Jump to content
منتدى البحرين اليوم

(( عابر السبيل )) تثير التساؤلات والإعجاب على مسرح قطر الوطني


أنت عمري

Recommended Posts

بحضور حشد من الفنانين

والمثقفين إضافة إلى الإعلاميين

والمهتمين بفن المسرح،

عرضت على خشبة مسرح قطر

الوطني الجمعة مسرحية "عابر

السبيل" بطولة الفنان عبد الله

أحمد والفنان أشرف العوضي

والفنان فيصل رشيد، والعرض

من تأليف الكاتب سعود علي

الشمري، ومن إخراج الفنان

ناصر عبد الرضا.تدور المسرحية

حول رجلين تجرعا مرارة

الحرب سوياً فربطتهما صداقة

من نوع خاص كونهما في مركب

واحد، وهو الأمر الذي جعلهما

يحتفظان بصداقتهما حتى

بعد انتهاء الحرب، وعودتهما

سالمين، إلا من الضمير، الذي

أصبح شبحاً يخيم على حياة

كل منهما، فيهرب أحدهما من

شبح الماضي بالانغماس في

الملذات والملهيات، بينما يلقاه

الآخر بصدر ضيق وروح تملأها

الكآبة، وحين يمر بهما عجوز لا

أحد يعرف من أين ظهر ليكشف

عن ما يتوارى بداخل كل منهما،

فتسقط الأقنعة، ويري كل منهما

الآخر على حقيقته، ومع ذلك

لايفترقان.

ماهية الإنسان الحالي

تتبع المسرحية أسلوب البحث

العميق في موقف الإنسان من

لاعقلانية الواقع وتناقضاته

المقيتة، وتستمد المسرحية

موضوعها من التجارب

المعاصرة من حروب وخراب

شاهدناه في الآونة الأخيرة،

وذكرنا بما شاهده العالم من

قبل، إبان الحرب العالمية، وهو

ما ولد حينها نوعاً جديدًا من

المسرح سمي بمسرح اللامعقول،

حيث شعر الإنسان في ذلك

الوقت بعبثية الحياة التي برغم

حبه لها وتمسكه بها إلا أنه قضى

عليها بنفسه، وهو الشئ الذي بدأ

يرمي بظلاله من جديد على

عصرنا الحالي حتى أصبح يخيم

على منطقتنا العربية، ومن هنا

انطلق النص ليعبر عن وجودية

الإنسان الحالي وبحثه الشغوف

عن ماهيته التي أصبحت ضائعة

وعصية التحقق في هذا العالم،

محاولاً التحكم في الواقع،

والتحرر من الخضوع لقيمه

المنهارة، وتخطي كل أشكال

الغربة المحيطة بأركان حياته،

بحيث تقترن عملية التحكم

باستبصار لا تهاون فيه للحقائق

الجوهرية، مزيلاً للزيف

والأقنعة التي باتت تحيط بالبشر

وتجعلهم يجهلون حتى أنفسهم

أو أقرب الناس اليهم.الثاني:

لا أكاد أصدق أني عشت معك

تلك السنوات ولم أعرفك جيداً..

أنت متلون كالحرباء.."ومن

جملة الحوار الوارد على لسان

الرجل الثاني ترتكز المسرحية

على لحظة هي الأهم بين

المشاهد التي تمهد لها، وهي

لحظة التكشف، تلك اللحظة

التي تعتمد عليها الدراما بشكل

عام والتي نجدها في المسرحية

بمرور عابر السبيل الذي يقتحم

الحدث بمثابة مخلص حين يضع

ايدي الشخصيتين على الحقيقة

التي كانوا يجهلونها أو يحاولون

تناسيها متجاهلين في ذلك

محاولة فهم أنفسهم."العجوز:

لا تحاول فهم ما يجري في

الكون قبل أن تفهم نفسك بادئ

ذي بدء.. بذلك يمكن أن تفهم."

ومن عابر السبيل تنبثق

فكرة امتلاء الواقع بالزيف من

خلال تبني العلاقات الرمزية

المكثفة التي تتجاوز الأبعاد

المعقولة، ويتسع الجو الدرامي

الذي يصطحب معه حيل

الإخراج المسرحي ووسائل

التكنيك السينمائي الذي يعتمد

عليه العرض في إظهار مكنون

الشخصيات بشكلها البصري،

وكل ذلك من خلال تقاليد

الحدث المسرحي وبنائه المألوف

ولغته اليومية بالرغم من

هدم الوسائل التقليدية العتيقة

في التعبير، من خلال الأجواء

المشحونة بإمكانيات الخيال

وعلاقات العالم اللامعقول.

الماضي والحاضر

لقد استخدم العرض أسلوب

المزج بين الماضي والحاضر عن

طريق شاشة السينما باعتبارها

عنصراً مسرحياً يساهم في

خلق بناء حافل بكل ما ينتزع

إمكانات الموقف المضاد للقيم

اللاعقلانية، وهي بلا ريب تكسب

ذلك البناء وعياً بما هو فطري

وتلقائي في الإفصاح عما يكتنز

في النفس والأعماق الداخلية

للشخصيات، ومن خلال هذه

الحيلة نطلع على أجزاء من

الماضي لترتبط لدى المتلقى

بما تحويه نفس الشخصية وقد

نرى أيضاً من خلالها مستقبلها

الذي ينتظرها فهي حيلة تعرض

لنا مواقف الغضب والرفض لا

بشكله السردي فقط بل مشفوعاً

بالشكل المرئي الذي يعمل على

تعميق أحساس المتلقي ويوحده

معه، فقد جاءت هذه التقنية

لتطلعنا بالصورة عما يعتري

خلجات نفس الشخصيات أثناء

حوارها وهو ما من شأنه أن

يغري المتفرج أن يتمثل الحادث،

ويشارك في تجسيم صورته

المتحركة بحسه الانفعالي

ومراقبته الذهنية من أجل

أن يعثر بمعايشته على موقف

معين، لا يقتصر وجوده في

ما نراه في العمل لأنه موجود

في عالمنا أيضاً قبل أن يوجد

في عالم المسرحية.وقد وفق

المخرج ناصر عبد الرضا في

اختيار النص ، لما فيه من مشاعر

إنسانية متدفقة، ولحظات نادرة

من لحظات مكاشفة النفس

شديدة الثراء والعمق وهو الامر

الذي دائما ما يتلامس مع النفس

البشرية في معاناتها، ويدعو إلى

مواجهة النفس بصدق وشجاعة.

"العجوز : لا يمكنك التخلص

من الماضي.. وإن حاولت

تناسيه.. إنه موجود دائماً يطل

عليك.. إنه جزء منك.."

سينوغرافيا متقدمة

وقد تجلت رؤية المخرج في

أوج صورها من خلال تعامله

مع الفضاء المسرحي باستخدامه

لتقنية السينما في المسرح

من خلال شاشة عرض على

الخشبة عملت على دمج الحاضر

بالماضي والواقع بالخيال

والحقيقة بالوهم والوحشية

بأرقى المشاعر الإنسانية وهو

ما جعله يعتمد على استغلال

الفضاء المسرحي عبر أكثر من

مستوى للتمثيل فيعبر عن أكثر

من زمان ومكان في ذات الوقت

وهو ما يجعلها تتداخل لتخرج

سينوغرافيا العمل بهذا الشكل

الذي يعد من النوع الذي من

شأنه أن يثري خشبة المسرح

بتعدد أدواتها الأساسية القديمة

منها وما جد باستحداث التقنيات

ودخولها في الخدمة لصالح

صورة العرض المسرحي، بدءاً

من النص موضوع العرض ومادة

التجسيد الفني، والتي هي

محوره، بل تمتد لتشمل كل

معطيات المكان من الديكور،

الإكسسوارات، الإضاءة بألوانها

ودلالاتها وحرفية استخداماتها.

سيمولوجيا العرض

إن توظيف الدلالات

السيمولوجية في المكان كالشجرة

المعمرة العجفاء يتناغم حالها مع

أجواء المسرحية وتعبر عن حال

اللامعقول لتعكس نظرات العالم

المتسمة بالقلق القانط والشعور

بالإحباط وانحسار الأمل مثلها

في ذلك مثل الشجرة الناضبة

التي احتوت بين أغصانها الذابلة

على التحريض الخفي لرفض

هزيمة الإنسان أمام الحرب

العالمية من خلال المسرحية

العبثية "في انتظار جودو"،

شجرة عجفاء أيضاً تظلل بها

فلاديمير واستراغون بعد أن

وضعا العالم وراءهما وانشغلا في

قضيه وحيدة، هي انتظار جودو

الذي لا نعرفه، للقاء كائن خفي

يريدنا الكاتب أن نقتنع سلفا بأنه

لن يأتي عند هذه الشجرة أبداً.

تلك الشجرة التي ارتبطت لدينا

بالصورة العبثية اعتمد عليها

العرض لإيصال المعنى، وفي

دلالة أخرى من دلالات العرض

نجد إحدى الشخصيات ترتدي

وشاحاً وفي إحدى نظريات

الفيلسوف الإيطالي دي بونو التي

أسماها "القبعات الست للتفكير"

نجده قسم خلالها التفكير

إلى ستة أنواع ورمز لها بألوان

القبعات وقال على القبعة السوداء

إنها قبعة تميز التفكير السلبي أو

المنطق الرافض وفي المسرحية

نجد أن إحدى الشخصيتين تتعلق

بهذه القبعة، أو الوشاح - أي بهذه

الفكرة - ويشاكسه صديقه بأخذه

منه.

"الأول: هلا أعدت الوشاح؟"

"الثاني: لا.. أعلم مدى حبك

لهذا الوشاح.."

ونجد أن الأول صاحب الوشاح

الذي انزله من حول عنقه

يتحول في النهاية إلى شخصية

مقبلة على الحياة بينما من كان

يصر على عدم إعطائه الوشاح

ويحتفظ به في يده يتحول

رافضاً للحياة، هذه الدلالات

السيمولوجية اعتمد عليها العرض

إلى حد كبير في إيصال معان

قدمت في إطار اللامعقول.

النهاية

تعمد المخرج أن ينهي

المسرحية نهايتين مختلفتين

عبر مستويي الحدث فيحترق

البطل المقدم على الانتحار من

خلال شاشة السينما، بينما يعود

ليمرح مع صديقه على خشبة

المسرح، وربما أراد عبد الرضا

ان يترك بصيصاً من الأمل في

النهاية من خلال عودته مرة

أخرى بعد غسل آثامه بالندم

على ما اقترفه في الماضي،

بحيث يصبح ما رأيناه على شاشة

السينما ما هو إلا دلالة على هذا

الندم بينما يصبح الواقع أكثر

إشراقاً عند نزع الاقنعة وبدأ

التعرف على الأخطاء حتى يتم

تجنبها والندم عليها.

الأداء التمثيلي

وقد أجاد عبد الرضا في

تخطيط حركة ممثلي العرض

في خفة وانسيابية وسلاسة،

كما وفق كذلك في اختيار الفنان

عبدالله أحمد في دور عابر

السبيل الذي كشف عن مكامن

إبداع فني متدفق، لا يكشف عنه

إلا الأعمال المكتوبة بحرفية

عالية، مع التزام فرضته طبيعة

النص، والفنان أشرف العوضي

الذي استعرض مكامن ومخزون

طاقاته الإبداعية كممثل

مسرحي، متنقلا بين مختلف

المشاعر المتناقضة في براعة

الفنان صادق الموهبة بخلجاته،

ثورته، جنونه، وبراعته في

تجسيد الشخصية، وتشخيصها

بحرفية بالغة، والفنان فيصل

رشيد الذي أجاد تجسيد دوره

وحاول الحفاظ على الطبيعة

الخاصة والمختلفة للشخصيتين

بترابط محكم وتفاعل متوازن

من خلال أدائهما الجيد.

 

المصدر :: جريدة الراية اليوم الأحد بتاريخ (15/11/2009م)

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
الرد على هذا الموضوع...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...