Jump to content
منتدى البحرين اليوم

البحرين و ال خليفه .....تاريخ العتوب


Recommended Posts

البحرين وآل خليفة

:-:-:-:-::-:-:-:-::-:-:-:-::-:-:-:-::-:-:-:-::-:-:-:-::-:-:-:-:

 

1 - من هم ال خليفة .

2 - سبب هجرة العتوب من نجد .

3 - المناطق التي ارتحلوا اليها قبل الكويت .

4 - العتوب والاستقرار في الكويت .

5 - هجرة ال خليفة من الكويت للزبارة .

6 - الزبارة في حكم ال خليفة .

7 - أسباب احتلال ال خليفة للبحرين .

8 - ال خليفة والاستيلاء على البحرين .

9 - البحرين في حكم ال خليفة .

10 - الاحتلال العماني للبحرين .

11 - الاحتلال الوهابي للبحرين .

من هم ال خليفة : -

 

يرجع ال خليفة تاريخيا لقبائل العتوب التي كانت تشكل حلفا كبيرا يضم اليه أفخاذا كثيرة تنتمي لعدة قبائل هاجرت من موطنها الأصلي في نجد واستقرت على شواطئ الخليج . وقد تحالفت هذه القبائل بعضها مع البعض الاخر وتصاهرت فيما بينها(قاسم 1985م) ، ويعتبر ال خليفة وال الصباح والجلاهمة من أشهر عوائل العتوب الذين ينتمون الى قبيلة عنزة والتي يرجع اليها نسب ال سعود أيضا ، وعلى أساس ذلك تكون العوائل الثلاث (ال سعود وال خليفة وال الصباح ، حكام السعودية والبحرين والكويت على التوالي) ضمن قبيلة واحدة

.

لقد كان العتوب يقطنون منطقة الهدار في مقاطعة الأفلاج في نجد ثم ارتحلوا عنها مع بداية القرن الثامن عشر الميلادي واتجهوا نحو سواحل الخليج .

 

وتختلف المصادر فيما بينها حول تسميتهم بالعتوب فعلى حين ترى بعض المصادر ان العتوب أخذوا ذلك الاسم من احدى القبائل الكبيرة التي انضمت اليهم(قاسم 1985م) ، ترى مصادر أخرى ان الاسم مشتق من الفعل (عتب)أي ارتحل وقد أطلق عليهم حين عتبوا للشمال أي ارتحلوا الى الشمال والملاحظ ان الرأي الثاني هو الأشهر عند الباحثين كما ينقل ذلك ديكسون (1990م) في كتابه (الكويت وجاراتها) على لسان الشيخ عبد الله السالم الصباح . والذي يبدو ان اسم (العتوب) لم يطلق على هذه المجموعة من القبائل لأنهم عتبوا للشمال ، والدليل على ذلك أمران :

 

الأول : ان الفعل (عتب) يعني الارتحال والتنقل ومن دون الاشارة الى الجهة ، فقد يكون الارتحال للشمال وقد يكون للجنوب ، كما تؤيد ذلك المعاجم اللغوية .

 

الثاني : ان الشيخ يوسف البحراني (المتوفى في 1772م) في كتابه (لؤلؤة البحرين) أشار لهذه المجموعة من القبائل باسم (العتوب) حين كان يتحدث عن واقعة وقعت سنة1700م ، ومفاد هذه الحادثة أن العتوب (ال خليفة وال صباح والجلاهمة) هاجموا البحرين فاستنجد شيخ الاسلام في البحرين ب(الهولة) الذين جاءوا وطردوا (العتوب). ومن المعروف تاريخيا أن العتوب لم يخرجوا من الكويت ويهاجموا البحرين. بل انهم قدموا من الزبارة في سنة 1782م ، وهذا يعني ان الهجوم الاول والذي تشير اليه الحادثة المذكورة كان قد وقع قبل الانتقال للشمال و يعني ان اسم (العتوب) أطلق عليهم قبل رحيلهم للشمال .

وعلى أساس ذلك يكون الرأي الراجح هو انهم ولكثرة تنقلهم وارتحالهم من مكان لاخر أطلق عليهم هذا الاسم قبل انتقالهم للشمال . واذا أمعنا النظر في المصادر التي تحدثت عن العتوب نجد انها تختلف في التسمية اذ أن بعضها يشير اليهم باسم بني عتبة في حين يسميهم اخرون بالعتوب ، واخرون بالعتوبيين(أبوحاكمة 1984م).

سبب هجرة العتوب من نجد : -

 

هاجر العتوب من نجد نحو سواحل الخليج مع بداية القرن الثامن عشر لأسباب اختلف حولها الباحثون فمنهم من يرجع ذلك الى المجاعة او الجفاف الذي أصاب أواسط شبه الجزيرة في منتصف القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر حيث اضطر العتوب وغيرهم من القبائل للهجرة بسبب الجفاف(أبوحاكمة 1965م). البعض الاخر من الباحثين يرجع سبب الهجرة للنزاع الذي وقع بين العتوب وأبناء عمومتهم من بطن (جميلة) من عنزة. وعلى الرغم من أن العتوب نجحوا في التغلب على خصومهم وأخرجوهم من بلادهم الا أن أولئك الخصوم لجأوا الى قبيلة الدواسر حيث تم لهم التغلب على العتوب ونجحوا في اخراجهم من نجد (قاسم 1985م).

المناطق التي ارتحلوا اليها قبل الكويت : -

 

ارتحل العتوب مع بداية القرن الثامن عشر من صحراء نجد واستقروا في مناطق مختلفة قبل التوجه للكويت ، وقد أجمع الباحثون على استقرار العتوب في قطر ولكنهم اختلفوا في مدة بقائهم فيها ، حيث يرى الدكتور أبو حاكمة (1984م) أنهم استقروا ما يقرب من خمسين سنة استطاعوا خلالها ان يتعلموا ركوب البحر ، ويصبحوا بالتالي أمة بحرية. ولكن الشيخ عبد الله ال خليفة يرى أن بقاءهم في قطر 30 سنة تقريبا (العصيمي 1991م).

 

ويشير بعض الباحثين الى أن العتوب قد هاجموا البحرين وان اختلفوا في أن ذلك قد حصل قبل الذهاب الى قطر أو بعده ، حيث تؤكد بعض المصادر أن العتوب استقروا في بداية الأمر في المناطق المجاورة للبحرين ثم قرروا مهاجمة البحرين واستطاعوا السيطرة عليها ومن البحرين اتجه العتوب الى قطر واستقروا بها عدة سنوات(قاسم 1985م).

 

ومما يؤكد ذلك ما ذكره الشيخ يوسف البحراني (المتوفى 1772م) في كتابه (لؤلؤة البحرين) حيث أشار للحادثة التي حدثت بين العتوب والهولة عندما قام العتوب بمهاجمة البحرين فجاء الهولة (بطلب من البحارنة) وأخرجوهم منها. فقد طلب الشيخ محمد بن ماجد (شيخ الاسلام في البحرين انذاك ، الذي كانت له السلطة الدينية في مقابل السلطة السياسية للحاكم) من الهولة النجدة والمساعدة حيث كانت يد حاكم البحرين قاصرة عن رد ذلك الهجوم ، وكان ذلك سنة 1112 هجرية الموافق 1700 للميلاد .

بعد استقرار العتوب في قطر عدة سنوات حصل ان أحدهم قتل رجلا من أهلها سمع منه سخرية به واستهزاء فحل عليهم غضب حكامها الذين أوجسوا منهم خيفة وخشوا استفحال أمرهم فأمروهم بمغادرة البلاد والنزوح عنها ، فساروا قيل ميممين (قيسا) من بلاد فارس ، وقيل بل ذهبوا الى المخراق ولكن لم يطب لهم المقام فتحولوا الى الصبية وهي أرض واقعة شمال الكويت الشرقي وتبعد عنها نحو ستة عشر ميلا وكان حظهم فيها حظهم في سواها فهجروها ونزلوا الكويت (الرشيد 1978م).

 

ومما تجدر الاشارة اليه ، ان هناك اختلاف واضح حول المناطق التي ارتحل الها العتوب قبل وصولهم للكويت باستثناء قطر حيث أجمعوا على استقرار العتوب فيها، فهناك من يرى أنهم استقروا في الاحساء قبل توجههم الى قطر(الصباح 1986م)، وهناك من يرى أنهم استقروا في البصرة الا ان الدولة العثمانية أرغمتهم على الرحيل من أراضيها بسبب الغارات التي كانوا يشنونها على القوافل المتجهة والقادمة من البصرة فاتجهوا الى الكويت وأسسوا قرية استقروا فيها (العصيمي 1991م).

 

وبسبب هذا الاختلاف حول المناطق التي استقر فيها العتوب باستثناء قطر كما تقدم ، أو لأسباب أخرى ، ابتعد بعض الباحثين عن هذه الأمور المختلف عليها واقتصروا على ذكر المناطق المتفق عليها عند الباحثين . تقول أمل الزياني (1973م) :"وقد نزل العتوب في طريق هجرتهم من الأفلاج الى قطر ، والتي كانت تخضع لنفوذ بني خالد ، ومن قطر تفرقت الأسر العتبية الى سائر موانئ الخليج لتتجمع من جديد في الكويت " .

 

العتوب والاستقرار في الكويت :-

 

لم يستطع الكتاب تحديد تاريخ معين لوصول العتوب الى الكويت ، الا ان المستر واردن Warden وغيره من موظفي حكومة بومباي يشير الى ان أسلاف ال خليفة وال صباح وصلوا الكويت في حوالي 1716م ، وبدأوا في ادارة البلد (الزياني 1973م).

 

يقول فرنسيس واردن Warden عضو مجلس بومباي ، ومساعد المقيم في الخليج :"حوالي 1716 دخلت ثلاث قبائل عربية ذات شأن ، هي بنوصباح والجلاهمة وال خليفة ، تحدوها حوافز المصلحة والطموح ، في معاهدة واستولت على بقعة من الأرض على الساحل الشمالي الغربي من الخليج تسمى الكويت ، وكان بنو صباح في ذلك الوقت تحت رياسة الشيخ سليمان بن أحمد والجلاهمة تحت زعامة جابر بن عتبة ، وال الخليفة تحت رياسة خليفة بن محمد" (أبوحاكمة 1970م).

 

ويشير بعض الباحثين العرب الى ان المستر واردن Warden لم يلزم الصواب في بعض النقاط التي تطرق اليها بالنسبة لوصول العتوب للكويت . فمن الثابت ان العتوب لم ينزلوا الكويت دفعة واحدة - كما يرى واردن - ، فبعض الأسر كانت أسبق في الحضور من غيرها (أبوحاكمة 1984م) ، كما ان تاريخ وصول العتوب للكويت سنة 1716م يعد خطأ كما تراه الدكتورة الصباح (1986م) التي قامت بدراسة هذه المسألة مستعينة بالأدلة التاريخية حيث تقول : " ومن كل ما تقدم - من الأدلة - يتضح خطأ المستر فرانسيس واردن وجميع من تبعه من المؤرخين المعاصرين في تحديد وصول العتوب الى الكويت بعام 1716م وان وصولهم كان قبل ذلك وأقرب تاريخ يمكن تحديده لوصول العتوب الى الكويت وتأسيس امارتهم فيها على ضوء ما تقدم من وثائق ومخطوطات ووقائع مادية مؤكدة هو عام 1701م " .

 

وبعد وصول العتوب للكويت سواء عام 1701م أو 1716م ، اتفقت الأسر الثلاث (ال خليفة وال الصباح والجلاهمة) على تقسيم أعمال ادارة البلد فيما بينهم ، فأوكلت مهمة الحكومة لال الصباح ، ومهمة التجارة لال خليفة ومهمة شئون البحر للجلاهمة . وخشي ال الصباح وال خليفة الذين نصبوا خيامهم في خليج الكويت ، أن يعترض الأتراك ، الذين كانوا يدعون ملكية المكان وكانت لهم قوة كبيرة في البصرة ، على وجودهم هناك ويطردوهم الى حيث أتوا أو يفرضوا ضرائب عليهم . وقرروا في مجلس عقده أهل الرأي بينهم ارسال مبعوث الى الباشا التركي في البصرة لكي يشرح له انهم مستوطنون فقراء نزحوا من نجد البعيدة الى الكويت طلبا للرزق ، وليست في نيتهم أذية أحد . والرجل الذي أختير للقيام بهذه المهمة يدعى صباح . وكان متقدما في السن وله من دنياه الخبرة والحظ فنجح في مهمته (ديكسون 1990م)، ومنحه باشا بغداد لقب قائمقام في عام 1718 . وهكذا برزت أسرة ال صباح من بين تحالف العتوب باعتبارها الأسرة الحاكمة (قاسم 1985م).

 

ان استقرار العتوب في الكويت ساعدهم في الاستفادة من الموقع الفريد لها ، حيث استفاد العتوب من عوامل ثلاثة : أولها خطوط المواصلات البحرية للشركات التجارية الأوروبية عبر الخليج واليه ، والثاني عدم وجود قوة أخرى في الخليج تستطيع ان تقف موقف المنافسة لهم . أما العامل الثالث فهو وقوع الكويت ضمن أراضي بني خالد . فقد كان أسلوب الحكم عند هؤلاء من العوامل الرئيسية التي ساعدت على نمو التجارة وتوفير الحماية اللازمة للمدن التي قامت وازدهرت في هذه المنطقة (أبوحاكمة 1965م).

 

 

هجرة ال خليفة من الكويت الى الزبارة : -

 

اختلف الباحثون حول الأسباب التي أدت الى هجرة ال خليفة من الكويت ، ونقض المعاهدة القائمة بين الأسر الثلاث (ال صباح وال خليفة والجلاهمة) ، وبالامكان تصنيف الاراء المختلفة حول هذه الأسباب الى قسمين : أسباب خارجية وأسباب داخلية . فبعض الباحثين علل الهجرة بسبب خارجي والبعض الاخر عللها بسبب داخلي .

 

أولا : الأسباب الخارجية : -

 

اتفق الباحثون - القائلون بالسبب الخارجي - على ان بني كعب هم سبب هجرة ال خليفة من الكويت ، وان اختلفوا في مؤدى هذا السبب. يقول العصيمي(1991م) :"ولعل النمو الذي كسبته الكويت قد أغرى بني كعب أهل عربستان وبدأت العلاقات تتوتر بينهم وبين أهل الكويت مما أجبر ال خليفة على الرحيل من الكويت". الا ان ديكسون (1990م) ينقل الرواية المحلية التي تقول :"ان سبب هجوم ال نصار على الكويت هو ان شيخ بني كعب في ذلك الوقت أخذ يتودد الى مريم الابنة الجميلة للشيخ عبد الله الصباح ، فلما صدته أرسل أسطولا لغزو الكويت . وقبل ان يعود ال خليفة الى زبارة استحثوا نسيبهم وحليفهم عبد الله أن يضحي بمريم ليشتري بذلك سكوت بني كعب عنه ، ولكن عبد الله أجابهم بعناد : ماذا ؟ أأعطي ابنتي الى هؤلاء الكلاب من بني كعب لأنقذ نفسي ؟ أبدا .. ان أحدا من ال الصباح ، طالما هو حي لا يزوج ابنته الى غريب نسبه موضع شك" . وهناك من الباحثين من لا يشير الى سبب توتر العلاقة بين شيخ الكويت وبني كعب ولكنه يرى ان هذا التوتر في العلاقات هو سبب هجرة ال خليفة للزبارة ، يقول الرشيد (1978م) : "وقد ارتحلوا (ال خليفة) منها(الكويت) في أول حركة كعب ، لأنهم رأوا الاقامة فيها والحالة هذه لا تطاق" .

 

ثانيا : الأسباب الداخلية : -

 

ترى تعض المصادر ان هجرة ال خليفة من الكويت لم تكن بسبب توتر العلاقات مع بني كعب أو غيرهم وانما السبب يرجع الى ال خليفة أنفسهم. يقول المستر فرانسيس واردن Warden عضو مجلس بومباي ، ومساعد المقيم في الخليج :ان جمع الثروة جعل الفرع التجاري (ال خليفة) راغبا في التحلل من التحالف القديم ، لكي ينفرد أصحابه بالغنى وبتحصيل الثروة . غير ان الفرع التجاري اضطروا أن يسلكوا طريق المواربة ليحققوا مبتغاهم ، وتعهد خليفة بن محمد بتحقيق ذلك ، فصور للقبيلتين الأخرتين مخايل الثراء التي تتراءى لعينيه من الانتقال الى سواحل ذلك الجزء من الخليج حيث يكثر اللؤلؤ وانهم اذا أنشأوا مستوطنا في بقعة مجاورة استطاعوا أن يباشروا استخراج اللؤلؤ بأنفسهم ، وأغرتهم الفوائد المترقبة ، فأذنوا لشيخ بني خليفة بمغادرة الكويت مع قسم من قبيلته وعلى هذا مضى ونزل في الزبارة على الساحل الغربي وسرعان ما استحصل قسم هام من مصايد اللؤلؤ . كما استطاع أن يستدعي بقية قبيلته الى هذا المستوطن الجديد ،ومع الزمن انفصل تماما عن القبيلتين الأخريين واستقل في الزبارة . وبعد فوات الفرصة أدرك أبناء صباح والجلاهمة الدوافع الحقيقية التي وجهت سلوك ال خليفة لكنهم لم يكونوا يملكون التبرم بها (انظر أبوحاكمة 1970م) . ان هذا يشير الى ان الهجرة كانت برغبة ال خليفة أنفسهم ، لأنهم حين سمحوا لخليفة بالذهاب لمصائد اللؤلؤ كانوا يتوقعون ان تقسم أرباح التجارة وعوائد اللؤلؤ على أساس المعاهدة القديمة الا ان ال خليفة لم يفوا بعهدهم واستقروا في الزبارة .

 

ومما تجدر الاشارة اليه أن أسباب هجرة ال خليفة قد اختلف حولها المؤرخون من أسرتي ال الصباح وال خليفة (الصباح 1989م) وفي هذا الصدد نشير الى روايتين حول أسباب الهجرة من الكويت تمثلان وجهة نظر ال خليفة : -

 

الأولى : وتنقلها الدكتورة الصباح (1989م) عن الشيخ عبد الله بن خالد ال خليفة في كتابها (الكويت حضارة وتاريخ) : "ان احدى سفن الشيخ محمد بن خليفة ال خليفة وفيها أحد أبنائه (لا يعلم هل هو خليفة أو أحمد أومقرن) كانت راسية في الدورق وكانت تحمل تمرا فهاجمها قطاع الطريق ليلا بهدف نهبها ونشبت بين المهاجمين وأصحاب السفينة معركة انتهت بقتل أحد المهاجمين وهم من كعب . وغادرت السفينة مرساها بسرعة وعادت الى الكويت فطلب بنو كعب تسليم ابن الشيخ محمد لأخذ الثأر منه لقتيلهم فرفض الشيخ محمد تسليم ابنه واقترح عليه الشيخ عبد الله بن صباح أن يأخذوا الابن في مسيرة ويذهبوا الى بني كعب ويطلبوا منهم الصفح على ان يدفعوا لهم دية القتيل ، فلم يوافق الشيخ محمد على ذلك الرأي وقال انه مستعد لدفع الدية مهما بلغت لكنه لن يسلم ابنه خاصة وأن بني كعب هم الذين بدأوا العدوان . فاشتد الخلاف بين بني كعب والشيخ عبد الله نتيجة لذلك الرفض مما دعا الأخير الى الالحاح على الشيخ محمد بتسليم ابنه على أساس انه ليس في مقدورهم محاربة بني كعب ، فأدى ذلك الى مغادرة الشيخ محمد ال خليفة مع من رافقه من العتوب وتوجه الى أقاربه وأصهاره العتوب من ال بنعلي الذين هاجروا من الكويت في وقت سابق وسكنوا الفريحة في قطر فسكن عندهم وأسس مدينة الزبارة في وقت لاحق واستقل بها عن قطر" .

 

الثانية : ينقلها الدكتور أبو حاكمة (1965م) وقد علم بها من الشيخ عبد الله بن خالد ال خليفة : "انه سبق لجد خليفة انه حكم الكويت أو المنطقة التي كان يقيم فيها العتوب وذلك قبل استيطانهم الكويت ، وقد قام فيصل بتزويج احدى كريماته من جابر ، والد الشيخ صباح بعد انتخاب صباح حاكما على البلاد ، ولم يعترض أحد من عمومته على الزواج المذكور أملا في ان الحاكم الذي سيخلفه لابد وان يكون من أسرة فيصل . على كل حال فان اختيار عبد الله أصغر أبناء صباح للحكم أثار ثائرة خليفة الذي كان ينوي ان يحل محل صباح في الحكم ، وازاء ذلك اضطر خليفة الى مغادرة الكويت " .

 

من المحتمل ان ال خليفة بسردهم الرواية الأولى أرادوا رد اعتبارهم واتهام غيرهم بمثل ما اتهموا به ، فالشيخ عبد الله الصباح ألح على الشيخ محمد بتسليم ابنه بحجة أنه ليس بمقدورهم محاربة بني كعب ، وهذا يوحي بمدى خوف الشيخ عبد الله الصباح من بني كعب -حسب الرواية الأولى - الا أن ديكسون (1990م) في كتابه "الكويت وجاراتها" يشير الى ان الخوف كان من نصيب ال خليفة حيث انهم استحثوا عبد الله ان يضحي بمريم ليشتري سكوت بني كعب عنه .

 

أما بالنسبة للرواية الثانية فمن المحتمل أيضا أن يكون غرضها مثل الأولى اذ أن استلام ال صباح للحكم مع وجود ال خليفة يعد نقطة لصالح ال الصباح ، ولذا كان دور الرواية الثانية في القول ان جد خليفة كان قد حكم الكويت . اذا ذكر ال الصباح انهم حكموا الكويت فباستطاعة ال خليفة - وفق الرواية الثانية - أن يقولوا انن كنا الحكام قبلكم .

 

الزبارة في حكم ال خليفة : -

 

انتقل آل خليفة من الكويت عام 1766م واتجهوا صوب البحرين الا ان آل مذكور (الذين أصبحوا حكاما في الجزيرة) منعوهم من ذلك فذهبوا للزبارة واستقروا فيها بقيادة خليفة بن محمد . لقد تعرضت الزبارة في أبان دخول الشيخ خليفة وأسرته الى المواجهة مع قوتين . فالقوة الأولى تكمن في بني خالد ، وتتميز العلاقات بينهم وبين العتوب بالود والمحبة منذ عهد بعيد. أما القوة الثانية فكانت ال المسلم ، ولم تكن العلاقات بينهم وبين العتوب ذات طابع ودي مما جعلهم يشرعون في تحصين مدينتهم الزبارة بالأسوار والقلاع فور نزولهم ، وذلك بقصد الدفاع عنها وحمايتها. وتشير الرواية المحلية أن ال مسلم طلبوا الزكاة ، فرفض الجميع دفعها ، وبدأوا في تحصين مدينتهم الناشئة ، وهكذا استطاعوا في بحر عامين من نزولهم بالزبارة الفراغ من بناء سور المدينة وقلعة مرير (الزياني 1973م) .

 

أما من الناحية الاقتصادية فقد أصبحت الزبارة مركزا تجاريا هاما لعدة أسباب منها :

 

1 - الخبرة التي اكتسبها ال خليفة في مجال التجارة خصوصا وأنهم تولوا مهام التجارة حينما كانوا في حلفهم مع ال الصباح والجلاهمة .

2 - موقع الزبارة المتميز قرب مصائد اللؤلؤ .

3 - حصار الفرس للبصرة (1776 -1779م) حيث أدى الى هجرة التجار للزبارة مع انتقال مهام البصرة للكويت والزبارة .

4 - سياسة الاعفاء من الضرائب التي اتبعها ال خليفة في الزبارة .

 

يقول الدكتور قاسم (1985م) :"ساعدت الأحداث التاريخية التي مرت على الخليج العربي في تطور مركز الزبارة فقد هاجر اليها الجلاهمة وهم الفرع الثالث من تحالف العتوب بعد انشقاقهم عن ال صباح ، كما أخذت تتركز في الزبارة تجارة شرق الجزيرة العربية والهند فضلا عن أنها أصبحت مركزا هاما لتجارة اللؤلؤ" .

 

أسباب احتلال ال خليفة للبحرين : -

 

كانت البحرين (من الناحية السياسية) تحت حكم ال مذكور حكام البحرين (واصلهم من بوشهر) ، وكانت تعتبر تحت نفوذ الفرس اسميا . أما من الناحية الداخلية فكانت البحرين محكومة بقيادة محلية عاصمتها "البلد القديم". وكانت جدحفص المدينة الثتنية من ناحية الاهمية. ولهجا فقد كان هناك تنافس مستمر بين العاصمة وجدحفص.

 

وفي عام 1783م استطاع ال خليفة ضم البحرين الى سلطانهم بعد انتصارهم في معركة الزبارة ودخولهم البحرين . وقد ذكر الباحثون أسبابا عديدة أدت للصدام بين حكام الزبارة وحكام البحرين . فهناك أسباب اقليمة وأخرى خاصة بالزبارة وثالثة خاصة بالبحرين .

 

لقد دفعت الأجواء الاقليمية المضطربة لنشوب هذه الحرب وما نتج عنها من احتلال ال خليفة للبحرين ، ومن الاسباب التي أدت لذلك ما يلي :

 

1 - الظروف السياسية المضطربة التي كانت تمر بها فارس بعد موت كريم خان ، حيث أدى ذلك الى تقهقر القوة التي تحفظ نفوذ الفرس في المناطق المحسوبة عليها ومنها البحرين ، كما شجع غياب دولة قوية كبرى في الخليج الدول البحرية الواقعة على جانبي الساحل على التناحر فيما بينها بتـأثير ما كان بينها من الحزازات القديمة والجديدة . ومن أمثلة على ذلك الخصومة التقليدية بين العتوب وبني كعب كنتيجة لتحالف العتوب مع عرب أبو شهر وبندر رق أثناء حصار الفرس للبصرة وقد انعكس الصراع الذي ظهرت بوادره في سنة 1779 على مناطق النفوذ بين العتوب وعرب الساحل الفارسي في مشكلة البحرين (أبوحاكمة 1965م) .

 

2 - المنافسة التجارية في الخليج ، اذ أن تطور الزبارة تجاريا خصوصا بعد حصار الفرس للبصرة (1776 - 1779م) أدى الى حسد عرب الساحل الشرقي خصوصا بعد تأثرهم من جراء ذلك ، وقد أدى ذلك الى تجدد حالة العداء الموجودة سلفا لهذا السبب ولأسباب أخرى . يقول الدكتور أبو حاكمة (1965م) :"ومن المؤكد ان العتوب لم يكونوا على وفاق مع بني كعب وعرب بندر رق وابو شهر بسبب المنافسة التجارية في الخليج ، أو بسبب احتقار العتوب لبني كعب وحلفائهم بسبب زواجهم من غير العرب ، أو لعله بسبب الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة ، أو لكل هذه الأسباب مجتمعة" .

 

أما الأسباب التي تخص الزبارة (آل خليفة) :

 

1 - مصائد اللؤلؤ ومزارع النخيل ، فقد عرف ال خليفة البحرين منذ هجرتهم الأولى من نجد حيث استقروا في سواحل الخليج قبل توجههم للكويت ، كما أن بعض الباحثين يشير الى أنهم احتلوا البحرين قبل أن يتوجهوا للكويت مع الأسر العتبية الأخرى ، كما يتضح اهتمام ال خليفة بالبحرين حين عزموا على الرحيل من الكويت حيث كان هدفهم الوصول لموارد الثراء . وحاولوا الاستقرار في البحرين الا ان ال مذكور منعوهم من ذلك فتوجهوا للزبارة يتحينون الفرصة المناسبة للاستحواذ على جزر اللؤلؤ والنخيل ، ولذا كانت البحرين محل أطماع المستعمرين والغازين لما كان يمثله اللؤلؤ في ذلك الزمان من ثروة ربما تعادل ثروة النفط في زماننا .

 

2 - ان الزبارة لم تعد تلبي احتياجات المجتمع الجديد ، فبعد التطور التجاري في الزبارة وما صاحب ذلك من هجرة واسعة اليها من قبل الجلاهمة وبعض تجار البصرة وغيرهم ، ظهرت المشكلة التي ساهمت في ضرورة احتلال البحرين خصوصا وأن ال خليفة لم يكن باستطاعتهم التوسع في قطر - كما يدعي البعض - لعلاقة حسن الجوار من جهة وخوفا من سطوة الوهابيين من جهة أخرى ، فاحتلال البحرين اضافة لما يترتب عليه من ثراء كان يوفر لهم الحماية المطلوبة لعدم وجود اسطول للوهابيين يهدد مصالحهم في البحرين ، ويعد هذا السبب ثانويا اذا قورن بطمع ال خليفة في الحصول على الثروة المتوقعة من السيطرة على البحرين .

 

3 - تضايق القبائل في قطر من ال خليفة واتهامهم بالجشع وحب السيطرة ، مما حدى بكثير منهم لتشجيعهم على الذهاب الى البحرين للتخلص منهم (انظر محمد علي التاجر 1900) .

 

أما الأسباب الخاصة بالبحرين فقد كانت نتيجة لتأثر البحرين من ازدهار الزبارة كقوة تجارية هامة في المنطقة ، وقد أدى ذلك الى بروز حالة عدائية تجاه ال خليفة ساهمت في تطورها أسباب عدة نذكر منها:

1

- الانتقام من ال خليفة لاستيلائهم على سفينة أهل بوشهر ، فقد اضطر الشيخ ناصرال مذكور الى المضي قدما في عملية المجابهة ضد الزبارة انتقاما من العتوب على أعمال السلب والنهب التي قاموا بها خصوصا استيلاءهم على سفينة اهل بوشهر وكانت في طريقها الى البحرين لاحضار الجزية السنوية (ابوحاكمة 1965م).

-

2 - الانتقام من ال خليفة لقتلهم خمسة من سكان جزيرة سترة التابعة للبحرين ، حيث يروي ال خليفة أن أهل البحرين بحكم انتمائهم الى الشيعة منعوا عمال ال خليفة من شراء جذوع النخيل من سترة احدى جزر البحرين ، وقد أدى ذلك الى مصرع أحد عمال ال خليفة الذين اتخذوا من الحادث ذريعة لمهاجمة سترة ليلا وقتل خمسة من سكانها. وعندئذ قام الأهالي بابلاغ الأمر للشيخ ناصر المذكور الذي أخذ يدبر حمله انتقامية ضد سكان الزبارة (أبوحاكمة 1965م).

 

3 - عدم دفع ال خليفة أجار مغاصات اللؤلؤ في البحرين ، حيث تذكر الدكتورة الصباح (1989م) " ان ال خليفة قد استأجروا أجزاء من جزر البحرين الغنية بمغاصات اللؤلؤ ، وحين توقفوا عن دفع الاجار وجد الفرس فرصتهم في محاربة العتوب وطلبوا منهم أن يرحلوا ولما رفضوا شنوا عليهم حربا ".

 

4 - الخلافات الداخلية بين شعب البحرين خصوصا بين العاصمة آنذاك (البلاد القديم) والمدينة الثانية بعدها (جد حفص) (انظر محمد علي التاجر 1900) .

 

ال خليفة والاستيلاء على البحرين :

 

نظرا للأسباب السالفة الذكر فان المستر واردن Warden يشير الى أن الشيخ نصر ال مذكور حاكم البحرين هو الذي بدأ مناوشاته ومحاولاته للاستيلاء على الزبارة بتشجيع من حاكم فارس وذلك بين الأعوام 1777م-1801م (أبوحاكمة 1970م).

 

وبعد اغتيال كريم خان استغل ال خليفة الاضطرابات في فارس وشنوا حملة ضد البحرين استطاعوا خلالها سلب البحرين ونهبها والاستيلاء على أحد قوارب شيخ بوشهر الشيخ نصر ، ثم عادوا للزبارة ، وكان ذلك في عام 1782م.

 

بعد قتل عدد من أهالي سترة وبعد العدوان المباغت أخذ شيخ بوشهر والبحرين يعد العدة للتوجه للزبارة وكان معه عرب الساحل الفارسي حيث توجهوا جميعا للزبارة ، ولكن الشيخ نصر لم يرغب في الحرب بداية فقام بحصار الزبارة حتى يستجيب ال خليفة لشروطه . ولما لم يستطع ال خليفة فك الحصار أرسلوا شيخ بندر ريق ليخبر شيخ بوشهر والبحرين عن عزمهم رد الأسلاب التي أخذوها مقابل فك الحصار. الا ان الشيخ نصر رفض ذلك. ثم حاول الشيخ راشد زعيم رأس الخيمة ان يكون وسيط سلام بين الطرفين الا ان جهوده باءت بالفشل ، ونتيجة لفشل سياسة الحصار في خضوع ال خليفة لشروط الشيخ نصر ، قام الأخير بشن هجومه على الزبارة ظنا منه أن ذلك سيكون سهلا. ولكنه تفاجأ حين ظهرت أمامه أفواج المقاتلين من قلعة الزبارة واستطاعوا هزيمة الجيوش المهاجمة مما اضطرهم الهرب سريعا.

 

في هذه الأثناء وبعد الهزيمة أرسل الشيخ نصر قاربا لابنه الشيخ ناصر الذي خلفه في البحرين ، يخبره بنبأ الهزيمة ويطلب منه الصمود في وجه الأعداء حتى تأتيه الامدادات ، وقد صادف مرور هذا القارب ان كانت هناك قوات بحرية تابعة لعتوب الكويت في الطريق ، وبعد ان علم عتوب الكويت بما جرى قرروا التوجه الى البحرين مباشرة ، فاستولوا عليها وأشعلوا فيها النيران وبعدهم وصل عتوب الزبارة ومعهم الجلاهمة .

 

يذكر حمزة الحسن (1993م) في كتابه "الشيعة في المملكة العربية السعودية " كيف كان تعامل آل خليفة مع الأهالي حين هاجموا البحرين بقوله "حينما سيطر آل خليفة سنة 1783م على البحرين واحتلوها ، أمعنوا في الأهالي قتلا وسحقا ، ففر هؤلاء الشيعة الى الأحساء ، ويذكر كرستن نيبور أنه في منتصف القرن الثامن عشر كان في البحرين 365 قرية ومدينة ، وبعد احتلال آل خليفة للبحرين بغزوهم لها من البر ، أصبحت لا تحتوي الا على مدينة واحدة محصنة ، الى جانب 40-50 قرية في حالة سيئة بسبب الحرب الطاحنة بين الغزاة والسكان الشيعة". ولا يعرف على وجه الدقة هل شارك عتوب الزبارة اخوانهم عتوب الكويت في هجوم الأخيرين الأول على المنامة في البحرين ، اذ أنه على الرغم من ان الرواية المحلية لال خليفة تعزو الفتح الى أحمد بن محمد بن خليفة والقبائل العربية النازلة من قطر وهي تنفي أن يكون لعتوب الكويت أي دور في الفتح فان التقارير الأقدم عن الحادث وهي التي كتبها المستر واردن Warden والكابتن Taylor تشير بوضوح الى ان دور الكويت كان هاما وحاسما (ابوحاكمة 1984م).

 

تقول أمل الزياني (1973م): "وقد انضمت الى الشيخ أحمد القبائل العربية التي تقطن قطر ، كقبائل المسلم من حويلة وال بن علي من موزط والسودان من الدوحة ، والمنانعة من ابوظلوف والنعيم النازلين داخل شبه جزيرة قطر ".

 

وفي ذلك اشارة لدور القبائل العربية القاطنة في شبه جزيرة قطر وعدم اشارة لعتوب الكويت ، وهذه تعتبر وجهة نظر ال خليفة أما الدكتور قاسم (1985م) فله رأي اخر حيث يقول :"شارك ال خليفة في السيطرة على البحرين بالاضافة الى الجلاهمة وال صباح وبعض القبائل القطرية " .

 

وقد ساعد ال خليفة الاختلاف الداخلي بين جدحفص والبلاد القديم. فبعد انهزام الحملة للانتقام من الزبارة انشقت الصفوف الداخلية بين من ايد البقاء مع ال مذكور وبين معارض لهم. واشتعلت الحساسيات والخلافات بين الرموز البلادية والجدحفصية، انتصرت الاخير في نهاية المطاف. مما حدى ببعض البلاديين الانتقام من ذلك باعانة ال خليفة. وقد انتقم ال خليفة لاحقا من الجميع وسيطروا على البحرين.

 

ومما سبق يتضح وجود اختلاف في العناصر التي اشتركت مع ال خليفة في الاستيلاء على البحرين :

 

الرأي الأول : ان عتوب الكويت استولوا على البحرين أولا ثم تبعهم عتوب الزبارة والجلاهمة ، وبعبارة أخرى ان عتوب الكويت والجلاهمة شاركوا ال خليفة في الاستيلاء على البحرين مع عدم الاشارة لدور القبائل القطرية .

 

الرأي الثاني : ان ال خليفة استولوا على البحرين بمساعدة القبائل القطرية فقط .

 

الرأي الثالث : ان ال خليفة استطاعوا السيطرة على البحرين بمساعدة عتوب الكويت والجلاهمة والقبائل القطرية .

 

وهناك من يدعم الراي الأول لشواهد منها :

1- ان عتوب الكويت والجلاهمة يرتبطون مع ال خليفة بتاريخ طويل حيث كانوا يعيشون في نجد ثم استقروا في الكويت وأبرموا معاهدة تقسيم أعمال البلد فيما بينهم وأطلق عليهم اسم واحد وهو (العتوب) ، كل ذلك وغيره يدلل على وجود العلاقة القوية بينهم والتي تزيد في احتمال المشاركة في المواجهات والأزمات .

 

2 - ان ال خليفة لم تكن علاقتهم جيدة مع قبيلة ال مسلم القطرية وهي من أبرز القبائل في شبه جزيرة قطر ، حيث ينقل ان ال خليفة لم يدفعوا الزكاة لال مسلم رغم مطالبتهم بها ، كما انهم أخذوا يحصنون انفسهم في الزبارة فشيدوا لها سورا وبنوا قلعة مرير ، فهذه المظاهر توضح مدى تنافر ال خليفة و ال مسلم مما يجعل مشاركة الأخيرة في حرب لا ربح لها فيها أمر يشك فيه .

 

3 - تواجد عائلة الجلاهمة وشهرتها في البحرين يرجح انضمامهم لال خليفة ، وحتى المصادر التي تشير الى ان الجلاهمة رحلوا من البحرين بعد ان منعهم ال خليفة من حقوقهم الملكية والسياسية التي طالب بها ابناء الشيخ جابر بن عتبة (زعيم الجلاهمة) الا ان ذلك لا ينفي احتمال بقاء بعض المنتسبين لأسرة الجلاهمة في البحرين رغم خروج بعضهم .

 

4 - تنقل أمل الزياني ان الشيخ نصر توجه الى بوشهر بعد هزيمته في الزبارة وبعد شهر تمكن ال خليفة من الاستيلاء على البحرين ، والسؤال هو كيف يقوم الشيخ نصر بالذهاب لبوشهر ويترك البحرين هكذا بلا حامي ولا رادع وهو في حالة حرب مع ال خليفة مع علمه برغبتهم في الاستيلاء على البحرين مسبقا ، خصوصا وانهم هاجموها عام 1782م .

 

5 - ان التقارير الرسمية التي كتبها فرنسيس واردن Warden والكابتن تايلور Taylor تشير الى المشاركة الهامة والحاسمة لعتوب الكويت .

 

ومن الجدير الاشارة الى ان ال خليفة هاجموا البحرين أربع مرات :

 

الأولى : عام 1700م ، ولكنهم طردوا بعد تدخل الهولة لمساندة البحارنة .

 

الثانية : عام 1766م ، حيث نزحوا من الكويت وحاولوا الاستيلاء على البحرين الا ان ال مذكور صدوهم عن ذلك فتوجهوا للزبارة .

 

الثانية : عام 1782م ، وقد قاموا بالسلب والنهب ثم رجعوا للزبارة .

 

الثالثة : عام 1783م ، وقد استولوا على البحرين وأقاموا فيها حتى مجئ العمانيين 1800م.

 

الرابعة: وفي عام 1801م عاد آل خليفة بمساعدة الوهابيين ولكنهم لم يكونوا الحكام الرئيسيين مما أدى لاستنجاد آل خليفة بالعمانيين عام 1811م الذين طردوا الوهابيين وأصبح آل خليفة الحكام الرئيسيين .

 

البحرين تحت حكم ال خليفة :

 

بعد أن استولى ال خليفة على البحرين تولى الحكم فيها الشيخ أحمد بعد وفاة أخيه الشيخ خليفة أثناء أداء فريضة الحج عام 1783م ، فصار الشيخ أحمد حاكما للبحرين والزبارة في ان واحد ولكنه استقر في الزبارة ونصب أحد أقاربه حاكما على البحرين حيث اتخذ من قعلة الديوان في المنامة مقرا له. كما اعتاد الشيخ أحمد أن يمضي الصيف في البحرين وباقي العام في الزبارة حتى وفاته عام 1796 ، ودفن في المنامة .

 

وخلفه ابنه سلمان ، والذي اختار الرفاع مستقرا لاقامته (بعد الهجوم الرابع) وتبعه بعد ذلك الاختيار جميع الحكام حتى يومنا هذا (الزياني 1973م). وقد أطلق آل خليفة على زعيمهم بأحمد "الفاتح" وهو تعبير لم يلق ارتياحا من البحارنة الذين شعروا بأن هذا المصطلح اشارة لاستحلال دمائهم وأراضيهم .

 

ويرى الدكتور جمال قاسم (1985م) أن الشيخ أحمد نصب اثنين من أبنائه لحكم البحرين أثناء استقراره في الزبارة واستمر الحكم ثنائيا بين الأخوين بعد وفاته أيضا ، حيث يقول :"اتفق ابنا الشيخ أحمد فيما بينهما على استمرار مشاركتهما في الحكم حيث اتخذ الأول مدينة الرفاع مركزا لحكمه واتخذ الثاني من جزيرة المحرق مركزا له . ومما هو جدير بالذكر أن هذا التقليد ظل متبعا في البحرين حتى عام 1869 حين توحدت السلطة في البحرين وانفصلت الزبارة عن تبعيتها لال خليفة لتشكل مع بقية أجزاء قطر امارة قائمة بذاتها .

 

وعلى الرغم من ان ال خليفة قد احتفظوا بالزبارة كمقر لحكمهم ومركزا لنشاطهم التجاري الا ان استيلائهم على البحرين كان له اثار بعيدة المدى في التطور السياسي والاقتصادي لدولة العتوب . فبحكم الموقع الجغرافي للبحرين ، وما وصل اليه العتوب من ثراء عظيم نسبيا ، تهيأت الفرصة لكل تاجر نشيط بأن يحقق دخلا سريعا وثابتا لنفسه . ويبدو ان هذه الحقيقة لم تغرب عن بال العتوب فضلا عن ان تعقد الامور في البصرة واضطرابات الاحوال في فارس ، قد سهلا للعتوب الاستفادة من الأراضي الجديدة التي اكتسبوها وبذلك غدت تجارة اللؤلؤ - التي كانت البحرين مركزها الرئيسي دائما - خالصة لهم وحدهم وهكذا غدت مدينة الزبارة محط انظار كبار التجار الذين كانت لهم مصالح تجارية كبيرة مع الهند . كما ان اسطول العتوب في وضع يسمح له بأن يقوم بدور فعال في تجارة النقل في منطقة الخليج العربي "(أبوحاكمة 1965م).

 

الاحتلال العماني للبحرين :

 

تشير المصادر التاريخية للتواجد العماني في البحرين في فترتين :

 

الاحتلال الأول (1717-1718م) :

 

الفترة الاولى في بداية القرن الثامن عشر ، فبعد طرد العتوب الذين حاولوا الاستيلاء على البحرين عام 1700 على يد الهولة ، جاء دور العمانيين بقيادة سلطان بن سيف الثاني الذي استطاع الاستيلاء على البحرين بعد هزيمة الفرس . يقول الشيخ يوسف البحراني المتوفى (1772م) :" اتفق مجئ الخوارج (العمانيين) الى أخذ بلاد البحرين فحصل العطال والزلزال ، بالتأهب لحرب أولئك الأنذال ، وفي أول سنة وردوا لأخذها رجعوا بالخيبة ولم يتمكنوا منها ، وكذلك في المرة الثانية بعد سنة مع معاضدة جميع الأعراب والنصاب لهم ، وفي الثالثة حصروا البلد لتسلطهم على البحر حيث أنها جزيرة ، حتى أضعفوا أهلها ، وفتحوها قهرا ، وكانت واقعة عظمى ، وداهية دهما ، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء ، وبعد أن أخذوها وأمنوا أهلها هربت الناس - سيما أكابر البلد - منها الى القطيف والى غيرها من الأقطار".

 

ويلاحظ من خلال ألفاظ هذا النص مدى القسوة والعنف التي تعامل بها العمانيون أثناء عملية الاستيلاء على البحرين ، الا أن مؤلف كتاب (عمان عبر التاريخ) ينظر بمنظار اخر لهذا الاحتلال ، فيرى أن العمانيين خلصوا البحرين من الفرس ، وحافظوا على بلاد العرب ، يقول سالم السيابي (1986م):" لما رأى العجم تقلص ظل البرتغال من الخليج ، تحركوا للبحرين ، فاحتلوها ، ولما رأى الامام (سلطان بن سيف الثاني) العجم يرومون أن يحلوا محل البرتغال في بلاد العرب ، وهم لهم بعمان سوابق شر ، جهز لهم الامام جيشا بقيادة الشيخ حمير بن سيف بن ماجد ، وعضده برجال من أهل عمان الذين تعودوا الحروب ، فزحف الجيش على البحرين ، ودارت رحى الحرب بين الفريقين فاندقت العصا الفارسية بالصخر العماني فكسرها ، وفر العجم من البحرين ، وتوالت عليها الولاة العمانيون الى ان كان اخرهم سيف بن ناصر بن محمد الغافري الذي بنى حصن العينين من خراج البحرين."

 

وقد ورد ذكر هذه الحادثة في كتاب (عمان في التاريخ) لمجموعة من الباحثين (1995م) :" من أجل الأعمال التي قام بها الامام سلطان بن سيف الثاني تحرير البحرين من الفرس الذين كانوا قد احتلوها . وقد مهد الامام لتحقيق هذا الانجاز بتقوية قبضته على بعض الجزر التي تقع في مدخل الخليج مثل جزيرة لاركا والقسم وهرمز ، وكذلك على بعض المدن الفارسية الهامة مثل لنجة وبندر عباس ثم جهز جيشا بقيادة الشيخ حمير بن سيف بن ماجد وزحف هذا الجيش على البحرين ودارت معركة كبيرة بين الفريقين كان النصر فيها للجيش العماني مما أدى الى خروج الفرس من البحرين وتقلص نفوذهم في الخليج . ومن أشهر الأعمال التي قام بها الامام لتدعيم نفوذه في البحرين بناء قلعتها المشهورة والتي تسمى قلعة عراد".

 

أما عن تأريخ استيلاء العمانيين على البحرين فيقول وندل فيليبس(1989م) :"وقد هاجم هذا القائد (سلطان بن سيف الثاني) البحرين في عام 1717م واستولى عليها من الفرس ". ولكن الفرس عادوا لمهاجمة البحرين في العام التالي 1718م لتخليصها من سيطرة العمانيين فوقع القتال بين الطرفين وكان ضحيته شعب البحرين الذي لم تسلم دياره من الدمار فاضطر للهجرة للقطيف وغيرها من المناطق المجاورة .

 

ويكشف الشيخ يوسف البحراني المتوفى (1772م) عن هذه الحادثة بقوله :"عسكر العجم مع جملة من الأعراب جاؤا لاستخلاص البحرين من أيدي الخوارج (حكام مسقط) في ضمن تلك الأيام ، فصرنا نرقب ما يصير من أمر ذلك وما ينتهي الحال من هذه المهالك حتى صارت الدائرة على العجم فقتلوا جميعا وحرقت البلاد ، وكان من جملة ما حرق بالنار بيتنا."

 

وبعد الهزيمة المنكرة للفرس بقيت البحرين تحت سيطرة العمانيين ، وفي نفس العام 1718 "أخذت البحرين من أيدي الخوارج صلحا بعد دفع مبلغ خطير لامام الخوارج لعجز ملك العجم وضعفه وادبار دولته بسوء تدبيره ."(البحراني المتوفى 1772م)

 

يقول بوشهري (1987م) :"احتل سلطان مسقط البحرين وفتك بأهلها . والغريب ان سلطان مسقط لم يبق في البحرين طويلا ويبدو أنه فوجئ بالجفاف وقلة الخيرات التي كانت مطمع القوى الغازية في ذلك الحين بدليل أنه وقبل مضي العام وافق على الانسحاب من البحرين مقابل الحصول على 8 الاف كضريبة دفعها له الفرس . "

 

‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎الاحتلال العماني الثاني للبحرين :

 

وكان ذلك مع بداية القرن التاسع عشر (1800)، فقد توجه سلطان بن أحمد للبحرين متذرعا بأن ال خليفة لم يدفعوا رسوم سفنهم القادمة من الهند والمارة في مسقط . لكن هدفه في الحقيقة هو احتلال البحرين(الزياني 1973م) ، فاحتلها ونصب ابنه (سالم) عليها.

 

ولما كان سالم صغيرا فقد نصب من يعاضده وهو الشيخ محمد بن خلف العصفور (الشيعي مراعاة لمذهب سكان البحرين)، ولكن هذا الأمر أزعج ال خليفة السنة خصوصا وأن سلطان قد أخذ من أعيان البلد 25 شخصا أو عائلة كرهائن الى مسقط ، وطرد ال خليفة للزبارة ، فاستنجدوا بالوهابيين الذين استطاعوا التغلب على العمانيين وطردهم من البحرين .

 

أما عن تأريخ السيطرة العمانية على البحرين فقد اختلف حولها الباحثون بين(1800-1801-1802 ) وكذلك اختلفوا في العام الذي طرد فيه العمانيون من البحرين بين من قال أنه في العام التالي للاحتلال ، او في عام 1807 ، او في عام 1809 .

 

وتحكي بعض المصادر التاريخية ان ال خليفة قد نكلوا بالبحارنة بعد طرد العمانيين بحجة انهم ساعدوا العمانيين للتخلص من حكم آل خليفة. يقول السيابي (1986م) :" قبض شيوخ البحرين بلادهم ووضعوا رئاستهم عليها ، وهجم الزعماء على البحارنة -أي الشيعة- بعد منصرف سالم بن سلطان وأصحابه منها، وقتلوا الكثير منهم وأذلوا الأكثر ، وحازوا الأموال وتفرق جمع الشيعة في سائر البلدان ، وعذبوا الباقين منهم بها عذابا أليما ونكلوا بهم فوق الحد بدعوى دخول سلطان البحرين، لأنهم يدعون ان دخوله كان بسببهم ، وأنهم هم الذين حركوه على البحرين واختلاف المذاهب بين الطرفين يؤيد المقصد ، ورأى الشيعة البحارنة من أهل البحرين ما ساءهم فوق الحد ."

 

البحرين والاحتلال الوهابي :

 

لما استولى امام مسقط على البحرين غادر شيوخ العتوب الجزيرة وتوجهوا مع أتباعهم الى الزبارة ، والتمسوا حماية (حاكم) الوهابيين الذي شجعهم على الاستقرار في ذلك المكان ليستخدمهم ضد البحرين ، وقد قام بمساعدتهم لاستردادها في أوائل 1802 (ابو حاكمة 1970) . وأصبحت البحرين تحت سيطرة الوهابيين الذين كانوا يفرضون أوامرهم على آل خليفة . وحين أمر الوهابيون ال خلفية بالهجوم على مسقط أو القرين عام 1809 رفضوا ذلك مما أدى الى تنصيب عبد الله بن عفيصان وكيلا عن الوهابيين في البحرين عام 1810 حيث كان يأخذ الزكاة من ال خليفة .

 

حين زحفت قوات محمد علي باشا العثمانية على الجهة الغربية توجه الاهتمام الوهابي لصد هذا الهجوم فاستثمر ال خليفة هذه الفرصة حيث استنجدوا بحكام مسقط الذين هاجموا البحرين واستطاعوا طرد وكيل الوهابيين عبد الله بن عفيصان . وحين شعر ال خليفة برغبة حكام مسقط في السيطرة على البحرين استنجدوا عام 1816 بالوهابيين مرة اخرى .

 

"نخلص من ذلك أنه لم تكن هناك سياسة ثابتة لشيوخ ال خليفة بالنسبة لعلاقتهم بكل من فارس ومسقط والسعوديين والقواسم وانما كانت سياستهم تتحدد طبقا للظروف أو الأخطار التي يواجهونها فحينما استولى سلطان ابن أحمد على البحرين استعان ال خليفة بالسعوديين وحين سيطر السعوديون على البحرين استعان ال خليفة بألد أعدائهم وهو سلطان مسقط وحين ضغط السعودون على البحرين في عام 1817 أرسل ال خليفة رسالة يستنجدون بها بالفرس وأنهم يتطلعون الى الشاه في مساعدتهم ضد (خطر الوهابيين) ."(قاسم 1985)

 

اسم البحرين :

 

يطرح المؤرخون وجهات نظر مختلفة حول أسباب تسمية البحرين بهذا الاسم ، وهناك تفسيران رئيسيان .الأول يقول لأنها تقع بين "بحر عمان" و"بحر فارس" ، أما التفسير الثاني فيشير الى أن البحر المالح الأجاج يحيط بها بينما يتفجر الماء العذب من بين صخورها . وهذا الماء لا يتفجر على اليابسة فقط ولكن أيضا في قاع الخليج ، انها ينابيع أكثر عذوبة من مياه الابار العادية لأنها بعيدة عن التلوث والأتربة ، وكان الغواصون في الماضي يعرفون أماكن هذه الينابيع ويهبطون اليها حاملين القرب الجلدية للتزود بالماء أثناء رحلات الغوص الطويلة .

 

وهناك اسم اخر اشتهرت به البحرين ، وهو جزيرة أوال . وقيل أن سبب التسمية يعود الى أن (أوال) هو اسم لأحد أصنام قبيلة بكر بن وائل التي كانت تسكن البحرين . وقيل أيضا ان أوال اسم لأخ أو ابن (عاد) الذي بنى (ارم ذات العماد) فكان اسمه أوال وكان يبحث عن منطقة جميلة وهواؤها نقي وتصلح لأن يعيش فيها فنصح بهذه الجزيرة فسميت باسمه (أوال) .

 

يقول الشيخ علي البحراني (المتوفى 1926م) في كتابه (أنوار البدرين) :"ان أوال هذا أخ لعاد أو ابنه قد طلب أرضا طيبة الهواء جزيرة قابلة للسكنى كأخيه أو أبيه عاد لما طلب أرضا طيبة الهواء ليبنيها كالجنة فبنى ارم ذات العماد فوصف له جزيرة أعني البحرين فراها جزيرة عظيمة حسنة طيبة الهواء ذات مياه خالية من الهوام والسباع قابلة للتعمير والسكنى واستنباط العيون وغرس النخيل والأشجار فسكنها ومدنها فنسبت اليه ." كما أطلق البعض على البحرين أسماء أخرى ، مثل دلمون ، وتايلوس ، وأرادوس .

 

بحراني - بحريني:

 

أما بالنسبة للصفة التي تطلق على أهل البحرين فهي "بحراني" . غير ان هذه الصفة أخذت معنى آخر بعد ادخال الاصلاحات الادارية في العشرينات وكتابة القوانين المدنية في الخمسينات من القرن العشرين . فقبل تلك الفترة ، كان كل من استوطن البحرين الكبرى (الأحساء والقطيف والبحرين حاليا) وأصبح من أهل البحرين يطلق عليه "بحراني" . أما بعد الاصلاحات الادارية في 1926 ، فقد اعتبر البعض صفة "بحراني" تختص بالشيعة العرب سكان البحرين الأصليين (البحارنة) ، ولهذا استحدثت صفة "بحريني" كصفة بديلة رغم الشك في صحتها من الناحية اللغوية .

 

يقول حمزة الحسن (1993) " ان الشيعة يسمون بالبحارنة ، وهي لفظة يطلقها الطائفيون للسخرية والانتقاص .. ومفرد البحارنة بحراني ، وهي صيغة عربية صحيحة للانتساب ، فكل من سكن البحرين (الأحساء والقطيف والبحرين حاليا) فهو بحراني ، ولأن كل البحارنة تقريبا من الشيعة ، لذا أصبحت الكلمة مرادفة في المعنى للشيعي فالبحراني تعني الشيعي وتعني ساكن المنطقة الأصلي .. الا أنها تعطي بالنسبة للطائفيين معنى دونيا تمييزا ، فالبحراني الشيعي ابن المنطقة بالنسبة لهم ، هو غير العربي-البدوي-القبلي، والسيد المسيطر ".

 

والكاتب لهذا البحث لا يرى ضررا من استخدام أي من المصطلحين شريطة ان لا يكون الهدف هو التمييز الطائفي او الأثني بين المواطنين .

 

جغرافية البحرين القديمة :

 

كانت البحرين قديما تمتد من البصرة شمالا الي عمان جنوبا ومن اليمامة غربا الى ساحل الخليج شرقا فهي تضم الكويت والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وقطر إلى جانب جزر البحرين الحالية في هذه الأيام . يقول الميرزا الخوانساري (1970م) "ان البحرين - كما في ( تلخيص الاثار ) - ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر ، بها مغاص الدرر ، ودرة أحسن الأنواع ، ينتهي اليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين ، ويحمل الصدف بالدر منه اليها ، وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة " .

 

وفي معجم البلدان لياقوت الحموي (المتوفى 1228م) " ان البحرين اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان ، قيل هي قصبة هجر . وقيل هجر قصبة البحرين " . والقصبة هي المدينة او أعظم مدن البلاد ، وهجر في الجغرافية القديمة كانت تعني اقليم البحرين من البصرة الى عمان أحيانا ، وتعني مدينة وقصبة للاقليم في احيان أخرى . هذه المدينة القديمة (هجر) دمرها أبو سعيد الجنابي زعيم القرامطة عام 900م . وفي عام 929 م قام أبوطاهر القرمطي ببناء مدينة الأحساء التي اتخذ منها قاعدة لدولته . وهناك اختلاف حول المكان الذي بنيت فيه مدينة (الأحساء) فالبعض يرى انها بنيت بالقرب من مدينة هجر التي دمرت والبعض الاخر يرى ان الأحساء بنيت على أنقاض هجر . ومن القائلين بالرأي الثاني حسن الامين (1981م) في دائرة المعارف الاسلامية الشيعية حيث يقول "ان الاحساء كانت تطلق على ما يعرف ب( هجر ) عاصمة ( البحرين ) التي كانت اسما للمنطقة الممتدة من البصرة الى عمان" .

 

يقول عبد الرحمن عبد الكريم النجم (1973) "أطلق العرب إسم البحرين على الإقليم الممتد على ساحل الخليج العربي بين البصرة وعمان، فهو يشمل ما نعتبره في لوقت الحاضر الكويت والإحساء وقطر وجزر البحرين الحالية المعروفة باسم أوال. وهي متصلة غربا باليمامة، وشمالا بالبصرة وجنوبا بعمان".

 

ان اسم البحرين كان اذن يطلق على المنطقة كلها وتكون هجر العاصمة ، وأحيانا تكون هجر المنطقة كلها . يقول الحموي (المتوفى 1228م) "هجر مدينة وهي قاعدة البحرين . وربما قيل الهجر ، بالألف اللام ، وقيل : ناحية البحرين كلها هجر ، وهو الصواب ." الا ان الأكثر شهرة ان هجر قصبة البحرين . يشير الميرزا

 

الخوانساري (1970م) بقوله "هجر مدينة كبيرة قاعدة بلاد البحرين " كما أشار الى ذلك أيضا بطرس البستاني في دائرة المعارف بقوله :" وكانت قصبتها (البحرين) مدينة هجر" ثم نتيجة لغلبة الاستعمال فقد اختص اسم البحرين بجزيرة أوال (البحرين حاليا) وهجر بالاحساء . يقول الشيخ علي البحراني (المتوفى 1926م) :"اسم البحرين واسم هجر بفتحتين ويطلق كل منهما على الجميع كما هو المستفاد من تتبع كلام أهل اللغة وأهل التواريخ والسير ثم صار علما بالغلبة اسم البحرين على جزيرة أوال وهجر على بلاد الاحساء ".

 

والبحرين قديما كانت تضم ثلاث مدن رئيسية هي أوال والخط وهجر (البحرين و القطيف والاحساء على التوالي ) حيث استمر ارتباط هذه المناطق الثلاث ببعضها حتى مجيئ الاحتلال البرتغالي في 1520م الذي استولى على المناطق الثلاث وفي عام 1551م استولت الجيوش العثمانية على الأحساء والقطيف وبقيت جزيرة أوال تحت الاحتلال البرتغالي . استطاع الخوالد طرد العثمانيين من الأحساء والقطيف ولكن الوهابيين تغلبوا على الخوالد وأصبحت المنطقتين (الأحساء والقطيف) ضمن نفوذهم . في عام 1810م وبعد استيلاء الوهابيين على البحرين قاموا بتعيين عبد الله بن عفيصان وكيلا عنهم في البحرين وقطر والأحساء القطيف وكان مقره في البحرين .

 

ولكن هذا الامر لم يدم طويلا حيث استولت الجيوش العثمانية على الأحساء مرة أخرى عام 1818م . وقام ال خليفة بالاستنجاد بسلطان مسقط لطرد الوهابيين من البحرين .

 

جغرافية البحرين الحديثة :

 

ينقل قدري قلعجي (1992م) عن أمين الريحاني وصفا للبحرين حيث يقول :" ليس بين مسقط والبصرة أجمل من مركز هذه الجزيرة . وليس أصلح منه للتجارة أو للحرب . فهي تتوسط الخليج في زاوية معينة منه كأنها بارجة راسية في جون متسع بين قطر والقطيف ، أو كأنها باخرة دنت من الساحل الذهبي المحيط بها ترفع علم السلم والتجارة . بل كأنها ، وهي عند مهد اللؤلؤ ، جوهرة كبيرة في جيب الخليج . فلا عجب اذا تسابق اليها الفاتحون في قديم الزمان ، وتنازعها الأمم ذات الصولة والعرفان . وهي لا تزال محط رحال التجار يجيئونها من الهند وفارس ، ومحط رحال الطامعين بالسيادة على خليج العرب ."

 

كانت الأساطير السومرية تسمي البحرين "دلمون" أو "أرض الحياة" أو "الأرض المقدسة" لوجود عنصري الحياة بها ، الماء والزراعة ، اللذين تفتقر اليهما بقية البلدان المجاورة في العصور القديمة ، مما جعل سكان تلك المناطق يختارون البحرين لدفن موتاهم لاحراز الخلود .

 

وكان لموقع البحرين بين الشاطئين العربي والايراني ، وكونها طريق مواصلات بحري تتردد عليها السفن من مختلف دول العالم ، كان لذلك أثر واضح في المستوى الحضاري لشعب البحرين الذي كان دائما أقل بداوة وأكثر تحضرا من الشعوب المجاورة له . ولم يفقد موقع البحرين أهميته رغم أن هذه الأهمية كانت تتلون بظروف كل فترة تاريخية تمر بها .

 

فأثناء فترة الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية كانت أهمية البحرين تكمن في كونها طريق مواصلات بين أوروبا والهند .. ثم أصبحت البحرين في قلب منطقة الخليج الغنية بالبترول ، واحتياطي الطاقة العالمي البالغ قرابة ثلثي ما هو متوفر في العالم .

 

تتألف البحرين من مجموعة جزر تزيد على الثلاثين تقع في الجنوب الأوسط للخليج العربي وتبعد 22 كم عن الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية وأكثر بقليل عن الساحل الغربي لشبه جزيرة قطر ، ويربط البحرين بالمملكة العربية السعودية جسر تم افتتاحه عام1986 م .

 

وتعد البحرين أصغر دول الخليج اذ تبلغ مساحتها الكلية 695 كم {مايقارب 270 ميل مربع} ، وتعتبر جزيرة البحرين الأم أكبر الجزائر اذ تبلغ نسبة مساحتها 85% من مجمل المساحة الكلية ، وهناك اضافة لجزيرة البحرين ، جزيرة المحرق (3,25 % من مجموع المساحة) وسترة (2,07 %) والنبيه صالح (0,11 %) وأم النعسان (2,72%) ، وجدة (0,05 %) ، وأم الصبان ، وجزر حوار القريبة من الساحل القطري.

 

تتكون أرض البحرين من الرمال وبعض الصخور الظاهرة ، وأغلب الجزر مسطحة وبها بعض أحجار الكلس . وفي شمال وغرب البحرين تكثر الأراضي الصالحة للزراعة مع وفرة ينابيع الماء العذب المنتشرة في البلاد قبل استنزافها في السنوات الأخيرة ، اذ عمدت السياسات الحكومية للاستغناء عن الأراضي الزراعية وقامت بتشييد المباني و الشقق عليها مما أدى لأن تعتمد البحرين على أكثر من 95% من المواد الغذائية المستوردة للبلد .

 

أما عن حالة الجو فهو حار في الصيف معتدل في الشتاء مع أمطار خفيفه ، ويكون الجو لطيفا في الفترة الممتدة بين شهري نوفمبر وأبريل حيث تتراوح درجات الحرارة بين 15 -24 درجة مئوية ، ولكن معدل درجة الحرارة في البحرين هو 36 درجة مئوية مع رطوبة عالية ، أما معدل سقوط الأمطار سنويا فيبلغ 77 ملم تقريبا.

 

البحرين قبل الميلاد

 

ان الموقع الفريد لجزر البحرين (أوال) وقربها من مصائد اللؤلؤ جعلها قبلة لشعوب ما قبل الميلاد ، حيث تشير المصادر والاثار الى الوجود البشري في هذه المنطقة منذ 3000 سنة قبل الميلاد . لا عجب أن تكون البحرين محطة تختزن الكثير من حضارات التاريخ التي توافدت على المنطقة وعاشت فيها جيلا بعد جيل ، فهي اللؤلؤة التي تكالبت الشعوب عليها لتصنع من لؤلؤها جيدا تفخر به . لقد كان اللؤلؤ - والى عهود متأخرة - الثروة التي لا يشابهها سوى النفط في أيامنا هذه ، وكان لؤلؤ البحرين لا يضاهيه غيره في أرجاء العالم .

 

وتشير الى ذلك مي الخليفة (1996م) بقولها : " فعلى مدى تاريخ طويل أعتبر مغاص البحرين أشهر مغاص للؤلؤ في العالم لوفرة الكم والنوعية وأجمع المختصون على تفوق انتاجها منه على سائر اللالي ولعل ذلك عائد لوفرة ينابيع الماء العذب وسط المياه المالحة وتلك احدى عجائب الطبيعة وهباتها ، ويرجح الجيولوجيون ان مصدر تلك المياه قادم من مرتفعات نجد، من وراء الدهناء أي من قلب الجزيرة العربية التي أمدت البحرين بالماء العذب والسكان والحكام أيضا . أما أول من غاص بحثا عن اللؤلؤ أو زهرة الخلود فهو بلا شك جلجامش الذي تروي أسطورته أقدم ملحمة شعرية في العالم حفظها لنا السومريون على ألواح مكتبتهم الخالدة التي ضمت عشرين ألفا من ألواح الصلصال نقشت بالخط المسماري وشكلت أكبر وأقدم مكتبة في تاريخ الانسان" .

 

وتحكي الأسطورة عن الصعوبات التي مر بها جلجامش ذلك البطل القادم من جنوب العراق بحثا عن سر الخلود . وكيف عبر بحار الموت ووجد زيوسودرا في انتظاره على شاطئ دلمون ليخبره أن حياة الانسان عابرة ومقيدة ، وكيف باح له بسر الخلود ودله على الأرض المقدسة حيث تنبت تلك الزهرة في قاع البحر قرب شواطئ أرض الحياة . ويغوص جلجامش في ماء عذب وسط البحر ويجدها - أي زهرة الخلود أو اللؤلؤة - . وتذكر لنا الملحمة كيف ربط ثقلا حول قدمه ليصل الى الأعماق (تماما كما يفعل الغاصة) ، ثم كيف عاد الى بلاده حاملا تلك الزهرة ، وفي طريقه مر ببركة ماء أغراه صفاؤها وبرودتها ، فخلع ملابسه ونزل ليستحم ، فأزعج بفعله هذا الثعبان النائم في القاع ، فخرج الى السطح مهاجما وحين رأى زهرة الخلود البراقة ، أغرته بابتلاعها ، وحالما فعل انسلخ جلده وتجدد عمره وكتب له الخلود .

 

وقد كشفت الحفريات الأخيرة في المنطقة الجنوبية من البحرين عن مجموعة من الاصداف يعود تاريخها الى فترة دلمون حيث يعتقد أن الدلمونيين غاصوا بحثا عن اللؤلؤ لارتباط ذلك باعتقاداتهم الدينية أكثر منه تجارة كما هو الحال بعد ذلك". (انظر مي الخليفة (1996م) ) .

 

واضافة لأهمية اللؤلؤ فان الموقع الجغرافي لهذا البلد له أهمية حتى في ذلك التاريخ وفي أيام شعب دلمون . يقول حسن الأمين (1981م) "أهم ما تتميز به البحرين في عصر ما قبل التاريخ هو مدينة (ديلمون) التي ظلت قائمة أكثر من 1000 سنة مهيمنة على التجارة في أقطار الخليج العربي وكانت صلة الوصل بين أكبر مدينتين عرفهما التاريخ انذاك وهما مدينة الهندوس ومدينة بلاد ما بين النهرين " . وبعد عمليات البحث والتنقيب في اثار البحرين وخصوصا معابد باربار قسمت البعثة الدنمركية المكلفة بالتنقيب العهود التاريخية لأرض البحرين الى ستةعهود :-

 

1- العهد الغابر ويمتد الى 3000 سنة قبل الميلاد أي قبل بناء معابد باربار بفترة قصيرة .

 

2- العهد الذي عاصر بناء معابد باربار .

 

3- العهد التالي له وليس لهذا العهد الا اثار قليلة .

 

4- العهد الذي يبدأ من عام 700 قبل الميلاد حتى الأعوام الأولى التي سبقت ميلاد المسيح ويتمشى هذا العهد مع العصر الاغريقي اذ يتبين ذلك من التأثير الاغريقي الكبير على الحضارة في البحرين .

 

5- عهد القرامطة الذي يرجع تاريخه الى القرنين العاشر والحادي عشرالميلادي .

 

6- العهد الأخير وهو عهد البرتغاليين .

 

والعهود الثلاثة الأولى تسميها البعثة باسم عهد ديلمون والعهد الرابع بعهد تايلوس والخامس بعهد أوال ".

 

البحرين والقبائل العربية :-

 

بعد عهود طويلة قضاها شعب دلمون وغيره على أرض الخلود جاء دور العرب(ربما قبل العام1200 ق. م) في هذه الجزيرة ليقولوا كلمتهم ولينقشوا اسمهم على لؤلؤتها . ومن القبائل العربية القديمة التي استقرت في هذه المنطقة قبائل الأزد واياد وتنوخ ، ثم تبرز أسماء ثلاث قبائل عدنانية توافدت على أرض البحرين وهي:

 

1- بكر بن وائل : وهي قبيلة عظيمة من العدنانية تنتسب الى بكر بن وائل ابن قاسط ابن هنب بن أفصي بن دعمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . وقد كانت ديار بكر بن وائل من اليمامة الى البحرين ، الى سيف كاظمة الى البحرين ، فأطراف سواد العراق . كانت تعبد اصناما يقال لهم "ذو الكعبين" و"المحرق" و"أوال" و"عوض" وكانت تعبد "كعبة شداد" . واعتنق قسم من بكر النصرانية . وقد غزت هذه القبيلة تخوم الامبراطورية الفارسية فجهز الملك شابور حوالي سنة 330 م جيشا لمعاقبتها ، فقتل وسبى عددا كبيرا من الأسرى . يذكر عبد الرحمن عبد الكريم النجم (1973) " استوطنت بكر بن وائل البحرين قبيل الإسلام وخاصة بعد يوم قضة وهو آخر أيام حرب البسوس، وقد امتدت مساكن بكر إلى اليمامة وكذلك إلى أطراف العراق الغربية. و من بطون بكر التي إستوطنت البحرين بنو قيس بن ثعلبة بن عكابة".

 

2- تميم بن مر : قبيلة عظيمة من العدنانية ، تنتسب الى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . كانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة ، حتى يتصلوا بالبحرين وانتشرت الى العذيب (من أرض الكوفة) ثم تفرقوا في الحواضر ولم تبق منهم باقية . . يذكر عبد الرحمن عبد الكريم النجم (1973) " ومن بطونهم التي استوطنت البحرين بنو سعد ابن زيد مناة بن تميم".

 

3- عبد القيس بن أفصي : قبيلة عظيمة من العدنانية ، تنتسب الى عبد القيس بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . كانت مواطنهم بتهامة ثم خرجوا الى البحرين وبها أناس كثيرون من بكر بن وائل وتميم ، ولما نزل بها عبد القيس ، زاحموهم في تلك الديار وقاسموهم في المواطن . (راجع : كحالة : عمر رضا ، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ، الجزء الأول والثاني ، الطبعة الخامسة ، 1985م ) . يذكر عبد الرحمن عبد الكريم النجم (1973) "إن كثرة مدن وقرى عبد القيس التي ذكرتها المصادر اظهر مدى إنتشارهم ودورهم في البحرين. ومن زعمائهم المشهورين عند ظهور الإسلام الأشج العصري الذي تزعم وفد عبد القبس الأول إلى الرسول (ص) في المدينة، والجارود العبدي الذي رأسهم في الوفادة الثانية، ومن بطونهم المشهورة نكرة، وقد وصفهم ابن قتيبة بأنهم أهل البحرين وفيهم العدد والشرف".

 

ويشير بعض الباحثين الى أن هذه القبائل الثلاث ربيعية (أي تنتسب الى ربيعة بن نزار) ولكن هذا الرأي ينقصه بعض التفصيل . فنزار حفيد (عدنان) له أربعة أبناء : ربيعة ومضر واياد وأنمار ، وبالاستناد الى الجذور النسبية التي توضح اباء وأجداد القبائل الثلاث المذكورة يلاحظ التالي :

 

أولا : ان قبيلة بكر بن وائل "ربيعية" حيث تنتسب الى ربيعة كما هو واضح في سلسلة النسب .

 

ثانيا : ان قبيلة عبد القيس بن أفصي "ربيعية" حيث تنتسب الى ربيعة كما هو واضح في سلسلة النسب

 

ثالثا : ان قبيلة تميم بن مر"مضرية" وليست "ربيعية" حيث تنتسب الى مضر أخ ربيعة كما هو واضح في سلسلة النسب .

 

ويشير المعلم بطرس البستاني(بدون تاريخ) الى تواجد القبائل الثلاث السالفة الذكر في البحرين قبيل الاسلام حيث يذكر دخول (شابور) للبحرين بقوله : "فلما كبر شابور غزا العربان ودخل البحرين فقتل أهلها غير ملتفت الى غنيمة وسار الى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس" .

 

ويشير النويدري (1992م) الى قبيلة أخرى تعد من القبائل العربية التي استقرت في البحرين وهي قبيلة تغلب بن وائل . وتغلب هذا يعد أخ بكر بن وائل ، وقد وقعت بين هاتين القبيلتين حروب كثيرة في الجاهلية أشهرها حرب البسوس التي استمرت أربعين عاما ، وهذه القبيلة ربيعية أيضا . وعلى أساس ذلك تصبح القبائل الربيعية في البحرين ثلاث وهي : عبد القيس وبكر بن وائل وتغلب بن وائل اضافة للقبيلة الرابعة المضرية وهي تميم .

 

مجتمع البحرين الحديث :

 

يبلغ عدد السكان حاليا 620,378 حسب تقدير 1997 (الجهاز المركزي للاحصاء) ويبلغ عدد الأجانب المقيمين ... من المجموع الكلي للسكان . ويمثل هؤلاء ثلثا الأيدي العاملة ومعظمهم من شبه القارة الهندية . يمتاز المجتمع البحريني الحديث بالتعددية الاثنية والثقافية . واذا استثنينا العمالة الوافدة ، فان المجتمع يتكون من :

 

1 - القبيلة الحاكمة (ال خليفة) والقبائل التي قدمت معها عند غزو البحرين في 1783م .

 

2 - السنة من أصل أفريقي : وهؤلاء كانوا ضمن تجارة العبيد غير الانسانية ، وتم عتقهم لاحقا، وبقوا بالقرب من مساكن القبيلة الحاكمة التي جاءت بهم .

 

3 - السنة العرب : وهؤلاء تعود أصولهم الى الجزيرة العربية ، واستقروا في البحرين على فترات مختلفة خلال القرون الماضية .

 

4 - السنة الهولة : وهؤلاء هم مجموعة القبائل التي تؤمن بأنها ذات أصول عربية هاجرت الى ايران ثم عادت مرة أخرى الى الساحل العربي من الخليج .

 

5 - البحارنة : وهؤلاء هم الشيعة العرب سكان البحرين المنتسبون للقبائل العربية كما هو موضح فيما سبق .

 

6 - العجم : وهم الشيعة الذين استقروا في البحرين خلال العقود المنصرمة ، وأصبحوا جزءا من المجتمع البحريني الحديث .

 

7 - هناك مجموعات صغيرة أخرى من المسيحيين واليهود والهنود (البانيان) وغيرهم الذين استوطنوا البحرين خلال العقود المنصرمة (خصوصا قبل عهد النفط) .

 

وفي تفصيل لمجتمع البحرين الحديث يشير الرميحي (1976 م) الى "ان مجتمع السنة في البحرين ينتمي الى ثلاث فرق : -

 

الفرقة الاولى : المجموعات التي تنتمي لقبائل معروفة وترتبط مع بعضها برباط القرابة ، ويميلون تقليديا الى الولاء لال خليفة ويمثلون في مجموعهم الطبقة العليا التقليدية ، وهذه الطبقة تمثل القبائل التي جاءت الى البحرين مع ال خليفة كحلفاء وفاتحين ، أو تلك التي جاءت بعد ذلك من شرق الجزيرة العربية وترتبط مع القبائل الأولى برباط النسب أو القربى . وعلى رأس هذه القبائل قي البحرين ال خليفة والجلاهمة والفاضل وال بن علي والسادة والسودان وال بو رميح وال بوعينين والدواسر والمنانعة وال بوكوارة وال مسلم وال نعيم . وقد كان نفوذ هذه القبائل يقوم على دعامتين ، الأولى سياسية والثانية اقتصادية .

 

الدعامة السياسية ترجع الى حقيقة ان هؤلاء يرتبطون ببعضهم الاخرعن طريق التزاوج كما انهم على اتصال مباشر بالعائلة الحاكمة اذ ان ال خليفة يقبلون الزواج من بنات هذه القبائل الا انهم لا يرضون بتزويج بناتهم لابناء تلك القبائل ، وربما لاعتقادهم ان ذلك قد يضيع السلطة من أيديهم في المستقبل .

 

وهذه العلاقة ذات الاتجاه الواحد عن طريق الزواج من جانب والدور التقليدي الذي كانت تلعبه تلك القبائل كموالية وحليفة ومن ثم مدافعة عن سلطة ال خليفة من الجانب الاخر كانا يحددان شكل العلاقات السياسية وهي الركيزة الأساسية الأولى لنفوذ تلك القبائل .

 

الدعامة الاقتصادية أساسها أن هذه القبائل ملكت النشاط الاقتصادي التقليدي وهو الغوص على اللؤلؤ وبالتالي الأراضي والبساتين الكثيرة - وقد وهبت لبعض تلك القبائل والنافذين فيها أو تم شراؤها من ال خليفة .

 

هاتان الركيزتان السياسية والاقتصادية قد أتاحتا لتلك القبائل أن تكون الطبقة العليا في المجتمع التقليدي وبخاصة خلال القرن التاسع عشر وربما الثلث الأول من القرن العشرين .

 

الفرقة الثانية : المجموعات التي لا ترتبط مع بعضها برباط القرابة ، وهؤلاء يسمون ب(الهولة) والذين كانوا في وقت ما أكثر ترابطا من حيث صلة القرابة ، حيث حكموا جزر البحرين -على فترات - قبل مجئ ال خليفة والقبائل العربية الأخرى . هؤلاء "الهولة" هم في الحقيقة أولئك العرب الذين نزحوا الى الشاطئ الشرقي للخليج واستقروا هناك مدة طويلة من الزمن ، اكتسبوا فيها كثيرا من العادات الفارسية في المأكل والملبس وطرق البناء الا انهم لم يتشيعوا حيث حافظوا على سنيتهم ، وكانت مراكزهم هي لنجة - بندر عباس - بو شهر ، ثم رجعوا مرة أخرى

 

خلال القرن السابع عشر الى الشاطئ العربي للخليج . هؤلاء هم نواة ما يمكن ان نطلق عليه تجاوزا الطبقة الوسطى في البحرين حاليا ، ولطول بقاء هذه الفئة على الساحل الشرقي للخليج فان العصبية القبلية بينهم قد خفت . وبعد احتلال ال خليفة وحلفائهم للبحرين أصبح الهولة يشكلون عائلات ممتدة أكثر من كونهم فخوذ قبائل . وحيث ان موقعهم الاقتصادي لم يتغير بعد الاستيلاء على البحرين ولكونهم سنة ، فان التناقض لم يكن حادا بينهم وبين القادمين الجدد ، فظلوا يزاولون تجارتهم بحرية . ومن ثم أصبحوا أصحاب نفوذ سياسي ، وكونهم سكان المدينة (وبخاصة المنامة) فقد استفادوا كثيرا من فرص التعليم التي أتيحت بعد الحرب الأولى . أما في التجارة فهناك عائلات مثل كانو ، الوزان ، المؤيد ، فخرو، وغيرهم يشكلون كبرى المجموعات التجارية في البحرين .

 

الفرقة الثالثة : المجموعات التي لا تنتمي الى قبيلة محددة معروفة كما لا ينتمون "للهولة" أيضا ، وهم يسمون "بنو خضير". وعليه فربما كانوا مهجنين من بقايا العبيد الذين ازدهرت تجارتهم في القرن الثامن عشر في الخليج أو أولئك الذين يسمون "بياسر". وهم في الغالب عرب سنة ينتمون الى عائلات غير معروفة الأصل في المجتمع الذي يعيشون فيه . في حالة "بني خضير" و"البياسر" فانها مصطلحات كثيرا ما تعني الدونية ، ولذلك فمن العسير أن تجد عائلات تقبل أن توصف بهذه الأوصاف ، وربما حتى "الهولة"فانهم يتحفظون في الاشارة الى أنفسهم بذلك ."(انظر الرميحي (1976م) )

 

ويمكن أن نضيف لهذه الفرق الثلاث بعض الوافدين من الساحل الفارسي والذين يرجعون لأصول ايرانية من غير الهولة ، وقد توافدوا على المنطقة أيام الاحتلال البريطاني وتولي رضا بهلوي الحكم في ايران . وهناك بعض العوائل النجدية التجارية التي استقرت في البحرين ومنها القصيبي والعصيمي والزامل والعجاجي وغيرهم .

 

أما الشيعة البحارنة فيقول عنهم النويدري (1992 م) بأنهم "عرب ينتمي أغلبهم الى ربيعة القبيلة العربية الشهيرة ، وأغلب أسر البحارنة ترجع الى قبيلة عبد القيس من ربيعة ".

 

أما الرميحي (1976 م) فيقول " ان الشيعة هم الذين يعرفون محليا (البحارنة) هم سكان البحرين الأساسيون وسكان منطقة الاحساء أيضا ، ولهم مراكز سكانية مكتظة في هذه المنطقة ، ولكن لطول مدة استقرارهم وعملهم في الأرض والبحر ، فقد خفت بينهم (العصبية) وبالتالي خضعوا لقبائل عربية حرمتهم تدريجيا من الأرض كما حدث في البحرين وبالتالي فقد اعتمدوا لكسب معيشتهم على أعمال ثانوية غير ماهرة وشيئا فشيئا أعتبروا كمواطنين من الدرجة الثانية" .

 

ويواصل الرميحي (1976م) قائلا : "ان الشيعة هي الفئة المقهورة في المجتمع ، ومنذ بداية هذا القرن الى وقت متأخر نسبيا فانهم لم يكونوا يقومون بأعمال هامة في المجتمع ، اذ ان أغلبهم كان وما يزال فقيرا ، وأكثرهم كانوا يقومون في السابق بالأعمال البسيطة من زراعة أوصيد بحري أو غوص .

 

كان الشيعة وما يزالون الى حد كبير ، يعيشون في قرى خاصة بهم ، وكذلك السنة ، أما أولئك الذين يعيشون في المدن ولاسيما المنامة - والى حد أقل المحرق - فانهم يعيشون في أحياء غالبا ما تكون مختلطة بين معتنقي المذهبين" .

 

أما بالنسبة للشيعة العجم فانهم مجموعات توافدت من الساحل الفارسي وترجع لأصول ايرانية ، وقد استقرت في البحرين أيام الاحتلال البريطاني وتولي رضا بهلوي الحكم في ايران . ومن الاسباب التي دعت لهجرتهم للبحرين هو ما قام به رضا بهلوي من اجراءات متشددة كانت تهدف لمسخ الهوية الدينية للشعب الايراني كما فعل أتاتورك في تركيا ، حيث قام بمنع ارتداء الحجاب مثلا مما سبب ضيقا وحرجا للفئات المتدينة والمحافظة فاضطرت للهجرة والاستقرار في البحرين . ويبدو ان هناك أسباب تجارية لهجرة بعضهم للبحرين. تذكر مي الخليفة (1996م) ان هناك "أقلية من الشيعة الايرانيين النازحين اليها أثناء الغزو الايراني ومنهم طبقة برجوازية من التجار ذوي النفوذ يشير اليهم أدميات(مؤلف ايراني) قائلا "ان السكان الشيعة الايرانيين كانوا يكونون الطبقة البرجوازية لسكان الجزيرة ."

 

تاريخ البحرين في الفترة الواقعة بين 1602-1783، لا زال مدثورا ومطمورا، ويرجع السبب في ذلك إلى السياسة التي اتبعها حكام البلاد في الفترة اللاحقة لهذا التاريخ. وهي سياسة سعت لاعتبار بداية التاريخ "الحديث" بعد تلك الفترة. إلا أن هذه النظرة غير صحيحة وغير أمينة تاريخيا. فكل الامم المتقدمة تحقق تأريخها بأمانة وثم تبني عليه لتكوين مجتمع متآخي يسعى لاصلاح اخطاء الماضي (لاتزر وازرة وزر أخرى) بدلا من مواصلة الابناء لاخطاء الاجداد.

 

عاشت أوال ما بين 1521 حتى 1602م، تحت الاحتلال البرتغالي، وهذا الاحتلال كان الحد الفاصل من الناحية التاريخية الذي فصل أوال عن البحرين القديمة (الاحساء والقطيف وأوال). وبعد هذا التاريخ اختصت أوال باسم البحرين وانفصلت بصورة شبه كاملة عن جغرافيتها القديمة.

 

يذكر مونيك كرفران (1988)، ما كتبه المعلم (القبطان) أحمد بن ماجد، عندما زار أوال في نهاية القرن الخامس عشر، إذ أشار إلى أن "أوال تحتوي على 360 قرية، ومياهها العذبة متوفرة في كل مكان، وأنها تحتوي على مكان في البحر ينبع من الماء العذب وهناك حول البحرين مصائد اللؤلؤ وتجارتها التي تعتمد على 1000 سفينة. وفي البحرين قبائل عربية وتجار وعدد كبير من النخيل والخيول والجمال والماعز والغنم، والرمان، والتين والليمون، وغيرها". وذكر ابن ماجد، أن تجار هرمز يقصدون البحرين لشراء اللؤلؤ ثم بيعه في الهند بأرباح طائلة. وذكر محمعلي العصفور (مجلد مخطوط باليد 1901) "قال بعض مشايخنا كان عدد قرى البحرين في زمان السابق بعدد أيام السنة".

 

في نهاية القرن الخامس عشر، كانت البحرين موقعا تتنافس عليه مختلف القوى، البرتغاليون، حكام هرمز، والعثمانيون والصفويون. وعندما انتفض أهل البحرين ضد البرتغاليين في 1602، كان الشاه عباس الأول قد أصبح ملكا قويا يسيطر على حكام آخرون داخل مملكته، ومنهم حاكم شيراز. وكان حاكم شيراز هو الذي أوصل الشاه عباس للبحرين. كانت الدولة الصفوية الإيرانية في فترة قوتها بعد تأسيسها في العام 1501م (واستمرت حتى العام 1732). والصفويون اعتنقوا المذهب الشيعي الإثناعشري عندما استلموا السلطة في إيران في العام 1501م، ولهذا احتاجوا لعلماء دين وقضاة ومدرسين لتعليم المذهب الشيعي. وكانت البحرين (أوال) والاحساء وجبل عامل والعراق هي المناطق التي قصدها الشاه الصفوي لدعوة علماء الدين لإيران. وهكذا كان، فقد رحل من البحرين علماء دين وقضاة ومدرسين إلى إيران.

 

كان لظهور الدولة الصفوية واعتناقها المذهب الشيعي آثار سياسية على المستوى الإسلامي، خصوصا فيما يتعلق بالحساسيات المذهبية بين مختلف الاطراف. فالدولة العثمانية بدأت بمحاربة تدريس المذهب الشيعي في عدد من مناطقها، ولهذا قامت بإعدام أحد كبار علماء الشيعة السوريين آنذاك، زين الدين العاملي في العام 1539م، وهو الذي يلقبه الشيعة بالشهيد الثاني (انظر البرت حوراني - 1991).

 

من جانب آخر، شهدت هذه الفترة أيضا المناظرات بين فقهاء الشيعة. فقد انقسم علماء الدين بين مدرسة الأصول ومدرسة الأخبار. الأصوليون يدعون للاجتهاد في المستجدات وأن يكون الفقيه المجتهد لديه قوة إصدار الحكم والفتوى الدينية، بينما دعى الإخباريون لاعتماد أحاديث وأخبار أهل البيت فقط دون الحاجة للاجتهاد. هذا الانقسام بين المدرستين كان له أثر كبير جدا على البحرين. ففي الفترة التي صعد فيه هذا الحوار كانت البحرين قد أصبحت تحت الاحتلال البرتغالي، وما أن انتهى الاحتلال البرتغالي في العام 1602، حتى كانت الغلبة للمدرسة الأصولية في العالم الشيعي بصورة عامة. وربما تكون البحرين، هي المنطقة الفريدة في العالم الشيعي الذي استمر فيها النقاش بين المدرستين حتى وقت متأخر جدا، ولا زالت آثاره موجودة حاليا.

 

نظام الدولة الصفوية الايرانية:

كان من كبار علماء الشيعة الذين هاجروا إلى إيران وأصبحت لهم السلطة الدينية هناك الشيوخ نور الدين الكركي (من جبل عامل-لبنان حاليا). أصبح "شيخ الإسلام"، وهذا المنصب هو المنصب الديني الأول لدى الدولة الصفوية الإيرانية. وهكذا أصبحت المناطق التي تسيطر عليها الدولة الصفوية تحتوي على نوعين من السلطة. السلطة السياسية، ويسمى عادة "الحاكم" ويكون تابعا للشاه الصفوي من ناحية الحماية والدفاع والسياسة الخارجية العامة. وهناك أيضا "شيخ الإسلام" وهو ممثل السلطة الدينية. والعلاقة بين الشاه وشيخ الإسلام، وبين الحكام وشيوخ الإسلام في المناطق الأخرى بدأت بتوافق، ثم تنافس، ثم عداء، ثم هدنة، وهكذا دواليك. وقد تجد في بعض المناطق التابعة للدولة الصفوية ان يكون شيخ الإسلام أقوى من الحاكم، والعكس الصحيح. ذلك لأن مذهب الشيعة يعطي سلطات واسعة لعالم الدين، وبالتالي يصبح نفوذ شعبي قوي. والمناصب الدينية في الدولة الصفوية كانت على ثلاثة انواع:

 

1. شيخ الإسلام: ودعي أيضا (ملا باشي) أي رئيس العلماء، وكانت له الرئاسة الدينية. وكان مجلسه الرسمي بجانب مجلس الشاه (او الحاكم) نفسه. والظاهر أن وظيفة شيخ الإسلام لم تكن محددة تحديدا قطعيا، بل تناول التحقيق والتتبع في المسائل الشرعية. وإنصاف المظلومين، وادارة وظائف طلاب العلم والفقراء، كما يتدخل في قضايا أخرى و وكان يعتبر قاضيا أعلى. والظاهر أنه كان لكل مقاطعة هامة شيخا للإسلام خاصا بها، بيد أن شيخ الإسلام في العاصمة الايرانية أنذاك، اصفهان، ظل يتمتع بمنزلة ونفوذ خاصين.

 

2. الصدر: وكان لقبه الرسمي "اعتماد الدولة"، وهو ممثل الشرع في ديوان الشاه. وظيفته مراقبة حسن تطبيق الدولة قوانين الشرع، وضبط الأوقاف. كما كان يشرف على كل صغار موظفي الشؤون الدينية، كمباشري الأوقاف، وأئمة الجوامع، والمدرسين.. إلخ. كما كان يختص بالنظر في بعض الدعاوى وكان مجلسه إلى يسار الشاه.

 

3. القاضي: وعمله يتعلق بفصل الدعاوى المعروضة عليه. والقاضي يخضع لسلطة شيخ الاسلام من الناحية الدينية ويتم تعيينه بموافقة شيخ الاسلام. (انظر الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي، جعفر المهاجر، دار الروضة).

 

الادارة السياسية والدينية في البحرين تحت الحكم الصفوي:

الإدارة السياسية للبحرين تمركزت حول سوق الخميس والمدرسة الكبيرة في جامع الخميس. وهذه المنطقة يطلق عليها منذ القرن الرابع عشر "البلاد القديم". وربما أن تسميتها بالقديم نسبة لظهور أحياء جديدة محيطة بها. وبما أنها كانت العاصمة السياسية فقد احتفظت بمركزيتها الثقافية والدينية أيضا رغم وجود مراكز كبيرة منافسة لها داخل البحرين (آنذاك).

 

Edited by شوق بحرينية
Link to comment
Share on other sites

  • Replies 21
  • Created
  • Last Reply

Top Posters In This Topic

يقول الشيخ محمد علي العصفور (مجلد مخطوط باليد بتاريخ 1901) "وفي تاريخ العلماء البحرانيين عبر العصور المتعاقبة منارات فقهية مارست القضاء داخل البلاد وخارجها. بل ارتقى بعضها إلى منصب (شيخ الإسلام)، أي قاضي القضاة. كالشيخ عبد الله السماهيجي (ت 1722م)، والشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م) .. وغيرهم. وكان منصب قاضي القضاة يخول صاحبه عزل القضاة إذا ما رأى صدور حكم مناف للفتاوى المتبناة لديه في بعض الأحيان".

 

يقول الشيخ محمد علي التاجر ان الشيخ الجبري استقل بالبحرين في 1703 (لمدة 14 عاما - حسب ماتذكره مي الخليفة!!)، وهو من بقايا الجبور الذين كانوا يحكمون البحرين قبل الاحتلال البرتغالي. ولما استولى الشيخ الجبري على البحرين "جعل مقره المسمى "العمر" وبنى به قلعتين على جبلين متقابلين والبلدة بينهما. وكان له وزير يسمى الفرير بن رحال وسكنته الرافاع الشرقي. وكان الشيخ الجبري مغرما بالنساء وكانت احدى ضحاياه زوجة وزيره. غير ان الشاه عباس الثاني (الذي حكم ايران بين 1642 - 1666م) استرجع البحرين من الشيخ الجبري.

 

يقول الشيخ محمد علي التاجر "في اواخر ايام الدولة الصفوية ملك جزيرة البحرين الشيخ جبارة الهولي وهو من عرب سواحل فارس. وسبب ذلك انه لما رأى الفتور في أمر الدولة الصفوية عصى بما تحت يده من الممالك ومن ضمنها جزيرة البحرين وادعى الاستقلال وبقيت تحت حكمه إلى ان قام نادر شاه واستولى على عرش ايران (1736-1747م) واسترجع جزيرة البحرين (في 1737) من الشيخ جبارة. وقام نادر شاه بتشييد "القلعة" في المنامة (الموجود حتى الان).

 

1700 خراب البحرين الأول اثر هجوم العتوب

1715-1719: خراب البحرين الاكبر على أيدي العمانيين

 

1725 - 1737 يذكر الشيخ محمد علي التاجر استيلاء الشيخ جبارة الهولي (من عرب الهولة الذين كانوا يسكنون الساحل الايراني). واستمر حكم الشيخ جبارة (الذي بدأ بعد انتهاء العهد الصفوي الايراني الذي سقط مع غزو افغانستان لايران في 1722) حتى العتم 1373 (أي بعد سنة من وصول نادر شاه للحكم في ايران). وذكر التاجر ان نادر شاه (مؤسس حكم العائلة الافشارية في ايران) "ارسل عامله ميرزا تقي خان واليا على شيراز وامره بانتزاعجزيرة البحرين. وكان الشيخ جبارة غائبا عنها وهو يومئذ في مكة المشرفة. واما نائبه على البحرين، فحين راى نزول تقي خان بجيشه لم يستطع ان يثبت للمقاومة ففر هاربا بنفسه، فاستولت عساكر نادر شاه على البحرين.

 

1738: هاجم سلطان مسقط وامام عمان (سيف بن سلطان) على البحرين واستولى عليها. يذكر التاجر "وحين وصوله اشتغل القتل والنهب في البلاد مدة ستة ايام ثم ضبطها بعد ذلك وتصرف في شئونها وحكمها". وقد فر حكام البحرين إلى الاحساء والقطيف وبوشهر، وبعضهم اودع السجن. وعندها ارسل نادر شاه عساكره إلى البحرين، ولماا سمع سيف بن سلطان بمجيء عساكر نادر شاه فر من البحرين.

 

1738 -1783 ولى نادر شاه قلب علي خان على البحرين، والذي استمر حاكما حتى 1742. وقد أمر نادر شاه ببناء القلعة (الموجودة حاليا بالمنامة). وبعد وفاة قلب علي خان استلم الحكم الشيخ غيث ال مذكور حتى العام 1773. بعد وفاته تولى الحكم الشيخ نصر بن ناصر ال مذكور الذي استمر في الحكم حتى 1783.

 

 

1737 - 1783م: ال مذكور

1715 هاجمت عمان البحرين؟

 

يصف الفضلي (1969)، (أنظر نيل الأماني، ديوان الشيخ حسن الدمستاني) البحرين في مطلع القرن الثامن عشر قائلا: كانت البحرين أيام الدمستاني (ت 1767م) خاضعة لحكم (الصفويين) ملوك إيران سياسيا، يحكمها حاكم عام يمثل حكومتهم الإيرانية. وكانت مزرعا يحفل بالتمر أكثر من غيره. ومرفأ للسفن التي تقطع الخليج العربي. قالعة من البصرة وعائدة إليها. ومغاصا يستخرج منه اللؤلؤ الطبيعي.ومصادا يصطاد فيه السمك والحيوان البحري ذو النفع. ومتجرا للمواد الاستهلاكية، وغير الاستهلاكية وبخاصة اللؤلؤ فقد كانت من أهم أسواقه. كانت تعتمد في اقتصادياتها على هذه المجموعة من المجالات الاقتصادية. وكانت مدرسة تحتضن الثقافة الإسلامية والعربية القديمة. كالفقه وأصوله والفلسفة والكلام والمنطق والنحو والبلاغة والصرف وما شاكلها وتتبنى المناهج الدراسية القديمة أيضا. كانت تسير في حياتها الثقافية ضمن الأطر الإسلامية والعربية. وكانت مغزى وموضعا للنهب والغارات بدافع من الاستغلال الاقتصادي، كما في غارات الأعراب والبداة، أو بدافع من العداء الطائفي، كما في غزوات الخوارج وأمثالهم.. كما سنلمسه في أسباب هجرة الدمستاني إلى القطيف."

 

في مطلع القرن الثامن عشر كان يتربع على العرش الإيراني الشاه حسين الذي انتهى حكمه بغزو أفغانستان لإيران في 1722 وانتهى بذلك حكم الصفويين. واستمر الاحتلال الأفغاني لإيران حتى العام 1729.

 

ولد محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الحركة الوهابية) في نجد في العام 1703. وقد استلهم محمد بن عبد الوهاب أفكاره من تعاليم العالم الحنبلي تقي الدين بن تيمية (الذي عاش في مطلع القرن الرابع عشر). وفي العام 1744، تحالف محمد بن عبد الوهاب مع سعود (جد عائلة آل سعود) لإقامة مجتمع إسلامي نقي على المذهب الوهابي.

1700، أول هجوم للعتوب على البحرين.

 

في نحو 1717، وخلال حكم شاه حسين الضعيف هاجم حاكم مسقط، الإمام سلطان بن سيف البحرين وأخضعها.

خلال عام 1718، هاجم حكام مسقط البحرين واستولوا عليها وهجروا سكانها ودمروا الكثير من قراها.

 

في 1722، عم الجفاف الجزيرة العربية وانتشرت المجاعة في منطقة الأفلاج بنجد مما أدى لنزوح عدد من القبائل العربية ومنه العتوب إلى سواحل الخليج بحثا عن الأكل والعيش الرغيد. وقد كانت منطقة الاحساء والمنطقة الممتدة من البصرة حتى قطر تحت سيطرة بني خالد. ارتحل العتوب المنطقة التي يطلق عليها حاليا الكويت.

 

1737 -1783، استعادت إيران سيطرتها على البحرين.

 

1766، ارتحل آل خليفة إلى الزبارة في قطر على الساحل المقابل للبحرين.

في هذه الفترة كانت البحرين خاضعة لحكم نصر آل مذكور وهي العائلة التي كانت تحكم بوشهر أيضا.

 

1653 الحاكم باباخان سلطان

1666 - 1697 زمان سلطان بن قزل خان

1697 - 1701 مهدي قلي خان

1701 - 1703 قزاع خان

1703

وإنما سميت بحرينا، لأنها واقعة بين عمان وبحر فارس"، (المخطوطة/ص2).

 

"فالتجار وأهل المراكب وأرباب المعاملات مقيمون في بندر المنعمة المشهور بالمنامة، وحكامها وأهل المناصب ساكنون في المحرك (المحرق)".

 

"وفي سنة السابع والمائتين بعد الألف (1792)، ظهر في القطر جماعة من آل عتوب، فمنعوا الناس التعزية والمراثي على الحسين (ع)، واعتقدوا أنه من البدعة فأفشوا ذلك الاعتقاد وأظهروا الفساد بين العباد وأمروا أهل البحرين بسلوكهم. فلما سمع الشيخ نصر تلك المقالة وشنيع فعالهم أمر عسكره بمقابلتهم فالتقيا، فصار بينهما ملحمة عظيمة فانكسر جيوش الشيخ نصر ففر إلى أبو شهر، واستغاث إلى حاكم الشيراز فلم يجبه أحد فاستولت عساكر أحمد بن خليفة على البحرين وهجر بعض علمائها إلى الفارس منهم جدي العلامة الشيخ خلف قدس سره".

 

يقول في ترجمة السيد أبو علي ماجد بن هاشم بن علي بن المرتضى ابن علي بن ماجد الحسيني البحراني (الصادقي أنوار البدرين)، "ولي بها (البحرين) القضاء فشرف الحكم والإمضاء ثم انتقل منها إلى شيراز فطالب به على الطرق وشيراز"، (أنوار البدرين/ص88،

توفي (قدس سره).. بدار العلم شيراز سنة 1028هـ).

 

ويذكر أيضا أنه أستاذ الشيخ محمد بن حسن بن رجب البحراني.

 

وقال الشيخ يوسف البحراني (ره)، في اللؤلؤة في ترجمته الشيخ محمد بن الحسن بن رجب البحراني، "وكان هذا الشيخ فاضلا فقيها إماما في الجمعة والجماعة وهو أول من صلى الجمعة في البحرين بعد افتتاحها في الدولة الصفوية"، (ص119).

 

"واستقضى (الشيخ محمد بن الحسن بن رجب البحراني) في البحرين وقتا ثم عزل وهو من تلامذة شيخنا البهائي وأخبرني شيخنا العلامة المحقق محمد بن ماجد الماحوزي البحراني، وكان كثيرا ما يقع بيني وبين الشيخ محمد المذكور نزاع والشيخ (ره) ساكت يسمع.. أنوار البدرين/ص118.

 

"الشيخ علي بن سليمان البحراني (ره) انتهت إليه رئاسة الإمامية في البحرين وما والاها.. وذكر أنه قد بلغ أعلى مراتب الاستنباط وكان في أول حالة تلميذ السيد العلامية السيد ماجد والشيخ محمد بن حسن بن رجب، ص119.

 

الشيخ علي بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي الملقب بزين الدين "وكان رئيسا في بلاد البحرين ومشارا إليه تولي الأمور الحسبية وقام بها أحسن القيام وقمع أيدي الحكام"، المخطوطة/ص160.

 

"وانتهت رياسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد التقدم إلى السيد المذكور (السيد هاشم البحراني) فقام بالقضاء في البلاد وتولى الأمور الحسبية أحسن قيام وقمع أيدي الظلمة والحكام"، المخطوطة/ص166.

 

الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن علي الأصبعي

 

"وتولى القضاء في البحرين مدة طويلة حتى وقع بين العلماء اختلاف عظيم في بعض الوقائع وحدث فيه تنافر بين الشيخ أحمد وبين العالم الرباني الشيخ علي بن سليمان وأدى ذلك إلى عزله (قدس سره)"، ص121.

 

"وقال شيخنا الشيخ يوسف في اللؤلؤة في ترجمة والده الشيخ محمد بن علي الأصبعي المذكور ص117، ولهذا الشيخ ولد فاضل محقق يسمى الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد وكان معاصرا للشيخ علي بن سلمان القدمي البحراني تولى قضاء البحرين بأمر الشيخ علي المذكور ثم عزله عن القضاء لقضية جرت بينهما في مسالة وقعت في البلد"، ص121.

 

توفي الشيخ علي بن سليمان البحراني سنة (1063). رئيس البحرين.

 

الشيخ صلاح الدين ابن شيخنا الشيخ الأفقه علي بن سليمان البحراني.

 

"وأما الشيخ صلاح الدين فهو رجل فاضل في علم الحديث والأدب تولى الأمور الحسبية بعد أبيه وجلس مجلسه في القضاء والجمعة والجماعة".

 

الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ علي بن سليمان البحراني

 

"وقد تولى الأمور الحسبية في هذه الديار وكان شديد الإنكار لا تأخذه في الله لومة لائم"، ص124.

 

"وقد تولى الأمور الحسبية في بلاد البحرين مدة إلا أنه لما هو عليه مما ذكرناه حسده بعض أمرائها فكاتبوا عليه السلطان سليمان ورموه بما هو بريء منه"، ص125.

 

الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني

 

"صار وجع البلاد والعباد بعد موت الشيخ صلاح الدين ابن الشيخ علي بن سليمان المتقدم ظهره وفوضت إليه الأمور الحسبة والقضاء بتأييد السلطان وأكابر البلاد" ص126.

 

السيد عبد الرؤوف بن الحسين بن عبد الرؤوف بن أحمد بن حسين

 

"كان مولده سنة 1013هـ، وتوفي سنة 1060"، ص102.

 

"وكان أعني صاحب الترجمة (السيد عبد الرؤوف) شيخ الإسلام أي قاضي القضاة في بلادنا البحرين"، ص103.

 

السيد جعفر بن السيد عبد الجبار بن الحسين بن عبد الرؤوف

 

"ثم قربت العهود والتأييدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه (ابن سيد عبد الجبار) أبا عبد الله السيد جعفر وولاية الأوقاف وفوض إليه الأمور الحسبية" (شيخ الإسلام 1006)، ص105.

 

السيد عبد الجبار بن الحسين بن عبد الرؤوف. شيخ الإسلام/ ص105.

 

الشيخ أحمد بن سلمان ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ أحمد "ورجع إلى البحرين وصار إماما في الجمعة والجماعة والقضاء"، ص116.

 

"إن العامل الماجد الشيخ محمد بن ماجد هو شيخ الإسلام في البحرين وولي الحسبة الشرعية وكان الحاكم فيها من جهة العجم هو المرحوم الشيخ محمد آل ماجد البلادي البحراني"، ص134.

 

"وانتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد المتقدم ذكره إلى السيد المذكور (السيد هاشم البحراني) فقام بالقضاء في البلاد وتولى الأمور الحسبية أحسن قيام وقمع أيدي الظلمة والحكام ونشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالغ في ذلك وأكثر ولم تأخذه في الله لومة لائم في الدين وكان من الأتقياء المتورعين شديد على الملوك والسلاطين. وانتهت رئاسة البلد بعده إلى الشيخ سليمان بن عبد الله المذكور وكانت وفاته للسنة السابعة بعد المائة والألف، وذكر بعض مشايخنا المعاصرين أن وفاته بعد الشيخ محمد بن ماجد المتقدم بأربع سنين فعلى هذا تكون وافته سنة التاسعة بعد المائة والألف"، ص137.

 

"وعرض للشيخ محمد بن ماجد مرض عظيم فعاده شيخنا (الشيخ سليمان) في مرضه وتوفي في ذلك المرجع: وسنه يقرب من سبعين سنة في حدود السنة الخامسة والمائة والألف وهو عام جلوس الملك الأعظم سلطان حسين ابن الشاه سلطان سليمان. فانتهت رئاسة البلد بعد للسيد هاشم العلامة"، ص133-134.

 

"أصله (الشيخ سليمان بن عبد الله) من سترة من قرية الخارجية، ومولده الماحوز، ثم أنه سكن البلاد القديم وبها توفي وكان الأكثر إذا انتهت الرئاسة لأحد من العلماء من غير أهل البلاد القديم ينقله أهل البلاد إليها لأنها في ذلك الزمان هي عمدة البحرين ومسكن الملوك والتجار والعلماء وذوي الأقدار"، ص150.

 

"... توفي (الشيخ سليمان بن عبد الله) وعمره يقرب من خمسين سنة في سابع عشر شهر رجب للسنة الحادية والعشرين بعد المائة والألف للهجرة"، ص151.

 

"ونقل شيخنا المحدث الصالح في إجازته أنه (الشيخ سليمان الماحوزي) أهداه (كتاب الأربعين) للشاه السلطان حسين الصفوي"، ص153.

 

النقاط المستفادة:

 

1. أن البحرين كانت تحكم بثنائية تتكون من شيخ الإسلام والحاكم (من جهة العجم).

2. هاجم العتوب البحرين سنة 1112هـ (اللؤلؤة)، أي 1700م، وكان شيخ الإسلام حينها الشيخ محمد بن ماجد وحاكمها الشيخ محمد آل ماجد.

3. تولى مشيخة الإسلام بعد وفاة الشيخ محمد بن ماجد 1105هـ(1693م)، السيد هاشم البحراني وبعده الشيخ سليمان الماحوزي.

4. كيف نوفق بين وفاة الشيخ بن ماجد سنة 1105هـ، وبين استنجاده بالهولة لطرد العتوب سنة 1112هـ 1700م).

5. وفاة السيد هاشم البحراني سنة 1119هـ.1707

6. نؤرخ وفاة الشيخ محمد بن ماجد بعام جلوس الملك الأعظم سلطان حسين ابن الشاه سلطان سليمان. (1694 - 1722 م)

7. وفاة الشيخ سليمان الماحوزي سنة 1112هـ. 1700

8. أن الحاكم (من جهة العجم)، يكون من البحرين وليس من العجم بدليل أن الشيخ محمد آل ماجد يطلق عليه البحراني.1

9. منطقة البلاد القديم تعتبر كعمدة البلد حينها فكانت مقر شيخ الإسلام والحاكم، إضافة للتجار والعلماء.

 

"وكان السيد شبر.. (السيد شبر ابن السيد علي ابن السيد مشعل الستري البحراني الغريفي) في آخر عمره أخذته الغيرة الإيمانية على ما جرى على أهل البحرين من الحكام المتغلبين عليها من الظلم والعدوان وغصبهم الأموال وتشتتهم في كل مكان وأداه نظره واجتهاده وإن لم يوافقه عليه أكثر علماء زمانه إلى جمع العساكر من أهل البحرين والقطيف الساكنين هناك لأخذ بلاد البحرين من أيدي أولئك المتغلبين الظالمين فاقتضى نظره الشريف أن يستند أولا إلى سلطان العجم وهو ناصر الدين شاه القاجاري (ره)، ليكون له ظهرا وتكون البحرين ملكا للعجم وتغلب عليها أولئك فلما سمع بذلك المتغلبون عليها هناك أرسلوا إلى حاكم شيراز بالهدايا الكثيرة والبراطيل الوفيرة لكن سورة ذلك السيد وسافر ذلك السيد إلى شيراز فلم يجتمع به ذلك الحاكم ولم ينظر إلى ما جاء إليه ذلك العالم فبقي في شيراز مقدار أربعة أشهر متكدر الخاطر عارم المعين والناصر إلى أن توفي (قده) بغصته قبل بلوغ منيته"، أنوار البدرين/ص242.

 

الشيخ محمد بن عبد الله بن ماجد: شيخ الإسلام في البحرين حيث الواقعة بين العتوب والدولة

 

الشيخ محمد بن ماجد (آل ماجد) البلادي: حاكم البحرين أيام تبعيتها للدولة الصفوية وكان شيخ الإسلام حينئذ الشيخ محمد بن ماجد الماحوزي.

 

الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي: شيخ الإسلام قبل السيد التوبلاني وفي عهده كان الحاكم الشيخ محمد بن ماجد (آل ماجد) البلادي.

 

أوال ، البحرين ، هجر ، الأحساء ، القطيف ، الخط

إن المتتبع لتاريخ البحرين القديم يلحظ وجود تداخل كبير بين بعض المناطق الجغرافية عبر المراحل التاريخية المختلفة ، فتارة تذكر البحرين على أنها إقليم كبير قصبته هجر أحيانا والأحساء أخرى والقطيف ثالثة ، وإذا عرفنا أن القصبة تعني أعظم المدن فكيف نوفق بين أن تكون القطيف قصبة البحرين عند بعض الجغرافيين وبين أن تكون مجرد قرية من قرى البحرين عند البعض الآخر ، ثم أحيانا تذكر هجر على أنها إقليم البحرين كله وأحيانا هي قصبة البحرين وأحيانا مجرد قرية من قرى البحرين ، ثم متى جاءت الأحساء ، وما الفرق بين الخط والقطيف ، وهل قامت الثانية على أنقاض الأولى ، هذه التساؤلات وأكثر منها هي التي كانت وراء هذه الكلمات البسيطة التي تحاول كشف الواقع التاريخي لكل المفردات التي ذكرها الجغرافيون عند الحديث عن البحرين قديما.

 

 

أولا : أوال :

ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان بقوله :"جزيرة يحيط بها البحر بناحية البحرين ، فيها نخل كثير وليمون وبساتين" ، فهي جزيرة البحرين الحالية ، أما كلمة "البحرين" التي ذكرها الحموي في تعريفه فيقصد منها البحرين بالمعنى القديم أي من البصرة شرقا إلى عمان جنوبا ، ومن اليمامة شمالا إلى ساحل الخليج جنوبا .

 

وحسب التعريف المذكور يعلم بأن أوال قديما (البحرين حاليا) لم تكن صحراء خاوية وإنما كانت مليئة بالنخل الكثير والليمون البساتين .

 

أما عن كيفية التلفظ بكلمة "أوال" فهل هي بفتح الهمزة أم بضمها فيقول الحموي :"أوال : بالضم ، ويروى بالفتح" ، والظاهر أنه يميل إلى الضم وإن كان الفتح مرويا وجائزا أيضا .

 

وبالنسبة إلى سبب تسمية "أوال" بهذا الإسم فهناك احتمالان اثنان ، الاحتمال الأول هو الذي يذكره علي البحراني في كتابه أنوار البدرين ، حيث يذكر بأن أخا عاد - الذي بنيت له إرم ذات العماد - كان اسمه أوال وكان يبحث عن منطقة جيدة الهواء خصبة الأرض ليقيم عليها منطقة له فنصح (بضم النون) بهذه الجزيرة ولذلك سميت باسمه ، والاحتمال الثاني يستند إلى ما ذكره الحموي من أن "أوال" هو اسم صنم لبكر بن وائل وتغلب بن وائل اللتين سكنتنا في البحرين منذ العصر الجاهلي فيحتمل أن هذه الجزيرة قد أخذت اسمها من اسم هذا الصنم .

 

وقد ذكر المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم أن اللؤلؤ كان يستخرج من المياه القريبة من جزيرة أوال حيث قال :"اللؤلؤ في هذا الاقليم بحدود هجر يغاص عليه في البحر بإزاء أوال" ، وبما أن المقدسي توفي في عام 380 للهجرة الموافق 990 للميلاد نعلم تبعا لذلك أن أوال حتى ذلك الوقت أو منذ ذلك الوقت كانت تعرف بحرفة استخراج اللؤلؤ .

 

ثانيا : البحرين :

جاء في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي عن البحرين أنها :"اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان" ، ثم وصفها بقوله "فيها عيون ومياه وبلاد واسعة" ، وقد ذكرها القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" وقال بأنها تحتوي على قرى كثيرة ، ومن قرى البحرين التي ذكرها ابن خرداذبة (المتوفى 300هجرية/913ميلادية) في كتابه المسالك والممالك : الخط والقطيف والآرة وهجر ، ومن القرى التي ذكرها "ابن الفقيه" في كتابه "مختصر كتاب البلدان" : الحوس والكثيب الأكبر والكثيب الأصغر .

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جزيرة "أوال" لا تذكر كثيرا عند ذكر المناطق التي تتألف منها البحرين الكبرى وذلك بخلاف هجر أو القطيف أو الخط التي يلاحظ كثرة ذكرهم ، وقد يدل هذا على أهمية المناطق الثلاث الأخيرة آنذاك وتضاؤل أهمية جزيرة "أوال" في قبالهم .

 

ومن ناحية أخرى يبدو من الملاحظ اختلاف الجغرافيين في اسم "البحرين" "وهجر" وعدم استقرار كل اسم بمنطقة خاصة به ، إذ يلاحظ أحيانا وكأن هناك تبادل بين الاسمين إذ يطلق أحيانا اسم البحرين على منقطة هجر والعكس صحيح ، وكأمثلة على ذلك ، يقول ابن خرداذبة في القول الذي أرودنا سابقا:"قرى البحرين وهي الخط والقطيف والآرة وهجر" ، "فهجر" هنا ما هي إلا "قرية" من قرى البحرين ، أما "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" فله رأي آخر إذ يقول :"ومن المدن ما لها أكثر من اسم نحو مكة وبكة ، المدينة ويثرب ، ..... البحرين (و) هجر" ، "فهجر" هنا "مدينة" وليست قرية ، ومن الملاحظ هنا أن "المقدسي" يعد البحرين مدينة أيضا ، فالبحرين وهجر اسم لمدينة واحدة كما يرى ، لا يقال بأنه ربما قصد بالمدينة الإقليم على أساس أن اللغة الجغرافية القديمة لا تفرق بين المدينة والإقليم مثلا ، لأن ذلك يرد (بضم الياء) بأن المقدسي قبل ذكره للبحرين وهجر ذكر مكة والمدينة وهما مدينتان وليس إقليمان كما هو واضح ، ووحدة السياق بين مكة والمدينة والبحرين تقتضي أن يكون المقصود بالبحرين وهجر هنا المدينة وليس الإقليم ، ويؤيد ذلك ما ذكره الحموي حيث قال :"هجر : مدينة وهي قاعدة البحرين" ، نعم قد يكون من المعقول القول بأن الفرق بين المدينة والقرية ليس واضحا تماما في لغة الجغرافيا القديمة ، فالحموي هنا يذكر بأن "هجر" مدينة ، في حين أن ابن خرداذبة ذكرها ضمن قرى البحرين ، والقول بأن هجر قرية ومدينة في آن واحد غير معقول إلا إذا أقيم الدليل على أن هجر كانت قرية في بداية أمرها ثم شيئا فشيئا أصبحت مدينة ، فإن تحول القرية إلى مدينة من الأمور التي نلاحظها حتى في هذه الأيام .

 

ومما سبق نخلص إلى أن هجر تعرف أحيانا بأنها قرية وأحيانا أخرى بأنها مدينة ، كما أن البحرين تعرف أحيانا بأنها مدينة وأحيانا أخرى بأنها إقليم ، ويضيف المقدسي معنى آخر لما تقدم فيقول :"الأحساء : قصبة هجر وتسمى البحرين" ، والقصبة هي أعظم المدن ، وربما القصبة قديما تشابه العاصمة حديثا ، فالأحساء كما يذكر المقدسي هي أعظم مدن هجر ما يعني أن هجر ليست مدينة وإنما هي إقليم ، وقد أيد ذلك بقوله "هجر وتسمى البحرين" أي أن هجر والبحرين اسمان لإقليم واحد ، وبذلك يضيف المقدسي مسمى آخر "لهجر" هو الإقليم ، والخلاصة أن هجر أطلقت على قرية ومدينة وإقليم ، وأن البحرين أطلقت على مدينة وإقليم ولم تطلق على قرية ، وعندما يتحدث القلقشندي عن هجر ينقل عن "المشترك" قوله :"ويقال للبحرين هجر أيضا ... وليست هجر مدينة بعينها" ، ويؤكد القلقشندي بهذا القول أن هجر تطلق على إقليم البحرين كله ، كما يؤكد على أنها ليست بمدينة ، وللتوفيق بين هذا القول وما سبقه ، وتفسيرا لاختلاف المسميات لكلمة "هجر" يبدو أن الصحيح أن هجر كانت في البداية قرية صغيرة ضمن القرى الكثيرة لإقليم البحرين ، ثم تطورت هذه القرية شيئا فشيئا إلى أن أصبحت مدينة وقاعدة لإقليم البحرين كله ، ونظرا للأهمية التي بلغتها مدينة هجر أصبح إقليم البحرين كله يختصر في مدينته المهمة هجر ولهذا أطلق اسم هجر على الإقليم كله ، وهذا له ما يشبهه في عصرنا الحاضر ، حيث الجزائر العاصمة عاصمة الجزائر الدولة مثلا ، أما عن نفي القلقشندي كون هجر مدينة بعينها فيتعارض مع الكثير من الأقوال التي تثبت مدنية "هجر" ، ورغبة في فك التعارض يمكن احتمال أن هذا القول للقلقشندي جاء بعد تدمير مدينة هجر من قبل القرامطة ، فبعد أن دمرت مدينة هجر بقي اسم المدينة يطلق على الإقليم ولم يختف مع اختفاء المدينة نفسها ، فالقلقشندي حينما ينفي كونها مدينة معينة ربما يريد الإشارة إلى عدم وجود هذه المدينة في الوقت الذي كتب فيه كتابه وفي الزمان الذي عاش فيه ، وهذا لا يمنع من وجودها قبل أيامه إذ ليس في نصه ما ينفي وجود مدينة هجر بشكل كامل في التاريخ ، هذا ما يتعلق "بهجر" ، وأما البحرين فيبدو أنها تطلق في الأساس على اسم الإقليم كله ، وهذا ما يفهم من العبارات الكثيرة لأصحاب الكتب الجغرافية القديمة ، ولكن ، بما أن الإقليم كله صار يعرف باسم البحرين واسم هجر أيضا كما مر ، فإن هذا التسامح وهذه الثنائية أسقطت على المدينة أيضا ، فإطلاق اسم هجر على البحرين "الإقليم" سمح بإطلاق اسم البحرين على هجر "المدينة" .

 

أما عن سبب تسمية "البحرين" بهذا الإسم فهناك ثلاثة آراء ، الرأي الأول هو لأنها تقع بين بحر فارس وبحر عمان ولذا أطلق عليها هذا الإسم ، والرأي الثاني هو لما تتصف به هذه المنطقة والمياه المحيطة بها من ظاهرة نبع المياه العذبة من وسط المياه المالحة ، ولذلك تكثر العيون في هذه المنطقة ، وقد كان الغواصة قديما يعرفون الأماكن التي ينبع منها الماء العذب فيقصدونها للشرب أثناء رحلات غوصهم ، أما الرأي الثالث فهو ما ذكره ابن منظور في لسان العرب حيث قال :"قال الأزهري : وإنما ثنوا البحر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء وقرى هجر ، بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ ، وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها ولا يغيض ماؤها ، وماؤها راكد زعاق" وقد ذكر هذا الرأي ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان ، والقلقشندي في كتابه صبح الأعشى والثلاثة نقلوا هذا القول عن الأزهري .

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ابن منظور قد ذكر في كتابه الشهير لسان العرب منطقة البحرين باسم "البحران" حيث قال : "البحران : موضع بين البصرة وعمان" ، ثم أكمل كلامه إلى أن قال :"ويقال : هذه البحرين وانتهينا إلى البحرين" في إشارة إلى أن اسم البحرين هنا قد أصبح علما وبذلك يختلف حكمه عن حكم المثنى الذي يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء ، فيبدو أن ابن منظور يرى أن الرأي الراجح هو إطلاق اسم "البحران" على المنطقة الممتدة بين البصرة وعمان ، ولكنه في الوقت نفسه يذكر الرأي الآخر وهو "البحرين" ، ومما يؤيد إطلاق اسم "البحران" وإرادة "البحرين" أن ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد قد ذكر "البحران" وهو يريد "البحرين" في عدة مواضع من كتابه مما يعني أن هذا الإسم كان شائعا في تلك الفترة وإن أصبح منسيا هذه الأيام .

 

ويذكر في هذا المجال أيضا ما نقله الحموي عن الزمخشري في قوله : "البحرين : هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر ، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم ، إلا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية فيقولون : هذه البحران وانتهينا إلى البحرين ، ولم يبلغني من جهة أخرى" .

 

واستنادا إلى ما مر ذكره ، يبدو أن النسبة المشهورة إلى البحرين وهي "بحراني" قد اشتقت من الاسم الشائع قديما وهو "البحران" ، إذ من المعروف نحويا أن النسبة عادة تكون باضافة "ياء" في آخر اسم البلد ، فيقال عراقي نسبة إلى العراق ومصري نسبة إلى مصر وغيرها ، وعلى أساس هذه القاعدة يبدو أن النسبة "بحراني" اشتقت من البحران ، وهو من الأسماء القديمة للبحرين ، ومما يؤيد ذلك أن هذه النسبة "بحراني" تعتبر من الشواذ في مجال النسب ، بمعنى أن العرب تقول لساكن العراق عراقي ، فيجب أن تقول لساكن البحرين بحريني ، ولكن العرب لم تقل هذه النسبة أبدا ، وإنما كانت تصف ساكن البحرين بأنه "بحراني" ، وقد اعتبروا النسبة إلى البحرين من شواذ قاعدة النسبة ، وكون النسبة إلى البحرين تعتبر من الشواذ يجعلنا نتساءل عن السبب في ذلك ، فلماذا أصبحت النسبة إلى البحرين من الشواذ ؟ إن الاجابة على هذا السؤال قد تؤكد لنا إطلاق اسم "البحران" على "البحرين" ، فحينما نعلم بأن البحرين كانت تعرف قديما باسم "البحران" نعرف تبعا لذلك أن النسبة الطبيعية للبحران هي بحراني ، ولا شواذ ولا خروج على القاعدة النحوية في ذلك ، ولكن بسبب هجران الاسم القديم وهو "بحران" والاقتصار على "البحرين" التبس الأمر وأصبحت "بحراني" وكأنها من الشواذ في عالم النسب ، في حين أنها لم تكن شاذة في وقتها ، لأنها كانت مطابقة لاسم البحرين القديم وهو "البحران" .

 

ومما يؤكد هذا المعنى أيضا أن الكتب الجغرافية واللغوية (المتوفرة لدى الكاتب) تجمع على أن النسبة إلى البحرين "بحراني" ولا تذكر النسبة الثانية "بحريني" من قريب ولا من بعيد ، ومن ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في قوله :"قال أبو محمد اليزيدي سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين لم قالوا حصني وبحراني ؟ فقال الكسائي كرهوا أن يقولوا حصناني لاجتماع النونين ، وإنما قلت : كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر" ، ومن الجدير بالملاحظة هنا أن السائل والمجيب لم يذكرا كلمة "بحريني" ، فالسائل ذكر كلمة "بحراني" والمجيب رجح "بحراني" على "بحري" خشية أن تشبه النسبة إلى البحر، ولم يرجحها على "بحريني" مثلا ، على الرغم من قرب هذه النسبة لنا هذه الأيام ، وهذا يدفع إلى القول بأن نسبة "بحريني" كانت مستبعدة جدا وليست واردة لا على لسان السائل ولا على لسان المجيب ، وكأنها أمر متفق على عدم صلاحه ، وهذا الاتفاق يمنع من ورودها في السؤال والجواب .

 

وممن ذكر أن النسبة إلى البحرين "بحراني" ابن منظور في كتابه لسان العرب ، والقلقشندي في كتابه صبح الأعشى والرازي في كتابه مختار الصحاح ، وجبران مسعود في كتابه الرائد .

 

ومما سبق نخلص إلى أن النسبة التي تقر بها الكتب الجغرافية واللغوية للبحرين هي "بحراني" ، وهي وإن كانت شاذة وخارجة على قاعدة النسبة إلا أنها لم تكن كذلك حين كانت تعرف البحرين باسم "البحران" ، ثم أن الشذوذ والخروج على القاعدة لا يعني أن النسبة ليست صحيحة وإنما كل الأمر أنها نسبة ليست على طبق القاعدة ، وهذا بدوره يجرنا إلى القول بأن النسبة الحالية وهي "بحريني" هي نسبة خاطئة وإن كانت وفق القاعدة ، ولكنها تخالف ما تعارف عليه العرب سواء في الكتب اللغوية أو الجغرافية في أن النسبة إلى البحرين "بحراني" وليست "بحريني" .

 

وقبل ختام الحديث عن البحرين لا بأس بذكر بعض ما حوته الكتب الجغرافية من طرائف حول البحرين ، وإن كان بعضها يسئ إلى أهل البحرين ولكن لا بأس بذلك حبا في شئ من الحياد والموضوعية ولكي يعرف أهل البحرين ما لهم وما عليهم .

 

1- جاء في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي قوله ""عن أبي زرعة عن عمرو ابن جرير عن النبي (ص) قال : إن الله عز وجل أوحى إلى أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين" .

2- وقد ذكر المقدسي أيضا أسماء بعض المناطق مع ذكر مذاهبهم ، ومما قاله :"ومذاهبهم بمكة وتهامة وصنعاء وقرح سنة .... وأهل الرأي بعمان" ثم قال" وهجر وصعدة شيعة" ، وإذا علمنا أن المقدسي توفي في 380هجرية الموافق 990 ميلادية نعلم تبعا لذلك أن أهل البحرين كانوا شيعة في ذلك الوقت .

3- - كتب ابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك تحت عنوان "من عجائب طبائع البلدان" يقول :"إن من دخل التبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير سبب يعرفه حتى يخرج منها" إلى أن قال "ومن سكن البحرين عظم طحاله ، قال الشاعر :

ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ويحسد بما في بطنه وهو جائع

وقد ذكر ذلك ابن الفقيه أيضا في كتابه مختصر كتاب البلدان حيث قال"ومن عيوب الشام كثرة طواعينها ، والناس يقولون : حمى خيبر وطواعين الشام ورماميل الجزيرة وحرب الزنج وطحال البحرين" .

4- ذكر ابن الفقيه في كتابه مختصر تاريخ البلدان :"قال الحجاج لابن القرية : أخبرني عن مكران : قال : ماؤها وشل ، وتمرها وقل ، وسهلها جبل ، ولصها بطل ... قال : فأخبرني عن ا لبحرين ، قال : كناسة بين مصرين كثيرة جبالها جهلة رجالها " .

5- جاء في كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة :" ومن الخشبات إلى مدينة البحرين في شط العرب سبعون فرسخا وأهلها لصوص يقطعون على المراكب ولا زرع لهم ولهم نخل وإبل ، قال أعرابي :

رمى به في موحش القفار بساحل البحرين للصغار

 

ثالثا : هجر :

سبق ذكر "هجر" عند الحديث عن "البحرين" ، وبان هناك أن "هجر" أحيانا تطلق على قرية من قرى البحرين ، أحيانا تطلق على مدينة من مدنها ، وأحيانا تطلق على اقليم البحرين كله ، ولا تعارض في هذه الأقوال الثلاثة ، إذ من المحتمل صواب كل الأقوال بملاحظة احتمال التطور التاريخي لهذه المنطقة ، فمن المحتمل أن تكون هجر في بداية عهدها مجرد قرية من قرى البحرين الكثيرة ، ثم تطورت مع مرور الأيام لتصبح مدينة بل أعظم مدن البحرين ، ثم شيئا وشيئا أصبحت تطلق على إقليم البحرين كله .

 

أما عن سبب تسمية "هجر" بهذا الإسم فيذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشي :"قال الأزهري : وسميت هجر بهجر بنت المكنف ، وهي التي بنتها" ، فهجر اسم امرأة قامت ببناء "هجر" فسميت المنطقة باسمها ، وهذا الرأي يشابه الرأي القائل بأن أوال سميت نسبة إلى شخص اسمه أوال قام ببنائها ، وكذلك تشبه تسمية اليمامة بهذا الإسم حيث ذكر ابن الفقيه في كتابه مختصر كتاب البلدان أن اليمامة سميت بهذا الإسم نسبة لامرأة من طسم بنت مرة .

 

أما الحموي في كتابه معجم البلدان فيذكر احتمالات كثيرة لسبب تسمية هجر بهذا الإسم فيقول :"يجوز أن يكون من هجر إذا هذى ، ويجوز أن يكون منقولا من الفعل الماضي ، ويجوز أن يكون من الهجرة وأصله خروج البدوي من باديته إلى المدن ثم استعمل في كل محل تسكنه وتنتقل عنه ، فيجوز أن يكون أصله الهجران كأنهم هجروا ديارهم وانتقلوا عنها ، ويجوز أن يكون من هجرت (بضم التاء) البعير أهجره هجرا إذا ربطت حبلا في ذراعه إلى حقوه وقصرته لئلا يقدر على العدو ، فشبه الداخل إلى هذا الموضع بالبعير الذي فعل به ذلك ثم غلب على اسم الموضع ، ويجوز أن يكون شئ مهجر(بضم الميم وتسكين الهاء وكسر الجيم) إذا أفرط في الحسن والتمام ، وسمي بذلك لأن الناعت له يخرج في إفراطه إلى الهجر (بضم الهاء) وهو الهذيان ، ويجوز أن يكون من التبكير وهو التبكير إلى الحاجة ، ومن الهاجرة وهي شدة الحر وسط النهار كأنها شبهت لشدة الحر بالهاجرة ، وقال ابن الحائك : الهجر بلغة حمير والعرب العاربة القرية ، فمنها : هجر البحرين وهجر نجران وهجر جازان وهجر حصنة من مخلاف مازن" .

 

أما فيما يتعلق بالنسبة إلى هجر وهل هي هجري أم هاجري ، فقد ذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشى أن النسبة إلى هجر هاجري ، إلا أن ابن منظور في كتابه لسان العرب ذكر النسبتين حيث قال :"النسب إلى هجر هجري على القياس ، وهاجري على غير قياس" .

 

رابعا : الأحساء :

جاء في الجزء الأول من كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي :"الأحساء : بالفتح والمد ، جمع حسي ، بكسر الحاء وسكون السين ، : وهو الماء الذي تنشفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته ، فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه" ، وأضاف :"والأحساء : مدينة بالبحرين ، معروفة مشهورة ، كان أول من عمرها وحصنها وجعلها قصبة هجر أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي القرمطي ، وهي إلى الآن مدينة مشهورة عامرة" .

 

مما سبق يتضح أن الأحساء مرتبطة تاريخيا بالقرامطة ، فبعد أن قاموا بتدمير مدينة هجر قاموا في العام 317 للهجرة ببناء مدينة الأحساء ، وقد اختلف الباحثون حول المكان الذي الذي بنيت فيه الأحساء ، فالبعض ذهب إلى أنها بنيت على أنقاض هجر ، في حين ذهب البعض إلى أنها بنيت في مكان آخر .

 

ويمكن استيضاح شئ من تاريخ هجر اعتمادا على تاريخ الأحساء ، فحينما يقال أن الأحساء شيدت بعدما تم تدمير مدينة هجر فهذا يدل على أن هجر كانت مدينة قبل أن تصبح اسما للإقليم ، وحينما يقال بأن الأحساء قصبة هجر فهذا يعني أن الأخيرة أصبحت اسما يطلق على إقليم البحرين كله بعد أن كانت تطلق على اسم المدينة فقط ، وبهذا يمكن تفسير اختلاف الجغرافيين في هل أن هجر قرية أم مدينة أم اسم لإقليم البحرين كله ، يمكن أن يفسر هذا الاختلاف على أساس الاختلاف التاريخي والزمني للجغرافي عند تناوله لمنطقة هجر ، وهذا ما طرح عند الحديث أعلاه عن هجر .

 

ويرى القلقشندي في كتابه صبح الأعشى أن الأحساء كانت تقع إلى الغرب من القطيف وأن الأخيرة كانت أكبر من الأحساء .

 

لقد اختلفت مساحة الأحساء بحسب اختلاف تاريخها ، وممن تابع ذلك حسن الأمين في الجزء الثالث من كتابه دائرة المعارف الإسلامية الشيعية حيث قال : "استعملت كلمة (الأحساء) علما - فيما وقفت عليه - على أربع وحدات جغرافية ، اختلفت مساحة وإدارة وتاريخا .. وهي حسب مراحلها التاريخية :

 

1- كانت تطلق على ما يعرف ب(هجر) عاصمة (البحرين) التي كانت (أعني البحرين) اسما للمنطقة الممتدة من البصرة إلى عمان .

2- أطلقت على المنطقة الممتدة من البصرة إلى عمان ، وهي التي كانت تسمى قديما (البحرين) ثم سميت (أعني منطقة البحرين) ب(هجر) و(الأحساء) و(الخط) .

3- صارت تطلق على المنطقة الممتدة على الساحل الغربي من الخليج : من حدود الكويت الجنوبية إلى حدود قطر وعمان وصحراء الجافورة .... وهي المنطقة التي تعرف اليوم ب(المنطقة الشرقية) .

4- عادت تطلق على ما كانت تطلق عليه أولا ، وهو ما يعرف إداريا الآن ب(الهفوف) وما يتبعها من قضاء (المبرز وقراهما) " .

 

ويقسم الأمين تاريخ الأحساء إلى ما قبل القرامطة وما بعد القرامطة ، فما قبل القرامطة يعتبر تاريخ هجر ، وما بعد القرامطة يعتبر تاريخ الأحساء ، وعليه فإن تاريخ الأحساء يبدأ منذ حكم القرامطة لأنهم هم الذين بنوها عام 317 هجرية .

 

خامسا : القطيف :

جاء في الجزء الرابع من كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي :"القطيف : بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، فعيل من القطف وهو القطع للعنب ونحوه ، كل شئ تقطفه عن شئ فقد قطعته ، والقطف الخدش : و(القطيف) مدينة بالبحرين هي اليوم قصبتها وأعظم مدنها" .

 

وقد ذكر ابن خرداذبة القطيف في كتابه المسالك والممالك حين قال :"قرى البحرين وهي الخط والقطيف والآرة .." .

 

ومن النصين السابقين نعلم أن القطيف كانت تعتبر قرية من قرى البحرين ثم أصبحت مدينة بل قصبة البحرين وأعظم مدنها ، وليست هناك أي إشارة من قريب أو بعيد إلى أن القطيف أطلقت على إقليم البحرين كله كما هو حال "هجر" ، فالقطيف إذن لم تطلق على إقليم البحرين كله .

 

ومما تجدر الإشارة إليه أن قصبة البحرين لم تكن واحدة على مر التاريخ ، فتارة تكون هجر وتارة الأحساء وتارة القطيف ، وتتضح مدى سعة القطيف حين يقول القلقشندي أن القطيف كانت أكبر من الأحساء التي كانت قصبة البحرين في فترة من فترات التاريخ .

 

واستنادا إلى ما قاله ابن خرداذبة من أن القطيف والخط كانتا من قرى البحرين ، يعلم أن القطيف القرية كانت موجودة مع وجود الخط القرية ، وهذا يختلف عن هجر والأحساء حيث لم تكن هجر المدينة موجودة حينما قامت الأحساء المدينة ، لأن مدينة الأحساء قامت على أنقاض هجر في حين لم تقم قرية القطيف على أنقاض قرية الخط ، ولكن هذا الكلام يقتصر على المرحلة التي كانت فيه القطيف مجرد قرية إلى جانب الخط ، أما بعد أن أصبحت القطيف أكبر من الأحساء كما ذكر سابقا فمن المحتمل أنها قد توسعت على أنقاض قرية الخط القديمة أو أخذت جزءا منها على الأقل .

 

سادسا الخط :

تختلف الأقوال في المقصود بالخط ، فهناك من يقول أنها إحدى قرى البحرين إلى جانب القطيف وغيرها من القرى الأخرى ، وآخر يقول بأنها إحدى مدينتي البحرين والثانية هجر ، وثالث أنها سيف البحرين وعمان والسيف هو الساحل ، ورابع أنها مرفأ البحرين ، وجمعا لكل هذه الأقوال فمن المحتمل أن تكون الخط قد بدأت قرية ثم تحولت إلى مدينة عظيمة ، ونظرا لموقعها بالقرب من الساحل فقد أنشئ فيها مرفأ وسمي باسمها ، وبما أن هذه القرية كانت قد نشأت بالقرب من الساحل فلذلك سميت خطا لأن الخط تطلق على السيف والسيف في اللغة هو الساحل .

 

ومما اشتهرت به هذه المنطقة الرماح الخطية ، وهذه الرماح لم تكن لتصنع في الخط ، وإنما كانت تصل إلى مرفأ الخط قادمة من الهند ، وفي الخط تقوم (بتشديد الواو) هذه الرماح وتباع على العرب ، وهذا له ما يشابهه عند العرب مثل مسك دارين حيث ينسب المسك إلى دارين في حين أن المسك ليس منها وإنما يأتي إليها من الهند .

 

المصادر :

1- معجم البلدان لياقوت الحموي (المتوفى 626 هجرية/1228ميلادية) .

2- صبح الأعشى للقلقشندي (

3- أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي (المتوفى 380هجرية/990ميلادية) .

4- مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه .

5- المسالك والممالك لابن خرداذبة (المتوفى حوالي 300هجرية/913ميلادية) .

6- لسان العرب لابن منظور (المتوفى 711هجرية)

7- الرائد لجبران مسعود .

8- مختار الصحاح للرازي .

9- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية لحسن الأمين (حي يرزق ، أطال الله في عمره)

 

حركة القرامطة

بعد أن قتل صاحب الزنج عام 270 ظهرت في سنة 278 حركة جديدة في الكوفة كانت أشد تأثيرا وقوة من سابقتها وهي حركة القرامطة ، كانت بداية هذه الحركة أن رجلا اسمه حمدان بن الأشعث جاء من خوزستان إلى الكوفة واستقر بمكان يسمى (النهرين) ، وكان "يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسب يده ويكثر الصلاة ، فأقام على ذلك مدة ، فكان إذا قعد إليه رجل ذاكره في أمر الدين وزهده في الدنيا وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة حتى فشا ذلك عنه بموضعه ثم أعلمهم أنه يدعو إلى إمام من آل بيت الرسول فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير" (ابن الأثير) .

 

أما عن سبب تسمية هذه الحركة بالقرامطة فقد اختلف الباحثون في ذلك على أقوال :

 

الأول : إن هذا اللقب ينسب إلى حمدان بن الأشعث ، وهذا الإسم لم يكن له أساسا وإنما انتقل إليه من رجل آخر كان يسمى كرميتة لحمرة عينيه - وكرميته هي كلمة نبطية بمعنى حمرة العينين - وقد انتقل هذا الإسم له نتيجة لحادثة وقعت بينه وبين هذا الرجل وهي أن حمدان كان طريحا في الطريق بسبب مرضه فمر به كرميته وأخذه إلى بيته ولم يفارقه حتى شفي ولذلك أطلق اسم كرميته على حمدان ، ثم خفف هذا الإسم فصار قرمط ، ومن القائلين بهذا الرأي الطبري في تاريخه وابن الأثير في كامله .

 

الثاني : إن هذا اللقب ينسب إلى حمدان بن الأشعث ، وقد أطلق عليه هذا الاسم لأنه كان قصير القامة والسير وكانت خطواته متقاربة ، ومن معاني القرمطة في اللغة مقاربة الخطو ، وقد نسب هذا القول للمقريزي في كتابه اتعاظ الحنفاء كما يذكر ذلك العاتي في محاضراته حول الأديان والمذاهب .

 

الثالث : إن هذا اللقب لا ينسب إلى حمدان بن الأشعث وإنما ينسب إلى أبي سعيد الجنابي الذي يعد من أبرز قادة هذه الحركة ، وقد ذكر هذا الرأي الشيخ عباس القمي في كتابه الكنى والألقاب حيث يقول : "والقرمطة تقارب الشئ بعضهم من بعض ، يقال خط مقرمط وشئ مقرمط إذا كان كذلك ، وكان أبو سعيد المذكور(سلفا ويقصد الجنابي) قصيرا مجتمع الخلق أسمر كريه المنظر ولذلك قيل له قرمطي" .

 

الرابع : إن هذا اللقب ينسب إلى شخص اسمه محمد الوراق ، وعرف بالمقرمط الكوفي وهو أول من أظهر مذهب القرامطة ، وقد ذكر هذا الرأي الذهبي في كتابه تاريخ الإسلامي ضمن آراء ثلاثة حول بداية حركة القرامطة ، ومن الملاحظ على هذا الرأي أنه يخالف ما اتفق عليه الباحثون من أن بداية هذه الحركة كانت على يد حمدان بن الأشعث ، كما أنه لم يتعرض لسبب إطلاق لقب (المقرمط) على محمد الوراق وإنما اكتفى بذكر اللقب دون ذكر سببه .

ومن الجدير بالذكر هنا أن الطبري وابن الأثير لم يصرحا بأن ابتداء القرامطة كان على يد حمدان بن الأشعث وإنما هذا ما يمكن أن يفهم من أقوالهما ، فالطبري مثلا حينما يتعرض لكيفية ابتداء هذه الحركة يقول بأن رجلا من خوزستان قدم الكوفة وكان يظهر الصلاح والاستقامة ، ثم يذكر كيف أنه مرض وكيف أخذه كرميته إلى بيته ومن ثم انتقل اسم كرميته لهذا الرجل ، ويواصل كلامه عن هذا الرجل ثم يقول بأنه قد ذهب للشام وغاب خبره ، ثم بعد ذلك يقول ، وقيل إن "قرمط رجل من سواد الكوفة كان يحمل غلات السواد على أثوار له ، يسمى حمدان ويلقب بقرمط" ، فالطبري لم يذكر أن الرجل الذي جاء من خوزستان اسمه حمدان ، وإنما اكتفى بالقول أن رجلا جاء إلى الكوفة من خوزستان ولم يذكر اسمه ، ولكنه بعد ذلك يذكر اسم حمدان في مقطع آخر وكأنه رأي آخر ليس بالضرورة أن يكون مكملا للمقطع الأول ، وعلى أساس ذلك فإن القول بأن الطبري ينسب حركة القرامطة إلى حمدان بن الأشعث قائم على أساس الجمع بين المقولتين اللتين ذكرهما الطبري وعلى أساس أنه لم يذكر القول الثاني إلا استكمالا للأول ، أما إذا لم نؤسس فهمنا على هذا الأساس فلا يمكننا نسبة هذا الرأي للطبري ، والكلام حول الطبري هو نفس الكلام حول ابن الأثير .

 

على كل حال ، ظهر هذا الرجل في الكوفة سنة 278للهجرة وأخذ يدعو الناس إلى ما كان يؤمن به ، ومما أمر به أن القبلة والحج إلى بيت المقدس وأن الجمعة يوم الإثنين ، وأن الجنابة لا تحتاج إلى غسل وإنما يكفيها الوضوء لترتفع ، وأن الخمر حلال ، والصوم يومان يوم المهرجان ويوم النيروز ، وأن من حاربه وجب قتله ومن لم يحاربه وخالطه أخذ منه الجزية ، ولم يكتف بذلك بل طلب من كل شخص أجابه أن يدفع له دينارا وزعم أنه للإمام ، ثم أنه اتخذ من أصحابه اثنى عشر نقيبا وأمرهم بالدعوة إلى مذهبه وأنهم كحواريي عيسى بن مريم (ع) .

 

ومما أمر به أن الصلوات المفروضة عددها خمسون صلاة ، ونتيجة لهذه الصلوات الكثيرة التي أمر بها أتباعه فإن المشتغلين في الضياع كانوا يقصرون في عملهم ، وكان شخص اسمه الهيصم يملك ضياعا فلما رأى تقصير العمال سأل عن السبب فعرف الرجل وما ذهب إليه فأخذه وحلف أن يقتله ، فحبسه في بيته ووضع المفتاح تحت الوسادة وأخذ يشرب حتى نام ، فرقت احدى جواريه على الرجل المسجون فأخذت المفتاح وأخرجته من السجن ووضعت المفتاح مكانه ، فلما استيقظ الهيصم ذهب ليقتل الرجل فلم يجده ، وانتشرت هذه الحادثة فافتتن بها الناس وقالوا بأنه قد رفع ، ثم ذهب إلى منطقة أخرى ولقيه بعض أصحابه وغيرهم فسألوه عن هذه الحادثة فأجابهم بأنه ليس بامكان أحد أن يصيبه بسوء فعظم في نفوسهم ، ولأنه كان خائفا على نفسه فقد توجه للشام وخفي ذكره .

 

أما كيف كانت بداية هذه الحركة في البحرين فيقال أنه في عام 281جاء إلى القطيف رجل يعرف بيحيى بن المهدي وقد نزل عند رجل اسمه علي بن المعلى بن حمدان وكان من غلاة الشيعة ، وقد زعم يحيى بأن الإمام المهدي بن الحسن (ع) قد قرب ظهوره وأنه رسول من قبله وعنده كتاب من عنده ، فجمع المعلى شيعة القطيف وقرأ عليهم الكتاب الذي جاء به يحيى زاعما أنه من عند الإمام المهدي (ع) ، فأظهروا استعدادهم للخروج مع الإمام إن ظهر ، وأرسل المعلى إلى باقي قرى البحرين أيضا يخبرهم بالأمر فأجابوه بالاستعداد ، وكان ممن أجابه أبو سعيد الجنابي الذي سيأتي ذكره بعد قليل ، وبعدها غاب يحيى ثم عاد بعد مدة وعنده كتاب زعم أنه من الإمام المهدي ومما جاء فيه : "قد عرفني رسولي يحيى بن المهدي مسارعتكم إلى أمري فليدفع إليه كل رجل منكم ستة دنانير وثلثين ففعلوا ذلك" (ابن الأثير) ، ثم غاب يحيى وعاد مرة أخرى وزعم أن عنده كتابا من الإمام المهدي أيضا يأمرهم فيه بأن يدفعوا إليه الخمس .

 

بعد ذلك وفي عام 286ظهرت في البحرين شخصية مهمة في حركة القرامطة هي شخصية أبي سعيد الجنابي ، اسمه الحسن بن بهرام ، وأصله من قرية تسمى جنابة ، وقد ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان بقوله :" جنابة : بالفتح ثم التشديد ، وألف ، وباء موحدة : بلدة صغيرة من سواحل فارس" ، كان أبو سعيد يعمل دقاقا في جنابة ثم نفي وجاء البحرين وعمل فيها تاجرا ، ويذكر الشيخ عباس القمي في كتابه الكنى والألقاب بأنه كان "قصيرا مجتمع الخلق أسمر كريه المنظر" ، ظهر هذا الرجل في البحرين عام 286للهجرة وكثر أصحابه وقوي أمره فأعمل السيف في أهل القرى المجاورة وذهب للقطيف وقتل من بها وهاجم نواحي هجر ، ثم أظهر عزمه للهجوم على البصرة فأرسل عاملها للخليفة العباسي المعتضد يخبره بالأمر فأمره ببناء سور حول البصرة وقد كلفه ذلك أربعة عشر ألف دينار ، ولكن السور لم يكن ليمنع من هجوم القرامطة فكتب معاون البصرة للمعتضد يريد المدد فأرسل له 300رجل ، وأمر المعتضد باختيار جيش وإرساله للبصرة ، وفي العام نفسه ولى المعتضد عباس بن عمرو الغنوي على البحرين واليمامة وأمره بقتال أبي سعيد والقرامطة وزوده بجيش قوامه 2000 رجل فذهب للبصرة ومنها للبحرين واليمامة ، ثم خرج عباس من البصرة بجيشه مع بعض المتطوعة من البصرة لقتال أبي سعيد واقتتل الطرفان وكانت النتيجة أن أسر عباس وأسر معه ما يقرب من 700 من جنده وقام الجنابي بقتل الأسرى وإحراقهم وأطلق سراح عباس ليحكي ما رآه للمعتضد ، وبعد هذا القتال أغار الجنابي على هجر ، واستطاع الاستيلاء على أرض البحرين كلها ، وفي العام نفسه 287فام الجنابي بغزو كلدة وبعد عامين دخلوا الشام فخربوها كما يذكر ذلك السيد أمير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب .

 

وفي سنة 301قتل أبو سعيد الجنابي بواسطة أحد خدامه ، ويذكر الذهبي ذلك في كتابه تاريخ الإسلام بقوله :"قتل أبو سعيد الجنابي القرمطي المتغلب على هجر ، قتله غلامه الخادم الصقلبي لكونه أراده على الفاحشة ، فلما دخل إليه قتله" ، كما يذكر الشيخ عباس القمي بأن الجنابي قد قتل في الحمام على يد أحد خدامه ، أما ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فيقول بأنه قتل على فراشه ، ويمكن التوفيق بين رواية الذهبي والقمي بالقول بأن الخادم قتل الجنابي حينما دخل الأخير عليه وهو يريد به الفاحشة ، ولكن رواية الحموي لا سبيل للتوفيق بينها وبين غيرها .

 

بعد اغتيال الجنابي تشكلت هيئة من القادة العسكريين عرفت بالعقدانية واستمرت في حكمها لتسع سنوات حتى يكون سعيد (وهو الابن الأكبر لأبي سعيد الجنابي) مؤهلا لاستلام السلطة ، ولكن أخيه سليمان ثار عليه وقيل قتله واستولى على السلطة وبايعته العقدانية كما كتب إليه عبد الله بن المهدي أول الخلفاء الفاطميين فاستقر له الحكم ، واستمد شرعيته من الخلافة الفاطمية المعادية للعباسيين .

 

وبعدما وقع الخلاف بين العقداينة وأهل البحرين نقل أبو طاهر عاصمته إلى الأحساء حيث بنى مدينة المؤمنية عام 314للهجرة (محمد سعيد المسلم) ، ويذكر حسن الأمين بأن أبا طاهر هو الذي بنى الأحساء وحصنها وذلك عام 317على أنقاض مدينة هجر التي دمرها القرامطة بعد حصار دام ثلاث سنين ، وفي عهد أبي طاهر قام القرامطة بالهجوم على البصرة وكانوا يهاجمون الحجاج وهم في طريقهم لبيت الله الحرام ، وما كفاهم ذلك حتى قاموا بالهجوم على البيت الحرام في عام 317 فنهبوا الحجيج وقتلوهم في يوم التروية وقلعوا الحجر الأسود وباب الكعبة وأراد أحدهم أن يقلع الميزاب فسقط ومات ، ونهبوا دور أهل مكة ، وقد ركب أبو طاهر على سطح الكعبة وأخذ يقول : أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا ، وقام بأخذ كسوة الكعبة وقسمها على صحبه ، ورمى بالقتلى في بئز زمزم ودفن الباقين في الحرم بلا غسل ولا كفن ولا صلاة ، وأنفذ الحجر الأسود إلى هجر وقد عرضت عليه خمسون ألف دينار لرد الحجر فلم يقبل ولم يرجع القرامطة الحجر إلا عام 339 أي بعد 22 عاما .

 

ونتيجة لهذه الحادثة أرسل عبيد الله المهدي الخليفة الفاطمي إلى أبي طاهر ووبخه ولعنه على جريمته تلك ، وهب المسلمون لمحاربة هذه الطغمة الفاسدة .

 

وبعد هذا التاريخ الأسود تقطع جسد أبي طاهر بالجدري كما يذكر الطبري ، إلا أن القمي يرى بأنه قد قتل وكان ذلك سنة 332للهجرة .

 

بعد أبي طاهر آل الحكم إلى أخيه أحمد أبي المنصور الذي قام برد الحجر الأسود ولكنه لم يستمر في الحكم حيث ثار عليه أكبر أبناء أبي طاهر واسمه سابور ونصب نفسه حاكما وألقى بعمه في السجن ، لكن أحد أخوة سابور لم يقبل بذلك فثار على أخيه وأخرج عمه من السجن وقام أبو المنصور باعدام سابور ، وبعد وفاة أبي المنصور أصبح ولده الحسن والملقب بالأعصم هو قائد القرامطة ، وبعد وفاته عام 366 قام القرامطة بانقلاب على أسرة أبي سعيد الجنابي التي ظلت تحكم القرامطة منذ ظهور أبي سعيد في البحرين عام 286 ، وتم تشكيل مجلس عرف بمجلس السادة ، أعضاؤه ثمانية وفي رئاسته اثنان هما اسحاق وجعفر ، ونظرا لاعلان هذا المجلس لولائه للدولة الفاطمية فقد ساءت علاقته مع الدولة العباسية ، ودخل في حروب بسبب ذلك ، كما وقعت الخلافات بين قطبي الرئاسة اسحاق وجعفر مما سهل عملية القضاء على هذه الحركة ، واستمرت الحروب والنزاعات الداخلية حتى تم القضاء على دولة القرامطة عام 398هجرية حينما قام الأصفر بن أبي الحسن الثعلبي بالاستيلاء على قاعدتهم الأحساء ، وقد بدأت هذه الدعوة في البحرين منذ أن جاءها يحيى بن المهدي عام 281 ، وقويت على يد أبي سعيد الجنابي عام 286 وتم القضاء عليها عام 398 ، ما يعني أنها استمرت في البحرين ما يقرب من 115عاما .

 

ونذكر في الختام سلسلة بأسماء حكام القرامطة مع ذكر مدة حكومة كل واحد منهم كما جاء في كتاب :"القطيف : واحة على ضفاف الخليج" لمؤلفه محمد سعيد المسلم مع شئ قليل من التصرف :

 

1- أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي : 286-301 .

2- أبو طاهر سليمان بن الحسن : 301-332 ، (ويبدو أن المسلم غفل عن السنوات التي فصلت بين وفاة أبي سعيد وحكم ابنه سليمان وهي التي كانت تحكم بواسطة هيئة العقدانية وهي تسع سنوات كما ذكر هو نفسه في صفحة 210)

3- أحمد بن الحسن (أبو المنصور) : 332-358 ، 359-359 ، (حكم أبو المنصور في فترتين تخللتهما حكومة ابن أخيه سابور الذي ثار عليه ، وقد أوضحنا ذلك أعلاه) .

4- سابور بن سليمان : 358-359 .

5- الحسن بن أحمد (الأعصم) : 359-363 ، (هذا ما ذكره المسلم والصحيح أن نهاية حكم الأعصم كانت عام 366 كما ذكر هو نفسه في صفحة 212) .

6- مجلس السادة : 363-398 (هذا ما ذكره المسلم والصحيح أن بداية حكومة مجلس السادة كانت منذ وفاة الأعصم عام 366كما أشار في صفحة 212) .

 

المصادر :

1- تاريخ الطبري ، للطبري .

2- الكامل في التاريخ ، لابن الأثير .

3- تاريخ الإسلام ، للذهبي .

4- تاريخ الخلفاء ، للسيوطي .

5- مختصر تاريخ العرب ، للسيد أمير علي .

6- معجم البلدان ، لياقوت الحموي .

7- الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي .

8- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ، لحسن الأمين .

9- القطيف : واحة على ضفاف الخليج ، لمحمد سعيد المسلم .

Link to comment
Share on other sites

حركة صاحب الزنج

بعد تقلص الدولة الأموية قامت الدولة العباسية بالاستيلاء على المناطق التي كانت تحت النفوذ الأموي ، وفي عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (754م-775م)) استولى عقبة بن سليم على البحرين. (البحرين بجغرافيتها القديمة التي كانت تشمل الاحساء واقطيف واوال) ، وبقيت البحرين تابعة لحكومة بغداد عاصمة الخلافة العباسية آنذاك ، حتى ظهر في البحرين رجل عرف بعد ذلك بصاحب الزنج.

 

 

ولد صاحب الزنج في قرية من قرى الري واسمها ورزنين. أما أبوه فقد ولد في طالقان ، والاسم الحقيقي لصاحب الزنج هو علي بن محمد بن عبد الرحيم ، ويرجع في نسبه إلى عبد القيس ، وقد كان في بداية أمره شاعرا يتكسب بشعره ويمشي مع حاشية السلطان وجماعة الخليفة المنتصر العباسي. ويرى ابن خلدون .

 

في تاريخه أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج في عام 249هجرية (863 م) خرج من سامراء متوجها إلى البحرين ، وادعى فيها أنه : علي بن محمد بن الفضل بن حسن أو( الحسن ، كما! يذكر ابن الأثير) بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، فنسب نفسه إلى العباس بن علي بن أبي طالب كما أشار إلى ذلك الطبري. أما ابن خلدون فيذكر أن هذا الرجل ادعى أنه من ولد العباس بن عبد المطلب ، ورأي الطبري أقرب للصواب بلحاظ تشيع أهل البحرين وولائهم لعلي بن أبي طالب ولابنه العباس ، في حين أن العباس بن عبد المطلب لا يحظى بهذا الولاء عند أهل البحرين أنذاك ، ويبدو أن ابن خلدون قد خلط بين العباسين.

 

أما كيف عامله أهل البحرين فينقل ذلك الطبري بقوله : وقد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي فيما ذكر حتى جبي له الخراج هنالك ونفذ حكمه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه. لقد دعا الناس في هجر (البحرين) لطاعته فتبعه كثيرون وخالفه كثيرون ودار القتال بين الفئتين ونتيجة لذلك انتقل إلى الأحساء ،

ومنها إلى البادية. ويذكر ابن الأثير في الكامل أن بعض أهل البحرين صحبوه إلى الأحساء ومنهم يحيى بن محمد بن الأزرق البحراني ، وسليمان بن جامع وهو قائد جيشه ، أما الطبري فيذكر أنه ذهب للبادية وذهب معه بعض أهل البحرين أحدهم من الأحساء وآخر من هجر وذكر معهما رجل ثالث لم يذكر اسم منطقته ،

ويبدو أن الاثين المذكورين في عبارة ابن الأثير هما المقصودان في عبارة الطبري.

 

والملاحظة التي يجدر الالتفات إليها هي أن المؤرخين لم يذكروا الأسباب التي جعلت أهل البحرين يحلون هذه الرجل محل النبي ويجبون له الخراج ويجعلونه حاكما عليهم ، فلم يذكروا شيئا سوى أنه من ولد العباس بن علي بن أبي طالب ، وبالتأكيد فإن مجرد نسبه للعباس لا يؤدي لكل هذا التقديس وهذه المنزلة في قلوب أهل البحرين ، فإن البحرين مليئة بمن ينتسبون لعلي ومن خلال الحسين الذي هو أعز عند أهل البحرين من العباس ومع ذلك لم يقدسوهم كل هذا التقديس ، فالأمر ليس أمر النسب ، ويجب أن تكون هناك أسباب أخرى غفل عنها المؤرخون أو لم يذكروها لأسباب لا نعلمها. ومن المحتمل أن تكون العلاقة السيئة بين أهل البحرين والخلافة العباسية هي السبب لذلك ، فمن المعروف أن الدولة العباسية لم تكن على مايرام مع أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، ويكفيها عداءا أنها قامت بقتل الأئمة واحدا بعد الآخر بعد أن شددت من قبضتها عليهم حتى قضى الإمام الكاظم (ع) ما يقرب من الأربعة عشر عاما في سجون هارون الرشيد

حتى انتهت سنوات السجن العجاف بقتله ووضعه على جسر بغداد. إن هذه التصرفات الوحشية لدولة بني العباس تجاه أئمة أهل البيت لم تكن لتمحى من ذاكرة الشيعة في كل مكان ، ومن ذاكرة الشيعة في البحرين. ومن المعروف أن البحرين في ذلك الزمان كانت محطة للثوار الخارجين على الحكام الظالمين.

 

وعلى أساس ما تقدم ، لا يبعد أن أهل البحرين كانوا في أتم الاستعداد للخروج والثورة ضد عمال

الخلافة العباسية في البحرين ، وكانوا ينتظرون الشخصية القيادية التي تقودهم نحو هذا الهدف ، ولعلم صاحب الزنج بوجود هذا الاستعداد لأهل البحرين فإنه قدم منتحلا ومدعيا الانتساب لأهل البيت ليكون لذلك أثره في قلوب أهل البحرين. إن صاحب الزنج ونتيجة لما صنعه بعد خروجه من البحرين من أهوال وجرائم قد عرفنا قبح نواياه وفسادها ، وإذا قلنا بفساده فهذا لا يعني أن أهل البحرين الذين اتبعوه كانوا فاسدين ، وأقصى ما يمكن أن نقوله بأنهم لم يعرفوه على حقيقته واستطاع بدهائه أن يقنعهم بحسن نواياه. لقد أوضح لنا التاريخ فساد هذا الرجل ولم يبن لنا فساد أهل البحرين ، خصوصا وأن هذا الرجل حينما جاء البحرين كان لم يرتكب جرائمه التي ارتكبها بعد ذلك. فتاريخه الإجرامي يبدأ منذ وصوله للبصرة عام 255 هجرية (868م) كما يذكر ذلك المؤرخون. وبما أنه جاء البحرين عام 249 فهذا يعني أن أهل البحرين لم يكونوا يعرفوه بإجرامه وفساده لأنه ذلك لم يقع بعد.

 

ورغم أن أهل البحرين - وحسب المعطيات التي ذكرت مسبقا - لا يحملون وزر جرائم هذا الرجل إلا أن وقوع القتال بين أهل البحرين أنفسهم يشير إلى وجود طرف معه واخر ضده، ومن المحتمل أن يكون سبب القتال أحد أمرين:

 

الأول : أن الفئة التي كانت مع صاحب الزنج كانت تريد المواجهة مع عامل العباسيين في البحرين ، في حين كان الطرف الآخر يمثل طرف العباسيين وأنصارهم في البحرين.

 

الثاني : أن الفئة التي كانت مع صاحب الزنج كانت الفئة الضالة المنحرفة على فرض علمها بفساد صاحب الزنج ، وكانت الفئة الثانية هي الفئة التي تريد أن.توقف هذه الفئة المنحرفة عن ضلالها.

 

ومن المحتمل أن تكون هناك احتمالات أخرى ، إلا أن هذين الاحتمالين هما الأقرب وأرجحهما الأول للأسباب التي ذكرت أعلاه.

 

لما وصل صاحب الزنج إلى البادية ذكر عنه وقوع بعض المعاجز (المدعاة إليه)، وفي ذلك يقول ابن الأثير : كان ينتقل بالبادية فذكر عنه أنه قال أوتيت في تلك الأيام بالبادية آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس ، منها إني لقنت سورا من القرآن فجرى بها لساني في ساعة وحفظتها في دفعة واحدة منها سبحان والكهف والصاد ، ومنها من( آيات إمامته كما يدعي) إني فكرت في الموضع الذي أقصده حيث نبت بي البلاد فأظلتني غمامة وخوطبت منها فقيل لي اقصد البصرة.

 

وفي البادية لم يترك هذا الرجل خبثه فانتحل اسما آخر وجمع الناس حوله كما يشير إلى ذلك الطبري بقوله : وذكر عنه عند مصيره هكذا( في الطبري وقد تكون مسيره) إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أو الحسين المقتول بناحية الكوفة فاختدع بذلك قوما منهم حتى اجتمع بها منهم جماعة كثيرة فزحف بهم إلى

موضع بالبحرين يقال له الردم فكانت بينهم وقعة عظيمة كانت الدائرة عليه وعلى أصحابه قتلوا فيها قتلا ذريعا فنفرت عنه العرب وكرهته وتجنبت صحبته. فلما تفرقت عنه العرب ونبت به البادية شخص عنها إلى البصرة. بعد خروجه من البادية توجه إلى البصرة عام 254هجرية ثم خرج منها إلى بغداد وذهب إلى مدينة السلام واستقر بها سنة واحدة . وفي مدينة السلام (بغداد) نسب نفسه إلى أحمد بن عيسى بن زيد وزعم أنه ظهرت له آيات في مقامه فيها. ويذكر الطبري أن صاحب الزنج ادعي أنه عرف ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم وأنه سأل ربه بها آية أن يعلم حقيقة أمره فرأى كتابا يكتب له وهو ينظر إليه على .حائط ولا يرى شخص كاتبه وبعد أن استقر سنة واحدة في مدينة السلام توجه للبصرة مرة أخرى وكان ذلك عام 255للهجرة ، وهي السنة التي يذكر المؤرخون أنه بدأ حركته فيها ، وكان ذلك في عهد الخليفة العباسي المهتدي. وفي عام 256 (870م)أصبحت الخلافة بيد المعتمد، ما يعني أن بداية حركة صاحب الزنج كانت في عهد المهتدي ولكن استفحال خطرها وانتشارها كان في عهد الخليفة المعتمد العباسي.

 

وفي البصرة ادعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي ، كما يذكر ذلك الذهبي

، فقد نسب نفسه إلى زيد بن علي المشهور بثورته ، ويذكر ابن خلدون في تاريخه سبب ادعائه النسب إلى زيد بأن : أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم وما بعده أكثرهم من الزيدية ، ولأنه رأى كثرة خروج الزيدية فحدثته نفسه بالتوثب فانتحل هذا النسب ويشهد على ذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج .

 

لقد دعا العبيد إلى نفسه ووعدهم العتق وكتب على رايته إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم . . . ، فاجتمع حوله الزنوج ، وفي ذلك يذكر ابن الأثير : كان يدعو غلمان أهل البصرة ويقبلون إليه للخلاص من الرق والتعب فاجتمع عنده منهم خلق كثير ، فخطبهم ووعدهم أن يقودهم ويملكهم الأموال وحلف لهم

بالأيمان أن لا يغدر بهم ولا يخذلهم ولا يدع شيئا من الإحسان إلا أتى به إليهم ، فأتاه مواليهم وبذلوا له على كل عبد خمسة دنانير ليسلم إليه عبده فبطح أصحابهم وأمر كل من عنده من العبيد فضربوا مواليهم أو كيلهم كل سيد .خمسمائة سوط ثم أطلقهم. ومن الأعمال التي قام بها صاحب الزنج كما يذكر ذلك السيوطي أنه ادعى أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة ، وأنه مطلع على المغيبات ، كما كان يصعد على منبره فيسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة ، وكان يبيع المرأة العلوية على عسكره بدرهمين وثلاثة ، وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن.

 

ويذكر سيد أمير علي أن صاحب الزنج أباح لأتباعه أرذل أنواع الخلاعة والفجور فسمي بالخبيث صاحب الزنج ، وانضم تحت لوائه العبيد من مختلف أنحاء البلاد فقوي بهم ساعده وأعلن نفسه سيدا على كلدة والأهواز. ومن الجرائم التي ذكرها السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء لهذا الرجل أنه قتل 300 ألف شخص في يوم واحد بالبصرة ، ويبدو أن ذلك قد وقع في عام 257 (871م) حيث دخل البصرة وأحرقها وقتل أهلها كما يذكر ذلك الطبري.

 

وبعد حروب طاحنة استمرت لسنوات عدة قتل صاحب الزنج عام 270 هجرية (883م) على يد الموفق أخ الخليفة العباسي كما يذكر ذلك الذهبي. وحينما قتل جاؤوا برأسه إلى بغداد ونشرت الزينة وصار الناس يدعون للموفق ويمدحه الشعراء وكان يوما عظيما. ويذكر الطبري سنة ظهوره ووفاته والمدة بينهما في قوله : كان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة 255وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة 270 فكانت أيامه من لدن خرج إلى اليوم الذي قتل فيه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام ، وكان دخوله الأهواز لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة 256وكان دخوله البصرة وقتله أهلها وإحراقه لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال سنة 257 .

 

ويرى حسن الأمين بأن ترف أهل البصرة آنذاك كان أحد أسباب هذه الحركة حيث يقول : وقد كان ترف البصريين من أهم الأسباب لحركة الزنج إذ كان كل نابه من البصريين وكل مترف في حوزته العشرات من الزنوج والزنجيات ولم يكن عمل لأولئك الزنوج غير مظاهر البطر والفخفخة من حمل السيوف المذهبة وركوب الخيل والمشي وراء سادتهم وهذا البطر أوجد في أوساط البصرة حركة الملونين ومن هنا نجم قرن صاحب الزنج ، وإلى أيامنا هذه توجد في البصرة زاوية للنابه من الزنوج وكانت له أتاوة على زنوج البصرة وله علم يرفع يوم الخميس وتقيم فيه زنوج البصرة ألعابهم ويقدمون نذورهم.

 

بعد هذه الجولة السريعة في حركة صاحب الزنج نذكر هذه الملاحظات

1- إن صاحب الزنج كان ينتحل النسب المناسب في المكان المناسب ، فحينما كان في البحرين نسب نفسه إلى العباس بن علي بن أبي طالب نظرا لتشيع أهل البحرين المعروف بقوته انذاك، وفي مدينة السلام (بغداد) والبصرة نسب نفسه إلى زيد بن علي نظرا لتاريخ الزيدية في القيام بالثورات كما ذكر ذلك ابن خلدون. وفي البادية ذكر أنه يحيى ابن عمر أو الحسين المقتول بالكوفة ولابد أنه اختار هذا الإسم لسبب ما لا نعرفه.

2- إنه كان يصنع لنفسه هالة قدسية بادعائه للكرامات ، فحين كان في البادية زعم أن الغيمة حدثته بأن يقصد البصرة ، وحين كان في دار السلام زعم أنه يعلم ما في ضمائر أصحابه ، وفي البصرة زعم أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وأنه يعلم بالمغيبات ، ومن الملاحظ أنه لم يزعم مثل هذه المزاعم حينما كان في البحرين ، أو على الأقل لم يذكر لنا المؤرخون ذلك.

 

3- إن المؤرخين حينما يتحدثون عن تاريخ هذا الرجل فإنهم يؤرخون ظهوره بعام 255 ، وحين نعلم بأنه جاء البحرين عام 249، نعلم تبعا لذلك بأن حركته في البحرين لم تكن بمستوى حركته في البصرة ، ونعلم أيضا بأنه حينما جاء البحرين لم يكن يعرف بصاحب الزنج بعد.

 

4- 4- إن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كانت تعيش حالة من البساطة الفكرية بحيث إن شخصا يدعي الكرامات ويزعم المزاعم الباطلة يستطيع أن يقنع الكثير من المسلمين وأن يكون جيشا تعجز الخلافة العباسية عن إيقافه عند حده ، ويستمر في حروبه لمدة أربعة عشر عاما.

 

5- إن الخلافة العباسية لم تكن بالمستوى المطلوب القادر على حفظ الأمة من أمثال هذه الحركات ، كما أن الظلم الذي مارسته ضد المسلمين كان دافعا للنهوض ضدها.

 

6- إن البطر والبذخ الزائد الذي عاشه أهل البصرة كان سببا في ظهور هذه الحركة كما ذكر حسن الأمين. ويبدو أن الأمة التي اعتادت على ترف الحكام وظلمهم أصحبت هي الأخرى تعاني من هذه الحالات ، وعلى أساس ذلك يبدو أن ثورة الزنوج كانت ثورة على وضع الأمة الفاسد قبل أن تكون على الحكام الظالمين .

 

7- إن الأمة بحاجة إلى أن تكون أكثر عقلانية في اختيار قائدها لكي لا تتبع شخصا كصاحب الزنج ، كما يجب على القائد المؤهل أن يتصدى للأمة المتلهفة قبل أن يأتيها القائد المزيف.

 

المصادر :

1- تاريخ الطبري للطبري

2- كتاب الكامل لابن الأثير

3- تاريخ الإسلام ، للذهبي

4- تاريخ ابن خلدون لابن خلدون

5- تاريخ الخلفاء للسيوطي

6- مختصر تاريخ العرب للسيد أمير علي

7- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية لحسن الأمين

8- ملوك العرب لأمين الريحاني

Link to comment
Share on other sites

مشكورة ع الموووضوع

Link to comment
Share on other sites

ثانكس على الموضوع دكرتيني بكتاب أجا216

الله يعــــــــــــــــطيش ألف صحة و عافيه

Link to comment
Share on other sites

مشكورين ع المرور

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

مشكورين ع المرور

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...

×
×
  • Create New...