Jump to content
منتدى البحرين اليوم

مساعدة: بحث حول احكام الاسرة


Recommended Posts

شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام

 

 

 

د. نهى قاطرجي

 

 

يكثر الحديث في هذه الأيام عن حقوق المرأة وحريتها حيث يحاول العلمانيون أن يشوهوا صورة المرأة في الإسلام ويظهروها وكأنها مسلوبة الحقوق مكسورة الجناح ، فالإسلام بنظرهم فرّق بينها وبين الرجل في الحقوق وجعل العلاقة بينهما تقوم على الظلم والاستبداد لا على السكن والمودة، الأمر الذي يستدعي من وجهة نظرهم قراءة الدين قراءة جديدة تقوم على مراعاة الحقوق التي أعطتها الاتفاقيات الدولية للمرأة ومحاولة تعديل مفهوم النصوص الشرعية الثابتة كي تتوافق مع هذه الاتفاقيات .

في البدء من المفيد الإشارة إلى أن الإسلام كان ولا زال سباقاً فى إعطاء الإنسان حقوقه كاملة ، فأهلية التملك ثابتة للجنين في بطن أمه ومنذ أن يولد يكون عضواً كاملاً في المجتمع ، يحتمل ويحمل يملك ويهب وَفْقَ قواعد معينة ، وإن كان صغيراً يتولى عنه وليه ذلك ، وستبقى كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدوية : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ " ، وستبقى القاعدة الفقهية قائمة : "الحُرُّ لا يقع تحت اليد"، فالإنسان له حق الحياة وحق الإرث وحق الاعتقاد وحق التملك وكثير من الحقوق التي نادت بها جماعات وطّبقتها على بعض الناس دون بعض .

إن الدعوة إلى تعديل التشريعات السماوية ليست دعوة حديثة بل هي من طروحات التي رُوج لها منذ مطلع القرن الحالي وهي لا تخرج عن إطار الطروحات الغربية التي يدعو لها المستشرقون وحكوماتهم ، وقد انبرى علماء الإسلام منذ تلك الفترة إلى الرد على هؤلاء بردود لا تزال تصلح لهذا اليوم لأنها ما تغيرت وما جاءت بجديد ، ومن العلماء الذين ردوا على المستشرقين وأسيادهم وأتباعهم الدكتور علي عبد الواحد وافي والدكتور مصطفى السباعي و الدكتور البهي الخولي وغيرهم رحمهم الله تعالى دنيا وآخرة .

ولقد ردَّ العلماء على كل من سوَّلت له نفسه التهجم على الدين عبر الدعوة إلى إعادة النظر في تشريعه المستمد من الكتاب والسنة وعبر المطالبة بفتح باب الاجتهاد في مسائل يرى المهاجمون أن الزمن قد تعداها ، ومن هذه المسائل :

حق تأديب المرأة ولا سيما ضربها .

صيغة الطلاق المعطاة للرجل .

سلطة الزوج ( القوامة ) .

تعدد الزوجات .

الإرث

الشهادة

 

وسنقوم بعرض لهذه الأفكار ومن ثمَّ الرد عليها إن شاء الله ، ولكن في البداية لا بد من توضيح النقاط العامة التالية :

-1- إن الإسلام نظام عالمي لكل الأزمنة والأمكنة وأي إساءة في استخدام هذا التشريع لا تعود للتشريع نفسه وإنما تعود للأشخاص الذين يسيئون فهمه أو يجهلون أحكامه ،" فالإسلام أقام دعامته الأولى في أنظمته على يقظة ضمير المسلم واستقامته ومراقبته لربه ، وقد سلك لذلك سبلاً متعددة تؤدي ، إذا روعيت بدقة وصدق ، إلى يقظة ضمير المسلم وعدم إساءته ما وُكِلَ إليه من صلاحيات وأكبر دليل على ذلك أن الطلاق لا يقع عندنا في البيئات المتدينة تديناً صحيحاً صادقاً إلا نادراً ، بينما يقع في غير هذه الأوساط لا فرق بين غنيِّها وفقيرها " .

من هنا فإن إساءة استعمال التشريع الرباني لا يقتضي إلغاءه وإعادة النظر فيه وإنما يقتضي منع تلك الإساءة عبر تنشيط الوازع الديني الذي يؤدي إلى ذلك.

-2- إن فتح باب الاجتهاد الذي يتستر وراءه البعض هو أمر غير مقبول لكون الذين يدعون لهذا المطلب أصحاب أهواء يفتقدون لأدنى صفات المجتهد من جهة ولكونهم يهدفون إلى ضرب النصوص الشرعية الثابتة في القرآن والسنة خدمة لمصالح غربية معلنة في إعلانات عالمية تهدف إلى تقويض عرى الأسرة الإسلامية من جهة أخرى ، وهذا واضح في "إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " الذي أورد في مادته السادسة عشر أهم أسس تساوي الرجل والمرأة والتي منها:

"أ – نفس الحق في عقد الزواج .

ب- نفس الحق في حرية اختيار الزوج ، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل .

ج- نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه .

د- نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة ، بغض النظر عن حالتها الزوجية ، في الأمور المتعلقة بأطفالها ؛ وفي جميع الأحوال ، تكون مصالح الأطفال هي الراجحة .

هـ- نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر ، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق .

و- نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ، أو ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية …

ز- نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة.

 

إن هذه البنود تخالف الشريعة الإسلامية في معظمها إلا في البند ( ب ) الذي ينص على حرية المرأة في اختيار الزوج ، أما في باقي البنود فإنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي أعطت للمرأة والرجل حقوقاً أثناء الزواج تقوم على المبادئ التالية :

1- المساواة : قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف ) ، إي أن كل حق وواجب للمرأة يقابله حق وواجب للرجل ، وكلما طالبها بأمر تَذَكَّر أنه يجب عليه مثله ، عدا أمر واحد هو القوامة ، وتقسم الواجبات حسب طبيعة كل منهما.

2- القوامة : معناها القيام بشؤون الأسرة ورئاستها وحماية أفرادها وسيتم الحديث عن هذا الموضوع فيما بعد إن شاء الله تعالى .

3- التشاور في شؤون الأسرة ويستمر التشاور حتى بعد الطلاق في شؤون الأولاد .

4- التعامل بالمعروف وحسن المعاشرة لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف )

5- على المرأة حضانة طفلها في سنواته الأولى والإشراف على إدارة البيت والخدم وطاعة زوجها في المعروف.

6- على الزوجين التعاون في تربية الأولاد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ).

7- على الرجل معاونة زوجته في أعمال البيت ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاون زوجاته .

هذا باختصار تلخيص لحقوق المرأة أثناء الزواج كما يقره الإسلام ، أما المطالبة بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل التي يدعو إليها بعض دعاة التحرر من أتباع الإعلانات العالمية فيعود لجهلهم بحقوق المرأة في الإسلام وتجاهلهم للاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة مما دفعهم إلى اعتبار أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تماثل لا علاقة تكامل ، فتجدهم يصدِّقون ما يقوله غيرهم عن حرمان المرأة في الإسلام من حقوقها ، أو يصدقون ما يقوله المستشرقون من ضرورة تأويل النصوص التي لا تتوافق مع الواقع الراهن رافعين بذلك شعار " تاريخية النصوص " أو شعار "التعبير عن واقع حال " بهدف تحويل المضامين وإلباسها اللباس الغربي ، وهكذا تصبح قوامة الرجل على بيته وحقه في تأديب زوجته الناشز وحقه في الطلاق مجرد "عبارات تاريخية " أساء الفقهاء تأويلها بهدف "تقييم دور الرجل ".

 

وبالعودة إلى الردود الجزئية على الطروحات العلمانية نقول ما يلي :

 

-1- حق تأديب الزوجة ولا سيما ضربها

يستند الداعون إلى إبطال صيغة الضرب الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أن قاعدة حق تأديب المرأة " ولا سيما ضربها هي عبارة تاريخية كان لها فعالية جمّة لنقل الذهنية الجاهلية من قتل المرأة إلى التساؤل حول ضربها " وليست قاعدة شرعية .

وللرد على هذا الأمر نورد في البداية بعض الآيات والأحاديث التي ذكرت هذا الأمر ، ثم نورد بعد ذلك الرد إن شاء الله تعالى ، يقول عز وجل :

{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً } .

ويقول عليه الصلاة والسلام في حَجَّة الوداع : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هنَّ عوانٌ عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ، إلا أن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون ولا يأْذَنَّ في بيوتكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) .

والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها يأخذون من الآية ما يريدون فقط وهي كلمة الضرب وينسون التسلسل الذي ورد في الآية حيث ورد في البداية مدحٌ للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج ومن ثَمَّ ورد ذكر الناشز ، فالكلام إذاً يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء ، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات ، فما دام " يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة ، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة ، لأنها بذلك تُؤثِر هدم الأسرة على هذا الإجراء وهذا ليس شأنه شريعة الإسلام المنزلة من عند الله " .

والواقع أن " التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفِطَر ويقضي به نظام المجتمع ، وقد وَكَلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء كما وكلته من الأمم إلى الحكام ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة . وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعاً من هذا التأديب في نظر المهاجمين وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال " .

قال تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } .

إضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط بكونه ضرباً غير مبرح وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق ، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة ، كالسواك ونحوه .

ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج ، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز ، لم تنفع معها الموعظة والهجر ، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجاً لتفادي الطلاق ، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعيٍ وإدراكٍ لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة .

إن سعي بعض الداعي لإبطال مفعول آية الضرب تحت حجة المساواة لن يفيد في إيقاف عملية الضرب إذ إن المراة ستبقى تُضرب خِفْية كما يحصل في دول العالم الغربي الحافل بالقوانين البشرية التي تمنع الضرب ، وتشير إحدى الدراسات الأميركية التي أجريت عام 1987 إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء … ( هذا عام 87 فكيف النسبة اليوم ) ويقدر عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام بستة ملايين امرأة .

فإذا كان هذا العدد في تزايد في تلك الدول التي تحرّم الضرب ، فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العدد مع أن شريعتنا تبيح الضرب ؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تُقَدَّر بضوابطها وكما قال تعالى في نهاية الآية : { فإن أطعنكم فليس لكم عليهن سبيلاً } .

 

-2- صيغة الطلاق المعطاة للرجل

يعترض كثير من المعاصرين على كون الطلاق بيد الرجل ويرون في التشريع التونسي حلاً حيث جاءت المادة 31 منه لتقول : " إن المحكمة هي التي تعلن الطلاق بناء لطلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر ويُقضى لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن الطلاق " .

ويرى أنصار هذا القانون "أنه أكثر ملاءمة باعتباره أكثر إنصافاً . إنه يحرر المرأة من حق يتمسك به الزوج ، أصبح جائراً جداً بحقها " .

والواقع أن هذه الطروحات حول الطلاق لا تخرج كثيراً عن ما يدعو إليه علماء الغرب وأتباعهم من الكتاب الذين يريدون بذلك تنفيذ القانون المدني الفرنسي ، وهنا من المفيد الإشارة إلى النقاط التالية :

-1- إن قبول الزوجين الارتباط الإسلامي يفرض عليهما الالتزام بأحكام الشرع التي لا تخلو من بعض الحقوق التي يمكن للزوجة الخائفة على نفسها من الزوج أن تحمي بها نفسها كأن تجعل العصمة بيدها وأن تشترط في عقد الزواج شروطاً خاصة .

-2- إن حصر الإسلام الطلاق في يد الزوج إنما يعود لعدة أسباب أهمها كونه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية فهو الذي يجب عليه المهر والنفقة لمطلقته ولعياله طوال فترة العدة والحضانة ، هذا الأمر يجعله أكثر ضبطاً لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئاً.

-3- إن حصر الطلاق بيد الزوج وعدم إعلانه للقاضي إلا في حالات قصوى إنما يعود لمبدأ التستر الذي يدعو إليه الإسلام لأن " معظم أسباب الطلاق تتمثل في أمور لا يصح إعلانها ، حفاظاً على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها ومستقبل بناتها وبنيها " .

 

كما أن حصر الطلاق بيد القاضي أمر أثبتت التجارب عدم جدواه وذلك من نواح عدة منها :

1- الفشل في التقليل من نسب الطلاق وهذا أمر أثبتته إحصائيات الطلاق التي سجلت في تونس حيث أن العدد لم ينقص بل على العكس من ذلك فلقد ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً " رغم أن المبرر الذي قُدِّم لانتزاع سلطة الطلاق من يد الزوج وإيكاله إلى القاضي هو حماية الأسرة بإتاحة فرصة للقاضي ليراجع فيها الزوجين ويحاول الصلح بينهما، فإن الواقع يثبت أن نسبة المصالحات الناجحة ضئيلة جداً، فمن بين 1417 قضية طلاق منشورة في المحكمة الابتدائية بتونس في الموسم القضائي 80-81 لم يتم المصالحة إلا في عشر منها ، بينما كان الاعتقاد أن تعدد الزوجات وجعل العصمة الزوجية بيد الرجل وعدم تغريمه لفائدة الزوجة هي الأسباب الرئيسية للطلاق وأن القضاء عليها سيقلل من نسب الطلاق ، والإحصائيات تثبت أن شيئاً من ذلك لم يحدث " .

2- لجوء بعض المحاكم الغربية التي تتوكل بنفسها أمور الطلاق في محاولة منها إلى خفض نسبة الطلاق إلى رفض التطليق إذا لم يكن بسبب الزنى لذلك كثيراً ما يتواطأ الزوجان " فيما بينهما على الرمي بهذه التهمة ليفترقا ، وقد يلفقان شهادات ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة بالطلاق.

فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق بالكرامة ؟ أن يتم الطلاق بدون فضائح ؟ أم أن لا يتم إلا بعد الفضائح ؟ " .

 

-3- سلطة الزوج ( القوامة )

يعترض المخالفون للشريعة الإسلامية على مبدأ القوامة الذي يطلق البعض عليه لفظ "قيمومية " قاصدين بذلك تعريف القوامة بأنها " تقييم دور الرجل " ، فيتساءلون: " إن هذه الحقوق الممنوحة للزوج والتي تدعم هذه السلطة أعطته إياها النصوص القرآنية أو أنها تشكل تحديداً " لحالات واقعية " تترجم فكرة " الدور " الخاص بالرجل والذي لا بد من حمايته ؟" .

إن التخليط في فهم مفهوم القوامة إنما يعود لاعتبارهم رئاسة الرجل على المرأة رئاسة تقوم على الاستبداد والظلم ، بينما هي في الحقيقة رئاسة رحمة ومودة وحماية من الخوف والجوع ، إنه لو كان في الأمر استبداد وتسلط من الرجل على المرأة لكان يحق للرجل أن يمد يده إلى مال زوجته أو يمنعها من أن تتاجر بمالها والإسلام يمنعه من ذلك ، أو أن يجبرها على تغيير دينها والمعروف ان الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج النصرانية واليهودية مع احتفاظ كل منهما بدينه .

إن هذه القوامة مبنية على كون الرجل " هو المكلف الإنفاق على الأسرة ، ولا يستقيم مع العدالة في شيء أن يكلَّف فرد الإنفاق على هيئة ما دون أن يكون له القيام عليها والإشراف على شئونها ، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة ، ويلخص علماء القانون الدستوري هذا المبدأ في العبارة التالية : " من ينفق يشرف " أو " من يدفع يراقب " .

هذا هو الأصل ، الزوج ملزم بالعمل والمرأة ليست كذلك ، إذا أحبت عملت وإذا كرهت جلست ، وما أجمل ما قالته إحدى الكاتبات المشهورات " أجاتا كريستي " حيث قالت : " إن المرأة مغفلة : لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً ، يوماً بعد يوم ، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق ، لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية للحصول على حق العمل … والمساواة في العمل مع الرجل، والرجال ليسوا أغبياء فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج .

ومن المحزن أننا أثبتنا ، نحن النساء، أننا الجنس اللطيف ، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجَهْدِ والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده " .

 

-4- تعدد الزوجات

يعترض أنصار حقوق المرأة على نظام تعدد الزوجات الذي يقره الإسلام ويعتبرون أن فيه إهداراً لكرامة المرأة وإجحافاً بحقها واعتداءً على مبدأ المساواة بينها وبين الرجل ، إضافة إلى أن في هذا الأمر مدعاة للنزاع الدائم بين الزوج وزوجاته وبين الزوجات بعضهن مع بعض فتشيع الفوضى ويشيع الاضطراب في حياة الأسرة ، ولذلك هم يَدعون إلى التأسي بتركيا وتونس اللتان ألغتا نظام التعدد وفرضتا نظام آحادية الزواج ، مع أن هؤلاء الأشخاص لو اطلعوا على إحصاءات المحاكم في هاتين الدولتين لبدلوا رأيهم أو بعضاً من آرائهم .

إن أبرز نتائج إلغاء نظام التعدد نورده على لسان الغربيين أنفسهم الذين يؤكدون على الخلل الذي أصاب المجتمع نتيجة تزايد عدد النساء بشكل عام حيث تزايد هذا العدد إلى ثمانية ملايين امرأة في أميركا، وقد أرسلت فتاة أميركية اسمها " ليندا " رسالة إلى مجلس الكنائس العالمي تقول فيها :"إن الإحصاءات قد أوضحت أن هناك فجوة هائلة بين عدد الرجال والنساء فهناك سبعة ملايين وثمانية آلاف امرأة زيادة في عدد النساء عن عدد الرجال في أميركا ، وتختم رسالتها قائلة : أرجوكم أن تنشروا رسالتي هذه لأنها تمس كل النساء ، حتى أولئك المتزوجات ، فطالما أن النسبة بين الرجال والنساء غير متكافئة ، فالنتيجة الأكيدة هي أن الرجال سيخونون زوجاتهم ، حتى ولو كانت علاقتهم الزوجية قائمة على أساس معقول " .

إن تزايد عدد النسوة عن عدد الرجال له مبررات عدة منها ما هو طبيعي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو خاص .

أما المبررات الطبيعية فتتمثل في القوانين التي تخضع لها الفصيلة الإنسانية فيما يتعلق بالنسبة بين الذكور والإناث ، فيما ترجع أهم المبررات الاجتماعية إلى أمرين : أحدهما يعود إلى أعباء الحياة الاجتماعية وتوزيع الأعمال بين الجنسين وكل ذلك يجعل الذكور أكثر تعرضاً للوفاة من الإناث وأقصرَ منهن أعماراً ، وثانيهما أن الرجل لا يكون قادراً على الزواج بحسب الأوضاع الإجتماعية إلا إذا كان قادراً على نفقات المعيشة لزوجته وأسرته وبيته في المستوى اللائق به...على حين أن كل بنت تكون صالحة للزواج وقادرة عليه بمجرد وصولها إلى سن البلوغ .

بينما تتمثل المبررات الخاصة فيما يطرأ أحياناً على الحياة الزوجية من أمور تجعل التعدد ضرورة لازمة فقد تكون الزوجة عقيماً ، أو قد تصير إثر إصابتها بمرض جسمي أو عصبي أو بعاهة غير صالحة للحياة الزوجية .

فأي الأمور أصلح للزوجة أن تَطَلَّق وهي مريضة تحتاج إلى العناية والاهتمام وينعت الرجل حينذاك بالصفات الدنيئة من قلة الوفاء والخِسَّة ، والمثل المعروف يقول "أكلها لحمة ورماها عظمة " أم يكون من الأشرف للزوجة أن يتزوج عليها مع احتفاظها بحقوقها المادية كافة ؟

إن نظام التعدد نظامٌ اختياريٌ وليس إجبارياً وهو لا يكون إلا برضا المرأة ، هذا الرضا الذي يحاول كثير من الناس أن ينزعه عن الفقه الإسلامي مدعين بأن الإسلام حرم المرأة من حقها في اختيار الزوج ، إلا أن نظرةً إلى هذا الفقه تشير إلى اتفاق الفقهاء على أن المرأة البالغة الثيّب يُشترط إذنها ورضاها الصريحين قبل توقيع العقد ، وهذا النوع من النساء هن في الغالب من يرتضين أن يكن زوجات ثانيات ، أما المرأة البالغة غير الثيِّب فقد اتفق الفقهاء على أن سكوتها المنبئ عن الرضا يجزئ في صحة العقد ، أما إذا كان هناك قرينة على رفضها فهناك خلاف بين الفقهاء ، يقول الأحناف أنه لا يجوز لوليها أن يزوجها ، بينما قال الشافعية أنه يجوز لولي الإجبار وهو ( الأب أو الجد ) أن يزوجها ولكن بشروط منها :

1-أن لا يكون بينه وبينها عداوة .

2-أن يزوجها من كفء ، والكفاءة معتبرة في الدين والعائلة والمستوى الاجتماعي .

3- أن يكون الزوج قادراً على تسليم معجل المهر .

كل هذا يصح به العقد وإن كان يفضل أن يتخير لها الولي من ترتضيه.

أما بالنسبة للزوجة الأولى فإن الإسلام لم يحرمها رضاها بالزوجة الثانية إذ أباح لها الإسلام إذا كرهت زواج زوجها عليها أن تشترط ذلك عند العقد ، فتحمي بذلك نفسها من التجربة .

هذا من وجهة النظر الشرعية أما من ناحية الواقع فإن " الإحصاءات التي تنشر عن الزواج والطلاق في البلاد العربية الإسلامية تدل على أن نسبة المتزوجين بأكثر من واحدة نسبة ضئيلة جداً لا تكاد تبلغ الواحد بالألف .

والسبب في ذلك واضح ، وهو تطور الحياة الاجتماعية ،وارتفاع مستوى المعيشة،وازدياد نفقات الأولاد في معيشتهم وتعليمهم والعناية بصحتهم " ، إضافة إلى خوف الزوج وخاصة المتدين من عدم العدل بين الزوجات ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ( خديه ) ساقط ) .

وفي ختام موضوع تعدد الزوجات نؤكد على أن طرح رفض تعدد الزوجات إنما يخدم أهدافاً غربية تقوم على تحديد النسل بغية إضعاف أمة الإسلام وتقليل عدد أبنائها بحيث لا يشكلون قوة لا يستهان بها في المستقبل .

 

5-الإرث

إن المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء أمر غير غريب على الإسلام بل إن بوادر هذا الأمر بدأت منذ نزول الوحي ، فقد جاء في إحدى الروايات عن أسباب نزول الآية 32 من سورة النساء في قوله تعالى : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ) أن أم سلمة رضي الله عنها قالت " يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث " .

فلأول وهلة قد يبدو أن الإسلام ظلم البنت إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب ، إلا أن هذا الأمر ينافي الواقع إذ إن الإسلام كلف الرجل بما لم يكلف به المرأة فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل ، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات ، فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك ، فنصيب الابن " معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة ، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا" .

أما حجة نساء اليوم بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية ، هذا القول هو أمر مرفوض شرعاً حتى لو اتفق الزوجين على كتابة شرط عمل المرأة في العقد صح العقد وبطل الشرط بخلاف بعض القوانين الغربية ومنها القانون الفرنسي الذي يشترط مساهمة الزوجة في النفقة .

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ليست قاعدة مطردة ، لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما .

 

6- الشهادة

تطالب الجمعيات النسائية بتعديل القانون اللبناني منسجماً مع الاتفاقيات الدولية التي تدعو إلى إعطاء المرأة الأهلية الكاملة في مركزها وحقوقها القانونية ، وهم يرون أن الإسلام يقف عائقاً أمام تساوي الرجل والمرأة في الشهادة معتبرين أن " قضية الشهادة هذه منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، وأنها مظهر آخر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية" وللرد على مزاعمهم نؤكد على أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليست مطلقة بل هي تختلف من حالة إلى أخرى ، وهي على أقسام :

1- شهادة التي لا يقبل فيها شهادة المرأة مطلقاً وهي شهادة القصاص والحدود ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها.

2- شهادة المبايعة والمداينة وهي التي يُطلب فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بناء على قوله تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما تذكر إحداهما الأخرى )

وهذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزاً عبثياً وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة ، حيث أن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة أكثر من الرجل للضلال الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر ، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة مما يعرضها لعدم الثبات.

3- شهادة اللعان التي تتساوى فيها شهادة الرجل وشهادة المرأة كما في حال اللعان، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية ، قال تعالى : (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) .

4- شهادة الولادة وإحقاق النسب للمولود والرضاعة كلها شهادات التي تنفرد فيها المرأة دون الرجل ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب . فجاءت امرأة وقالت : "لقد أرضعتكما " فسأل عقبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف وقد قيل ؟ ففارقها عقية ، فنكحت زوجاً غيره " .

يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد ، هو أمر خاص في المداينة فقط دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة ومما ينفي المساس بكرامة المرأة بل جُلَّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه .

 

الخاتمة

 

إن الإسلام أعطى المرأة حقوقاً وفرض عليها واجبات يجب عليها مراعاتها عندما تطالب بأي حق يمكن أن لا يتناسب مع ما فرضه عليها الإسلام ، من هذه الحقوق تلك التي تطالب الاتفاقيات الدولية بها والتي يتعارض تطبيقها مع الشريعة الإسلامية في عدة نواح منها:

1- كونها لا ترضي المرأة المسلمة لأن جُلَّ ما تطالب به من حقوق قد مارستها المرأة المسلمة منذ أربعة عشر قرناً .

2- إن الحقوق التي شرعها الإسلام للمرأة هي ثابتة لأنها موثقة بآيات قرآنية وبأحاديث نبوية شريفة وهي بالتالي ملزمة للرجل والمرأة على حد سواء .

3- إن هذه الاتفاقيات أغفلت ناحية هامة هي الناحية الروحية والعقائدية .

4- إن حقوق المرأة في الاتجاهات الدولية هي حقوق غير ثابتة لأنها من وضع الإنسان .

5- إن هذه الاتفاقيات بمجمل موادها أغفلت الخصائص المميزة لكل شطر من شطري النفس الواحدة أعني الذكورة والأنوثة والاختلافات الجسدية والفيزيولوجية منها .

 

في الختام ، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يثبت المرأة المسلمة على دينها ويهديها إلى ما يحاك لها من مؤامرات تهدف إلى تدميرها عبر تدمير أسرتها ودفعها إلى مخالفة فطرتها، فالاتفاقيات الدولية لا تهتم بسعادة المرأة أو شقائها وإنما تهتم بقضايا أكبر تطال الدول الكبرى التي وضعتها والتي من أهمها تحديد النسل في الدول النامية حتى لا تشكل في المستقبل قوة تشكل خطراً عليها ، وهذا الأمر أكد عليه " هنري كيسنجر " مستشار الرئيس الأميركي الأسبق عام 1974م. عندما قال : "إن هناك 13 دولة من بينها ست دول مسلمة ذات كثافة سكانية عالية وللولايات المتحدة فيها مصالح سياسية واستراتيجية ، لهذا لا بد من تنفيذ سياسات لخفض سكانها حتى لا تصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن " .

هذا ما يخطط لنا فهل من يسمع أو يعتبر ... والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

 

الفهرس

القرآن الكريم

كتب السنة النبوية الشريفة .

1-الدكتور مصطفى السباعي ، المراة بين الفقه والقانون ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1404هـ ، 1984م.

2- الدكتورة سامية عبد المولى الشعار ، أسس حرية المراة في التشريع الإسلامي ، دار الفلاح للنشر، الطبعة الأولى ، 1420هـ ، 1999م.

3- الدكتورة سامية عبد المولى الشعار ، بحث تحت عنوان " منهجية في التقارب ما بين الفقه الإسلامي وقوانين الحوال الشخصية " .

4- محمد رشيد العويد ، من أجل تحرير حقيقي للمراة ، دار ابن حزم ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1413هـ ، 1993م.

5- الشيخ راشد الغنوشي ، المراة بين القرآن وواقع المسلمين ، المركز المغاربي للبحوث والترجمة ، لندن ، الطبعة الثالثة ، 1421هـ ، 2000م. .

6- فدى عبد الرزاق القصير ، المراة السملمة بين الشريعة الإسلامية والأضاليل الغربية ، مؤسسة الريان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1420هـ ، 1999م.

7- الدكتور علي عبد الواح وافي ، المرأة في الإسلام ، دار نهضة مصر للطبع والنشر ، القاهرة ، الطبعة الثانية .

 

 

 

 

 

وهذا هو الرابط:

http://www.saaid.net/daeyat/nohakatergi/57.htm

 

وهذا مو وضع آخر

 

 

قالوا في عمل المرأة

 

في مقال للكاتبة الأمريكية (فيليس ماكجنلي) بعنوان (البيت.. مملكة المرأة بدون منازع) تقول: (وهل نعد نحن النساء ـ بعد أن نلنا حريتنا أخيراً ـ خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت؟ وتجيب على هذا التساؤل بقولها:

 

(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء اكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).

 

(وإذا قيل لنا على نحو تعسّفي: إن من واجبنا أن نعمل في أي مكان غير المنزل، فهذا لغو زائف، فإنه لا يوجد عمل يستحق أن يمزق شمل الأسرة من أجله)(1).

 

أما الكاتب الانكليزي الساخر برنارد شو فيقول في هذا الموضوع:

 

(أما العمل الذي تنهض به النساء.. العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه.. العمل الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بشيء آخر.. فهو حمل الأجنّة، وولادتهم، وإرضاعهم، وتدبير البيوت من أجلهم، ولكن النساء لا يؤجرن عليه بأموال نقديّة وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل، على الاطلاق.. فإذا تحدّثوا عن العمل جاء ذكر الرجل على لسانهم، وأنه هو الكادح وراء الرزق.. الساعي المجهد وراء لقمة العيش وما إلى ذلك من الاوصاف التي يخلعونها عليه في جهل وافتراء.. إلا أن المرأة تعمل في البيت. وكان عملها في البيت هذا منذ الأزل، عملاً ضرورياً وحيوياً لبقاء المجتمع ووجوده. بينما يشغل الملايين من الرجال أنفسهم ويبدّدون أعمارهم في كثير من الأعمال التافهة.. ولعل عذرهم الوحيد في قيامهم بتلك الأعمال: أنّهم يعولون بها زوجاتهم اللاتي لا يمكن الاستغناء عنهن.. وهم بذلـــك القول مــغرورون... وهــــم لا يريـــدون أن يفهموا.. أن عملـــهم وعملهن ســـواء.. )(2).

 

القول في عمل المرأة لمساعدة من يعولها أو أطفالها

 

فالتبرير على ما يذهبون إليه يحمل تسليماً بالعلّة، أو استسلاماً لها، واكتفاءاً بعلاج أثرها لا علاجها هي.. وهو واضح البطلان.

 

فمما يذكر بهذا الصدد أن عدالة الإسلام جعلت حقاً في بيت المال لمحدودي الدخل يغطي نفقة من يعول، وذلك قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(3).

 

فقال العلماء: إن المحروم، هو المحارف الذي لا يكسب ما يكفيه.. ويجعل من لا عائل لها صغيرة كانت أم كبيرة في كفالة ولي الأمر ببيت المال، لأن صفة الانوثة في الإسلام من صفات العجز عن الكسب..

 

ويجعل اليتيم الذي لا مال له في كفالة ولي الأمر أيضا، بصفته قيّم بيت المال إلى أن يستغني بالعمل، وذلك قوله (ص): (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(4) فأيّما مؤمن ترك ما لاً فلورثته.. وإن ترك ديناً أو ضيّاعاً، فليأتني، فأنا مولاه)(5) والضيّاع: هم العاجزون عن الكسب.

 

وإذا كان ذلك هو سنة المجتمعات، وعلامة الصحة فيها، فأولى في منطق العلاج أن يرد المجتمع إلى سننه الأولى، لا أن يبقى الفساد ثم يسام الضعفاء حمل آثاره(6).

 

عمل المرأة في منظار الإسلام

 

لقد ضمن الإسلام للمرأة حياة السعادة والتقدم إن هي التزمت خط الإيمان، وسلكت طريق العمل الصالح كالرجل تماماً: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)(7).

 

وأي عمل تقوم به المرأة لله تعالى فلا ينكر لها جزاؤه وثوابه، فعمل المرأة محترم كعمل الرجل عند الله لأنهما من مصدر واحد وعلى مستوى واحد:

 

(فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(8).

 

والمرأة شريكة الرجل في الجنة كما هي شريكته في دار الدنيا:

 

(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة)(9) (10).

 

الفوارق الفسلجية بين المرأة والرجل

 

يقول الدكتور الكسيس كاريل، الحائز على جائزة نوبل في العلوم، متحدّثاً عن طبيعة مكوّنات المرأة وتأثيرها على عملها:

 

(إن الأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة لا تتحدّد في الأشكال الخاصة بأعضائها التناسلية ولا تتحدّد أيضا في اختلاف تربيتها، وإنما تتحدّد بسبب أعمق من ذلك، لأن هذه الفوارق هي ذات طبيعة اساسية تنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل من الرجل والمرأة، فالمرأة تحمل في كل جزئ من جسدها، تأثير المواد الكيمياوية ومفرزات الغدد التناسلية والذين ينادون بالمساواة بين الرجل والمرأة ويدعون إلى توحيد نوعية التربية والتعليم والوظائف بينهما، يجهلون جهلاً كاملاً هذه الفوارق، وهي فوارق اساسية من غير ترديد، لأن المرأة في الواقع تختلف عن الرجل كل الاختلاف فكل خلية من جسمها تحمل طابعاً خاصاً هو الطابع الأنثوي، وهكذا تكون أعضاؤها المختلفة، بل وأكثر من ذلك هو حال نظامها العصبي. ويضيف قائلاً: إن قوانين وظائف الأعضاء محددة ومنضبطة كقوانين الفلك والرياضيات، ولا يمكن إحداث أي تغيير فيها بمجرّد أن الأمنيات البشريّة تريد هذا التغيير، وعلينا أن نسلم بها كما هي، دون أن نسعى إلى ما هو غير طبيعي. فعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية، وأن يبتعدن عن تقليد الرجال تقليداً أعمى، فدورهن في تقدم الحضارة أعلى من دور الرجال، ولا يجوز لهن أن يتخلين عنه(11).

 

القول بقبح عمل المرأة

 

تقول خبيرة الجنس الفرنسية ذائعة الصيت: هيلين ميشال، موجهة كلامها إلى بنات جنسها: إذا أغروك بالعمل في المصنع والعمل بشكل سافر، حيث يوفر لك قدر أكبر من المال الخاص لشراء حاجيات الأولاد، وحاجياتك أنت. فلا تصدّقيهم.

 

إن المقصود ليس حصولك على المال، فهذا الأمر لا يهم الآخرين، ولكن المقصود حصولهم عليك. تذكّري: إن 80% من العاملات في المصانع والمعامل في الولايات المتحدة يشعرن بقرف شديد من العمل، لقد اكتشفن الحقيقة.

 

وتذكّري أيضا: إن الحرية، والتقدم الاقتصادي، والمراكز العالمية التي حصلت عليها المرأة في فرنسا، لم تمنع عنها المشاكل الحادة، ولم تحسّن وضعها، ولم تجعل منها النصف الملائم لقيادة سفينة الحياة(12).

 

المرأة في صدر الإسلام

 

أما بالنسبة إلى عمل المرأة في شرعنا، فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل، فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأة أن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حق المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العمل والزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة) والحفاظ على كيانها كانسانة. فالإسلام ينهى عن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولا ينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلد عليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرة كبيرة، وتعرّفها على رسول الله (ص) كان عن طريق تجارتها، حيث عمل النبي (ص) لديها. فالمرأة تستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملها على الحجاب أو لم تختلط بالرجال الاجانب، لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنس للرجال(13).

 

يقول الحديث الشريف (كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) ففي عهد رسول الله (ص) كانت المرأة تعمل، تشتغل، وقد أوصى النبي (ص) المرأة أن تشتغل في الحياكة، حيث قال: (علموهنّ المغزل).

 

فإذا حافظت المرأة على (الحشمة المطلوبة) فلا مانع من أن تتوظف، أو تشتغل في أي مكان. إن الإسلام يوجب العمل على الرجل، ولا يوجبه على المرأة، وذلك لسبب بسيط، هو أن المرأة لا تتحمل عمل الرجل، فهي تعيش من ثلاثة أيام إلى عشرة أيام كل شهر مريضة، جسمياً ونفسياً وهي أيام العادة الشهرية، وتكون ثقيلة الحركة في أيام الحمل، وتكون مرتبطة بالولد في أيام الرضاع... وهكذا فكيف نستطيع أن نوجب عليها العمل في مثل هذه الحالات؟ هل نعطيها رخصة؟ هذا غير سليم لأن المرأة في حالة العادة لا تكون طريحة الفراش، ولكنها تكون مريضة جسميّاً وعلى الأقل تكون (حساسة) تجاه ما يقال لها أو يسلك تجاهها.

 

فهل يعقل أن نترك معملاً ضخماً أو شيئاً من هذا القبيل على عاتق امرأة حساسة تثور لأية كلمة مثلاً، أو تتحملها، وتتعقد عليها.

 

فالتغيرات الفسيولوجية في جسم المرأة، تصحبها تغييرات سيكولوجية تجعلها تشعر أيام العادة بالحساسية والكآبة وتكون سريعة التأثر لأقل شيء من أقربائها فكيف بالغرباء عنها(14).

 

المرأة خارج البيت

 

في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)(15).

 

قال القرطبي: (ليس للزوج أن يخرجها من مسكن الزوجية، ولا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة)(16) فالآية نزلت في المعتدّة ولكن حكمها يسري على الزوجة.

 

قال ابن عربي: قال مالك: (ولا تخرج المعتدة دائماً، وإنما أذن لها في الخروج إن احتاجت إليه، وإنما يكون خروجها في العدّة كخروجها في الزواج، لأن العدّة فرع الزواج)(17) وقد لاحظ أئمة التفسير والفقه أن البيوت مضافة إلى ضمير النسوة في قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن) وفي قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة...)(18) وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن...)(19) مع أن البيوت للأزواج لا لهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليست إضافة (تمليك) بل إضافة (إسكان) تقرّرت لاستمرار لزوم المرأة البيت ـ إلا لحاجة ـ حتى أضيف إليها(20).

 

والإسكان هو الزام بالاقامة، يقول الكاساني: (ومنها ـ أي من الأحكام التي تترتب على عقد الزواج ـ صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز لقوله تعالى (اسكنوهن) والأمر بالاسكان نهي عن البروز إذ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، ولقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) ولأنها لو لم تكن ممنوعة من الخروج والبروز لاختل السكن، والنسب)(21). فالمقرر في الفطرة وفي الشرع: أن البقاء في المنزل هو الاصل. وأن الخروج منه هو الفرع. والرسول (ص) يقول:

 

(لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن)(22).

 

فالشرع يجيز للمرأة أن تخرج لأداء العبادة في المساجد، ولكنه يرى اداءها لها في البيت خير لها. وذلك لتجنّب الفتنة والعوارض، ولكفالة الاستقرار، وجعل المرأة متفرغة لمهمتها.

 

وقد ثبت أن النساء كنّ يخرجن باذن رسول الله (ص) مع الجيش لخدمة الرجال، وتمريض الجرحى، والقيام بأعمال الاسعاف، فقد روي عن الربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة)(23).

 

وفي سؤال لاحدهم لسماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في خصوص هذا الموضوع وهو: إن هناك من يعتقد أن الإسلام قسّم أدوار الزوجين بين أن يتحمّل الزوج ما يرتبط بخارج البيت من الكد وجلب الحاجيات المنزلية، وبين أن تتحمّل الزوجة ما يرتبط بداخل البيت من الطبخ والكنس والاهتمام بالأطفال... فهل ترون هذا التقسيم من الاسلام؟ فكان جوابه (دام ظله): نعم، لكن دور المرأة على سبيل الاستحباب(24).

 

مسؤولية المرأة الرسالية

 

 

إن الدور والواجب على المرأة الرسالية أداؤه، ليس هدّية يقدّمها الرجل لها، فإذا امتنع من تقديمه فلا دور لها في الحياة، بل هو حق من حقوقها ومسؤولية من مسؤولياتها. وعليها أن تلتزم هذا الحق وتمارس هذه المسؤولية، وإلا فلن يشفع لها أمام الله والتاريخ أن تعتذر بأن الرجال لم يتركوا لها واجباً أو لم يقدموا لها دوراً.

 

 

ومن هنا كان واجباً عليها أن تعتني بنفسها لرفع مستواها الفكري، والسياسي، والثقافي والديني والعلمي، والاقتداء بنماذج للمرأة المجاهدة من طراز المجاهدات الكبيرات، فاطمة الزهراء، وزينب الكبرى عليهما السلام.

 

فالمرأة يجب أن تسبق الرجل في تحمل المسؤولية، ذلك لأن المرأة تصل حدّ البلوغ الشرعي قبل الرجل بأربع سنوات، لذا عليها أن تسبق الرجل بأربع سنوات في العمل وأداء الواجب(25).

 

اختلاف تكوين المرأة عن الرجل

 

يمتلك كل من الرجل والمرأة مجموعة من الخصائص التي جاء العلم الحديث ليؤكدها بصورة قاطعة ومن وراءها تبرز الحكمة من ايجادها:

 

أولاً: القوّة الجسديّة: فالرجل في الأغلب أقوى جسدياً من المرأة، ومعدّل الطول عند الرجل أعلى منه عند النساء، ولعل أوضح الحكم في ذلك ايكال الأعمال الشاقة للرجال ومنها الأعمال المعاشيّة اليومية خارج البيت، وإذا جرى وشاركت امرأة ما في عمل شاق، فإن الاهتمام بذلك واشاعته اعلامياً دليل على صحة المقولة الأولى لأن الاستثناء يثبت القاعدة، وهو أمر طبيعي فيسترعي الاهتمام، ومن الطبيعي أنه لا يمكن القياس على الشاذ النادر الحاصل هنا وهناك.

 

ثانياً: الخشونة في البدن والسلوك: من المعروف أن الرجال يسمّون بالجنس الخشن، والنساء يسمّين بالجنس الناعم، فنظرة واحدة إلى كف رجل وامرأة يعطي السبب المعقول لهذه التسميات. وكذلك في السلوك فإن المرأة بحاجة إلى حنان مميز لتؤدي دورها في إضفاء البهجة على جو البيت ككل وتمنح الحب والطمأنينة للاطفال بالخصوص.

 

ثالثاً: الفروق العصبية: من المألوف أن تقف المرأة باكية خصوصاً عند حدوث الحوادث المحرجة مثل أخذ نتائج الامتحانات المدرسية، أو الدخول في نقاشات مع الآخرين، أو حصول حادث اصطدام بسيط مثلاً، وليس هذا عيباً أو نقصاً في المرأة كما يتصور أولاً، وإنما هي حالة ناتجة من الارتخاء العصبي الموجود لدى النساء والذي أثبته الطب الحديث. وهي خصيصة ضرورية لكي تتحمل المرأة آلام الحمل والولادة، ولكي تتحمل عصبياً كل أعمال التربية وضغوطات الأطفال المرهقة أو تلبي احتياجاتهم المتكررة التي تصل إلى حد الالحاح والازعاج. كما أن الارتخاء العصبي عند المرأة نعمة كبرى لكي تتجنّب حالات التوتر والتشنج عند الولادة التي تصل إلى حد الانهيار العصبي، ولذا فهي تحصل لنسبة قليلة من النساء عند الولادة.

 

أما الرجل فهو بحاجة إلى التماسك العصبي لمواجهة مشاكل الحياة بحزم وقوّة ولعل هذا هو السبب في تمكن الرجل من مجابهة مشكلات العمل اليومي والدخول في الكفاح البشري والخلاصة (فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة)(26).(27)

 

إذن أليس العدالة أن يؤدي كل كائن واجبه مستفيداً من مواهبه وخصائصه؟

 

وأليس خلاف العدالة أن تقوم المرأة باعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي؟

 

من هنا نرى الإسلام ـ مع تأكيده على العدالة ـ يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأمور مثل الإشراف على الأسرة.. ويدع للمرأة مكانة المساعد فيها.

 

فالعائلة والمجتمع بحاجة إلى مدير، ومسألة الإدارة في آخر مراحلها يجب أن تنتهي بشخص واحد، وإلا ساد الهرج والمرج. فمن المفضّل لهذه المسؤولية الرجل أم المرأة؟

 

كل الحسابات البعيدة عن التعصب تقول: إن الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكون مسؤولية إدارة الأسرة بيده، والمرأة تعاونه، وإن كانت المزاعم تخالف ذلك ففي قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء)(28) يعني: إن الرجل قيّم على المرأة فيما يجب لها عليه، فأمّا غير ذلك فلا، ويقال: هذا قيم المرأة وقوامها.

 

ولئن جعل الله ذلك للرجال، فلفضلهم في العلم، والتمييز، ولأنفاقهم أموالهم في المهور، وأقوات النساء(29).

 

أما الخلاص ففي الاكتفاء الذاتي للأسرة وهو أن يجعل الإنسان كسبه في بلده، فإنه لا تضيع عائلته ويكون هو القيم عليها، وقد ورد في ذلك روايات منها:

 

عن علي بن الحسين (ع): (إن من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم)(30).

 

وعن الصادق (ع)، قال: (ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والأولاد البارّون والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إلى أهله ويروح)(31).

 

فقه الحجاب في مسائل

 

وقد شرح السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) جوانب من مسائل الحجاب في خروج المرأة من البيت ودخولها مجتمعات الرجال والمطالبة بحقها واسماع صوتها لهم، في تفصيل مدعم بمثال رائع للمرأة الإسلامية الحقّة ألا وهي الزهراء بنت الرسول (صلوات الله وسلامه عليهما) نذكرها هنا:

 

مسألة: (خروج المرأة من البيت)

 

يجوز بالمعنى الأعم خروج المرأة من البيت، سواء كانت متزوّجة أم غير متزوّجة، في الجملة: نعم، الفرق بين المتزوجة وغير المتزوجة: إن المتزوجة تستأذن زوجها في الخروج في غير الواجب منه، وغير المتزوجة تملك نفسها، فانه (ص) (نهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها)(32).(33)

 

مسألة: دخول المرأة في مجتمع الرجال

 

يجوز للمرأة أن تدخل في مكان قد اجتمع فيه الرجال، أو مع النساء، مع الحفاظ على الحجاب وسائر الشرائط. إذ الاصل: الاباحة ولا دليل على الحرمة، بل كان هذا في زمن رسول الله (ص) في مسجده، وفي أسفاره، وفي الحج، كما أنه كان في أيام الفقهاء الكبار، في مشاهد المعصومين (ع) وكذلك في القدس الشريف وغير ذلك. أما المحرّم منه، فهو الاختلاط بلا حجاب، أو ما أشبه ذلك مما أتى به الغرب إلى بلاد الإسلام واستقبله بعض من لا حريجة له في الدين(34).

 

مسألة: مطالبة المرأة بالحق

 

يجوز بالمعنى الأعم المطالبة بالحق، وكشف القناع عن ظلم الظالم حتى عند من لا يتاتى منه أي عمل، أو لا يعمل، ويشمله اطلاق قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)(35). وربما يعد من مصاديق ذلك مطالبة الزهراء (ع) بحقها وحق الإمام أمير المؤمنين (ع) في المسجد في حضور المهاجرين والانصار وغيرهم، حيث لم يكن لكل الأفراد القيام بالمطلوب والمراد نفي (الكليّة) لا النفي الكلّي، فتأمّل.(36)

 

مسألة: الساتر بين النساء والرجال

 

قد يقال باستحباب وضع ساتر بين الرجال والنساء عند خطاب المرأة، إضافة لتحجّب كل واحدة منهن. وربّما يستفاد ذلك من قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب)(37)، وإن كان الانصراف في الآية المباركة يقتضي الحجاب أو الساتر بالمعنى الأخص لا الساتر إضافة للحجاب المتعارف، ومنه يعلم استحباب ذلك في كل مكان اجتمع فيه النساء والرجال، كما في المسجد للصلاة، وفي قاعة الدرس، وفي الحسينيات وغير ذلك.

 

لكن ربما يقال: بأنه لا يظهر أن ذلك كان على نحو الاستحباب، إذ الفعل لا جهة له، بل ربما كان ذلك من الآداب، ولذا لم يكن في مسجد رسول الله (ص) ولا في المسجد الحرام ستر بين الرجال والنساء وذلك بأن يقرر مثلاً على الرجال أن يطوفوا بجوار الكعبة وعلى النساء الطواف من بعيد وبينهما ستر، أو بأن يقرر وقت للرجال وآخر للنساء، إلى غير ذلك مما هو واضح.

 

وربما يقال: إنه يدل على الاستحباب بالنسبة إلى الشخصيات من النساء، ولذا ورد ذلك بالنسبة إلى عمل نساء النبي (ص) بعد نزول آية الحجاب:

 

(وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) يعني إذا سألتم أزواج النبي (ص) شيئاً تحتاجون إليه فاسألوهن من وراء ستر، قال مقاتل: أمر الله المؤمنين أن لا يكلموا نساء النبي (ص) إلا من وراء حجاب (ذلكم) أي السؤال من وراء حجاب (أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من الريبة، ومن خواطر الشيطان (وما كان أن تؤذوا رسول الله) بمخالفة ما أمر به في نسائه ولا في شيء من الأشياء.(38).

 

أما الاستحباب مطلقاً، فالظاهر: العدم للسيرة المستمرة في مسجد رسول الله (ص) في عصره الشريف وغيره بالنسبة إلى النساء، وكذلك بالنسبة إلى المسجد الحرام، وغير ذلك كما سبق.(39)

 

مسألة: اسماع الصوت للرجال

 

يجوز للمرأة أن تسمع صوتها إذا حفظت الموازين الشرعية. بأن لم يكن هناك خوف فتنة، أو من الخضوع في القول مثلاً، قال سبحانه:

 

(فلا تخضعن في القول فيطمع الذي في قلبه مرض)(40) وقد كانت النساء يتكلمن مع الرسول (ص) ومع أمير المؤمنين (ع) ومع الأئمة الأطهار (ع) ومع علماء الدين إلى عصرنا الحاضر، وعلى ذلك جرت سيرة المتشرّعة عموماً، لكن يجب مراعاة الموازين الشرعية. وما ذكر يدل على جواز ذلك، فإن المحظور هو الخضوع بالقول وما أشبه، فيجوز للنساء إلقاء الخطب وقراءة التعزية في المجالس النسوية، وإن وصل صوتها إلى اسماع الرجال، كما يجوز تسجيل صوت قراءتها مع مراعات الجهات الشرعية(41).(42)

 

حقوق المرأة في كتاب الله

 

ومع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية.

 

فالمرأة تتمتع بحقوق تعادل ما عليها من واجبات ثقيلة في المجتمع، يقول تعالى:

 

(ولهن مثل ما عليهن بالمعروف)(43) وقد اعتبر الإسلام المرأة كالرجل: كائناً ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار، ويطوى طريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة، ولذلك خاطب الله تعالى الرجل والمرأة معاً في بيان واحد حين قال:

 

(يا أيها الناس... ويا أيها الذين آمنوا) ووضع لهما منهجاً تربوياً واخلاقياً وعلمياً ووحدهما بالسعادة الابدية الكاملة في الآخرة كما جاء في قوله تعالى:

 

(ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة)(44).

 

وأكد أن الجنسين قادران على انتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنوي والمادي لبلوغ الحياة الطيبة: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلـنحيينه حياة طيـــبة ولنجزينهـــم أجرهم بأحسن ما كـــانوا يعملون)(45). فالإسلام يرى المرأة كالرجل انساناً مستقلاً حراً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم كقوله تعالى:

 

(كل نفس بما كسبت رهينة)(46) (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها)(47). ومع هذه الحرية فالمرأة والرجل متساويان أمام قوانين الجزاء أيضا:

 

(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة... )(48). ولما كان الاستقلال يستلزم الإرادة والاختيار، فقد قرّر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الاقتصادية وأباح للمرأة كل ألوان الممارسات المالية، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)(49) فكلمة (اكتساب) خلافاً لكلمة (كسب) ـ لا تستعمل إلا فيما يستفيد الإنسان لنفسه ولو أضفنا إلى هذا المفهوم القاعدة العامة القائلة:

 

(الناس مسلطون على أموالهم) لفهمنا مدى الاحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأة بمنحها الاستقلال الاقتصادي، ومدى التساوي الذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال. وعلى عكس ذلك نجد المرأة في نظر المجتمعات الغربية غير مستقلة الشخصيّة في جميع الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقد استمر هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتى القرون الأخيرة.

 

فمثلاً قبل البعثة النبوية وبالضبط في سنة 586 عقد في فرنسا مؤتمر دار النقاش فيه حول استحقاق المرأة أن تعتبر انساناً أم لا تستحق ذلك؟ وكانت النتيجة أن اعتبر المرأة انساناً ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب(50).

 

وفي القانون المدني الفرنسي المشهور بتقدميته، على سبيل المثال: نشير إلى بعض فقراته المتعلقة بالشؤون الماليّة للزوجين:

 

يستفاد من المادتين 215 و217 أن المرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجها وتوقيعه أن تؤدي أي عمل حقوقي، وتحتاج في كل معاملة إلى إذن الزوج، هذا إذا لم يرد الزوج أن يستغل قدرته، ويمتنع عن الإذن دون مبرّر.

 

وحسب المادة 1242 يحق للرجل أن يتصرف لوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجل بأي شكل من الاشكال، ولا يلزمه استئذان المرأة بشرط أن يكون التصرف في إطار الإدارة. وإلا لزمت موافقة المرأة وتوقيعها. وفي المادة 1428 إن حق إدارة جميع الأموال الخاصّة بالمرأة موكول إلى الرجل ـ على أن المعاملة الخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقة المرأة وتوقيعها...(51).

 

الخلاصة

 

إن رفع الحيف عن المرأة واعطاءها سبيل اختيار المكان المناسب لها للعمل فيه، يستوجب رفع مستوى المعيشة الكلّي للأسرة وبالتوازن المستمر مع معدّلات التضخم المتوالية في الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على البلدان الإسلامية والفقيرة منها بأسوء المستويات. والأمر يستوجب مراعاة التقليل من المصروفات المخ(ص)ة لكماليات ومظاهر الدولة فالباري تعالى جدّه يقول: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبارين. فاتقوا الله...)(52).

 

فقد عملت المجتمعات الغربية في الآونة الأخيرة وبعد تعالي الصيحات عليها من كل مكان لضرورة إظهار مبدأ التكافل الاجتماعي على ساحة الواقع المعاش في دولها، لذا فقد صدرت القوانين الخاصة وتم تطبيقها بتخصيص الحقوق المالية الشهرية لذوي العاهات والمعوقين من أصحاب المهن من الرجال والنساء، وكذلك العاطلين عن العمل، والفائضين بسبب توقف معاملهم أو شركاتهم لسبب أو لآخر، واتخذت عندهم تخصيصات مالية للأطفال حديثي الولادة لتشجيع الإنجاب بعد أن عزفت عنه النساء، وعن الزواج في الغالب الأعم.

 

وهم بذلك قد طبّقوا ما دعا إليه دعاة الإسلام عبر العقود الماضية.

 

1 - مجلة المختار عدد آذار 1960.

 

2 - مجلة الهلال عدد آذار 1965.

 

3 - سورة الذاريات: الآية 19.

 

4 - سورة الأحزاب: الآية 6.

 

5 - رواه البخاري في صحيحه.

 

6 - كتاب (الإسلام والمرأة المعاصرة) للبهي الخولي.

 

7 - سورة النمل: الآية 97.

 

8 - سورة آل عمران: الآية 195.

 

9 - سورة النساء: الآية 124.

 

10 - كتاب (مسؤولية المرأة للشيخ حسن الصفار)، 20.

 

11 - كتاب (الرجل ذلك الكائن غير المعروف)، 98.

 

12 - كتاب (المرأة والدور المطلوب) للسيد هادي المدرسي، 98.

 

13 - كتاب (المرأة والدور المطلوب) للسيد هادي المدرسي، 26.

 

14 - كتاب (حوار عن المرأة) للسيد هادي المدرسي، 73.

 

15 - سورة الطلاق: الآية 1.

 

16 - جامع الاحكام للقرطبي، 18/154.

 

17 - أحكام القرآن لإبن عربي، 2/266.

 

18 - سورة الأحزاب: الآيتان 33 و34.

 

19 - سورة الأحزاب: الآيتان 33 و34.

 

20 - أحكام القرآن للجصّاص.

 

21 - بدائع الصنائع للكاساني، 2/133.

 

22 - رواه أبو داوود.

 

23 - كتاب (الإسلام والمرأة المعاصرة) للبهي الخولي.

 

24 - كتاب (أحكامك في البلاد الأجنبية) الإمام الشيرازي، ص131.

 

25 - كتاب (المرأة والدور المطلوب)، للسيد المدرسي، ص52.

 

26 - الوسائل، 14/120.

 

27 - كتاب (الرجل والمرأة) 12.

 

28 - سورة النساء: الآية 34.

 

29 - معاني القرآن وإعرابه للزجّاج، 2/46.

 

30 - كتاب الخصال، 1/159، ح207 - كتاب الكافي للكليني، 5/257، ح1.

 

31 - كتاب الكافي، 5/310، ح26.

 

32 - كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، 422 مجلد66، ح1 - مسائل علي بن جعفر، 179، ح333.

 

33 - كتاب فقه الزهراء (ع)، الإمام الشيرازي، 2/79.

 

34 - نفس المصدر، 90.

 

35 - سورة النساء، 148.

 

36 - كتاب فقه الزهراء (ع)، 93.

 

37 - سورة الأحزاب: الآية 53.

 

38 - كتاب بحار الانوار، 22/185.

 

39 - كتاب فقه الزهراء (ع)

 

40 - سورة الأحزاب: الآية 32.

 

41 - كتاب (النكاح)، الإمام الشيرازي (دام ظله)، مسألة 39.

 

42 - كتاب (فقه الزهراء (ع))، 98.

 

43 - سورة البقرة: الآية 228.

 

44 - سورة غافر: الآية 40.

 

45 - سورة النحل: الآية 95.

 

46 - سورة المدثر: الآية 28.

 

47 - سورة فصلت: الآية 46.

 

48 - سورة النور: الآية 2.

 

49 - سورة النساء: الآية 32.

 

50 - كتاب (المرأة في ظل الإسلام)، 32.

 

51 - كتاب (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزّل) للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، 100.

 

52 - سورة الشعراء: الآيات 128-131.

 

 

 

الرابط الالكتروني:

http://www.annabaa.org/nba49/hoqoqmaraa.htm#2

 

ولمن يريد المزيد فنحن هنا :up:

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...