Jump to content
منتدى البحرين اليوم

تقطير الإعلام


Recommended Posts

تقطير الإعلام

 

بقلم د. : هند المفتاح (أستاذة جامعية) ..لقد أولت حكومتنا الاهتمام بتقطير وظائف القطاع العام منذ عقود ماضية وذلك إدراكا للدور التنموي الذي يجب أن يلعبه المواطن القطري في نهضة بلاده الاقتصادية. فقد تم رسم الخطط ووضع السياسات والتركيز على الاستثمار في المواطن القطري باعتباره عنصر وأساس تحقيق وضمان استدامة أي تنمية اقتصادية مستدامة.

 

ونظرة سريعة لحال "التقطير" في القطاع الإعلامي، ستسفر عن "تجاهل" أو"عدم الاكتراث" لتقطير الوظائف وعلى الأخص في المجال المهني والهندسي والدعم الفني وربما قد يكون القطاع الإعلامي، في حال توفر الإحصائيات، القطاع الأكثر "تقصيرا" في نسبة التقطير المهني والفني!.

 

فالجدير بالذكر انه قد مر أكثر من 35 سنة على إنشاء تليفزيون وإذاعة قطر، وأكثر من 14 سنة على شبكة الجزيرة، وأكثر من 4 سنوات على إنشاء قناة الدوري والكأس وأكثر من 7 سنوات على إنشاء إذاعة وصوت الخليج وما يقارب 4 سنوات على إنشاء إذاعة الريان، وهناك عدد من المشاريع الإعلامية في طريقها نحو البث الرسمي كقناتي الريان والدوحة، إلا أن تقطير وظائف هذه الأجهزة لم ينل إلا الوظائف الإدارية أو الهامشية المساعدة.

 

أما فيما يتعلق بتقطير الوظائف الإعلامية المهنية والهندسية والفنية، والتي تعتبر عامود وأساس تشغيل وإدارة أي مؤسسة إعلامية مرئية أو سمعية، فما زالت الجهود محدودة ولم تأخذ نصيبها من الاهتمام على مدار السنوات الماضية مع إن الدولة تدفع مبالغ كبيرة لإبراز هويتها الحضارية الوطنية.

 

مما لا شك فيه أن الهوية الإعلامية للدولة تحتاج إلى ترسيخ وتفعيل من خلال برامج قوية المضمون واللغة، تستقرئ واقع الحياة في المجتمع وتسلط الضوء على أبرز تحدياته وهمومه. وعليه، فانه من الضروري معالجة المسببات/المعوقات التي تحول دون إقبال مؤسسات الإعلام على توطينه أو عدم إقبال المواطنين على العمل فيه.

 

ولقد ترتب على هذا "الصد والجفاء" أن فقدت اللغة العربية، واللهجة القطرية المحلية، والعادات والتقاليد، مكانتها في الوسائل الإعلامية وبالذات في الإذاعة والتلفزيون، ولم تحقق أي عائد معنوي أو حتى مادي من الملايين التي أنفقت عليها خلال العقود الماضية، على الأقل، بالمستوى المتوقع منها في ظل هذا التطور الإعلامي التكنولوجي المتلاحق والمتسارع، والذي أصبح له سوق تنافسي لا يقل "قيمة" عن سوق البورصة، إن لم يكن أغلى منه!

 

وأصبح الإعلام المحلي المرئي والسمعي "كوكتيلا" أو طبق "سلطة بألوان قوس قزح" متعدد الهويات والثقافات ولا يكاد يمت للمجتمع القطري إلا في اليوم الوطني!

 

عفوا قرائي الكرام...لحظة...لا أقصد من أعلاه "التعصب القبيح" لأبناء وطني، وليس بإمكان قلمي المتواضع نكران الجهود الواضحة التي بذلها العديد من إخواننا غير القطريين في نهضة وتقدم إعلامنا عبر العقود الماضية، وشئنا أم أبينا، ما زالت ذكرى العديد من الوجوه والأصوات ممن كان لها أبلغ الأثر في تثقيفنا وتوجيهنا وإرشادنا إعلاميا عبر الشاشة الصغيرة وعبر الأثير عالقة في أذهاننا... فمن الإجحاف نكران دورهم والتنكر لعطائهم اللا محدود... ولكنه من الإجحاف أيضا "تعطيل وتهميش" مواطنة القطريين في قيادة إعلامهم، على الأقل المحلي!!!

 

إن الاعتماد والاستعانة بغير المواطنين في الإعلام، شأنه شأن أي قطاع آخر، سيظل أمراً طبيعيا لا محالة منه لصغر حجم السكان القطريين وعدم قدرتهم على مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية بشكل عام، ولكن هذا لا يعني بتاتا إن القطريين، وان صغر عددهم، "صغرت عقولهم"، وتضاءلت كفاءتهم ومهاراتهم الإعلامية والهندسية والفنية في مجال الإعلام"!!!

 

وحسب الجدل المثار في الساحة الإعلامية، فان أهم المسببات المعيقة لعدم إقبال مؤسسات الإعلام على توطين المهن الإعلامية والمهن الهندسية والفنية المساندة هي "الحجة التي أريد بها باطل في أغلب المناظرات" ألا وهي "ضعف المخرجات التعليمية في المجال الإعلامي!"، صعوبة بيئة ومشقة العمل الإعلامي في حد ذاته، متبوعا بعوامل أخرى مرتبطة "بالنظرة النمطية" للمواطن بشكل عام من حيث كونه "غير مجتهد" و "كسول" و"مكلف" و"غير واثق من نفسه" وغير ذلك من الصفات غير المتوافقة مع طبيعة ومتطلبات العمل الإعلامي!

 

فإن كان ذلك ما يدعيه قياديو وأصحاب القرار في المؤسسات الإعلامية، فماذا ردهم على إعلاميي قطر الأوائل؟ الم نستمتع يوما ونحن نشاهد ونستمع إلى خيرة من الشباب القطري في تليفزيون وإذاعة قطر، يحاورون ويجادلون بكل فصاحة وطلاقة ومعرفة وثقة بالنفس، يملؤهم الزهو بوطنيتهم ويقودهم حماس "كلنا قطر" دون أن ينتظروا كلمة شكر أو جواب شكر أو تكريما في محفل رسمي أو "بونس" في راتبهم الشهري...!!! وإنما كان يكفيهم فخرا الظهور بالثوب القطري والعباءة القطرية والحديث باللهجة القطرية... أليس هؤلاء مواطنين من أبناء وبنات هذا الوطن الجميل!و بدون ذكر أسماء، حتى لا نظلم أحدا بالنسيان سهوا، فقد "كفوا ووفوا" وكانوا وما زالوا قادة وروادا للإعلام القطري... ألا يجدر بمؤسسة الإعلام القطري أو شبكة الجزيرة، وهما واجهتا الإعلام في قطر، الاستعانة بهذه "الخبرات" لتدريب الجيل الصاعد من إعلاميى الغد!

 

أليس أحرى بكم يا صناع القرار في هذه المؤسسات الإعلامية أن تمكنوا الجيل الجديد من الإعلاميين بالاستفادة منهم مهنيا قبل ركنهم إلى "البند المركزي" أو تحويلهم إلى "التقاعد المبكر" أو "خبراء" ينتظرون من "يزورهم في السنة مرة"!

 

ولنتحدث عن المحور الثاني "للصد والجفاء المؤقت" بين المؤسسات الإعلامية المحلية والمواطن... عدم إقبال المواطنين على العمل في قطاع الإعلام! ولعل أهم المعوقات تدور حول غياب كثير من الامتيازات مقارنة بقطاعات أخرى أقل أهمية.! ولنتحدث بقليل من الواقعية وكثير من الصراحة !

 

هل يعقل أن يتساوى الإعلاميون والمهندسون في مؤسسة قطر للإعلام في الامتيازات المالية مع موظفي أي جهاز حكومي آخر خاضع لقانون الموارد البشرية، مع العلم أن نظراءهم في "المبنى" المجاور لهم في شبكة الجزيرة، "إعلاميين ومهندسين وفنيين مثلهم"، ولكن يتمتعون بامتيازات تفوقهم أضعافا مضاعفة!!!

 

وقد يعترض معترض محدثا نفسه "شتان بين الاثنين، فالمقارنة ضعيفة"، صدقت قولا... ولكن لحظة! ألا تتفقون معي أن إعلاميي ومهندسي المؤسسة القطرية للإعلام كانوا، والعجيب إنهم ما زالوا، أقل حظا من نظرائهم في شبكة الجزيرة في فرص التدريب والتطوير والدعم المهني ! في حين أن وضع موظفي شبكة الجزيرة، ستسكت فيه "شهرزاد عن الكلام المباح" حتى لا يصيح فيها "شهريار" غاضبا " ويحك يا امرأة، لقد حانت ساعتك!!! لا نعتقد ان قناة بحجم شبكة الجزيرة تعاني من تدني هيكل رواتبها بحيث لا يقبل عليها المواطنون سواء من خريجي الإعلام أو المهندسين والفنيين، أو تعاني من قصور في نظم مواردها البشرية لا يمكن من خلاله وضع خطط مهنية واضحة المسار لتطوير عدد من المواطنين الإعلاميين والمنتجين والمخرجين والمهندسين الفنيين في الصوت والإضاءة والصيانة والإرسال والمونتاج والفيديو!

 

ومع كل ما سبق، ونظرا "لحساسية" القطاع الإعلامي، فكما إن التقطير الكامل أمر غير وارد فإن التقطير بمفهوم الإحلال الكمي أمر غير وارد أيضا. فالمطلوب نوع من التوازن وفقا لمفهوم التقطير النوعي طويل الأجل من خلال إيجاد بيئة صحية جاذبة للمواطنين للعمل في الإعلام وإيجاد امتيازات تنافسية، مالية ومعنوية، تلبي طموحات المواطنين في النمو والتطوير، فضلاً عن الاستفادة من خبرات المواطنين المتقاعدين وغير المواطنين وتوظيفها على نحو يخدم القطاع والاستفادة من تجارب الدول الشقيقة المجاورة والتي لها تجارب ناجحة ومشرفة في توطين إعلامها.

 

وإلى صناع القرار في المؤسسات الإعلامية، ندعوكم إلى تكاتف جهودكم وتوحيدها وتبني استراتيجية مشتركة تقوم على أربع ركائز: التواصل، الجذب، التدريب والمتابعة وذلك لتوفير فرص عمل للمواطنين في الإعلام وتشجيعهم على ذلك. واليكم بعض المقترحات التي من شأنها، إن أردتم، دفع عجلة توطين الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار إن مثل هذا الهدف يحتاج إلى خطة استراتيجية برؤية ثاقبة لا إلى مقال في جريدة:

 

أولا: يقترح تبني نظام البعثات Scholarship والرعاية Sponsorship لعدد من الطلبة القطريين من خريجي الثانوية بحيث يتم اختيار عدد تدريجي سنويا حسب متطلبات ومقتضيات العمل في الأجهزة التابعة للمؤسسات الإعلامية، كل حسب خطط عمله/ ويتم إرسالهم إلى إحدى الجامعات المحلية أو الخارجية لدراسة التخصصات الإعلامية والهندسية المطلوبة.

 

ومن أجل دعم الجانب النظري المكتسب خلال المرحة الجامعية، يمكن إرسال الطلبة لاحقا بعد تخرجهم إلى شبكة الجزيرة لتغطية الجزء الإعلامي وتوفير تكلفة التدريب، وأي مؤسسة إعلامية خارجية كـ BBC أو CNN لتغطية الجانب الهندسي الفني لتدريبهم عمليا لمدة ثلاثة أشهر.

 

ويمكن في هذا المجال التعاقد مع المؤسسة الإعلامية الخارجية لتولي مهمة تدريب القطريين وعلى الأخص المهندسين والفنيين وفقا لخطة طويلة الأجل، 5 سنوات مثلا، على أن يتم إرسال كل متدرب بناء على خطة تطوير مهنية واضحة للمسار الوظيفي والمهني والذي ستخصص فيه المتدرب لاحقا، بحيث يتم مراجعة هذه الخطة كل ستة أشهر للتأكد من موافقتها مع متطلبات المؤسسة الإعلامية من ناحية والالتزام بتنفيذها من قبل المتدرب والمشرف المسؤول عن متابعته من ناحية أخرى في المؤسسة. ويقترح إنجاز مثل هذه الدورات في الإجازة الصيفية.

 

ثانيا: تقطير الوظائف التشغيلية والدعم الفني وتشمل الوظائف التشغيلية والتي لا تتطلب بالضرورة تعليما جامعيا عاليا، وإنما يمكن تبني مجموعة من خريجي الثانوية العامة أو حتى المتسربين من التعليم الجامعي، سواء من جامعة قطر أو من الخارج، بحيث يتم تدريبهم ضمن برنامج تأهيلي لتمكنهم فنيا من القيام ببعض المهام التشغيلية والفنية في مركز تدريبي محلي أو خارجي.

 

ويمكن هنا مثلا تدريب خريجي الثانوية على مهن فنية مساعدة مثل فني مونتاج، فني مونتاج اليكتروني، فني إضاءة، فني صوت، فني مايكروويف، فني تحكم بالكاميرات، فني فيديو وسيرفير، مصور...الخ. وهي جميعها "مهارات" لا تحتاج إلى تعليم عال بقدر ما تحتاج إلى تدريب مستمر على أحدث التقنيات كل في مجاله.

 

ويقترح مثلا هنا أن تسهم جميع المؤسسات الإعلامية بالدولة في إنشاء مركز محلي لتدريب الإعلاميين المواطنين (أسوة بمركز تدريب الجزيرة) توفيرا للتكلفة والموارد مع التأكيد على ضرورة تدخل الحكومة في هذا الصدد من خلال قرار سيادي يصدر عن مجلس الوزراء، وإلا ظل مركز التدريب الإعلامي المقترح مجرد "تصريحات صحفية" لا تغني ولا تسمن من جوع!

 

كما يقترح في تطوير البرنامج التدريبي التأهيلي للشباب القطري المرشحين لهذه الوظائف عدم التركيز على مهارات اللغة الانجليزية والحاسب الآلي فقط، وإنما التركيز بالدرجة الأولى على التدريب الفني في المجالات ذات الصلة. فمثلا برنامج اللغة الانجليزية المطلوب لهذه الوظائف يجب أن يشتمل على مصطلحات فنية دقيقة يتم استخدامها بالفعل في مجال العمل لا التركيز على القواعد وأبجدياته. ويقترح أن تتراوح الفترة الزمنية للتدريب ما بين 6 أشهر إلى سنة حسب متطلبات الوظيفة والمؤسسة الإعلامية.

 

< كلمة أخيرة.. الإعلام المستورد بالمال يستمر مع آخر ريال يصرف عليه فتنمحي ذكراه تدريجيا، أما الإعلام المصنوع محليا فتتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل فتبقى ذكراه عالقة أبد الدهر.

--------------------------------------------------------------

الموضوع: منقول من جريدة الراية القطرية

المصدر: http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=574032&version=1&parent_id=167&template_id=168

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...