Jump to content
منتدى البحرين اليوم

الاسطوره محمد العلي «مهندس الدراما الخليجية» رحل وبقي حلمه


Recommended Posts

tvsupplement.347521.jpg

 

يبدو أن الأيام التي وصل عددها لــ20160 يوما، ونسجت خلالها مشاهد حياة الممثل السعودي الراحل محمد العلي طعمها الخاص، ومذاقها المندلق كالماء البارد في 55 سنة، هي مسافة الزمن التي قطعتها قدما العلي عبر الأيام لتترك ذاكرة مشتعلة في ألبوم صوره، ومسلسلاته، ومسرحياته، وحتى ضحكاته التي انطبعت بشكلها العفوي في وجوه مشاهديه، وأثرها الواضح في آخر مسلسل قدمه لمحبيه «طعم الأيام» الذي قال عنه ابنه فهد «كان أكثر المسلسلات اقترابا منه».

ولعل الأيام أطعمته قسوتها في أول عهده بها عام 1367هـ حينما كان رضيعا لم يكمل منها سوى 30 يوما فقط، استمتع خلالها فرحا بحليب والدته لكنها ما فتئت أن فارقته، ليعيش يتيما من طعم حليبها العالق في ذاكرة تتلاشى ضآلة، وكان حظه حينها أن يظلّ متنقلا بين منازل الأسرة، باحثين له عمن يتولى إرجاع طعم الحليب اللذيذ مرة أخرى إلى فمه، فما كان من الأيام سوى الإشفاق عليه، وسلبها ابنا رضيعا من زوجة خاله التي وجدت فيه سلوتها وتعزيتها، ووجد هو في ثدييها حليبا وافرا يشبه ذلك الذي علق بذاكرة الطفل المثقوبة. كان سعيدا بوالديه اللذين هما في حقيقة أمرهما خاله وزوجته، فوالده لم يستطع رعايته بعد وفاة زوجته، حتى أكمل محمد السابعة، وأصبح والده قادرا على أخذه، حينها كانت فاجعته الأولى التي حملتها الأيام لقلبه الصغير، لما جاءه الصوت «هذا ليس أبوك، وهذه ليست أمك» كان حلما مخمليا استيقظ منه، وسرق منه طعم الحليب الذي انسكب في فمه، وكما يقول ابنه فهد «هذه الصدمة الأولى التي شكلت حقيقة شعوره الذي يفيض بالحنان، وبإحساسه المرهف تجاهه الآخرين».

 

وأمضى محمد حكايته مع الأيام التي أتم منها أربع سنوات مع والده الحقيقي، حتى سن العاشرة، قرر والده أن يعلمه هو وأخاه الأكبر بالخارج، فابتعثهما إلى مدرسة داخلية في دمشق عام 1955، وهناك تفاجأ محمد بعالم آخر مختلف عن الصحراء التي عرفها، إنه عالم منفتح ويتمتع بخصوبة ثقافية وسياسية واجتماعية. وبالرغم من أنه كان محاطا بجدران المدرسة، إلا أن إجازة الأسبوع المخصصة للنزهة كانت نافذته الوحيدة لرؤية ما كانت تنعم به سوريا من انفتاح فكري عبر شوارعها العتيقة المعطرة برائحة الليمون والمشمش، وخلالها اكتشف شيئا جديدا على ثقافته البدوية، شيئا اسمه «السينما» انبهر بها، وبشاشتها العريضة التي تتحدث معه، فكانت ملاذه الأسبوعي، والتي أصبح يجمع «ليرة سورية على ليرة» من مصروفه ليشتري تذكرة، ويتربع على أحد كراسي الصالة، ويلتهم بمتعة «قطعة جاتوه صغيرة بالشكولاته» بحسب قول ابنه فهد. وحينما انتهى من دراسته بالشام، بعثه والده إلى مدرسة أخرى في القاهرة عام 1959، ليكمل تعليمه المتوسط، وحينها كان مراهقا مفعما بالحيوية، ويمتلك كما يقول فهد «كاريزما غريبة، جعلت كل من يقابله يحبه».

 

ويتذكر فهد أحد المواقف التي طالما يذكرها صديق طفولة والده رجل الأعمال السعودي عبد الرحمن الخريف، حينما كان محمد في سن 15 عاماً، وقف له الحضور من الآباء والأمهات في المسرح يصفقون له، وهم يبكون بعدما ألقى كلمة كان قد كُـلف بكتابتها وإلقائها في يوم الأم، ويقول الخريف «لقد كتب كلمات معبرة وفياضة بالإحساس المتناهي عن أمه وحنانها، والحضور لا يعرف أنه يتيم الأم وأنه لم يرها طوال حياته أو يشعر بحنانها».

 

وعندما عاد إلى الرياض بثروة ثقافية وفنية مكنته منها شوارع القاهرة بمسارحها ومقاهيها وسينماتها، التي طالما تقمص أدوار أبطالها، ليعيد تقليدها أمام أصدقائه بين جدران المدرسة، مازحين، ضاحكين، ولم يكن في خلده يوما أن هذه المُزحة المرحة، هي بذرة ولادة خطواته تجاه الفن التمثيلي والدراما بأشكالها، والتي حملها معه إلى مسقط رأسه حينما التحق بمعهد العاصمة لدراسة الثانوية عام 1962.

 

وكبر الحلم معه عندما اشترك بفرقة المسرح الطلابي، وكانت جرأته وقدرته البارعة في التمثيل، قد رشحتاه ليقوم بدور اختير له في مسرحية ستعرض ضمن برنامج زيارة الملك فهد بن عبد العزيز للمدرسة حينما كان وزيرا للمعارف وقتها، فلفت انتباهه، وأعجب بقدرته التمثيلية التي أثنى عليها الأمير الزائر كثيرا. ورغم شغف محمد بالفن الدرامي إلا أنه كان شغوفا بالعلم الذي ارتحل لأجله أمكنة ثرية بثقافتها العربية، وأراد أن يضيف لها ثقافة أخرى تأتي من قلب بريطانيا، و«لندن» التي مكث بها 4 سنوات يدرس الهندسة الإلكترونية، كانت محطته الأكثر ثراء، لأنها قربته من المسرح الأوربي والشكسبيري خاصة، فاطلع على الأدب المسرحي وفنون الدراما بلغتها الأم.

 

وعاد محمد من لندن تملأه الحيوية، وهو في سن 24، مقبلا على العاصمة، وكله حماس، في أن تبدأ الدراما السعودية مشوارها بشكل فاعل في الصحراء.. هذا الحماس هو ما حول دوره المتواضع كطبيب؛ كان يفترض به تأديته في 3 دقائق فقط إلى ارتجال اجتهادي على المسرح مدته 25 دقيقة، أضحك خلالها الجمهور وحتى الممثلين على المنصة، في أول مسرحية سعودية تمثيلا وإخراجا وتأليفا عام 1973، رغم أن مؤلفها إبراهيم الحمدان كان قد اقتبسها من مسرحية فرنسية لموليير «طبيب رغما عنه» وعمل على سعودتها.

 

وكما ذكر الممثل محمد الضويان «لم أعرف محمد قبل هذه المسرحية، وعندما أضحكنا طوال 25 دقيقة، حتى نسيتُ دوري، وخرجت تلك الليلة معه لنصبح أصدقاء» هكذا لفت محمد الانتباه إلى قدرته الدرامية، وبدأ مشواره الفني الجاد، رغم اشتغاله في عمله الوظيفي الذي لم يتقيد فيه بوظيفة حكومية، وإنما تنقل في عدة وظائف بشركات كبرى حتى قرر الاستقلال، وأسس مؤسسة السالم للإنتاج الفني، وكان في بداية مشواره العلمي قد اشتغل في الإعلام، فكان أول مذيع سعودي في القناة الثانية باللغة الإنجليزية.

 

وكما يقول فهد «هناك وجه من والدي لم يعرفه عنه سوى المقربين، لقد كان رياضيا بارعا، فقد لعب التنس باحتراف في مصر، ولعب الملاكمة مدة 3 سنوات، وهو عضو في فريق الرياض لكرة القدم، حتى عندما كبر أصبح عضو شرف بالنادي». ويبدو أن محمد كانت لديه طاقة أراد أن يخرجها فيما هو متاح أمامه، في ظل تهميش المجتمع للفن الدرامي وأصحابه، وتجاهل السينما التي امتطت صهوة التألق في المدن العربية، بينما تظل في المجتمع تمارس بخجل عبر أفلام الفيديو التي تباع هنا وهناك، ويقول فهد «كان شغوفا بالسينما، وتمنى أن يكون بطلا بها». هذا الحلم ظلّ مؤجلا على أمل أن ينفذه العلي من خلال مؤسسته للإنتاج الفني مستقبلا «فقد جاء سابقا للزمن الذي يعيشه مجتمعه» كما يُقال، لكنه حاول قدر ما يستطيع أن يمارس حبه الدرامي عبر المسرح الذي تم تعطيله وغابت عنه المرأة رغم أنه «كان مؤمنا أن يوما من الأيام ستعتلي المسرح السعودي» وكان قد خلف 9 مسرحيات و44 مسلسلا، و15 سهرة، دون أن يكون له فيلم سينمائي واحد يطفئ ذلك الشوق النابت منذ طفولته، وكما يقول عنه المخرج والمؤلف المسرحي علي دعبوش «العلي من الشخصيات النادرة جدا، لنبله وكرمه، وهو بارع دراميا، فمنذ وفاته إلى الآن لم يملأ أحد مكانه الفارغ في الدراما السعودية».

 

ويقول فهد «والدي مرح بطبعه، وإن كان جيبه خالياً من أي ريال، كان يمرح إلى آخر ليلة قبل وفاته، فما أزال أذكر مداعبته، وهو قادم تلك الليلة من عند الطبيب». فمحمد رغم تعب قلبه الكبير الذي أحب الناس والدراما لأجلهم، لم يرغب بأن يشعر من حوله بأن الموت قريب منه حد الصباح، وأن الألم ينتزع نبضات قلبه فأخذ يمازحهم بقوله «وجدت شايب في الـ70، يعاني من قلبه، وسألته كم لك تدخن، وأجابني: 50 سنة، فأخبرته أن الدخان الذي لم يذبحك طول هذه الفترة، لن يذبحني إن شاء الله» كانت كلماته هذه هروبا من تهديد السجائر لقلبه، إلا أنه مات بعد كلماته هذه بساعات.

 

ويقول فهد «وجدته ملقى على الأرض، وكان قبلها يقرأ في الصحف كعادته في حجرة المكتب ولم يكن موته يحمل أي مقدمات، سوى إحساس أختي بالخوف قبل وفاته بساعات» فحينما كانت تجلس معه وتشاهد مسلسل «طعم الأيام» الذي كان يعرض حينها في تلك الليلة حلقة يتعرض فيها لجلطة هالكة، ويسقط أمامها من خلال الشاشة الصغيرة، لتصرخ منادية له، وتأتي يده الحانية عليها مطمئنة لها، قائلا «أنا بجوارك يا بابا». لكنه ما أن بدأ الصباح بساعات كان العلي قد رحل في يوم ولادة حفيدته «نجد» دون أن يراها، تاركا خلفه كلماته في أذني ابنته، ومسلسله «طعم الأيام» الذي ظل جمهوره يشاهده حينها، وهو غير مصدق، أن العلي مات، ومجموعة ذكريات درامية عالقة في ذاكرة الأصدقاء، وحتى الأعمال الإنسانية الخيرية التي كان يرعاها ظلت تتمتع بالحياة، وبحسب فهد «بعد وفاته، اكتشفنا أن هناك بيوتا للفقراء كان يرعاها، وكثيرة هي الاتصالات التي أخبرتنا بذلك، ولم يكن يخبرنا أثناء حياته بذلك» وهكذا كان طعم الأيام مع محمد العلي التي طوت آخر صفحات كتابها معه في 4 يناير عام 2002، ليدفن يوم الجمعة وتشهد جنازته عددا غفيرا من المشيعين، ويبقى في الذاكرة «إنسانا بحق» كما وصفه دعبوش.

 

Link to comment
Share on other sites

مشكور على الموضوع

 

اللي فعلا رجعنا لورى وتبقى ذكراه خالده عند كل الخليجين مو بس السعودين

 

يعطيك العافيه على الموضوع

 

تحياتي لك

 

اخوك ,,

*^*علاوي*^*

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...