الشيخ احمد بن محمد آل خليفة
الشاعر الذي ملأ الأثير بحلو القصيدة
»22« عاما هي المسافة والزمن الفاصل بين ولادتين.. فالميلاد الأول كان عام 1929م هو ميلاد شيخ شعراء البحرين الشيخ الشاعر احمد بن محمد آل خليفة وذلك باعتبار »قرية الجسرة« هي مسقط رأسه, والولادة الثانية هي حين انتقاله إلى القضيبية حيث بدأ في 1951 بنشر قصائده وعصارة قريحته وما حادت به في صحف عربية ومنها »المجتمع العربي« ا لمصرية »وصوت البحرين والقافلة والخميلة«, الا ان ميلاده الثالث جاء عام (1950) حيث صدر اول ديوان له وعنوانه »أغاني البحرين« حيث كشف من خلال هذا الاصدار تأثر شاعرنا الشيخ احمد بن محمد بالشاعرين العربيين, عمر ابو ريشة, وعلي محمود طه حيث ضم ديوانه الاول العديد من القصائد الوجدانية والقومية والوصفية حيث تلك الفترة كانت فترة المد العربي والتألق العربي ولم يتخلف شاعرنا عن التفاعل مع معطيات تلك الفترة بل عاش معها ونسج بعضا من شموخها.
الشراع المتمرد
ارتبط شاعرنا الكبير بالبيئة الخليجية والبحرينية بالذات حيث تجلى ذلك الارتباط وتفجر من خلال قصيدته »الشراع المتمرد مسجلا الصدارة لاول شاعر بحريني يتحدث عن بيئة كانت تفرض نفسها في تلك الحقبة, حقبة الغوص »والهولو واليامال« متميزا بقدرة فائقة على الغوص في أعماق التجربة مجسدا مظاهر الطبيعة وتجسيدها لينقلك إلى اوساط لوحات فنية من خلال خياله الخصب وابداعاته في الوصف والتجسيد غائرا وغارقا في وصف شاعرنا بين خضرة البساتين والجداول والرمال والقدرات والمراعي وغير من مظاهر البيئة والطبيعة مما دفع بالشاعر غازي القصيبي ليقول عنه واصفا شاعر البحرين الكبير بشعراء الرومانسية بعد ان ذكره بهضاب نجد ونسيمها.
القمر والنخيل
كذلك عشق الطبيعة دفعت بشيخ شعراء البحرين الشيخ احمد بن محمد آل خليفة إلى نزعة الهيام مكونة لديه مخزونا في علاقته مع فلسفة الطبيعة مسجلا اسما بحرينيا مميزا في الشعر العربي المعاصر وذلك من خلال تحليقه في فضاءاتها ومساحاتها الشاسعة الواسعة والممتدة في الافق البعيد واللامتناهي امتداد المحيطات والصحاري العذراء, ومن بين ذلك زخم الهيام وعشق الطبيعة والرومانسية فيها ديوانه »القمر والنخيل« وغيوم في الصيف« وديوان »العناقيد الاربعة« و »بقايا القدران« مؤثر تأثيرا وبليغا من حيث التزامه بكتابة القصيدة »العمودية« الكلاسيكية وسط زخم من »حلو القصيد« عبر (6) دواوين كانت مدرسة تربي فيها العديد من ناظمي هذا النوع من القصيدة في البحرين وذلك حتى عام (1992) الا انه وبحلول عام 2003م كبت »انفاس الريحاحين« وختم التواصل باوبريت الفاتح« في نفس العام.
ولا يخفي على المتتبع ان شاعرنا الكبير قد مرت حياته وبداية مرحلة النضوج بالعديد من الاحداث وعلى كافة الصعد القومية والوطنية فلم يتردد شاعرنا في الدخول في هذا المعترك من خلال قصائده الحماسية الداعمة لحركة التحرر العربي آنذاك وانتفاض المارد العربي في تلك الحقبة التي انتهت باستقال اقطار الوطن العربي قطر تلو القطر.
وفي الصداقات الحميمة والعلاقات الاخوية مع من هم في دربه يسيرون له مساجلة شعرية درات بينه وبين شاعر له باع طويل متجدد ومتنوع فارس الخيل والفروسية الشاعر حسين بن صالح الرويعي امد الله عمره وعظم أجره في مصابه الجلل بفقدان رفيق دربه شاعرنا الراحل الشيخ احمد بن محمد آل خليفة رحمه الله يقولان في مساجلتهما:
مساجلة
يا حسن لو شفتني في يوم الاثنين النهارا
شفت لي سرب من الزينات يشدن المهارا
شفت عمهوجه منهن علي الدرب تبارا
كل حسنا تماري حسنها اللي ما يمارا
اصبح الشاعر بلا عقل ورى سرب (العذارا
يا حسن قلبي ورى من موجة الساقين طارا
صرت انا ذا اليوم ما لوم العشاشيق السهارا
صحت انا يا بنت اهل الحب في الدنيا حيارا
من خزرتيني بنظراتك غدا في القلب نارا
ما ابي اكثر من اني اجتني هذه الثمارا
لي تلاوينا وطحنا من هوانا كالسكارا
يوم قالوا الناس هذه من بنيات النصارا
مرحبا يا حي مكتوب اتاني بالنهارا
من كريم من فحو الناس طيبه لا يباري
يا عديم الجنس قلبي في هوى الزينات طارا
ما ألومك يا سنادي في هيامك بالعذارى
انا من قبلك تولعت بحسن لا يجارى
اسمر خلا عيوني في لياليها سهارى
يا بو عبدالله تراني صرت للمحبوب جارا
حول ست سنين وانا معه عشنا كالسكارى
لي ذكرت اليوم سجاتي يشب القلب نارا
الهنوف اللي لها صدر حوى كل الثمارا
كلما شهدتها عيني عني يمينا او يسارا
جاك ردي في فصيح القول يا ستر العذارى
كان ما قلت هذا فيه عقل رزيني
ومن هواهن يا السنا في باح سدى الكنيني
كانها يا خو محمد ظبية في العريني
والعجيب بي في المطالع قمت اكذب شوف عيني
ينشد الاشعار للعشاق باللحن الحزيني
شالحول يا بوراشد لو بغيتك عويني?
واعذر المفتون ليمن جر في الليل الونيني
خافي من الله ترى قد تاخذين الاجر فيني
آه يا ليتك تسمحي لي بقبلة في الجبيني
والعهد مجدٍ نبي يدري بما بينك وبيني
واصبحت الصحب والا في يدي رمانيتي
قلت انا لهم دينها الها ولي يا ناس ديني!
به عبير من شذى النرجس وعطر الياسميني
احمد المنعور اللي بالقصايد يصطفيني
لا تذكرني بعهدٍ مر من ماضي سنيني
حيث طرد الغيد في الدنيا مراد العاشقيني
نور وجهه لي غشاني ما احدد فيه عيني
ما كذب لي في حياته في الدجى لزما يجيني
ما خلف يوم بوعده حيث له عقل رزيني
ارتشف خمر الثنايا والولع بينه وبيني
واتحسر يا بوخالد من جفا ظبي العريني
واتحسر بيا بوخالد من جفا طبي العريني
والخشم سيف واما طوله مثل الرديني
قلت هذي جنة الله يوم طالتها يميني
والسموحه منك ليمن زاد للماضي حنيني
سألوه..
فأجاب:
* هل كان هناك نقاد في السابق?
- الناقد لابد من وجوده, في مصر اول ما ظهر الشعر »علي محمود طه, احمد الكاشف, في نقاد للادب والان لابد من فصل الادب عن الشعر ولا نخلط, في مصر كان هناك ادباء لهم مقام الشعراء, المازني, الرافعي, طه حسين, عباس محمود العقاد (امتاز في نثره ولم يميز في شعره) فالناس لا يعدونه شاعرا مع ان له دواوين تخلو ديباجته من سبك المعاني والموسيقى, فهناك نقاد وهذه الفئه تخلق مع الشعراء في نفس الزمن, فنقاد كتبوا كتبا عن بعض الادباء في تلك الاوانة في مصر مثل كتاب سالسفرود« وهو نقد لشاعر معين, وحين يخلو العصر من نقد الشعر لا تعرف الغث من السمين لانه مثل الميزان ونحن نرجو من الشباب الذين بدأوا في الظهور لان ان يتعمقوا في ا دبهم وشعرهم ونقدهم والا يثير النقد الحساسية بين الاخوان بل يكون الواحد اعلي من ذلك وان يعتمد كل فرد على قوة البديهة التي يمتلكها لان الشاعر يكون حساسا وعاطفيا وانت تستشف روحه من اسلوبه.
* هل تعدد لنا الشعراء الذين برزوا في حقبتكم خاصة انك بدأت بالنبط وتكب وتنتهج الشعر الفصيح?
- مثل ما قلت سابقا لا يوجد سابقا سوى ديوان »عبدالله الفرج« وقد طبعه خالد الفرج في الهند سنة 1237 هجرية وهذا الكتاب تمزق, وطبع في سنة 53 عند مكتبة ابراهيم عبيد طبعت كمية جديدة, واخذت نسختين من مكتبة ابراهيم عبيد رحمه الله وبعدها صار الشعر النبط لا ينشر في الصف اطلاقا, والان اعيب عليهم ومرارا قلت انه لا يجوز القاد الشعر النبط في الجامعة فهي تعد حرم اللغة العربية وهي للشعر الفصيح فقط, والشعر الشعبي له النوادي الخاصة به مثل جمعية الشعر الشعبي, ولا يخلط بينهما حيث انني انتقد البعض حين يقام حفل يخلط فيه شعر نبط وفصيح وهذا لا يصلح فاللغة العربية لها احترام والشعر لافصيح منذ 14 قرن وهو محافظ علي اللغة العربية وما ظهر الان من شعر منثور او كلمات قابضة ليس لها معنيومثل ما قال الدكتور غازي القصيبي ربما مؤلفها? لا يعرف معناها.
* هل غنيت احدى قصائدك?
- غنى لي »سعد عبدالوهاب« وهو ابن اخ الفنان والموسيقار محمد عبدالوهاب, كذلك غنى لي »المطرب محرم فؤاد - وكذلك »عادل مأمون« ومن البحرين »محمد زويد رحمه الله«.
* هل هناك جمعيات او مكان تجتمعون فيه سابقا?
- نعم سابقا في الخمسينات كنا انا والشيخ عمر بن عبدالرحمن الخليفة, والاديب عبدالله الطائي, والاديب محمد جمعة الشايب, نجتمع ادبيا, ليلة عندي وليلة عند الشيخ عمر وليلة عند الطائي, وليلة عند محمد جمعة الشايب كل ليلة ثلاثاء ونختص في ديوان معين, البحتري ومن ثم المتنبى, احمد شوقي وغيرهم من الشعراء الكبار ويستفيد الواحد من النقاش ونستمتع بالابيات التي يعدها الاخ الموجود ونتداول البحث ويهديك الى براعة اللفظ في البيت الفلاني.
* مَنْ من الشعراء تثني عليهم?!
- لدينا الشاعر عبدالله حسن بن صالح الرويعي, ومن الشاعرات سعيدة بنت ناصر وهي التي على الفشي وهي من عائلة البنعلي ولدينا شاعرات ولكن لا يكتبن اسماءهن رغم ان الشعر فيه خجل وشرف للمرأة والرجل لا يخجل الفتاة تخجل.
* ماذا عن علاقتك بشعراء الخارج?
- لدى علاقة طيبة وقديما فقد كرم الشاعر سوقي وقد شاركت البحرين في تكريمه وقد صغيرا ولكنني ضمن الوفد الذي سافر للمشاركة في حفل التكريم وقد تم اهداء الشاعر شوقي نخلة من الذهب وثمرها لؤلؤ وبالفعل احمد شوقي قصيدة وذكر فيها.. البحرين وعندما توفى محمد فريد قال شوقي ان بلاده فقدت دورة من دررها وذكر »درر« ولؤلؤ البحرين القيت قصيدة بهذه المناسبة, كذلك عندما جاء الاديب نجيب محفوظ علي جائزة نوبل في مصر دعيت من قبل الحكومة المصرية للمشاركة في تكريمه وبالفعل ذهبت واخذت معي هدية من المرحوم الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه وهي عبارة عن سيف ذهب ومرصع بالدر والاحجار الكريمة.. وقد نظمت قصيدة في ذلك لهذه الهدية وقع واثر طيبان.
* من هو احمد بن محمد آل خليفة?
- ولدت في قرية الجسرة وترعرت فيها, ولدت في عام 1929 او 1930 ونزحت منها عام 1930 الى قرية الزلاق تفتحت مداركي في الزلاق وهي قريتي الجميلة, تنام على اذرع البحر من ناحية الغرب وتحدها من الجنوب بساتين النخيل »الوسمية« اول من انشأ بستانا هناك المرحوم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفج واذا انطلقنا الى الجنوب نرى الوسمية بعيدا جدا والان تفاربت المناطق ومن ناحية الشمال ايضا هناك بساتين جميلة توحي للشاعر او الاديب بالافكار, ومن ناحية الشرق هناك رواب مزدهرة في الربيع واذا مررت على تلك الروابي اتذكر الماضي القريب او البعيد وتتفتح قريحتي الشعرية ونزحتا منها وعمري 20 عاما الى »القضيبية« للمصيف واستقررنا هناك على اساس »3 شهور« ولكن في ذلك الوقت توظفت في وزارة الاشغال العامة واصبح الامر شاقا بالنسبة لي حيث اتنقل من الزلاق الى القضيبية يوميا فاستجرنا بيتا في القضيبية وكان الاستقرار هناك حتى عام 1978م ونزحت بعد ذلك الى ام الحصم واقمت فيها 4 سنوات وفي عام 1983 نزحت الى سكني الان في الرفاع الغربي ومنزلي شمال قصر الرفاع وقد اهديت المرحوم الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة قصيدة بذلك.
* ماذا عن نشر قصائد لك في الخارج?
- اول قصيدة قلتها في الثورة المصرية حيث ارسلت قصيدة في عام 1953 بعد سنة من الثورة إلى صوت العرب بالبريد, وبالفعل لقد تمت اذاعتها وسابقا لم يتوافر لدينا الراديوهات او المسجلات وبالصدفة سمعت قصيدتي تذاع من بيت الجيران وذهبت اليهم لكي استمع لقصيدتي التي يلقيها الشاعر صالح جوات من صوت العرب, وقد وصل إلى كتاب من هذا الشاعر وعن مدي اعجابه باشعاري وطلب مني ان اطبع لي ديوانا.
* متى واين كتبت اول قصيدة?
- اول ما بدأت كانت قرية الزلاق فيها شعراء ومنهم الشاعر فهد بن مرداس الدوسري وكان يكتب لي الاشعار وقد تزاجلت معه في ذلك الزمن مع ان عمري كان 14 سنة وكنت دائما متولعا بالكتب ودائما اشتري الكتب.. ووالدتي كانت رحمة الله عليها عصبية ولا ترضي لي بشراد الكتب فكنت اشتريها وادخلها الى البيت من »الدريشة« وبعدها اتسلل إلى غرفتي لكي اطلع عليها حتي في الليل كنت استخدم »الفنر« للمطالعة ورحمها الله كانت خائفة على نظري وكنت اشتري الاشعار من يوسف ارحمة الدوسري رحمه الله.
* كيف حالك مع الشعر في الخمسينيات?
- انا بدأت في الخمسينيات وكان استاذي وابي الروحي الاستاذ ابراهيم العريض هو الذي احتواني منذ البداية وهذا الشاعر انا لا انكر فضله فمن 52 إلى الان اطال الله في عمره وانا معه على اتصال, فكان إلى الستينات والسبعينات والثمانينات نجتمع وسابقا كل مساء نجتمع انا وهو في الحديقة التي امام قهوة »احمد شاه« ومعنا الاستاذ حسن الجشي الله يشفيه من مرضة ومعنا الاستاذ على التاجر الله يذكره بالخير ومعنا الاستاذ عبدالله الطائي فكان نخبة من الشباب البحريني تنتهج الادب الصحيح, الادب الفصيح واول قصيدة نظمتها القاها عني الاستاذ حسن الجشي في نادي العروبة سنة 1953م وبعدها في سنة 1955 م اصدرت ديواني من اغاني البحرين وهذا الديوان اصدرت بعده ديوان »هجير وسراب« في عام 1961م بعض الشعراء يقال ان انتاجهم الاخير يكون افضل من البداية ولكن معظم النقاد قالوا لي ان ديوانك الاول افضل مما تلاه ورأي النقاد لا يستهان به, فانا كنت انظم الاشعار وانشرها في مجلة الفيحاء في دمشق وفي الصحف البحرينية, والاستاذ ابراهيم العريض كلما التقي به يقول لي يا ابني إلى الان لم تصبح شاعرا وكل ما نشرت القصائد يقول لي لن تصبح شاعرا الا اذا تحدث عنك النقاد في مصر ولبنان ودمشق لان هذه العواصم هم لها الريادة في الادب, وعندما تحدث عني في مصر مصطفى السعرتي وفي لبنان الناقد الكبير الاستاذ قدري قلعجي وصالح جودت في مصر ورضوان ابراهيم في مصر صافحني الاستاذ ابراهيم العريض في السوق وقال لي الان اصبحت شاعرا وليس مثل الان الواحد يكتب له كم بيتا او قصيدة وينشرها ويكتب عليها بقلم الشاعر ولا يخجل فالواحد يجب الا يخادع نفسه واذا قلت لك ان قصيدتك جيدة انا اخادعك وهذا لا يجوز وهذا استمرار في الخطأ.
* ماذا عن الحداثة في الشعر?
- شعر الحداثة مخلوق لهدم اللغة العربية وقد قال لي الاستاذ حسن الجشي منذ 30 سنة ان الاباء اليسوعيين حاولوا بواسطة الحرف اللاتيني هدم اللغة العربية ورحمه الله على الاستاذ علي الراعي وهو حجة في الادب قال: الشعر الحديث قتل اللغة العربية من الداخل مثل الجراثيم التي تنخر العظم الذي في الجسم.[/size]