمركم وعهد إليّ ما قد سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة وأن ألوكم خيراً ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى فأحمدوا الله عز وجل على ما كان من ذلك فانه هو الهادي وإن رأيتم عاملاً لي عمل غير الحق زائغاً فارفعوا إلى وعاتبوني فيه فإني بذلك اسعد وانتم بذلك جديرون وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته ثم نزل). لم يفعل محمد بن أبي بكر أي شيء لتعزيز مركزه، ولم يقدم على أي خطوة تؤهله لقتال هؤلاء المعتزلين كما أمره بذلك أمير المؤمنين. بل بعث برسالة يبلغهم فيها أما بالدخول في الطاعة أو الخروج من البلاد. ذكر هشام عن أبي مخنف قال: ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهراً كاملاً حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس بن سعد وادعهم فقال يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا وإما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه إنا لا نفعل دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه امورنا ولا تعجل فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم فكانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشام لعلي وأن علياً وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشام وصار أمرهم إلى الحكومة اجترؤا على محمد بن أبي بكر وأظهروا له المبارزة فلما رأى ذلك محمد بعث الحارث بن جمهان الجعفي إلى أهل خربتا وفيها يزيد بن الحارث من بني كنانة فقاتلهم فقتلوه ثم بعث إليهم رجلاً من كلب يدعى ابن مضاهم فقتلوه. لقد ضعف مركز محمد بن أبي بكر بعد مقتل ابن مضاهم، وتأثر الناس بالدعاية الأموية حيث بثت وسائل إعلام المعادين في أهل مصر. بالطلب بدم عثمان الذي قتل ظلماً لقد تجاهل محمد بن أبي بكر وسائل اعلام الامويين، ولم يفعل إزاءها ما هو مناسب ولم يأخذ حذره منهم، فترك كثير من الناس معسكره. فلما علم أمير المؤمنين بتضعضع قوة محمد وانفضاض الناس من حوله كتب إلى مالك بن الحارث الاشتر وهو يومئذ بنصيبين (أما بعد فانك ممن استظهرته على إمامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم بذي وأسد به الثغر المخوف وكنت وليت محمد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه بها الخوارج وهو غلام حدث ليس بذي تجربة للحرب ولا بمجرب للأشياء فأقدم عليّ لننظر في ذلك فيما ينبغي واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من اصحابك والسلام. فاقبل مالك إلى علي حتى دخل عليه فحدثه حديث أهل مصر وخبره خبر أهلها وقال ليس لها غيرك أخرج رحمك الله فخرج الاشتر من عند علي فأتى رحله فتهيأ للخروج إلى مصر وأتت معاوية عيونه فاخبروه بولاية علي الاشتر فعظم ذلك عليه فبعث معاوية إلى الجايستار رجل من أهل الخراج فقال له أن الاشتر قد ولي مصر فإن أنت كفيتنيه لم أخذ منك خراجاً ما بقيت. فخرج الجايستار حتى أتى القلزم وبعدها خرج الاشتر من العراق إلى مصر فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار فقال له هذا منزل وهذا طعام وعلف فنزل به الاشتر وأتاه من عسل قد جعل فيه سماً فاطعمه إياه فلما شربها مات. ولما سمع معاوية بن أبي سفيان ذلك قال: إن لله جنوداً من عسل، ثم اقبل على أهل الشام وقال: كان لعلي ابن أبي طالب يمينان أحدهما قطعت في صفين وهو عمار بن ياسر، والآن قطعت الثانية وهو مالك الاشتر. أما مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج ومن شايعهم من العثمانية في مصر فقد كتبوا كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان (أما بعد فإن هذا الأمر الذي بذلنا له أنفسنا واتبعنا أمر الله فيه أمر نرجوا به ثواب ربنا والنصر ممن خالفنا وتعجيل النقمة لمن سعى على أمامنا وطأطأ يركض في جهادنا ونحن بهذا الحيز من الأرض قد نفينا من كان به من أهل البغي وانهضنا من كان به من أهل القسط والعدل وقد ذكرت المواساة في سلطانك ودنياك وبالله أن ذلك لأمر ماله نهضنا ولا إياه أردنا فإن يجمع الله لنا ما نطلب ويؤتنا ما تمنينا فإن الدنيا والآخرة لله رب العالمين وقد يؤتيهما الله معاً عالماً من خلقه كما قال في كتابه ولا خلف لوعوده قال (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) عجل علينا خيلك ورجلك فإن عدونا قد كان علينا حرباً وكنا فيهم قليلاً فقد اصبحوا لنا هائبين واصبحنا لهم مقرنين فإن يأتنا الله بمدد من قبلك يفتح الله عليكم ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل والسلام عليك). فجاءه الكتاب وهو يومئذ بفلسطين. ففرح بذلك وقال لعمرو بن العاص. تجهز يا أبا عبد الله، فبعثه إلى مصر في ستة آلاف رجل. فلما وصل عمرو بن العاص إلى مصر، اجتمعت إليه العثمانية. وكتب إلى محمد بن أبي بكر كتاباً (أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين والسلام. وبعث إليه عمرو أيضاً بكتاب معاوية إليه (أما بعد فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعية الموبقة في الآخرة وإنا لا نعلم أحداً كان اعظم على عثمان بغياً ولا أسوأ له عيباً ولا أشد عليه خلافاً منك سعيت عليه في الساعين وسفكت دمه في السافكين ثم أنت تظن أني عنك نائم أو ناس لك حتى تأتي متأمر على بلاد أنت فيها جاري وجل أهلها أنصاري يرون رأيي ويرقبون قولي ويستصرخوني عليك وقد بعثت إليك قوماً حناقاً عليك يستسقون دمك ويتقربون إلى الله بجهادك ولا أنذرتك ولاحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك بين خُششائه وأوداجه ولكن أكره أن امثل بقرشي ولن يسلمك الله من القصاص أبدا أينما كنت والسلام). فلما قرأ محمد بن أبي بكر الكتابين كتب كتاباً إلى أمير المؤمنين يطلب فيه العون والمدد، ويخبره بالموقف عنده. وارسل مع كتابه كتابي معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص. فلما قرأ أمير المؤمنين الكتب، كتب إلى محمد (أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل بأداني ارض مصر في لجب من جيشه خرّاب، وإن من كان بها على مثل رأيه قد خرج إليه، وخروج من يرى رأيه إليه خيرٌ لك من إقامتهم عندك، وذكرت أنك قد رأيت في بعض من قبلك فشلاً، فلا تفشل، وإن فشلوا فحصّن قريتك، وإضمم إليك شيعتك واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس. فإني نادبٌ إليك الناس على الصعب والذّلول، فاصبر لعدوّك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك، وجاهدهم صابراً محتسباً، وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإن الله قد يعز القليل، ويخذل الكثير. وقد قرأت كتاب الفاجر بن الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابين في عمل المعصية، والمتوافقين المرتشيين في الحكومة، المفكرين في الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم، كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، فلا يَهُلْك ارعادهما وإبراقهما، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله، فإنك تجد مقالاً ما شئت والسلام). ثم وبعد أن وصله كتاب أمير المؤمنين، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، يرد فيهما بما قالاه، وينتدب لقتالهما، ثم قام خطيباً في الناس، يحضهم فيه على جهاد أعداء الله. فقال: (أما بعد معاشر المسلمين والمؤمنين، فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة وينعشون الضلال، ويشبّون نار الفتنة، ويتسلّطون بالجبرية، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، عباد الله! لمن أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله، انتدبوا إلى هؤلاء القوم رحمكم الله مع كنانة بن بشر). فانتدب معه نحو ألفي رجل، وخرج محمد بن أبي بكر في ألفي رجل. وكان على رأس جيش الشام عمرو بن العاص. والتقى الجيشان ودارت بينهما معركة عظيمة، فكانت الغلبة في البداية لجيش محمد، إلا أن عمرو بن العاص استنجد بجيش الشام، فجاءه المدد وكان يفوق جيش محمد اضعافاً، فاحتوشوا جيش محمد من كل مكان وقتلوا معظم رجاله وفر الباقون، وقتل بشر بن كنانة. وفر محمد بن أبي بكر، ثم القي القبض عليه من قبل معاوية بن حديج. فقتله ثم جعله في جوف حمار فأحرقه، وذلك في صفر سنة 38 هجرية. 1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري. 2- نهج البلاغة. 3- أعيان الشيعة. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  5. عمار بن ياسر في سطور • أبوه: ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن حصين العنسي، ثم المذحجي وهو أول شهيد في الإسلام. • أمه: سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام. • كنيته: أبو اليقظان. • وهو من أوائل المسلمين، ومن المعذبين من أجل الإسلام، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد مع النبي (صلّى الله عليه وآله) جميع مشاهده. • لازم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة. • شهد حرب الجمل وصفين مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) واستشهد في صفين سنة 37 بين يدي أمير المؤمنين وصلى عليه الإمام ودفنه، وأبّنه. • عمره 94 سنة. • قبره في الرقة (من مدن سوريا) مزار يقصده وبجنبه قبر التابعي أويس القرني (رضي الله عنه) المستشهد بصفين أيضاً. قبس من حياته لماذا يعذب هؤلاء يا أبتاه؟! إن هؤلاء حادوا عن آلهتنا، ودانوا بغير ديننا، وتبعوا محمد. محمد.. ومن هو محمد يا أبتاه؟! محمد: فتى عبد المطلب، يتيم أبيه، فقير قومه. كفله عمه أبو طالب، وتولى تربيته بعد جده، جده عبد المطلب. ولم ذلك؟ لأن والده عبد الله توفي عنه، وهو بعد لمّا تكتحل عيناه بنعيم الحياة. أبتاه: ماذا يريد هذا اليتيم؟ وبماذا جاء؟ يقال: أنه دعا إلى دين، يوجب عبادة الله وحده، لا شريك له. وماذا في ذلك؟ ماذا في ذلك؟! ذلك يعني أن أصنامنا يجب أن تزول حيث لا مبرّر لوجودها بعد. ثم ما يري بعد هذا؟ لا أدري، أراك كثير الكلام، أسكت، ولا تتحدث بهذا الحديث، بل تناساه، نعم تناساه يا بني، فإني أخشى عليك من عذاب قريش. يا أبتاه دعني أتقدم لهذه الزمرة التي أخذت بيدها مكاوي الحديد. لتطعن بحر نارها جلود هذه الأجساد الهزيلة التي تضورت من الألم بين أيديها. حذار... حذار. أتركهم يا ولدي، دعنا وشأننا، ما لنا وهذه الأمور؟ هيا بنا، هيا... هيا. لماذا لم يتركوهم وشأنهم، ليعبدوا ما يعبدون؟ أجننت؟ كيف ترضى قريش أن تصاب آلهتها بالبوار؟ بني، إن خطر الإسلام على الجاهلية عظيم. يا أبتاه: رحماك، لي رغبة ملحة في أن أذهب إلى محمد فأسمع منه ما يريد. لا.. لا.. قالها الأب، وهو يزأر من الغضب، وكمّ فم ولده كي لا يستمر في الحديث. ثم التفت يمنة ويسرة، وهو يخشى أن يقف أحد على حديثهما. ثم حاول أن يتحدث، فماتت الكلمات على شفتيه، وهو يرتعد خوفاً ودهشة. ما بك يا أبتاه؟ وغاب الوالد في تفكير عميق، وبدت علائم الاستفهام جلية على قسمات وجهه، ترى ماذا أصاب والده؟ فقد بدا في حالة عصبية للغاية. وفضّل السكوت ريثما تهدأ حالة الشيخ. ما أن رأى والده قد عاد إلى صوابه، واسترجع وضعه الاعتيادي، حتى التفت إليه ثانية قائلاً: أبتاه: هل تعدني أن أذهب إلى محمد، أبتاه: يحدوني ميل شديد لأن أعرف أهداف دعوته، ولأتبين حقيقة خطرها على آلهة قريش. انتفض الأب من مكانه وهو يضطرب من الخوف والوجل وصاح بولده: دعنا نسير، دعنا نذهب إلى البيت، لنستريح من شر هذا اليوم. وفي طريق عودتهما إلى البيت مرّا على جماعة تحمل السياط وتلهب بها ظهور ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة واحدة، وقد تجمهر عليهم جمع يتضاحكون ويتصايحون. يا عمار: أين رب محمد لينجيك من هذا العذاب؟... قالها أحدهم ساخراً وكان أحد الجلاوزة الموكلين بالتعذيب. وعمار كالحديد يتدرّع بالإيمان، ويتحلّى بالصبر، عيناه شاخصتان إلى السماء، وشفتاه تلهجان: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). وما أن سمع أبو جهل هذه الكلمات ترفّ على شفاه عمار حتى هجم عليه ثانية والغضب يتطاير شرره من عينيه، وانقضّ على عمار يفتح فكيه ليقطع لسانه، لقد هاله أن يسمع منه هذه الكلمات. فيستقبله بعض أصحابه، وهم يتضاحكون... وتقبّل الرجل من زمرته شكرهم، وعيناه لا يرفعهما عن هذه الأجساد الثلاثة المطروحة بين أيدي جلاوزته، تلهبها سياطهم المحمومة وتمزقهم حرابهم الحاقدة. ويلتمّ شمل الصفوة الخيرة من المسلمين في حلقة تضم نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وآله)، وهو يعيد على أسماعهم آيات من كتاب الله المجيد. كان العدد لا يتجاوز الأصابع، وقد تعذّر حضور ياسر وزوجته، وولدهما عمار، حيث أن عذاب المشركين كان لا يزال ينصبّ عليهم صباً دون رحمة ولا شفقة. ويعلم الرسول بكل ما يجري على هذا النفر المستضعف من أصحابه فلم يملك لهم من الأمر إلا أن يرفع يده للدعاء: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله). ولم يقف عذاب القوم عند حدّ، فقد فاق كل وصف وكان عمار سابع من أسلم، وآمن بدعوة محمد، وكان عذاب الجاهلية يتفاقم عليه كما رأت أن هذا الرجل قد تدرّع بالصبر. ولكن عمار كان ولا يزال فوق هذه الهمجية من العذاب فقد تحدّاها بقوة أعلى من أن تنهار على دكّة المشركين، إنما هي صلابة الإسلام، وإيمان محمد تبعثانه على التفاني في سبيل عقيدته. كان عمار حليفاً لبني مخزوم، وكان يرجو أن ينال من مخالفته هذه بعض الراحة والطمأنينة، ولكن بني مخزوم هي التي قدمته قرباناً مقيداً إلى بساط التعذيب على يد المشركين من أمثال أبي سفيان، وعتبة، وأبي جهل، وغيرهم. ونادى منادي المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فقد أصبح شبح الموت أقرب من الظل إلى أصحاب رسول الله، وكان عمار أحد أفراد هذه القافلة الصغيرة من رجال الإسلام. ورمق الركب ـ وهو يجد سيره حثيثاً ليبعد عن واقع الظالمين ـ أحد أعوان الزمرة والطاغية، فذهب وأشاع النبأ لدى القوم، وهم في فناء البيت. أتعلمون أن ركباً من أصحاب محمد قد غادر أبواب مكة وسوف يهرب ويفلت من بين أيدينا، وحاول البعض أن يقوم بما يلزم من عرقلة سفر هذه الصفوة، ولكن هيهات فقد سلم الركب بنفسه من أن يقع فريسة لدى الأعداء. وفي مساء رائع ـ رائع بعبير التضحيات ـ ودع عمار البقية الباقية من أهل بيته، بعد أن قُتل أبواه في ساحة التعذيب وترك المدينة. ترك المدينة برهة من الزمن، ولكن ذكرى إنسانية محمد لم تبارح مخيلته، وآيات الله البينات تمور في أجواء نفسه وتنطوي الأيام عجلى، وانطوت معها صفحة من الذكريات ولكنها عادت حية منشورة بعد زمان، زمان قليل، بعد أن عاد أصحاب الرسول من الحبشة إلى يثرب، مدينة الرسول. عادوا وأكاليل الغار تتوج حياتهم، وأعلام النصر تركزت في ربوعهم. وعمار... ذلك الرجل الذي استمر طيلة حياته يدافع وينافح عن الإسلام، ويذب عن كيانه بجهاد متواصل، ينتظر، وهو على موعد. ينتظر اللحظة الحاسمة ـ التي خلدت وجوده ـ من حياته وهو يردد دائماً قول الرسول: (يا عمار آخر شراب لك من الدنيا ضياح من اللبن). وترتبط حياة الصحابي الجليل بعلي بن أبي طالب ارتباطاً وثيقاً فقد كانت كلمات الرسول الأعظم خالدة في ابن عمه ورفيق دعوته، وهي تنفذ إلى أعماق الإنسان كنور الفجر وسحر المطر... (يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا). وترف هذه الكلمات الزاهرة ندية في أذنيه، ويستوعب تفكيره النير هذا القول: (ولا يعرفك إلا الله وأنا). ولماذا لا يكون من علي بمنزلة العطر للورد، والشروق للأمل.. وهو الذي تقول عنه عائشة: (ما من أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أشاءُ أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: مُلئ عمار إيماناً إلى أخمص قدميه). ولم تكن هذه الصلة بالحديثة بعد رسول الله، كلا، فعمار كان مع رسول الله في كل حروبه، وفي كل أيامه، وكان يسمع عندما يقول كلمة عن علي فيحفظها، وعندما يشهد علياً وهو يخوض غمار الموت في سبيل الدعوة بإيمان وعقيدة فتنساب الشهادة من الرسول في حقه، فيلقفها عمار وساماً لا يعلوه وسام. وعليّ لم يكن أقل معرفة بعمار من غيره.. فقد ملئ هذا الرجل المجاهد الصابر الممتحن قلبه وإعجابه.. وليس بالغريب أن يصبح أبو اليقظان من أصحابه أكثر قرباً، وأشد التصاقاً لعلي، وصي رسول الله، وإمام المسلمين.. واقتطعت السنون من أيامها حلوها ومرها، خيرها وشرها وعمار في خضمها صلداً لا تهزه الأحداث، ولم يجرفه الإغراء وإذا مرت به أيام محمد (صلّى الله عليه وآله) صعبة المراس لاقى في سبيل الدعوة كل أنواع التعذيب والأذى، حتى ذكر أنه (كان يعذب حتى لا يدري ما يقول).. فإن أيام علي (عليه السلام) لم تكن أقل منها محنة. من يوم أن غمضتا فيه عينا الرسول، حتى يوم استشهد في ساحة صفين.. وكان مع هذا كله يمثل الإنسان المجرب والفكر الوقاد، والشخصية الفذة لا تأخذه في الله لومة لائم.. وقد وقف فيها إلى جانب إمامه يفتح في نفسه أفقاً رائعاً لأبعاده الكريمة، ومن فكره رأياً صائباً لما تقتضيه مصلحة الإسلام.. إنه امتحان عسير تمر به الصفوة الطيبة من هؤلاء الأفذاذ الذين اتخذوا من عليّ ـ بعد الرسول الأعظم ـ مدرسة تنير لهم الطريق، وتبدد لهم حلكة المسيرة.. وإذا زهد علي في هذه الدنيا، بحيث لم يعطها من نفسه قلامة ظفره، فقد كان عمار على هذا الخط. عندما ولي الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، سار فيها سيراً لن تجده إلا عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من العدل، وإحقاق الحق، ومكافحة الباطل وعدم الاهتمام بمظهر الدنيا، حتى يقول الراوي، وهو من أهل الكوفة: (رأيت عمار بن ياسر، وهو أمير الكوفة يشتري من قثائها، ثم يربطها بحبل ويحملها فوق ظهره ويمضي بها إلى داره)!!! ولم يكن عسير على عمار أن يتجبر ويتكبر، ويمشي خلفه الخدم والحشم في الكوفة وهو والي الكوفة، وأمير الجيش ومقرب الخلفاء، لكن لم يكن هذا أبداً.. فهو من مدرسة ذلك الإمام الذي يقول للدنيا: غري غيري، أما هو ففي ذات الله خشن.. ويعمل ويأكل من عمل يده، ولا تطمع نفسه إلى بيضاء وصفراء.. وطلعت شمس، وغربت شمس، وعلى الشفاه أكثر من سؤال؟ متى تتحقق نبوءة الصادق الأمين، وهو (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى) - النجم: 4-: (ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية). وتبقى هذه الكلمة الخالدة في آذان المسلمين حية تنتظر اللحظة الحاسمة.. وعمار قد ذرف على التسعين من عمره، أو تجاوزها بقليل. والأيام حافلة بالحوادث، وكل يوم له فيه حساب. ولكنه يوم ولا كالأيام، يزخر بالأحداث ويمطر بالمآسي.. فمعاوية بن أبي سفيان قد دفعته الغيرة المفتعلة للأخذ بثار عثمان ولم تكن الحقيقة، إنما هو التضليل للسذج من الناس. ولم يكن الواقع إلا ما قاله أبوه بالأمس، حينما تولى الخلافة عثمان والتف حوله من الأمويين، يخضمون مال الله خضم الإبل فيلتفت أبو سفيان، وقد أرهقته السنون وأتعبه الحقد، يقول للمجتمعين حول الخليفة: فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، تلاقفوها يا بني أمية. ومعاوية على هذا الأساس خطط وفي هذا الضوء سار.. واليوم قد حان فيه الانقضاض، وعلي بيده الخلافة، وهو يعلم أن ابن أبي طالب صعب المراس لم يخضع للعاطفة، ولا ينقاد للمقتضيات، والناس لا يسعدهم هذا اللون من المسيرة، فليقتطف المناسبة، ويستغل الفرصة، ووقتها حان. وليرفع شعار (يا لثأر عثمان) وليكن من قميصه المدمى ما يعلن الحرب ويلهب الفتنة، ويثيرها عجاجة تأكل الأخضر واليابس. وفعلاً كان ما أراد.. وعمار، وأمثال عمار لم يكونوا بالسذج والمغفلين، فقد عرفوا الحقيقة الكامنة وراء ثورة طاغية الأمويين، فالحقد الدفين بين الهاشميين والأمويين لم تخمده الأيام فهي جذوة تأكل قلوب الحاقدين، وتمتص رؤاه. وإذا كانت (صفين) بعد حفنة من الأيام، مرت ثقيلة السيرة مكدودة الضوء، فقد تفتحت الجراح شموخاً، وتعملق الجهاد عنفاً.. وليس غير السيف بين هذين المعسكرين حكماً. ويقف عمار وهو الرجل الذي واكب الأحداث، وعرف مقاصدها بكل روية وسط قومه خاطباً، وموجهاً: (انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم، ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه، فقالوا: أنه يحدث شيئاً، وذلك لأنه مكّنهم من الدنيا، فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انصدمت الجبال. والله ما أظنهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها، واستمرءوها. إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما بايعهم من الناس رجل.. اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم... ثم سكت برهة، ودنا من عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر، فتباً لك! وطالما بغيت للإسلام عوجاً.. ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت.. اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني، ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت.. اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملاً صالحاً هذا اليوم هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته.. ثم صفّ جيشه، ورفع رايته، وهو يرسل نظراته في جيش الشام، والقوم حوله منصتون، ويهز رايته، ويصيح ـ وكريمته البيضاء تزيد في هيبته ـ: (والذي نفسي بيده.. لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وها أنذا أقاتل بها اليوم... والذي نفسي بيده.. لو ضربونا بأسيافهم، حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على حق، وإنهم على باطل).. وزحف إلى الحرب، يرف برايته، وهو يجول وسط المعارك، ويقول: إن يومي لقريب.. ولملمت الشمس أبرادها على صورة عنيفة من الجهاد بين الحق والباطل في صفين، ويسقط عمار مضرجاً بدمائه، متوّجاً بجراحه، وهو يطلب الماء، وقدم إليه ضياح من لبن.. فصاح عمار، وهو في غمرة الفرحة ـ وإن كان يصارع الموت ـ: (صدق حبيبي رسول الله: آخر شرابي من الدنيا ضياح من لبن، ما أسعدني، وأنا أموت على الحق، وعدوي على الباطل). وتقف أنفاس البطل المجاهد في ساحة الجهاد. ويختم الجندي الباسل حياته بين يدي العقيدة، ربط حاضرها بماضيها وطرز سلسلتها الزمنية بكل ما يشرفها.. بالأمس بدأ الكفاح بين يدي محمد (صلّى الله عليه وآله)، ويختم اليوم البطولة بين يدي علي (عليه السلام).. وهكذا تلتقي السلسلة، وهي وحدة تمثل رائع البطولة، وصدق الفداء. وتبقى ذكراه الغالية في البطولة والتضحية نور يستضيء به السائرون في ركب الكفاح عن العقيدة. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 142) صدق الله العلي العظيم. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  6. مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين في كل العصور ترك الإمام الحسين بثورته الخالدة تاريخاً مشرقاً في مسيرة الأمة الإسلامية، وتراثاً عظيماً في التضحية والإيثار والفداء من أجل الدين، وتقديم أهل بيته وأولاده وأصحابه قرابين في سبيل الله تعالى، فلم يشهد التاريخ ثورة كثورة الإمام الحسين في أهدافها وتضحياتها ومنطلقاتها ورموزها، فهي بحق ثورة استثنائية في كل مشاهدها وصورها الدامية، ورسالتها المعبرة بكل قوة وشجاعة عن الحق والحرية والإصلاح. والإمام الحسين قام بكل واجباته ومسؤولياته، وضحى بنفسه في سبيل الله، من أجل بقاء الدين، ومحاربة الفساد والظلم والانحراف؛ إذ نقرأ في زيارة الإمام الحسين «أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله حتى أتاك اليقين». • لكن السؤال المهم هو: ما هي مسؤولياتنا نحن تجاه الإمام الحسين في هذا العصر وفي كل عصر؟ للإجابة على هذا التساؤل يمكنني أن أشير إلى أبرز المسؤوليات والواجبات المهمة التي يجب علينا القيام بها تجاه الإمام الحسين وهي: 1ـ التمسك بالقيم والمبادئ: ثار الإمام الحسين من أجل أن يبقى الدين سليماً من التحريف والتضليل الذي مارسه بنو أمية، حيث انتشر في عهد يزيد الفساد علناً، وحُرِف الدين عن أصوله وفروعه، فأراد الإمام أن يسجل بنهضته درساً عملياً للحفاظ على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وهذا هو واجبنا أيضاً أن نتمسك بالمبادئ والقيم والمثل والأخلاق التي باتت في خطر في ظل انتشار القنوات الفضائية المنحلة، وما يقدمه الإنترنت من مواقع مخلة بالآداب والأخلاق، وانتشار الوسائل الجديدة والمتنوعة في نقل الصور الإباحية، والأفلام المروجة لثقافة العري والتحلل. إن على كل واحد منا أن يسعى وبمقدار ما يستطيع من أجل تكريس المبادئ والقيم والأخلاق في البنية الاجتماعية، ويتم ذلك عبر التمسك بها، ونشرها في كل مكان، ومحاربة الرذيلة والفساد والميوعة التي يبثها الإعلام الفاسد إلى بيوتنا ومجتمعاتنا. فلنستذكر في ذكرى ثورة الإمام الحسين المبادئ والقيم التي من أجلها ضحى بنفسه، ولنعمل نحن أيضاً من أجل الدفاع عنها بمختلف الوسائل التي تناسب كل واحد منا. 2 ـ الاقتداء بسيرة الإمام الحسين: سيرة الإمام الحسين سيرة مشرقة وعظيمة، فالإمام الحسين قمة في الأخلاق، ومَثَل أعلى في العبادة والارتباط بالله، ومضرب المثل في الشجاعة والتضحية من أجل الدين، وعلينا لاقتداء بسيرته العظيمة؛ أن نقتدي بأخلاقه، وأن نقتدي بعبادته، وأن نقتدي بتضحياته، وأن نقتدي بصبره وقوته وشجاعته. والذي يحب الإمام الحسين حقاً عليه أن يسير على نهجه، وأن يستمر على منهجه فلا يكفي لمن يحبه أن يبكي عليه، أو يلطم صدره وخده حزناً عليه، أو يحضر مأتمه... وإن كان كل ذلك مطلوباً وفيه ثواب وأجر عظيم، ولكنه إذا تحول إلى مجرد طقوس ميكانيكية، وعادات اعتدنا عليها بلا هدف أو غاية فإنها تفقد أي تأثير على من يمارسها بهذه الصورة السلبية، تماماً كمن يصلي ولكن صلاته لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر، يقول تعالى: ﴿ ِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ أما إذا كانت صلاتك لاتنهاك عن ارتكاب المحرمات، فعليك أن تشك في قبول صلاتك! وكذلك إذا كنت تعزي على الإمام الحسين ، وتبكي عليه أيام عاشوراء، وتلطم صدرك وخدك بكل قوة، ولكن أفعالك أبعد ما تكون عن منهج الإمام الحسين أو سيرته، فعليك أن تشك في قبول أعمالك! فإذا كنت من محبي الإمام الحسين حقاً؛ فاقتدِ بأفعاله وأقواله، وتخلق بأخلاقه، وسر على نهجه، وحافظ على أركان الدين ومعالمه، ولا تترك واجباً، ولا تعمل محرماً، في كل أيام السنة وليس فقط في أيام عاشوراء كما يفعل بعض الناس! 3 ـ التعريف بالثورة الحسينية: إن من أهم مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين هو التعريف بثورته ونهضته المباركة، ويشمل التعريف منطلقات الثورة الحسينية وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من معركة بين الحق والباطل يفوق حد التصور، والتعريف بشخوص هذه الثورة الحسينية لكل الناس. ومن المهم للغاية أن يحتوي التعريف بالثورة الحسينية على قراءة تحليلية وليس مجرد قراءة سردية، لأن المنهج الأول هو الكفيل بإيصال أهداف ثورة الإمام الحسين بكل وضوح، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعبر لهذه الثورة المباركة. ويجب علينا الاستفادة من الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية والمجلات والصحف والأقراص المدمجة وغيرها للتعريف بثورة الإمام لكل شعوب الأرض وأممها. ومن المفيد جداً أن يبادر التجار وأصحاب الأموال إلى وقف أوقاف خاصة للقيام بمثل هذه الأعمال الصالحة، كأن نوقف وقفاً لتأسيس قناة فضائية للحديث عن الإمام الحسين وثورته وسيرته، أو نوقف وقفاً لترجمة ما كتب عن الإمام الحسين بكل لغات العالم. وإذا كان في الماضي توقف الأوقاف لإقامة المآتم الحسينية، أو لإطعام المستمعين أو الزوار الطعام على حب الإمام الحسين ، فإن الأوقاف في هذا الجانب كثيرة جداً،أما في هذا العصر فعلينا أن نساير التطور والتقدم العلمي والتقني للتعريف بالإمام الحسين وثورته وأهل بيته عبر الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعريف بالنهضة الحسينية. 4ـ الارتباط بمنهج الإمام الحسين: الإمام الحسين كباقي الأئمة الأطهار رسموا لنا منهجاً للتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل، وعلينا أن نسير على ذلك، ونرتبط بمنهجهم الذي من سار عليه نجا، ومن تخلف عنه غرق وهوى. وكي يرتبط أبناؤنا بالإمام الحسين علينا أن نعلمهم محبة الإمام ، وأن نصطحبهم إلى مجالس العزاء والتعزية، ونشجعهم على قراءة زيارة وارث، ونشرح لهم معاني هذه الزيارة الراقية، كما أن من الضروري أن نوضح لهم تفاصيل ثورة الإمام الحسين وأهدافها النبيلة. والارتباط بمنهج الإمام الحسين يعني اتباع خط الإمام وفكره ومنهجه العلمي والعملي، أما ادعاء محبة الإمام ومودته بدون السير على نهجه فلا يعدو كونه حباً أجوفاً بلا معنى أو قيمة حقيقية. 5 ـ قراءة سيرة الإمام الحسين: وهذه المسؤولية من أضعف الإيمان، إذ يجب على كل واحد منا أن يقرأ ما يستطيع قراءته من كتب تتحدث عن السيرة العطرة لسبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي . ومن المخجل حقاً أن نرى بعض شبابنا وشبائبنا يعرف الكثير عن المشاهير في عالم الرياضة والفن والتمثيل، أو أسماء المشاركين في ستار أكاديمي أو سوبر ستار، لكنه لا يعرف عن ثورة الإمام الحسين إلا العنوان فقط ومع ذلك يدعي مثل هؤلاء لأنفسهم أنهم من محبي الإمام الحسين !! إن من أولى مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين أن نعرف سيرته، ونقرأ ما نستطيع مما كتب عنه، فليسأل كل واحد منا نفسه: كم كتاب قرأت عن الإمام الحسين ؟ وما هي المعلومات التي أعرفها عن سيرته العطرة؟ وماذا أعرف عن أخلاقه أو عبادته أو زهده أو جهاده أو شجاعته أو صبره؟! وأترك لك أن تجيب بنفسك عن نفسك! 6- المشاركة في العمل الحسيني: كل مؤمن يتحمل مسؤولية في المشاركة في العمل الحسيني، وذلك بمقدار ما يمكنه في سبيل ذلك الهدف النبيل في تعريف الأجيال الحاضرة والقادمة بسيرة الإمام المباركة، ونهضته العظيمة،. فليعمل كل واحد منا بما يستطيع من أجل ذلك. ويمكن الإشارة إلى بعض ما يمكن القيام به: 1 ـ تأليف الكتب عن الإمام الحسين ، أو ترجمة ما كتب عنه بمختلف اللغات العالمية. 2ـ تأسيس مواقع على الإنترنت للتعريف بالإمام الحسين ، وبمختلف اللغات الحية. 3 ـ المساهمة عبر المحاضرات أو العزاء أو التمثيل، ونشرها من خلال القنوات الفضائية الملتزمة، ومواقع الإنترنت المتاحة، ومختلف وسائل الإعلام الحديثة. 4ـ التبرع المالي لطباعة الكتب التي تتحدث عن الإمام الحسين ، أو أي شيء آخر يخدم التعريف بالإمام وسيرته ويحتاج إلى دعم مالي. 5 ـ الاستفادة من التقنيات الالكترونية الجديدة للتعريف بالإمام الحسين ونهضته الخالدة. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين اخوكم محب أهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  7. بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علبى محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الصحابي الجليل ما لك بن نويرة - من هو مالك بن نويرة؟ هو مالك بن نويرة التميمي اليربوعي، من كبار بني تميم وبني يربوع، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى لقد ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بيد الملهوف، وكانت له الكلمة الناقدة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته، وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً لم يتخلف منهم رجل واحد. وهو صحابي جليل قابل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسلم على يديه، ونال منزلة رفيعة لديه، حتى أن النبي نصبة وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثاقته واحتياطه وورعة(1). وكان مالك يعتقد بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) طبقاُ لآيات القرآن الكريم، وتبيان النبي (صلى الله عليه وآله) عن أمر ربه سبحانه وتعالى يوم غدير خم، والنبي عائد إلى المدينة المنورة بعد حجة الوداع - كما يسمونها - وهي حجة الإسلام التي لم يحج النبي سواها. ولذلك فإن مالكاً حين علم بتنصيب أبي بكر خليفة على المسلمين في سقيفة بني ساعدة، وإقصاء الإمام علي - صاحب الحق - المنصوص والأولوية المطلقة - عن إمرة المسلمين وإمامتهم، رفض الانقياد لأبي بكر، وامتنع عن بيعته ودفع الزكاة إليه(2). فأعاد أموال الزكاة لأصحابها من قومه وقال: فقلت خذوا أموالكم غير خائفٍ ولا ناظرٍ ماذا يجيء مع الغذ فإن قـام بالديـن المحوّق قائمٌ أطعنا وقلنا الدين دين محمد(3). - أحوال الناس وانقسامهم بعد رسول الله: بعد ما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتولى أبو بكر الخلافة بعده في تلك الداهية الدهياء، والطخية الظلماء المعروفة بسقيفة بني ساعدة، وامتناع طائفة من كبار الصحابة - مهاجرين وأنصاراً - عن بيعته، على رأسهم وصي رسول الله، الصّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، انقسم المسلمون خارج المدينة المنورة إلى ثلاثة أقسام: - قسم كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر، فلما توفي النبي ارتدوا مباشرة عن الإسلام وجيشوا الجيوش للانقضاض على المسلمين وإنهاء دولة الإسلام. - وقسم رفضوا مبايعة أبي بكر لعدم شرعية خلافته، ومخالفتها لتعاليم القرآن ووصايا الرسول بإمامة علي (عليه السلام)، وإلقاء مقاليد أمور المسلمين إليه. - وقسم لعلهم ظنوا عدم وجوب تسليم الزكاة للخليفة بعد رسول الله. وكان مالك بن نويرة من القسم الثاني كما قدمنا. - وصية أبي بكر لابن الوليد مواجهة هذه الأقسام: أمام هذا الواقع، وجه أبو بكر جيشاً كبيراً بقيادة خالد بن الوليد لقتال كل هذه الأقسام(4). وأوصاه قائلاً: (.. فإن أذّن القوم فكفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا فاقتلوا وانهبوا، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم). وفي رواية الطبري (فإن أقروا بالزكاة فأقبلوا منهم وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة ولا كلمة)(5). هذه الوصية تحمل في طياتها ميزانية للتعامل مع الناس وأقسامهم: الميزان الأول: يميز بين المسلمين وغيرهم من الكافرين والمرتدين، وهو ميزان صالح لو لم يعطل العمل به، ولو عمل به وحده - دون ضم الميزان الثاني إليه - لاستقامت الأمور في الجزيرة العربية، وأنهيت عملية الارتداء، ثم سوي بعد ذلك موضوع البيعة ودفع الزكاة إلى الخليفة دون الوقوع في دماء المسلمين وأعراضهم. الميزان الثاني: يميز بين من يقر بيعة أبي بكر من المسلمين ويدفع له الزكاة ومن لا يقر منهم البيعة ويمتنع عن دفع الزكاة له. وهذا الميزان في الحقيقة هو مصيبة المصائب، وداهية الدواهي النكراء، والجريمة الكبرى التي اقترفها أبو بكر، فأوقعت الدماء بين المسلمين أنفسهن، وقتل الصحابة بعضهم بعضاً، حتى قتل من المسلمين يومئذ خلق كثير. وهذا هو الميزان الذي استمر عملياً بين المسلمين كسنة من سنة أبي بكر، فلا يزال المسلمون منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وسيبقون إلى ما شاء الله، يقتتلون بينهم بموجب هذا الميزان الأخرق، وهذه السنة المبتدعة خلافاً لتعاليم الإسلام، ووصايا الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومنها (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل هذا القاتل يا رسول الله فما بال المقتول؟ قال: كان أحرص على قتل صاحبه. فكل دم مسلم أهريق على يد مسلم فعلى أبي بكر وزره وإثمه، بسبب هذا الميزان الذي ابتدعه، وهذه السنة السيئة التي سنها خلافاً لأحكام الإسلام في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً، تبتغون عرض الدنيا، فعند الله مغانم كثيرة، كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم، فتبينوا، إن الله كان بما تعملون خبيراً)[سورة النساء: الآية 94]. وخلافاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصريحة، فيما أوصى به علياً يوم خيبر: (قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)(6). ولقد حاول عمر بن الخطاب ثني أبي بكر عن قتال ما نعي الزكاة، والاقتصار على حرب المرتدين عن الإسلام فقط، لكن أبا بكر أصر على ما عزم عليه من قتال الجميع قائلاً (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)(7). - خالد بن الوليد يقتل الصحابي مالك بن نويرة وينزو على زوجته: لما قدم خالد بن الوليد البطاح، بث السرايا وأمرهم بإعلان الأذان رمز الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يجب داعي الإسلام، وإن امتنع أن يقتلوه حسب الميزان الأول من وصية أبي بكر. فلما غشيت هذه السرايا قوم مالك بن نويرة تحت الليل، ارتاع القوم فأخذوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، فقالوا: إنا المسلمون. قال قوم مالك: ونحن المسلمون، قالوا: فما بال السلاح معكم؟ قال القوم: فما بال السلاح معكم أنتم؟ قالوا: فإن كنتم المسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح ثم صلى هؤلاء وأولئك، فلما انتهت الصلاة، باغتوهم وكتفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد، فسارع أبو عبادة الأنصاري (الحارث بن ربعي أخو بني سلمة) وعبد الله بن عمر بن الخطاب فدافعوا عن مالك وقومه وشهدوا لهم بالإسلام وأداء الصلاة، فلم يلتفت خالد لشهادتهما. وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد عن الإسلام بكلام بلغه أنه قاله، فانكر مالك ذلك وقال: أنا على دين الإسلام ما غيرت ولا بدلت - لكن خالد لم يصغ لشهادة أبي قتادة وابن عمر، ولم يلق أذناً لكلام مالك، بل أمر فضربت عنق مالك وأعناق أصحابه(8). وقبض خالد زوجته ليلي (أم تميم فنزا عليها في الليلة التي قتل فيها زوجها). وهنا يقفز إلى الذهن سؤالان: السؤال الأول: كيف سوغ خالد لنفسه قتل مالك بن نويرة وهو يعلن إسلامه ويؤكد أنه لم يغير ولم يبدل، وشهد له بذلك أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر؟ حتى أن أبا قتادة عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها(9) ، وأنه صحابي جليل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجواب سؤالنا هذا يكمن في: 1- الميزان الثاني لأبي بكر، هذا الميزان المجافي للحق، والمائل عن جادة الصواب. 2- النفسية الجاهلية الخشنة والمتعجلة التي صبغت حياة خالد بن الوليد حتى بعد إعلانه الإسلام. هذا الرجل الذي لم يعرف للدبلوماسية طريقاً، ولا للتروي سبيلاً، ولم يحمل في نفسه احتراماً لمبدأ الخضوع لمقاييس الحق والباطل. وكل ما يهمه أن يبطش بالناس بكل شدة وقسوة، ليسجل للتاريخ نصراً ولو على حساب موازين الحق ومبادئ الإسلام وقواعده. 3- دوافع شخصية يمليها الهوى والانحراف عن الصراط المستقيم، وتزكي شعلتها النزوات والشهوات. وستتبين لنا هذه الدوافع عما قليل عند طرحنا السؤال الثاني. وهذه الواقعة لم تكن الأولى ولا الوحيدة في تاريخ خالد بن الوليد، فالتاريخ يحفظ له وقائع أخرى مماثلة، منها ما أخرجه ابن إسحاق عن أبي جعفر قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً ومعه قبائل من العرب… فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا، فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد)(10). وذلك أن خالد بن الوليد في هذه الواقعة: 1- خدع القوم ومكر بهم، حتى وضعوا السلاح بعد أن اطمأنوا إليه، وظنوا أنه سيعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه، وهم قد أصبحوا جاهزين لذلك. 2- لم يدعهم إلى الإسلام كما هو المتوقع من القوم وكما هي مهمته التي كلفه بها النبي، وإنما كتفهم وعرضهم على السيف فقتل من قتل منهم دون مبرر ولا داع لذلك. 3- والأهم والأخطر أن ثارات الجاهلية وعصبياتها مازالت معششة في رأس خالد بن الوليد. قال ابن إسحاق: وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف - فيما بلغني - كلام في ذلك، قال عبد الرحمن: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام!! فقال [خالد]: إنما ثأرت لأبيك، قال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت لعمك الفاكه بن المغيرة(11). ولقد أغضب عمل خالد هذا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لدرجة أنه تبرأ علانية أمام الله والناس من هذا العمل الشنيع والجرم الفادح، ودعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فبعثة بمال كثير إلى بني جذيمة، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم (عليه السلام): هل بقي لكم دم أو مال في ذمة رسول الله؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مما لايعلم ولا تعلمون(12). السؤال الثاني: كيف سوغ ابن الوليد لنفسه الدخول بتلك المرأة المسلمة في الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة أمامها؟(13) وهي أسيرة مكتفة عنده لا تملك ردّه ولا دفعه عنها. ثم أدخل بها حين فعل ذلك زوجةً أم تسرّى بها جاريةً؟ وكيف فعل ذلك قبل أن تقضي عدتها وتستبرئ رحمها؟ وعدة المرأة المسلمة من الأحكام الشرعية الثابتة عند جميع المسلمين. أليست هي النزوة الطارئة والشهوة الجامحة والهوى الغالب، بعد أن أخذ بلبه جمالها وسحر فتنتها؟!. أليس هذا هو سر اختلاف الأعذار لقتل مالك كي يتوصل إلى زوجته الجميلة؟(14) ، لكن بأي شرع وبأي قانون فعل ذلك؟! إنه ليس سوى شرع الجاهلية وقانونها الفاسد. - موقف عمر وأبي بكر: أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون وغيره، أن عمر لما بلغة الخبر قال لأبي بكر: إنه زنى فارجمه، فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه، تأول فأخطأ، قال: فإنه قتل مسلماً فاقتله، قال: ما كنت لأقتله تأول فأخطأ، قال: فاعزله: قال: ما كنت لأشيم (أي لأغمد) سيفاً سلّه الله عليهم أبداً(15). فلننظر الآن: - إن كان موقف عمر من خالد في تلك الواقعة صحيحاً - وهو صحيح فعلاً - وكان اتهامه له بالقتل والزنى واقعاً - وهو واقع كما يؤكد التاريخ - فيكون أبو بكر قد أخطأ خطأً فادحاً يستحق عليه العذاب والعقاب من الله عز وجل يوم القيامة، لأنه فرط في حدود الله وتهاون في إنزال العقاب الذي يستحقه ابن الوليد من القتل أو الرجم لكن أبا بكر يعلم تمام العلم أن خالد بن الوليد - إضافة لدوافعه الشخصية الجاهلية - قد فعل ما فعل بموجب الميزان الثاني الذي أوصاه به أبو بكر، وهو لهذا السبب لا يستطيع أن يأخذه بجريرة هو سببها والدافع إليها ظاهراً، خلافاً لحكم الإسلام بأن من أدى الصلاة فهو مسلم وليس بكافر(16) ، والواقع أن أبا بكر نفسه مقتنع بإسلام مالك بن نويرة وقومه، بدليل أنه ردّ السّبي وأعطى الدية من بيت المال(17). - وإن كان موقف أبي بكر من خالد بن الوليد صحيحاً - وهو قطعاً ليس بصحيح - فقد أخطأ عمر باتهام خالد بالقتل والزنى وعليه حد القذف على أقل تقدير. فأي الخليفتين هو المخطئ وأيهما المصيب؟ على أن عمر - وهذا خطأ جاهلي منه - لم يستطيع أن يتناسى هذا الردّ والانكسار الذي حلّ به أمام أبي بكر وابن الوليد، واشتدت الحفيظة في أعماق قلبه على ابن الوليد - لهذا السبب ولأسباب أخرى يروي المؤرخون أنها حدثت بينهما في الجاهلية - فما أن واتته الفرصة حين أصبح خليفة بعد أبي بكر، حتى بادر لعزله عن قيادة الجيش، وجعله مجرد جندي تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح، إلى أن مات حتف أنفه منفياً في حمص. والغريب أن عمر لم يقف مثل هذا الموقف، ولم يتبع هذه السنة مع معاوية بن أبي سفيان، وإنما أبقاه عاملاً له على دمشق سنين طويلة، ولم يعجزه بالعزل كما فعل مع غيره، مما أعان معاوية على طغيانه، ومهد لأن يقف معاوية في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الإمام الحسن (عليهما السلام)، وأن يغتصب خلافة المسلمين ويحولها إلى ملك عضوض، وأن يحكم الدولة الإسلامية حكماً قيصرياً استبدادياً، بقي سُنةً متبعة في المسلمين حتى يومنا الحاضر. ولكل هذه الأمور علل وأسباب، بعضها في الجاهلية وبعضها في الإسلام، لكن التاريخ غيبها عنا بما مارس من إخفاء وتقطيع للأوصال وتشويه للحقائق. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ان عينا مابكت رزء الحسين00 حجرا تلك وما تدعى بعين اخوكم محب اهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب)) ========= المصادر: 1- وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6 ص 14 رقم 294 - الإصابة ج 5 ص 560. 2- الفرقة الناجية للموسوي الشيرازي ص 129. 3- الإصابة ج 5 ص 560. 4- وقد سميت هذه الحروب فيما بعد بحروب الردة تمويهاً على الناس وطمساً لحقائق التاريخ ومستراً لفضائح أبي بكر وخالد بن الوليد. 5- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 2 ص 272. 6- صحيح البخاري ج 4 ص 1871. 7- لقد أصر عمر على خلاف أبي بكر في قتال مانعي الزكاة، حتى أنه لما ولي الخلافة بعده رد عليهم ما أخذه أبو بكر منهم من الأموال - (انظر الفرقة الناجية ص 118 نقلاً عن السيد الشهرستاني). 8- الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 224 - الإصابة ج 5 ص560 - مختار الأغاني ج 7 ص 105 حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 468 نقلاً عن كنز العمال ج 2 ص 122. 9- الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 243. 10- حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 424 - 425 وقد روى هذه الواقعة كل من البخاري والنسائي عن عبد الرزاق، وأحمد بن حنبل عن ابن عمر. 11- حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 426 ينقله عن البداية ج 4 ص 212. 12- المصدر السابق ج 2 ص 424 - 425. 13- الطبري ج 2 ص 274 - تاريخ اليعقوبي ص 121 - 122، والعجب أن ابن الوليد، بعد ما وطئ المرأة ودخل بها في تلك الليلة، تركها ولم يتقرب منها بعد ذلك فترة حتى تطهر!! ولا أدري مم يجب أن تطهر.. من طهارة زوجها مالك أم من نجاسة ابن الوليد؟. 14- ينقل المؤرخون أن ليلي زوجة مالك بن نويرة كان فائقة الجمال، بهية الطلعة، فلما قدم خالد مالكاً يريد قتله قال: هذه التي قتلتني، فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال مالك، إني على الإسلام ما غيرت ولا بدلت. (يقصد مالك بكلمة هذه أي بسببها). 15- حياة الصحابة ج 2 ص 467 ينقله عن كنز العمال ج 3 ص 132 - الكامل في التاريخ لأبن الأثير ج 2 ص 258 و 259 - تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 2 ص 274 - الإصابة ج 5 ص 560. 16- أسد الغابة ج 4 ص 296. 17- أسد الغابة ج 4 ص 296.
  8. يعطيك العافية أخوي.. اللهم صلي على محمد وآل محمد أبا حسن لـــو أن ذا الخــلق تاجروا بحبك يا مــــــولاي مــــــا كان أخسروا ولو كانت الســبع السماوات كاغذا وكانت بعــــون الله تطــــــوى وتــــــنشر وكانت جمــيــع الإنس و الجن كتب وكان مداد القــــــوم سبعــــــة أبحــــــر ولو كانــــــت الأشجار جمعا بأسرها تقصص أقــــــلام وتــــــبرى وتحــــــضر لكلــــــت أيــــــاديهم وأفنــى مدادهم وما حصلوا معشار من فضل حيدر(73)
  9. لماذا لا يتعلم علماء البحرين من الشيخ المدني رحمه الله تعالى -------------------------------------------------------------------------------- امة في رجل ذلك الشيخ المدني الكبير تلك المدرسة الكبيرة المثمرة صاحبة العطاء المستمر المدافع عن حرمة الاسلام ومنهجية الاسلام المدافع عن الطائفة باكملها تاركا ورائه حب الزعامات وحب خفق النعال وصفقة الجمهور وحب الظهور . آه وآه وآه على هذه الطائفة التي اصبحت تموج بركابها وحمولتها بين ذلك العالم وذلك العالم بين ذلك التصريح وذلك البيان وذلك المقال بين الضجيج والصراخ وبين المسيرات والمظاهرات وبين الصحافة والاعلام هكذا بتنا ياعلمائنا الاجلاء . أين يكمن الخلل في منهجيتكم او اطروحاتكم او في خلافاتكم تلك قضية جعلت منكم اصحاب زعامات فتلك قصة قانون الاحوال ( قانون احكام الاسرة ) كثر الضجيج حولها فقضاة المحكمة الجعفرية في واد والملجلس العلمائي وباقي العلماء في واد واصبحتم مادة خصبة للصحافة تتلقف اقوالكم وتصريحاتكم وياليت هذه الصحافة تنقل كلامكم وتصريحاتكم صحيحة . ويزعم علمائنا بانهم يمتلكون قانونا لاحكام الاسرة فالمجلس العلمائي اعد قانونا لاحكام الاسرة والقضاة اعدوا قانونا لاحكام الاسرة وبعض الجهات يمتلكون قانونا لاحكام الاسرة ولا شك ان كثيرا من العلماء لو فسح لهم المجال لكتشفنا الكثير من الاراء في هذه القضية . والمهم في الامر لماذا كل هذه المسودات حول قانون الاسرة وهل تعجزون لاعداد قانونا واحدا وهل تعجزون لدعوة بعضكم البعض في اجتماع يضم الكثير من علماء الطائفة لتتقارب وجهات النظر حول هذه القضية . كثرة الاقتراحات للتنسيق بينكم حول هذه القضية الا ان مانراه يعكس حالة العجز التي يتمتع بها بعض علمائنا . ولكم في شيخنا المدني مثالا واضحا فكلما حلت بالمذهب قضية قد تضر المذهب كان لها بالمرصاد فيقوم بالتنسيق مع باقي العلماء والاجتماع معهم لايجاد حل لتلك القضية وما ادل على ذلك الا قضية البدعة و قضية المطالبة بالبرلمان وان كان شيخنا المدني لا يؤمن بالديمقراطية الغربية الا انه طلب من الشيخ الجمري ان يعطيه مهلة لدعوة علماء الطائفة للتشاور والخروج بحلول الا ان الاخير رفض طلب الشيخ مما نتج عنه ماحصل وجرى في التسعينيات . هكذا كان المدني وكان حبه للطائفة يسرى في دمه وفي شرايينه لا يتطلع الى زعامة ولا حب الظهور بل كان هدفه الدفاع عن جوهر الاسلام والطائفة . اذا يجب على علمائنا ان ينتهجوا نهج شيخنا المدني في معالجة الامور سواء اتفقوا على قضية او اختلفوا فيها المهم هو الاجتماع والتشاور من اجل الطائفة . احتراماتي __________________ انا اشطر منك في اللعبة السياسية -------------------------------- والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين يا علي أنت العلي الذي فوق العلا رفعا00لولاك ربي ماخلق جنة ولانار أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام (( سيف العرب))
  10. طبعا و بلا تفكير الرادود الكبيبر الملا باسم الكربلائي الرادود الذي يدخل السياسة في سيرة الامام الحسين لايعتبر رادود قال الشاعر ومن الواجب لبس سربال الاسىواتخاد النوح وردا كل صبح ومسى كل عينا ما بكت رزء الحسين 00حجرا تلك وما تدعى بعين
  11. مشكورة أختي فدك على الموضوع تسلمين ويعطيش ألف عافية السلام عليك ياخديجة الكبرى عظم الله أجورنا وأجوركم تحياتي
  12. الرجاء نقل هذا الموضوع الى صفحة الصحابة والتابعين لان هذه لانه لايشمل اهل البيت الصفحة خاصة باهل البيت عليهم السلام واهل البيت عليهم السلام هم النبي محمد صل الله عليه وآله والامام علي بن ابي طالب عليه السلام وسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام والحسن والحسين والائمة من ذرية الحسين عليه السلام جميع مع المعذرة الى المشرفين المحترمين لولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار ولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار لولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار لولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار لولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار لولاك ياعلي مادارت الافلاك00 لولاك ربي ما خلق جنة ولانار
  13. السلام على أم البنين , السلام عليك يا من اختارها الله زوجة لأمير المؤمنين السلام عليك يا من اختارها الله أما للحسن والحسين عليهما السلام , السلام عليك يا من كانت أما وفت بتربيتها لأولاد أمير المؤمنين السلام عليك يا وفية المحبة والحسن والحسين وعلى بعلك أمير المؤمنين وعلى أبي الفضل العباس الذي فدى العين دون الحسين السلام عليك وعلى عبد الله الذي فدى نحره دون الحسين وكان شجاعاً بشجاعة أمير المؤمنين , السلام عليك وعلى جعفر الذي سماه علي شجاع بدر وحنين , السلام عليك وعلى عون الذي أعان الحسين حتى قتل قلبه وبكى عليه الحسين يا أم البنين بوركت بمن دعاك ولم تخيبي ظن الطالبين , السلام عليك يا مدفونة عند جد الحسين بجانب أم البقيع , السلام عليك يا محزونة على الحسين ولم تحزن على مقطوع البدين الذي فدى نحره والعين , السلام على من ظلت جائرة عندما سار الحسين وقالت هذا الوداع الأخير ولم تبكي على البنين الأربعة , السلام على من ترى يتامى أبا الفضل وتنتظر مجيء يتامى الحسين , السلام على من لقبت أم البنين في وداع الحسين , السلام على من قال لها علي بارك الله فيك يا أم البنين , السلام على من تورمت قدميها من كثرة السؤال على الحسين , السلام على من توجهت إلى دار زينب السلام على من رجعت المسيرة , السلام على من فقدت أربعة بنين ولا تسأل عليهم وتقول أين ولدي الحسين بارك الله بحنانك يا أم البنين , السلام على من شهقت وأعمي عليها في يوم ذبح الحسين السلام على من رأت الدم يفور من قارورة الحسين وقالت أفدى أربعة إليك يا حسين , السلام على من وصت أولادها بحفظ زينب , السلام على من لقت بالزهراء في بيت أمير المؤمنين , السلام على من قال الإمام زين العابدين لها عظم الله أجركِ يا أم البنين , وقال الإمام الرضا عظم الله أجركِ يا أم البنين وشهد التسعة المعصومين فدت الزهراء بذبح الأربعة دون الحسين , وقال الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه) اطلبوا فيعطيكم الله ما تطلبون بأذن الله وبجاه أم البنين حق اليقين , السلام عليك يا أم السادة الطيبين الطاهرين من نسل أمير المؤمنين السلام على أمك وأبيك ورحمة الله وبركاته , اللهم بحق أم البنين وبحق مقطوع اليدين وبحق الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذريت الحسين أظهر صاحب الزمان , الأمان الأمان الأمان , العجل العجل العجل , الغوث الغوث الغوث , ا لساعة الساعة الساعة , برحمك يا أرحم الراحمين , وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين . اللهم صلى على محمد وآل محمد . ثم اسأل حاجتك من الله العلي القديرولا تنسى أخوانكم المؤمنين والمؤمنات.
  14. اشكرك اختي على هذا الموضوع واتمنا لك التوفيق ان شاء الله تعالى واني هنا اقدم اليك هذه المشاركة مني اليك وعسى ان تحوز على اعجابك يا اختاه سلمان الفارسي في سطور وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بني آدم. يعرف بـ(سلمان الخير) من أهل مدينة أصبهان. أبوه: خشنودان. عانى كثيراً في البحث عن الحقيقة، والوصول إلى الإسلام. شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخندق وما بعدها. هو الذي أشار على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بحفر الخندق، كما أشار عليه يوم الطائف بنصب المنجنيق، وعمل الرسول (صلّى الله عليه وآله) بهما معاً. كانت له من النبي (صلّى الله عليه وآله) منزلة رفيعة (1). ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست 110 من مؤلفي الشيعة. أحد أعلام الصحابة، من المبرّزين منهم في العلم. في الرعيل الأول من زهاد المسلمين. نزل فيه من آي القرآن الكريم، وخلده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بأحاديث كثيرة. امتنع من بيعة أبي بكر، وخطب عدة خطب في المسجد النبوي الشريف معارضاً السلطة. أحد الأركان الأربعة (2). ولاه عمر المدائن (3). توفي في المدائن سنة 33هـ. عمره 250 سنة (4). قبره مزار يقصد للزيارة والدعاء، وبقربه قبر حذيفة بن اليمان، رضوان الله عليهما. على درب سلمان على مقربة من بغداد صوب الشرق. تلوح للناظر من بعيد بلدة صغيرة تدعى (المدائن) يلتقي فيها شاهدان. شاهد كسرى وشاهد سلمان. أما شاهد كسرى، فذلك الطاق المحدودب الهرم الذي يحكي قصة جبروت صانعيه، والذي بقي أثراً من الإيوان الشهير الذي أقامه كسرى أنو شروان ليصبح فيما بعد مقراً للأكاسرة حيث كانوا يطلقون عليه اسم (القصر الأبيض) وكانوا يديرون من بين أروقته حكم ثالث إمبراطورية في العالم القديم. لم يبق منه اليوم سوى هذا الطاق. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على شموخ الإسلام وعظمته حيث استطاع أن يقضي على مظاهر الأباطرة والأكاسرة بفترة وجيزة من أيام حكمه. وأما شاهد سلمان، فضريح ومزار وقبة ومئذنتان ينطلق منهما صوت الحق عالياً مدوياً كل يوم يحكي قصة الإيمان والتضحية والشرف. وهنالك تحت تلك القبة الشامخة يتمدد جسد ذلك الصحابي العظيم (سلمان سابق فارس نحو الإيمان) والذي ستبقى روحه الزكية مناراً يشع عبر العصور بأسمى معاني النبل والوفاء للإسلام العظيم ولرسالته الخالدة، كما ستظل سيرته مؤشراً يلوح للمسلمين بأن يوجدوا خطاهم على درب الله. إن من عظيم الحكمة وبديع التدبير أن يهيئ الله سبحانه أفراداً من أمم شتى وقوميات مختلفة يساهمون في دعم دينه وهو بعد لم يزل في طور نشأته ونموه. فكان منهم العربي والفارسي والرومي والحبشي والنبطي وكانوا كلهم سواء في ساحته يجسدون عنوان وحدته وشموله ويمثل هو عنوان وحدتهم وقوتهم دون أن يكون لاختلاف الدم أو العنصر أي تأثير. ولقد كان للمبادرين الأول في هذا المضمار ميزة خاصة من بين سائر المسلمين مكنتهم من احتلال الصدارة في التاريخ الإسلامي، وأعطتهم لقب السبّاق نحو الإسلام وكان من بينهم صاحبنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه. قال علي (عليه السلام): السبّاق خمسة، فأنا سابقُ العرب، وسلمان سابق فارس وصهيبُ سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وخباب سابق النبط. لقد استطاع هؤلاء النفر أن يجسدوا نظرية الإسلام حول التفاضل بين بني الإنسان، هذه النظرية التي تقوم على أساس التقوى، تقوى الله سبحانه وإطاعته والسير على منهاجه الذي ارتضاه. كما هو صريح التعبير القرآني. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(5). فكانوا أوضح مصداق لهذا المضمون بفضل سلوكهم الصحيح المتسم بالإخلاص والجدية والتفاني في سبيل الله ورفع كلمته، وبهذا صار كل واحد منهم سابق أمته باستحقاق وجدارة. ومن ثم، فقد شن الإسلام حرباً شاملةً في وجه العصبيات بشكل عام، وكافح دعاتها. فالعصبية ـ عنصرية كانت أو عرقيةً أو قبلية ـ لا ترتبط بأي مبدأ ذي قيمة من الوجهة الأخلاقية، ولا تخضع لأي منطق عقلي، بل الحكم فيها يرجع إلى العاطفة وحدها، لأن العصبية لا تعدو كونها ثورة عاطفية تنتاب الفرد إزاء قرابته أو قبيلته أو بني قومه، دون أن يكون للعدل فيها دور. لذا فإن الإسلام قد دعا إلى هذه العقلية التي يتسم بها المجتمع الإنساني بشكل عام وتوجيهها بطريقة انعكاسية نحو الإيمان بالله سبحانه، فهو أداة الربط بين المؤمنين يجمع شتاتهم، ويشد عزائمهم، ويوحد صفوفهم، وهو أيضاً الوسيلة الناجعة للوصول إلى درب الخلاص، ومن ثم النهوض بالإنسانية إلى أرقى وأسمى القيم التي تنشدها على هذه الأرض، الإيمان بالله، ورسوله، وكتبه، واليوم الآخر بكل ما انطوت عليه هذه الكلمات من مضامين عالية نبيلة تتهافت عندها جميع الحواجز المادية التي تلف حياة الإنسان، كما تتلاقى في ساحتها جميع القلوب الخيرة المفتوحة لا فرق في ذلك بين الإنسان الأبيض والأحمر والأسود والأصفر والقريب والبعيد. قال سبحانه وتعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (6). ولقد كان صاحبنا (سلمان الفارسي) رضي الله عنه أحد المجسدين لهذا الشعار القرآني بعزم وإرادة وتصميم يفوق حد الوصف، جسده في بداية إيمانه حين هجر أهله ووطنه في سبيل الوصول إلى منابع الإيمان ـ كما ستقرأ ـ ضارباً عرض الحائط كل تفاهات المجوسية وأساطيرها دون تردد أو وجل وجسده بعد إسلامه حين غزا المسلمون أرض فارس سنة 15 للهجرة وأطاحوا بأكاسرتها وأساورتها حيث كان هذا الرجل العظيم (داعية المسلمين ورائدهم) في تلك الوقعة ـ على حد تعبير ابن الأثير ـ فكان يدعو قومه إلى الإسلام. يدعوهم كما كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يدعوهم. فإن أبوا ناجزهم ونهد إليهم. إن قصة إسلام هذا الصحابي الجليل فريدة من نوعها في عالم التدين ـ حسبما أعلم اللهم عدا ما يختص بالأنبياء والرسل وأوصيائهم. فهي لا تخلو من مآثر وكرامات وخوارق تتصل كلها بعالم التدين وما يربط بين الأديان جميعاً، بل هي في ذاتها حافز للمؤمنين يمدهم بمزيد من الثبات والثقة. وهي أيضاً بقدر كونها وثيقة تاريخية تثبت أصالة الأديان السماوية، تؤكد ـ وبكل وضوح ـ كون الإسلام هو خاتمة تلك الأديان. (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (7). فأنت حين تقرأ سلمان في هذا الكتاب، ستجد نفسك وجهاً لوجه أمام إنسان وقف كل حياته لأجل أن يحظى بنصيب أكبر من عالم الروح والإيمان، وحين تتعمق في قراءته أكثر، ستدرك ولا شك أن هذا الإنسان المثل كان فريداً من نوعه، وفي أبناء جنسه وفي مسلكه وفي عمق إدراكه. حتى ليخيّل إليك إنه كان أمةً في جانب، والناس في جانب، وستلمس أن هذا الإنسان الذي بدأت حياته بالغرائب والعجائب، انتهت حياته كذلك. رحم الله سلمان، هلالاً أطل من سماء فارس ليشرق بدراً في دنيا الإسلام. سلمان قبل إسلامه ورحلة البحث عن الحقيقة قال سلمان (رضي الله عنه وأرضاه): (كنت ابن دهقان (8) قرية جي من أصبهان، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار..) (9). الذي يبدو من هذا النص أن سلمان اعتنق المجوسية في بادئ أمره عندما كان يعيش في ظل أبويه شأن أي إنسان يعتنق دين آبائه وأجداده حين لا يجد مندوحةً عن ذلك وحين يفتقد المرشد والموجّه ويعيش بعيداً عن آفاق المعرفة ومع هذا فإن ذلك لا يمكن جعله خدشةً في نقاء الذات التي كان يحملها سلمان ولا وصمةً في طهرها، سيما بعد أن يتضح لنا أن ارتباطه بالمجوسية كان شكلياً صورياً غير مستند إلى شيء من قناعاته كما سيأتي. إلا أنه من المقطوع أن سلمان لم يعتنق المجوسية حتى في صباه، بل كان موحداً لله سبحانه، نعم حكمت عليه بيئته التي عاش فيها أن يرتبط بالمجوسية ارتباطاً شكلياً، كما ورد ذلك في الأحاديث المأثورة عن النبي الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. من ذلك ما رواه الصدوق عن ابن نباتة عن علي (عليه السلام) في حديث جاء فيه: (حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسلمان بين يديه فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه. فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال: يا أعرابي أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض.. إلى أن قال: إن سلمان ما كان مجوسياً، ولكنه كان مظهراً للشرك مبطناً للإيمان) (10). وفي حدث الإمام الصادق (عليه السلام): (إن سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين) (11). قال الصدوق: إن سلمان ما سجد قط لمطلع الشمس، إنما كان يسجد لله عزّ وجلّ، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقيّة، وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد للشمس كهيئتهم) (12). أجل إن من يتتبع قصة إيمان هذا الرجل يلمس فيها شواهد على ذلك، وهو مصداق الآية الشريفة: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (13). الهجرة إلى الله ما عانى أحد من هذه الأمة ما عاناه سلمان في طلب الحق، وقطع طريقاً طويلاً مملوءاً بالمصاعب للوصول إليه. روى أبو نعيم عن سلمان رضوان الله عليه قال: تداولني بضعة عشر، من ربّ إلى ربّ (14). وعن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي وأنا أسمع من فيه قال: كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان، من قرية يقال لها (جيّ) وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، لم يزل حبّه إيّاي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة، وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوماً فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب إليها فاطّلعها، وأمرني ببعض ما يريد، ثم قال لي: ولا تحتبس عني، فإنك إن احتبست عني كنت أهم إليّ من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري. قال: فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، فرجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ أو لم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت له: يا أبت مررت بأناس يصلّون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت له: كلا والله، إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، وجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام، تجار من النصارى فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علماً؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد رغبت في هذا الدين، فأحببت أن أكون معك، وأخدمك في كنيستك، فأتعلم منك، وأصلي معك. قال: ادخل، فدخلت معه، وكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا له شيئاً منها اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: فأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئاً، فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ قلت لهم: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلّنا عليه، فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبداً، فصلبوه ورجموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه. قال سلمان: فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه كان أفضل منه، وأزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهاراً منه، فأحببته حبّاً لم أحبّه شيئاً قبل، فأقمت معه زماناً طويلاً، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبّاً لم أحبه شيئاً قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني. قال: أي بني، والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنت عليه، فقد هلك الناس، وبدّلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عله، إلا رجلاً بالموصل، وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغيّب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلاناً أوصاني عند موته أن الحق بك، وأخبرني أنك على أمره فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل، على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلاناً أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين، وهو فلان، فالحق به. فلما مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين، فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحبه، فقال: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، فإنه على أمرنا، فلما مات وغيّب لحقت بصاحب عمورية، فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل، على هدى أصحابه وأمرهم، واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله تعالى، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه، ولكنه قد أطلّ زمان نبي، وهو مبعوث على دين إبراهيم (عليه السلام)، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استعطت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، ثم مات وغيّب، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرّ بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه، قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل يهودي عبداً، فكنت عنده، ورأيت النخل، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ في نفسي، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريضة من المدينة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، والله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك. قال: وكان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء قد كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقرّبته إليه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً، وتحوّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة، ثم جئته به، فقلت له: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منها، وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي: هاتان ثنتان، ثم جئت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو ببقيع الغرقد، قد تبع جنازة رجل من أصحابه، وعليّ شملتان لي (15) وهو جالس في أصحابه، فسلّمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدبرته، عرف أني استثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): تحوّل، فتحولت فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يابن عباس، فأعجب ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يسمع ذلك أصحابه. قال سلمان: ثم قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير (16) وأربعين أوقية، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه: أعينوا أخاكم، فأعانوني بالنخل، والرجل بثلاثين ودية (17) والرجل بخمس عشرة ودية، والرجل بعشر، يعين الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اذهب يا سلمان ففقّر (18) لها، فإذا فرغت فأتني، أكن أنا أضعها بيدي، قال: ففقّرت، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معي إليها، فجعلنا نقرّب إليه الودي، ويضعه رسول الله بيده، حتى فرغنا (19) فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، قال: فأديت النخل وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن، فقال: ما فعل سلمان المكاتب، فدعيت له، فقال: خذ هذه فأدّها ممّا عليك يا سلمان، قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ فقال: خذها فإن الله سيؤدي بها عنك، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، فأوقيتهم حقهم منها (20). مواقف سلمان 1- غزوة الخندق الذي عليه أكثر المؤرخين أن سلمان لم يشارك في غزوات النبي الأولى كبدر وأحد، لأنه كان لا يزال في حينها قيد الرق، أما بعد أن أعتقه الإسلام من رقه فإنه لم ينفك عن مصاحبته (صلّى الله عليه وآله) ومواكبته له في غزواته وحروبه، وإسداء الرأي والنصيحة حينما تطلب الأمر ذلك، فكان له مواقف خالدة في هذا المضمار احتفظ لنا التاريخ ببعض منها نظراً لما كان يترتب عليها من أهمية تتصل بالحفاظ على قوة المسلمين العسكرية. وأهم هذه المواقف وأعظمها ما أشار به على المسلمين في حربهم ضد الشرك فيما يسمى بـ(غزوة الخندق) وغزوة الخندق هذه اشتملت على مشاهد مثيرة يعيشها القارئ من خلال ما سجلته أقلام المؤرخين حولها، ففيها التقت الكثافة العددية لجيش العدو بالقلة العددية لجيش المسلمين. مع ما دبر من مكائد تجمعها كلمة (الحرب خدعة) بين الطرفين، وتدخل العنصر الغيبي (الإلهي) لحسم الموقف، ممّا يدعو القارئ والكاتب إلى ضرورة الإلمام بها وبظروفها ولو بنحو الإجمال. لقد بدأت هذه الحرب في شوال من السنة الخامسة للهجرة بتحريض جماعة من اليهود وذلك: أن نقرأ من يهود بني النضير قرروا فيما بينهم أن يقوموا بجملة تستهدف تجميع القوى المناهضة للرسول (صلّى الله عليه وآله) ولرسالته الإسلامية ومن ثم مهاجمته في المدينة والقضاء عليه وعلى من يكون معه، فقدموا على قريش بمكة ودعوهم إلى ذلك وقالوا نكون معكم حتى نستأصله. وكان من هؤلاء اليهود سلام ابن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي وغيرهم. فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود! إنكم أهل الكتاب الأول، وتعلمون بما أصبحنا عليه نحن ومحمد، ونحن نسألكم أديننا خير أم دينه؟ فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه! وبهذه المناسبة نزلت الآية الكريمة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (21). ولما سمعت قريش من اليهود ذلك استبشرت وطمعت في أن يحقق لها هذا التكتل النصر على محمد (صلّى الله عليه وآله) فتواعدوا وإياهم على حربه عندما يتيسر لهم من العرب من يناصرهم عليه. ولم يكتف اليهود بذلك، بل حرضوا بعض القبائل الأخرى على حربه (صلّى الله عليه وآله) واعدين إيّاه النصر الأكيد، إذ لا طاقة لمحمد وأصحابه على مناجزتهم والثبات في وجههم، وهم بهذا العدد الضخم من الأفراد والعدة الكاملة من السلاح، فاستجابت لهم غطفان وكان قائدها عيينة بن حصن، وبنو سليم بقيادة سفيان بن شمس، وبنو أسد، وفزارة، وبعض قبيلة الأشجع وبنو مرة وغيرهم، وكان أبو سفيان قائد قريش، فبلغ مجموعهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل وكان في قريش وحدها ثلاثة آلاف فارس ومعها ألف وخمسمائة بعير. وبلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذلك فجمع أصحابه وأمرهم بالاستعداد للمواجهة وحثهم على الجهاد واستشارهم في وضع خطة تمنع دخولهم إلى المدينة، فأشار عليه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بحفر الخندق قائلاً له: (كنا بفارس إذا حوصرنا حفرنا خندقاً يحول بيننا وبين عدونا..). فاستحسن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه هذا الرأي وأمر بحفره، وبهذه المناسبة صار المهاجرون والأنصار يبدون تقربهم لسمان فاختلفوا فيما بينهم وكل يقول: سلمان منا، لكن النبي (صلّى الله عليه وآله) حسم الأمر بقوله: (سلمان من أهل البيت) فكانت هذه الكلمة من الرسول في حقه أكبر وأعظم وسام يناله صحابي. ثم أن النبي حدد لكل عشرة من المسلمين أن يحفروا أربعين ذراعاً، وكان هو كأحدهم يحفر بيديه مؤاساةً وتشجيعاً لهم، وكان المسلمون يحفرون وينشدون الأشعار، أما سلمان، فلا نشيد ولا كلمة على لسانه تلهب حماسه، لكنه مع ذلك كان من أنشطهم وأخلصهم في العمل، وسر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يسمع من سلمان شعراً كما يسمع من غيره، فقال (صلّى الله عليه وآله) اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر فأنشأ سلمان يقول: ما لــــي لســـــان فأقـــــول الشعرا أســـــأل ربـــــي قــــــوّةً ونـــصرا علــــى عــــدوي وعــــــدو الطهر محـــــمد المـــــختار حـــــاز الفخرا حتى أنـــــال فــــي الجـــنان قصرا مع كـــل حوراء تحاكي البدرا(22) وبينما كان سلمان مع تسعة نفر يحفرون في المساحة المحددة لهم وإذا بصخرة بيضاء قد اعترضتهم، فأعجزتهم ولم تصنع بها المعاول شيئاً، فقالوا لسلمان: اذهب إلى رسول الله وأخبره بذلك، فلعله يأمرنا بالعدول عنها، فإنا لا نريد أن نتخطى أمره. فلما أخبره سلمان بذلك، أقبل عليهم وهبط بنفسه إلى الخندق وأخذ المعول من سلمان وضرب الصخرة ضربةً صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة حتى لكأنها مصباح في بيت مظلم ـ على حد تعبير الراوي ـ فكبّر رسول الله. ثم ضربها ضربةً ثانية فتصدعت وخرج منها نفس البريق الأول، وفي الضربة الثالثة تكسرت وظهر لها بريق أضاء ما وراء المدينة. فكبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأشرقت نفسه الكبيرة للنصر المؤمل في النهاية، ثم أخذ بيد سلمان وصعد خارج الخندق. فقال له سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط! فالتفت رسول الله إلى القوم وقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا، لقد رأيناك تضرب، فيخرج البرق كالموج، فرأيناك تكبر فكبرنا، ولم نر غير ذلك. قال: صدقتم، أضاءت لي في البرقة الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثانية، فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها.. وفي الضربة الثالثة أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها.. فاستبشر المسلمون بذلك. وكان النصر حليف المسلمين، وما ذلك إلا بفضل دعاء النبي (صلّى الله عليه وآله) وتأييد الله له، وبضربة علي (عليه السلام) لعمرو، وبإشارة سلمان بحفر الخندق. 2- حصار الطائف بعد أن فرغ النبي (صلّى الله عليه وآله) من فتح مكة واستقامت له الأمور فيها، قام بإرسال السرايا نحو القبائل المجاورة لمكة لتطهير المنطقة من عبادة الأوثان ونشر راية التوحيد، وكانت الظروف مهيأةً له بالنسبة لذلك. وفي ذات يوم بلغه أن (هوازن) وأحلافها من (ثقيف) و(جشم) و(نصر) قد ساءهم انتصاره بمكة وقدّروا أن الدائرة ستدور عليهم، وأن المسلمين سيقتحمون عليهم بلادهم، فاجتمعوا فيها بينهم وقرروا القيام بمبادرة عسكرية لصد الهجوم المرتقب من النبي وأصحابه، فبلغ عددهم مجتمعين نحو ثلاثين ألف مقاتل أو أكثر، ونزلوا بسهل (أوطاس) المعروف بـ(حنين) بقيادة مالك بن عوف. وتجهز النبي (صلّى الله عليه وآله) لملاقاتهم ومعه نحو عشرة آلاف مقاتل، وبدأت الحرب بين الفريقين ونظراً لتفوّق المشركين عددياً، ووجود بعض المنافقين والمتخاذلين ومن أسلموا رهبةً في صفوف المسلمين، فقد رجحت كفّةُ المشركين عسكرياً وحلّت الهزيمة في صفوف المسلمين ولولا ثبات النبي (صلّى الله عليه وآله) وخروجه إلى المعركة بنفسه وثبات بعض أصحابه معه وتذكير المسلمين ببيعتهم للرسول (صلّى الله عليه وآله) تحت الشجرة وحثهم على مواصلة الكفاح لولا هذا لكانت هزيمتهم محتمةً والفشل حليفهم، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فقد انتهت المعركة بنصر المسلمين، وفي ذلك نزلة الآية الكريمة: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا) (23). وقد ظفر المسلمون في هذه الحرب بغنائم كثيرة بلغت اثنتين وعشرين ألفاً من الشياه، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، وكان عدد الأسرى ستة آلاف أسير، أما قائد المشركين مالك بن عوف فقد فرّ في عدد من ثقيف إلى الطائف، وكانت الطائف مدينةً محصنةً لها أبواب، وكان أهلها ذوو خبرةٍ في الحرب وثروات طائلة مكّنتهم أن يجعلوا حصونهم من أمنع الحصون، فجمع النبي (صلّى الله عليه وآله) الغنائم والأسرى وجعل على حراستها بُديل بن ورقاء وجماعة من المسلمين، وأمر مناديه بالرواح إلى الطائف لمحاصرتها طمعاً في أن يسلم أهلها، فسار المسلمون نحوها ونزلوا في مكان قريب منها، ولما أشرف عليهم أهل الطائف هالتهم كثرتهم، فأمروهم بوابل من النبل وأصابوا عدداً من المسلمين ممّا حدا بالنبي (صلّى الله عليه وآله) أن يأمرهم بالانتقال إلى مكان آخر. أقام المسلمون في ذلك المكان أياماً ينتظرون مواجهة ثقيف لهم، لكن ثقيف لم تكن بحالة من الاستعداد تمكنهم من المواجهة بعد هزيمتهم في حنين، فأثرت الانتظار على المواجهة والمكوث داخل الحصن، سيّما وأن الحصن منيعٌ والمؤن متوفرة، وليس لدى المسلمين السلاح الذي يمكنهم من اقتحام الحصن. وطال الانتظار بالمسلمين. وهنا أشار سلمان الفارسي (رضي الله عنه) باستعمال المنجنيق قائلاً: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيق على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء (24). فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف (25) وقذفوا به الصخور إلى ما وراء الحصن فلم نعمل فيه، ثم استعملوا نوعاً آخر من الأسلحة كان لبعض القبائل المقيمة بأسفل مكة علم بها وهو الدبابة وهي آلة من جلود البقر يدخلون في جوفها تقيهم النبال والسيوف، ثم يندفعون بها إلى الحصون، ومنها ينفذون إلى ما وراءها، ولكن رجال الطائف كانوا من المهارة بمكان، حيث أرسلوا عليهم سكك الحديد المحماة. فلاذوا بالفرار.. ولم يطل انتظار المسلمين كثيراً فقد أشار النبي عليهم بقطع كرومهم وأشجارهم، وحين ناشدوه الله والرحم كفّ عن ذلك، ثم أمر مناديه أن ينادي: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ، فنزل إليه نفرٌ منهم، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة فأخبر النبي أنهم يملكون من المؤن والذخائر ما يكفيهم زمناً طويلاً، فاستدعى رسول الله نوفل بن معاوية الدؤلي واستشاره في أمرهم، فقال نوفل: يا رسول الله، إن ثقيفاً كثعلب في جحر، فإن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك. وكان قد مضى على النبي نحواً من خمسة عشر يوماً أو تزيد وقد أصبحوا على أبواب شهر (ذي القعدة) وهو من الأشهر الحُرُم وقد حرّم الإسلام فيه القتال، فآثر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يرجع عنهم ليعود إليهم بعد انقضاء الأشهر الحرم فيما لو أصرّوا على موقفهم المعادي للإسلام. لكنهم عادوا إلى صوابهم وأرسلوا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وفداً يعرضون عليه إسلامهم ثم أسلموا. كراماته وفضائله 1- في القرآن الكريم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نزل القرآن أرباعاً: فربع فينا، وربع في عدونا، وربع سير وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن (26) وسلمان رضوان الله عليه لما كان منهم صلوات الله عليهم، فخليق أن ينزل فيه آي من القرآن الكريم تخلده على مر الدهور والأعوام. نذكر بعض ذلك: 1ـ قال ناس من الصحابة: نزل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا..) (27) في سلمان (28). 2ـ قال قتادة في قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (29) قال: منهم سلمان، وعبد الله بن سلام (30). 3ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (31) فهذه نزلت في سلمان الفارسي فكان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره ورداؤه، وكان كساء من صوف، فدخل عيينة بن حصين على النبي (صلّى الله عليه وآله) وسلمان عنده، فتأذى عيينة بريح كساء سلمان وقد كان عرق فيه، وكان يوم شديد الحر، فعرق في الكساء، فقال: يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا واصرفه من عندك، فإذا نحن خرجنا فأدخل من شئت، فأنزل الله (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري (32). 4ـ قال أنس في قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً) (33) هم قوم يفرّون إلى الله فيعطون ويحبون ويكرمون ويشفعون، منهم سلمان الفارسي (34). 5ـ عن أبي هريرة: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تلا هذه الآية: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (35) قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس (36). وسام الشرف قال عمر بن عبد العزيز وقد قام من عنده علي بن الحسين (عليه السلام): من أشرف الناس؟ فقالوا: أنتم، فقال: كلا، فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً، من أحبّ الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من أحد (37). فشرف محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين لا يدانيه شرف، وفضلهم لا يوازيه فضل، وسؤددهم لا يشابه سؤدد. وهذا الشرف الباذخ، والفضل العظيم، شمل سلمان الفارسي رضوان الله عليه، فكل من ترجم له ذكر الحديث النبوي الشريف (سلمان منا أهل البيت) (38). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لعـــــمرك مــــا الإنـــــــسان إلا بــدينه فلا تـــــترك التقـــوى اتكالاً على النسب لقد رفــــــع الإســـــــلام سلمان فارس وقد هجّن الشرك الشريف أبا لهب(39) ويقول الشيخ محيي الدين بن العربي: ولما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عبداً محضاً، قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب، هكذا حكى الفراء، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (40) فلا يضاف إليهم إلا مطهّر، ولابد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي (صلّى الله عليه وآله) لسلمان الفارسي بالطهارة، والحفظ الإلهي، والعصمة، حيث قال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان منا أهل البيت، وشهد الله لهم بالتطهير، وذهاب الرجس عنهم، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم، فهم المطهرون، بل هم عين الطهارة (41). 2- في الحديث الشريف كان الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يكرّم أصحابه، ويشيد بمواقفهم الكريمة، ويثمّن جهود المخلصين منهم، وهو الذي شكر لنسيبة بنت كعب الأنصارية رضوان الله عليها موقفها المشرّف يوم أحد، وقتالها المشركين، فقال: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان. وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً (42). فلا غرو منه صلوات الله عليه إطراء سلمان رضوان الله عليه، وذكر فضائله ومناقبه تثميناً لإيمانه، ودعوة للآخرين في اللحوق به. نذكر بعض هذه الأحاديث: 1ـ روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) من وجوه أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان (43). 2ـ عن النبي (صلّى الله عليه وآله): أمرني ربي بحبّ أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم: علي وأبو ذر والمقداد وسلمان، رضي الله عنهم (44). 3ـ إن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟‍ وأتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فأخبره، فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضب ربك جلّ وعلا. فأتاهم أبو بكر فقال: يا أخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك (45). 4ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان يبعث أمة لقد أشبع من العلم (46). 5ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): السبّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة (47). 6ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان سابق فارس (48). 7ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة: علي وعمّار وسلمان (49). 3- في حديث أهل البيت سئل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سلمان، قال: (امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحراً لا ينزف!) (50)
  15. [/color] قضية الحارث الهمداني، ونظم السيد الحميري لها دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نفر من الشيعة و كنت فيهم فجعل الحارث يتلوذ في مشيه و يخبط الأرض بمحجنة و كان مريضا فدخل فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و كانت له منزلة منه فقال كيف نجدك يا حارث فقال نال مني الدهر يا أمير المؤمنين و زادني غليلا اختصام أصحابك ببابك قال و فيم خصومتهم قال في شأنك و الثلاثة من قبلك فمن مفرط غال و مقتصد وال و من متردد مرتاب لا يدري أ يقدم أم يحجم قال (عليه السلام) فحسبك يا أخا همدان ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي و بهم يلحق التالي فقال له الحارث لو كشفت فداك أبي و أمي الريب عن قلوبنا و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا قال فذاك أنه أمر ملبوس عليه إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف أهله يا حار إن الحق أحسن الحديث و الصادع به مجاهد و بالحق أخبرك فأعرني سمعك ثم خبر به من كان له حصافة من أصحابك ألا إني عبد الله و أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صديقه الأكبر صدقته و آدم بين الروح و الجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون و نحن الآخرون ألا و إني خاصته يا حارث و صنوه و وصيه و وليه و صاحب نجواه و سره أوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب و علم القرآن و استودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد و أيدت أو قال و أمددت بليلة القدر نفلا و إن ذلك ليجري لي و المتحفظين من ذريتي كما يجري الليل و النهار حتى يرث الله الأرض و من عليها و أنشدك يا حارث لتعرفني و وليي و عدوي في مواطن شتى لتعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة قال الحارث ما المقاسمة يا مولاي قال (عليه السلام) مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحاحا أقول هذا وليي و هذا عدوي ثم أخذ أمير المؤمنين بيد الحارث فقال يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيدي فقال لي و اشتكيت إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) حسدة قريش و المنافقين إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله أو بحجزته يعني عصمة من ذي العرش و أخذت أنت يا علي بحجزتي و أخذت ذريتك بحجزتك و أخذت شيعتكم بحجزتكم فما ذا يصنع الله عز و جل بنبيه و ما ذا يصنع نبيه بوصيه خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت و لك ما اكتسبت قالها ثلاثا فقال الحارث و قام يجر رداءه جذلا لا أبالي و ربي بعد هذا متى لقيت الموت أو لقيني. وينسب للسيد الحميري (وقيل لغيره من الشعراء): قول علي لحارث عجب كم *** ثم أعجوبة له حملا : يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه و أعرفه بعينه *** و اسمه و ما عملا و أنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة و لا زللا أسقيك من بارد على ظمإ *** تخاله في الحلاوة العسلا أقول للنار حين توقف للعرض *** على حرها دعي الرجلا دعيه لا تقربيه إن له حبلا *** بحبل الوصي متصلا هذا لنا شيعة و شيعتنا *** أعطانا الله فيهم الأملا - في الحقيقة هذه الأبيات رائعه أتمنى ألا تفوتكم قراءتها. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين يا علي أنت العلي الذي فوق العلا رفعا00لولاك ربي ماخلق جنة ولانار أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام سيف العرب
  16. المقداد بن الأسود الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأعزهم عليه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: بين يديك صحائف تحمل شيئاً من سيرة الصحابي العظيم (المقداد بن عمرو) أحد الأركان الأربعة وأحد السابقين، كما تحمل في نفس الوقت شيئاً من تاريخ تلك الفترة المشرقة التي عاشها والتي أعطى فيها من فكره وعرقه ودمه ما يعطيه العظماء لأممهم وأمجادهم وتواريخهم، حيث كان له شرف المشاركة في تأسيس وتثبيت دعائم الإسلام وهو بعد في نأنأته وضعفه. والتاريخ قد يظلم بعض العظماء، ويجحف في حقهم ـ على عادته ـ فقد فوجئت بسيرة هذا الصحابي البطل متناثرةً هنا وهناك في بطون الكتب ممّا يعني أن ثمّة إهمال قد امتدت يده إليها ـ لا أدري إن جاء عن قصد، أو هو من صنع السنين! فكان لي شرف لملمتها وصوغها بالشكل الذي أرجو أن يكون مناسباً، ولقد واجهت شيئاً من المصاعب والمتاعب في هذا السبيل، إلا أن غبطتي في إتمامها وإنجازها توازي في أثرها ما واجهت. لقد امتاز هذا الصحابي العظيم بصفة تفرد بها دون من سواه من الصحابة، تلك هي صفة (الفروسية) وهي صفة غير عزيزة ولا نادرة لولا أنها كانت محكومةً لظروف صعبة حرجة، فهي مبتذلة إذا لوحظت مجردةً عنها، وعزيزة نادرة ذات بال وأهمية إذا لوحظت من خلال الظروف الصعبة التي عاناها المسلمون الأوائل؛ ومن هنا جاءت أهميتها فقد شاءت المقادير أن تقع أول حرب بين المسلمين ومناهضيهم من المشركين وليس في المسلمين فارس غير المقداد بن عمرو، وبذلك نال وسام (أول فارس في الإسلام) ناله بجدارة واستحقاق. روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: (ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن عمرو)، وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: (أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد..) (1). وظلت هذه الصفة المميزة ملازمة له طيلة حياته، فما دعي إلى جهاد قط إلا وأجاب، وقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما شهدها من بعده وهكذا، قضى عمره فارساً في ميادين الجهاد حتى وافاه أجله، وكانت العقيدة بالنسب له، خبزه اليومي الذي به ومن أجله يعيش. من هنا، فإن تاريخ المقداد، يعني تاريخ تلك الحقبة وما جرى فيها من الوقائع والحروب) نظراً لموقعه منها ومواقفه البطولية فيها، وهذا ما دعاني إلى سرد بعضها سرداً كاملاً، فلكي نفهم هذا الرجل على حقيقته، علينا أن نتناول أهم جانب في حياته نحدد به شخصيته وطموحه وأهدافه، أما بدون ذلك فإن سيرته تصبح مبتورةً شوهاء لا رونق فيها ولا حياة، ويصبح مثلنا في ذلك مثل من ينقل حادثةً أو منقبةً لإنسان ما دون أن يعرف عن شخصيته وظروفه شيئاً. وأنت حين تبدأ قراءة المقداد، فإنك ستقرأه أكثر كما ستقرأ غيره من معاصريه من خلال قراءتك لتلك (الغزوات والوقائع) وسوف تشعر وكأنك معه في رحلاته الجهادية الطويلة وهو يملي عليك حكاية أروع ملحمة حضارية في تاريخ الإنسان كان هو أحد روّادها ومسطّريها، وبذلك ـ أيضاً ـ سوف تدرك عظمة هذا الرجل ومدى بلائه في الإسلام. وسوف لا ينقضي تعجبك من خصلة هي واحدة من مئات امتاز بها الإسلام دون غيره وكانت شاهداً من شواهد عظمته. تلك هي قلب العقليات والعادات التي أفرزتها الجاهلية المقيتة، وتسييسها من جديد على ضوء تعاليم الله سبحانه، وقولبتها بشكل يعيد للإنسانية شرفها ومجدها. فمن كان يصدق أن حليفاً طريداً مشرداً عن أهله وقومه يصبح يوماً ما محط أنظارهم ومعقد آمالهم؟! أجل، كان هذا أمراً مستبعداً لولا الإسلام، فقد استطاع بفترةٍ وجيزة أن يقضي على جل المظاهر الزائفة، واستطاع أن يعيد الحق إلى نصابه. والمقداد كان واحداً من المشردين، نشأ حليفاً لكندة بادئ الأمر ـ تابعاً لأبيه ـ ثم حليفاً لبني مخزوم، حتى قيّض له الالتحاق بركب الإسلام وهو في عقده الرابع ليبدأ مسيرة الحياة الحرة الكريمة تاركاً وراءه كل قيود الجاهلية وأحكامها مسلماً وجهه لله وحده باذلاً نفسه لدين الله، وحين استقر الأمر بالمسلمين، ونصر الله نبيه، أقبلت الوفود تترى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبايعةً له ومسلّمةً أمرها إلى الله ورسوله، وكان منها وفد (بهراء) قبيلة المقداد، فكان نزولهم عليه في داره (2). رحم الله أبا معبد، فلقد كان واحداً من العظماء الذين يفخر التاريخ بهم وبمآثرهم. المقداد في سطور - أبوه: عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهرائي. - صفته: كان طويلاً، آدم، كثير الشعر، أعين، مقروناً، يعصفر لحيته. - إسلامه: قديم الإسلام، وأحد السبعة الذين أظهروا الإسلام. - ألقابه: حارس رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فارس رسول الله (صلّى الله عليه وآله). - كنيته: أبو معبد. - زوجته: ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. - من فرسان المسلمين وشجعانهم. - كان الفارس الوحيد في الجيش الإسلامي يوم بدر. - له موقف مشرّف يوم بدر. - نزل فيه آي من القرن الكريم، وخلّده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بمجموعة من الأحاديث. - أحد الأربعة الذين بعثهم عمر بن الخطاب مدداً لعمرو بن العاص لفتح مصر. - له موقف ملحوظ يوم الشورى في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والدعوة إليه. - أحد الأركان الأربعة. - لازم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وتخرّج عليه. - توفي بالجرف (3) سنة 33هـ وحمل على الرقاب إلى المدينة. - عمره 70 سنة. المقداد بن عمرو البهرائي لماذا سمي بابن الأسود الكندي هذا هو اسمه الحقيقي، واسم أبيه وقبيلته. فهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود (4) البهرائي (5). ولكن له اسم آخر اشتهر به، وهو: (المقداد بن الأسود الكندي). فما هي حكاية هذا الاسم وهذه الشهرة؟ كان عمرو بن ثعلبة من شجعان بني قومهن يتمتع بجرأة عالية ربما لم تتهيأ لأحد غيره منهم، دفعته لأن ينال فيهم دماً، فاضطر إلى الجلاء عنهم حفاظاً على نفسه، وحمايةً لها من طلب الثأر، فلحق بحضرموت (6) وحالف قبيلة كندة التي كانت تتمتع بهيبةٍ مميزة من بين القبائل. وهناك تزوج امرأةً منهم، فولدت له المقداد (7). نشأ الفتى في ظل أبيه ورعايته، وحنان أمه وعطفها، ضمن مجتمع ألف مقارعة السيف، ومطاعنة الرمح، فكانت الشجاعة إحدى سجاياه التي اتصف بها فيما بعد، حتى إذا بلغ سن الشباب أخذت نوازع الشوق إلى أرومته ومضارب قومه في بهراء تدب في نفسه فتدفعه إلى تخطي آداب (الحلف) غير مكترثٍ ولا مبالٍ. فقد أحس أن اغترابه هذا، وبُعده عن الأهل والوطن إنما حدث نتيجة لذنب اقترفه أبوه حيال قومه، وأن الحلف لا يعني أكثر من قيدٍ (مهذّب) يضعه الحليف في عنقه، وأعناق بنيه! بالرغم من براءة ساحتهم.. كان هذا الشعور يراوده بين الفينة والفينة فتستيقظ في نفسه رغبة الانتقام من حلفائه والتمرد على تقاليدهم، لذا، لم يكن هو الآخر أسعد حظاً من أبيه، حيث اقترف ذنباً مع مضيفيه (وأخواله) فاضطر إلى الجلاء عنهم أيضاً. فقد ذكروا أنه: حين كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلاف، فما كان من المقداد إلا أن تناوله بسيفه، فضرب رجله وهرب إلى مكة (8). حين وصل إلى مكة، كان عليه أن يحالف بعض ساداتها كي يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم، لكن طموحه كان يدفعه إلى اختيار الرجل القوي المرهوب الجانب، فكان يتريث في ذلك، وكان يقول: لأحالفنّ أعزّ أهلها! ولم يخنع ولم يضعف فحالف الأسود (9) بن عبد يغوث الزهري (10) فتبنّاه، وكتب إلى أبيه بذلك، فقدم عليه مكة. منذ ذلك اليوم صار اسمه المقداد بن الأسود، نسبة لحليفه، والكندي، نسبةً لحلفاء أبيه. وقد غلب عليه هذا الاسم، واشتهر به، حتى إذا نزلت الآية الكريمة: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) قيل له: المقداد بن عمرو. وكان يكنى أبا الأسود، وقيل: أبو عمرو، وأبو سعيد (11) وأبو معبد. ومن أهم ألقابه: (حارس رسول الله) (12). صفاته وأخلاقه كان فارع الطول، أبيض اللون، صبيح الوجه، يصفّر لحيته، كثير شعر الرأس، أبطن، ضخم الجثة، واسع العينين، مقرون الحاجبين، أقنى الأنف، جميل الهيئة، كما يستفاد ذلك من وصف ابنته له (13). وكان فارساً شجاعاً (يقوم مقام ألف رجل) على حد تعبير عمرو بن العاص (14) وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (15) سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سنّه، وكان يقول في ذلك: أبتْ علينا سورة البحوث (16) انفروا خفافاً وثقالاً. وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمّة، طويل الأناة، طيّب القلب صبوراً على الشدائد، يحسن إلى ألدّ أعدائه طمعاً في استخلاصه نحو الخير، صلب الإرادة، ثابت اليقين، لا يزعزعه شيء، ويكفي في ذلك ما ورد في الأثر: (ما بقي أحدٌ إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد) (17) وهو من الذين مضوا على منهاج نبيهم ولم يغيّروا ولم يبدلوا (18). عظيم القدر، شريف المنزلة، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد، تجمعت فيه (رضي الله عنه) أنواع الفضائل، وأخذ بمجامع المناقب من السبق، والهجرة، والعلم، والنجدة، والثبات، والاستقامة، والشرف والنجابة (19). إسلامه الذي يظهر من مجمل النصوص أن المقداد كان من المبادرين الأُول لاعتناق الإسلام، فقد ورد فيه: أنه أسلم قديماً (20). وذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وعدّ المقداد واحداً منهم. إلا أنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفاً منه على دمه شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال عمّار وأبيه وبلالٍ وغيرهم ممن كانوا يتجرعون غصص المحنة؛ فما الذي يمنع الأسود بن عبد يغوث من أن ينزل أشد العقوبة بحليفه إن هو أحس منه أنه قد صبأ إلى دين محمد؟ سيما وأن الأسود هذا كان أحد طواغيت قريش وجبّاريهم، وأحد المعاندين لمحمد (صلّى الله عليه وآله) والمستهزئين به وبما جاء، إنه ـ ولا شك ـ في هذا الحال لن يكون أقل عنفاً مع حليفه من مخزوم مع حلفائها. لأجل هذا كان المقداد يتحيّن الفرص لانفلاته من ربقة (الحلف) الذي أصبح فيما بعد ضرباً من العبودية المقيتة، ولوناً من ألوان التسخير المطلق للمحالف يجرده عن كل قيمة، ويحرم معه من أبسط الحقوق. وفي السنة الأولى للهجرة قُيّضت له الفرصة لأن يلتحق بركب النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) وأن يكون واحداً من كبار صحابته المخلصين. فقد عقد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعمه حمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعرضوا عِير قريش، وكان هو وصاحب له، يقال له: عمرو بن غزوان لا زالا في صفوف المشركين، فخرجا معهم يتوصلان بذلك، فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم) (21) فكانت بداية الجهاد الطويل! بين الرسول الأعظم والمقداد في خلال السنة الأولى للهجرة كان المقداد لا يزال ـ هو وبعض المستضعفين ـ في مكة، وليس من السهل أن يغادرها إلى المدينة سيما وأنه حليف للأسود بن عبد يغوث ـ كما قدمنا ـ فإنه لو فعل لكان مصيره إلى القتل بلا أدنى شك، لذلك كان يترقب فرصةً سانحةً يمكنه معها الفرار إلى يثرب واللقاء بالرسول والالتحاق بركبه، حتى كانت سرية حمزة بن عبد المطلب وكان معها الخلاص، فقد خرج مع المشركين يوهمهم أنه يريد القتال معهم، وهكذا انحاز إلى سرية حمزة ورجع معه إلى المدينة. وكان نزوله في المدينة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ضيافته، ولم يكن وحده بل كانوا جماعة، ومن الواضح أن وضع المسلمين الاقتصادي ـ في تلك الفترة ـ كان متردّياً إلى درجة بعيدة، بل يظهر أنهم كانوا يعانون الفقر المدقع ـ لولا مساعدة الأنصار لهم ـ فقد تركوا كل ما لديهم من مال في مكة وخرجوا منها صفر اليدين، لا يملكون إلا أبدانهم وثيابهم، ورواحلهم، وليس من الوارد أن يكونوا في خلال ستة أشهر، أو تسعة، في وضع الاقتصادي مريح على الأقل، سيما وأن النفقة ـ الصادر ـ أكثر من الوارد، فبناء المسجد، وبناء الدور ـ وإن كانت من جريد النخل مغروساً بالطين ـ تتطلب بذل مالٍ كثير نسبةً لذلك الوقت وتلك الظروف. وقوافل المسلمين الجدد الذين كانوا يأتون المدينة لم تقف عند حد الهجرة، هجرة النبي، بل توالت، فكان على الرسول (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين أن يستقبلوا ضيوفهم، وإن يهيئوا لهم ما يحتاجون من متطلبات الحياة الضرورية على الأقل. فكان إذا هاجر بعض المسلمين، وزّعهم رسول الله، اثنان اثنان، أو ثلاثة ثلاثة.. أو.. حسب العدد على إخوانهم المهاجرين الذين استقرت بهم الدار في المدينة وأصبحوا قادرين على النهوض بأنفسهم وعوائلهم. والذي يظهر، أن المقداد كان من جملة أولئك الوافدين المهاجرين الجدد، وكان في عدد لا يستهان به، كما يلحظ ذلك في مطاوي كلامه، فقد ذكر أحمد بن حنبل بسنده عن المقداد، قال: لما نزلنا المدينة، عشرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشرةً عشرةً في كل بيت! قال: فكنت في العشرة الذين كانوا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (22). إلا أن هذه الإقامة في بيت الرسول لا تكون طويلةً بحسب العادة، إذ يتخللها بعوثٌ وسرايا وغزوات، قد يطول أمدها، وعند العودة يتبدّل المكان، سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) من هيبةً في نفوس المسلمين تزرع في نفوسهم الخجل من أن يكلموه في النزول عليه وفي ضيافته. يستفاد ذلك من حديث آخر مروي عن المقداد، حيث قال: أقبلتُ أنا وصاحبان لي وقد ذهبتْ أسماعنا وأبصارنا من الجَهد (23) فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فليس أحد منهم يقبلنا. لا لبخل فيهم، بل لأنهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء! فأتينا النبي (صلّى الله عليه وآله)، فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز! فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): احتلبوا هذا اللبن بيننا. قال: فكنا نحتلب، فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي (صلّى الله عليه وآله) نصيبه. فيجيء (صلّى الله عليه وآله) ليلاً فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً، ويسمع اليقظان، ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب (24). وفي هذه الأثناء تحصل مواقف نادرة بينه (صلّى الله عليه وآله) من جهة وبين أصحابه من جهةٍ أخرى، وهي بالإضافة إلى ما تنطوي عليه من اقتباس الحكمة منه صلوات الله عليه والتوجيه الرفيع، فإنها لا تخلو من ظرف وخفة روح من جانب بعض أصحابه أحياناً ونجده في هذه الحالات يعاملهم معاملة الأب لأبنائه دون قسوةً أو غلظة وربما أنبههم إلى الخطأ أو الغلط بأسلوب هادئ مقنع لا يملك معه مستمعوه إلا الإذعان والانقياد ولوم النفس على التفريط إن كان هناك تفريط أو تسامح، كما حصل للمقداد حين كان في ضيافته (صلّى الله عليه وآله) على ما جاء في تتمة الرواية. قال: فأتاني الشيطان ذات ليلةٍ، وقد شربتُ نصيبي ـ من اللبن ـ فقال: محمد يأتي الأنصارَ فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها، فلما أن وغلت (25) في بطني، وعلمتُ أنه ليس إليها سبيل، ندّمني الشيطان، فقال: ويحك؟ ما صنعت؟ أشربت شراب محمد فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك! وعليّ شملة، إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرجت قدماي. وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النبي (صلّى الله عليه وآله) فسلّم كما كان يُسلّم، ثم أتى المسجد، فصلى ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئاً، فرفع رأسه إلى السماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: (اللهم أطعم من أطعمني، واسقِ من سقاني) قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ، وأخذت الشفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإذا هي حافلة (26) وإذا هن حفل كلهن، فعمدت إلى إناءٍ لآل محمد (صلّى الله عليه وآله) ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟ قال: قلت: يا رسول الله؟ اشرب. فشرب، ثم ناولني، فقلت: يا رسول الله، اشرب، فشرب، ثم ناولني. فلما عرفت أن النبي قد روي، وأصبتُ دعوته، ضحكتُ حتى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): إحدى سوءاتك (27) يا مقداد. فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال (صلّى الله عليه وآله): ما هذه إلا رحمةٌ من الله (28) آفلا كنتَ آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منهما. قال: فقلت: والذي بعثك بالحق؛ ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس (29). هذا موقف لأبي معبد ينطوي على شيء من الظرف وخفة الروح، بالإضافة إلى استشعاره الخطيئة حين عمد إلى شراب محمد (صلّى الله عليه وآله) فشربه، ولاحظنا أن موقف النبي منه كان موقف الشفيق العطوف الرحيم الذي ينظر إلى أصحابه بميزان خاص يتلاءم مع عقولهم ونفوسهم، وربما تلاحظ معي أن الرسول الكريم ـ كما يظهر من الحديث ـ تمنى لو أن المقداد أيقض صاحبيه ليصيبا معهما الشراب، شراب ذلك اللبن المبارك. وموقف آخر لأبي معبد مع الرسول، تتجلى فيه عظمة الإسلام، ونبي الإسلام، كان من جملة المواقف التي خلدت على الزمان، بما تحمل من نبل كلمة وسمو خلق، ورفيع مستوى في التوجيه والتهذيب، بل وغرس الروح الانضباطية لدى المسلم. فقد سأله ذات مرة: يا رسول الله، أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفار، فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله؛ أفأقتله ـ يا رسول الله ـ بعد أن قالها؟! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تقتله. قال: فقلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي! ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تقتله. فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله! وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال..! (30) ويلاحظ هنا مدى ارتقاء الإسلام بالنفس البشرية إلى أعالي قمم الكرامة والإنسانية، كلمة واحدة قط من لسانٍ صادق كفيلة بإنقاذ حياة صاحبها من موتٍ محتم. أي عمق هذا في تعزيز الروح الإنسانية، وأي صيانةٍ لها؟؟ هكذا الإسلام دائماً يهتم بصيانة النوع وحمايته، فكلمة صادقة، كفيلة في أن تقلب الموازين وكلمة صادقة، هي مرآة للنفس تعكس آلامها وآمالها، وليس للحقد في دنيا الإسلام مكان. إنه موقفٌ شواهد الحكمة فيه، ومعه. من مواقفه البطولية 1- في سرية (نخلة) ينقذ أسيراً، فيسلم! بعد سبعة عشر شهراً من الهجرة، أراد النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يتتبع أخبار قريش، ويتحسس تنقلاتها، ويرصد تحركاتها في المنطقة، فدعا عبد الله بن جحش، وأمره أن يوافيه مع الصباح بكامل سلاحه. قال: فوافيت الصبح وعلي سيفي، وقوسي، وجعبتي، ومعي درقتي، فصلى النبي (صلّى الله عليه وآله) الصبح بالناس، ثم انصرف فوجدني قد سبقته واقفاً عند باب داره ومعي نفر من قريش. فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبي بن كعب، فدخل عليه، فأمره أن يكتب كتاباً. ثم دعاني (صلّى الله عليه وآله) فأعطاني صحيفةً من أديم خولاني فقال: قد استعملتك على هؤلاء النفر، فامضي حتى إذا سرت ليلتين، فانشر كتابي، ثم امضي لما فيه. قلت: يا رسول الله، أي ناحية أسير؟ فقال: اسلك النجدية، تؤم ركيّة (بئر). فانطلق عبد الله، حتى إذا صار ببئر ضمرة نشر الكتاب فإذا فيه: (سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم الله وبركاته، ولا تكرهنّ أحداً من أصحابك على المسير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي (بطن نخلة) فترصّدْ بها عير قريش). فقرأ عبد الله الكتاب على أصحابه، ثم قال: لست مستكرهاً منكم أحداً، فمن كان يريد الشهادة، فليمضِ لأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن أراد الرجعة، فمن الآن! فقالوا جميعاً: نحن سامعون ومطيعون لله ولرسوله ولك، فسر على بركة الله حيث شئت. فسار حتى جاء نخلة، فوجد عيراً لقريش فيها عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونوفل بن عبد الله وهم من بني مخزوم. وكان ذلك اليوم مشتبهاً في أنه آخر يوم من رجب، أو أول يوم من شعبان. ورجب من الأشهر الحرم، فقال قائل: لا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم، أم لا؟ وقائل يقول: إن أخرتم عنهم هذا اليوم، دخلوا في الحرم ـ حرم مكة ـ وإن أصبتموهم، ففي الشهر الحرام. هذا، مع أن النبي صلوات الله عليه لم يأمرهم بالقتال، وإنما أمرهم بمراقبة تحركاتهم. وكان رأي واقد بن عبد الله, وعكاشة بن محصن مقاتلتهم، وأخيراً غلب رأيهم على رأي من سواهم، فشجع القوم، فقاتلوهم. فخرج واقد بن عبد الله يقدم القوم، قد أنبض قوسه وفوّق سهمه ـ وكان لا يخطئ رميته ـ فرمى عمرو بن الحضرمي بسهم، فقتله. وأسر عثمان بن عبد الله، وحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله. واستاق المسلمون العير ـ وكانت تحمل خمراً وزبيباً وجلوداً ـ إلى رسول الله فوقّفها ولم يأخذ منها شيئاً. وقال لهم: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام. أما الأسيران، فحبسهما عنده، لأن اثنين من المسلمين كانا قد ضلا وتأخرا عن أصحابهم، فظن الناس أن قريشاً قد حبستهما أو قتلتهما. وأرسلت قريش إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) في فداء أصحابهم، فقال (صلّى الله عليه وآله): لن نفديهما حتى يقدم صاحبانا. وكان المقداد رضي الله عنه هو الذي قد أسر الحكم بن كيسان، وأنقذه من القتل، وذلك كما يحدثنا هو فيقول: أراد أمير الجيش أن يضرب عنقه، فقلت: دعه نقدم به على رسول الله. فقدمنا به على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فجعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يدعوه إلى الإسلام، فأطال رسول الله كلامه. فقال عمر بن الخطاب: تُكلّم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد! دعني أضرب عنقه، ويقدم إلى أمه الهاوية! فجعل النبي (صلّى الله عليه وآله) لا يقبل على عمر. قال الحكم: وما الإسلام؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): تعبد الله وحده لا شريك له، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله. قل: قد أسلمت. فالتفت النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى أصحابه، فقال: لو أطعتكم فيه آنفاً فقتلته، دخل النار. قال عمر: فما هو إلا أن رأيته قد أسلم، وأخذني ما تقدّم وتأخر وقلت: كيف أرد على النبي (صلّى الله عليه وآله) أمراً هو أعلم به مني، ثم أقول: إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله. قال عمر: فأسلم والله، فحسن إسلامه، وجاهد في الله حتى قتل شهيداً يوم بئر معونة، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) راضٍ عنه (31). 2- معركة بدر وكان أبرز مظاهر هذه الحرب فقدان التوازن العسكري والمادي بين الفريقين، فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة أو يزيدون قليلاً، بينما كان عدد المشركين يتراوح بين التسعمائة والألف. وقاد المشركون معهم مائة فرس وسبعمائة من الإبل. بينما قاد المسلمون معهم فرساً واحدة يقال لها: سبحة، كانت للمقداد بن عمرو، وسبعون رأساً من الإبل يتعاقب على كل واحد منها الاثنان والثلاثة والأربعة، حتى أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان هو وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة يتعاقبون بعيراً واحداً. وكانت قريش تنحر الجزر وتطعم الطعام لكل من وفد عليها، بينما كان المسلمون في غاية الفقر والحاجة، إلى ما هنالك من عوامل أبرزت هذا التمايز الواضح بين الفريقين، لكن إرادة الله سبحانه كانت فوق الظنون والاحتمالات واستباق النتائج. قال الواقدي: وسار رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى بلغ الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان فقال لأصحابه: هذا سجاسج ـ يعني وادي الروحاء ـ هذا أفضل أودية العرب، وصلّى هناك فلما فرغ من صلاته لعن الكفرة، ودعا عليهم وقال: (اللهم لا تفلتني أبا جهل بن هشام فرعون هذه الأمة، اللهم لا تفلتني زمعة ابن الأسود، اللهم أسخن عين أبي زمعة، اللهم اعم بصر أبي دبيلة، اللهم لا تفلتني سهيل بن عمرو) (32). ثم دعا لقوم من قريش كانوا قد أسرّوا الإسلام وكانوا من المستضعفين فخرجوا مع القوم مكرهين، كسلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة. ولما وصل قريباً من بدر، أخبر بمسير قريش، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم في الأمر ليكونوا على بصيرة من ذلك، وخشي أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال لأنهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم فيمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إنها قريش وغدرها، والله ما ذلت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنك، فتأهب لذلك أهبته، وأعد لذلك عدته (33). ومن الواضح أن الوضع كان غايةً في الدقة والحرج نظراً لفقدان التوازن كما أسلفنا، لذا فإنه كان يتطلب مزيداً من الثبات والإصرار وبث الروح الجهادية بين الصفوف والتسليم المطلق بما يقوله النبي. قام المقداد فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد (34) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.. فقال له رسول الله خيراً ودعا له. ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أشيروا علي أيها الناس. فقام سعد بن معاذ، فقال: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): نعم. قال سعد: قد آمنا بك ـ يا رسول الله ـ وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامضي ـ يا رسول الله ـ لما أمرت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك، وما نكره أن تلقى العدو بنا غداً، وإنا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله (35). كانت هذه الكلمات من المقداد ـ المهاجري ـ وسعد ـ سيد الأوس ـ تبعث في نفوس المسلمين الأمل بالنصر على عدوهم، وتزرع في قلوبهم الصبر على مكاره الحرب، لكن يبدو أن كلمات المقداد كان لها وقع خاص في نفس النبي (صلّى الله عليه وآله) فإنه حين سمعها انفرجت أسارير وجهه ابتهاجاً كما يظهر من حديث ابن مسعود حيث قال: (لقد شهدت مع المقداد مشهداً لئن أكون صاحبه أحب إليّ ممّا طلعت عليه الشمس! ـ ثم ذكر كلمة المقداد ـ ثم قال: فرأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يشرق وجهه بذلك وسرّه وأعجبه (36). وكان المقداد قد أسر النضر بن الحارث، فلما خرج النبي (صلّى الله عليه وآله) من بدر وكان بالأثيل (37) عرض عليه الأسرى، فنظر إلى النضر بن الحارث فأبدّه البصر، فقال لرجل إلى جنبه: محمد والله قاتلي! لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال الذي إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا رعب! فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب، أنت أقرب من هاهنا بي رحماً. كلّم صاحبك أن يجعلني كرحل من أصحابي، هو والله قاتلي إن لم تفعل. قال مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا، وتقول في نبيّه كذا وكذا. قال: يا مصعب؛ فليجعلني كأحد أصحابي إن قتلوا قتلت، وإن منّ عليهم منّ علي. قال مصعب: إنك كنت تعذب أصحابه. قال: أما والله لو أسرتك قريش ما قتلت أبداً وأنا حي. قال مصعب: والله إني لأراك صادقاً، ولكن لست مثلك، قطع الإسلام العهود. وأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) علياً أن يضرب عنقه (38). كان المقداد يستمع ـ في هذا الحال ـ إلى الحوار الذي جرى بين النضر بن الحارث ومصعب بن عمير وكأنه ينتظر فرصةً تسمح للصفح والعفو عنه عسى أن يجعل الله في ذلك خيراً، فلما أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) علياً بضرب عنقه، صاح المقداد بأعلى صوته: يا رسول الله، أسيري؟! (39) فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اللهم اغن المقداد من فضلك. ثم ضرب علي عنقه (40). وبدأ تقسيم الغنائم، فكان لكل مسلم سهم ما عدا المقداد، فكان له سهمان سهم له، وسهم لفرسه (سبحة) (41) وكان يتفاخر بذلك ويقول: ضرب لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يومئذٍ بسهم، ولفرسي بسهم! وقائل يقول: ضرب رسول الله يومئذٍ للفرس بسهمين، ولصاحبه بسهم (42). وله دور أيضاً في معركة أحد فعندما بدأت المعركة وقام الرماة بدورهم يرمون خيل المشركين بالنبل فولت هاربةً، ودنا القوم بعضهم من بعض، وأقبل خالد بن الوليد وعكرمة فلقيهما الزبير والمقداد فهزما المشركين (43). لقد وقف أولئك الأبطال الأشاوس أعظم موقف في سبيل الدفاع عن الحق وعن العقيدة، فسطروا بدمائهم أروع ملحمةٍ تاريخية كان رائدهم فيها الصدق والإخلاص، صدق الإيمان وصدق العقيدة، والإخلاص فيما عاهدوا الله عليه، وقد بلغ عدد الذين استشهدوا من المسلمين نحواً من سبعين رجلاً. أما الذين ثبتوا مع رسول الله في ساعة العسرة فإنهم لم يتجاوزوا السبعة نفر فإن جمهور المؤرخين يروي: إنه لم يبق مع النبي (صلّى الله عليه وآله) إلا علي (عليه السلام) وطلحة والزبير وأبو دجانة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: ولهم خامس وهو عبد الله بن مسعود، ومنهم من أثبت لهم سادساً وهو المقداد بن عمرو (44). تزويج المقداد بن الأسود ومن هنا، من هذا المنطلق الإيماني، زوج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المقداد بن الأسود. وذلك: أن المقداد وعبد الرحمن بن عوف كانا جالسين، فقال عبد الرحمن للمقداد: مالك لا تتزوج؟ قال: زوجني ابنتك. فغضب عبد الرحمن وأغلظ له! (45) قام المقداد من عنده منكسفاً، يتعثر بأذيال الفشل، فلم يكن يتوقع من صحابي كعبد الرحمن أن يرده هذا الرد القاسي ويغلظ له في القول، وشعر في قرارة نفسه أن طلبه هذا قد جرّ عليه مهانةً كان في غنى عنها، وإن عبد الرحمن الزهري نظر إليه نظرةً قبليةً؛ فبنو زهرة من صميم قريش، وأنى لحليف لهم من بهراء لاجئ أن يتطاول على هذا البيت العريق يريد مصاهرته! ومن يكون المقداد في جنب عبد الرحمن، وابنة عبد الرحمن!! غضب عبد الرحمن وأغلظ له، فما كان من المقداد إلا أن يمم قاصداً رحاب الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) حيث يجد المؤمن فيض الرحمة والحنان والعطف، وحيث تجد الإنسانية المعذبة من يلم جراحها ويمسح آلامها، مشى نحو النبي فشكا ذلك إليه. فقال (صلّى الله عليه وآله): أنا أزوجك! (46) محمدٌ ومن مثل محمد!؟ وهبّت في تلك اللحظات نسمةٌ كأنها أتت من الجنة، هدأت لها نفس المقداد وارتاحت بعد عناء، وأطرق يفكر في جوٍّ مفعم بالنشوة، من يا ترى؟ من تكون هذه التي سيختارها له محمد؟ وربما خطر على باله أن سيختار له واحدةً من بنات المهاجرين والأنصار كما فعل مع جويبر وجلبيب رضي الله عنهما؛ ولا أظن أن تصوره ذهب إلى أبعد من ذلك؛ وفي ذلك الهناء والسعادة، ولكن كانت المفاجأة أعظم وأكبر من التصور!! فقد اختار له النبي (صلّى الله عليه وآله) كريمة درجت في أعز بيت من قريش والعرب، وأعز بيت في الإسلام؛ اختار له ابنة عمه (ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب). وإنما فعل ذلك ـ كما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ـ (لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم) (47) وليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام (48) كما في حديث آخر. يوم السقيفة ومن عجائب الدنيا موضوع السقيفة، فمن بعد سبعين يوماً من بيعة المسلمين لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإذا بهم يجتمعون عند وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) لانتخاب خليفة له، والخليفة الشرعي علي بن أبي طالب مشغول بتغسيل النبي (صلّى الله عليه وآله)، ومعه نفر من بني هاشم وغيرهم من وجوه الصحابة من بينهم المقداد. أجمع رأي الأنصار على استخلاف سعد بن عبادة الخزرجي، وحضر الاجتماع قبل البيعة لسعد أبو بكر، وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، واحتجّوا على الأنصار بأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قريش فيلزم أن يكون خليفته منها. قال أبو بكر: يا معشر الأنصار، إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، أوسط العرب داراً ونسباً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح (49). وحقد بشير الخزرجي على ابن عمه سعد فمال لجانب المهاجرين فثقلت جنبتهم، وكيف كان فقد بايعوا أبا بكر. دخل السقيفة وهو عتيق بن أبي قحافة، وخرج منها خليفة رسول الله. استتب الأمر لأبي بكر ولكن المقداد وأحد عشر من وجوه المهاجرين والأنصار أجمعوا على الإنكار على أبي بكر في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمام جمهور المسلمين. ورواية الشيخ الصدوق عليه الرحمة: ثم قام المقداد بن الأسود رحمة الله عليه فقال: يا أبا بكر أربع على نفسك، وقس شبرك بفترك (50) وألزم بيتك، وابك على خطيئتك، فإن ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك، وردّ هذا الأمر حيث جعله الله عزّ وجلّ ورسوله، ولا تركن إلى الدنيا، ولا يغرّنك من قد ترى من أوغادها (51) فعمّا قليل تضمحل عنك دنياك، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت أن هذا الأمر لعلي (عليه السلام)، وهو صاحبه بعد سول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد نصحتك إن قبلت نصحي (52). وذكر له التابعي الكبير سليم بن قيس رضوان الله عليه موقفاً آخر، قال: يا علي بما تأمرني؟ والله لو أمرتني لأضربنّ بسيفي، وإن أمرتني كففت. فقال علي (عليه السلام) كفّ يا مقداد، واذكر عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وما أوصاك به ثم قام وقال: والذي نفسي بيده لو أني أعلم أني أدفع ضيماً، وأعز لله ديناً، لوضعت سيفي على عاتقي، ثم أضرب به قدماً قدماً. أتثبون على أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووصيّه، وخليفته في أمّته، وأبي ولده؟!! فابشروا بالبلاء، واقنطوا من الرخاء (53). سير عملية الشورى وما أفرزت من تناقضات جمع المقداد أعضاء الشورى الستة في بيت، بينما وقف أبو طلحة الأنصاري على الباب ومعه خمسون رجلاً متقلدي سيوفهم تنفيذاً لوصية عمر. أما عبد الرحمن بن عوف فقد أمضى أياماً ثلاثة يشاور الناس في أمر الخلافة. وأقبل الناس نحو المسجد يتدافعون إلى جهة الباب، وهم لا يشكون في مبايعة علي بن أبي طالب. وكان هوى قريش كافة ـ ما عدا بني هاشم ـ في عثمان، وهوى طائفة من الأنصار مع علي، وهوى طائفةٍ أخرى مع عثمان ـ وهي أقل الطائفتين ـ وطائفةٌ لا يبالون أيهما يبايع (54). وقام كل واحد من الستة يدلي برأيه على مسمع الآخرين ـ كما ذكر الطبري ـ في خطبة سيستهلها بالحمد والثناء على الله، حتى قام علي (عليه السلام) فقال: الحمد لله الذي اختار محمداً منا نبيّاً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن أهلُ بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمانٌ لأهل الأرض، ونجاةٌ لمن طلب، إنّ لنا حقاً إن نعطيه نأخذه، وأن نمنعه نركب أعجاز الإبل (55) وإن طال السرى! لو عهد إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً لجالدنا عليه حتى نموت. لن يسرّع أحد قبلي إلى دعوة حق، وصلة رحم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (56). اسمعوا كلامي، وعوا منطقي، عسى أن تروْا هذا الأمر بعد هذا الجمع تُنتظى فيه السيوف، وتُخان في العهود، حتى لا يكون لكم جماعة، وحتى يكون بعضهم أئمة لأهل الضلالة، وشيعةً لأهل الجهالة. انتهى كل واحد من كلامه، وخيّم سكون مملٍ، بينما كان الصخب يملأ أرجاء المسجد، والهتاف يتعالى معلناً اسم علي تارةً واسم عثمان أخرى، ممّا دفع بالأربعة الباقين أن يتخذوا القرار المناسب في حق أنفسهم فيدلي كل واحد منهم بصوته إلى عثمان أو علي؛ لأنهم علموا أن الناس لا يعدلوهم بهما، ولأن عبد الرحمن فرض نفسه من أول الأمر كمنظم لهذه الشورى ومدير لها، سيما وأن عمر ألمح إليه بأن الخلافة لا تصلح له، حين قال له: (وما زهرة وهذا الأمر!). إذن، كان الناس فريقان، فريق يريدها لعلي، وهو الفريق الممثل بالمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر، وفريق يريدها لعثمان، وهو الفريق الممثل بابن أبي سرح وابن أبي المغيرة؛ وتعالت الأصوات في هذا الحال، كل فريق ينادي باسم صاحبه. أقبل المقداد بن الأسود على الناس، فقال: أيها الناس، اسمعوا ما أقول، أنا المقداد بن عمرو، إنكم إن بايعتم عليّاً سمعنا وأطعنا. وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا! فقام عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وقال: أيها الناس، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عليّاً سمعنا وعصينا. فانتفض المقداد ورد عليه فقال: (يا عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ كتابه، ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون!)؟ فقال له عبد الله: يا بن الحليفِ العسيف، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش! وصاح عبد الله بن أبي سرح: أيها الملأ، إن أردتم أن لا تختلف قريش فيما بينها، فبايعوا عثمان. فنهض عمار بن ياسر وقال: (إن أردتم أن لا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليّاً). ثم أقبل على ابن أبي سرح وقال له: يا فاسق ابن الفاسق، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في أمورهم؟!. فتكلم بنو هاشم وبنو أمية، فقام عمار فقال: أيها الناس، إن الله أكرمكم بنبيّه وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟! (57). كانت أصوات الفريقين تعجل في حسم الأمر خوفاً من وقوع الفتنة، فتقدم طلحة فأشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان. فقال الزبير: وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي. فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن (58). وسكت عليّ وظل عثمان ساكتاً، وأسفرت الجولة الأولى عن رجحان بيّن لعبد الرحمن، لقد ملك صوتين كعلي وعثمان، وزاد عليهما بأن صوته يعادل صوتين، فهو حتى الآن مركز الثقل حقاً. ترى، أيضم صوته لنفسه فيخرج على خطة عمر القائلة: (وما زهرة وهذا الأمر؟) أم يمضي إلى أمر عمر وخدمة صهره؟ أم يعدل عن هذا كله ويتجه إلى علي صاحب الأمر في عقيدة الكل؟ كان الرجل ساكتاً أيضاً، وكان يدير في فكره لفتةً بارعةً، لا ندري أهي من بناته أم من محفوظاته؟ ولكنها بارعةٌ في كل حال (59). فقد التفت إليهما وقال: أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقين؟ فلم يتكلم منهما أحد. فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما (60). ومن براعة لفتته أنه لم يلتفت إلى عثمان، بل التفت إلى علي فقال له: أمدد يدك أبايعك على العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الشيخين. فيقول علي: بل على العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، واجتهاد رأيي. فيلتفت آنذاك عبد الرحمن إلى عثمان فيذكر له شروطه الثلاثة، فيقرها عثمان. ثم لا يعجل عبد الرحمن، فيسرع إلى بيعة أخي زوجه من أول مرة، فهو مطمئن إلى أن علياً يرفض الخلافة بغير شرطه هو، لأنه لا يناقض نفسه، ولا يسر حسواً في ارتغاء. ومن أجل هذا استأنى عبد الرحمن وكرّر عرضه على علي الذي أباه ثلاث مرات! ثم نهض وعبد الرحمن يَصْفِق على يد عثمان بالبيعة (61). ويقول له: السلام عليك يا أمير المؤمنين. وهنا يلتفت علي إلى عبد الرحمن، فيقول له: (والله ما فعلتها إلا لأنك رجوتَ منه ما رجا صاحبكما من صاحبه. دقّ الله بينكما عطر مَنشِمْ) (62). وقد عبر علي بن أبي طالب عن عدم رضاه عن هذه النتيجة، وتسليمه بالأمر الواقع، قائلاً: (لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة) (63). وفي رواية الطبري: أن علياً (عليه السلام) قال حين بويع عثمان: ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. والله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك، والله كل يوم في شأن. فقال عبد الرحمن: لا تجعل على نفسك سبيلاً يا علي ـ يعني أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف ـ فقام علي (عليه السلام) فخرج، وقال: سيبلغ الكتاب أجله. فقال عمار: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته، وأنه من الذين يقضون بالحق وبه كانوا يعدلون. وقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم، واعجباً لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل، ولا أعلم، ولا أتقى منه! أما والله لو أجد أعواناً. فقال عبد الرحمن: اتق الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة. لكن علياً (عليه السلام) التفت نحو المقداد وعمّار وقال مسلياً ومهدئاً لهما: (إني لأعلم ما في أنفسهم، إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر في صلاح شأنها، فتقول: إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبداً، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش) (64). بين المقداد وعثمان المصادر التاريخية لا تشير إلى أي لون من ألوان الخلاف بين عثمان والمقداد قبل حادثة الشورى، لا من قريب ولا من بعيد، حتى إذا بدأت الشورى بدأ معها الخلاف بينهما! وكان خلافاً يحسبه الغافل أنه ناجم عن عداء قديم مستشر بينهما، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف المقداد الصلبة من عثمان في تلك الفترة، غير أن نظرة تأمل منا في نوعية هذا الخلاف كافية في إيقافنا على حقيقة الأمر، من أن ما جرى بينهما لم يكن مرده لعداء شخصي، بل هو خلاف مبدئي تطور فيما بعد ليأخذ صفة العداء والجفوة بين الطرفين. واضح أن الخلافة أمانة عظمى في عنق متقلدها، ومسؤولية كبرى في عاتقه عليه أن ينهض بأعبائها، وإلا فهي الخيانة! وبيعة عثمان؛ أخذ فيها عليه شرطان صريحان غير كتاب الله، هما: (سنة رسول الله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر) بهما تصح بيعته وبدونهما لا بيعة قائمة ولا خلافة. ترى! أيطوي الصحابة كشحاً عن بعض التصرفات المخالفة ـ صراحةً ـ لسنة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أو لسيرة الشيخين. يرون الخليفة متلبساً بها؟! بالطبع، لا! إذا كانوا مخلصين لدينهم، صادقين في تدينهم، وهنا تكمن نقطة الخلاف بينه وبينهم بشكل عام. والمقداد واحد من الصحابة المخلصين لا يمكنه بحال السكوت إزاء حالات كهذه، لذا فإنّه كان لا يتوانى في توجيه النقد له وإيقافه على الأخطاء التي يرتكبها، أو التي ترتكب في حضرته. من ذلك أن عثمان بينما كان جالساً ذات يوم وحوله بعض وجوه قريش، إذ أقبل رجلٌ أحسبه كان شاعراً يتكفف أعطيات الملوك، فجعل يمدح عثمان، وكان المقداد حاضراً، فجثا على ركبتيه وجعل يحثو الحصباء في وجه ذلك الرجل! وتعجب عثمان من تصرف المقداد هذا، والتفت إليه قائلاً: ما شأنك؟ فقال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب! (65) إن حادثة بسيطة من هذا النوع ـ في نظري ونظرك ـ هي غاية في الخطورة إذا صدرت في مجلس كمجلس الخليفة، لأنها خرق واضح للسنة، لا يمكن لصحابي كالمقداد أن يسكت عليها. فما ظنك إذن بما هو أعظم من هذا وأفظع؟! كتعطيل الحدود، وإقرار الأيدي العادية، والإسراف في مال الله ووضعه في غير مستحقيه، كإعطاء مروان خمس خراج أمينية! وإقطاعه فدك وكانت فاطمة بنت الرسول قد طلبتها من أبي بكر بدعوى النحلة أو الميراث، فدُفعت عنها، وإعطاء ابن أبي سرح جميع ما أفاء الله على المسلمين من فتح أفريقية (66)، إلى غير ذلك ممّا يضيق به المقام والتي كان آخرها إرساله إلى ابن أبي سرح ـ واليه على مصر ـ كتاباً يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين (67)! ممّا لم يدع مجالاً للسكوت أو الإغضاء، فكان آخر ما قام به المقداد في هذا المضمار ـ هو وتسعة نفر من الصحابة ـ أن وجهوا إلى عثمان كتاباً يحتوي على سرد بعض الأمور التي خالف بها سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسنّة صاحبيه ـ كما يقول ابن قتيبة ـ وتعاهدوا ليدفعن الكتاب في يد عثمان! ومضى عمار بن ياسر بالكتاب، فكان الرد أن ضرب وفتقت بطنه (68). إن هذه المواقف من المقداد حيال تصرفات الخليفة، تركت ولا شك أسوأ الأثر في نفسه وعرضته لغضبه وسخطه، وحقد بني أمية حتى مات وعثمان ساخط عليه، أو بالأحرى هو ساخط على عثمان كما روي ذلك عنه حيث قال للزبير: (أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) وهو عليّ ساخط!) (69). تشيع المقداد ودعوته الناس لعليّ في قبال هذه المواجهة الصريحة، كان للمقداد مع الخليفة مواجهة مبطنة ـ إذا صح التعبير ـ اعتمد فيها أسلوب الدعوة لعلي بكل صراحة ووضوح، وهو الأسلوب الأشد تأثيراً في تهييج مشاعر المسلمين وإثارة عواطفهم، فقد كان يرى أن الخلافة حق مشروع لعلي (عليه السلام) وثابت له دون غيره وعلى هذا الأساس انطلق في دعوته له، وكان جريئاً في ذلك غير متكتم ولا مبالٍ بالنتائج مهما كانت؛ وكان يتخذ من مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) في المدينة مقراً لبث دعوته تلك مبتدأً بعرض ظلامة الإمام علي (عليه السلام) حول هذا الأمر ثم يطرح أمام الجمهور فضائله وكراماته وسابقته منتهياً ببيان أحقيته في الخلافة بأسلوب فريد وكأنه محام بارع أسند إليه القيام بهذا الدور. روى بعضهم، فقال: دخلت مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهّف تلهّف من كأن الدنيا كانت له فسُلبَها، وهو يقول: واعجباً لقريش! ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عم رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم فناءً في الإسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم! والله لقد زوُوها عن الهادي المهتدي، الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحاً للأمة، ولا صواباً في المذهب، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين. قال: فدنوت منه وقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر، فأعينك عليه؟ فقال: يابن أخي، إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل والرجلان!! (70) وكان يشاركه في هذا الرأي جماعة، منهم: أبو ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وغيرهم. قال: ثم خرجت فلقيتُ أبا ذر فذكرتُ له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد! ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فذكرت ذلك له، فقال: لقد أخبرنا، فلم نألُ (71). وكان هذا الموقف يتكرر منه أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة بلهجة تختلف ليناً وشدةً باختلاف الظروف. روى أحمد بن عبد العزيز الجواهري.. عن المعروف بن سويد، قال: كنت بالمدينة أيام بويع عثمان، فرأيت رجلاً في المسجد جالساً وهو يصفق بإحدى يديه على الأخرى والناس حوله، ويقول: واعجباً من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض، ونور البلاد! والله إن فيهم لرجلاً ما رأيت رجلاً بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أولى منه بالحق، ولا أقضى بالعدل ولا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر! فسألت عنه، فقيل: هذا المقداد، فتقدمت إليه وقلت: أصلحك الله، من الرجل الذي تذكر؟ فقال: ابن عم نبيك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب. قال: فلبثت ما شاء الله، ثم لقيت أبا ذر رحمه الله فحدثته بما قال المقداد. فقال: صدق؛ قلت: فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم؟! قال: أبى ذلك قومهم. قلت: فما يمنعكم أن تعينوهم؟! قال: مَهْ (72)؟ لا تقل هذا، إياكم والفرقة والاختلاف (73)!! ومرةً ثالثةً نراه ينهج نهجاً أشد لا يخلو من القسوة؛ والصراحة الزائدة في التعبير عما يجول في نفسه، إزاء هذا الأمر، واضعاً خصمه أمام الأمر الواقع غير متحرج ولا مداهن كما حدث ذلك بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ـ على ما جاء في شرح النهج ـ. قال جندب (74) بن عبد الله الأزدي: كنت جالساً بالمدينة حيث بويع عثمان فجئت، فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته يقول: والله ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت! ـ وكان عبد الرحمن بن عوف جالساً ـ فقال: وما أنت وذاك يا مقداد؟! قال المقداد: والله إني أحبهم لحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإني لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله ثم انتزاعهم سلطانه من أهله! قال عبد الرحمن: أما والله، لقد أجهدتُ نفسي لكم. قال المقداد: أما والله لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون؛ أما والله لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد!! فقال عبد الرحمن: ثكلتك أمك! لا يسمعن هذا الكلام الناس؛ فإني أخاف أن تكون صاحب فتنةٍ وفرقة. قال المقداد: إن من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنةٍ، ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق، فذلك صاحب الفتنة والفرقة! ـ يعرّض بعبد الرحمن ـ. قال: فتربّد وجه عبد الرحمن، ثم قال: لو أعلم أنك إياي تعني، لكان لي ولك شأن! قال المقداد: إياي تهدد، يابن أم عبد الرحمن؟ ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف. قال جندب: فاتبعته، وقلت له: يا عبد الله، أنا من أعوانك! فقال: رحمك الله؛ إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة! (75) هذه هي بعض مواقف المقداد، وتلك هي آراؤه!! إنها لا تدع مجالاً للشك في أنه كان أحد المبرزين الذين لم يكونوا شيعة فقط، بل نهضوا بالدعوة إلى التشيع أو بالدعوة لعلي (عليه السلام) ـ ما شئت فعبّر ـ على أوسع نطاق وبأصرح عبارة، ولم تكن مواقفه وآراؤه تلك مرهونةً بعهد معيّن كما ربما يتصور البعض، بل كان هذا رأيه في علي منذ وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يتغير ولم يتبدل قط. فقد ورد في ذلك قول الشيخ المفيد رحمه الله تعالى: (فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالت شيعته وهم: بنو هاشم كافة.. وسلمان وعمار.. والمقداد.. (76) وفي تاريخ اليعقوبي: في ذكر الذين مالوا مع علي بن أبي طالب، عدّ منهم: (المقداد بن عمرو..) (77) بل كان أحد الذين أطلق عليهم لفظ شيعة في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) كما يقول السجستاني وغيره ولا أرى موجباً للإطالة في هذا الموضوع لأنه أصبح معروفاً لا يخفى على من (كان له قلب)! المقداد على لسان النبي والأئمة الأحاديث الواردة حول بيان فضل المقداد ـ على لسان الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ جاءت شاملة له ولبعض الصحابة رضي الله عنهم، وشذ أن تجد حديثاً مختصاً بالمقداد وحده، لذلك فإني اقتصر في هذا المورد عن ذكر الفقرات ـ من الحديث ـ التي تخص المقداد. من ذلك، ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سألت رسول الله عن سلمان الفارسي.. إلى أن قال قلت: فما تقول في المقداد؟ قال (صلّى الله عليه وآله): وذاك منا، أبغض الله من أبغضه، وأحب الله من أحبه (78). وعنه (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن.. إلى أن قال: والمقداد بن الأسود من المجتهدين. وعن أنس: أن النبي (صلّى الله عليه وآله) سمع رجلاً يقرأ ويرفع صوته بالقرآن! فقال (صلّى الله عليه وآله): أوّاب (79). وسمع آخر يرفع صوته، فقال: مُرَاءٍ! فنظرنا، فإذا الأول المقداد بن عمرو (80). وعنه (صلّى الله عليه وآله): الجنة تشتاق إليك يا علي وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد. وعنه (صلّى الله عليه وآله): أمرني ربي بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان (81). وقد ورد حول قوله تعالى: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) أن الإمام الصادق قال: فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر (82) وعد المقداد واحداً منهم. وجاء في حديث آخر له (عليه السلام): فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود، لم يزل قائماً قابضاً على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ينتظر متى يأمره فيمضي (83). وفاته (رضي الله عنه) نيف وثلاثون سنة، قضاها أبو معبد فارساً في ميادين الجهاد، ابتداءً بغزوة بدر، وانتهاءً بفتح مصر! وقد كانت هذه السنين هي سني التأسيس، لذلك كانت صعبةً ومرّةً وقاسيةً كابد فيها المسلمون المصاعب والمتاعب، فكان نصيب أبي معبد منها الحظ الأوفر والكأس الأوفى حيث لم تخلو منه ساحة جهاد على ما نعهد، فقد ورد في ذلك أنه (شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبعده إلى أن أدركته الوفاة..) (84). وكانت وفاته في سنة 33 للهجرة أو أقل ـ على اختلاف الروايات ـ بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ من العمر سبعين سنة (85). فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال لها الجرف (86) وكان يتعاهدها زراعةً وسقياً يقضي فيها أوقات فراغه ما لم يؤذن بجهاد! وفي ذات يوم تناول جرعةً من زيت (الخروع) فأضرت به، فمات منها (87). فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع (88) وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر، فصلى عليه ولم يؤذن عثمان به، فلما بلغ عثمان موته، جاء حتى أتى قبره، فقال: رحمك الله، إن كنت وإن كنت يثني عليه خيراً! فقال الزبير بن العوام: لألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي (89) معرضاً بالعداء الذي كان بينه وبين المقداد، فقال عثمان: يا زبير، تقول هذا؟! أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) وهو عليّ ساخط!! (90) وكان عمار قد صلى على ابن مسعود من قبل ولم يؤذن به عثمان، فساءه ذلك واشتد غضبه على عمار، وقال: (ويلي على ابن السوداء! أما لقد كنت به عليماً) (91). المصادر: 1- الطبقات الكبرى، ج3، ص162. 2- راجع الكامل، ج2، ص290. 3- موضع على ثلاثة أميال من المدينة. 4- الإصابة، ج3، ص454-455. 5- على الأشهر، نسبة إلى بهراء بن عمرو، بطن من قضاعة، كانت منازلهم شمالي بلي) من الينبع إلى عقبة أيله، ثم جاوروا بحر القلزم، واشتروا ما بين بلاد الحبشة وصعيد صر وكثروا هناك، وغلبوا على بلاد النوبة.. وقدم وفد من بهراء على الرسول (صلّى الله ليه وآله) سنة 9هـ. راجع معجم قبائل العرب، ج1، ص110.6- حضرموت: ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاب وبها قبر هود (عليه السلام). قال ابن الكلبي: اسم حضرموت في التوراة، حاضر ميت... وقيل: حضرموت، اسم لعامر بن قحطان، وإنما سمي كذلك لأنه كان إذا حضر حرباً أكثر فيها من القتل، فلقب بذلك.. وقال أبو عبيدة: حضرموت بن قحطان نزل هذا المكان فسمي به. معجم البلدان، ج2، ص270. 7- الإصابة، ج3، ص454-455. 8- نفس المصدر. 9- الأسود بن عبد يغوث الزهري كان من جبابرة قريش، وأحد كبار المستهزئين برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكانوا خمسة، وقد كفى الله نبيّه إياهم، فحين نزلت الآية (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) أصيب الأسود هذا بالاستسقاء حتى هلك، أما الأربعة الباقية، فهم الأسود بن المطلب، أصيب بالعمى، والوليد بن المغيرة كان قد جرح بأسفل قدمه جرحاً قديماً فانتقض عليه ومات. والعاص بن وائل، أصيب بشوكة في رجله فقتلته، والحارث بن طلالة امتخض رأسه قيحاً فقتله. راجع السيرة لابن هشام، ج2، ص41. 10- المستدرك، ج3، ص348. 11- نفس المصدر، 12- نفس المصدر، كما يستفاد ذلك من مطاوي الحديث. 13- قالت ابنته كريمة: كان رجلاً طوالاً، آدم (أبيض) أبطن، كثير شعر الرأس يصفّر لحيته وهي حسنة، ليست بالعظيمة ولا بالخفيفة، أعين، مقرون الحاجبين أقنى. المستدرك، ج3، ص348. 14- اليعقوبي، ج1، ص148. 15- الاستيعاب، ج3، ص473. 16- هي سورة التوبة. ولها عشر أسماء، منها سورة البحوث، سميت بذلك لأنها تتضمن ذكر المنافقين والبحث عن سرائرهم، ومن أسمائها: الفاضحة... الخ. راجع مجمع البيان، ج5، ص1. 17- معجم رجال الحديث، ج18، ص360 و363. 18- معجم رجال الحديث، ج18، ص360 و363. 19- رجال بحر العلوم، ج3، ص345. 20- الإصابة، ج3، ص454، وكذلك في أسد الغابة، ج3، ص410 21- الكامل، ج2، ص111، وقيل: التحقا بالمسلمين، في شوال حين بعث النبي (صلّى الله عليه وآله) سريةً بقيادة عبيدة بن الحارث. راجع نور اليقين، ص108. 22- الاستيعاب، (على هامش الإصابة) ج3، ص476. 23- الجهد: الجوع والتعب والمشقة. 24- للرواية تتمة تأتي. 25- وغلت: أي استقرت وتمكنت في بطنه. 26- حافلة: أي أن ضرعها ملآن باللبن. 27- إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سَوءة من الفعلات، فما هي؟ 28- أي أن إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، رحمة من الله. 29- صحيح مسلم، ج3، ك36، ص1625-1626، ح174. 30- صحيح مسلم، ج1، ك1، ص96، ح155-156-157. 31- المغازي، ص15. 32- المصدر السابق، ص110. 33- سيرة المصطفى، ص339. 34- بركُ الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليالي ممّا يلي البحر، وقيل: بلد باليمن... 35- الكامل، ج2، ص120. 36- الاستيعاب، ج3، ص474. 37- الأثيل: تصغير الأثل، موضع قرب المدينة. 38- شرح النهج، ج14، ص171. 39- يستفاد هذا المعنى من موقف آخر للمقداد، كما تقدم في سرية (نخلة). 40- المصدر السابق. 41- سبحة: أول فرس لأول فارس في الإسلام، (فعن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من عدا به فرسه في سبيل الله، المقداد بن الأسود. وعن علي (عليه السلام) ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن عمرو ـ الطبقات الكبرى، ج3، ص162، وكانت في فترة ما من التاريخ حديث المجالس في المدينة وفي مكة وفي جوارهما، وكان المقداد يتفاخر بذكرها وتعداد مآثرها ومن ذلك قوله: (شهدت بدراً على فرسٍ لي يقال لها سبحة) الإصابة، ج3، ص454-455، وكان يقول: (شهدت بدر الموعد على فرسي سبحة اركب ظهرها ذاهباً وراجعاً، فلم يلق كيداً) المغازي، ص387. ويحكى: أن عبدي بن ياسر كان (قد أهدى للنبي فرساً عتيقً يقال له: مراوح وقال: يا رسول الله سابق، ـ أي هذا سابق غيره ـ فأجرى رسول الله الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس. فقال رسول الله: أين عليها، وقد خلفتها لبعد هذا السفر وشدة الحر عليها، فأردت أن أحمل هذا الفرس المعرق عليها فتأتي بمهر! فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): فذاك إذن. فقبضه المقداد، فخبر منه صدقاً ثم حمله على سبحة، فنتجت له مهراً كان سابقاً، يقال له: الذيّال. سبق في عهد عمر وعثمان، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفاً. المغازي، ص1033. 42- المغازي، ص102-103. 43- راجع الكامل، ج2، ص152 والطبري 44- البحار، ج20، ص141. 45- الإصابة، ج3، ص454-455. 46- تتمة رواية الإصابة. 47- راجع الوسائل، ج14، ب26، ح1، ص45. 48- مكارم الأخلاق، ص27، قال رسول الله... الخ. 49- شرح نهج البلاغة، ج2، ص24. وورد في سياق ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، ص6، قول أبي بكر في ذلك المحفل: ونحن عشيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله). 50- أربع على نفسك: توقف واقتصر على حدك. والفتر: ما بين الإبهام والسبّابة، والشبر: ما بين الخنصر والإبهام، والمراد: لا تتجاوز حدّك. 51- الوغد: الضعيف العقل، الأحمق، الدنيء. 52- الخصال، 464. 53- كتاب سليم بن قيس، ص24. 54- شرح النهج، ج9، ص52. 55- قوله (عليه السلام): نركب أعجاز الإبل، كناية عن المعاناة والمشقة، فهو يحتمل أحد تفسيرين، الأول: إن نُمنعه نصبر على المشقة كما يصبر عليها راكب عجز البعير. والثاني: إن نمنعه نتأخر ونتبع غيرنا كما يتأخر راكب البعير عن مردفه. 56- شرح النهج، ج1، ص195. 57- شرح النهج، ج9، ص52. 58- شرح النهج، ج1، ص187-188. 59- حليف مخزوم، ص175. 60- شرح النهج، ج1، ص188. 61- حليف مخزوم، ص175. 62- شرح النهج، ج1، ص188. 63- ثورة الحسين، ص34. 64- شرح النهج، ج1، ص194. 65- كما جاء في صحيح مسلم، ج4، ك53، ح69 عن همام بن الحارث قال: إن رجلاً جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه ـ وكان رجلاً ضخماً ـ فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. 66- للتفصيل راجع كتاب (أبو ذر الغفاري) ص107-114، وشرح النهج، ج1، ص198 وما بعدها. 67- مروج الذهب، ج2، ص344 وغيره من المصادر. 68- راجع الإمامة والسياسة، ج1، ص35. 69- سفينة البحار، مادة قدد. 70- اليعقوبي، ج2، ص163. 71- اليعقوبي، ج2، ص163. 72- مَهْ: اكفف. 73- شرح النهج، ج9، ص21. 74- جندب بن عبد الله بن الأرقم الأزدي الغامدي.. يقال له جندب الخير. (الإصابة، ص248). وكان جندب بعد لقائه هذا قد ذهب إلى العراق وأقام فيها وكان ينشر فضائل علي (عليه السلام)، يقول (فكنت أذكر فضل علي فلا أعدم رجلاً يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا وخذ ما ينفعك؟ فأقول: إن هذا ممّا ينفعني وينفعك؟ فيقوم عني ويدعني الخ... راجع النهج، ج9، ص58. 75- شرح النهج، ج9، ص56 وما بعدها. 76- الإرشاد، ص10. 77- اليعقوبي، ج2، ص 124. 78- معجم رجال الحديث، ج18، ص368. 79- أوّاب: تائب. 80- الاستيعاب، (على الإصابة، ج3، ص475). 81- حديث متواتر. الاستيعاب، ج2، ص59. 82- معجم رجال الحديث. والبحار، ج22، ص322. 83- معجم رجال الحديث. والبحار، ج22، ص322. 84- راجع الإصابة، ج3، ص454، وتهذيب الأسماء، ج2، ص112، والغدير ج9، ص116. 85- نفس المصدر. 86- الجرف: كل ما جرفته السيول من الأرض يقال له جرف. 87- الطبقات الكبرى لابن سعد، ج3، ص163، وقيل: غير ذلك. 88- الإصابة وغيرها. 89- الطبقات، ج3، ص163، واليعقوبي، ج2، ص171. 90- سفينة البحار مادة: قدد. 91- اليعقوبي، ج2، ص171. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين يا علي أنت العلي الذي فوق العلا رفعا00لولاك ربي ماخلق جنة ولانار أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام سيف العرب
  17. سهل بن حنيف في سطور - أبوه: حنيف بن وهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحرث بن عمر بن خناس بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. - كان وسيماً حسن الجسم. - كنيته أبو سعيد. - أسلم والنبي (صلّى الله عليه وآله) في مكة. - شهد مع النبي (صلّى الله عليه وآله) مشاهده كلها. - من النقباء (1). - في طليعة فرسان المسلمين وأبطالهم. - له موقف مشرّف يوم أحد في الدفاع عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، قد ثبت معه يومئذٍ وبايعه على الموت. - انضم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله). - ولاّه أمير المؤمنين (عليه السلام) المدينة، ثم ولاه على فارس. - شهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام) صفين، وكان فيها من القادة (2). - من شرطة الخميس. - توفي بالكوفة سنة 38هـ. - جهزه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وصلّى عليه، وكبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة. مكارم وهناك نفوس خيّرة طاهرة، سارعت من حين دخولها الإسلام إلى جمع المكارم، وتحصيل الفضائل، فحصّلت قصب السبق في شتى المعالي، وفي طليعة هؤلاء سهل بن حنيف رضوان الله عليه. ففي الأيام الأولى للهجرة شاهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذا الصحابي العظيم مشهداً كريماً. قال (عليه السلام): كانت بقبا امرأة لا زوج لها، فرأيت إنساناً يأتيها في جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه فتأخذه، فاستربت لشأنه، فقلت لها: يا أمة الله من الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئاً لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أنّي امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدى على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال: احتطبي بهذا. فكان علي (عليه السلام) يأثر ذلك من سهيل بن حنيف (3) حتى هلك عنده بالعراق (4). انظر إلى هذا الرجل النبيل يترك نومه، ويعرّض نفسه للخطر من أجل هدم عقيدة وقطع جذورها، ثم لا يكتفي بذلك بل يجعل من هذا الحطام مكسباً لامرأة ضعيفة محتاجة إلى ذلك. في القرآن الكريم والسنين العشر التي مضت على الإسلام في المدينة المنوّرة تميّزت بتكالب الأعداء عليه، وتجهيزهم الجيوش إثر الجيوش، واتفاق القوى المختلفة عليه، كما حصل في معركة الخندق حيث اتفقت اليهود والعرب. والتاريخ طافح ببطولات المسلمين، ومقاومته للعدوان، واستهانتهم بالموت في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته، ورفع راية الإسلام خفّاقة. والذي يلحظ هذه الوقائع يجد أن بعض المسلمين فاقوا إخوانهم بطولة وجهاداً، وقد مرّ عليك أن سهل بن حنيف رضوان الله عليه كان في طليعة هؤلاء النخبة، فاستوجب من المولى جلّ شأنه تخليده بآي من الذكر الحكيم. نسجّل هذه الآية وأكثر الظنّ أن المتتبّع لكتب أسباب النزول يجل الكثير. قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (5). نزلت في علي وحمزة وعبيدة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمّة وأبي دجانة (6). بطولات ومن لاحظ كتب السير والتاريخ وجد المؤمنين يتمتعون بأسمى الصفات النبيلة، ويتزينون بالأخلاق العالية، فهم الشجعان، وهم الكرماء، وهم أهل العفو، وهم أهل الفضل، إلى غير ذلك من المزايا الحسنة. ويحتل الصحابي الكبير سهل بن حنيف رضوان الله عليه الصدارة في كتب التاريخ والسير بمواقفه البطولية بين يدي الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله). ففي يوم أحد وبعد أن انهزم المسلمون كان أحد القلّة الثابتة في حومة الحرب، المدافعة عن الإسلام والرسول، فمن حديث لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد صدق معك القتال اليوم سهل بن حنيف (7). ويقول الشيخ المفيد عليه الرحمة: وثبت أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف للقوم، يدافعون عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكثر عليهم المشركون، ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينيه ونظر إلى أمير المؤمنين ـ وكان أغمي عليه ممّا ناله ـ فقال: يا علي ما فعل الناس؟ فقال: نقضوا العهد، وولوا الدبر، فقال: اكفني هؤلاء الذين قصدوا قصدي، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فكشفهم، وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه، بيد كل واحد منهم سيفاً ليذب عنه، وثاب إليه من الصحابة المنهزمين أربعة عشر رجلاً (8). ويقول الواقدي: إن سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): نبّلوا سهلاً فإنه سهل (9). ويقول ابن الأثير: شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وثبت يوم أحد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لما انهزم الناس، وكان بايعه يومئذ على الموت، وكان يرمي بالنبل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (10). وذكر الشيخ المفيد بعض غزوات الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لليهود وخروج عشرة منهم، قتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) رئسيهم، وجاء برأسه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: فأفلت أصحابه، ولم يبرحوا قريباً، فابعث معي نفراً فإني أرجو أن أظفر بهم. فبعث النبي (صلّى الله عليه وآله) معه عشرة، فيهم أبو دجانة، سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم، وجاءوا برؤوسهم إلى النبي (صلّى الله عليه وآله).. وفيها يقول حسان بن ثابت: لله أي كــــريهة أبلــــــــيتـــــها ببني قريظة والنـــــفوس تطلع أردى رئيســــــهم وآب بـتسعة طوراً يشلّهم وطـور يدفع(11) يوم السقيفة وصدق عمر بن الخطاب في وصف بيعة أبي بكر بأنها فلتة وقى الله المسلمين شرّها (12) فلم يكن في الحسبان هذا الأمر أبداً، فبالأمس القريب بايع المسلمون علياً بأمر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأكثر من هذا فقد كان أبو بكر لحد يوم وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) جندياً في جيش أسامة المعسكر خارج المدينة في اتجاهه إلى البلقاء ـ الأردن ـ حيث استشهد أبوه رضوان الله عليه. وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مهتماً غاية الاهتمام بإرسال هذا الجيش، كان يقول: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عنه (13). وكان بعض الجنود في هذا الجيش يتسللون فراراً من المعسكر، يحسبون للمستقبل حساباً دقيقاً. وكيف كان الأمر فقد قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبعد بضع ساعات بويع لأبي بكر، والنبي (صلّى الله عليه وآله) لم يدفن. وأسرع أكابر الصحابة في الإنكار على أبي بكر. ورواية الشيخ الصدوق عليه الرحمة: ثم قام سهل بن حنيف فقال: أشهد أني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال على المنبر: إمامكم من بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو أنصح الناس لأمتي (14). خطاب ذكر نصر بن مزاحم استشارة الإمام (عليه السلام) المهاجرين والأنصار قبل الذهاب إلى صفين، وذكر خطبة قيس بن سعد، ثم قال: فقال أشياخ الأنصار، منهم خزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما: لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال: أما إني عارف بفضلكم، معظم لشأنكم، ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب. فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم، فقالوا: قم يا سهل بن حنيف، فقام سهل، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك، ونحن كف يمينك، وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فإنهم هم أهل البلد، وهم الناس، فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب، وأما نحن فليس عليك منا خلاف، متى دعوتنا أجبناك، ومتى أمرتنا أطعناك. وهذا الموضوع يدل على مكانة سهل بن حنيف رضوان الله عليه في نفوس الأنصار، وإجلالهم له. إن خزيمة بن ثابت، وأبا أيوب الأنصاري رضوان الله عليهما يعتبران في طليعة الأنصار، بل في طليعة المسلمين وأعلامهم وفضلائهم، ومع ذلك يرشّحان سهلاً ليمثل الأنصار، ويتكلم بالنيابة عنهم أمام أمير المؤمنين (عليه السلام). وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة هذا الرجل وجلالته. شرطة الخميس في كتب السيرة والتراجم يرد دائماً في تراجم بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) كلمة (من شرطة الخميس). قال أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي: وأصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين كانوا شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل. وقال علي بن الحكم: أصحاب أمير المؤمنين الذين قال لهم: تشرّطوا، إنما أشارطكم على الجنة، ولست أشارطكم على ذهب ولا فضة، إن نبينا (صلّى الله عليه وآله) قال لأصحابه فيما مضى: تشرّطوا فإني لست أشارطكم إلا على الجنة. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا بن يحيى فإنك وأباك من شرطة الخميس حقاً، فقد أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء شرطة الخميس على لسان نبيه (صلّى الله عليه وآله): سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وأبو سنان وأبو عمرة وجابر بن عبد الله وسهل وعثمان ابنا حنيف الأنصاريان (15). وقال إبراهيم الثقفي في ترجمة قيس بن سعد بن عبادة رضوان الله عليه: إن علياً (عليه السلام) ندب الناس عندما أغاروا على نواحي السواد، فانتدب لذلك شرطة الخميس، فبعث إليهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم وجههم فساروا حتى وردوا تخوم الشام (16). والشرطة ـ بالسكون والفتح ـ الجند، والجمع شرط، مثل رطب. والشرط على لفظ الجمع أعوان السلطان والولاة، وأوّل كتيبة تشهد الحرب، وتتهيأ للموت، سمّوا بذلك لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء. وصاحب الشرطة يعني الحاكم (17) والخميس ـ بالفتح ـ الجيش، سمّي به لأنه خمسة أقسام: الميمنة، والميسرة، والمقدّم، والساقة، والقلب. وفي حديث الأصبغ بن نباتة وقد سئل: كيف تسميتكم شرطة الخميس؟ قال: لأنا ضمنا له الذبح، وضمن لنا الفتح ـ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ (18). نهاية المطاف قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان من أحب الناس إليه: لو أحبّني جبل لتهافت، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): لما مات ـ سهل بن حنيف ـ جزع عليه أمير المؤمنين جزعاً شديداً، وصلى عليه خمس صلوات (19) وقال: إن علياً كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة (20). وقال: كبر علي (عليه السلام) على سهل بن حنيف ـ وكان بدرياً ـ خمس تكبيرات، ثم مشى به ساعة، ثم وضعه ثم كبّر عليه خمس تكبيرات أخر، فصنع به ذلك حتى بلغ خمساً وعشرين تكبيرة (21). كلمات العلماء والعظماء 1ـ ممّا كتبه الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام، وشرائع الدين، والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام): والذين مضوا على منهاج نبيّهم (صلّى الله عليه وآله)، ولم يغيّروا ولم يبدلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف (22). 2ـ قال الفضل بن شاذان: إن سهل بن حنيف من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) (23). 3ـ قال ابن عبد البر: شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وثبت يوم أحد، وكان رضي الله عنه بايعه على الموت، فثبت معه حين انكشف الناس عنه (24). 4ـ ذكره ابن أبي الحديد في الذين ثبتوا يوم أحد مع النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنه أحد الثمانية الذين بايعوه يومئذٍ على الموت (25). 5ـ قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: سهل بن حنيف، ثبت يوم أحد حين انكشف الناس، وبايع يومئذ على الموت، وكان ينضح عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالنبل (26). 6ـ قال السيد علي خان الشيرازي: سهل بن حنيف بن وهب.. كان بدرياً جليلاً، من خيار الصحابة، وأبلى في أحد بلاء حسناً (27). 7ـ قال السيد محمد مهدي بحر العلوم: استخلفه علي (عليه السلام) على المدينة حين خرج إلى العراق، واستعمله على فارس، وولاه البصرة، وشهد سهل صفين مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان من شرطة الخميس، وهم الذين اشترطوا على أنفسهم القتال، وضمن لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) الجنة. توفي بالكوفة بعد الانصراف من قتال أهل الشام سنة 38، وكفنه علي (عليه السلام) في برد أحمر وحبرة، وكبر عليه خمساً وعشرين تكبيرة، كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه ويكبّر، حتى انتهى إلى قبره، وقد صنع ذلك خمس مرات، يكبّر في كل مرة خمس تكبيرات، وروي أنه (عليه السلام) قال: لو كبرت عليه سبعين لكان أهلاً (28). 8ـ قال السيد حبيب الله الخوئي: سهل بن حنيف، من الأنصار المخلصين للنبي والوصي (عليه السلام)، ومن السابقين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار (29). 9ـ قال خير الدين الزركلي: سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي، أبو سعد، صحابي من السابقين، شهد بدراً وثبت يوم أحد، وشهد المشاهد كلها (30). المصادر: 1- قال الشيخ الصدوق في الخصال، ص429، النقيب: الرئيس من العرفاء، وقد قيل: إنه الضمين، وقد قيل: إنه الأمين، وقد قيل: إنه الشهيد على قومه، وأصل النقيب في اللغة من النقب، وهو الثقب الواسع، فقيل: نقيب القوم لأنه ينقّب عن أحوالهم كما ينقب عن الأسرار، وعن مكنون الإضمار. ومعنى قول الله عزّ وجلّ: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) هو أنه أخذ من كل سبط منهم ضميناً بما عقد عليهم من الميثاق في أمر دينهم، وقد قيل: إنهم بعثوا إلى الجبارين ليقفوا على أحوالهم، ويرجعوا بذلك إلى نبيّهم موسى (عليه السلام) ورجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدّة بأسهم، وعظم خلقهم. 2- في تاريخ الطبري، ج5، ص11. وعلى خير أهل البصرة سهر بن حنيف. 3- يأثر ذلك: يحدث به. 4- سيرة ابن هشا، ج1، ص494. 5- سورة الصف، آية 4. 6- تفسير الحبري، ص322. 7- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص24. 8- الإرشاد، ص50. 9- المغازي، ص253. 10- أسد الغابة، ج2، ص318. 11- الإرشاد، ص50. 12- في شرح النهج لابن أبي الحديد، ج2، ص50، قال أبو بكر: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها. 13- الملل والنحل للشهرستاني، المقدّمة الرابعة. 14- الخصال، ص465. 15- رجال البرقي، ص4. 16- الغارات، ص336. وقال في صفحة 164: وقال ـ أي الإمام (عليه السلام) ـ لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة، ثم أخرج إلى أذربيجان. فكان قيس مقيماً على شرطته. 17- مجمع البحرين، ج4، ص258. 18- مجمع البحرين، ج4، ص258. 19- عيان الشيعة، ج7، ص321. 20- رجال الكشي، ص36. 21- رجال الكشي، ص37. 22- عيون أخبار الرضا، باب 35، ج2، ص134. 23- الدرجات الرفيعة، ص379. 24- الاستيعاب، ج2، ص92. 25- شرح نهج البلاغة، ج15، ص20. 26- الإصابة، ج2، ص87. 27- الدرجات الرفيعة، ص378. 28- رجال السيد بحر العلوم، ج3، ص36. 29- شرح نهج البلاغة، ج21، ص170. 30- الأعلام، ج3، ص142. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين يا علي أنت العلي الذي فوق العلا رفعا00لولاك ربي ماخلق جنة ولانار أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام سيف العرب
  18. أخواني الاعزاء لكم تحياتي جميع على هذه المشاركة في الرد على الموضوع واتمنا من كل عضو يريد ان يرد ان يحترم العضوالاخر في رده عليه حيث نحن في النهاية أخوان في الدين واتمنا من الله العلي القدير ان يجعلنا يدا واحدة ضد اعداءنا من اليهود الحاقدين اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين جزاك الله خير ولكن عندى سؤال مع عدم فهمي غلط ايها الاخ العزيز ابغي أعرف مصدر هذه الرواية الذي اقتبست منه هذا الموضوع لك مني جزيل الشكر والاحترام يا أخي في الله أخيك في الله محب أهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))
  19. مشكورين على المرور لوحبك ياعلي يدخلني بنار النار ماتأذيني 00 احبك ياعلي حتى أخر نفس وايى أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام ((سيف العرب))) قال رسةل الله صل الله عليه وآله الاطهارفي علي بن ابي طالب عليه السلام(( علي خير البشر فمن ابى فقد كفر)) شكرا اخي احمد العربي الرفاعي المدني احترم نفسك وخل الفاظك رزينة ولا تغلط على الناس اذا ماتحب احد يغلط عليك
  20. من الاحاديث النبوية في الفضائل الفاطمية -ع-, -------------------------------------------------------------------------------- بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد وال محمد والعن أعدائهم أجمعين...... -أربعين حديث نادر في سيدة النساء فاطمة الزهراء- 1- قال النبي- ص -: (إذا كانَ يَوْمُ القيامَةِنادى مُنادٍ: يا أَهْلَ الجَمْعِ غُضُّوا أَبْصارَكُمْ حَتى تَمُرَّفاطِمَة) كنز العمّال ج 13 ص 91 و 93/ منتخب كنز العمّال بهامش المسند ج 5ص 96/ الصواعق المحرقة ص 190/ أسد الغابة ج 5 ص 523/ تذكرة الخواص ص279/ ذخائر العقبى ص 48/ مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 356/ نورالأبصار ص 51 و 52/ ينابيع المودّة ج 2 باب 56 ص 136. 2- قال النبي- ص -: (كُنْتُ إذا اشْتَقْتُ إِلىرائِحَةِ الجنَّةِ شَمَمْتُ رَقَبَةَ فاطِمَة)منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97/ نور الأبصار ص 51/ مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 360. 3- قال النبي- ص -: (حَسْبُك مِنْ نساءِالعالَميَن أَرْبَع: مَرْيمَ وَآسيَة وَخَديجَة وَفاطِمَة) مستدرك الصحيحين ج 3 باب مناقب فاطِمَة ص 171/ سير أعلام النبلاءج 2 ص 126/ البداية والنهاية ج 2 ص 59/ مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 363. 4- قال النبي- ص -: (يا عَلِي هذا جبريلُ يُخْبِرنِي أَنَّ اللّهَ زَوَّجَك فاطِمَة) مناقب الإمام علي من الرياض النضرة: ص 141. 5- قال النبي- ص -: (ما رَضِيْتُ حَتّى رَضِيَتْ فاطِمَة) مناقب الإمام علي لابن المغازلي: ص 342. 6- قال النبي- ص -: (يا عَلِيّ إِنَّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فاطِمَة)الصواعق المحرقة باب 11 ص 142/ ذخائر العقبى ص 30 و 31/ تذكرة الخواص ص 276/ مناقب الإمام علي من الرياض النضرة ص141/ نور الأبصار ص53. 7- قال النبي- ص -: (إِنّ اللّهَ زَوَّجَ عَليّاً مِنْ فاطِمَة) الصواعق المحرقة ص 173. 8- قال النبي- ص -: (كُلُّ بَنِي أُمّ يَنْتَمونَ إِلى عُصْبَةٍ، إِلاّ وُلدَ فاطِمَة) الصواعق المحرقة ص 156 و 187/ قريب من لفظه في مستدرك الصحيحين ج3 ص 179/ كنز العمّال ج13 ص101/إسعاف الراغبين بذيل نور الأبصار ص 144 9. قال النبي- ص -: (كُلِّ بَنِي أُنثىعصْبَتُهم لأَبيهِمْ ماخَلا وُلْد فاطِمَة)كنز العمّال ج 13ص 101/الصواعق المحرقة ص 187 و 188/ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص144. 10- قال النبي- ص -: (أَحَبُّ أَهْلِي إِليَّ فاطِمَة) الجامع الصغير ج 1 ح 203 ص 37/ الصواعق المحرقة ص 191/ ينابيع المودّة ج 2 باب 59 ص 479/ كنز العمّال ج 13 ص93. 11- قال النبي- ص -: (خَيْرُ نِساءِ العالَمين أَرْبَع: مَرْيَم وَآسية وَخَدِيجَة وَفاطِمَة) الجامع الصغير ج 1 ح 4112 ص 469/ الإصابة في تمييز الصحابة ج 4 ص378/ البداية والنهاية ج 2 ص 60/ ذخائر العقبى ص 44. 12- قال النبي- ص -: (سيّدَةُ نِساءِ أَهْلِ الجَنَّةِ فاطِمَة) كنز العمّال ج13 ص94/ صحيح البخاري، كتاب الفضائل، باب مناقب فاطمة/ البداية والنهاية ج 2 ص61. 13- قال النبي- ص -: (إذا إشْتَقْتُ إلى ثِمارالجنَّةِ قَبَّلتُ فاطِمَة) نور الأبصار ص 51. 14- قال النبي- ص -: (كَمُلَ مِنَ الرِّجال كَثِيرُ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساءِ إِلاّ أَرْبَع: مَرْيـــم وَآسِيَة وَخَديجـــَة وَفاطِمـــَة) نور الأبصار ص 51. 15- قال النبي- ص -: (أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ: عَليٌّ وَفاطِمَة) نور الأبصار ص 52/ قريب من لفظه في كنز العمّال ج 13 ص 95. 16- قال النبي- ص -: (أُنْزِلَتْ آيَةُالتطْهِيرِ فِيْ خَمْسَةٍ فِيَّ، وَفِيْ عَليٍّ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ و َفاطِمَة) إسعاف الراغبين ص 116/ صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة. 17- قال النبي- ص -: (أَفْضَلُ نِساءِ أَهْل الجَنَّةِ: مَرْيَمُ وَآسيةُ وَخَديجَةُ وَفاطِمَة) سير أعلام النبلاء: ج 2 ص 126/ذخائر العقبى: ص 44. 18- قال النبي- ص -: (أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ فاطِمَة) ينابيع المودّة ج2 ص322 باب56. 19- قال النبي- ص -: (المَهْدِيِ مِنْ عِتْرَتي مِنْ وُلدِ فاطِمَة)الصواعق المحرقة ص237. 20- قال النبي- ص -: (إنّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ فَطـــَمَ ابْنَتِي فاطِمَـــة وَوُلدَهـــا وَمَنْ أَحَبًّهُمْ مِنَ النّارِ فَلِذلِكَ سُمّيَتْ فاطِمَة)كنز العمال ج6 ص219. 21- قال النبي- ص -: (فاطِمَة أَنْتِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتي لُحُوقاً بِي) حلية الأولياء ج 2 ص 40/ صحيح البخاري كتاب الفضائل/كنز العمّالج 13 ص 93/ منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97. 22- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي، يُريبُنِي ما رابَها، وَيُؤذِيني ما آذاهَا) صحيح مسلم ج 5 ص 54/ خصائص الإمام علي للنسائي ص 121 و 122/مصابيح السنّة ج 4 ص 185/ الإصابة ج 4 ص 378/ سير أعلام النبلاء ج 2 ص 119/ كنز العمّال ج 13 ص 97/ وقريب من لفظه في سنن الترمذي ج 3 باب فضل فاطِمَة ص 241/ حلية الأولياء ج 2 ص 40/ منتخب كنز العمّال بهامش المسند ج 5 ص 96/معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم ص 58/ ذخائر العقبى ص 38/ تذكرة الخواص ص 279/ ينابيع المودّة ج 2 باب59 ص 478. 23- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي يَسُرُّنِي ما يَسُرُّها) الصواعق المحرقة ص 180 و 232/ مستدرك الحاكم / معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم ص 73/ ينابيع المودّة ج 2 باب 59 ص468. 24- قال النبي- ص -: (فاطِمَة سِيِّدةُ نِساءِ أَهْلِ الجَنِّة)صحيح البخاري ج 3 كتاب الفضائل باب مناقب فاطِمَة ص 1374/ مستدرك الصحيحين ج 3 باب مناقب فاطِمَة ص 164/ سنن الترمذي ج 3 ص 226/ كنز العمّال ج 13 ص 93/ منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97/ الجامع الصغير ج 2 ص654 ح 5760/ سير أعلام النبلاء ج 2 ص 123/ الصواعق المحرقة ص 187 و191/ خصائص الإمام عليّ للنسائي ص 118/ ينابيع المودّة ج 2 ص 79/الجوهرة في نسب عليّ وآله ص 17/ البداية والنهاية ج 2 ص 60. 25- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةُ مِنّي فَمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبَنِي) صحيح البخاري ج 3 كتاب الفضائل باب مناقب فاطِمَة ص1374/خصائص الإمام عليّ للنسائي ص 122/ الجامع الصغير ج 2 ص 653 ح 5858/ كنزالعمّال ج 3 ص 93 ـ 97/ منتخب بهامش المسند ج 5 ص 96/ مصابيح السنّة ج4 ص 185/ إسعاف الراغبين ص 188/ ذخائر العقبى ص 37/ ينابيع المودّة ج2 ص 52 ـ 79. 26- قال النبي- ص -: (فاطِمَة خُلِقَتْ حورِيَّةٌ فِيْ صورة إنسيّة) مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 296. 27- قال النبي- ص -: (فاطِمَة حَوْراءُ آدَميّةَلَم تَحضْ وَلَمْ تَطْمِث)الصواعق المحرقة ص 160/ إسعاف الراغبين ص 188/ كنز العمّال ج 13 ص 94/ منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97. 28- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي يُؤْذيِني ما آذاها وَيَنَصُبَني ما أنَصَبَها) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 173/ سنن الترمذي ج 3 باب فضل فاطِمَة ص240/ كنز العمّال ج 13 ص 93/ منتخب كنز العمّال بهامش المسند ج 5 ص 96/ الصواعق المحرقة الفصل الثالث ص190. 29- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةُ مِنّي يُغْضِبُني ما يُغْضِبُها وَيَبْسُطُني ما يَبْسَطُها) الصواعق المحرقة ص 188/ قريب من لفظه في مستدرك الصحيحين ج 3 ص172/ الجامع الصغير ج 2 ص 653 ح 5859. 30- قال النبي- ص -: (فاطِمَة أَحَبُّ إِليَّ مِنْكَ يا عَلِيّ وَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْها) مجمع الزوائد ج 9 ص 202/ الجامع الصغير ج 2 ص 654 ح 5761/ منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97/ أسد الغابة ج 5 ص 522/ ينابيع المودّة ج 2 باب56 ص 79/ الصواعق المحرقة الفصل الثالث ص 191. 31- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي وَهِيَ قَلْبِيْ وَهِيَ روُحِي التي بَيْنَ جَنْبِيّ) نور الأبصار ص 52. 32- قال النبي- ص -: (فاطِمَة سيِّدَةُ نِساءِ أُمَّتِي)سير أعلام النبلاء ج 2 ص 127/صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة/مجمع الزوائد ج 2 ص 201/إسعاف الراغبين ص 187. 33- قال النبي- ص -: (فاطِمَة شُجْنَةٌ مِنّي يَبْسُطُنِي ما يَبْسُطُها وَيَقْبِضُنِي ما يَقْبُضُها) مستدرك الصحيحين ج 3 باب مناقب فاطِمَة ص 168/ كنز العمّال ج 13ص 96/ منتخب كنز العمّال ج 5 ص 97/ سير أعلام النبلاء ج 2 ص 132. 34- قال النبي- ص -: ( فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي يُؤلِمُها ما يُؤْلِمُنِي وَيَسَرُّنِي ما يَسُرُّها) مناقب الخوارزمي ص 353. 35- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي مَنْ آْذاهَا فَقَدْ آذانِي) السنن الكبرى ج 10 باب من قال: لا تجوز شهادة الوالد لولده ص 201/ كنز العمّال ج 13 ص 96/نور الأبصار ص52/ ينابيع المودّة ج 2 ص 322. 36- قال النبي- ص -: (فاطِمَة بَهْجَةُ قَلْبِي وَابْناها ثَمْرَةُ فُؤادِي) ينابيع الموّدة ج 1 باب 15 ص 243. 37- قال النبي- ص -: (فاطِمَة لَيْسَتْ كَنِساءِ الآدَميّين)مجمع الزوائد ج 9 ص 202. 38- قال النبي- ص -: (فاطِمَة مُضْغَةٌ مِنّي يَقْبِضُني ما قَبَضَها وَيَبْسُطُني ما بَسَطَها) السنن الكبرى ج 7 ص 64باب الأنساب كلها منقطعة يوم القيامة /منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص96. 39- قال النبي- ص -: (فاطِمَة إِنّ اللّهَ يَغْضِبُ لِغَضَبَكِ)الصواعق المحرقة ص 175/ مستدرك الحاكم، باب مناقب فاطمة / مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 351. 40- قال النبي- ص -: (فاطِمَة إِنّ اللّهَ غَيْرُ مُعَذِّبِكِ وَلا أَحَدٍ مِنْ وُلْدِكِ) كنز العمّال ج13 ص96/ منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج5 ص97/إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص118 والحمد لله رب العالمين ----------------------------------- والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين يا علي أنت العلي الذي فوق العلا رفعا00لولاك ربي ماخلق جنة ولانار أخوكم محب أهل البيت عليهم السلام (( سيف العرب))
  21. بسم الله الرحمان الرحيم الحمدالله رب العالمين الرحمان الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اهدانا السراط المستقيم سراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين والله يرحم جميع الأموات ياااااااااارب بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين اللهم ارزقنا شفاعتهم يوم الجزاء الاكبر
  22. اللهم اني اعوذ بك من نفس لا تشبع ،ومن قلب لا يخشع، ومن علم لا ينفع، ومن صلاة لا ترفع، ومن دعاء لا يسمع، اللهم ما بنا من نعمة فمنك لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك..
  23. اللهُمَ صَلْ عَلىَ مُحَمَدٍ وََ آَلِ مُحَمَدٍ الطَيِبِين الطَاهِرَينْ المُنْتَجَبِين وَعَجِلْ فَرَجَهُمْ وألعن اعدائهم الى قيام يوم الدين يا الله يا كريم السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السلام عليك يا وارث نوح نبي الله السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله السلام عليك يا وارث موسى كليم الله السلام عليك يا وارث عيسى روح الله السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ابن محمد المصطفى السلام عليك يا ابن علي المرتضى السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره و الوتر الموتور . السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى آل بيت الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفناء الحسين لي خمسة أهل العبا اطفي بهم حر الوبا المصطفى والمرتضى وفاطم وابناهما النجبا نادي عليا مظهر العجائب تجده عونا لك في النوائب كل هم وغم سينجلي بولايتك يا علي يا علي يا علي السلام على المكسور ضلعها السلام على المسلوب حقها السلام على المخفي قبرها ... السلام على المسقط جنينها... السلام على من ابكت مصيبتها شيعتها .. السلام على الشفيعه ...السلام على من اورثت في قلبوبنا الفجيعه
  24. السلام على الزهراء وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها السلام على المكسور ضلعها السلام على المسلوب حقها السلام على المخفي قبرها ... السلام على المسقط جنينها... السلام على من ابكت مصيبتها شيعتها .. السلام على الشفيعه ... السلام على من اورثت في قلبوبنا الفجيعه السلام عليك يا ابنة ابيك السَّلامُ عَلى أُمِّ الْمَسْموم السَّلامُ عَلى أُمِّ الْمَهْضوم السَّلامُ عَلى أُمِّ الْمَحْروم السَّلامُ علَى السِّرِّ الْمَكْتوم السَّلام عَلى الْمُتَصَرِّفَةِ في النُّجوم السَّلام عَلى كاشِفَةِ الْهُمومِ وَالْغـُموم السَّلامُ عَلى مَنْ أَحَبَّها غَيْرُ مَلوم السَّلامُ عَلى التّي مَنْ عَرَفَها لَهُ حَقُّ مَعْلوم السَّلامُ عَلَيكِ يا سَيِّدَتي وَمَولاتي يا فاطِمَة الزَّهْراء والمعذرة سيدتي فكل في حقك مقصر...
  25. بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، احسنت ياختي وجزاك الله الف خير لنقلك للحادثه والكرامات لااهل البيت صلوات الله عليهم وسلامه
×
×
  • Create New...