Jump to content
منتدى البحرين اليوم

حكمة محبة الله توبة عبدة


مجدم

Recommended Posts

حكمة محبة الله توبة عبدة

 

أيّها المسلم، هل لك أن تعلَمَ بعضَ الحِكَم لمحبّةِ الله لتوبةِ عبده وفرَحِه بها أشدَّ الفرح؟! نعَم، مِنَ الحِكَم العظيمة لمحبّة الله لتوبةِ التائبين أنَّ أسماءَ الله الحسنى تتضمَّن صفاتِه العلا، وتدلّ على هذه الصّفات العظمى، وهذه الأسماءُ تقتضِي ظهورَ آثارِها في الكَون، فاسمُ الله الرّحمنُ الرّحيم يدلّ على اتِّصاف الله جلّ وعلا بالرّحمة كما يليق بجلالِه، ويقتضي أن يوجدَ مخلوقًا مرحومًا، واسمُ الله الخالقُ يدلّ على اتِّصاف الله تعالى بالقدرةِ على الإيجادِ والخَلق، ويقتضي إيجادَ الله للمخلوقات من العَدَم، واسمُ الله الرازقُ يدلّ على اتِّصاف الله بإمدادِ الخَلق بالرّزق، ويقتضِي وجودَ مخلوقٍ مرزوق، واسمُ الله التوّابُ يدلّ على اتِّصال الله بقَبول التوبةِ مهما تكرَّرت، ويقتضِي إيجاد مذنِبٍ يتوب من ذنبِه فيتوب الله عليه، وبقيّةُ أسماءِ الله الحسنى على هذا النّحوِ، كلٌّ منها يدلّ على ذاتِ الله العَظيم، ويدلُّ على صفةِ الله العُظمى التي يتضمَّنها ذلك الاسم، ويقتضِي كلُّ اسمٍ من أسماءِ الله الحسنى ظهورَ آثارِه في هذا الكون، قال الله تعالى: فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير {الروم:50}.

والمقصودُ أنَّ قبولَ توبةِ المذنِب مُقتضَى اسمِ اللهِ التوّاب، وثوابُ التّائب أثرٌ من آثارِ هذا القَبول، قال الله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى:25}.

ومِنَ الحِكَم لمحبّةِ الله لتوبة التائبين أن الله تعالى هو المحسن لذاته ذو المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، فمن أطاع الله بالتوبة أحسن إليه وأثابه في الدنيا والآخرة، ومن ضيع التوبة أحسن إليه في الدنيا وعاقبه في الأخرى بسوء عمله وما ربك بظلام للعبيد {فصلت: 46}.

ومن الحِكَم لمحبّةِ الله تعالى لتوبةِ عبدِه عفوُ الله وشمول رحمتِه للعصاة مع قدرتِه على العقاب، وفي الحديث: "إن الله كتَب كتابًا عنده فوق العرش: إنَّ رحمتي سبَقت غضبي" رواه البخاري(3)، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لم نطَّلع إلاّ على القليل منها.

وتصحُّ التوبة من بعض الذنوبِ، ويبقى الذنبُ الذي لم يتُب منه مؤاخَذًا به، والتّوبةُ بابُها مفتوحٌ لا يغلَق ولا يُحَال بين العبدِ وبينها حتى تطلعَ الشمس مِن المغرِب، فعند ذلك يغلَق بابُ التوبة ولا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنَت من قبلُ أو كسَبت في إيمانها خيرًا، عن زِر بن حُبيش عن صفوانَ بن عسّال رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله فتح بابًا قِبَل المغرِب، عرضُه سبعون عامًا للتوبة، لا يغلَق حتى تطلعَ الشمسُ منه" رواه الترمذيّ وصححه والنسائي وابن ماجه(4).

وقد وَعَد الله على التوبةِ أعظمَ الثواب وحُسن المآب، فقال تعالى: التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين {التوبة:112}، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير {التحريم:8}، وقال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:68-70}، قال بعض المفسرّين: يجعَل مكانَ السيّئةِ التوبة، فيعطِيهِم على كلِّ سيّئة عمِلوها حسنةً بالنّدم والعَزم على عدَم العودةِ فيها.

وعن أنس رضي الله قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : "للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبده حين يتوب إليه من أحدِكم كان على راحلته بأرضِ فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابُه، فأيِس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها وقد أيِس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمةٌ عندَه، فأخذ بخِطامها ثم قال من شدّةِ الفرح: اللهم أنت عبدِي وأنا ربُّك، أخطأ مِن شدّةِ الفرح" رواه مسلم(5).

وأسعدُ الساعاتِ والأيّام على ابنِ آدم اليومُ الذي يتوبُ الله فيه عليه؛ لأنه بدونِ توبةٍ كالميِّت الذي انقطَع عملُه، وبالتوبة يكون حيًّا، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لما أنزل الله توبتَه في تخلُّفه عن غزوة تبوك: وانطلقتُ أتيمم رسولَ الله يتلقّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يهنّئونَني بالتوبةِ ويقولون لي: لتَهنِك توبةُ الله عليك، فسلَّمتُ على رسول الله وأساريرُ وجهِه تبرُق، وكان إذا سُرَّ استنارَ وجهُه كأنه فِلقةُ قمر، فقال: "أبشِر بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذ ولدَتك أمّك" رواه البخاري ومسلم(6).

والتوبةُ عبادةٌ عالِية المقام، قام بها الأنبياءُ والمرسَلون والمقرَّبون والصّالحون، وتمسَّكوا بعُروتها، واتَّصفوا بحقيقتِها، قال الله تعالى: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم {التوبة:117}، وقال تعالى عن الخليلِ إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم {البقرة:128}، وقال عن موسى عليه الصلاةُ والسلام: فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين {الأعراف:143}.

والمسلمُ مضطرّ إلى التوبة ومحتاجٌ إليها في حالِ استقامتِه أو حالِ تقصيره، يحتاج إلى التوبةِ بعد القُرُبات وبعدَ فعل الصالحات، أو بَعد مقارَفَةِ بعضِ المحرّمات.

يا أمَّةَ الإسلام، أذكِّر نفسي وأذكِّركم جميعًا بالتوبةِ إلى الله عزّ وجل، بالتمسُّك بالكتابِ والسنة والبُعد عن البِدَع والخرافاتِ والمحدَثات في الدِّين التي قطَّعت أوصالَ الأمة الإسلامية، وأحذِّرُكم ونفسي من كبائرِ الذنوب ليحفظَكم الله عزّ وجل من شرورِ أعداء الإسلام ومكرِهم وكيدِهم، فإنَّ أعداءَ الإسلام لن ينالوا مِن المسلمين إلاّ بغياب التّوبةِ عن الأمّةِ، ولم تتفرَّق الأمّةُ الإسلامية إلاّ باختلافِ مشاربها وباختلافِ أفهامِها، فاجعَلوا مشربَكم من معينِ كتاب الله وسنّةِ رسولِه ، واجعَلوا أفهامَكم تبَعًا لفَهم الصحابةِ والتابعين ومن تَبِعهم بإحسانٍ؛ يُصلِح الله لكم دنياكم وأُخراكم.

قال الله تعالى: وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير {هود:3}.

فسارِع أيّها المسلم إلى التوبَةِ من كلّ ذنب، السّرُّ بالسرّ والعلانية بالعلانية، وداوم عليها بعد القرُبات أو الإلمام بشيءٍ من المحرمات، قال الله تعالى: وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين {الزمر:54-58}.

وإيّاك أيها المسلم، إيّاك وأماني الشيطانِ وغرورَ الدنيا وشهواتِ النفس والطمَعَ في فُسحةِ الأجَل، فتقول: سأتوب قبلَ الموت، وهل يأتي الموت إلاّ بغتةً؟! وأكثرُ الناس حِيل بينَه وبين التّوبةِ والعياذ بالله لعَدَم الاستعدادِ للموت وغَلَبة الهوى وطولِ الأمل، فأتاهم ما يوعَدون وهم على أسوَأ حال، فانتقلوا إلى شرِّ مآل. ومِنَ النّاس مَن وفِّق للتوبة النصوح بعد أن أسرفوا على أنفسِهم أو قصَّروا في حقِّ الله أو حقوقِ العباد، فصاروا من الصالحين والصّالحاتِ، ذكرُ سِيرتِهم توقِظُ القلوبَ الغافلة، ويقتدِي بها السائرون على الصِّراط المستقيم والآمُّونَ للنهج القويم.

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...