Jump to content
منتدى البحرين اليوم

حبر ورق

الاعضاء الفعالين
  • مشاركات

    62
  • انضم

  • آخر زيارة

عن حبر ورق

Previous Fields

  • الجنس
    ذكر
  • سنة الميلاد
    1974

حبر ورق الانجازات

Newbie

Newbie (1/14)

0

الشهرة

  1. بعد انقطاع عن المنتدى اعود لأرى موضوع قيم عن احد كتاب الوحي رضي الله عنهم اخي الفاضل عيسى الساده جزاك الله خير(لكن لتعلم ان الحقائق منذ زمن بعيد قد طمست وقد حرفت واصبحت للبعض حقيقة وواقع اخترعوها وتمسكو بها فلانقدر انا وانت الا ان ندعي لهم بالهداية )
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، ساكتب كلام لم انقلة انما يصدر من عقلي وقلبي كثر الحديث هذة الايام عن وجود اناس يتعبون المذهب الوهابي وهذا كلام مركب من جهل لان الامام لم يدعو الى مذهب معين وانما كانت الجزيرة تكثر بها البدع وابتعد الناس عن السنة الحقيقية سنة الرسول صلى الله علية وسلم والصحابة رضي الله عنهم فهو سلفي المعتقد وكلنا انشاءالله سلفيون والوهابيه هم اهل السنة والجماعه يتبعون مايلي اولاالقران ثانيا الرسول صلى الله عليه وسلم ثالثا ابابكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين على حيدر رضي الله عنهم جميعا والتابعين والائمة الحنبلي ومالك والشافعي وابي حنيفة رحمهم الله وشيخ الاسلام ابن تيميه وكل عالم لايخرج عن السنة والقران الكريم فكلمو وهابي تطلق للفتنه وليس لها وجود اصلا ومن يقرأ كتب الامام محمد ابن عبدالوهاب رحمة الله لن يجد اي فكرة او معتقد جديد يطرحة انما ساق كتبة ومعتقدة من الاصول التي ذكرناها وعندما يربط باي عمل اجرامي او تفجيري على انه اتباع الوهابية انما هو كذب وافتراء لان لم يذكر في كتب الامام اي تكفير لاي معتقد للمسلمين الا مانص عليه القران والرسول صلى الله عليه وسلم واي شخص يرى ان هناك فرق واحد بين اهل السنة ومحمد ابن عبالوهاب فليتفضل يذكر الفرق ثم احب انبة المشرفين على عدم المساس بالامام في منتدى محرم واي منتدى اخر لانه امام لدينا وهو معتبر ولة ثقل لدينا لما قام بافضال كثيرة في محاربة البدع
  3. معتقد اهل السنة والجماعة واضحة كوضوح الشمس لامعصوم لدينا الا الانبياء صلوات الله وسلامة عليهم اما الصحابة فهم خير الناس بعد الانبياء هم من حمل السنة من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من جمع القران من نقل الاحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فتح بلاد المجوس وسائر دول الكفار اليس من حقهم ان نستغفر لهم اليس القران هو اساس الاسلام قام بمدحهم والترضي عنهم انا باعتقادي القصير المدى كل من يتعرض للصحابة هو يتعرض للسنة ويتعرض للقران الكريم لان سوء الظن بهم واخراجهم عن المله هو الشك بالسنة والقران الذي قامو بجمعه والسنة التي قامو بنقلها عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم
  4. تابع الصلاه مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ - مَسْأَلَةٌ : النَّحْنَحَةُ وَالسُّعَالُ وَالنَّفْخُ وَالْأَنِينُ فِي الصَّلَاةِ وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ النَّحْنَحَةِ وَالسُّعَالِ وَالنَّفْخِ وَالْأَنِينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ : فَهَلْ تَبْطُلُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ مِنْ هَذَا أَوْ غَيْرِهِ ؟ وَفِي أَيِّ مَذْهَبٍ ؟ وأيش الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ؟ شرح: 1 2 3 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ } . وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَمِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ } قَالَ : زَيْدُ بْنُ أَرْقَم فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ . وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ : عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ إصْلَاحَ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَالْعَامِدُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ وَأَنَّ الْكَلَامَ مُحَرَّمٌ . ( قُلْت وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَالْمُتَكَلِّمِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ . إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَاللَّفْظُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ . ( أَحَدُهَا أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا مَعَ لَفْظٍ غَيْرِهِ كَفِي وَعَنْ فَهَذَا الْكَلَامُ مِثْلُ : يَدٍ وَدَمٍ وَفَمٍ وَخَدٍّ . ( الثَّانِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى بِالطَّبْعِ كَالتَّأَوُّهِ وَالْأَنِينِ وَالْبُكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ( الثَّالِثُ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى لَا بِالطَّبْعِ وَلَا بِالْوَضْعِ كَالنَّحْنَحَةِ فَهَذَا الْقِسْمُ كَانَ أَحْمَد يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ وَذَكَرَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالنَّحْنَحَةِ . فَإِنْ قُلْنَا : تَبْطُلُ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ فَوَجْهَانِ . فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ فِيهَا ثَلَاثَةً : ( أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ ؛ بَلْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ . ( وَالثَّانِي تَبْطُلُ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَالِكٍ . ( وَالثَّالِثُ إنْ فَعَلَهُ لِعُذْرِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَالُوا : إنْ فَعَلَهُ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ وَإِصْلَاحِهِ لَمْ تَبْطُلْ قَالُوا : لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ كَثِيرًا فَرَخَّصَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ . وَمَنْ أَبْطَلَهَا قَالَ : إنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَرْفَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْقَهْقَهَةَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حَرَّمَ التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ : { إنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ الْكَلَامَ . وَالنَّحْنَحَةَ لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ أَصْلًا فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ بِنَفْسِهَا وَلَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعْنًى وَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهَا مُتَكَلِّمًا وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مُرَادُهُ بِقَرِينَةٍ فَصَارَتْ كَالْإِشَارَةِ .
  5. تابع الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ - مَسْأَلَةٌ : قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ { حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اقْرَأْ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ } { وَعَنْ أَبِي أمامة قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ } { وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ فَلَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك } فَهَلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ . أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مَأْجُورِينَ ؟ شرح: 1 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الْأَحَادِيثُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَكَانَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَدْعُو بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ وَالْمَأْمُومُونَ جَمِيعًا لَا فِي الْفَجْرِ وَلَا فِي الْعَصْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ أَصْحَابَهُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُعَلِّمُهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ عَقِيبَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ . فَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ يَسْتَغْفِرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : { لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } . وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُهَلِّلُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ : { لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ رَفْعَ النَّاسِ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } . وَفِي لَفْظٍ كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ . وَالْأَذْكَارُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهَا الْمُسْلِمِينَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ : أَحَدُهَا : { أَنَّهُ يُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ . فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ . لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . وَالثَّانِي : يَقُولُهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَيَضُمُّ إلَيْهَا " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَالثَّالِثُ : يَقُولُ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقُولَ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَقُولَ كُلَّ وَاحِدَةٍ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَالثَّلَاثُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَالْخَامِسُ : يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ لِيُتِمَّ مِائَةً . وَالسَّادِسُ : يَقُولُ : الثَّلَاثَةَ عَشْرًا عَشْرًا . فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ . فَدُعَاؤُهُ لَهُ وَمَسْأَلَتُهُ إيَّاهُ وَهُوَ يُنَاجِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ وَدُعَائِهِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ . وَأَمَّا الذِّكْرُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ فَكَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هُوَ مِثْلَ مَسْحِ الْمِرْآةِ بَعْدَ صِقَالِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ نُورٌ فَهِيَ تَصْقُلُ الْقَلْبَ كَمَا تُصْقَلُ الْمِرْآةُ ثُمَّ الذِّكْرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَسْحِ الْمِرْآةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قِيلَ : إذَا فَرَغْت مِنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا فَانْصَبْ فِي الْعِبَادَةِ وَإِلَى رَبِّك فَارْغَبْ . وَهَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ . وَخَرَجَ شريح الْقَاضِي عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْحَاكَّةِ يَوْمَ عِيدٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فَقَالَ : مَا لَكُمْ تَلْعَبُونَ ؟ قَالُوا : إنَّا تَفَرَّغْنَا قَالَ : أَوَبِهَذَا أُمِرَ الْفَارِغُ ؟ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } . وَيُنَاسِبُ هَذَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } { قُمِ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } { إنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا } أَيْ ذَهَابًا وَمَجِيئًا وَبِاللَّيْلِ تَكُونُ فَارِغًا . وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ : إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ النَّوْمِ يُقَالُ نَشَأَ إذَا قَامَ بَعْدَ النَّوْمِ ؛ فَإِذَا قَامَ بَعْدَ النَّوْمِ كَانَتْ مُوَاطَأَةُ قَلْبِهِ لِلِسَانِهِ أَشَدَّ لِعَدَمِ مَا يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَزَوَالِ أَثَرِ حَرَكَةِ النَّهَارِ بِالنَّوْمِ وَكَانَ قَوْلُهُ ( أَقْوَمُ . وَقَدْ قِيلَ : { فَإِذَا فَرَغْتَ } مِنْ الصَّلَاةِ { فَانْصَبْ } فِي الدُّعَاءِ { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } . وَهَذَا الْقَوْلُ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الدُّعَاءَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ . وَدُعَاؤُهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ . يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الصَّحِيحِ لَمَّا ذَكَرَ التَّشَهُّدَ قَالَ : { ثُمَّ لِيَتَخَيَّر مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ } وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا دُعَاءَهُ فِي صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ . وَأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ . فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا ذَكَرَ التَّشَهُّدَ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ مَنْ أَدْرَجَهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ . فَفِيهَا أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ جَعَلَ ذَلِكَ قَضَاءً لِلصَّلَاةِ فَهَكَذَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُفَسِّرُ فَرَاغًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } أَيْ فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ : إذَا فَرَغْت مُطْلَقٌ وَلِأَنَّ الْفَارِغَ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَارِغُ مِنْ الْعِبَادَةِ فَالدُّعَاءُ أَيْضًا عِبَادَةٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَرَاغُ مِنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا بِالصَّلَاةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ . يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الصَّلَاةَ يُدْعَى فِيهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ : { اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ } وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : { اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ . أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ } . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَثَبَتَ عَنْهُ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْلِ أَوْ فِي الْفَرْضِ وَتَوَاتَرَ عَنْهُ الدُّعَاءُ آخِرَ الصَّلَاةِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا فِي آخِرِهَا فَكَيْفَ يَقُولُ : إذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ وَاَلَّذِي فَرَغَ مِنْهُ هُوَ نَظِيرُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَانَ نَاصِبًا فِي الدُّعَاءِ لَا فَارِغًا . ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ إنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ يَكُونُ أَوْكَدَ وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ : ( فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ : { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ . فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشَيْئَيْنِ : أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعِبَادَةِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَشْغَالِهِ وَأَنْ تَكُونَ رَغْبَتُهُ إلَى رَبِّهِ لَا إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فَقَوْلُهُ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ } مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَانْصَبْ . وَقَوْلُهُ : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ : { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَقَوْلُهُ : { هُوَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } وَقَوْلُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وَمِنْهُ الَّذِي يُرْوَى عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ : { اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك وَأَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَك وَرَغِبَ إلَيْك } وَالْأَثَرُ الْآخَرُ وَإِلَيْك الرغباء وَالْعَمَلُ وَذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ نَوْعَانِ : دُعَاءُ عِبَادَةٍ وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ وَرَغْبَةٍ فَقَوْلُهُ : { فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } يَجْمَعُ نَوْعَيْ دُعَاءِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } الْآيَةَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ . وَأَمَّا لَفْظُ " دُبُرَ الصَّلَاةِ " فَقَدْ يُرَادُ بِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَلِي آخِرَ جُزْءٍ مِنْهُ . كَمَا فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهُ وَمِثْلُهُ لَفْظُ " الْعَقِبِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجُزْءَ الْمُؤَخَّرَ مِنْ الشَّيْءِ كَعَقِبِ الْإِنْسَانِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَلِي ذَلِكَ . فَالدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْهَا لِيُوَافَقَ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ أَوْ يُرَادَ بِهِ مَا يَلِي آخِرَهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا سُمِّيَ ذَلِكَ قَضَاءً لِلصَّلَاةِ وَفَرَاغًا مِنْهَا حَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَّا السَّلَامُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ ؛ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَا تَبْطُلُ سَائِرُ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَكُونُ مُطْلَقًا أَوْ مُجْمَلًا . وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ مَا بَعْدَ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَرِّعَ سُنَّةً بِلَفْظِ مُجْمَلٍ يُخَالِفُ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ بِالْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ . وَالنَّاسُ لَهُمْ فِي هَذِهِ فِيمَا بَعْدَ السَّلَامِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى قُعُودَ الْإِمَامِ مُسْتَقْبِلَ الْمَأْمُومِ لَا بِذِكْرِ وَلَا دُعَاءٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَحُجَّتُهُمْ مَا يُرْوَى عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَدِيمَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ السَّلَامِ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ قِيَامَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ انْصِرَافَهُ مُسْتَقْبِلَ الْمَأْمُومِينَ بِوَجْهِهِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ يُحَصِّلُ هَذَا الْمَقْصُودَ وَهَذَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى دُعَاءَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَلَيْسَ مَعَ هَؤُلَاءِ بِذَلِكَ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ التَّمَسُّكُ بِلَفْظِ مُجْمَلٍ أَوْ بِقِيَاسِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ بِوَقْتِ صَلَاةٍ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الدُّعَاءُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةُ الصَّحِيحَةُ بَلْ الْمُتَوَاتِرَةُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُجْمَلٍ وَلَا إلَى قِيَاسٍ . وَأَمَّا قَوْلُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اقْرَأْ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ فَهَذَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا . وَأَمَّا { حَدِيثُ أَبِي أمامة قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ } فَهَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَخُصَّ مَا بَعْدَ السَّلَامِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَا قَبْلَ السَّلَامِ . وَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ يَعُمُّ مَا قَبْلَ السَّلَامِ وَمَا بَعْدَهُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَمِيعًا بَعْدَ السَّلَامِ سُنَّةً كَمَا لَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ بَلْ إذَا دَعَا كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَهَذَا لَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : { لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك } يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ . وَيَتَنَاوَلُ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي إمَامًا بِقَوْمِهِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إمَامًا وَقَدْ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ مُعَلِّمًا لَهُمْ فَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُجْتَمِعَيْنِ عَلَى ذَلِكَ كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ لَكَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك فَلَمَّا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْرَع لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ . وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : { كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ : فَسَمِعْته يَقُولُ : رَبِّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك أَوْ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَك } فَهَذَا فِيهِ دُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ كَمَا فِي حَدِيثِ مَعَاذٍ وَكِلَاهُمَا إمَامٌ . وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْمَأْمُومِينَ وَأَنَّهُ لَا يَدْعُو بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ مُعَاذٍ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ الْأَحْكَامَ : فِي الْأَدْعِيَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ مُوَافِقَةً لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } . وَفِي السُّنَنِ { أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلِ : مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : أَتَشَهَّدُ ثُمَّ أَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ أَمَا وَاَللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ } رَوَاهُ أَبُو داود وَأَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ دَنْدَنَتَهُمَا أَيْضًا بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ لِيَكُونَ نَطِيرَ مَا قَالَهُ . وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك وَحُسْنَ عِبَادَتِك وَأَسْأَلُك قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَأَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا تَعْلَمُ } رَوَاهُ النسائي . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ { : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ قَالَ : إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ } . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَحْكَامِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ . يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } . وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ يُقَالُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ : وَقَدْ رَوَى فِي لَفْظِ الدُّبُرِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِك أَنْ أُرَدّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ } . وَفِي النسائي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ } . وَفِي النسائي أَيْضًا { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ . فَقَالَتْ : إنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ فَقُلْت كَذَبْت فَقَالَتْ : بَلَى إنَّا لَنَقْرِضُ مِنْهُ الْجُلُودَ وَالثَّوْبَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ : مَا هَذَا فَأَخْبَرْته بِمَا قَالَتْ قَالَ : صَدَقَتْ فَمَا صَلَّى بَعْدُ يَوْمَئِذٍ إلَّا قَالَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ : اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ } . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي " الْأَحْكَامِ " : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِدُبُرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ السَّلَامِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ . قُلْت : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا : أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ : { نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ } . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
  6. تابع الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ - مَسْأَلَةٌ : قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ
  7. تابع الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ - مَسْأَلَةٌ : مَا يَشْتَبِهُ عَلَى الطَّالِبِ لِلْعِبَادَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي صِفَاتِ الْعِبَادَاتِ - فَصْلٌ صَلَاةُ الْخَوْفِ صَلَّاهَا الرَّسُولُ مَرَّةً عَلَى وَجْهٍ وَمَرَّةً عَلَى وَجْهٍ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا يَشْتَبِهُ عَلَى الطَّالِبِ لِلْعِبَادَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَذْكُرُهَا : وَهِيَ أَيُّمَا أَفْضَلُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ تَرْكُ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْ الْجَهْرِ بِهَا ؟ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَمْ تَرْكُهُ أَمْ فِعْلُهُ أَحْيَانًا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ؟ وَكَذَلِكَ فِي الْوِتْرِ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ طُولُ الصَّلَاةِ وَمُنَاسَبَةُ أَبْعَاضِهَا فِي الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا بِحَسَبِ مَا اعْتَادُوهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ؟ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ مَعَ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ مُدَاوَمَةُ الْجَمْعِ أَمْ فِعْلُهُ أَحْيَانًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ؟ وَهَلْ قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ بِدْعَةٌ أَمْ سُنَّةٌ أَمْ قِيَامُ بَعْضِهِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِهِ كُلِّهِ ؟ وَكَذَلِكَ سَرْدُ الصَّوْمِ أَفْضَلُ أَمْ صَوْمُ بَعْضِ الْأَيَّامِ وَإِفْطَارُ بَعْضِهَا ؟ وَفِي الْمُوَاصَلَةِ أَيْضًا ؟ وَهَلْ لُبْسُ الْخَشِنِ وَأَكْلُهُ دَائِمًا أَفْضَلُ أَمْ لَا ؟ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ أَمْ تَرْكُهَا ؟ أَمْ فِعْلُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ . وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ بِالنَّوَافِلِ فِي السَّفَرِ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَمْ الْفِطْرُ ؟ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ لِمَرَضِ أَوْ يُخَافُ مِنْهُ الضَّرَرُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَ الْوُضُوءِ فِيمَا ذُكِرَ أَمْ لَا ؟ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ فِي إغْمَاءِ هِلَالِ رَمَضَانَ الصَّوْمُ أَمْ الْفِطْرُ ؟ أَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؟ أَمْ يُسْتَحَبُّ فِعْلُ أَحَدِهِمَا ؟ وَهَلْ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ هَلْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ سُنَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ ؟ أَمْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ وَالرَّاتِبَيْنِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ . شرح: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا النِّزَاعُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ الْعِبَادَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : مِنْهَا : مَا ثَبَتَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْأَفْضَلِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِأَيِّ قِرَاءَةٍ شَاءَ مِنْهَا كَالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَذِهِ يَقْرَأُ الْمُسْلِمُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضَهَا لِسَبَبِ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الِاسْتِفْتَاحَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَأَنْوَاعِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي كَانَ يَدْعُو بِهَا فِي صَلَاتِهِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا سَائِغَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَنَا مِمَّا فَعَلَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي التَّشَهُّدِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ . وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } فَالدُّعَاءُ بِهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ : { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ } وَهَذَا أَيْضًا قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَمَرَ بِهِ . وَمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهِ فَهُوَ أَوْكَدُ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهِ . وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي كَانَ يُكَرِّرُهُ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أَوْكَدُ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ . الْقِسْمُ الثَّانِي : مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ كَانَتْ عِبَادَتُهُ صَحِيحَةً وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ؛ لَكِنْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْأَفْضَلِ وَفِيمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ وَمَسْأَلَةُ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَصِفَةُ الِاسْتِعَاذَةِ وَنَحْوُهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَنْ خَافَتَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَعَلَى أَنَّ مَنْ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَنْ لَمْ يَقْنُتْ فِيهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهَا لَا تَجِبُ وَتَنَازَعُوا أَيْضًا فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَتِهَا وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهَا مُسْتَحَبَّةٌ . وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُصَلِّيَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ وَالْمَأْمُومُ يَرَى أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَطْهُرُ أَوْ يَحْتَجِمَ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَالْمَأْمُومُ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ . وَالصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ خَلْفَ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ : لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ } . وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى الْمَأْمُومُ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ قَنَتَ مَعَهُ سَوَاءٌ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ . وَإِنْ كَانَ لَا يَقْنُتُ لَمْ يَقْنُتْ مَعَهُ . وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى اسْتِحْبَابَ شَيْءٍ وَالْمَأْمُومُونَ لَا يَسْتَحِبُّونَهُ فَتَرْكُهُ لِأَجْلِ الِاتِّفَاقِ والائتلاف : كَانَ قَدْ أَحْسَنَ . مِثَالُ ذَلِكَ الْوِتْرُ فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِثَلَاثِ مُتَّصِلَةٍ . كَالْمَغْرِبِ : كَقَوْلِ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا رَكْعَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا كَقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَخْتَارُونَ فَصْلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْفَصْلَ فَاخْتَارَ الْمَأْمُومُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كَالْمَغْرِبِ فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : { لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَلَأَلْصَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ } فَتَرَكَ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ : لِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَجُلٌ يَرَى الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فَأَمَّ بِقَوْمِ لَا يَسْتَحِبُّونَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ وَوَافَقَهُمْ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْأَفْضَلِ فَهُوَ بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ السُّنَّةِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ اعْتَقَدَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْنُتْ إلَّا شَهْرًا ثُمَّ عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ لَهُ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ مَنْسُوخٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ L أهل الْحِجَازِ اعْتَقَدُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ . وَالصَّوَابُ هُوَ " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ . وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وذكوان وَعُصَيَّةَ ثُمَّ تَرَكَ هَذَا الْقُنُوتَ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَنَتَ وَكَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ : { اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْمُسْتَضْعَفِين مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ أَشْدِدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِّي يُوسُفَ } . فَلَوْ كَانَ قَدْ نُسِخَ الْقُنُوتُ لَمْ يَقْنُتْ هَذِهِ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ { قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَكْثَرُ قُنُوتِهِ كَانَ فِي الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى الْقُنُوتِ لَا فِي الْفَجْرِ وَلَا غَيْرِهَا ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَمْ يَقْنُتْ بَعْدَ الرُّكُوعِ إلَّا شَهْرًا } . فَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : { مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا } إنَّمَا قَالَهُ فِي سِيَاقِهِ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ عَارَضَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَإِنَّ الرَّبِيعَ بْنَ أَنَسٍ لَيْسَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ فَكَيْفَ وَهُوَ لَمْ يُعَارِضْهُ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الْقِيَامَ فِي الْفَجْرِ دَائِمًا قَبْلَ الرُّكُوعِ . وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي الْفَجْرِ دَائِمًا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ بِدُعَاءِ يُسْمَعُ مِنْهُ أَوْ لَا يُسْمَعُ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ عَلِمَ هَذَا بِالضَّرُورَةِ وَعَلِمَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَنَقَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَلَمَا أَهْمَلُوا قُنُوتَهُ الرَّاتِبَ الْمَشْرُوعَ لَنَا مَعَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا قُنُوتَهُ الَّذِي لَا يُشْرَعُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُشْرَعُ نَظِيرُهُ ؛ فَإِنَّ دُعَاءَهُ لِأُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ وَعَلَى أُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ لَيْسَ بِمَشْرُوعِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ إنَّمَا يُشْرَعُ نَظِيرُهُ . فَيُشْرَعُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهَكَذَا كَانَ عُمَرُ يَقْنُتُ لَمَّا حَارَبَ النَّصَارَى بِدُعَائِهِ الَّذِي فِيهِ : " اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " إلَى آخِرِهِ . وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا حَارَبَ قَوْمًا قَنَتَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَيَنْبَغِي لِلْقَانِتِ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ كُلِّ نَازِلَةٍ بِالدُّعَاءِ الْمُنَاسِبِ لِتِلْكَ النَّازِلَةِ وَإِذَا سَمَّى مَنْ يَدْعُو لَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا . وَأَمَّا قُنُوتُ الْوَتَرِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : لَا يُسْتَحَبُّ بِحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ . وَقِيلَ : بَلْ يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَمَا يُنْقَلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دُعَاءً يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَقِيلَ : بَلْ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ . كَمَا كَانَ أبي بْنُ كَعْبٍ يَفْعَلُ . وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ قُنُوتَ الْوِتْرِ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ السَّائِغِ فِي الصَّلَاةِ مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ . كَمَا يُخَيَّرُ الرَّجُلُ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثِ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَكَمَا يُخَيَّرُ إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثِ إنْ شَاءَ فَصَلَ وَإِنْ شَاءَ وَصَلَ . وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِذَا صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ فَإِنْ قَنَتَ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ قَنَتَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالِ فَقَدْ أَحْسَنَ . كَمَا أَنَّ نَفْسَ قِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا ؛ بَلْ كَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةِ رَكْعَةً لَكِنْ كَانَ يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ فَلَمَّا جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أبي بْنِ كَعْبٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثِ وَكَانَ يُخِفُّ الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الرَّكَعَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَقُومُونَ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثِ وَآخَرُونَ قَامُوا بِسِتِّ وَثَلَاثِينَ وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثِ وَهَذَا كُلُّهُ سَائِغٌ فَكَيْفَمَا قَامَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ أَحْسَنَ . وَالْأَفْضَلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ احْتِمَالٌ لِطُولِ الْقِيَامِ فَالْقِيَامُ بِعَشْرِ رَكَعَاتٍ وَثَلَاثٍ بَعْدَهَا . كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ هُوَ الْأَفْضَلُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَحْتَمِلُونَهُ فَالْقِيَامُ بِعِشْرِينَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ الْعَشْرِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ قَامَ بِأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا جَازَ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ فِيهِ عَدَدٌ مُوَقَّتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ السَّعَةُ فِي نَفْسِ عَدَدِ الْقِيَامِ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِزِيَادَةِ الْقِيَامِ لِأَجْلِ دُعَاءِ الْقُنُوتِ أَوْ تَرْكِهِ كُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ حَسَنٌ . وَقَدْ يَنْشَطُ الرَّجُلُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ تَطْوِيلَ الْعِبَادَةِ وَقَدْ لَا يَنْشَطُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ تَخْفِيفَهَا . وَكَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَةً . إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَإِذَا خَفَّفَ الْقِيَامَ خَفَّفَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
  8. تابع الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ - فَصْلٌ فِي إقَامِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا وَأَيْضًا فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَعْتَدِلَ الرَّجُلُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَنْتَصِبَ مِنْ السُّجُودِ . فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الِاعْتِدَالِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ مَسْأَلَةَ الطُّمَأْنِينَةِ - : فَهِيَ تُنَاسِبُهَا وَتُلَازِمُهَا . وَذَلِكَ : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ . فَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِدَالُ لِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . فَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِمَا أَوْجَبُ . وَذَلِكَ : أَنَّ قَوْلَهُ { يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } أَيْ عِنْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْهُمَا . فَإِنَّ إقَامَةَ الظَّهْرِ تَكُونُ مِنْ تَمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . لِأَنَّهُ إذَا رَكَعَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ حِينِ يَنْحَنِي إلَى أَنْ يَعُودَ فَيَعْتَدِلَ وَيَكُونُ السُّجُودُ مِنْ حِينِ الْخُرُورِ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ إلَى حِينِ يَعُودُ فَيَعْتَدِلُ . فَالْخَفْضُ وَالرَّفْعُ : هُمَا طَرَفَا الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَمَامُهُمَا . فَلِهَذَا قَالَ : { يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } . وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ هَذَا مِنْ الِاعْتِدَالَيْنِ كَوُجُوبِ إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ : { ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَسْجُدُ فَيُمَكِّنُ وَجْهَهُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ } . فَأَخْبَرَ أَنَّ إقَامَةَ الصُّلْبِ فِي الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ لَا فِي حَالِ الْخَفْضِ . وَالْحَدِيثَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ بَيَّنَ فِيهِمَا وُجُوبَ هَذَيْنِ الِاعْتِدَالَيْنِ وَوُجُوبَ الطُّمَأْنِينَةِ ؛ لَكِنْ قَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ { حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا } . وَقَالَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ { حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا وَحَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا } لِأَنَّ الْقَائِمَ يَعْتَدِلُ وَيَسْتَوِي . وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلطُّمَأْنِينَةِ . وَأَمَّا الرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ فَلَيْسَا مُنْتَصِبَيْنِ . وَذَلِكَ الْجَالِسُ لَا يُوصَفُ بِتَمَامِ الِاعْتِدَالِ وَالِاسْتِوَاءِ . فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ انْحِنَاءٌ إمَّا إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّوَرُّكِ وَإِمَّا إلَى أَمَامِهِ . لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا مُنْحَنِيَةٌ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ وَمُعْتَدِلَةٌ . مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى ابْنُ ماجه : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ { حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا } . وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شيبان الْحَنَفِيِّ قَالَ { خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ فَلَمَحَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ رَجُلًا لَا يُقِيمُ صَلَاتَهُ - يَعْنِي صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ - فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَابْنُ ماجه وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَد : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ } . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ إقَامَةَ الصُّلْبِ : هِيَ الِاعْتِدَالُ فِي الرُّكُوعِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَسَّرُوا ذَلِكَ بِنَفْسِ الطُّمَأْنِينَةِ . وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا عَلَى الِاعْتِدَالَيْنِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ : فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ؟ قَالَ : لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا } أَوْ قَالَ { لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } وَهَذَا التَّرَدُّدُ فِي اللَّفْظِ ظَاهِرُهُ : أَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا شَكَّ فِي اللَّفْظِ . كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ . وَأَيْضًا : فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ } أَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وَابْنُ ماجه . وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ - وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَجْنَاسِ - لِأَنَّهُ يَجْمَعُهَا مُشَابَهَةُ الْبَهَائِمِ فِي الصَّلَاةِ فَنَهَى عَنْ مُشَابَهَةِ فِعْلِ الْغُرَابِ وَعَمَّا يُشْبِهُ فِعْلَ السَّبُعِ وَعَمَّا يُشْبِهُ فِعْلَ الْبَعِيرِ وَإِنْ كَانَ نَقْرُ الْغُرَابِ أَشَدَّ مِنْ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اعْتَدِلُوا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَبْسُطَنَّ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ } لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : { أَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِينَ . فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ . يُمْهِلُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا } فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقَ يُضَيِّعُ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَيُضَيِّعُ فِعْلَهَا وَيَنْقُرُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ذَمِّ هَذَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا تَارِكًا لِلْوَاجِبِ . وَذَلِكَ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ فِي أَنَّ نَقْرَ الصَّلَاةِ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّهُ مَنْ فِعْلِ مَنْ فِيهِ نِفَاقٌ . وَالنِّفَاقُ كُلُّهُ حَرَامٌ . وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا . وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِحَدِيثِ قَبْلَهُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا } وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يَنْقُرُ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ بِالِاعْتِدَالِ وَالطُّمَأْنِينَةِ . وَالْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَمْثَالِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قُوتُ الْقُلُوبِ كَمَا أَنَّ الْغِذَاءَ قُوتُ الْجَسَدِ . فَإِذَا كَانَ الْجَسَدُ لَا يَتَغَذَّى بِالْيَسِيرِ مِنْ الْأَكْلِ فَالْقَلْبُ لَا يَقْتَاتُ بِالنَّقْرِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ تَامَّةٍ تُقِيتُ الْقُلُوبَ . وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْعَامَّةِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " رَأَى رَجُلًا يَنْقُرُ فِي صَلَاتِهِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالَ : لَوْ نَقَرَ الْخَطَّابُ مِنْ هَذِهِ نَقْرَةً لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ . فَسَكَتَ عَنْهُ عُمَرُ " فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا بَلَغَنِي لَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا فِي الضَّعِيفِ . وَالْكَذِبُ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ . فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ نَقَرُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ . وَأَيْضًا : فَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ الشَّامِيِّ قَالَ : { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ . فَقَالَ : تَرَوْنَ هَذَا ؟ لَوْ مَاتَ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ يَنْقُرُ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الرِّمَّةَ . إنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالْجَائِعِ لَا يَأْكُلُ إلَّا تَمْرَةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ لَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا . فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ . وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ وَأَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ } قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَقُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ : مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَ : أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ : خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَمْرُو بْنُ العاص ؛ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ . كُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خزيمة فِي صَحِيحِهِ بِكَمَالِهِ . وَرَوَى ابْنُ ماجه بَعْضَهُ . وَأَيْضًا : فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ : " أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ . فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : مَا صَلَّيْت وَلَوْ مُتّ مُتّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُ أَبِي وَائِلٍ { مَا صَلَّيْت - وَأَحْسَبُهُ قَالَ : لَوْ مُتّ مُتّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الَّذِي لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ أَوْ تَرَكَ كِلَاهُمَا . فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ ذَلِكَ إذْ نَقْرُ الْغُرَابِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَالْهُبُوطِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَى السُّجُودِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ مَعَ الْإِتْيَانِ بِمَا قَدْ يُقَالُ : إنَّهُ رُكُوعٌ أَوْ سُجُودٌ . وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ يَأْتِي بِمَا قَدْ يُقَالُ لَهُ رُكُوعٌ وَسُجُودٌ لَكِنَّهُ لَمْ يُتِمَّهُ . وَمَعَ هَذَا قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : مَا صَلَّيْت فَنَفَى عَنْهُ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَالَ : لَوْ مُتّ مُتّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ } وَكِلَاهُمَا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا : الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ فِعْلَ الْمُسْتَحَبَّاتِ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ هَذَا الذَّمَّ وَالتَّهْدِيدَ . فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَمُوتُ عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ . وَلِأَنَّ لَفْظَ " الْفِطْرَةِ وَالسُّنَّةِ " فِي كَلَامِهِمْ : هُوَ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ . وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ لَفْظَ " السُّنَّةِ " يُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِفَرْضِ إذْ قَدْ يُرَادُ بِهَا ذَلِكَ . كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } فَهِيَ تَتَنَاوَلُ مَا سَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا سَنَّهُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ . كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " إنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى . وَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَإِنَّكُمْ لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ . وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ . وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ " وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } . وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَذَمَّ الْمُصَلِّينَ السَّاهِينَ عَنْهَا الْمُضَيِّعِينَ لَهَا فَقَالَ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } وَإِقَامَتُهَا : تَتَضَمَّنُ إتْمَامَهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي } وَفِي رِوَايَةٍ . { أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ } وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ دَلَالَةِ ذَلِكَ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فَأَبَاحَ اللَّهُ الْقَصْرَ مِنْ عَدَدِهَا وَالْقَصْرَ مِنْ صِفَتِهَا ؛ وَلِهَذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطَيْنِ السَّفَرِ وَالْخَوْفِ . فَالسَّفَرُ : يُبِيحُ قَصْرَ الْعَدَدِ فَقَطْ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ } وَلِهَذَا كَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ الَّتِي اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ } وَلَمْ يُصَلِّهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا قَطُّ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا فِي الْحَجِّ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ وَلَا فِي الْجِهَادِ . وَالْخَوْفُ يُبِيحُ قَصْرَ صِفَتِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَهِيَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ إذْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ . وَكَانَ فِيهَا { أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ . فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَارَقُوهُ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ } كَمَا قَالَ : { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } فَجَعَلَ السُّجُودَ لَهُمْ خَاصَّةً . فَعُلِمَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ مُنْفَرِدِينَ ثُمَّ قَالَ : { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } فَعُلِمَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ . وَفِي هَذِهِ الصَّلَاةِ تَفْرِيقُ الْمَأْمُومِينَ وَمُفَارَقَةُ الْأَوَّلِينَ لِلْإِمَامِ . وَقِيَامُ الآخرين قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } فَأَمَرَهُمْ بَعْدَ الْأَمْنِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ . وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِتْمَامَ وَتَرْكَ الْقَصْرِ مِنْهَا الَّذِي أَبَاحَهُ الْخَوْفُ وَالسَّفَرُ . فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِقَامَةِ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِإِتْمَامِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ : { فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ } فَتِلْكَ إقَامَةٌ وَإِتْمَامٌ فِي حَالِ الْخَوْفِ . كَمَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ إقَامَةٌ وَإِتْمَامٌ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } . وَهَذَا يُبَيِّنُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : قُلْت لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إقْصَارُ النَّاسِ الصَّلَاةَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ : عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } فَإِنَّ الْمُتَعَجِّبَ ظَنَّ أَنَّ الْقَصْرَ مُطْلَقًا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْأَمْنِ فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْقَصْرَ نَوْعَانِ كُلُّ نَوْعٍ لَهُ شَرْطٌ . وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ فِي السَّفَرِ تَامَّةٌ . لِأَنَّهُ بِذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ . وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُورَةً فِي الصِّفَةِ وَالْعَمَلِ إذْ الْمُصَلِّي يُؤْمَرُ بِالْإِطَالَةِ تَارَةً وَيُؤْمَرُ بِالِاقْتِصَارِ تَارَةً . وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَالْمَوْقُوتُ : قَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ بِالْمَفْرُوضِ وَفَسَّرُوهُ بِمَا لَهُ وَقْتٌ . وَالْمَفْرُوضُ : هُوَ الْمُقَدَّرُ الْمُحَدَّدُ . فَإِنَّ التَّوْقِيتَ وَالتَّقْدِيرَ وَالتَّحْدِيدَ وَالْفَرْضَ : أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ . وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ مُقَدَّرَةٌ مُحَدَّدَةٌ مَفْرُوضَةٌ مَوْقُوتَةٌ . وَذَلِكَ فِي زَمَانِهَا وَأَفْعَالِهَا وَكَمَا أَنَّ زَمَانَهَا مَحْدُودٌ : فَأَفْعَالُهَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةً مَوْقُوتَةً . وَهُوَ يَتَنَاوَلُ تَقْدِيرَ عَدَدِهَا : بِأَنْ جَعَلَهُ خَمْسًا وَجَعَلَ بَعْضَهَا أَرْبَعًا فِي الْحَضَرِ وَاثْنَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا وَبَعْضَهَا اثْنَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ . وَتَقْدِيرُ عَمَلِهَا أَيْضًا . وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعُذْرِ الْجَمْعُ الْمُتَضَمِّنُ لِنَوْعِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الزَّمَانِ كَمَا يَجُوزُ أَيْضًا الْقَصْرُ مِنْ عَدَدِهَا وَمِنْ صِفَتِهَا بِحَسَبِ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ . وَذَلِكَ أَيْضًا مُقَدَّرٌ عِنْدَ الْعُذْرِ كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ عِنْدَ غَيْرِ الْعُذْرِ . وَلِهَذَا فَلَيْسَ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ أَوْ صَلَاةَ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ وَصَلَاتَا النَّهَارِ : الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَصَلَاتَا اللَّيْلِ : الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ . وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ الَّذِينَ يُنْقِصُونَ مِنْ عَدَدِهَا وَصِفَتِهَا وَهُوَ مَوْقُوتٌ مَحْدُودٌ . وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ مَحْدُودَةَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ . فَالْقِيَامُ مَحْدُودٌ بِالِانْتِصَابِ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمُنْتَصِبِ إلَى حَدِّ الْمُنْحَنِي الرَّاكِعِ بِاخْتِيَارِهِ : لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى بِحَدِّ الْقِيَامِ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ - الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ - أَفْضَلُ مَنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ وَلَكِنْ نَفْسُ عَمَلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْقِيَامِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ عِبَادَةً بِنَفْسِهِ . وَلَمْ يَصِحَّ فِي شَرْعِنَا إلَّا لِلَّهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُقَدَّرَةٌ مَحْدُودَةٌ بِقَدْرِ التَّمَكُّنِ مِنْهَا . فَالسَّاجِدُ : عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَرْضِ وَهُوَ غَايَةُ التَّمَكُّنِ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ دُونَ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرِ وَهُوَ مِنْ حِينِ انْحِنَائِهِ أَخَذَ فِي السُّجُودِ سَوَاءٌ سَجَدَ مِنْ قِيَامٍ أَوْ مِنْ قُعُودٍ . فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ السُّجُودِ مُقَدَّرًا بِذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْجُدُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ لَا يَكُونُ سُجُودُهُ مِنْ انْحِنَاءٍ . فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُقَدَّرًا مَحْدُودًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . وَمَتَى وَجَبَ ذَلِكَ وَجَبَ الِاعْتِدَالُ فِي الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ . وَأَيْضًا : فَفِي ذَلِكَ إتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . وَأَيْضًا : فَأَفْعَالُ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا قَدْرٌ . وَذَلِكَ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ . فَإِنَّ مَنْ نَقَرَ نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يَكُنْ لِفِعْلِهِ قَدْرٌ أَصْلًا . فَإِنَّ قَدْرَ الشَّيْءِ وَمِقْدَارَهُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ وُجُودِهِ . وَلِهَذَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ الدَّائِمِ : لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ فَإِنَّ الْقَدْرَ لَا يَكُونُ لِأَدْنَى حَرَكَةٍ بَلْ لِحَرَكَةِ ذَاتِ امْتِدَادٍ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا بِإِقَامَتِهَا وَالْإِقَامَةُ : أَنْ تُجْعَلَ قَائِمَةً وَالشَّيْءُ الْقَائِمُ : هُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مُسْتَقِرَّةً مُعْتَدِلَةً . وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِثُبُوتِ أَبْعَاضِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا . وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الطُّمَأْنِينَةَ . فَإِنَّ مَنْ نَقَرَ نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يُقِمْ السُّجُودَ وَلَا يُتِمُّ سُجُودَهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ . وَكَذَلِكَ الرَّاكِعُ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ : مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ } وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صهيب عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَتِمُّوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِي } وَفِي لَفْظٍ { أَقِيمُوا الصُّفُوفَ } وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ حميد عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي . وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَبَدَنَهُ بِبَدَنِهِ } . فَإِذَا كَانَ تَقْوِيمُ الصَّفِّ وَتَعْدِيلُهُ مِنْ تَمَامِهَا وَإِقَامَتِهَا بِحَيْثُ لَوْ خَرَجُوا عَنْ الِاسْتِوَاءِ وَالِاعْتِدَالِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ هَذَا عِنْدَ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ مِنْ هَذَا لَمْ يَكُونُوا مُصْطَفِّينَ وَلَكَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْإِعَادَةِ وَهُمْ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ فَكَيْفَ بِتَقْوِيمِ أَفْعَالِهَا وَتَعْدِيلِهَا بِحَيْثُ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ - وَهُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ - مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي - وَفِي رِوَايَةٍ : مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي - إذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ } وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدستوائي وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ - وَلَفْظُ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ : أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ - وَذَكَرَهُ } . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ إقَامَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تُوجِبُ إتْمَامَهُمَا كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ . وَأَيْضًا : فَأَمْرُهُ لَهُمْ بِإِقَامَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَتَضَمَّنُ السُّكُونَ فِيهِمَا إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ بِالِانْحِنَاءِ فِي الْجُمْلَةِ ؛ بَلْ الْأَمْرُ بِالْإِقَامَةِ يَقْتَضِي أَيْضًا الِاعْتِدَالَ فِيهِمَا وَإِتْمَامَ طَرَفَيْهِمَا وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّفْعُ فِيهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لِلْمَأْمُومِينَ خَلْفَهُ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُمْ الِانْصِرَافُ قَبْلَهُ . وَأَيْضًا : فَقَوْلُهُ تَعَالَى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } أَمْرٌ بِالْقُنُوتِ فِي الْقِيَامِ لِلَّهِ وَالْقُنُوتُ : دَوَامُ الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الِانْتِصَابِ أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } وَقَالَ تَعَالَى { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } وَقَالَ { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وَقَالَ : { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي قَوْلِهِ : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ } فَيَعُمُّ أَفْعَالَهَا وَيَقْتَضِي الدَّوَامَ فِي أَفْعَالِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ : الْقِيَامَ الْمُخَالِفَ لِلْقُعُودِ فَهَذَا يَعُمُّ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ وَيَقْتَضِي الطُّولَ وَهُوَ الْقُنُوتُ الْمُتَضَمِّنُ لِلدُّعَاءِ كَقُنُوتِ النَّوَازِلِ وَقُنُوتِ الْفَجْرِ عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ . وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ هَذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ . بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . وَيُقَوِّي الْوَجْهَ الْأَوَّلَ : حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَم الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ أَحَدُنَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إلَى جَنْبِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } قَالَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ } حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ خِطَابِ الْآدَمِيِّينَ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَدَلَّ الْأَمْرُ بِالْقُنُوتِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ مُخَاطَبَةِ النَّاسِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ هُوَ دَوَامُ الطَّاعَةِ فَالْمُشْتَغِلُ بِمُخَاطَبَةِ الْعِبَادِ تَارِكٌ لِلِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ فَلَا يَكُونُ مُدَاوِمًا عَلَى طَاعَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَرُدُّ { إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا } فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ مَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّي عَنْ مُخَاطَبَةِ النَّاسِ وَهَذَا هُوَ الْقُنُوتُ فِيهَا وَهُوَ دَوَامُ الطَّاعَةِ . وَلِهَذَا جَازَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَنْبِيهُ النَّاسِي بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا . وَلَا يُنَافِي الْقُنُوتَ فِيهَا . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : { إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إلَّا مَنْ سَجَدَ إذَا ذُكِّرَ بِالْآيَاتِ وَسَبَّحَ بِحَمْدِ رَبِّهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ هِيَ تَذْكِيرٌ بِالْآيَاتِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ السُّجُودُ مَعَ ذَلِكَ . وَقَدْ أَوْجَبَ خَرُورَهُمْ سُجَّدًا وَأَوْجَبَ تَسْبِيحَهُمْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْبِيحِ فِي السُّجُودِ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الطُّمَأْنِينَةِ . وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ : إنَّ مِقْدَارَ الطُّمَأْنِينَةِ الْوَاجِبَةِ مِقْدَارُ التَّسْبِيحِ الْوَاجِبِ عِنْدَهُمْ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْخُرُورَ هُوَ السُّقُوطُ وَالْوُقُوعُ وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا يَثْبُتُ وَيَسْكُنُ لَا فِيمَا لَا يُوجَدُ مِنْهُ سُكُونٌ عَلَى الْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } وَالْوُجُوبُ فِي الْأَصْلِ : هُوَ الثُّبُوتُ وَالِاسْتِقْرَارُ . وَأَيْضًا : فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَتْ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ } . رَوَاهُ أَبُو داود وَابْنُ ماجه . فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَعْلِ هَذَيْنِ التَّسْبِيحَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ تَبَعًا لِهَذَا التَّسْبِيحِ . وَذَلِكَ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ . ثُمَّ إنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَدْ يَقُولُ : التَّسْبِيحُ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . فَإِنَّ ظَاهِرَهُمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ جَمِيعًا فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَوْلِ : لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الْفِعْلِ . وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّسْبِيحِ : فَيَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } . وَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ كُلِّهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البجلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ . فَقَالَ : إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ . فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا . ثُمَّ قَرَأَ : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } } . وَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّى الصَّلَاةَ تَسْبِيحًا فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ . كَمَا أَنَّهُ لَمَّا سَمَّاهَا قِيَامًا فِي قَوْله تَعَالَى { قُمِ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا } دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ . وَكَذَلِكَ لَمَّا سَمَّاهَا قُرْآنًا فِي قَوْله تَعَالَى { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقُرْآنِ فِيهَا وَلَمَّا سَمَّاهَا رُكُوعًا وَسُجُودًا فِي مَوَاضِعَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا . وَذَلِكَ : أَنَّ تَسْمِيَتَهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَازِمَةٌ لَهَا . فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ . فَتَكُونُ مِنْ الْأَبْعَاضِ اللَّازِمَةِ كَمَا أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْإِنْسَانَ بِأَبْعَاضِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ . فَيُسَمُّونَهُ رَقَبَةً وَرَأْسًا وَوَجْهًا وَنَحْوَ ذَلِكَ . كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَلَوْ جَازَ وُجُودُ الصَّلَاةِ بِدُونِ التَّسْبِيحِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِالصَّلَاةِ . فَإِنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ . وَلَا عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ مَعْنَاهُ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَمَّ عُمُومَ الْإِنْسَانِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ . قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } { إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } { وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } { إلَّا الْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } وَالسَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ فَسَّرُوا الدَّائِمَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْمُحَافَظِ عَلَى أَوْقَاتِهَا وَبِالدَّائِمِ عَلَى أَفْعَالِهَا بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا . وَالْآيَةُ تَعُمُّ هَذَا وَهَذَا . فَإِنَّهُ قَالَ : { عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } وَالدَّائِمُ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ الْمُدِيمُ لَهُ الَّذِي يَفْعَلُهُ دَائِمًا . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَا يُفْعَلُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ : وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِحَيْثُ لَا يَفْعَلُهُ تَارَةً وَيَتْرُكُهُ أُخْرَى وَسَمَّى ذَلِكَ دَوَامًا عَلَيْهِ . فَالدَّوَامُ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ الْمُتَّصِلِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ دَوَامًا وَأَنْ تَتَنَاوَلَ الْآيَةُ ذَلِكَ . وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إدَامَةِ أَفْعَالِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَمَّ عُمُومَ الْإِنْسَانِ وَاسْتَثْنَى الْمُدَاوِمَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ . فَتَارِكُ إدَامَةِ أَفْعَالِهَا يَكُونُ مَذْمُومًا مِنْ الشَّارِعِ وَالشَّارِعُ لَا يَذُمُّ إلَّا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ . وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : { إلَّا الْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَدْ يَكُونُ دَائِمًا عَلَى صَلَاتِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ دَائِمًا عَلَيْهَا وَأَنَّ الْمُصَلِّيَ الَّذِي لَيْسَ بِدَائِمِ مَذْمُومٌ . وَهَذَا يُوجِبُ ذَمَّ مَنْ لَا يُدِيمُ أَفْعَالَهَا الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ . وَإِذَا وَجَبَ دَوَامُ أَفْعَالِهَا فَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ الطُّمَأْنِينَةِ . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إدَامَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْمُجْزِئُ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْخَفْضِ - وَهُوَ نَقْرُ الْغُرَابِ - لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَوَامًا وَلَمْ يَجِبْ الدَّوَامُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمَا أَصْلُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ . فَعُلِمَ أَنَّهُ كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ يَجِبُ الدَّوَامُ عَلَيْهَا الْمُتَضَمِّنُ لِلطُّمَأْنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ فِي أَفْعَالِهَا .
  9. تابع الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابٌ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ - مَسْأَلَةٌ : هَلْ كَانَ قُنُوتُ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ الصُّبْحِ وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قُنُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ؟ أَوْ الصُّبْحِ ؟ وَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ ؟ . شرح: 1 فَأَجَابَ : أَمَّا الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ . فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ . قَنَتَ مَرَّةً شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْكُفَّارِ قَتَلُوا طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ وَقَنَتَ مَرَّةً أُخْرَى يَدْعُو لِأَقْوَامِ مِنْ أَصْحَابِهِ كَانُوا مَأْسُورِينَ عِنْدَ أَقْوَامٍ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَيْهِ . وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ كَانُوا يَقْنُتُونَ نَحْوَ هَذَا الْقُنُوتِ فَمَا كَانَ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ يَدَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : إنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ . وَقِيلَ : الْقُنُوتُ مَنْسُوخٌ . وَأَنَّهُ كُلُّهُ بِدْعَةٌ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ . وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمِ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ لَمْ يَقْنُتْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَنَتَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَنَتَ السَّنَةَ كُلَّهَا . وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْأَوَّلَ كَمَالِكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الثَّانِيَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الثَّالِثَ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَد فِي رِوَايَةٍ وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ . فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ وَأَمَّا الْقُنُوتُ : فَالنَّاسُ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ : مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى الْقُنُوتَ إلَّا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ إلَّا بَعْدَهُ . وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُجَوِّزُونَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا . وَإِنْ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ فَإِنَّ سَمَاعَ الدُّعَاءِ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ الْعَبْدِ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ دُعَائِهِ كَمَا بُنِيَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ : أَوَّلُهَا ثَنَاءٌ وَآخِرُهَا دُعَاءٌ . وَأَيْضًا فَالنَّاسُ فِي شَرْعِهِ فِي الْفَجْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ . مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ فَإِنَّهُ قَنَتَ ثُمَّ تَرَكَ . كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ . وَمَنْ قَالَ : الْمَتْرُوكُ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ فَلَمْ تَبْلُغْهُ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ أَوْ بَلَغَتْهُ فَلَمْ يَتَأَمَّلْهَا فَإِنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ : { سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ : هَلْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ فَقَالَ : قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ : فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي أَنَّك قُلْت بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ : كَذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَرَاهُ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إلَى قَوْمٍ مُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ وَقَنَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ } وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَالْحَاكِمُ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : { مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا } " جَاءَ لَفْظُهُ مُفَسَّرًا " أَنَّهُ : مَا زَالَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ " . وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْقُنُوتِ طُولُ الْقِيَامِ لَا الدُّعَاءُ . كَذَلِكَ جَاءَ مُفَسَّرًا وَيُبَيِّنُهُ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { مُحَمَّدِ بْنِ سيرين قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ : قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ : نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا } " فَأَخْبَرَ أَنَّ قُنُوتَهُ كَانَ يَسِيرًا وَكَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْقُنُوتِ هُوَ إدَامَةُ الطَّاعَةِ سُمِّيَ كُلُّ تَطْوِيلٍ فِي قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ قُنُوتًا . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا } وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْقُنُوتِ الرَّاتِبِ قَالَ : " مَا سَمِعْنَا وَلَا رَأْينَا " وَهَذَا قَوْلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ الْقُنُوتُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ حَيْثُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ وَرُوِيَ عَنْهُ : { أَنَّهُ مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا } . وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ اسْتَحَبَّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ لَمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِيهِنَّ وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالظُّهْرِ . لَكِنْ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ قَنَتَ قُنُوتًا رَاتِبًا بِدُعَاءِ مَعْرُوفٍ . فَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ بِقُنُوتِ الْوِتْرِ الَّذِي عَلَّمَهُ . النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ : { اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت } " إلَى آخِرِهِ . وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَقَالُوا : قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ لِلنَّوَازِلِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ فِي قَتْلِ أَصْحَابِهِ أَوْ حَبْسِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّهُ قَنَتَ مُسْتَنْصِرًا كَمَا اسْتَسْقَى حِينَ الْجَدْبِ فَاسْتِنْصَارُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَاسْتِرْزَاقِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذْ بِالنَّصْرِ وَالرِّزْقِ قِوَامُ أَمْرِ النَّاسِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ؟ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ } " وَكَمَا قَالَ فِي صِفَةِ الْأَبْدَالِ : { بِهِمْ تُرْزَقُونَ وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ } " وَكَمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا بِيَدِهِ . سُبْحَانَهُ . فِي قَوْلِهِ : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ } { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ وَجَاءَ مُفَسَّرًا أَنَّهُ تَرَكَهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ . وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ قَنَتَ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَنَتَ لَمَّا حَارَبَ مَنْ حَارَبَ مِنْ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ . قَالُوا : وَلَيْسَ التَّرْكُ نَسْخًا فَإِنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ أَنْ يُنَافِيَ الْمَنْسُوخَ وَإِذَا فَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا لِحَاجَةِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِزَوَالِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا بَلْ لَوْ تَرَكَهُ تَرْكًا مُطْلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْفِعْلِ . قَالُوا : وَنَعْلَمُ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْنُتُ قُنُوتًا رَاتِبًا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ أَنَّهُ دَعَا فِي قُنُوتِهِ فِي الْفَجْرِ وَنَحْوِهَا إلَّا لِقَوْمِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ قَنَتَ دَائِمًا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا أَنَّهُ قَنَتَ دَائِمًا يَدْعُو قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْقُنُوتَ الرَّاتِبَ فَإِذَا عُلِمَ هَذَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَمَا يُعْلَمُ : " أَنَّ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ " لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَذَانِ الرَّاتِبِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِعَارِضِ تَحْضِيضًا لِلنَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ ؛ لَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ لَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ . وَهَذَا أَصْلٌ آخَرُ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات كَالْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات الرَّاتِبَةِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ الْعَارِضِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا كَمَا سَقَطَ بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْخَوْفِ كَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات . وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَدْ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَسْبَابِ الْعَارِضَةِ مَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا رَاتِبًا فَالْعِبَادَاتُ فِي ثُبُوتِهَا وَسُقُوطِهَا تَنْقَسِمُ إلَى رَاتِبَةٍ وَعَارِضَةٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ أَوْ سُقُوطُهُ . وَإِنَّمَا تَغْلَطُ الْأَذْهَانُ مِنْ حَيْثُ تَجْعَلُ الْعَارِضَ رَاتِبًا أَوْ تَجْعَلُ الرَّاتِبَ لَا يَتَغَيَّرُ بِحَالِ وَمَنْ اهْتَدَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَشْرُوعَاتِ الرَّاتِبَةِ وَالْعَارِضَةِ انْحَلَّتْ عَنْهُ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتُ كَثِيرًا . مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ - مَسْأَلَةٌ : الِاخْتِصَاصُ بِشَيْءِ مِنْ الْمَسْجِدِ دُونَ بَاقِي النَّاسِ وَسُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ نَازِلِينَ فِي الْجَامِعِ مُقِيمِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ وَنَوْمُهُمْ وَقُمَاشُهُمْ وَأَثَاثُهُمْ الْجَمِيعُ فِي الْجَامِعِ وَيَمْنَعُونَ مَنْ يَنْزِلُ عِنْدَهُمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمْ وَحَكَرُوا الْجَامِعَ ثُمَّ إنَّ جَمَاعَةً دَخَلُوا بَعْضَ الْمَقَاصِيرِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ احْتِسَابًا فَمَنَعَهُمْ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ وَقَالَ هَذَا مَوْضِعُنَا . فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ . شرح: 1 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِشَيْءِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ دَائِمًا ؛ بَلْ قَدْ " { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إيطَانٍ كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ } قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ مَكَانًا مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي إلَّا فِيهِ فَإِذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ مُلَازَمَةُ مَكَانٍ بِعَيْنِهِ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ بِمَنْ يَتَحَجَّرُ بُقْعَةً دَائِمًا . هَذَا لَوْ كَانَ إنَّمَا يَفْعَلُ فِيهَا مَا يُبْنَى لَهُ الْمَسْجِدُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَيْفَ إذَا اتَّخَذَ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الْبُيُوتِ فِيهِ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَسَائِرُ أَحْوَالِهِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَمْ تُبْنَ الْمَسَاجِدُ لَهُ دَائِمًا ؛ فَإِنَّ هَذَا يُمْنَعُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِثْلِ مَا كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ : كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ فَيُقِيمُ بِالصُّفَّةِ إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ لَهُ أَهْلٌ أَوْ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ . وَمِثْلِ الْمِسْكِينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَأْوِي إلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ تَقُمُّهُ . وَمِثْلِ مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَزَبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ يَأْوِي إلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : لَمَّا تَقَاوَلَ هُوَ وَفَاطِمَةُ ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ فَنَامَ فِيهِ . فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ الْيَسِيرِ وَذَوِي الْحَاجَاتِ وَبَيْنَ مَا يَصِيرُ عَادَةً وَيَكْثُرُ وَمَا يَكُونُ لِغَيْرِ ذَوِي الْحَاجَاتِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا تَتَّخِذُوا الْمَسْجِدَ مَبِيتًا وَمَقِيلًا . هَذَا وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ إلَّا النَّوْمُ فَكَيْفَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأُمُورِ وَالْعُلَمَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي الْمُعْتَكِفِ هَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةِ وَالْأَئِمَّةُ كَرِهُوا اتِّخَاذَ الْمَقَاصِيرَ فِي الْمَسْجِدِ لَمَّا أَحْدَثَهَا بَعْضُ الْمُلُوكِ ؛ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَأُولَئِكَ إنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا خَاصَّةً . فَأَمَّا اتِّخَاذُهَا لِلسُّكْنَى وَالْمَبِيتِ وَحِفْظِ الْقُمَاشِ وَالْمَتَاعِ فِيهَا فَمَا عَلِمْت مُسْلِمًا تَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَجْعَلُ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الْفَنَادِقِ الَّتِي فِيهَا مَسَاكِنُ مُتَحَجِّرَةٌ وَالْمَسْجِدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِشَيْءِ مِنْهُ إلَّا بِمِقْدَارِ لُبْثِهِ لِلْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَمَنْ سَبَقَ إلَى بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَعَلُّمِ عِلْمٍ أَوْ اعْتِكَافٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَقْضِيَ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَيْسَ لِأَحَدِ إقَامَتُهُ مِنْهُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَكِنْ يُوَسِّعُ وَيُفْسِحُ . وَإِذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ ذَلِكَ قَالَ : " { إذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } وَأَمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمَقَامِ وَالسُّكْنَى فِيهِ كَمَا يَخْتَصُّ النَّاسُ بِمَسَاكِنِهِمْ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ مُقَامُ الْمُعْتَكِفِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَحْتَجِرُ لَهُ حَصِيرًا فَيَعْتَكِفُ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَكِفُ فِي قُبَّةٍ وَكَذَلِكَ كَانَ النَّاسُ يَعْتَكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيَضْرِبُونَ لَهُمْ فِيهِ الْقِبَابَ فَهَذَا مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ خَاصَّةً وَالِاعْتِكَافُ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْمَشْرُوعُ لَهُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ إلَّا بِقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ وَاَلَّذِي يَتَّخِذُهُ سَكَنًا لَيْسَ مُعْتَكِفًا بَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمَشْرُوعِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ مَا بُنِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ مِنْ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ كَمَا فِي الِاسْتِفْتَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَمْنَعُ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْقُرَّاءِ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ هَذَا الظَّالِمُ مُنْكَرٌ مِنْ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا اتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ مَبِيتًا وَمَقِيلًا وَسَكَنًا كَبُيُوتِ الْخَانَاتِ وَالْفَنَادِقِ . ( وَالثَّانِي مَنْعُهُ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ حَيْثُ يُشْرَعُ . ( وَالثَّالِثُ مَنْعُ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ احْتَجَّ بِأَنَّ أُولَئِكَ يَقْرَءُونَ لِأَجْلِ الْوَقْفِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِمْ وَهَذَا لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَانَ هَذَا الْعُذْرُ أَقْبَحَ مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُحْتَسِبًا أَوْلَى بِالْمُعَاوَنَةِ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ لِأَجْلِ الْوَقْفِ وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يُغَيِّرَ دِينَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وَقْفِهِ يَصِيرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْمَسْجِدِ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنْ يَحْتَجِرَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ وَقْفِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ عَيَّنَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ كَمَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي النَّذْرِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَعْتَكِفَ فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَعْتَكِفَ فِي سَائِرِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَكِنْ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَلَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةً بِدُونِ النَّذْرِ وَإِلَّا فَالنَّذْرُ لَا يَجْعَلُ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةِ عِبَادَةً وَالنَّاذِرُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِفَ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ . وَفِي الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ أَوْجَبَهَا فِي الْمَشْهُورِ أَحْمَد وَلَمْ يُوجِبْهَا الثَّلَاثَةُ . وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَالْبَائِعِ وَغَيْرِهِمَا . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } وَهَذَا كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُغَيِّرَ شَرِيعَتَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رَسُولَهُ وَلَا يَبْتَدِعَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَا يُغَيِّرَ أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي شَرَعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
  10. الصلاة مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ - فَصْلٌ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ حَتَّى فَعَلَ مَا يُنَافِي الصَّلَاة فَصْلٌ إذَا نَسِيَ السُّجُودَ حَتَّى فَعَلَ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ كَلَامِ وَغَيْرِهِ : فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ } فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ لَا . قَالُوا : فَإِنَّك صَلَّيْت خَمْسًا فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ } وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُنَافِيهَا فَهُوَ كَالْحَدَثِ . وَعَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ إذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ يَبْنِ وَلَمْ يَسْجُدْ . وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ وَانْفِتَالِهِ وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ تَحَدُّثِهِمْ وَبَعْدَ سُؤَالِهِ لَهُمْ وَإِجَابَتِهِمْ إيَّاهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ أَبْلَغُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ { صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ ؟ أَمْ نَسِيت ؟ وَأَجَابَهُ . ثُمَّ سَأَلَ الصَّحَابَةَ فَصَدَّقُوا ذَا الْيَدَيْنِ فَعَادَ إلَى مَكَانِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } وَقَدْ خَرَجَ السَّرْعَانُ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ : قُصِرَتْ الصَّلَاةُ قُصِرَتْ الصَّلَاةُ . وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : { أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ثَلَاثٍ مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَقَامَ إلَيْهِ الْخِرْبَاقُ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَأَنَّهُ خَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ : أَصَدَقَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ } . وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الْأُولَى وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ إيَّاهَا لَكِنْ اشْتَبَهَ عَلَى إحْدَى الرَّاوِيَيْنِ : هَلْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثٍ وَذَكَرَ أَحَدُهُمَا قِيَامَهُ إلَى الْخَشَبَةِ الْمَعْرُوضَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَالسَّرْعَانُ مِنْ النَّاسِ لَا رَيْبَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا يَعْمَلُونَ . فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَادُوا أَوْ بَعْضُهُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَتَمُّوا مَعَهُ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَوْلُهُمْ : قُصِرَتْ الصَّلَاةُ قُصِرَتْ الصَّلَاةُ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ لَمَّا عَلِمُوا السُّنَّةَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدْ أَتَمُّوا بَعْدَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّهُمْ أُمِرُوا بِاسْتِئْنَافِ الصَّلَاةِ : فَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَنُقِلَ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِيمَا فَعَلُوا وَهُوَ فِي إحْدَى صَلَوَاتِ الْخَوْفِ يُصَلِّي بِطَائِفَةِ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ يَمْضُونَ إلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَعْمَلُونَ عَمَلًا وَيَسْتَدْبِرُونَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ يَأْتِي أُولَئِكَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يَمْضُونَ إلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ يُصَلِّي هَؤُلَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً أُخْرَى وَفِي ذَلِكَ مَشَى كَثِيرٌ وَاسْتِدْبَارٌ لِلْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى . وَالثَّانِيَةُ بِمَشْيِهَا إلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهَا ثُمَّ يَجِيءُ أَصْحَابُهَا إلَى خَلْفِ الْإِمَامِ ثُمَّ بِصَلَاتِهِمْ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ بِرُجُوعِهِمْ إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَهُمْ قِيَامٌ فِيهَا مَعَ هَذَا الْعَمَلِ وَالِانْتِظَارِ لَكِنْ لَا يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ إلَّا بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَا تَجِبُ مَعَ الْعَدُوِّ وَمُوَالَاةُ السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْلَى ؛ بِخِلَافِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ أَبْعَاضِ الرَّكْعَةِ : وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد . وَلِهَذَا إذَا نَسِيَ رُكْنًا كَالرُّكُوعِ مَثَلًا ؛ فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْأُولَى مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ يَسِيرٌ . وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ . إمَّا فِي قِرَاءَتِهَا عِنْدَهُمْ وَإِمَّا فِي رُكُوعِهَا عَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ . وَإِنْ شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ إمَّا فِي قِرَاءَتِهَا عِنْدَهُمْ وَإِمَّا فِي رُكُوعِهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَلْغُو مَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ إلَى أَنْ يَرْكَعَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقُومُ مَقَامَ رُكُوعِ الْأُولَى وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَيُلَفِّقُ الرَّكْعَةَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ رَجَّحَ أَحْمَد هَذَا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَحُكِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ . وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا لَا يُلَفِّقَانِ بَلْ تَلْغُو تِلْكَ الرَّكْعَةُ الْمَنْسِيُّ رُكْنُهَا وَتَقُومُ هَذِهِ مَقَامَهُمَا فَيَكُونُ تَرْكُ الْمُوَالَاةِ مُبْطِلًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا بِفَاصِلِ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا فَإِنَّ أَدْنَى الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ } . وَالرَّكْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ رَكْعَةً مَعَ الْمُوَالَاةِ أَمَّا إذَا رَكَعَ ثُمَّ فَعَلَ أَفْعَالًا أَجْنَبِيَّةً عَنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ : لَمْ تَكُنْ هَذِهِ رَكْعَةً مُؤَلَّفَةً مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ؛ بَلْ يَكُونُ رُكُوعٌ مُفْرَدٌ وَسُجُودٌ مُفْرَدٌ وَهَذَا لَيْسَ بِصَلَاةِ وَالسُّجُودُ تَابِعٌ لِلرُّكُوعِ فَلَا تَكُونُ صَلَاةٌ إلَّا بِرُكُوعِ يَتْبَعُهُ سُجُودٌ وَسُجُودٌ يَتْبَعُهُ رُكُوعٌ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ عُذْرُ الْخَوْفِ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عُذْرُ السَّهْوِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السُّجُودِ وَالْبِنَاءِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ . فَقِيلَ : إذَا طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَبْنِ وَلَمْ يَحُدَّ هَؤُلَاءِ طُولَ الْفَصْلِ بِغَيْرِ قَوْلِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : قَدْ تَقْصُرُ الْمُدَّةُ وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ تَطُولُ وَإِنْ قَعَدَ . وَقِيلَ : يَسْجُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ انْقَطَعَ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَابْنِ شبرمة وَهَذَا حَدٌّ بِالْمَكَانِ لَا بِالزَّمَانِ لَكِنَّهُ حَدٌّ بِمَكَانِ الْعِبَادَةِ . وَقِيلَ : كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ مِنْ السُّجُودِ : طُولَ الْفَصْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَبَاعَدَ . وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنَّ تَحْدِيدَ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ أَوْ بِزَمَانِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فَطُولُ الْفَصْلِ وَقِصَرُهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي عَادَاتِ النَّاسِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يُفَرِّقْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي السُّجُودِ وَالْبِنَاءِ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَلَا بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْمُكْثِ فِيهِ بَلْ قَدْ دَخَلَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ وَخَرَجَ السَّرْعَانُ مِنْ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَلَوْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ شَرْعٌ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ السَّلَامَ لَمْ يَمْنَعْ بِنَاءَ سَائِرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا . فَكَذَلِكَ سَجْدَتَا السَّهْوِ يَسْجُدَانِ مَتَى مَا ذَكَرَهُمَا . وَإِنْ تَرْكَهُمَا عَمْدًا . فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : يَسْجُدُهُمَا أَيْضًا مَعَ إثْمِهِ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا تُفْعَلُ جُبْرَانَاتُ الْحَجِّ وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَفْعَلَهَا فَالْمُوَالَاةُ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا كَمَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي الرَّكَعَاتِ فَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ ؛ بِخِلَافِ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ تَحْلِيلِ الصَّلَاةِ كَمَا يُفْعَلُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : الْمُوَالَاةُ شَرْطٌ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ كَالنِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ كَالْمُوَالَاةِ بَيْنَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا فَمَتَى أَخَّرَهُمَا لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ لَمْ يُشْرَعْ فَصْلُهُمَا عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِالسَّلَامِ فَقَطْ وَأَمَرَ بِهِمَا عَقِبَ السَّلَامِ فَمَتَى تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ قَامَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَالِمًا عَامِدًا بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا تَبْطُلُ إذَا تَرَكَ السَّجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ . مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية - الْفِقْهُ - الصَّلَاةُ - بَابُ الْإِمَامَةِ - مَسْأَلَةٌ : الصَّلَاةُ قُدَّامَ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ - فَصْلٌ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ قُدَّامَ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَمْ لَا ؟ . شرح: 1 2 فَأَجَابَ : أَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِ قُدَّامَ الْإِمَامِ . فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا تَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ قِيلَ إنَّهَا تُكْرَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِمَا . وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْعُذْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِثْلَ مَا إذَا كَانَ زَحْمَةً فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ أَوْ الْجِنَازَةَ إلَّا قُدَّامَ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ خَيْرًا لَهُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ . وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَرْجَحُهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ . وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ فَالْوَاجِبُ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُصَلِّي مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللِّبَاسِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِي الْأَوْتَارِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا أَوْ قَاعِدًا كَبَّرَ وَسَجَدَ مَعَهُ وَقَعَدَ مَعَهُ ؛ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ . مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ لَهُ بِذَلِكَ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَسْهَ . وَأَيْضًا فَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ وَيُفَارِقُ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ . وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ : أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إذَا صَلَّى جَالِسًا صَلَّى الْمَأْمُومُونَ جُلُوسًا ؛ لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهِ فَيَتْرُكُونَ الْقِيَامَ الْوَاجِبَ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا اسْتَفَاضَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلَّوْا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ } . وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : قِيلَ : لَا يَؤُمُّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ . وَقِيلَ : بَلْ يَؤُمُّهُمْ وَيَقُومُونَ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقُعُودِ مَنْسُوخٌ . كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَقِيلَ : بَلْ ذَلِكَ مُحْكَمٌ وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأسيد بْنِ حضير وَغَيْرِهِ . وَهَذَا مَذْهَبُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا . وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَلَّوْا قِيَامًا فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ قَوْلَانِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفْعَلُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لَا يُمْكِنُهُ الِائْتِمَامُ بِإِمَامِهِ إلَّا قُدَّامَهُ كَانَ غَايَةُ [ مَا ] فِي هَذَا أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْمَوْقِفَ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُ هَذَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصَافُّهُ وَلَمْ يَجْذِبْ أَحَدًا يُصَلِّي مَعَهُ صَلَّى وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ وَلَمْ يَدَعْ الْجَمَاعَةَ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَجِدْ امْرَأَةً تُصَافُّهَا فَإِنَّهَا تَقِفُ وَحْدَهَا خَلْفَ الصَّفِّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَهُوَ إنَّمَا أُمِرَ بِالْمُصَافَّةِ مَعَ الْإِمْكَانِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُصَافَّةِ .
  11. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، هذا الموضوع سيكون لعرض فتاوى شيخ الاسلام العالم الورع ابن تيمية رحمة الله اولا العبادات الطهارة حكم الطهارة وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ قَوْلُهُ : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَالْفَاحِشَةُ أُرِيدَ بِهَا كَشْفُ السَّوْآتِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ مِنْ الصِّفَاتِ مَا يَمْنَعُ أَمْرَ الشَّرْعِ بِهَا فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي سِيَاقِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ لَمْ يَتَنَزَّهْ عَنْهُ . فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْفَحْشَاءِ ؛ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ الْفِعْلُ فِي نَفْسِهِ سَيِّئًا فَعُلِمَ أَنَّ كُلَّمَا كَانَ فِي نَفْسِهِ فَاحِشَةً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِهِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُثْبِتُ لِلْأَفْعَالِ فِي نَفْسِهَا صِفَاتِ الْحُسْنِ وَالسُّوءِ كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَالتَّمِيمِيِّينَ وَأَبِي الْخَطَّابِ ؛ خِلَافَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ قَطُّ إلَّا بِخِطَابِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْهُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ فَاحِشَةٌ وَأَنَّهُ سَاءَ سَبِيلًا فَلَوْ كَانَ إنَّمَا صَارَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا بِالنَّهْيِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَسْبِقُ الْمَعْلُولَ لَا تَتْبَعُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ . وَأَمَّا فِي الْأَمْرِ فَقَوْلُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ فِيهِ مَا لَمْ نَعْلَمْهُ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي آيَةِ الطُّهُورِ { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالطُّهُورِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَاحِ لَنَا وَهَذَا أَيْضًا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ شروط صحة الطهارة وَسُئِلَ عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ الْقَلْبُ ؟ أَمْ اللِّسَانُ ؟ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ نَجْهَرَ بِالنِّيَّةِ ؟ أَوْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ؟ أَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ . أَوْ غَيْرُهَا ؟ أَوْ قَالَ : إنَّ صَلَاةَ الْجَاهِرِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْخَافِتِ . إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَهَلْ التَّلَفُّظُ بِهَا وَاجِبٌ أَمْ لَا ؟ أَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالنِّيَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ؟ . وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا ؟ وَمَا السُّنَّةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ؟ وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى الْجَهْرِ بِهَا مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ : فَهَلْ هُوَ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ؟ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَهِ ؟ وَأَبْسِطُوا لَنَا الْجَوَابَ . شرح: 1 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . مَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ : الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالْعِتْقِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى بِقَلْبِهِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ النِّيَّةُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يُجْزِئْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْقَصْدِ ؛ وَلِهَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرِ : أَيْ قَصَدَك بِخَيْرِ . وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } مُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّيَّةِ النِّيَّةُ الَّتِي فِي الْقَلْبِ ؛ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَسَبَبُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ سَبَبَهُ أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا : أُمُّ قَيْسٍ فَسُمِّيَ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ . فَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ . وَهَذَا كَانَ نِيَّتُهُ فِي قَلْبِهِ . وَالْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ الْجَاهِرُ بِالنِّيَّةِ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْ الشَّرْعِ : فَهُوَ جَاهِلٌ ضَالٌّ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَإِلَّا الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَالْبَيَانِ لَهُ لَا سِيَّمَا إذَا آذَى مَنْ إلَى جَانِبِهِ بِرَفْعِ صَوْتِهِ أَوْ كَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّ صَلَاةَ الْجَاهِرِ بِالنِّيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْخَافِتِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا . وَأَمَّا التَّلَفُّظُ بِهَا سِرًّا فَلَا يَجِبُ أَيْضًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَاجِبٌ لَا فِي طَهَارَةٍ وَلَا فِي صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا حَجٍّ . وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ : أُصَلِّي الصُّبْحَ وَلَا أُصَلِّي الظُّهْرَ وَلَا الْعَصْرَ وَلَا إمَامًا وَلَا مَأْمُومًا وَلَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ : فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ ؛ بَلْ يَكْفِي فِي أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ فِي قَلْبِهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ . وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الْقَلْبِ . وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : أَنَا صَائِمٌ غَدًا . بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ؛ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ قَلْبِهِ . وَالنِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ فَإِذَا عَلِمَ الْمُسْلِمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِمَّنْ يَصُومُ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ غَدًا الْعِيدَ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ . وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ : فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْقَائِمَةَ صَلَاةُ الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْوِي تِلْكَ الصَّلَاةَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا الْفَجْرُ وَيَنْوِي الظُّهْرَ . وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُصَلِّي إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَالنِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ وَالِاعْتِقَادَ اتِّبَاعًا ضَرُورِيًّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يُرِيدُ [ أَنْ ] يَفْعَلَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ . فَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَلَاةُ الظُّهْرِ امْتَنَعَ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَهَا وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَرَجَ فَنَوَى الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَإِذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ - أَيِّ جِنَازَةٍ كَانَتْ - فَظَنَّهَا رَجُلًا وَكَانَتْ امْرَأَةً صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا نَوَى . وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُهُ فُلَانًا وَصَلَّى عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فُلَانٌ فَتَبَيَّنَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ هُنَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ عَلَى ذَلِكَ الْحَاضِرِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ : وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ خَرَّجَ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَغَلَّطَهُ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ غَلَطُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا فَظَنَّ هَذَا الغالط أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ وَقَالُوا : إنَّمَا أَرَادَ النُّطْقَ بِالتَّكْبِيرِ لَا بِالنِّيَّةِ . وَلَكِنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ أَمْ لَا ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ . مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ التَّلَفُّظَ بِهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَقَالُوا : التَّلَفُّظُ بِهَا أَوْكَدُ وَاسْتَحَبُّوا التَّلَفُّظَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَسْتَحِبَّ التَّلَفُّظَ بِهَا كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَد سُئِلَ تَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا . وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ يَتَلَفَّظُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي الطَّهَارَةِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الصِّيَامِ وَلَا فِي الْحَجِّ . وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلَا خُلَفَاؤُهُ وَلَا أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ بَلْ قَالَ لِمَنْ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ : كَبِّرْ ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَلَمْ يَتَلَفَّظْ قَبْلَ التَّكْبِيرِ بِنِيَّةِ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَظَّمَهُ الْمُسْلِمُونَ . وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ إنَّمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ وَشَرَعَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُلَبُّوا فِي أَوَّلِ الْحَجِّ { وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لضباعة بِنْتِ الزُّبَيْرِ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي فَقُولِي : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ . وَلَمْ يَشْرَعْ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّلْبِيَةِ شَيْئًا . لَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ وَلَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا يَقُولُ : فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلَا يَقُولُ : نَوَيْتُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَقُولُ : أَحْرَمْتُ لِلَّهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا . وَلَا يَقُولُ قَبْلَ التَّلْبِيَةِ شَيْئًا بَلْ جَعَلَ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ . وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ : فُلَانٌ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ؛ أَوْ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا . كَمَا يُقَالُ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَكَانَ يَقُولُ فِي تَلْبِيَتِهِ : { لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَةً } يَنْوِي مَا يُرِيدُ [ أَنْ ] يَفْعَلَهُ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ ؛ لَا قَبْلَهَا . وَجَمِيعُ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَقَبْلَ التَّلْبِيَةِ وَفِي الطَّهَارَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَهِيَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَشْرَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكُلُّ مَا يَحْدُثُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ الزِّيَادَاتِ الَّتِي لَمْ يَشْرَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ بِدْعَةٌ بَلْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَاوِمُ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى تَرْكِهَا فَفِعْلُهَا وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ الْمُعْتَقِدِ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ أَيْ يَكُونُ فِعْلُهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى حَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَا فَعَلْنَاهُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِمَّا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَقَالَ : " أَخَافُ عَلَيْك الْفِتْنَةَ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : أَيُّ فِتْنَةٍ فِي ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا زِيَادَةُ أَمْيَالٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ فِي نَفْسِك أَنَّك خُصِصْت بِفَضْلِ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } فَأَيُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ سُنَّةً أَفْضَلُ مِنْ سُنَّتِي فَرَغِبَ عَمَّا سَنَنْته مُعْتَقِدًا أَنَّ مَا رَغِبَ فِيهِ أَفْضَلُ مِمَّا رَغِبَ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ؛ لِأَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصحيح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَمَنْ قَالَ : إنَّ هَدْيَ غَيْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ هَدْيِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ مَفْتُونٌ ؛ بَلْ ضَالٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - إجْلَالًا لَهُ وَتَثْبِيتًا لِحَجَّتِهِ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً - { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أَيْ : وَجِيعٌ . وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِاتِّبَاعِهِ وَأَنْ يَعْتَقِدُوا وُجُوبَ مَا أَوْجَبَهُ وَاسْتِحْبَابَ مَا أَحَبَّهُ . وَأَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا فَقَدْ عَصَى أَمْرَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ - قَالَهَا ثَلَاثًا - } أَيْ الْمُشَدِّدُونَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّشْدِيدِ ؛ وَقَالَ أبي بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ . وَلَا يَحْتَجُّ مُحْتَجٌّ بِجَمْعِ التَّرَاوِيحِ وَيَقُولُ : " نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ " فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِكَوْنِهِمْ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذِهِ وَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ . وَهَكَذَا إخْرَاجُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمِصْرِ الْأَمْصَارِ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَفَرْضِ الدِّيوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَقِيَامُ رَمَضَانَ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً عِدَّةَ لَيَالٍ وَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَفُرَادَى لَكِنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَى جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَفْتَرِضَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ . فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي جَمَعَهُمْ أبي بْنُ كَعْبٍ جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ هُوَ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَيْثُ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } يَعْنِي الْأَضْرَاسَ ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ فِي الْقُوَّةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : " صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ فَمَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ " فَأَيُّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لَا تُجْزِئُ الْمُسَافِرَ كَفَرَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : مِنْ حَيْثُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى خِلَافِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِبَادَاتِ ؛ فَإِنَّ هَذَا بِدْعَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّ فِي زِيَادَتِهِ خَيْرًا كَمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْعِيدَيْنِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَقِيبَ السَّعْيِ رَكْعَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَقَدْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد فِي الْحَاجِّ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَنْ يَسْتَفْتِحَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَخَالَفُوا الْأَئِمَّةَ وَالسُّنَّةَ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْمُحْرِمُ بِالطَّوَافِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ؛ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ الَّذِي يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ دُونَ الطَّوَافِ فَهَذَا إذَا صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَحَسَنٌ . وَفِي الْجُمْلَةِ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ وَأَتَمَّ بِهِ صَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ فَمَنْ جَعَلَ عَمَلًا وَاجِبًا مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ [ مَكْرُوهًا ] لَمْ يَكْرَهْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ غالط . فَإِجْمَاعُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دَخَلَ فِي حَرْبٍ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَحَرَّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُخَالِفِينَ لِرَسُولِهِ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السُّورِ حَيْثُ شَرَعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ . فَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَذَمَّهُمْ اللَّهُ وَعَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ . فَلِهَذَا كَانَ دِينُ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ : الْإِيجَابُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالتَّحْلِيلُ وَالْكَرَاهِيَةُ وَالتَّحْرِيمُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا حَلَالَ إلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . فَمِنْ ذَلِكَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَمِنْهُ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ فَرَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . فَمَنْ تَكَلَّمَ بِجَهْلِ وَبِمَا يُخَالِفُ الْأَئِمَّةَ فَإِنَّهُ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ عَلَى الْإِصْرَارِ كَمَا يُفْعَلُ بِأَمْثَالِهِ مِنْ الْجُهَّالِ وَلَا يُقْتَدَى فِي خِلَافِ الشَّرِيعَةِ بِأَحَدِ مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا عَنْهُ الْعِلْمُ . كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا تَنْظُرُ إلَى عَمَلِ الْفَقِيهِ وَلَكِنْ سَلْهُ يُصَدِّقْك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ . التطهير بالماء وَأَصْلٌ آخَرُ وَهُوَ : أَنَّ الْكُوفِيِّينَ قَدْ عُرِفَ تَخْفِيفُهُمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَعْفُونَ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ : عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ البغلي وَمِنْ الْمُخَفَّفَةِ : عَنْ رُبُعِ الْمَحَلِّ الْمُتَنَجِّسِ . وَالشَّافِعِيُّ بِإِزَائِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَا يَعْفُو عَنْ النَّجَاسَاتِ إلَّا عَنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ ؛ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَعْفُو عَنْ دَمٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إلَّا عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ يُنَجِّسُ أَرْوَاثَ الْبَهَائِمِ وَأَبْوَالَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ فِي النَّجَاسَاتِ نَوْعًا وَقَدْرًا أَشَدُّ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَمَالِكٌ مُتَوَسِّطٌ فِي نَوْعِ النَّجَاسَةِ وَفِي قَدْرِهَا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيَعْفُو عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ . وَأَحْمَد كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ مُتَوَسِّطٌ فِي النَّجَاسَاتِ فَلَا يُنَجِّسُ الْأَرْوَاثَ وَالْأَبْوَالَ وَيَعْفُو عَنْ الْيَسِيرِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا حَتَّى إنَّهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَعْفُو عَنْ يَسِيرِ رَوْثِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بَلْ يَعْفُو فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْيَسِيرِ مِنْ الرَّوْثِ وَالْبَوْلِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُوجِبُ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَلَوْ صَلَّى بِهَا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ كَقَوْلِ مَالِكٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْأَذَى الَّذِي فِيهِمَا وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ وَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَمَرَ بِغَسْلِهَا وَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ . وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى : تَجِبُ الْإِعَادَةُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَأَصْلٌ آخَرُ فِي إزَالَتِهَا فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ : تُزَالُ بِكُلِّ مُزِيلٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ . وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى إزَالَتَهَا إلَّا بِالْمَاءِ حَتَّى مَا يُصِيبُ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ وَالذَّيْلِ : لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ بِالْمَاءِ ؛ وَحَتَّى نَجَاسَةَ الْأَرْضِ . وَمَذْهَبُ أَحْمَد فِيهِ مُتَوَسِّطٌ ؛ فَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ قَالَ بِهِ : يَجُوزُ - فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّعْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ . كَمَا يَجُوزُ مَسْحُهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ ؛ فَإِنَّ السَّبِيلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الثِّيَابِ فِي تَكَرُّرِ النَّجَاسَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي أَسْفَلِ الذَّيْلِ : هَلْ هُوَ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ ؟ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَاسْتِوَاؤُهَا لِلْأَثَرِ فِي ذَلِكَ . وَالْقِيَاسُ : إزَالَتُهَا عَنْ الْأَرْضِ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ يَجِبُ التَّوَسُّطُ فِيهِ . فَإِنَّ التَّشْدِيدَ فِي النَّجَاسَاتِ جِنْسًا وَقَدَرًا هُوَ دِينُ الْيَهُودِ وَالتَّسَاهُلُ هُوَ دِينُ النَّصَارَى وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَسَطُ . فَكُلُّ قَوْلٍ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ . وَأَصْلٌ آخَرُ : وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ فَقَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ مِنْ الشِّدَّةِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ . وَسِرُّ قَوْلِهِمْ : إلْحَاقُ الْمَاءِ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ ؛ وَأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَائِعٍ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْخَبَثِ فَيَحْرُمُ الْجَمِيعُ مَعَ أَنَّ تَنْجِيسَ الْمَائِعِ غَيْرَ الْمَاءِ الْآثَارُ فِيهِ قَلِيلَةٌ . وَبِإِزَائِهِمْ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ - فِي الْمَشْهُورِ - لَا يُنَجِّسُونَ الْمَاءَ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَلَا يَمْنَعُونَ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا غَيْرِهِ مُبَالَغَةً فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ مَعَ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ . وَلِأَحْمَدَ قَوْلٌ كَمَذْهَبِهِمْ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ التَّوَسُّطُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ . وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَائِعَاتِ غَيْرَ الْمَاءِ : هَلْ يَلْحَقُ بِالْمَاءِ ؛ أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِ الْمَاءِ كَخَلِّ الْعِنَبِ ؟ عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ . وَفِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنْ التَّوَسُّطِ - أَثَرًا وَنَظَرًا - مَا لَا خَفَاءَ بِهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَحْمَد الْمُوَافِقَ لِقَوْلِ مَالِكٍ رَاجِحٌ فِي الدَّلِيلِ .
  12. خديجة بنت خويلد رضي الله عنها نسبها: هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى قصي بن كلاب القرشية الأسدية فضائلها: 1. كانت السيدة خديجة رضي الله عنها تاجرة، ذات مال، تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، وقد بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان صادق أمين، كريم الأخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام لها يقال له ميسرة. وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وربحت تجارتها ضعف ما كانت تربح. 2. أخبر الغلام ميسرة السيدة خديجة عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدست له من عرض عليه الزواج منها، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت السيدة خديجة إلى عمها عمرو بن أسعد بن عبد العزى، فحضر وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون سنة. 3. كانت أول امرأة تزوجها الرسول ، صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب زوجاته إليه، ومن كرامتها أنها لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت [. أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة. 4. هي أول من آمن بالله ورسوله،وأول من أسلم من النساء والرجال. 5. منزلتها عند رسول الله :كانت السيدة خديجة امرأة عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أم الله – تعالى – رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب. 6. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلها على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد. سودة بنت زمعة رضي الله عنها نسبها: هي أم المؤمنين سوده بنت زمعة بن قيس بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشية العامرية، وأمها الشمّوس بنت قيس بن زيد بن عمر الأنصارية. فضائلها: 1. كانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة، من فواضل نساء عصرها. كانت قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو العامري. ولما أسلمت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم معها زوجها السكران وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة، وذاقت الويل في الذهاب معه والإياب حتى مات عنها وتركها حزينة مقهورة لا عون لها ولا حرفة وأبوها شيخ كبير. 2. تزوج النبي صلى الله عليه وسلم- بسودة ولديها ستة أبناء وكان زواجها في رمضان في السنة العاشرة من النبوة، بعد وفاة خديجة بمكة، وقيل: سنة ثمانية للهجرة على صداق قدره أربعمائة درهم، وهاجر بها إلى المدينة. 3. فضلها : تعد سودة – رضي الله عنها - من فواضل نساء عصرها، أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاجرت إلى أرض الحبشة. تزوج بها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى أحب زوجاته إلى قلبه، عرفت بالصلاح والتقوى، روت عن النبي أحاديث كثيرة وروى عنها الكثير. ونزلت بها آية الحجاب، فسجد لها ابن عباس. وكانت تمتاز بطول اليد، لكثرة صدقتها حيث كانت امرأة تحب الصدقة. 4. لما دخلت عائشة رضي الله عنها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة محبوبة تملأ العين بصباها ومرحها وذكائها، شاءت سودة أن تتخلى عن مكانها في بيت محمد صلى الله عليه وسلم فهي لم تأخذ منه إلا الرحمة والمكرمة، وهذه عائشة يدنيها من الرسول المودة والإيثار والاعتزاز بأبيها، وملاحة يهواها الرجل. 5. وقد أنس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمرحها وصباها في بيته فانقبضت سودة وبدت في بيت زوجها كالسجين، ولما جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً وسألها أن كانت تريد تسريحاً، وهو يعلم أن ليس لها في الزواج مأرب إلا الستر والعافية وهما في عصمة الرسول ونعمة الله، قالت سودة وقد هدأت بها غيرة الأنثى: يا رسول الله مالي من حرص على أن أكون لك زوجة مثل عائشة فأمسكني، وحسبي أن أعيش قريبة منك، أحب حبيبك وأرضى لرضاك. 6. ووطدت سوده نفسها على أن تروض غيرتها بالتقوى، وأن تسقط يومها لعائشة وتؤثرها على نفسها، وبعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر جبراً لخاطرها المكسور بعد وفاة زوجها وسنها لم يتجاوز الثامنة عشر، هانت لدى سودة الحياة مع ضرتين ندتين كلتاهما تعتز بأبيها، ولكنها كانت أقرب لعائشة ترضيها لمرضاة زوجها. 7. وكانت سوده ذات أخلاق حميدة، امرأة صالحة تحب الصدقة كثيراً، فقالت عنها عائشة – رضي الله عنها -: اجتمع أزواج النبي عنده ذات يوم فقلن: يا رسول الله أيّنا أسرع بك لحاقاً؟ قال: أطولكن يداً، فأخذنا قصبة وزرعناها؟ فكانت زمعة أطول ذراعاً فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا بعد ذلك أن طول يدها كانت من الصدقة. عائشة رضي الله عنها نسبها : هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان. فضائلها: 1. هي زوجة رسول الله وأفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه. ولدت بمكة المكرمة في العام الثامن قبل الهجرة ، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة، فكانت أكثر نسائه رواية لأحاديثه. كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكي (رضي الله عنها) عن ذلك فتقول ((فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وتزوجني لسبع وبنى بي لتسع (أي دخل بي)، ونزل عذري من السماء (المقصود حادثة الإفك)،واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه قائلاً: إني لا أقوى على التردد عليكن،فأذنّ لي أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده في الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكي، وقبض بين حجري و نحري، ودفن في بيتي)). توفيت(رضي الله عنها) في الثامنة والخمسين للهجرة. 2. تعد عائشة (رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد أحيطت بعلم كل ما يتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه. وكانت (رضي الله عنها) مرجعاً لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر، فقد كانوا (رضي الله عنهم) يستفتونها فيجدون لديها حلاً لما أشكل عليهم. حيث قال أبو موسى الأشعري : ((ما أشكل علينا –أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً)). 3. وقد كان مقام السيدة عائشة بين المسلمين مقام الأستاذ من تلاميذه، حيث أنها إذا سمعت من علماء المسلمين والصحابة روايات ليست على وجهها الصحيح،تقوم بالتصحيح لهم وتبين ما خفي عليهم، فاشتهر ذلك عنها ، وأصبح كل من يشك في رواية أتاها سائلاً. 4. تميزت السيدة بعلمها الرفيع لعوامل مكنتها من أن تصل إلى هذه المكانة، من أهم هذه العوامل: § ذكائها الحاد وقوة ذاكرتها، وذلك لكثرة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم . § زواجها في سن مبكر من النبيصلى الله عليه وسلم ، ونشأتها في بيت النبوة، فأصبحت (رضي الله عنها) التلميذة النبوية. § كثرة ما نزل من الوحي في حجرتها، وهذا بما فضلت به بين نساء رسول الله. § حبها للعلم و المعرفة، فقد كانت تسأل و تستفسر إذا لم تعرف أمراً أو استعصى عليها مسائلة، فقد قال عنها ابن أبي مليكة ((كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه)). § ونتيجة لعلمها وفقهها أصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم حتى غدت هذه الحجرة أول مدارس الإسلام وأعظمها أثر في تاريخ الإسلام. وكانت (رضي الله عنها) تضع حجاباً بينها وبين تلاميذها، وذلك لما قاله مسروق((سمعت تصفيقها بيديها من وراء الحجاب)). لقد اتبعت السيدة أساليب رفيعة في تعليمها متبعة بذلك نهج رسول الله في تعليمه لأصحابه. من هذه الأساليب عدم الإسراع في الكلام وإنما التأني ليتمكن المتعلم من الاستيعاب. 5. توفيت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وهي في السادسة و الستين من عمرها،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية و الاجتماعية والسياسية للمسلمين. وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم. فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء. 6. كما أن عروة بن الزبير قال فيها(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة)) وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر( أن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر)). وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي.فهي بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . حفصة رضي الله عنها نسبها: هي حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، ولدت قبل المبعث بخمسة الأعوام. فضائلها: 1. لقد كانت حفصة زوجة صالحة للصحابي الجليل (خنيس بن حذافة السهمي) الذي كان من أصحاب الهجرتين، هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين إليها فرارا بدينه ، ثم إلى المدينة نصرة لنبيه صلى الله عليه و سلم، و قد شهد بدرا أولا ثم شهد أحدا، فأصابته جراحه توفي على أثرها ، و ترك من ورائه زوجته ( حفصة بنت عمر ) شابة في ريعان العمر ، فترملت ولها عشرون سنة. 2- تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم . 3- (حفصة) أم المؤمنين …الصوامة .. القوامة… شهادة صادقة من أمين الوحي (جبريل عليه السلام) !! … وبشارة محققه : إنها زوجتك – يا رسول الله- في الجنة!!… وقد وعت حفصة مواعظ الله حق الوعي .. وتأدبت بآداب كتابه الكريم حق التأدب... وقد عكفت على المصحف تلاوة و تدبرا و تفهما و تأملا ..مما أثار انتباه أبيها الفاروق (عمر بن الخطاب) إلى عظيم اهتمامها بكتاب الله تبارك و تعالى !! مما جعله يوصي بالمصحف الشريف الذي كتب في عهد أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم .. و كتابه كانت على العرضة الأخيرة التي عارضها له جبريل مرتين في شهر رمضان من عام وفاته صلى الله عليه و سلم………..إلى ابنته (حفصة) أم المؤمنين!!.. 4- روى أبو نعيم عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : " لما أمرني أبو بكر فجمعت القرآن كتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر رضي الله عنه- أي : توفي – كان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده- أي: على رق من نوع واحد – فلما هلك عمر رضي الله عنه كانت الصحيفة عند حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها ، فسألها أن تعطيه الصحيفة ؛ و حلف ليردنها إليها، فأعطته ، فعرض المصحف عليها ، فردها إليها ، وطابت نفسه ، و أمر الناس فكتبوا المصاحف …! و قد امتاز هذا المصحف الشريف بخصائص الجمع الثاني للقرآن الكريم الذي تم إنجازه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، بمشورة من عمر بن الخطاب ، و ذلك بعد ما استحر القتل في القراء في محاربة ( مسيلمة الكذاب ) حيث قتل في معركة اليمامة ( سبعون ) من القراء الحفظة للقرآن بأسره .. زينب بنت خزيمة رضي الله عنها نسبها: هي زينب بنت خزيمة الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة بنت الحارث – أم المؤمنين – لأمها ، وكانت تدعى في الجاهلية – أم المساكين – واجتمعت المصادر على وصفها بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء والمساكين. فضائلها: 1. زينب بنت خزيمة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والتي لم يمض على دخول حفصة بيت الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم وقت قصير حين دخلته أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين فكانت بذلك رابعة أمهات المؤمنين. ويبدو أن قصر مقامها ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرف عنها كتاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث فلم يصل من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض واختلاف , وزينب بنت خزيمة أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، قتل عنها في بدر فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة 3 هجرية. 2. واختلف فيمن تولى زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ففي الإصابة عن ابن الكلبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه فتزوجها ، وقال ابن هشام في السيرة : زوَّجه إياها عمها قبيصة بن عمرو الهلالي، وأصدقها الرسول صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم . 3. واختلفوا أيضا في المدة التي أقامتها ببيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الإصابة رواية تقول: كان دخوله صلى الله عليه وسلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر،رضي الله عنها، ثم لم تلبث عنده شهرين أو ثلاثة وماتت " ، ورواية أخرى عن ابن كلبي تقول: ( فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت في ربيع الآخر سنة أربع) . وفي شذرات الذهب: (وفيها- يعني السنة الثالثة- دخل بزينب بنت خزيمة العامرية، أم المساكين، وعاشت عنده ثلاثة أشهر ثم توفيت)، وكانت زينب بنت جحش- رضي الله عنها – أجودهن ؛ يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبرهن باليتامى والمساكين ، حتى كانت تعرف بأم المساكين . هند أم سلمة رضي الله عنها نسبها: هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة، أم سلمة ( ويقال أن اسم جدها المغيرة هو حذيفة، ويعرف بزاد الركب) . وهي قرشية مخزومية ، وكان جدها المغيرة يقال له : زاد الركب ، وذلك لجوده ، حيث كان لا يدع أحدا يسافر معه حامل زاده، بل كان هو الذي يكفيهم. وقد تزوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي. فضائلها: 1. تُعدَّ أم سلمة من أكمل النساء عقلا وخلقا، فهي وزوجها أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام ، هاجرت مع أبي سلمة إلى أرض الحبشة ، وولدت له ((سلمة)) ورجعا إلى مكة، ثم هاجرا معه إلى المدينة. فولدت له ابنتين وابنا أيضا ، وكانت أول امرأة مهاجرة تدخل المدينة. ومات أبو سلمة في المدينة من أثر جرح في غزوة أحد، بعد أن قاتل قتال المخلصين المتعشقين للموت والشهادة . وكان من دعاء أبي سلمة: (اللهم اخلفني في أهلي بخير )، فأخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة، فصارت أمًا للمؤمنين، وعلى بنيه: سلمة، وعمر، وزينب، فصاروا ربائب في حجره المبارك صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة أربع للهجرة (4هـ). 2. كما كانت تعد من فقهــاء الصحــابة ممن كان يفــتي. 3. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها . 4. كان لأم سلمه رأي صائب أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام- لما صالح أهل مكة وكتب كتاب الصلح بينه و بينهم وفرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم حلقوا . فلم يقم منهم رجل بعد أن قال ذلك ثلاث مرات . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت له أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك . فقام - عليه الصلاة و السلام - فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة فنحر بدنته ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .[ كناية عن سرعة المبادرة في الفعل ]. 5. وتعد أم سلمة خير مثال يجب على أمهات وزوجات اليوم الاحتذاء به من خلال تربيتها لأولادها التربية الأخلاقية الكريمة. وكانت خير زوجة وأم صالحة، تملك العقل الراجح ، والشخصية القوية، وكانت قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وتتسم شخصيتها بحسن الأخلاق والأدب ، وهذا ما يندر في كثير من الأمهات والزوجات في وقتنا الحالي. كالعناية بالزوج، والنظر في أمور الأطفال، ومساعدة الزوج في أصعب الأوقات، وتقدير حال زوجها . كل هذا نفتقده في أمهات وزوجات اليوم، وذلك لاستهتارهن بأمور تربية الأطفال ، وإهمال الزوج وعدم رعايته، ومبالغتهن واهتمامهن بأمور الدنيا والتي غالبا ما تكون زائفة لا معنى لها . 6. روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الكثير الطيب، إذ تعد ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ لها جملة أحاديث قدرت حسب كتاب بقي بن مخلد ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا (378). اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر. ومجموع مروياتها حسب ما ورد في تحفة الأشراف مائة وثمانية وخمسون حديثًا (158). زينب بنت جحش رضي الله عنها نسبها: تكنى بأم الحكم. من أخوالها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه – الملقب بأسد الله وسيد الشهداء في غزوة أحد ، والعباس بن عبد المطلب الذي اشتهر ببذل المال وإعطائه في النوائب ، وخالتها صفية بنت عبد المطلب الهاشمية ، أم حواري النبي eالزبير بن العوام الأسدي , ومعتزة بشرف أسرتها ، وكثيرا ما كانت تفتخر بأصلها ، وقد قالت مرة :"أنا سيدة أبناء عبد شمس. فضائلها: 1. تميزت أم المؤمنين زينب بمكانة عالية وعظيمة، وخاصة بعد أن غدت زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم وأما للمؤمنين. كانت سيدة صالحة صوامة قوامة، تتصدق بكل ما تجود بها يدها على الفقراء والمحتاجين والمساكين، وكانت تصنع وتدبغ وتخرز وتبيع ما تصنعه وتتصدق به ، وهي امرأة مؤمنة تقية أمينة تصل الرحم . 2. أخرج الشيخان – واللفظ لمسلم - عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله: " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا" قالت : فكن( أمهات المؤمنين ) يتطاولن أيتهن أطول يدا ، قالت : وكانت أطولنا يدا زينب ؛ لأنها تعمل بيدها وتتصدق . وفي طريق آخر : قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ،وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا ، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة ، وكانت زينب امرأة صناع اليدين ، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله. 3. عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب ، أتقى ل له، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة – رضي الله عنها. 4. زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليمة العرس :فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم المنافقون في ذلك وقالوا حَرم محمد نساء الولد وتزوج امرأة ابنه ! فأنزل عز وجل قوله : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الأحزاب 40وقال جل شأنه : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) الأحزاب5(فدعي من ذلك اليوم ( زيد بن حارثة ) بدلاً من ( زيد بن محمد) .وقد تنزل القرآن الكريم مشيراً إلى هذه القصة التي تداولتها الألسنة وكثر فيها الكلام قال تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) الأحزاب (37 جويرية بنت الحارث رضي الله عنها نسبها:هي برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك من خزاعة ، كان أبوها سيد وزعيم بني المصطلق .عاشت برة في بيت والدها معززة مكرمة في ترف وعز وفي بيت تسوده العراقة والأصالة ، وفي حداثة سنها تزوجت برة من مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة وكانت لم تتجاوز العشرين من عمرها. فضائلها: أعد بني المصطلق العده لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم فتجمعوا لقتاله و كان ذلك بقيادة سيدهم الحارث بن أبي ضرار، وقد كانت نتيجة القتال هي انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وهزيمة بني المصطلق في عقر دارهم . فما كان من النبي إلا أن سبى كثيرا من الرجال والنساء،وكان مسافع بن صفوان زوج جويرية من الذين قتلتهم السيوف المسلمة وقد كانت السيدة جويرية بنت الحارث من النساء اللاتي وقعن في السبى فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري رضي الله عنه ، عندها اتفقت معه على مبلغ من المال تدفعه له مقابل عتقها.لأنها كانت تتوق للحرية . وحينما تذهب السيدة جويرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأتها السيدة عائشة أم المؤمنين فقالت تصفها : كانت حلوة ملاحة. وقالت : فو الله ما رأيتها على باب حجرتي إلا كرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت. جاءت جويرية رسول الله و قالت : " أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس فكاتبني على نفسه تسع أوراق فأعني على فكاكي". ولأن بني المصطلق كانوا من أعز العرب دارا وأكرمهم حسبا ، ولحكمة النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية : " فهل لكِ في خير من ذلك؟". قالت : " وما هو يا رسول الله ؟" . قال: " أقضي عنك كتابتك و أتزوجك" قالت نعم. قال صلى الله عليه وسلم : قد فعلت .وكانت قبل قليل تتحرق طلبا لاستنشاق عبير الحرية و لكنها وجدت الأعظم من ذلك .ففرحت جويرية فرحا شديدا و تألق وجهها لما سمعته من رسول الله ولما سوف تلاقيه من أمان من بعد الضياع و الهوان. وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقالوا : أصهار رسول الله يسترقون !فعتق المسلمون ما كان في أيديهم من سبايا بني المصطلق فقالت عائشة رضي الله عنها : لا نعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية. ويقال ( السيرة النبوية لابن هشان ج3، 308) لما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء أبنته فلما كان بالعقيق ( موضع قرب المدينة ) نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين منها فغيبهما في شعب ( الوادي ) من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال :يامحمد ، أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق ، في شعبِ كذا ؟ فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله . فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله . فأسلم الحارث وأسلم ابنان له وناس من قومه . وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن إسلامها .فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها ،وأصدقها 400 درهم، وقال أبو عمر القرطبي في الاستيعاب : كان اسمها برة فغير رسول صلى الله عليه وسلم اسمها و سماها جويرية. فأصبحت جويرية بعدها أما للمؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين . كانت جويرية رضي الله عنها تروي من حديث رسول صلى الله عليه وسلم يرويه عنها علماء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .و من الذين رووا عن أم المؤمنين جويرية من الصحابة: جابر بن عبد الله الأنصاري، و عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. كما جاء لأم المؤمنين سبعة أحاديث، منها حديث عند الإمام البخاري و عند الإمام مسلم حديثان. و من الأحاديث التي أخرجها الإمام البخاريُ رحمه الله عن قتادة عن أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال: " أصمت أمس" ؟ قالت : لا قال:"تريدين أن تصومي غدا"؟ قالت : لا ، قال: "فأفطري" و هذا يدل على كراهية تخصيص يوم الجمعة بالصوم. أم حبيبة : رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها نسبها: رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . ( كنيتها : أم حبيبة ) صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين محمد- عليه الصلاة والسلام- فأبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين" 1. وأخيراً، فهي من زوجات الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فليس هناك من هي أكثر كرماً وصداقاً منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها. 2 وهذا دليل على زهدها وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائل.أمها : صفية بنت أبي العاص بن أمية ، عمة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه . فضائلها: كانت أم حبيبة من ذوات رأي وفصاحة، تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام- الناس في مكة إلى الإسلام، أسلمت رملة مع زوجها في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة؛ هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها، بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة، فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة، وقلة المؤونة، كما أن رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، في حين نرى بأن سفر هذه الأيام سفر راحة ورفاهية، ووسائل النقل المتطورة ساعدت على قصر المسافة بين الدول. وبعد أشهر من بقاء رملة في الحبشة، أنجبت مولودتها "حبيبة"، فكنيت "بأم حبيبة". توفي زوجها على دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أمًّا لطفلة يتيمة في سن الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المرأة المؤمنة غير الصبر والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله- سبحانه وتعالى-. علم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بما جرى لأم حبيبة، فأرسل إلى النجاشي طالباً الزواج منها، ففرحت أم حبيبة ، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد ابن العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام. فلما كان العشي ، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطبهم فقال : الحمد لله الملك القدوس ، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ، صلى الله عليه وسلم . أما بعد فإن رسول الله كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله ، وقد أصدقتها أربع مئة دينار … ثم تكلم وكيلها خالد بن سعيد فقال : الحمد لله ، أحمده وأستعينه و أستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ، ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص ، فقبضها ، ثم أرادوا أن يقوموا فقال : اجلسوا ، فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج ، فدعا بطعام ، فأكلوا وتفرقوا ، وكان ذلك سنة سبع من الهجرة . وجهزها النجاشي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى المدينة وكان لها يؤمذاك بضع وثلاثون سنة . ولما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه! ويقصد أن الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كما أن في هذا الموقف دعوة إلى مقابلة السيئة بالحسنة، لأنها تؤدي إلى دفع وزوال الحقد والضغينة و صفاء النفوس بين المتخاصمين. روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة،". صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها نسبها: هي صفية بنت حيي بن أخطب وينتهي نسبها إلى هارون أخي موسى عليهما السلام كان أبوها سيد بني النضير قتل مع بني قريظة . أما أمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سَمَوْال من بني قريظة إخوة النضير . فضائلها: تزوجت أولا من فارس قومها وشاعرهم سلام بن مشكم القرظي قبل إسلامها ثم خلف عليها كنانة بن الربيع أبي الحقيق ،وبعد أن قتل زوجها في غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة تزوجها الرسول صلى الله عليها وسلم ولم تكن بعد قد تجاوزت السابعة عشر من عمرها . بعد وقعة الخندق التي كشفت عن حقد اليهود وتآمرهم على المسلمين عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على معاقبة أولئك المتآمرين . فخرج عليه الصلاة والسلام في النصف الثاني من المحرم من السنة السابعة للهجرة إلى ( خيبر ) وعندما صار على مقربة منها هتف :الله أكبر، خربت خيبر، وهتف معه المسلمون ..وفتح الله حصون خيبر على أيدي المسلمين وقتل رجالها وسيبت نساؤها وكان فيهن عقيلة بني النضير ( صفية ) التي لم تكن قد جاوزت السابعة عشرة من عمرها وكانت قد تزوجت مرتين :تزوجها أولاً :سلام بن مشكم ثم تزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيْق صاحب حصن القموص أقوى حصون خيبر . فلما فتح المسلمون الحصن قُبض على ( كنانة ) وجيء به حياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن كنز بني النضير فأنكر أنه يعرف موضعه فقال له النبيصلى الله عليه وسلم أرأيت أن وجدناه عندك ، أأقتلك؟قال : نعم . فلما تبين أن مخبأ الكنز عنده ، دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن سلمة فضرب عنقه بأخيه ( محمود بن سلمة ) الذي قتله اليهود في المعركة . وسيقت نساء حصن القموص سبايا وبينهن(صفية) وابنة عمها يقودهما بلال بن رباح فمر بهما على قتلى من اليهود فلما رأتهم ابنة عم صفية صاحت وصكّت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:أغربوا( أبعدوا ) عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه،وألقى عليها رداءه ، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه . وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً ، لأنه مرّ بصفية وابنة عمها على قتلى رجالهما فقال له : أنُزِعتْ منك الرحمةُ يا بلال ؟ وكانت صفية قد رأت في المنام بُعيد زواجها بكنانة بن الربيع ، أن قمراً وقع في حجرها . فعرضت رؤياها على زوجها فقال : ما هذا إلا أنك تَتَمنيّن ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضَّر عينها منها ، فأتيَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر . ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، بعد أن جمّلتها ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سُليم بنت مِلحان ، بات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب الأنصاري ( خالد بن زيد ، أخو بني النجار ) متوحشاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأى مكانه قال : مالك يا أبا أيوب؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، التي قُتل أبوها وزوجها وقومها في المعركة وكانت حديثة عهد بالكفر فخِفتُها عليك .. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني . بلغ الركب المدينة فتسامعت نساء الأنصار بصفية ، فجئن ينظرن إلى جمالها . ولمح النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة تخرج متنقبة على حذر فتتبع خطواتها من بعيد فرآها تدخل بيت حارثة بن النعمان. وانتظر عليه الصلاة والسلام حتى خرجت فأدركها وأخذ بثوبها وسألها ضاحكاً : كيف رأيت يا شقيراء ؟ فأجفلت عائشة ، وقد هاجت غيرتها ، ثم هزت كتفها وهي تجيب رأيت يهودية )! فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تقولي ذلك ، فأنها أسلمت ( وحسن إسلامها) ولما انتقلت صفية إلى دور النبي صلى الله عليه وسلم واجهتها مشكلة محيرة فقد كانت عائشة ومعها حفصة وسودة في جانب والزوجات الأخريات في جانب آخر تقف فيه فاطمة الزهراء رضي الله عنهن جميعاً فأظهرت استعدادها للانضمام إلى عائشة وحفصة وأهدت الزهراء حلية من ذهب لتكسب ودّها . كانت صفية دائما تذكر بالدم اليهودي الذي يجري في عروقها ، وخاصة من زوجات النبي رضي الله عنهن ، وقد آلم صفية أن عائشة وحفصة اللتين شاركن بقية نساء الرسول في النيل منها ، ومفاخرتها بأنهن قرشيات أو عربيات ، وهي أجنبية دخيلة ،فتضايقت صفية وحدثت النبي صلى الله عليه وسلمبذلك وهي تبكي فقال عليه الصلاة والسلام : " ألا قلت : وكيف تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون وعمي موسى ؟ فسرت صفية بهذا الكلام. وعندما ألم الوجع الذي توفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع إليه نساؤه فقالت صفية رضي الله عنها : أما يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي . فجعلت نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتغامزون ساخرات ، فأبصرهن عليه الصلاة والسلام فقال : ( مَضْمِضْنَ ) ( أي لا تقلن مثل هذا القول ( أغسلن أفواهكن من هذا القول ) . ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ماهو نسب ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ؟ 1- هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بُجير ، العامرية الهلالية .. ينتهي نسبها إلى قيس عيلان بن مضر . أما أمها فهي هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية ، وأمها هي التي كان يقال فيها : ( أكرم عجوز في الأرض أصهاراً ) أصهاراً : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحمزة والعباس ابنا عبد المطلب ، رضي الله عنهما ، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب ، رضي الله عنهما . وكان لها أصهار آخرين ، لهم مكانة رفيعة في قومهم ، هم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبيّ بن خلف الجمحي ، وزياد بن عبد الله بن مالك الهلالي . ماهي فضائل ميمونة بنت الحارث رضي الله عنه ؟ كانت برة بنت الحارث ( ميمونة ) قد تزوجت من مسعود بن عمرو بن عُمير الثقفي ، في الجاهلية ، ثم فارقها ، فخلف عليها : أبو رهم بن عبد العزى العامري ، فتوفي عنها ، وهي في سن السادسة والعشرين من عمرها . زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم: رغبت ( برّة ) في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم وهمست بذلك لأختها أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب .ونقلت أم الفضل رغبة أختها ( برّة ) إلى العباس رضي الله عنه ، فما كان منه إلا أن نقل الرسالة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله عز وجل على نبيه الكريم وَامْرَأَة مُّؤْمِنَةً أن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ أن أَرَادَ النَّبِيُّ أن يَسْتَنكِحَهَاخَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَاعَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (الأحزاب 50) وعاد العباس ، رضي الله عنه ، منشرح الصدر مسروراً ، يحمل البشرى إلى أخت زوجته ، التي غمرتها الفرحة عندما علمت بموافقته عليه السلام . كان ذلك في أثناء عمرة القضاء، في السنة السابعة من الهجرة ، وأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم أربع مئة درهم ، وبعث ابن عمه جعفراً ( زوج أختها أسماء ) يخطبها وأنكحه إياها عمه العباس ولياً عنها . وكانت الأيام الثلاثة التي نص عليها عهد الحديبية قد قاربت نهايتها ، فودّ عليه السلام لو يمهله المكيون ريثما يتم الزواج ، فيكسب بهذا الإمهال مزيداً من الوقت ليمكّن لإسلام هناك ، لكنهم أبَوا ، فلما جاءه رسولا قريش يطلبان إليه أن يخرج قال : ما عليكم ( يوجه الخطاب إلى أهل مكة ) لو تركتموني فأعرست بين أظهركم ، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه ؟ ! ) لكنهما أجابا في جفاء : ( لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا). وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من مكة ، وفاءً بالعهد الذي قطعه على نفسه وفي قلوب المسلمين لوعة وحزن ، وخلّف ملاه أبا رافع بمكة: ليلحق به في صحبة ( برّة ) . وفي ( شرف ) قرب التنعيم ، جاءت برة ، يصحبها مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهناك بنى بها ( تزوّجها ) عليه الصلاة والسلام في شوال من سنة سبع ، وقيل في ذي القعدة ثم عاد بها إلى المدينة المنورة .وسماها ( ميمونة ) مستوحياً ذلك من المناسبة المباركة التي دخل فيها أم القرى بعد غيابه عنها سبع سنين . 4- دخلت السيدة ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها – بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصبحت من أمهات المؤمنين ، الطاهرات المسالمات ، فلم تدخل الغيرة إلى قلبها فلا يذكر مؤرخوا الإسلام ، وكتّاب السيرة حادثة خصومة بينها وبين ضرائرها . وإنما صح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيتها حين اشتد به الوجع في مرض الموت ، فرضيت أن ينتقل ليُمرّض حيث أحب في بيت عائشة . 5- حدثت السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة وأربعين حديثاً . وقد حدث عنها ابن عباس وأبن أختها عبد الله بن شداد وأبن أختها الآخر ، يزيد بن الأصمّ . وكانت ميمونة – رضي الله عنها – تقتدي بسنة زوجها النبي عليه السلام وكان سواكها منقعاً في ماءٍ ، وإن شغلها عمل أو صلاة ، وإلا أخذته فاستاكت به . وكانت – رضي الله عنها – ورعة تقية ، فقد سمعها ابن عباس وهو يقود بعيرها في أثناء ذهابها إلى الحج – تكبر وتهلل حتى رمت جمرة العقبة . (1) (الفتح:29) (2) البخاري ج 4 صفحة 188 / 189 (3) سنن الترمذي - الترمذي ج 5 ص 311 (4) البخاري ج 4 صفحة 189 / 190 (5) البخاري ج 4 صفحة 190 /191 (6) البخاري ج 4 صفحة 191 (7) البخاري ج 4 صفحة 193 / 194 (8) صحيح مسلم ج4 - كتاب فضائل الصحابة y باب من فضائل عمر رضي الله عنه. (9) أخرجه مسلم في الفضائل، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، رقم: 2390. (10) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، رقم:2391 . (11) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، رقم: 2395. (12) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (13) صحيح البخاري ج2 كتاب المساقاه (14) صحيح البخاري، - للإمام البخاري الجزء الثاني - كتاب فضائل الصحابة - باب: مناقب عثمان بن عفان، أبي عمرو، القرشي رضي الله عنه. (15) صحيح مسلم الجزء الرابع. - كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل عثمان بن عفان، رضي الله عنه (16) البخاري ج1 أبواب المساجد/باب: نوم الرجال في المسجد. (17) البخاري ج2 كتاب الجهاد/ باب دعاء النبي (18) البخاري ج2 كتاب فضائل الصحابة باب: مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي
  13. الصديقة ابنت الصديق رضي الله عنهم جميعا اتهمها المنافقون ومازال يتهمونها الله تعالى برأها بالقران ومازال المنافقون المشركون يطعنون بها الله المستعان
  14. الله تعالى رضي عن الصحابة والدليل القران الكريم ومازال هناك اناس ينتقصونهم الله المستعان
  15. العقل زينة ياصاحب الرد فالوهابية اهم اهل السنة ولايوجد فرق بينهم ولايوجد شي اسمه وهابية فالامام رحمة الله لم يدعي الى مذهب معين انما حارب البدع التي انتشرت بالجزيرة وهذا ماقاله الامام الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي وشيخ الاسلام ابن تيمية والتابعين والصحابة الاجلاء والرسول الاعظم محمد صلى الله علية وسلم ثم الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه هو من الصحابة الاجلاء عند اهل السنة ولايمكن لسني ان يقوم بهذا العمل وكل الصحابة عندنا اجلاء رضي الله عنهم ولانلعن ولانسب احدهم لان الله رضي عنهم واني اجذم ان من قام بهذا العمل هو يرد حرب كطائفية ولايوجد مستفيد الا الصهاينة والامريكان فنتحكم بعقولنا ولانرمي التهم
×
×
  • Create New...