Jump to content
منتدى البحرين اليوم

سيرة عنترة بن شداد


antar zamaneY

Recommended Posts

لا تنتسب سيرة عنترة بن شداد إلى الأنواع التقليدية للقصص الشعبية العربية المعروفة، فهي ليست فلسفية كما هي قصة حي بن يقظان لأبن طفيل، ولا كتاباً في اللغة كما هي مقامات الهمذاني والحريري، ولا سفراً في الحكم والأخلاق كما هي كليلة ودمنة لأبن المقفع.

 

إنها لدى البعض "وبعضهم من المستشرقين" إلياذة العرب في جانب من جوانب الفروسية الأسطورية الموشاة بالعشق الأسطوري، على الرغم مما يفارق بين المعشوقتين (عبلة) و (هيلانة) من دور سلبي منتظر، في الأولى وإيجابي مشارك في الثانية .. وهي إلياذتهم في استطالتها واستطراداتها بما زاد على غيرها، وفي حقيقة التسجيل الحي لدور الأبطال والجيوش والمعارك الطاحنة في بيان زاخر بالمدهشات والمفاجآت والخوارق، تبادل على مجراه الواقع والتخيل واختلط فيه الكلام الموحي، بالنثر والشعر، وليس من دون مغزى أن تعلق قصيدة ابن شداد: (هل غادر الشعراء من متردم، أم هل عرفت الدار بعد توهم) على أستار الكعبة من بين أمهات القصائد العربية.

 

وبالاستناد إلى التحديدات الأكاديمية الميثولوجية، فإن قصة عنترة بن شداد لا تحسب من الأساطير لأنها لم تهتم بأسئلة الكون التي تحيط بالأحداث، ولا تفيد في تهجي الملامح التاريخية والحضارية للجماعة التي تنتسب لهم القصة، كما أنها ليست من الملاحم لأنها ليست عبارة عن قصيدة مطولة من الشعر، إنها قصة أو سيرة من السير الشعبية الشفاهية حيث جرى توليفها في مرحلة لاحقة من تاريخ حدوثها المفترض، (عشية ظهور الإسلام).

 

وإذا صارت القصة على كل لسان، وفي قرون عديدة فقد توزعت نصوصها أخيراً من حيث مصادرها على ثلاثة أمصار، حجازية، وشامية، وعراقية، ولكل من تلك النصوص (أو الطبعات) مذاقها وبيئتها البدوية من دون أن تختلف السياقات أو بنى المفردة العربية المسجوعة.

 

يعتبر الأصمعي "أبو سعيد عبد الملك" أول من وضع سيرة عنترة بن شداد في عالم الكتب، وكان معنياً بدراسة المفردة البدوية وعالمها وإيقاعها. عير أن مداخلات أخرى أعطت أولوية التأليف إلى الطبيب والشاعر البغدادي أبي (العنتري) قبل الأصمعي بعقود، وقد ورد ذكر مؤلف الصائغ في كتاب لابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، وجاء في البعض من التأويلات أن المؤلف إنما هو يوسف بن إسماعيل المصري حيث طلب إليه تأليفه في أكثر من سبعين جزءاً الخليفة الفاطمي العزيز بالله، لصرف الناس عن ريبة وقعت في بلاطه، فيما حرص غالبية مترجمي السيرة إلى اللغات الأجنبية والمهتمين بها من المستشرقين، على إضفاء الشك حول مؤلفها الأول أو الحقيقي، الأمر الذي ضاعف من إمعان التصرف في سطورها.

 

ولعل أبرز ما أثار اهتمام الباحثين والرواة ذلك الجانب الذي يتصل بالشجاعة الأسطورية لعنترة، وقد تهجى الكثير منهم معاني ودلالات ووشائح تلك الشجاعة في سير قديمة أخرى (كالسيرة الهلالية) لكي يتوصلوا إلى أن الآية والمبرر والمعادل الموضوعي للمبالغة والاستطراد في اجتراح المعجزات يمكن قراءته في حاجة العرب الذين واجهوا حروب الصليبين (عهود تأليف السيرة)، إلى إضفاء عناوين القوة الأسطورية على أبطالهم، لإعلاء الشأن فيهم ولاستلهام روح البسالة منهم، استقواء على الأعداء … هذا وعنتر يطعن في الأعداء بالطول والعرض وينثر الفرسان على ظهور الخيل فيقلبها على الأرض.

 

وقد عاشت أرواح بني عبس بعد الممات، ونادى الملك قيس على الأبطال والسادة، يا بني عمي في مثل هذه الأوقات يكون الصبر والثبات، فدوتكم الخيل والرجال، وابشروا ببلوغ الآمال، فقد قدم حاميتكم عنتر فارس البدو والحضر، فعند ذلك تقدموا وصاحوا وهجموا وحملوا بقلوب قوية، ومدوا إلى أعدائهم الرماح السمهرية، والتقت الفرسان بالفرسان، وطارت الرؤوس عن الأبدان .. الخ.

 

على أن سيرة عنترة في أطياف نشأتها هي سيرة ابن منحدر من أم جارية سوداء (زبيبة) ومن أب من أمراء بني عبس (شداد) عاش آلام التمايز في التحدر واللون.

 

وقد تركزت القصة على رسالة فصيحة قدت من خامة المجتمع البدوي ومن تجليات الالتباس في الأنساب لتقول: "إن المرء مهما كان لونه ونسبه يمكن أن يصبح علماً وقدوة" حيث نفخ ابن شداد في صورة الفروسية ما لا يعقل من الخوراق منذ أن كان في المهد .. ففي عامه الأول صار يهمهم ويدمدم إذا منع عنه الرضاع، ويقطع كل يوم قماطاً جديداً ولو كان حديد، وحين كبر راح يطارد الأسود والذئاب فيقبض على أشداقها ويشقها إيما انشقاق .. وصار يثير الخوف بالأقران من الشريرين من أمثال "داجي" الذي جلد به الأرض، وأدخل طوله بالعرض".

 

ومع إعجاب عنترة بابنة عمه عبلة ووقوعه في حبها ورغبته في الزواج منها بدأت مأساته الطويلة، فقد ثار العم على تجاوز "العبد" حدود اللياقة واعتبارات اللون مما دفع العاشق في دروب المغامرات حتى حلت بالقبيلة هزيمة وسبي كانت عبلة من بين السبايا فناشده أبوه وعمه إلى إنقاذ القوم ووعداه بالانعتاق وبعبلة معاً، غير أن العم بعد نجاح عنترة نكث، ثم عاد وحمل العاشق شروطا فوق طاقة البشر على تحقيقها فلم يكن للأخير بد لنيل مناه، من اجتراح المعجزات وخوص الحروب، فتنافرت الخيل وصهلت، وبرزت الرجال واتصلت، وشرعت في القتال وتصادمت وشربت الفرسان كؤوس الموت وتناهلت.

 

ودام الضرب وزاد الكرب واختلطت المواكب، واختلقت القواطب، وعزت المطالب وبل العرق اللحى والشوارب، وأنكر الغرائب القرائب، وسكر من كأس الهياج كل شارب، وطلع الغبار على المشارق والمغارب، وظهرت من عنتر بن شداد الأهوال والعجائب، ونال ما كان له طالب، وسطا سطوات جبار لا ينظر في العواقب .. وطير الرؤوس من المناكب، ووقعت الشجعان من على ظهور النجائب.

 

وفي تحولات هذه السيرة نرحل إلى بلاد فارس والشام والحبشة وديار الروم حتى السودان والجزائر، وهي ميادين لمعارك عنترة من غير أن تأخذ معرفة ما عن هذه البلدان والأمصار، وهو عيب أخذه البعض على السيرة فضلا عن عيوب أسلوبية تتمثل في الغلو بالسجع الذي يأخذ القصة إلى الهبوط نحو التبسيطية والتهافت، غير أن أحداً لم يكن لينكر سمو شعر عنترة وقوته، وليس في ذلك سراً إذا ما عرفنا حقيقة أن الصنعة من طينة صانعها في نهاية الأمر.

 

أتاني طيف عبلة في المنام

وقبلني ثلاثاً وأودعني لهيباً

وأطفئه فيشعل العظام

ولولا أنني أخلو بنفسي

وأطفئ بالدموع لظى عظامي

لمت جوى ولا أشكو لأني

أخاف عليك يا بدر التمام

 

سيرة عنترة بن شداد

 

لا تنتسب سيرة عنترة بن شداد إلى الأنواع التقليدية للقصص الشعبية العربية المعروفة، فهي ليست فلسفية كما هي قصة حي بن يقظان لأبن طفيل، ولا كتاباً في اللغة كما هي مقامات الهمذاني والحريري، ولا سفراً في الحكم والأخلاق كما هي كليلة ودمنة لأبن المقفع.

 

إنها لدى البعض "وبعضهم من المستشرقين" إلياذة العرب في جانب من جوانب الفروسية الأسطورية الموشاة بالعشق الأسطوري، على الرغم مما يفارق بين المعشوقتين (عبلة) و (هيلانة) من دور سلبي منتظر، في الأولى وإيجابي مشارك في الثانية .. وهي إلياذتهم في استطالتها واستطراداتها بما زاد على غيرها، وفي حقيقة التسجيل الحي لدور الأبطال والجيوش والمعارك الطاحنة في بيان زاخر بالمدهشات والمفاجآت والخوارق، تبادل على مجراه الواقع والتخيل واختلط فيه الكلام الموحي، بالنثر والشعر، وليس من دون مغزى أن تعلق قصيدة ابن شداد: (هل غادر الشعراء من متردم، أم هل عرفت الدار بعد توهم) على أستار الكعبة من بين أمهات القصائد العربية.

 

وبالاستناد إلى التحديدات الأكاديمية الميثولوجية، فإن قصة عنترة بن شداد لا تحسب من الأساطير لأنها لم تهتم بأسئلة الكون التي تحيط بالأحداث، ولا تفيد في تهجي الملامح التاريخية والحضارية للجماعة التي تنتسب لهم القصة، كما أنها ليست من الملاحم لأنها ليست عبارة عن قصيدة مطولة من الشعر، إنها قصة أو سيرة من السير الشعبية الشفاهية حيث جرى توليفها في مرحلة لاحقة من تاريخ حدوثها المفترض، (عشية ظهور الإسلام).

Link to comment
Share on other sites

وإذا صارت القصة على كل لسان، وفي قرون عديدة فقد توزعت نصوصها أخيراً من حيث مصادرها على ثلاثة أمصار، حجازية، وشامية، وعراقية، ولكل من تلك النصوص (أو الطبعات) مذاقها وبيئتها البدوية من دون أن تختلف السياقات أو بنى المفردة العربية المسجوعة.

 

يعتبر الأصمعي "أبو سعيد عبد الملك" أول من وضع سيرة عنترة بن شداد في عالم الكتب، وكان معنياً بدراسة المفردة البدوية وعالمها وإيقاعها. عير أن مداخلات أخرى أعطت أولوية التأليف إلى الطبيب والشاعر البغدادي أبي (العنتري) قبل الأصمعي بعقود، وقد ورد ذكر مؤلف الصائغ في كتاب لابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، وجاء في البعض من التأويلات أن المؤلف إنما هو يوسف بن إسماعيل المصري حيث طلب إليه تأليفه في أكثر من سبعين جزءاً الخليفة الفاطمي العزيز بالله، لصرف الناس عن ريبة وقعت في بلاطه، فيما حرص غالبية مترجمي السيرة إلى اللغات الأجنبية والمهتمين بها من المستشرقين، على إضفاء الشك حول مؤلفها الأول أو الحقيقي، الأمر الذي ضاعف من إمعان التصرف في سطورها.

 

ولعل أبرز ما أثار اهتمام الباحثين والرواة ذلك الجانب الذي يتصل بالشجاعة الأسطورية لعنترة، وقد تهجى الكثير منهم معاني ودلالات ووشائح تلك الشجاعة في سير قديمة أخرى (كالسيرة الهلالية) لكي يتوصلوا إلى أن الآية والمبرر والمعادل الموضوعي للمبالغة والاستطراد في اجتراح المعجزات يمكن قراءته في حاجة العرب الذين واجهوا حروب الصليبين (عهود تأليف السيرة)، إلى إضفاء عناوين القوة الأسطورية على أبطالهم، لإعلاء الشأن فيهم ولاستلهام روح البسالة منهم، استقواء على الأعداء … هذا وعنتر يطعن في الأعداء بالطول والعرض وينثر الفرسان على ظهور الخيل فيقلبها على الأرض.

 

وقد عاشت أرواح بني عبس بعد الممات، ونادى الملك قيس على الأبطال والسادة، يا بني عمي في مثل هذه الأوقات يكون الصبر والثبات، فدوتكم الخيل والرجال، وابشروا ببلوغ الآمال، فقد قدم حاميتكم عنتر فارس البدو والحضر، فعند ذلك تقدموا وصاحوا وهجموا وحملوا بقلوب قوية، ومدوا إلى أعدائهم الرماح السمهرية، والتقت الفرسان بالفرسان، وطارت الرؤوس عن الأبدان .. الخ.

 

على أن سيرة عنترة في أطياف نشأتها هي سيرة ابن منحدر من أم جارية سوداء (زبيبة) ومن أب من أمراء بني عبس (شداد) عاش آلام التمايز في التحدر واللون.

 

وقد تركزت القصة على رسالة فصيحة قدت من خامة المجتمع البدوي ومن تجليات الالتباس في الأنساب لتقول: "إن المرء مهما كان لونه ونسبه يمكن أن يصبح علماً وقدوة" حيث نفخ ابن شداد في صورة الفروسية ما لا يعقل من الخوراق منذ أن كان في المهد .. ففي عامه الأول صار يهمهم ويدمدم إذا منع عنه الرضاع، ويقطع كل يوم قماطاً جديداً ولو كان حديد، وحين كبر راح يطارد الأسود والذئاب فيقبض على أشداقها ويشقها إيما انشقاق .. وصار يثير الخوف بالأقران من الشريرين من أمثال "داجي" الذي جلد به الأرض، وأدخل طوله بالعرض".

 

ومع إعجاب عنترة بابنة عمه عبلة ووقوعه في حبها ورغبته في الزواج منها بدأت مأساته الطويلة، فقد ثار العم على تجاوز "العبد" حدود اللياقة واعتبارات اللون مما دفع العاشق في دروب المغامرات حتى حلت بالقبيلة هزيمة وسبي كانت عبلة من بين السبايا فناشده أبوه وعمه إلى إنقاذ القوم ووعداه بالانعتاق وبعبلة معاً، غير أن العم بعد نجاح عنترة نكث، ثم عاد وحمل العاشق شروطا فوق طاقة البشر على تحقيقها فلم يكن للأخير بد لنيل مناه، من اجتراح المعجزات وخوص الحروب، فتنافرت الخيل وصهلت، وبرزت الرجال واتصلت، وشرعت في القتال وتصادمت وشربت الفرسان كؤوس الموت وتناهلت.

 

ودام الضرب وزاد الكرب واختلطت المواكب، واختلقت القواطب، وعزت المطالب وبل العرق اللحى والشوارب، وأنكر الغرائب القرائب، وسكر من كأس الهياج كل شارب، وطلع الغبار على المشارق والمغارب، وظهرت من عنتر بن شداد الأهوال والعجائب، ونال ما كان له طالب، وسطا سطوات جبار لا ينظر في العواقب .. وطير الرؤوس من المناكب، ووقعت الشجعان من على ظهور النجائب.

 

وفي تحولات هذه السيرة نرحل إلى بلاد فارس والشام والحبشة وديار الروم حتى السودان والجزائر، وهي ميادين لمعارك عنترة من غير أن تأخذ معرفة ما عن هذه البلدان والأمصار، وهو عيب أخذه البعض على السيرة فضلا عن عيوب أسلوبية تتمثل في الغلو بالسجع الذي يأخذ القصة إلى الهبوط نحو التبسيطية والتهافت، غير أن أحداً لم يكن لينكر سمو شعر عنترة وقوته، وليس في ذلك سراً إذا ما عرفنا حقيقة أن الصنعة من طينة صانعها في نهاية الأمر.

 

أتاني طيف عبلة في المنام

وقبلني ثلاثاً وأودعني لهيباً

وأطفئه فيشعل العظام

ولولا أنني أخلو بنفسي

وأطفئ بالدموع لظى عظامي

لمت جوى ولا أشكو لأني

أخاف عليك يا بدر التمام

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...