Jump to content
منتدى البحرين اليوم

مدينه سنجـــــــــــــــار


Recommended Posts

 

ارض سمراء، حين تكشف عن وجهها المغطى بعشرات الالاف من اشجار التين والزيتون والرمان، تبدو كفسيفساء، تجمع كل الالوان في تنظيرة جمالها الذي يشبهه جمال اية مدينة من مثيلاتها في بقاع الشرق.

 

انها سنجار

 

مدينة السهل المنبسط، يصفها اهل الجبل بأنها الاكثر جمالاً وثراءاً في حضن البادية الغربية، ويقول عنها اهل الجزيرة بأنها المدينة الرابضة فوق الصحراء...

من فوق رابية تتوسط السهل والجبل، فوق تلك الرابية التي تلامس عنق الصحراء في الجنوب، وتمسك باهداب الجبل في الشمال، توقف نبض الساعة في معاصمنا، واختلطت ظلال الماضي البعيد الموغل في القدم بشمس الحاضر، في لحظة تلاحم تشبه ذلك التلاحم الاسطوري الذي جمع بين سفوح جبل يرتفع في عنان السماء 4800 قدم وانبساط صحراء تمتد في وجه الافق بامتداد السماء.

واحاط السحر باطرافنا من كل جانب، ايهما الاجمل في وجه المدينة، الجبل، ام ذلك الانبساط الصحراوي الذي يمتد الى بوادي السراب؟ وايضاً لم يجب على سؤالنا احد، لأن التمييز بين الجبل والسهل كالتمييز بين العين والعين في وجه الواحد.

وهو ذات المفهوم الذي قاله المستشرق (هاينزجوبه) في دراساته البلدانية في منطقة الشرق: "لا املك التمييز عن ايهما الاجمل، البحر في وجه الاسكندرية، ام الصحراء في وجه سنجار..؟"

ثم يقول في مكان آخر: "حينما كانت سنجار عاصمة مشرقية للامبراطور الاسكندر الكبير، منها اتجه الى مجاهل افريقيا، فأن الاسكندرية لم تكن قد انشئت بعد، وحينما شمخ العمران وعرفت العقود والقناطر، وشيدت الجسور في سنجار، فأن اعظم مدن الحاضرة لم تكن امامها سوى قرية صغيرة متواضعة الحجم والشكل، باستثناء تلك المدن الكبيرة مثل (الموصل واربيل وحلب ودمشق) وهذا ماتؤكده الدكتورة (باتريشيا كارليه) في بحوثها البلدانية من ان مدينة سنجار هي من اقدم المدن العريقة في التاريخ، عرفت كمدينة حينما كانت جميع جهات الارض من حولها مجرد بادية او صحراء، وقد عدّها الاشوريون حصنا وسطياً بين عاصمتهم نينوى وبين فتوحاتهم التي امتدت الى حوض البحر المتوسط في الطرف الغربي، والى شمالي افريقيا التي شملت مصر وبلدان اعالي النيل في الالف الاولى قبل الميلاد.

وقد وجد اسم المدينة في المدونات المصرية باسم [سنكار] وهو الاسم الذي كان يستعمله او يلفظه قدامى اليونانيين والرومان، وهو لايفرق كثيراً عن اسم (سنغار) الذي وجد في المدونات البابلية والاساطير السومرية، وهو الاسم ذاته الذي كان يلفظه الاشوريون، كما ورد في ادبيات ملوكهم.

في مدينة سنجار وانت تسير في شارعها الرئيس الذي يصعد تدريجياً الى بداية الحي القديم فيها، ليبدأ بالنزول انحداراً الى الوادي، حيث يزد هي وجه المدينة بتلك المسحة الخضراء المنسوجة من عشرات الالاف من اشجار التين والزيتون والرمان، وبقية فاكهة الارض، تمتد على ضفتي منخفض يسمى وادي سنجار، وفيه بقايا حصى، واثار لمياه تجف في فصل الصيف او تتقلص الى شبه خيط رفيع يأخذ شكل الافعى في التواءاته، فأنك تقف في اقصى نهايات الانحدار امام سور لم يتم التنقيب فيه بعد، ولكنه واضح الدلالات على انه سور روماني تستدل عليه من النظرة الاولى، حيث ان الطرز المعمارية الرومانية تتميز عن غيرها من المعمار الغربي او العربي المتناثر بقايا منه في ضواحي المدن العراقية كالحضر مثلاً او مدن سورية او لبنانية او اردنية، كما تواجهك اثار بوابة قديمة اندرست معالمها، ولكنها ايضاً تدل على انها جزء من السور الروماني، وجزء من حضارة قديمة عاشتها المدينة في عصور متداخلة مع التاريخ القديم للانسان، حتى ان المواطن العادي الذي لم يقرأ التاريخ، يستطيع ان يحكي عن تاريخ مدينته بشيء من المغالاة والمفاخرة، والتفصيل ليقول كما تشرب في الحكاية من الاباء والاجداد ان اسم المدينة اقترن بأسم احد احفاد نبي الله ابراهيم (ع) وكان اسمه (سنجار بن مالك) الذي وطأ ارضها وانشأ عليها المدينة. .

وينقل رواية ياقوت الحموي الذي كان قد سمعها من احد سكان المدينة خلال زيارته لها ان سفينة نوح (ع) لما مرت بجبل سنجار ارتطمت بسن صخري فقال (هذا سن جار علينا).

واياً كان الامر فقد ورد اسم سنجار بالفاظ عديدة متقاربة، لذلك فأن الاحتمال الراجح ان تكون قد حرفت على حقب تعاقب الاجيال والازمنة التاريخية البعيدة التي عرفت خلالها البلدة بانها قائمة منذ امد بعيد في الحضارات القديمة، وانها على المستوى التاريخي ايضاً احتلت موقعاً تجارياً وعسكرياً بالغ الأهمية، وقد عرضها هذا الموقع للعمران والدمار في آن واحد، ويكفي انها كانت موطن صراع بين الامبراطوريتين الرومانية والفارسية قبل ان يدخلها الاسلام.

ولعل جبلها اسهم كثيراً في اكسابها مثل هذا الموقع والصراع، هذا غير الوادي الذي يربط شمال المدينة بجنوبها، ومن المفيد القول ان مركز المدينة ينشطر في واديها الى شطرين يتصلان عبر قنطرة مشيدة من عقود حجرية، يرجح ان تكون قد جاءت من حقب تاريخية قديمة، وعلى الاغلب الحقبة الرومانية التي انشأت في المدينة مباني كثيرة اندرس الكثير منها، وان ما بقي من شواهد غير كافية لمعرفة المزيد من التفاصيل والحكايات.

ابرز مايلاحظ الزائر في سنجار هو جبلها الشاهق الذي يرتفع 4800 قدم ويمتد في عمق الجزيرة لاكثر من 50 ميلأً، والذي يعد من اعظم الجبال الشرقية في بلاد الجزيرة الغربية، وتربته اغنى واخضب اراضي وادي الرافدين، وهو الى جانب ذلك يمتلك كل مقومات السياحة الناجحة لأنه عامر بالكهوف والكهاريز والينابيع الجوفية والسطحية وعيون الماء الباردالعذب، ويؤكد الباحثون الجيولوجبيون في جامعة الموصل ان كهاريز جبل سنجار تعد من اعظم واوسع واطول القنوات المائية في العالم، وان المياه التي تمر عبر جبل سنجار من خلال الكهوف والكهاريز غير المكتشفة لحد الآن، بامكانها ان تسد حاجة دولة كبيرة بحجم سعة العراق، وقد تتبعت بعثات علمية متخصصة مجاري المياه في هذه الكهاريز، فوجدت انها تجري في عمق الصحراء جنوباً حتى تخوم الحضر، ويرجح ان يكون امتدادها حتى الثرثار، وان احد كهوف الجبل فيه من السعة مايسمح بمرور باخره فوق مياهه، ولكن الدخول اليه من الخارج ضيق للغاية ولايتسع لحجم رجل لاجتيازه الا بصعوبة متناهية، وانه يحتاج الى جهد كبير من التنقيب والدراسة لاستيضاحات حجوم الكهاريز ومساراتها ومصباتها وكذلك مواقع مكوناتها المائية.

ومن غرائب مايحتويه جبل سنجار تلك الحجارة النادرة البيضاء التي تم العثور عليها في سفوحه قبل اكثر من ثلاثين عاماً، وهي اقرب ماتكون صورة من بلورات الملح، وجدت مدفونة تحت التربة، وحالما تلامسها الشمس فأنها تبدأ بالذوبان، لكنها تحافظ على شكلها اذا ما نقلت الى الظل، وقد قامت مختبرات جامعة الموصل بتحليل هذه الحجارة الغريبة، والتي اطلقت عليها تسمية (حجر سنجارايت) ولكنها لم تتوصل الى لغز ما تحتويه، اوما تتكون منه هذه الحجارة التي تشكل ظاهرة غريبة وعجيبة.

مدينة سنجار التي تأسست كقضاء تابع لمحافظة نينوى عام 1928 كانت على عهد السلطان محمود ولاية قائمة بنفسها وطريقاً تجارياً مهماً يربط مدن الجزيرة الغربية في العراق وسوريا، ولاسيما مدينتي الموصل مع حلب، شيدت فيها اول منارة اسلامية في عهد عماد الدين زنكي وهي على شاكلة منارة الحدباء الموصلية ولكنها اقل ارتفاعا منها، وقد اعتبر الدكتور كاظم الجنابي الباحث بعلوم الاثار الاسلامية ان منارة سنجار تمتاز بندرة الاشرطة الزخرفية في بدنها، وانها لو حافظت على ارتفاعها وشكلها وحاول الاهالي في المدينة العناية بها لاصبحت من المنارات القليلة في التميز، وهذه المنارة كما شاهدناها خلال زيارتنا الى سنجار تقع داخل تقاطع مروري باتجاه الجنوب الغربي من المدينة، على امتداد الطريق المؤدي الى قضاء البعاج، وهي سائبة من دون ابنية تحميها او جامع يأويها

وتقع سنجار على مسافة 130كم في الشمال الغربي لمدينة الموصل، وهي لاتبعد عن الحدود السورية اكثر من 50كم وتعتمد في حياتها العامة على الزراعة بانواعها، ففي اراضيها الخصبة تزرع الحنطة والشعير والعدس والحمص اضافة الى انواع المخضرات كالطماطة والبصل والباقلاء وانواع الفواكه كالتين والزيتون والرمان وبقية الانواع المعروفة مثل الجوز والخوخ والحمضيات والتفاح والكمثرى ولكن بكميات اقل من التين والرمان، تسد بالكاد حاجة الاستهلاك المحلي فيها.

ويأتي التين في مقدمة ماتعرف به سنجار كمدينة تحتوي زراعته وصناعته فيما بعد وتصديره باشكال عنا قيد وقلائد وتماثيل مختلفة الاشكال، معظمها يقدم هدايا لزائري المدينة في موسم التين، والبقية الباقية يتم تصديرها الى اسواق الموصل لتأخذ طريقها فيما بعد الى اسواق المحافظات الاخرى، وقد ابتكر الحرفيون في سنجار طرقاً ترغيبية لصناعة التين، بعد ان كانت مقتصرة على القلائد التقليدية المعروفة، فقد قاموا بصنع التين على شكل اقراص بحجم رغيف الخبز وخزنه على مدار اشهر وفصول العام كما تفنن صانعو التين اكثر من ذلك بصناعة حبات التين على شكل تماثيل، ابرزها تمثال الغزلان وذلك لكثرة وجود الغزال في بادية الجزيرة المحيطة بمدينة سنجار وقد وجد السنجاري في هذا الحيوان الصورة الأجمل لفنه وصناعته، وغزلان التين هي الاخرى لاتعرض للبيع لأنها مكلفة ومتعبة الصنع، ولايمكن صنع كميات كبيرة منها تسد حاجة السوق، لذلك فأنها تقدم هدايا لكبار الزوار والاحبة في المناسبات السعيدة.

وباستثناء صناعة التين، فأن معظم الصناعات اليدوية في المدينة، ظلت متخلفة، وبطيئة، وتعتمد على الاستهلاك المحلي تقريباً والقليل منها يتم تصديره الى اسواق الموصل مثل الفلايين الحجرية والخشب ومشارب السكاير وبعض الصناعات النسيجية اليدوية التي تأتي طاقية الرأس في المقدمة منها، ومن ثم العباءة الرجالية والبسط وبعض المنسوجات المحلية التي تعرض في معارض الصناعات والحرف اليدوية الشعبية او تقدم كهدايا او تباع بالمفرد النادر في بعض المحال التجارية في اسواق المدينة.

قبل ان نغادر سنجار همس باذاننا شخص من مواطنيها. هل اخبركم احد خلال جولاتكم في سنجار ان الخليفة العباسي المأمون عندما اشكل عليه ماذكره المتقدمون في مقدار محيط الارض الى ارسال جماعة من اهل الخبرة بحساب النجوم الى برية سنجار لاجراء مسوحات دقيقة، تحققوا معها واثبتوا ماذكره الاقدمون من ان محيط الكرة الارضية 20 الف ميل ومائة وستين ميلاً وقطره (500) ميل فكانت برية سنجار دائرة للمساحة ومرصداً فلكياً ومكاناً لعلماء الفلك وحساب النجوم

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...