Jump to content
منتدى البحرين اليوم

رائحة المنامة العتيقة


Recommended Posts

رائحة المنامة العتيقة

 

المنامة زهرة التاريخ النابت بين بحرين ، طفولة الجسد الغض ، مساس الحس للبعد منسيا بين زهرة و حديقة ، تسجل تاريخها ذاكرة تكشف عن فتنة الرائحة ، ختلها الذي يجعل الجدران تشف حتى الكشف ، كنت استرق السمع لروائحها ، نعم ؛ هناك وجه للمنامة في الرائحة ، تعبر من خلال رهافة الجسد الذي أبحر في قارورة الجوع ، جزء من ذاكرة المكان والزمان، وهما يخليان الساحة لرهافة الجسد وبهاء الرائحة ، ها هي تعبر كعروس النوم .

 

رائحة مستديرة

 

وردة ممتدة بين البيت و المدرسة ، تصطادها فراشة في عتمة اللا مرئي ، طرف غربي (للمخارقة) ، رائحة تصل بين زوايا الذاكرة و الكعك المتباهي ، وهو يخرج من الفرن الشعبي ، يستدير للأعلى ليطلق رائحته في تحد للفراغ ، فتتفرع للهفة ، كهفا من هواء ، كما يوقد الليل تفاحة للشهوة بين حبيبين ، تؤجج رغبة للقضم وفتنة للذوبان .

 

هناك رائحة أخرى تتسلل على إيقاع الضجيج في الحي على شارع المتنبي ، هي شهوة للقمر المكتمل في أول الليل ، أو فرادة صبايا الحي ، وهن يحملن رائحة الخبر (العجمي) في الق الزهو ، بينما يوقد قنديل الجوع في أفق الظهيرة . فتحارب رائحة للكيروسين ، و هو يتشبث برغبة لجوج لان يترك بصمته على قرابين خبز المساء .

وعلى شارع يخترق السوق القديمة حتى حي (الحطب) ينثر المخبز الآلي روائحه ، يعبث بطفل جائع في صدفة المكان ، أو يمكر بامرأة تفكر في تمرير المجرة عنوة قبل الصباح ! تستبيح الرائحة حالة المكان ، الدعوة عارمة ، الخبز طري ، لون طزاجته يتقد في أغصان الرائحة ، دعوة للرقص مؤجلة .

 

حضور في الرائحة

 

هناك رائحة لشدة حضورها تدخل الغياب ، عند اقترابك من (النعيم) هذا الحي الذي يحتضن المنامة من خاصرتها في الشمال الغربي ، تعبر النسمات مملوءة برائحة البحر ، رائحة تظل تفيض و تأتلف ، لكأنها الغياب ، و هو يحمل أشواق الصيادين حين يلمون ثيابهم فوق رؤوسهم ، لم يخافوا البحر ، ربما يتقون الرائحة ، وهي تحمل تأوهات الأسماك حين تلتصق بالساحل والجسد ، فرارا من البرد ، اقترابا من دفء القلب .

 

صوت يترقرق في دوائر المكان ، تعلق في رجعه رائحة للخشب القادم من البعيد ، كأنها يد طفل تلوذ من الخوف ، طَرقٌ امتلأت رئتاه بزيت السمك (الصل) أو رائحة (الودك) ، صوت الطرق يعلو ليفصح عن رائحة الحديد بعد أن تفصد من ألم المطرقة ، هنا رائحة للتعب تتعثر عن قرب .

 

أسمع رائحة السفن ، تنضج ببطء عند الساحل حتى تسقط في البحر ، هناك رائحة لطين الساحل ، تروي حكايات عن سفن غادرت ، عانقت قاع الخليج ، تركت اصدائها على ذاكرة الرائحة، أو أتت من بعيد في نزهة من الوقت المريع.

 

مكاشفات الرائحة

 

جدرانها القديمة ، بعثت برائحة تتسلل مع الرطوبة التي امتصتها طوال الليل ، حاملة ذاكرة الطين وهي تضيء حنينا داكنا للأماكن القديمة ، تنهنه أحلام الصبايا حينا ، فيستيقظ على رائحة الأشجار بعد أن عبث بها حرير الشمس ، فينتثر عشاقه الولهين برائحة الحبر على ورق الاستنارة ، عماله الشغوفين برائحة المكان يؤججهم للكدح ، و يدعوهم للعودة سالمين ، الأمنيات الطيبة وهي في خفاء حضورها تمتزج مع رائحة القهوة حين تقتنص رائحة الحلوى و هي تبدى مفاتنها للقادمين ، تروى حكايات عن جناح الريح واليمن السعيد ، أو تحاول دمعة سقطت في ثياب الأسى . تنتثر الأحلام التي هدهدتها أسرة عارية أمام سماء الصيف و هي تمطر رطوبتها ، للقطن رائحة أرجوانية معجونة برعونة الصيف .

 

كأن الرائحة تشف عما وراء الجدران ، هنا جارة طيبة تعد طعام الغداء، كانت رائحة السمك المقلي تنبعث من هذا المنزل المختبئ في حي (المخارقة) ، فتلامس في الذاكرة مكان يشتعل بالرغبات ، كلما أوغلت الروح مع غزالة الحنين ، تتشوف رائحة الزعفران ، وهي تنبعث على صوت جارة نادت جارتها لتشاركها طقوس الإعارة .

 

من هناك تنطلق رائحة البصل وهو يحمر خجلا بهدوئه المعهود في الوشوشة ، يطلق رائحته المتوجة لملوك الموائد ، فتحفظه النوايا الطيبة بين اشتعال الذهب و فضة الاحمرار ، تتذكره البيوت المفتوحة للمناضلين مع أكياس الخيش المبلولة ، تنفق بسخائها رائحة الجوت المبلول ، وهو يستميت لوقف تدفق رائحة الدمع في الطرقات ، كم هو شرس هذا البصل! متمرد في يد أمي يدمعها ، وهو يجابه الدمع المثار برائحة القمع .

 

لون لرائحة الفرح

 

وسط ساحة للحي تصر على أن تصادق كل الأبواب رائحة تلبس لون أهل الخليج ربما كانت الجدة تعد (المكبوس) في مطبخها الذي علته سمرة قديمة ، توقد فيه الرائحة حنين السناج للخشب ، وهو يتكوم أمام الأمهات في فريق (الحطب) ، قبل عبور أطياف الأجداد التي تحمل عبق التمر وفوران القهوة القرمزية .

هنا في هذا الحي تحمل شجرة الذاكرة رمانة النارنج و بوح ماء الورد وهو ينتقل برشاقة العروس بين المدعوين ، يفترش المكان مع رائحة للحلويات والفتيان يفضون عنها فتنة الخفاء ، لينبثق الفرح مع زغردات المشموم ، و هو يهطل على قارعة الصدور ، ممتلئة بختل الدعوة لاختلاس النظرات ، و الياسمين رائحة عميقة ذاهبة في صلابة الموسيقى ، لترقص على إيقاع الزغاريد وهي تخترق الجدران و الحي إلى سمت الفضاء ، حتى القمر تلبسته هالة من عطر النرجس على البعد ، كانت دعوة متوقدة كلما استكمل الوقت دورته ، و عاد البخور يستحضر سحر الدجالين ، بهاء المعابد ، تمتمات النذور القديمة ، تعازيم التعاويذ المنذورة لطرد الأرواح ، قفزات النسوة على حجر الاستفاضة .

 

قوس الرائحة

 

في سوق المنامة ، هناك رائحة في الذاكرة للتمر و هو يخلع أثواب الدبس حين يتكدس كالسحب الممطرة ، تمتشق الرائحة سهمها الفضي لتغمده في التاريخ ، تشد قوسها لترمي سهمها الذهبي في القلب ، تنشد عن سواعد العكارين و هم يحدرون النخل و يجنون الثمار ، للتمر رائحة مغموسة بالكد ، بالوله النابض بين أنياب الزمن ، تتنشق سحر البساتين في حي (القلعة) الموغل في سراديب الخوف ورائحة الظلمة .

 

في سوق المنامة رائحة للتبغ ، تنساب مع سعال يستعير الجفاف من رائحة الملح البحري ، ورزانة الزعتر أمام موائد العطارين ، يمسك بتلابيب المكان ، ليثير السعوط عطسات ممتلئة برائحة البهارات ، ومهرجها الفلفل الأسود ينثر سفرجلة الموائد ، بينما يغط الكركم في سبات صفرته النارية ، و تتقد جوزة الطيب طيبا ، بينما يخطب ودها أعواد (الدارسين) ، هكذا تمدد (الفوطن) على الدكة معلنا يباسه المنفرد .

 

 

تحيات بنوته nnn10.gif

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...