Jump to content
منتدى البحرين اليوم

دين 103


Recommended Posts

تفضلي خيتو .. biggrin.gif

 

وإن شاء الله يعجبونج ..او بالاصح يعجبون المدرسة ssm9.gif

 

الاول ..

حجة السنة النبوية

 

1¬ السنة في اللغة، السنة عند الفقهاء والكلاميين، السنة عند الأصوليين، اتفاق واختلاف.

السنة النبوية

حجيتها من الضروريات، الأدلة التي ذكروها على الحجية: الكتاب، السنة، الإجماع، العقل، ومناقشاتها إشكال ودفع.

تعريف السنة:

لكلمة (السنة) تحديدات تختلف باختلاف المصطلحين، فهي في عرف أهل اللغة (الطريقة المسلوكة، وأصلها من قولهم سننت الشيء بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سنا أي طريقا).

(وقال الكسائي: معناها الدوام، فقولنا: سنة، معناها الأمر بالإدامة من قولهم: سننت الماء إذا واليت في صبه).

(وقال الخطابي: أصلها الطريقة المحمودة، فإذا أطلقت انصرفت إليها، وقد تستعمل في غيرها مقيدة، كقوله: من سن سنة سيئة).

(وقيل: هي الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أو سيئة، كما في الحديث الصحيح: من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيمة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيمة(1)).

السنة عند الفقهاء والكلاميين:

وتطلق في عرف الفقهاء على ما يقابل البدعة، ويراد بها كل حكم يستند إلى أصول الشريعة في مقابل البدعة فإنها تطلق على (ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة(2)) وربما استعملها الكلاميون بهذا الاصطلاح، كما تطلق في اصطلاح آخر لهم على (ما يرجح جانب وجوده على جانب عدمه ترجيحا ليس معه المنع من النقيض(3)) وهي بذلك ترادف كلمة المستحب، وربما كان إطلاقها على النافلة في العبادات من باب إطلاق العام على الخاص، وكذلك إطلاقها على خصوص (ما واظب على فعله النبي (صلى الله عليه وآله) مع ترك ما بلا عذر(4)) كما جاء في بعض التحديدات.

السنة عند الأصوليين:

وقد اختلفوا في مدلولها من حيث السعة والضيق مع اتفاقهم على صدقها على (ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو تقرير) وقيدها الشوكاني بقوله (من غير القرآن) وهو قيد في غير موضعه لأن القرآن لم يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما صدر عن الله وبلغه النبي، فهو لا يصدق عليه أنه قوله إلا بضرب من التجوز والتجديد العلمي لا يتحمله، وهناك قيود أخر أضافها غير واحد كقولهم إذا كان في مقام التشريع وسيتضح إن هذه القيود لا موضع لها أيضا لأنه ما من شيء يصدر عن الإنسان بإرادته إلا وله في الشريعة حكم، فجميع ما يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) ¬ بعد ثبوت عصمته ¬ لابد أن يكون صادرا عن تشريع حكم وله دلالته في مقام التشريع العام إلا ما اختص به (صلى الله عليه وآله) وسيأتي الحديث فيه.

وموضع الاختلاف في التحديد توسعة الشاطبي لها إلى ما تشمل الصحابة حيث اعتبر ما يصدر عنهم سنة ويجري عليه أحكامها الخاصة من حيث الحجية، وربما وافقه بعضهم على ذلك، بينما وسعها الشيعة إلى ما يصدر عن أئمتهم (عليهم السلام) فهي عندهم كل ما يصدر عن المعصوم قولا وفعلا وتقريران، وبالطبع إن الذي يهمنا هو المصطلح الثالث أعني مفهومها عند الأصوليين لأن الحديث عن حجيتها إنما يتصل بهذه الناحية دون غيرها، وطبيعة المقارنة تستدعي استعراض آرائهم على اختلافها في هذه المسألة الهامة.

والحديث حول حجية السنة يقع في مواقع ثلاث:

1 ¬ حجية ما صدر عن النبي من قول، أو فعل، أو تقرير.

2 ¬ حجية ما صدر عن الصحابة من ذلك بالإضافة إلى معناها الأول، وهو الذي اختاره الشاطبي.

3 ¬ حجية ما صدر عن الأئمة من أهل البيت بالإضافة إلى معناها الأول أيضا، وهو الذي تبناه الشيعة على اختلاف منهم في المراد من أئمة أهل البيت.

حجية السنة النبوية:

والحديث حول حجية ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير، أوضح من أن يطال فيها الحديث، إذ لولاها لما اتضحت معالم الإسلام، ولتعطل العمل بالقرآن، ولما أمكن أن يستنبط منه حكم واحد بكل ما له من شرائط وموانع، لأن أحكام القرآن لم يرد أكثرها لبيان جميع خصوصيات ما يتصل بالحكم، وإنما هي واردة في بيان أصل التشريع، وربما لا نجد في حكما واحدا قد استكمل جميع خصوصياته قيودا وشرائط وموانع، خذوا على ذلك مثلا هذه الآيات المباركة (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة(5). كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم(6))، (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا(7))، ثم حاولوا التجرد عن تحديدات السنة لمفاهيمها وأجزائها وشرائطها وموانعها، فهل تستطيعون أن تخرجوا منها بمدلول محدد، وما يقال عن هذه الآيات يقال عن غيرها، فالقول بالاكتفاء بالكتاب عن الرجوع إلى السنة تعبير آخر عن التنكر لأصل الإسلام وهدم لأهم معالمه وركائزه العملية.

وقد قامت محاولات على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده للتشكيك بقيمة السنة، أمثال ما حدث به عبد الله بن عمرو، قال: (كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: انك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول، فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق(8))، وربما كان من ردود الفعل لموقف قريش هذا من السنة قول النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يحذر من مغبة تركها: (لا ألفينّ أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه(9))، وقد حاولوا بعد ذلك أن تصبغ هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبيانا لكل شيء، وأمثالها من الأدلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الأم وردّ عليها بأبلغ ردّ، وخلاصة ما جاء في رده: (إن القرآن لم يأت بكل شيء من ناحية، وفيه الكثير مما يحتاج إلى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات، ولا يقوم بذلك إلا الرسول (صلى الله عليه وآله) بحكم رسالته التي عليه أن يقوم بها، وفي هذا يقول الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم(10))، ثم يقول (لو رددنا السنة كلها لصرنا إلى أمر عظيم لا يمكن قبوله، وهو أن من يأتي بأقل ما يسمى صلاة أو زكاة، فقد أدى ما عليه، ولو صلى ركعتين في كل يوم أو أيام إذ له أن يقول ما لم يكن فيه كتاب الله، فليس على أحد فيه فرض، ولكن السنة بينت لنا عدد الصلوات في اليوم وكيفياتها، والزكاة وأنواعها ومقاديرها، والأموال التي تجب فيها(11)).

والحقيقة، إن المناقشة في حجية السنة أو إنكارها مناقشة في الضروريات الدينية وإنكار لها، وليس لنا مع منكر الضروري من الدين حساب، لأنه خارج عن طبيعة رسالتنا بحكم خروجه عن الإسلام، يقول الشوكاني: (والحاصل إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لاحظ له في دين الإسلام(12)) ويقول الخضري من المتأخرين: (وعلى الجملة فان حجية السنة من ضروريات الدين، أجمع عليها المسلمون ونطق بها القرآن(13)) وكذلك غيرهما من الأصوليين، والحقيقة إني لا أكاد أفهم معنى للإسلام بدون السنة، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح، فان إقامة البرهان عليها لا معنى له، لأن أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية، وهو حاصل فعلا بدون الرجوع إليه، ولكن الأعلام من الأصوليين درجوا على ذكر أدلة على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، ولابد لنا من مجاراتهم في هذا المجال مادمنا نريد أن نؤرخ لمبانيهم وحججها من جهة، ونقيمها بعد ذلك من الجهة الأخرى .

1 ¬ حجيتها من القرآن:

استدلوا بآيات من القرآن الكريم على اعتبار الحجية لها أمثال قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول(14))، (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(15)، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (16)).

ودلالة هذه الآيات في الجملة من أوضح الدلالات على حجيتها، إلا أنها فيما تبدو ¬ أضيق من المدعى لأنها لا تشمل غير القول إلا بضرب من التجوز، والمراد إثباته عموم حجيتها لمطلق السنة قولا وفعلا وتقريرا.

الإجماع:

وقد حكاه غير واحد من الباحثين، يقول خلاف: (أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير، وكان مقصودا به التشريع والإقتداء، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أن الظن الراجح بصدقه يكون حجة على المسلمين(17)) وفي سلم الوصول: (الإجماع العملي من عهد الرسول إلى يومنا هذا على اعتبار السنة دليلا تستمد منه الأحكام، فان المسلمين في جميع العصور استدلوا على الأحكام الشرعية بما صح من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم يختلفوا في وجوب العمل بما ورد في السنة(18)).

ولا يعلم مخالف في ذلك من المسلمين على الإطلاق، إلا ما يبدو من أولئك الذين رد عليهم الشافعي وهم على طوائف ثلاث، وجل أقوالهم تنصب على السنة المروية لا على أصل السنة، فراجعها في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد يوسف موسى(19).

ونقلة الإجماع على الحجية كثيرون، إلا أن الإشكال في حجية أصل الإجماع لدى البعض وفي مصدر حجيته لدى البعض الآخر، فان انكرنا حجية الإجماع أو قلنا: إن مصدره من السنة نفسها لم يعد يصلح للدليلية هنا، أما مع إنكار الحجية فواضح، وإما مع انحصار مصدره بالسنة فللزوم الدور لوضوح أن حجية الإجماع تكون موقوفة على حجية السنة، فإذا كانت حجية السنة موقوفة على حجية الإجماع، كانت المسألة دائرة.

دلالة السنة على حجية نفسها:

وقد استدل بها غير واحد من الأصوليين، يقول الأستاذ سلام: كما دل على حجيتها ومنزلتها من الكتاب قوله (صلى الله عليه وآله) وإقراره لمعاذ بن جبل لما قال: أقضي بكتاب الله فان لم أجد فبسنة رسوله(20)) ويقول الأستاذ عمر عبد الله، وهو يعدد أدلته على حجة السنة: (ثانيا إن النبي (صلى الله عليه وآله) اعتبر السنة دليلا من الأدلة الشرعية ومصدرا من مصادر التشريع، كما دل على ذلك حديث معاذ بن جبل حينما بعثه الرسول إلى اليمن(21)).

وهذا النوع من الاستدلال لا يخلو من غرابة لوضوح لزوم الدور فيه، لأن حجية هذه الأدلة موقوفة على كونها من السنة، وكون السنة حجة، فلو توقف ثبوت حجية السنة عليها لزم الدور.

4 ¬ دليل العقل:

ويراد من دليل العقل هنا، خصوص ما دل على عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وامتناع صدور الذنب والغفلة والخطأ والسهو منه، ليمكن القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي من قبيل التشريع، إذ مع العصمة لابد أن تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من إقرار موافقة للشريعة وهو معنى حجيتها.

وهذا الدليل من امتن ما يمكن أن يذكر من الأدلة على حجية السنة وإنكاره مساوق لإنكار النبوة من وجهة عقلية، إذ مع إمكان صدور المعصية منه أو الخطأ في التبليغ أو السهو أو الغفلة لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدعي تأديته عن الله عز وجل لاحتمال العصيان أو السهو أو الغفلة أو الخطأ منه، ولا مدفع لهذا الاحتمال.

ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن تمامية الاحتجاج له أو عليه حتى في مجال دعواه النبوة، لما سبق أن قلنا من أن كل حجة لا تنتهي إلى القطع فهي ليست بحجة، لأن العلم مقوم للحجية.

فإذا ثبتت نبوته بالأدلة العقلية، فقد ثبتت عصمته حتما للتلازم بينهما، وبخاصة إذا آمنا باستحالة إصدار المعجزة من قبل الله تعالى على يد من يمكن أن يدعي النبوة كذبا لقاعدة التحسين والتقبيح العقليين أو لغيرها على اختلاف في المبنى.

إشكال ودفع:

وقد يقال بعدم التلازم عقلا بين إثبات العصمة له وتحصيل الحجة على اعتبار ¬ ما يصدر منه من قول أو فعل أو تقرير ¬ من قبيل التشريع لأن الدليل العقلي غاية ما يثبت امتناع كذبه في ادعاء النبوة لاستحالة صدور المعجزة على يد مدعي النبوة كذبا لا مطلق صدور الذنب منه فضلا عن الخطأ والسهو والنسيان.

ودعوى عدم حصول العلم بكون ما يصدر عنه تشريعا، لاحتمال الخطأ، أو النسيان، أو الكذب في التبليغ، أو السهو، يدفعها الرجوع إلى أصالة عدم الخطأ، أو السهو، أو الغفلة ونظائرها، وهي من الأصول العقلائية التي يجري عليها الناس في اقعهم، ويكون حسابه حساب أئمة المذاهب، من حيث وجود هذه الاحتمالات فيهم، ومع ذلك فان الناس يثقون بأقوالهم ويدفعون الخطأ فيها أو السهو أو الغفلة، أو تعمد الكذب بأمثال هذه الأصول.

وهذا الإشكال من أعقد ما يمكن أن يذكر في هذا الباب، ولكن دفعه إنما يتم إذا تذكرنا ما سبق إن قلناه من أن كل حجة لا تنتهي إلى العلم فهي ليست بحجة، لأن القطع هو الحجة الوحيدة التي لا تحتاج إلى جعل، وبها ينقطع التسلسل ويرتفع الدور.

وهذه الأصول العقلائية التي يفزع إليها الناس في سلوكهم مع بعضهم، لا تحدث علما بمدلولها ولا تكشف عنه أصلا لا كشفا واقعيا ولا تعبديا.

أما نفي الكشف الواقعي عنها فواضح لعدم التلازم بين إجراء أصالة عدم الخطأ في سلوك شخص ما وبين إصابة الواقع والعلم به، ولو كان بينهما تلازم عقلي لأمكن إجراء هذا الأصل مثلا في حق أي شخص واعتبار ما يصدر عنه من السنة ولا خصوصية للنبي في ذلك.

وأما نفي الكشف التعبدي عنها فلأنه مما يحتاج إلى جعل من قبل الشارع، ومجرد بناء العقلاء لا يعطيه هذه الصفة ما لم يتم إمضاؤه من قبله.

وشأنه في ذلك شأن جميع ما يصدرون عنه من عادات وتقاليد وأعراف، والسر في ذلك أن القطع بصحة الاحتجاج به على الشارع لا يتم إلا إذا تم تبنيه من قبله وعلم ذلك منه، وكل حجة لا تنتهي إلى القطع بصحة الاحتجاج بها، فهي ليست بحجة كما سبق بيان ذلك مفصلا.

هذا إذا أعطينا هذه الأصول صفة الامارية، أما إذا جردناها منها واعتبرناها وظائف عقلائية جعلوها عند الشك لينتظم سلوكهم في الحياة، فأمرها أوضح لعدم حكايتها عن أي واقع ليعتبر ما تحكى عنه من قبيل التشريع.

والاعتماد عليها كوظائف لا يتم إلا إذا تم تبني الشارع لها بالإمضاء أيضا لنفس السبب السابق.

وعلى هذا فحجية هذه الأصول وأمثالها موقوفة على إمضاء الشارع لها بقوله أو تقريره، وكون هذا الإمضاء حجة أي موقوفة على حجية السنة، فلو كانت حجية السنة موقوفة عليها كما هو الفرض لزوم الدور.

لبداهة أن حجية الإقرار من قبله (صلى الله عليه وآله) مثلا موقوفة على حجية أصالة عدم الخطأ أو أصالة الصحة أو أصالة عدم الغفلة أو السهو، وحجية هذه الأصول موقوفة على حجية إقراره لها لو كان هناك إقرار، ومع إسقاط المتكرر ينتج إن حجية إقراره موقوفة على حجية إقراره.

والحقيقة إن القول بحجية السنة بشكلها الواسع، لا يلتئم مع إنكار العصمة أو بعض شؤونها بحال.

وليس المهم بعد ذلك أن ندخل في شؤون العصمة وأدلتها فان ذلك من بحوث علم الكلام.

والكلمات بعد ذلك مختلفة ومشتتة، والتأمل فيما عرضناه يكشف فيما نعتقد وجه الحق فيها.

ومهما قيل أو يقال في العصمة على صعيد علم الكلام فأنهم في الفقه مجمعون على اعتبار حجية السنة قولا وفعلا وتقريرا، وهو حسبنا في مجال المقارنة.

على أن حجيتها ¬ كما سبق أن قلنا ¬ ضرورة دينية لا يمكن لمسلم أن ينكرها وهو باق على الإسلام، والاعتراف بها ينطوي على الاعتراف بالعصمة حتما وعدم جواز الخطأ عليه خلافا للقاضي أبي بكر(22).

 

وهذي الثاني ..

جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر

تتضارب الأخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتى تكاد أن تكون متكاذبة، وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدى تناقضها ومخالفتها للأدلة التي ذكرناها آنفاً:

1 - عن زيد بن ثابت، قال: "أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتتبّع القرآن فاجمعه - فوالله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره ((لقد جاءكم رسول...)) (التوبة 9: 128) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر"1.

2 - وعن زيد بن ثابت أيضاً، قال: "قُبِضَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن القرآن جمع في شيء"2.

3 - ورُوي "أنّ أوّل من سمّى المصحف مصحفاً حين جمعه ورتّبه أبو بكر - وفي رواية: سالم مولى أبي حذيفة3- وكان مفرّقاً في الأكتاف والرقاع. فقال لأصحابه: التمسوا له اسماً. فقال بعضهم: سمّوه إنجيلاً، فكرهوه. وقال بعضهم: سمّوه السفر، فكرهوه من يهود. فقال عبد الله بن مسعود: رأيتُ للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسمّوه به"4.

4 - وعن محمد بن سيرين: "قُتِل عمر ولم يجمع القرآن"5.

5 - وعن الحسن: "أنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أوّل من جمعه في المصحف"6.

هذه طائفةٌ من الروايات الواردة بهذا الخصوص، والملاحظ أنّ شبهة القول بالتحريف التي ذكرناها في أوّل بحث جمع القرآن مبتنيةٌ على فرض صحّة أمثال هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، والملاحظ أنّه لا يمكن الاعتماد على شيءٍ منها، وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود رواياتٍ مدسوسةٍ فيها، والقارئ لهذه الروايات وسواها يتلمّس نقاط ضعفها على الوجه التالي:

1 - اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فصريح بعضها أنّ جمع القرآن في مصحف كان في زمان أبي بكر، والكاتب زيد، وأنّ آخر براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر: "اكتبوها، فإنّ رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين"7، وظاهر بعض هذه الروايات أنّ الجمع كان في زمان عمر، وأنّ الآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت، والشاهد معه عثمان، وفي حديث آخر: "جاء رجلٌ من الأنصار وقال عمر: لا أسألك عليها بيّنة أبداً، كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"8. وفي غيره: فقال زيد: من يشهد معك؟ قال خزيمة: لا والله ما أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه"9. وظاهر بعض هذه الروايات أيضاً أنّ الجمع تأخّر إلى زمان عثمان بن عفان. واضطربت الروايات في الذي تصدّى لمهمّة جمع القرآن زمن أبي بكر، ففي بعضها أنّه زيد بن ثابت، وفي أُخرى أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، ويظهر من غيرها أنّ المتصدّي هو زيد وعمر، وفي أُخرى أن نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر"10.

2 - لا تصحّ الرواية الثالثة ؛ لأنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنى، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة "مصحف" حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالى سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.

3 - الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تقدّم بطلان ذلك ؛ لأنّه كان مؤلّفاً مجموعاً على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يشرف على أعمالهم بنفسه، وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم).

4 - هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوى خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها ؛ لأنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة مادامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.

وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لأنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لأنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الأمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبد الله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد - أي من عبد الله بن مسعود "11.. والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: "أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان"12..

وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الإمام عليّ (عليه السلام) الذي استودعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه13، وما من آيةٍ إلا وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال أبو عبد الرحمن السلمي: "ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ (عليه السلام)"14.

وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أقرأهم أُبي بن كعب". أو قال: "أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب"15. أو يأخذه من الأربعة الذين أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل16، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الأمّة وترجمان القرآن بلا خلاف، ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ ؛ لأنّ جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

هاي تقرير دين 103 فيه مقدمة وعرض وخاتمة

 

المقدمة :

 

القرءان هو كلام الله القديم الذِى أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى للمتعبد بتلاوته وإعجاز الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه. قال أهل السنة كلام الله منزل غير مخلوق. وهو مكتوب فِى المصاحف محفوظ فِى الصدور مقروء بالألسنة مسموع بالآذان فالإشتغال بالقرءان من أفضل العبادات سواء أكان بتلاوته أم بتدبير معانيه فهو أساس الدين وقد أودع الله فيه علم كل شىء فإنه يتضمن الأحكام والشرائع والأمثال والحكم والمواعظ والتاريخ ونظام الأفلاك فما ترك شيئا من أمور الدين إلا بينه ولا من نظام الأفلاك والحياة إلا أوضحه قال عليه الصلاة والسلام: (وكتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم, هو الفصل الذِى ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله تعالى ومن ابتغى الهدى فِى غيره أضله الله تعالى, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم, وهو الذِى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضِى عجائبه)أخرجه الترمذِى. وفِى رواية ( هو الذِى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا) من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدِى إلى صراط مستقيم.وروى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضِى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن هذا القرءان مأدبة الله فأقبلوا من مأدبته ما إستطعتم إن هذا القرءان حبل الله المتين والنور المبين والشفاء الناجح عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن إتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا يخلق من كثرة الرد. إتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات, أما إنِى لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).

 

 

 

العرض :

 

الحمد لله الذِى منَّ علينا بالقرءان العظيم وأكرمنا برسالة سيد المرسلين الذِى بعثه رحمة للعالمين المنزل عليه: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون", أما بعد:

لم يَسبق لأمة من الأمم فِى تاريخ البشر أن تعتني بكتاب من الكتب قدر اعتناء هذه الأمة بالقرءان الكريم حفظًا ودراسة وتدوينًا لكل ما له به صلة من قربٍ أو بعدٍ مدى القرون من فجر الإسلام إلى اليوم والى ما شاء الله وقد صدق الله وعده فِى حفظه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر ءاية 9].

فأين سبق فِى تاريخ البشر أن تحفظ أمة كتابًا تستمر على حفظه على تعاقب القرون, يستظهره الصغير و الكبير, والناشئ و الكهل, فِى المدن و القرى و الأصقاع كلها بحيث لو سها تال فِى كلمة منه أو حرف فِى أبعد المواطن عن العواصم يجد هناك من يرده إلى الصواب ويرشده إليه سوى هذا القراءن الحكيم.

و قد حفظته الأمة يوم أن نزل, واستمرت على استظهاره وحفظه فِى الأقطار الإسلامية كلها, وهذا أمر لا يشك فيه إلا من يشك فِى شمس الضحى, أو يتظاهر بالشك , لحاجة فِى النفس, فِى الحقائق الملموسة .

وكان النبِى صلى الله عليه و سلم فِى غاية من الإهتمام بتحفيظ كل ما نزل من القراءن إثر نزوله, يحض الصحابة على تعلم القراءن و تعليمه وحفظه واستظهاره قائلا لهم :"خيركم من تعلم القراءن وعلمه " وما ورد فِى هذا الصدد من الأحاديث الصحيحة يعد بالعشرات.

ونزول القراءن نجوما سهل على أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين أمر حفظه و تعرف أحكامه, و إليه يشير قوله تعالى ( وقرءانًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) [سورة الإسراء 106].

وكان للنبى صلوات الله و سلامه عليه من الكتاب ما يزيد عددهم على أربعين كاتبا, يبادر كتاب الوحى منهم إلى كتابة كل ما ينزل من الذكر الحكيم إثر نزوله بمحضر الصحابة, والصحابة أنفسهم كانوا يسارعون إلى كتابته أو استكتابه كل على حسب استطاعته ومقدار مقدرته. وكانوا يتلونه على الرسول صلى الله عليه وسلم غدوا وعشيا لإستظهاره كما نزل. ولهذه العناية البالغة فِى كتابته وحفظه وتلاوته ترى الكفار يتقولون ما أخبر الله سبحانه عنهم حيث يقول: ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم ءاخرون فقد جاءوا ظلما وزورًا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهِىَ تملى عليه بكرة وأصيلا ) [سورة الفرقان ءاية 5] .

وكان الذين لا أهل لهم من الصحابة الفقراء يأوون إلى صفة مسجد النبِى صلى الله عليه و سلم تحت رعايته عليه السلام يتلون كتاب الله ويتدارسونه حيث كان النبِى صلى الله عليه وسلم يحضهم على حفظه و مدارسته حتى كان لهم دوى بالقراءن فِى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيهم نزل قوله تعالى( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشِى يريدون وجهه ) [سورة الكهف ءاية 28].

وكانت الصفة مدرسة لتحفيظ القراءن وتدريس أحكامه لا ملجأ للعجزة فقط. وكم كان النبِى صلى الله عليه وسلم يرسل منهم إلى القبائل لتعليمهم القراءن وتفقيههم فِى الدين.وكان فِى المدينة, زادها الله تشريفا, دار للقراء ينزلها الوافدون من أهل القراءة منذ عهد مصعب بن عمير رضى الله عنه الذِى كان بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ليعلم أهل المدينة القراءن. وكان النبى صلى الله عليه وسلم أمر أفذاذا من قراء الصحابة أن يقوموا بتعليم القراءن للجمهور, كما أمر الجمهور بتعلم القراءن منهم حتى امتلأت المدينة المنورة بالقراء, وكان النبى صلى الله عليه وسلم يبعث منهم جماعات إلى الجهات التِى أسلم أهلها لتعليمهم القراءن وتفقيههم فِى الدين, وعدد هؤلاء فِى غاية من الكثرة. وقد ذكرت أسماؤهم فِى كتب السير المبسوطة وفِى الكتب المؤلفة فِى الصحابة. والذين استشهدوا منهم غدرا فِى بئر معونة فقط نحو سبعين قارئا حتى استاء النبِى صلوات الله عليه من هذا الغدر غاية الإستياء, فاستمر يقنت فِى الفجر شهرا يدعو على رِعل وذكوان وعُصية بسبب غدرهم بهؤلاء القراء.

وبعد هذه الحادثة ازداد اهتمام الصحابة بحفظ القرءان. وكان من عادة الصحابة أن يعلموا القرءان ءايات ءايات يقومون بتحفيظ هذا سورًا وذاك سورًا أخر ليقوم كل منهم بنصيبه من الحفظ تكثيرًا لعدد حفاظ القرءان بكل وسيلة, فكان منهم من يحفظ القرءان كله, ومنهم من يحفظ سورًا فقط يشاركه فِى حفظها ءاخرون, وهكذا باقِى القرءان موزعًا على جماعات. ومن لا يستظهر القرءان من الجمهور يكثر فيهم جدًا من لا يقل عن أن يكون بحيث ينتبه إلى السهو إذا ما سها التالِى, وذلك من كثرة تلاوتهم للقرءان و توالِى استماعهم إليه. وكان بينهم من يؤم القوم فِى الصلوات الجهرية لا سيما الفجر بقراءة السبع الطوال, بل كان بين الصحابة من يختم القرءان فِى ركعة واحدة كما فعل عثمان وتميم الدارى رضِى الله عنهما, وفعل مثل ذلك أبو حنيفة فِى عهد التابعين, وليس بقليل بين السلف الصالح من كان يختم القرءان فِى كل رمضان ستين ختمة, وأبطأ أهل العلم فِى كل طبقة من يختم فِى كل شهر مرة, والأغلبية العظمى فِى كل طبقة على ختمه فِى كل أسبوع مرة.

وسهل حفظ القرءان على الصحابة ما ءاتاهم الله من قوة الذاكرة وسرعة الحفظ وما حفظه العرب من القصائد والخطب والشواهد والأمثال مما يدهش الأمم, ويقضِى لهم بالتفوق البالغ فِى الحفظ إلا عند أهل القلوب المريضة والأضغان المميتة, فيظهر من ذلك كيف يكون حالهم فِى حفظ القرءان الذِى أخذ بمجامع قلوبهم, وبهر بصائرهم ببلاغته البالغة, ومعانيه العالية مما ينادِى بأنه تنزيل من حكيم حميد.

 

 

الخاتمة :

 

وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يعارض القرءان على جبريل مرة فِى كل سنة فِى شهر رمضان, وفِى عام وفاته صلى الله عليه وسلم كانت المعارضة بينهما مرتين فِى شهر رمضان منه. والمعارضة تكون بقراءة هذا مرة واستماع ذاك ثم قراءة ذاك واستماع هذا, تحقيقًا لمعنى المشاركة فتكون القراءة بينهما فِى كل سنة مرتين, وفِى سنة وفاته أربع مرات, فتفرس النبِى صلى الله عليه وسلم من تكرير المعارضة فِى السنة الأخيرة قرب زمن لحوقه بالرفيق الأعلى, فجمع الصحابة رضِى الله عنهم فعرض القرءان عليهم ءاخر عرضة.

 

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...